النقاء الدعوي
ما من عمل من الأعمال ولا عبادة من العبادات إلا وفيها شوائب تحتاج إلى تنقية، أو رواسب تحتاج إلى تخلية؛ إن لم تكن رياء فبدعة، وإن لم تكن شبهة فشهوة، والدعوة كعمل من الأعمال وعبادة من العبادات التي تشوبها الشوائب، وتطرأ عليها البدع، ويتخللها الرياء، فحاجة الدعوة إلى التنقية أشد، وإلى التخلية أوجب، ونحن إن نبحث في هذا الجانب نريد للدعوة النقاء والصفاء من شوائب البدع والرياء.
أولًا: نقاء الغاية:
الغاية هي الدافع والمحرك الأول لأي إنسان، أي أنها بمثابة المهمة الكبرى أو الرؤية التي من خلالها سيضع الإنسان أهدافه الخاصة، ويسعى لتحقيقها.
وغاية الدعوة التزكية؛ {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19)} [النازعات:18-19]، وثمرتها الخشية؛ {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]،إذا أردت أن تقيس حالك فانظر خشية الله في قلبك، العالمون بالله حقًا هم أهل الخشية.
فالغاية الله بحيث لا ينافسه في قلوبنا منافس، ولا يبطئ سيرنا إليه تهديدات ولا مغريات، لا نلتفت عنه، ولا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فلا نرضى إلا بلوغ غايتنا، وكما قال أحدهم: الله غايتنا، وهل من غاية أبهى وأسمى من رضى الرحمن؟
فمن التفت عن غايته ضل الطريق، وتفرقت به السبل، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله»(1).
وهى غاية لها شرفها وسماتها، ومن سمات غايتنا هذه أنها لا تقبل الشريك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»(2).
ومن سماتها أنها لا تتحقق في الدنيا إنما هي للآخرة حين نسمع النداء: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل»(3).
ومن سمات غايتنا أنها تتلألأ في أعين أصحابها؛ تثبتهم عند الضعف، وتحمسهم عند التردد، ألم تتلألأ في عين عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم تردد في مؤتة هنيهة من الزمن فنهض يقول:
أقســـــــــــــمت يـــــــا نفس لتنزلــــــــنه لتنـــــــــــــــــــــــــــــــزلن أو لتكرهنـــــه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه ما لي أراك تكرهين الجنة