logo

امرأة من غزة


بتاريخ : الثلاثاء ، 3 جمادى الأول ، 1446 الموافق 05 نوفمبر 2024
امرأة من غزة

لا يختار الإنسان أبويه، ولا قبيلته، ولا المكان الذي يولد فيه، ولا المكان الذي يموت فيه، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]، وقد تجبره الحياة أن يعيش في مكان لا يحب العيش فيه، ولا يرغب في البقاء في ذلك المكان، ولا يمكنه الانتقال منه، وقد يكون قدره المعاناة والتضحية. 

والمرأة الفلسطينية عمومًا والغزية خصوصًا كان قدرها أشد الأقدار قسوة وصعوبة، فالمكان التي تعيش فيه منطقة ملتهبة من الحروب والصراعات، لم تهدأ الحرب وتنطفئ نيرانها حتى تشتعل من جديد، وما من امرأة إلا تجرعت مرارة فقد قريب أو عائل، بل منهن من فقد أبنائها الأربع في يوم واحد، ومع ذلك كان الصبر والثبات منها يضرب به المثل. 

لقد كان حظ المرأة الغزية في هذه المعارك لا يقل عن الرجل في القتل والاعتقال والتهجير والتعذيب، فلك أن تتخيل أن يصل عدد القتلى من النساء تسعة آلاف امرأة، والمعركة ما زالت مستمرة، والحرب ما زالت مشتعلة، كيف بالمصابات والمأسورات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

لم يكن في تخيل أي أديب أو كاتب أن مذابح بحق النساء والأطفال ستسحقهم من الآلة العسكرية الصهيونية الأمريكية في وضح النهار، تسعة آلاف شهيدة فلسطينية مقتولة مضرجة بدمائها أو مدفونة تحت رماد بيتها المحترق بفعل صواريخ الكفر والحضارة الكاذبة وسريالية حقوق النساء اللامرئية في غزة، ستمائة وستون عائلة فلسطينية أزيلت من الوجود، أزالوها بقنابل وصواريخ أمريكية؛ بينما المجتمع الدولي لا زال يمارس مؤامرة التعامي والتغافل والتجاهل، ألفي مفقود قد يكون على قيد الحياة/الموت لا زال بين أنقاض البيوت المسفوكة بفعل قنابل الاحتلال الصهيوني، البيوت المسفوكة تزيد عن ستة آلاف وخمسمائة بيت مدمر في غزة ورفح وخان يونس وبيت لاهيا وبيت حانون ودير البلح والبريج والمغازي، وهدمت تسع وعشرون ألف وحدة سكنية، كم من القنابل المتفجرة التي ألقتها الطائرات الحربية المسعورة "اثني عشر ألف طن" من القنابل العمياء ألقيت على مليوني إنسان ونصف يعيش في قطاع غزة على بيوته وشوارعه حدائقه ومدارسه ومستشفياته في كل مكان ألقيت قنابل الحقد الصهيونية لتفتك باللحم الطري وتطحنه ثم تكذب وتكذب..!! الأمم المتحدة تقول لا مكان آمن في غزة. 

فمنذ بداية العدوان على غزة، تستهدف آلة الحرب الصهيونية النساء والأطفال عمدًا، ويشكل الضحايا من هاتين الفئتين 70 بالمئة من ضحايا الحرب، ومن بين 1,9 مليون شخص نازح في غزة، هناك ما يقرب من مليون امرأة نازحة. 

وعلى مدى شهور الحرب، هُجِّرت نساء غزة مع أطفالهن ليس مرة واحدة فقط؛ بل مرات عدة، ما ترك آثارًا نفسية وجسدية ومادية مدمّرة على هاتين الفئتين.

كل ساعة تمر من عمر الحرب تُقتل أُمّان في غزة على الأقل، أو ما يقارب 37 أُمًا يوميًا، ويترك أطفالها من دون أدنى دعم نفسي أو مادي، وأظهرت إحصاءات المؤسسات المرتبطة بالأمم المتحدة أنه “حتى آذار/ مارس الماضي، قتلت القوات الصهيونية نحو 9000 امرأة و12 ألف طفل”، هذا إضافة إلى وجود ما لا يقل عن 17 ألف طفل فقدوا كلا الوالدين، وعدد أكبر فقدوا أحدهما.

وهناك تقارير تحدثت عن حالات إعدام أُجريت على طرقات النزوح، كان ضحاياها نساء وأطفال، وقد استُهدفوا عمدًا وهم يحملون الأعلام البيضاء أثناء فرارهم إلى أماكن أكثر أمانًا.

يتم إعدام النساء غالبًا مع أفراد أسرهن، خصوصًا أطفالهن، وقد اختفى عدد غير معروف من النساء والأطفال في مناطق شمال غزة، لم يُعرف عنهم شيئًا حتى الساعة، كما لم يُعثر على جثثهم بعد، وهناك أطفال فُصلوا عن والديهم، وما زالوا مجهولي العناوين بالنسبة إلى ذويهم وأقاربهم، وسجلت تقارير صحافية نقل طفلة واحدة على الأقل قسرًا إلى الكيان المحتل. 

علاوة على الإبادة الجسدية، تتعرض النساء الفلسطينيات في غزة لسلوكيات إنسانية مهينة من الجيش الصهيوني وفي هذا السياق، كشفت ريم السالم، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، أنها تلقت تقارير مروعة عن تجريد نساء من ملابسهن وتصويرهن، بخاصة أثناء الاستجواب، وقد تبادل الجنود صورهن فيما بينهم وعلى شبكة الإنترنت، وهذا يدعم التقارير الصحافية والشهادات الشخصية التي تحدثت عن حالات اعتداء وتحرش جنسي، واعتقالات وقتل عمد بحق النساء الفلسطينيات على أيدي ضباط صهاينة.

معاناة النساء الفلسطينيات في غزة مزدوجة، فردية وجماعية، فلا تكاد توجد امرأة في غزة لم تفقد فردًا أو أكثر من عائلتها، بمن فيهم أطفالها، والناجيات لا يملكن رفاهية الحداد على أحبائهن وأحيانًا كثيرة دفنهم، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فقدت ثلاثة آلاف امرأة تقريبًا أزواجهن خلال الحرب، وبتن يواجهن نقصًا حادًا في الغذاء، بصفتهن معيلات وحيدات، لعدم قدرتهن على الوصول إلى مصادر الغذاء. 

وفي الأشهر الأولى للحرب، واجهت 50 ألف امرأة حامل عوائق مادية ومشاكل صحية ونفسية قاسية ومؤلمة بسبب الحرب، وتمت 183 ولادة يوميًا من دون تخدير ومسكنات، بسبب نقص الخدمات الطبية والصحية، وغياب الأطباء والممرضات أو القابلات، وانعدام الرعاية أثناء الولادة وبعدها لصعوبة الوصول إلى المساعدة، وحُرمت 45 ألف امرأة من الحصول على الخدمات الإنجابية الأساسية، وولد نحو 5000 طفل في ظروف سيئة للغاية، كما تسببت الحرب بحالات إجهاض خطرة على الحياة نتيجة إصابة الأم أو خوفها، وبولادات مبكرة للسبب ذاته، عدا عن مقتل عدد من الأمهات مع أجنتهنّ. 

وأنجب عدد كبير من الحوامل أطفالهن في المخيمات وفي أماكن غير مناسبة للولادة، 40 بالمئة من الحوامل تعرضن لخطر التسمم والالتهابات، ومن احتجن منهن لعملية ولادة قيصرية، خضعن لها من دون تخدير ولا مطهرات ولا مضادات حيوية لمعالجة التهابات ما بعد الولادة، إضافة إلى تحديات في الحصول على الرعاية الطبية والتغذية والرعاية الكافية بعد الولادة.

وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع معدلات الإجهاض والولادة المبكرة في غزة إلى 20 بالمئة، منذ بداية الحرب، ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن “هناك 840 امرأة في غزة يتعرضن لمضاعفات تتعلق بالحمل أو الولادة.

لكن في حال تجاوزت الأمهات هذه الأخطار أثناء فترة الحمل والولادة بأمان، ولم يقضِ عليهن القصف الصهيونية، فإنهن سيواجهن خطر نقص الرعاية الطبية وسوء التغذية والجوع لاحقًا، فالقيود المفروضة على إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، أضرت بالنساء وأطفالهن بالدرجة الأولى، ولذلك تواجه الحوامل والمرضعات مخاطر صحية وغذائية حادة؛ تؤثر تلقائيًا على أطفالهن، فلا توجد مياه صالحة للشرب، ولا غذاء كاف ومناسب لهن لإرضاع أطفالهن، كما لا يوجد حليب صناعي للأطفال لتعويض هذا النقص، وحتى لو تم العثور على تركيبة حليب صناعي، فلا توجد مياه آمنة يمكن خلطها بالحليب لإعطائها للرضيع الجائع، كما لا تتوفر بين أيدي الأمهات ملابس دافئة ومناسبة لأطفالهن حديثي الولادة، فقد اضطرت الأمهات إلى النزوح وترك مقتنياتهن خلفهن، من بينها كل ما يتعلق بحاجيات الأطفال (1). 

جاءت امرأة نزيعة من العرب تحت رجل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع، فجلست عند صائغ في حلي لها، فجاء رجل من يهود قينقاع فجلس من ورائها ولا تشعر، فخل درعها إلى ظهرها بشوكة، فلما قامت المرأة بدت عورتها فضحكوا منها، فقام إليه رجل من المسلمين فاتبعه فقتله، فاجتمعت بنو قينقاع، وتحايشوا فقتلوا الرجل، ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوا، وتحصنوا في حصنهم، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم، فكانوا أول من سار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجلى يهود قينقاع، وكانوا أول يهود حاربت (2).

عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: إني لبالفلجتين مقبل من الشام، إذ لقيت بني قينقاع يحملون الذرية والنساء، قد حملوهم على الإبل وهم يمشون، فسألتهم فقالوا: أجلانا محمد وأخذ أموالنا، قلت: فأين تريدون؟ قالوا: الشام (3).

يقول محمد الغزالي: والظاهر أن طوائف اليهود التي عاشت بين العرب كانت عصابات من المرتزقة، اتخذت الدين عنوانًا لمطامع اقتصادية بعيدة المدى، فلمّا توهّمت أنّ هذه المطامع مهدّدة بالزوال ظهر الكفر المخبوء، فإذا هو كفر بالله وسائر المرسلين.

ولم يعرف أولئك شرفًا في حرب الإسلام، ولم يقفهم حد أو عهد في الكيد له، فلم يكن بدّ من إجلائهم وتنظيف الأرض منهم (4). 

إن أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ير التساهل مطلقًا مع اليهود بعد هذا الموقف الذي فعلوه مع المرأة المسلمة ومع الرجل المسلم الذي قتل؛ لأن فعلهم كان مخالفة صريحة للمعاهدة التي بينه وبينهم، ولو سكت صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود للمعاهدة مرة ثانية وثالثة وأكثر من ذلك -لزاد اليهود من تطاولهم، وبالتالي يبدؤون الدخول في مرحلة ثانية من الاستهزاء بالدولة الإسلامية وبكرامتها، وعندما يكون هناك تساهل بالأمر الجديد سيعملون أشياء أخرى أكثر وأكثر، وحدود اليهود ليست لها نهاية. 

ورأينا هذا الفعل من اليهود سواء في السابق أو في اللاحق، وسنظل نراه من اليهود إلى يوم القيامة؛ لأن هذه طبيعة من طبائع اليهود. 

ولكن السؤال: أين المسلمون مما يحدث لإخوانهم وأخواتهم، لا حمية الجاهلية، ولا العصبية العربية، ولا النخوة والشهامة والعزة الإسلامية، حتى وصلنا إلى أن يتطاول على أعراضنا إخوان القردة والخنازير، حثالة الشعوب ونفايات المجتمعات، ومرتزقة مأجورين، اجتمعوا على أبناء فلسطين، فلا الغرب أوقف حقدهم بل على العكس أيد وساند وأمدهم السلاح والعتاد، ولا العرب تحركوا وانتفضوا أو غضبوا لأبناء دينهم وعقيدتهم؟ أين الغرب دعاة الحرية والديمقراطية والتسامح؟ وأين العرب وغضبتهم لأبنائهم وأعراضهم وأرضهم؟ وأين المسلمون وجهادهم والدفاع عن مقدساتهم وحرماته؟

لقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قرارًا حاسمًا وسريعًا بحصار بني قينقاع، وعقابهم بالطريقة التي شرعت في المعاهدة التي بينه وبينهم قبل ذلك بسنتين، إذًا: هذا هو الوضع الحاسم الذي علمنا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم.  

وإليك نموذج آخر عندما كان المسلمون يعيشون في عزة الإسلام، كانت عمورية مدينة حصينة في الأناضول تقع جنوبي غربي مدينة أنقرة، وكانت موقعة "عمورية" في رمضان سنة 223هـ؛ ردًا على غزو ملك الروم "تيوفيل" الذي اقتحم حصن "زبطرة" أثناء انشغال الخليفة المعتصم وجيشه برد فتنة "بابك الخرمي" وأصحابه ببلاد فارس.

وكان من جراء ذلك أن دخل ملك الروم حصن "زبطرة" وقتل خيرة أهلها، واسترق الباقي، وأخذ في الأسر ألف امرأة من المسلمات، وفي هذه الحادثة أن امرأة من المسلمات الهاشميات صرخت مستغيثة لما أخذت في الأسر "وا معتصماه". 

فلما بلغ المعتصم ذلك استعظمه وكبر لديه حيث بلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وا معتصماه! فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته... وجمع العساكر، فجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد وهو عبد الرحمن بن إسحاق، وشعبة بن سهل، ومعهما 328 رجلًا من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثًا لولده، وثلثًا لله تعالى، وثلثًا لمواليه. 

وقيل إن المعتصم لما أراد الخروج حذره المنجمون من الخروج، وإنّ ذلك طالع نحس، وإنه يهزم ويكسر، فلم يلتفت لتخرصاتهم، وعزم على الخروج وغزو الروم؛ فأظفره الله عليهم، وفي ذلك يقول أبو تمام:

 

السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب

والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية بل أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

وقد خرج المعتصم على رأس جيش عظيم، قيل كان جيشه يتكون من 200 ألف مقاتل، وقيل كان في 500 ألف مقاتل، وعندما وصل الجيش الإسلامي بلاد الروم أقام على نهر اللامس، الحد الفاصل بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية، والذي على ضفتيه كانت تتم مبادلة الأسرى. 

ثم أمر قواده بغزو بلاد الروم من ثلاث جهات، وسير أمامه قائده "الأفشين" لكي يفتح الطريق أمام الجيش، وأمره بالاتجاه إلى أنقرة ففتحها المسلمون، ثم سأل المعتصم قواده: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل له: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية، فعزم المعتصم على غزوها وفتحها.

واجتمعت كل العساكر بقيادة "المعتصم" عند عموريّة، وتحصن أهلها بالأبراج، وجعل المعتصم كل قائد من قواده على ناحية من أبراج المدينة، وجعل المسلمون يرمونهم بالمنجنيق، والروم يردون عليهم الضرب، والروم في منعة شديدة داخل أبراج المدينة. 

وعلم المعتصم من عربي متنصّر، تزوّج في عمورية وأقام بها، أن موضعًا من المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السور في ذلك الموضع، فأمر المعتصم بتشديد الرمي بالمنجنيق على هذا الموضع، ومحاولة دخول المدينة منه، وأمر بردم الخنادق التي أقامها أهل عمورية حول أسوار المدينة، ودار قتال شديد انتصر فيه المسلمون بالنهاية، ودخلوا عمورية لست ليال بقين من شهر رمضان، وتم قتل نفر كثير من أهل الروم المحاربين، كان على رأسهم قائدهم ياطس.

وسقطت عمورية بعد معركة طويلة صعبة استخدمت فيها أدوات الحصار الضخمة الكبيرة كالدبابات والمجانيق والسلالم والأبراج على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يومًا (5).

ويقال بعدها أحضر المعتصم الأعرابي الذي أبلغه باستغاثة المرأة المسلمة، وطلب منه أن يأخذه إلى مكانها، ولما وصل إليها قال لها: هل لبى المعتصم نداءك، وملكها سيدها، والرجل الذي لطمها، وعادت حرة كما كانت بفضل المعتصم، وكان نداء هذه المرأة هو السبب في فتح عمورية وقد خلد "أبو تمام" ذكرى هذه الوقعة العظيمة بقصيدته المشهورة والتي جاء فيها:

 

خليفة الله! جازى الله سعيك عن جرثومة الدين والإسلام والحسب

بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلا في جسرٍ من التعب 

فأين من ينقذ نساء غزة ونساء فلسطين من الأسر والذبح والقتل، إن من علامات النفاق ظهور الحمية في قضايا غير المسلمين والفتور عند قضايا المسلمين {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)} [المجادلة: 14، 15].

قُتل خمسة أنجاس من صحيفة شارل ايبدوا فتحرك رؤساء دول إسلامية جنبًا إلى جنب مع رؤساء الدول الكافرة في مظاهرة حاشدة لمقتل خمسة أنجاس أساءوا لسيد البشرية صلى الله عليه وسلم، فأين الحمية والمروءة والعزة والنخوة والكرامة.  

فتحرير المسجد الأقصى لا يكون بالبيانات، والاستجداء المذل للمؤسسات الدولية، إنما يكون بالرجوع لدين الأمة ووحدتها، والجهاد في سبيل الله، والتبرؤ من الخونة الذين يكبلونها عن نصرة الإسلام ونصرة الأقصى.

 تقول أم سلمة رضي الله عنها: لما سمحوا لي بالهجرة إلى زوجي وأعطوني طفلي قلت أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أوما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله، إلا الله وبني هذا، قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوى بي، فو الله ما صحبت رجلًا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى عني إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح، قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاده، حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية- وكان أبو سلمة بها نازلًا- فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة.

قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة (6). 

قد كان عثمان يوم هجرته بأم سلمة على الكفر، وإنما أسلم في هدنة الحديبية، وهاجر قبل الفتح مع خالد بن الوليد، ومع ذلك تشهد له أم سلمة رضي الله عنها بكرم الصحبة، وذلك شاهد صدق على نفاسة هذا المعدن، وكمال مروءته، وحمايته للضعيف، فقد أبت عليه مروءته وخلقه العربي الأصيل أن يدع امرأة شريفة تسير وحدها في هذه الصحراء الموحشة، وإن كانت على غير دينه، وهو يعلم أنها بهجرتها تراغمه وأمثاله من كفار قريش.

فأين نحن من هذه النخوة العربية، وهذا الكرم الأخلاقي؟

إنَّ كيان المغضوب عليهم كيان هش، وجنوده لا يصمدون في معركة؛ لأنهم كما وصفهم الله تعالى أحرص الناس على حياة، فتحرير المسجد الأقصى أقرب مما نظن، فنحن على موعد مع نصر الله تعالى، فأجمعوا أمركم وكونوا على قلب رجل واحد للقيام نصرة للإسلام والمسجد الأقصى.

وإننا نخاطب الأمة الإسلامية بما أوجبه الله عليها من نصرة الإسلام، نخاطبها بكلام الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ ‌تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

إنَّا نستنصر الأمة الإسلامية للدفاع عن الأعراض المسلمة والدماء المسلمة والنجدة لتحرير بيت المقدس، فهذا هو الحق {فَمَاذَا ‌بَعْدَ ‌الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، وتالله إن هذا لهو صراط العزيز الحميد {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ‌فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

 

من للثكالى إذا ناحت نوائحها *** من للجراح التي استشرت بوادينا

من لليتامى إذا سالت دموعهمُ *** على الخدود وقالوا: من يواسينا

من للضحايا إذا ضجت مُرددةً ** صاد المنيةُ، قلّ اليومَ باكينا

من للحيارى لدرب الحق يرشدهم *** مِن بعدِ ما ضيعوا الأخلاق والدينا

من للسيوف إذا لانت أسنتها *** أيغمدُ السيفُ قسرًا في نوادينا

 ------------

(1) نساء غزة ماجدات يدفعن الفاتورة الأكبر لإرهاب الاحتلال/ المركز الفلسطيني للإعلام.

(2) مغازي الواقدي (1/ 177).

(3) مغازي الواقدي (1/ 180).

(4) فقه السيرة للغزالي (ص: 249).

(5) انظر: تاريخ الرسل والملوك (9/ 57).

(6) سيرة ابن هشام (1/ 470).