logo

المولد النبوي، والرد على شبهات من يتخذونه عيدًا


بتاريخ : الثلاثاء ، 17 جمادى الأول ، 1443 الموافق 21 ديسمبر 2021
بقلم : تيار الإصلاح
المولد النبوي، والرد على شبهات من يتخذونه عيدًا

الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد عبد الله ومصطفاه، وخيرته من خلقه ومجتباه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتبع سنته واقتدى بهداه، وبعد.

فقد درج كثير من عوام المسلمين في الأزمنة المتأخرة، على الاحتفال بيوم يعتقدون أنه يوم مولده صلى الله عليه وسلم، في كل عام، ويظنون أنهم بذلك محسنون.

ويزين لهم بعض المشايخ – وأغلبهم من ذوي الاتجاه الصوفي– ذلك الأمر تزيينا[1].

ويعترض أصحاب هذا الاتجاه بشدة، على مخالفيهم من أهل العلم، ممن يرون بدعية هذا الاحتفال، ولهم في ذلك شبهات تلتبس في كثير من الأحيان على عوام المسلمين، خاصة والأمر يتعلق فيما يظنون أنه تعبير صادق عن عظيم محبتهم لنبيهم.

ونعرض في هذا المقام لأشهر هذه الشبهات، مع ذكر منهج وكلام أهل العلم المعتبرين من السلف الصالح والأئمة المرضيين، الأصدق حبا في محبة نبيهم ممن جاء بعدهم، والأعظم غيرة على شريعته أن يحدث فيها ما ليس منها.

ذلك المنهج الذي تلقوه من نبيهم صلى الله عليه وسلم، وتعهدوا بإبلاغه وتعليمه لمن شاء من أمته أن يستقيم.

الشبهات:

الشبهة الأولى: الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة، وإنما هو سنة حسنة، لحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة)؛ فهو من قبيل صلاة بلال ركعتين بعد كل وضوء، وزيادة عمر في التراويح إلى عشرين ركعة، مع قوله: نعمت البدعة هذه، وصلاة خبيب ركعتين قبل القتل. وهكذا قسم العلماء البدعة إلى حسنة وسيئة.

والجواب:

بل هي بدعة، وكل بدعة ضلالة، ففيها تنقص للدين واستدراك على الشريعة. قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}.

قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؛ قال البغوي: ((هو عام في كل أمر أمر به النبي، صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه))، وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، وقد استدل الإمام مالك، رحمه الله، بهذه الآية على أنه لا يجوز لأحد أن يتجاوز الأمر المشروع ويزيد عليه[2].

والسنة الحسنة لا تكون إلاَ لما له أصل في الدين كالصدقة وهي التي كانت سبباً في هذا الحديث المشار إليه، وهو أنه لما جاء أناس محتاجون إلى النبي صلى الله عليه وسلم من العرب، عند ذلك رق لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمر بالصدقة وحث عليها، فقام رجل من الصحابة وتصدق بمال كثير، ثم تتابع الناس وتصدقوا اقتداءً به؛ لأنه بدأ لهم الطريق، عند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها"؛ فهذا الرجل عمل بسنة، وهي الصدقة ومساعدة المحتاجين، والصدقة ليست بدعة؛ لأنها مأمور بها بالكتاب والسنة، فهي سنة حسنة، من أحياها وعمل بها وبينها للناس حتى عملوا بها واقتدوا به فيها؛ كان له من الأجر مثل أجورهم[3].

فالحديث لا يدل على ما يقوله هؤلاء بأي وجه؛ لأن الرسول لم يقل من ابتدع بدعة حسنة، وإنما قال: "من سن سنة حسنة"، والسنة غير البدعة، السنة هي ما كان موافقًا للكتاب والسنة، موافقًا للدليل، هذا هو السنة؛ فمن عمل بالسنة التي دل عليها الكتاب والسنة يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؛ يعني: من أحيا هذه السنة وعلمها للناس وبينها للناس وعملوا بها اقتداءً به؛ فإنه يكون له من الأجر مثل أجورهم.

وأما ما ذكر من فعل بلال وخبيب، فإنما صار سنة أو مشروعا بإقرار النبي لذلك، وكان ذلك زمن التشريع ونزول الوحي، وكل ذلك قرينة على المشروعية. وأما صلاة عمر بالناس في جماعة ففعله رسول الله قبله، ثم تركه لا لنسخه، وإنما خشية أن تفرض تلك الصلاة بالليل.

كما أن كلا من بلال وخبيب لم يحدث زيادة في الدين، غاية ما في الأمر أنه صلى في وقت ما، ولا جدال في مشروعية التطوع بالصلاة في كل الأوقات.

وأما استدلالهم ببعض أقوال أهل العلم على تقسيم البدعة، كقول الإمام الشافعي: "المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة ضلالة، وما أحدث لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة، قد قال عمر رضي الله عنه في قيام رمضان "نعمت البدعة هذه"، يعني إنها محدثة لم تكن، وإن كانت فليس فيها رد لما مضى"[4].

استدلالهم هذا مردود؛ إذ إن الإمام الشافعي أو غيره من أهل السنة يقصدون البدعة في اللغة، وليس الإحداث في الدين، ويدل على هذا أن الإمام الشافعي نفسه يقول: "وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال، إلى أن قال: ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق"[5].

وفي هذا يقول ابن رجب: "فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية. فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك، فقال: "نعمت البدعة هذه "[6].

وقال الشاطبي في معرض رده على المستحسن للبدع بقول عمر رضي الله عنه، فقال: " إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أنها بدعة في المعنى؛ فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي، وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه"[7].

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل ما لم يشرع من الدين فهو ضلالة، وما سمي بدعة، وثبت حسنه، بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم، إما أن يقال ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة كما قال نعمت البدعة هذه"[8].

وقال الشيخ ابن عثيمين في الرد على من يرى الاحتفال بالمولد النبوي: هذا الحسن الذي ادعيت أنه ثابت في هذه البدعة هل كان خافياً لدى النبي صلى الله عليه وسلم أم معلوم عنده لكنه كتمه؟ ولم يطلع عليه أحد من سلف الأمة حتى أدخر لك علمه؟! فإن قال بالأول فشر وإن قال بالثاني فأطم وأشر. فإن قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم هذه البدعة فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالجهل والعياذ بالله!! وإن قال أنه صلى الله عليه وسلم كتم هذه البدعة فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة !![9]

وخلاصة ما سبق: أنه ليس في الدين بدعة حسنة وبدعة قبيحة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال القول الفصل ليس بالهزل: ((كل بدعة ضلالة))، فهذا نص لا يحل رد دلالته على ذم البدع مطلقًا، أو معارضته بعادات أو قول بعض العلماء. وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة )[10].

وقال الإمام مالك: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة لأن الله يقول " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا)[11].

وقال الإمام أحمـد: ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء وترك البدع وكل بدعة فهي ضلال)[12].

وقال أبو حنيفة: (عليك بالأثر وطريق السلف ، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة)[13].

الشبهة الثانية: الاحتفال لم يحرمه أو يبدعه كل العلماء، بل بعضهم، فالمسألة خلافية، وما دام الجميع متفقين على حب نبيهم، فلا مانع من الاحتفال، ولكل واحد طريقته في التعبير عن ذلك الحب، والاحتفال من صور التعبير عن محبة نبينا والمهم عدم الغلو وعدم ارتكاب محظور في ذلك. وقد قال الله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، ولا شك أن في الاحتفال تذكيرا ووعظا، وفعلا للخير، ونشرًا للهدي النبوي، وتعليما للمسلمين لسيرة نبيهم، وتربية وتنشئة لهم على محبته.

وبالجملة فإن الاحتفال يشتمل على مستحبات وواجبات، كالصلاة عليه، وإطعام الطعام، وتعلم سيرته، ومن ثم فهو إما واجب أو مستحب، وترشد له الشريعة بأدلتها العامة.

والجواب:

قال تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فردوه إلى الله والرسول). وقدد رددنا ذلك إلى الكتاب والسنة، وفهم عظماء هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم من خير القرون، فلم نجدهم يقيمون احتفالا بمولده.

ولو نهجنا هذا النهج، وفتحنا الباب لكل من يزين له شيء في الدين أن يفعله، لم نبق على شريعة ولم نبق على دين. وإنما نسير على وفق الكتاب والسنة، وهما القاضيان بأن كل بعدة ضلالة، وأن السنة الحسنة لا تكون إلاَ لما له أصل في الدين.

وإن كان السيوطي أو غيره من العلماء قد أجازوا الاحتفال بالمولد، فإن غيرهم من العلماء، وهم الأكثر عددا، والأفضل مكانة ومنزلة، والأفقه في الدين، كعلماء الصحابة، والأئمة الأربعة، منعوا ذلك، ولم يروا مشروعيته.

وليس في تجويز السيوطي أو غيره حجة، وإنما الحجة في الكتاب والسنة وإجماع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم ليعلم أن كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته ظاهراً وباطناً ونشر ما بعث به، وهذه طريقة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وأما قولهم بأن الاحتفال من قبيل فعل الخيرات، فليس بصحيح، بل إن الواقع يشهد بأن في إقامة المولد من الشركيات والغلو والاطراء ما هو شر من كونه مجرد بدعة. والخير كل الخير في الاتباع لا في الابتداع.

قال الشيخ ابن باز: ((وقد يقع فيها – أي الموالد - ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي r وغيره ممن يسمونهم بالأولياء. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه)).

كما أن فيه مشابهة النصارى. قال الشيخ حمود التويجري: ((لا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً مبني على التشبه بالنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عيداً. وهذا مصداق ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: (( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا ذرعًا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم )) قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: ((فمن))[14]؟.

كذلك فإنها تشتمل على السماع المحرم كالغناء والأناشيد الصوفية.

قال ابن الحاج في المدخل: ((فمن ذلك – أي ما يجري في المولد – استعمالهم المغاني، ومعهم آلات الطرب من الطار المصرصر، والشبابة، وغير ذلك مما جعلوه آلة السماع)). وقال الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ((ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى؛ كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور)). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له: ((فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق)).

الشبهة الثالثة: قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يونس: 58، والرحمة في هذه الآية هو محمد صلى الله عليه وسلم، فالفرح به وبمولده فرح مأمور به بنص الآية.. وليس هنالك – غالبا - إلا التوسعة على الأهل بالطعام والشراب، وقراءة سيرته لأخذ العِبر والعِظَات، وتلاوةُ القرآن والصلاة على النبيِّ.

والرد على هذه الشبهة من وجوه:

الوجه الأول: أنه لم يفسر أحد من المفسرين كابن كثير وابن جرير والقرطبي وابن العربي الرحمة المذكورة في الآية بأنه محمد صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: تفسر هذه الآية الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]؛ وذلك هو القرآن الكريم. وقد فسرها أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما بأن فضل الله القرآن ورحمته الإسلام، كما جاء في تفسير القرطبي.

الوجه الثالث: التوسعة على الفقراء بإطعام الطعام وغيرها من أفعال البِرِّ والإحسان إن وقعت على الوجه الشرعي فهي من أعظم القربات والطاعات، لكن تخصيصها على الوجه الذي لا يثبت إلاَّ بنصٍّ شرعيٍّ، إذا انتفى تنتفي المشروعية.

أمّا الدروس والعِبر والعِظَات وتلاوةُ القرآن والذِّكر والصلاة على النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ وقراءة سيرته وغيرها فإنَّما تشرع كلَّ وقتٍ، وفي كلِّ مكان من غير تخصيصٍ كعموم المساجد والمدارس والمجالس العامَّة والخاصَّة.

وإن أُريد بالدروس والعظات وقراءة سيرته إحياء الذكرى به فإنَّ الله تكفَّل برفع ذكره في الدنيا والآخرة على مدار الأزمنة والدهور، فيُذكر مع الله في الأذان والخُطَب والصَّلوات والإقامة والتشهُّد ونحو ذلك ، فَقَصْرُ ذِكره في يومِ مولدِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، جفاءٌ في حَقِّهِ وتقصيرٌ في تعظيمه وتفريطٌ في توقيره ومحبّته[15].

الشبهة الرابعة: ثبت أنه كان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع فلما سئل عن ذلك، قال: ( ذلك يوم ولدت فيه؛ وأنزل علي فيه )[16]. ففي هذا اليوم يحتفل به المسلمون كل على طريقته إما بصيام أو بذكر أو صلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم أو بصدقة أو نحو ذلك.

والرد على هذه الشبهة من وجوه:

الوجه الأول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص اليوم الثاني عشر من ربيع الأول - إن صح أنه كان يوم مولده - بالصيام ولا بشيء من الأعمال دون سائر الأيام؛ ولو كان يعظم يوم مولده كما يزعمون لكان يتخذ ذلك اليوم عيداً في كل سنة أو يخصه بصيام أو بشي من الأعمال دون سائر الأيام!!

وفي عدم تخصيصه بشي من الأعمال دليل على أنه لم يفضله على غيره.

الوجه الثاني: الأولى بكم إن كنتم تحبون النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبعوه في أمره ونهيه وتقريره وفعله؛ فهو صلى الله عليه وسلم صام ذلك اليوم؛ فالأحرى بكم أن تصوموا يوم مولده كما صامه هو؛ وهو القائل صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

جاء في فتاوى الشبكة: وأما قوله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الإثنين: ذلك يوم ولدت فيه. فليس فيه دليل على الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وذلك لما تقدم، ولأن يوم الاثنين يتكرر أسبوعياً، وإنما يشرع فيه ما ورد به الشرع من صيامه، وذلك اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لمجرد أنه اليوم الذي ولد فيه[17].

وقال الشيخ محمد علي فركوس: أمَّا شبهتهم بالحديث فغاية ما يدلُّ عليه الترغيب في الصيام يوم الاثنين وقد اكتفى به، وما كفى النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ يكفي أُمَّتَه، وما وسعه يسعها، ولذلك كان شكر الله على نعمة ولادته بنوع ما شكر به ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ إنَّما يكون في هذا المعنى المشروع.

ومن ناحية أخرى أنَّ يوم الاثنين الذي هو يوم مولده ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ومبعثه ـ كما ورد في الحديث ـ وافق يوم وفاته بلا خلاف[18]، وعلى المشهور ـ أيضًا ـ أنَّ ولادته ووفاته كانتَا في شهر ربيع الأول، فلماذا يفرح الناس بولادته ولا يحزنون على وفاته، إذ ليس الفرح أولى من الحزن فيه، علمًا بأنَّ وفاتَه ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ مِن أعظم ما ابتلي به المسلمون، وأفجعِ ما أُصيبت به أُمَّة الإسلام.

قال ابن الحاج المالكي: (العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور ـ كما تقدَّم ـ لأجل مولده ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ في هذا الشهر الكريم ، وهو ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ فيه انتقل إلى كرامة ربِّه عزَّ وجلَّ، وفُجعت الأُمّة وأُصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا ، فعلى هذا يتعيَّن البكاء والحزن الكثير، وانفراد كُلِّ إنسان بنفسه لما أصيب به لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: « ليعزّ المسلمون في مصائبهم المصيبة بي»)[19].

وليس لليوم الثاني عشر من ربيع الأول ـ إن صحَّ أنّه مولده ـ من ميزةٍ دون الأيام الأخرى؛ لأنّه لم يُنقل عن النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ أنّه خصَّصه بالصيام أو بأيِّ عملٍ آخرَ، ولا فعله أهلُ القرون المفضَّلة من بعده، فدلَّ ذلك على أنَّه ليس له من فضلٍ على غيره من الأيام.

وحقيقٌ بالتنبيه أنّ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ومَن معه من الصحابة الكرام أجمعوا على ابتداء التقويم السنوي الإسلامي من التاريخ الهجري، وقد خالفوا في ذلك النصارى في البداءة حيث ابتدأوا تقويمَهم السَّنوي من يوم ولادة المسيح عيسى ـ عليه السلام ـ فعن سعيد بن المسيِّب قال: «جمع عمرُ الناسَ فسألهم: من أيِّ يوم يكتب التاريخ؟ فقال علي بن أبي طالب : مِن يوم هاجر رسولُ الله وترك أرضَ الشرك ، ففعله عمر رضي الله عنه»[20].

ولم يُنقل عنهم أنهم اتخذوا مولِدَه ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ولا مبعثَه ولا هجرتَه ولاَ وفاتَه عيدًا يحتفلون به، كما أنَّهم لم يقتدوا بالنصارى في وضع التاريخ الإسلامي، إذ المعلوم أنَّ من سنَّة النصارى اتخاذ موالد الأنبياء أعيادًا، فكيف العدول عن سُنَن الخلفاء الراشدين المهديِّين والاستنان بسُنَّة النصارى الضالين؟! وقد قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:

« فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ »[21].

ولا يخفى أنَّ سبيل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حقّ لازم اتباعه، وقد جاء الوعيد بمخالفة اتباع غيرِ سبيل المؤمنين في قوله تعالى: (( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا )) [النساء: 115][22].

الشبهة الخامسة: ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية الكبرى التي مضت؛ فإذا جاء الزمان التي وقعت فيه كانت فرصة لتذكرها وتعظيم يومها.

والجواب على هذه الشبهة من وجهين:

الوجه الأول: صحيح أن النعم تستوجب الشكر عليها؛ والنعمة الكبرى هي بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وليس مولده؛ إذ القرآن لم يشر ليوم مولده صلى الله عليه وسلم وإنما أشار لبعثته على أنها فضل ومنة ونعمة. قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} آل عمران 164. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} الجمعة 2

فلو كان الاحتفال بذكرى يوم مولده صلى الله عليه وسلم جائزاً لكان الأولى الاحتفال بذكرى يوم بعثته وليس ذكرى يوم مولده صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: أما صيامه صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء فهو مبلغ ومشرع عن ربه؛ والمطلوب أن نتبع لا أن نبتدع.

يقول الشيخ فركوس[23]: وأمّا عاشوراء الذي حثَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، على صيامه شُكرًا لله على نجاةِ موسى ومَنْ معه فإنَّما كان امتثالاً لأمرِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ وطاعةً له وهو شُكْرٌ لله على تأييده للحقِّ على الباطل، لكن ليس فيه دليلٌ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ على إقامة الموالد والاجتماع إليها وإحداث المواسم الدينية، لربط الأزمنة بالأحداث ـ زعموا ـ ، وإنَّما التوجيه النبوي لأُمَّته أن يعبِّروا على شكر الله بتجسيده بالصيام لا باتخاذه عيدًا يحتفل به حتَّى يُلحقَ به مولدُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، إذ لا يعرف في الإسلام من الأعياد السنوية إلاَّ عيد الأضحى وعيد الفطر، ولو شرعه لنا عيدًا لندب إليه ولأمَر بترك صومه؛ لأنَّ الناس يعتبرون في العيد ضيوفًا عند الله تعالى، والصوم إعراض عن الضيافة، لذلك يفسد إلحاق حكم المولد قياسًا على عاشوراء لقادح المنع ، وهو منع حكم الأصل.

ثمّ إنَّ الاحتفال بعيد ميلاد عيسى ـ عليه السلام ـ ليس من عادات الكفار، وإنَّما هو من عباداتهم، كما أفصح عن ذلك ابن القيم، بقوله: «من خصَّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات ، كيوم ميلاده، ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله[24].

وإذا سلَّمنا ـ جدلاً ـ أنَّه من عاداتهم ، فقد نُهينا عن التشبُّه بأهل الكتاب وتقليدهم، سواء في أعيادهم أو في غيرها لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ »[25]، وأقلُّ أحوال الحديث اقتضاء تحريم التشبُّه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم كما في قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) [المائدة: 51]، ومعلوم أنَّ المشابهة إذا كانت في أمور دنيوية فإنَّها تورث المحبَّة والموالاة ، فكيف بالمشابهة في أمور دينية ؟ فإنَّ إفضاءَها إلى نوعٍ من الموالاة أكثر وأشدُّ، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله[26].

الشبهة السادسة: الاحتفال بالمولد تعبير عن الفرح والسرور بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ وقد انتفع به الكافر أبو لهب بفرحه بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عند البخاري أنه يخفف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة لما بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.

وجواب ذلك من عِدَّة وجوه:

الأول : إنَّه ليس في حديث البخاري أنَّه يخفَّف عنه كلّ اثنين، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل بشارتها إيَّاه بولادته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقد ذكر ابنُ حجر أنَّه أعتقها أبو لهب بعد هجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم[27]، وروي أنَّه أعتقها قبل ولادته بزمن طويل[28].

الثاني: إنَّه خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدَّثه به.

الثالث: وعلى تقدير أنَّه موصول فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حُجَّة فيه كما صَرَّح الحافظ ابنُ حَجَر[29]، وقال المعلمي: اتفق أهلُ العلم على أَنَّ الرُّؤْيَا لا تصلح للحُجَّة، وهي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجَّة شرعية صحيحة[30].

الرابع : إنَّ الرائي في المنام له أَخُوهُ العباس رضي الله عنه، وذلك بعد سَنَةٍ من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر، ولعلَّ الرَّائي لم يكن إذ ذاك قد أسلم[31].

الخامس: إنَّ الخبر مخالِفٌ لظاهر القرآن والإجماع ، قال تعالى: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا )) [الفرقان: 23] ، ولقوله تعالى: (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا )) [النور: 39]، وقوله تعالى: (( مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ )) [إبراهيم: 18] ، ولقد كان أبو لهب من أشدِّ الناس عداوةً للنبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ومُبالغةً في إيذائه ، الأمر الذي يهدم ما سلف من الفرح به لو صحَّ ذلك ، وقد ذكر القاضي عياض انعقاد الإجماع على أنَّ الكُفَّار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذابٍ وإن كان بعضهم أشدَّ عذابًا من بعض[32].

السادس: وعلى فرض التسليم والقَبول جَدَلاً بأن خفِّف عنه لإعتاقه ثويبة بسبب ولادته وإرضاعه؛ فإنَّ هذا الأمر لا يخفى عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، كما لم يَخْفَ عنه تخفيف العذاب عن أبي طالب لأجل حمايته ونصرته، ومع هذا العلم لم ينقل عنه اتخاذ يوم مولده عيدًا، ولا أصحاب القرون المفضّلة بعده.

وخلاصة ذلك ما قاله العلامة الأنصاري رحمه الله، أنه لا يجوز الاستدلال بهذا الخبر لأمور منها:

1 - أنه مرسل كما يدل عليه السياق عند البخاري[33]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري: إن الخبر مرسل ولم يذكر عروة من حدثه به ؛ والمرسل من جنس الضعيف. والبخاري لم يشترط الصحة إلا في الحديث المتصل السند.

2 - لو كان الخبر حتى موصولاً فلا حجة فيه لأنه رؤيا منام؛ والرؤى لا تثبت بها أحكام شرعية.

الشبهة السابعة: قال الله تعالى: (وذكرهم بأيام الله)، والاحتفال بمولده إحياء لذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهذا أيضا مشروع في الإسلام؛ فأكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة.

والجواب على هذه الشبهة من وجهين:

الوجه الأول: قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في رسالته: (حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من يجيزه): قال الله تعالى: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } الشرح 4، فذكره مرفوع بنص الآية ؛ فهو يذكر مع كل أذان وإقامة وصلاة وغير ذلك كثير ؛ فهو أجل صلى الله عليه وسلم من أن تكون ذكراه سنوية فقط[34].

الوجه الثاني: لم يفهم فهمكم هذا أحد من الصحابة - ومنهم الخلفاء الراشدون - ومن بعدهم من خير القرون، ولا من علماء التفسير، ولا من الأئمة الأعلام، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. وإنما فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) اندراج ذلك في باب بالبدعة.

الشبهة الثامنة: شعراء الصحابة كانوا يقولون قصائد مدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كحسان بن ثابت وكعب بن زهير وغيرهما فكان يرضى ذلك منهم ويكافئهم على ذلك، وهو ما يحصل في الاحتفال بمولده.

والجواب على ذلك من وجهين:

الوجه الأول: لم يكن من شعراء الصحابة من كان يقول قصائده في ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانت قصائدهم في الفتوح والظفر بالأعداء غالباً[35].

الوجه الثاني: ليس الأمر في هذه الاحتفالات مقصورا على المدح المشروع، وإنما تعدى ذلك في كثير من الأحيان إلى الغلو في شخصه صلى الله عليه وسلم، والإطراء الذي نهى عنه بقوله: " لا تطروني ...". وقد سبق ذكر مفاسد الاحتفال.

فيكون ذلك دليلا مستقلا على المنع من إقامة هذا الاحتفال؛ سدا لذريعة الغلو فيه صلى الله عليه وسلم، وحصول الشرك بالله بسبب ذلك.

الشبهة التاسعة: في الاحتفال بالولد النبوي تأليف لقلوب المسلمين بعد أن تفرقت الامة، وقد قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: من ال آية103]. وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105].

والجواب:

بل الأولى أن يقال العكس: أن في إقامة هذه الاحتفالات إثارة الفرقة بين المسلمين؛ إذ إنه من المعلوم أن أتباع السلف الصالح لا يقيمون هذه الموالد، بل يحذرون منها وينهون عنها؛ فينظر لهم العامي والجاهل على أنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ولا عباد الله الصالحين لأنهم لم يقيموا لهم الموالد، فيعادونهم، وينظرون إلى أهل البدع ممن يقيم هذه الموالد فيظنون أن هؤلاء على حق، ويصبح المسلمون فرقاً وأشياعاً بسبب ما أُحدث في الدين من البدع؛ فإن أكثر الناس يوالون ويعادون على ما يعتقدونه من أمور دينهم.

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في معرض جوابه على من قال: إن في الاحتفال بالولد النبوي تأليف لقلوب المسلمين بعد أن تفرقت الامة. قال: لا نسلم بذلك، فان هؤلاء الذين يجتمعون يتفرقون عن غير شيء، ولا يمكن أن تتآلف القلوب على بدعة اطلاقا[36].

الشبهة العاشرة: أنتم تنكرون الاحتفال بالمولد وأنتم قلة قليلة وأكثر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون ويفرحون ويلعبون، بل فعله قوم من أهل العلم و الفضل ، فعلى آثارهم نحن مقتدون.

والجواب: إن الحق لا يعرف بالكثرة ولا بالرجال، بل بالأدلة الشرعية، وقد ذم الله جل وعلا الكثرة في موضع كثيرة في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: ((ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) [الأعراف: 187] ، وقوله تعالى: ((وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)) [الأنعام: 116]، وفي المقابل يمدح القلة التي على الحق ؛ قال تعالى: ((إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم)) [ ص : 24]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس[37].

والعجيب أن هذه الكثرة أكثرها لا يعرف من نبيه إلا اسمه أو رسمه، وأسوءهم حظًا لا يعرفه إلا في هذه المناسبة ناهيك عن إضاعة الواجبات وانتهاك الحرمات وركوب لجج المحرمات.

وأما فعله من بعض أهل العلم والفضل، فهذا إن كان فعله مجتهدا ومتأولا فقد يؤجر على حسن قصده، لكن لم نؤمر باتباعه في كبوته وتقليده في هفوته، وإنما أمرنا باتباع الحق وندور معه حيثما دارت ركابه. ولو اتبعت الأمة رخص العلماء وشذوذهم لضاع الدين واندرست أحكامه، وانتكست أعلامه.

على أن بعض هؤلاء موقفه من السنة معلوم مذموم، فمنهم من ردها بعقله، ومنهم من ردها بذوقه، ومنهم من ردها بسياسته، ومنهم من ردها برأيه أو آراء الرجال.

ثم يقال: إذا فعله قوم ذوو علم وفضل، فقد تركها أقوام هم أوسع علما وأدق فهما، وأبر قلوبًا وأقل تكلفا من الصحابة

والتابعين والأئمة المجتهدين.

فإن قيل: قد ورثناه أبا عن جد، واتبع في ذلك آخرنا أولنا، ولاحقنا سابقنا ، فيقال : هذا هو التقليد المذموم الذي ذمه الله في كتابه و هو اتباع ما كان عليه الآباء و الأجداد، فقال تعالى: ((وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )) [ المائدة : 104][38].

وختاما نقول:

أولاً: ليلة مولد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية.

ثانيًا: من الناحية الشرعية الاحتفال لا أصل له أيضاً؛ لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي ، صلى الله عليه وسلم، أو بلغه لأمته ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله- تعالى- يقول :( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله عز وجل ونتقرب به إليه ، فإذا كان الله تعالى - قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟ هذا من الجناية في حق الله عز وجل؛ أن نشرع في دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله عز وجل: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فنقول: هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول، عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله - تعالى - يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم )[39].

ثالثًا: ليس حب النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالموالد وإقامتها، وإنما حبه صلى الله عليه وسلم يقتضي اتباعه والتمسك بشريعته، والذب عنها، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب الصادق، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[1]، فحب الله ورسوله ليس بالموالد ولا بالبدع.

ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله وبالاستقامة على شريعة الله، وبالجهاد في سبيل الله، وبالدعوة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمها والذب عنها، والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الله سبحانه وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون بالتأسي به، بأقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك، هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه... فمن كان يحب الله ورسوله فعليه باتباع الحق، بأداء أوامر الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، والمسارعة إلى مراضي الله، والحذر من كل ما يغضب الله عز وجل، هذا هو الدليل، وهذا هو البرهان، وهذا هو ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان[40].

 


[1] وبعض هؤلاء معروف بعقيدة فاسدة، وأقوال شاذة، وبعضهم من العلماء الثقات، وإنما اجتهد اجتهادًا خالف به الصواب، كما سياتي.

[2] انظر مقال على موقع الألوكة، بعنوان: المولد بين شبه الاستدلال وإفساد المال.

[3] انظر: المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، 1/173، رقم الفتوى في مصدرها: 96. وانظر أيضا: الرد على شبهة أهل البدع والأهواء في حديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.

[4] ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص 97.

[5]  الرسالة (1/21).

[6] جامع العلوم والحكم (2/128)..

[7] الاعتصام (1/250). وبالرجوع لتعريف العلماء للبدعة يتبين ذلك بوضوح. قال الشاطبي في تعريفها: (طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصَد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه). ولا شك أن المحتفلين بالمولد يتقربون بذلك إلى الله، مع أنه لم يأت كتاب ولا سنة ولا عمل صحابة به. وقال ابن رجب: (والمراد بالبدعة ما أحدِث مما لا أصل له في الشريعة يدلّ عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة شرعًا وإن كان بدعة لغة). والاحتفال بالمولد ليس له أصل يدل عليه، ولو كان له أصل لم يغفل عنه صحابة رسول الله، كيف وهم أرسخ الأمة إيمانا، وأصدقهم محبة لنبيهم. وقال السيوطي: (البدعة عبارة عن فعلةٍ تصادم الشريعة بالمخالفة أو توجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان). ولا يجادل أحد في أن في الاحتفال زيادة على أحكام الشريعة.

وقال ابن تيمية: (البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر به بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله، وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك، وسواء كان هذا مفعولاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن". والاحتفال لم يشرعه الله ورسوله، ولم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب، فينطبق عليه تعرف البدعة. قال فضيلة الشيخ صالح بن الفوزان الفوزان-كتاب عقيدة التوحيد-: البدعة في الدين نوعان: النوع الأول: بدعة قوليّة اعتقاديّة، كمقالات الجهميّة والمعتزلة والرّافضة، وسائر الفرق الضّالّة، واعتقاداتهم. النوع الثاني: بدعة في العبادات، كالتّعبّد لله بعبادة لم يشرعها، وهي أقسام: القسم الأول: ما يكون في أصل العبادة: بأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الشرع، كأن يحدث صلاة غير مشروعة أو صيامًا غير مشروع أصلًا، أو أعيادًا غير مشروعة كأعياد الموالد وغيرها. القسم الثاني: ما يكون من الزيادة في العبادة المشروعة، كما لو زاد ركعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلًا. القسم الثالث: ما يكون في صفة أداء العبادة المشروعة؛ بأن يؤديها على صفة غير مشروعة، وذلك كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مُطربة، وكالتشديد على النفس في العبادات إلى حد يخرج عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. القسم الرابع: ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع، كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته بصيام وقيام، فإن أصل الصيام والقيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل.اهـ. نقلا عن مقال بعنوان: الرد على شبهات من قسم البدعة إلى حسنة وسيئة – على موقع الألوكة.

[8] مجموع الفتاوى (10/471)، (22/ 234).

[9] انظر فتاوى العقيدة لابن عثيمين ص (250)، وانظر: شبهات حول بدعة الاحتفال بالمولد والرد عليها لأبي عبد الرحمن عبد الله القرشي- موقع الألوكة.

[10] رواه اللالكائي في أصول الاعتقاد (رقم 126).

[11] الاعتصام للشاطبي (1/28).

[12] أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (317).

[13] ذكره ابن قدامة المقدسي في ذم التأويل – انظر: قواعد وأسس في السنة والبدعة، لحسام الدين عفانة.

[14] متفق عليه.

[15] شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي وتفنيدها، للشيخ محمد علي فركوس، في رسالته (حكم الاحتفال بمولد خير الأنام ـ عليه الصلاة والسلام)، بتصرف يسير.

[16] رواه مسلم.

[17] رقم الفتوى: (62785).

[18] انظر: فتح الباري (8/129).

[19] المدخل لابن الحاج (2/ 15).

[20] المستدرك للحاكم (3/ 15)، برقم (4287). وانظر: البداية والنهاية (3 /251-253).

[21] رواه أحمد (17144)، الترمذي (2676)، ابن ماجه (42)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (2735).

[22] شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي، للشيخ فركوس، بتصرف يسير.

[23] المرجع السابق.

[24] زاد المعاد (1/59).

 [25]رواه أحمد (5115)، وأبو داود (4031)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (2/ 1246) برقم (4347).

[26] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم: (1/270)، (1/550).

[27] انظر: الإصابة لابن حجر (8/60).

[28] انظر: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (1/259).

[29] فتح الباري: (9/145). وانظر أيضا: (11/ 431).

[30]  التنكيل (2/242).

[31] انظر: البداية والنهاية لابن كثير (2/273)، الإصابة لابن حجر (2/271).

[32]  انظر: فتح الباري (9/145).

[33] جاء في صحيح البخاري معلقاً، عن عروة أنه قال في ثويبة مولاة أبي لهب التي أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما مات أبو لهب أُري بعض أهله بشر حيبة؛ قال له ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة.

[34] من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- انظر: مجلة البحوث الإسلامية، ج 74.

[35] انظر: شبهات حول الاحتفال بالمولد النبوي - جمع وإعداد: أبو عبد الرحمن عبد الله القرشي.

[36] لقاء البابا للمفتوح.

[37] متفق عليه، من حديث النعمان ابن البشير.

[38] المورد الروي في حكم الاحتفال بالمولد النبوي - الشيخ عبد المجيد جمعة الجزائري – نقلا عن أرشيف ملتقى أهل الحديث.

[39] من فتاوى الشيخ العثيمين.

[40] الموقع الرسمي للإمام ابن باز – وقال أيضا: المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر وقرره المحققون من أهل العلم أن الاحتفالات بالموالد بدعة لا شك في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، والمبلغ عن الله لم يحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم، فلو كان حقاً وخيرًا وسنة لبادروا إليه، ولما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولعَلَّمه أمته، أو فعله بنفسه، ولفعله أصحابه، وخلفاؤه رضي الله عنهم، فلما تركوا ذلك عَلِمْنا يقيناً أنه ليس من الشرع، وهكذا القرون المفضلة لم تفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)) ... وهكذا إحداث أعياد لأمهاتهم أو لآبائهم أو مشايخهم، كله بدعة يجب تركه والحذر منه. وأما ما أحدثه الفاطميون المعروفون، فإن ذلك كان في مصر والمغرب في القرن الرابع والخامس. وقد أحدثوا موالد للرسول صلى الله عليه وسلم، وللحسن والحسين، وللسيدة فاطمة، ولحاكمهم، ثم وقع بعد ذلك الاحتفالات بالموالد بعدهم من الشيعة وغيرهم، وهي بدعة بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد، وأصحابه أفضل الناس بعد الأنبياء، وقد بلغ البلاغ المبين، ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام، ولا أرشد إلى ذلك، ولا احتفل به أصحابه أفضل الناس، وأحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة الثلاثة.

فعلم أنه بدعة، ووسيلة إلى الشرك والغلو في الأنبياء وفي الصالحين، فإنهم قد يعظمونهم بالغلو والمدائح التي فيها الشرك بالله، الشرك الأكبر، كوصفهم لهم بأنهم يعلمون الغيب، أو أنهم يدعون من دون الله، أو يستغاث بهم، وما أشبه ذلك. فيقعون في هذا الاحتفال في أنواع من الشرك وهم لا يشعرون، أو قد يشعرون.اهـ.