حكم الالتفات أثناء الأذان في مكبر الصوت داخل المسجد
عناصر الموضوع:
- حكم الأذان داخل المسجد مع استعمال مكبر الصوت
- حكم الالتفات عند الحيعلتين
- حكم الالتفات أثناء الأذان في مكبر الصوت داخل المسجد
- كيفية الالتفات
- حكم الالتفات في الإقامة (هل لها حكم الأذان؟)
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:
فإن الأذان من شعائر الإسلام الهامة التي فيها الدعوة إلى أجل العبادات وهي الصلاة، وما يتضمنه ذلك النداء من اجتماع لها في المسجد، وظهور ألفة المسلين ووحدتهم، والدعوة إلى توحيد الله، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته إلى الناس كافة.
ولما في هذه الشعيرة من هذه المعاني السامية وغيرها، كانت من أشد ما ينقم أعداء الإسلام على أهل الإسلام، وكان لزاما على المسلمين – في مقابل ذلك - الحفاظ على تعظيم هذه الشعيرة، والاهتمام بما يتعلق بها من إقامتها في وقتها، وأداء سننها، ومراعاة آدابها.
ومن هذه السنن الجهر بالأذان، وفعله مع القيام، واختيار ذي الصوت الندي لأدائه، والطهارة له.
وهل من ذلك الالتفات عند الحيعلتين؟ مع كون حصول الأذان يحصل باستعمال مكبرات الصوت، داخل المسجد؟
هذا محور بحثنا، في هذه الصفحات، إن شاء الله.
فنقول، مستعينين بالله تعالى:
الأذان في اللغة: الإعلام، وشرعًا: قول مخصوص يُعلم به وقت الصلاة المفروضة. أو: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة.
والحيعلتان: مثنى حيعلة من حيعل، والمقصود بهما قول المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح.
حكم الأذان داخل المسجد، مع استعمال مكبرات الصوت:
كان عمل الناس في الزمن السابق أن يصعد المؤذن على المنارة أو على الصومعة ويؤذن, ويدل لهذا أن بلالاً رضي الله عنه كان يؤذن على بيت امرأة من بني النجار وكان بيتها أعلى بيت عند المسجد".
ومن هنا نص العلماء – قديما – على أنه يستحب أن يؤذن المؤذن على مرتفع، وعللوا ذلك بأنه أبلغ في النداء وفي الإعلام وتنبيه الناس بالصلاة، وهذا هو المقصود من الأذان: إعلام الناس بالصلاة لكي يحضروا إليها.
ثم صار الناس في هذا الزمان وفي كثير من البلدان لا يعتمدون على هذا، فلا يصعد المؤذن على المئذنة أو المنارة أو على مكان مرتفع لكي يؤذن، وإنما يكتفي بالأذان داخل المسجد، ويؤذن عن طريق مكبرات الصوت التي وجدت على الصومعة ويكون فيها رفع الأذان.
وقد جرى عمل المسلمين على ذلك، وأقر ذلك جماهير أهل العلم، بما يشعر بمشروعية هذا العمل، وذلك فيما يبدو اكتفاء بحصول الغرض، وهو الإعلام بدخول الوقت والدعوة إلى الصلاة، بمكبرات الصوت داخل المسجد.
ومع ذلك فقد خالف بعضهم في ذلك، أعني في حكم الأذان داخل المسجد، فيرى الشيخ الألباني عدم المشروعية، ويعد ذلك من البدع، فيقول رحمه الله: ( لا يجوز أن يكون الأذان داخل المسجد، وإنما يكون على المسجد أو على مكان مرتفع، او على حسب ما يتيسر، ولا مانع من إذاعة الأذان بالوسائل الحديثة اليوم، أما الأذان داخل المسجد هذا فبدعة...).
ويقول أيضا: (من المتفق عليه - في علمي- عند العلماء أن الأذان في داخل المسجد - أيضاً- من البدع غير المشروعة؛ لأن الأذان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن - حتى يوم الجمعة- إلا على ظهر المسجد، وفوق باب المسجد..
قد يقول قائل: هذا المقصود حصل الآن بمكبر الصوت وهذا هو السبب حتى تتابع المسلمون في استعمال مكبر الصوت، وترك الشعيرة الإسلامية وهو الأذان على ظهر المسجد، أو ما يشبه ذلك من منارة متواضعة؛ لأنهم ظنوا أن الغرض فقط من الأذان هو التبليغ، وهذا التبليغ حصل بمكبر الصوت بصورة أوسع بكثير، لكننا نقول: إن الأذان عبادة وشعيرة إسلامية عظيمة، فلا بد على المؤذن من أمرين: أولاً: يجب أن يظهر بشخصه. وثانياً: أن يتعاطى السنن المتعلقة بالأذان، كالالتفات عند قول: حي على الصلاة، وحي على الفلاح).
ولعل الشيخ رحمه الله يرجع في ذلك إلى كلام ابن الحاج في المدخل؛ إذ يقول:
فصل في النهي عن الأذان في المسجد. وقد تقدم أن للأذان ثلاثة مواضع: المنار، وعلى سطح المسجد، وعلى بابه، وإذا كان ذلك كذلك فيمنع من الأذان في جوف المسجد لوجوه: أحدها: أنه لم يكن من فعل من مضى اللهم إلا أن يكون للجمع بين الصلاتين فذلك جائز في جوفه، وأما الإقامة فلا تكون إلا في المسجد. الثاني: أن الأذان إنما هو نداء للناس ليأتوا إلى المسجد ومن كان فيه فلا فائدة لندائه لأن ذلك تحصيل حاصل ومن كان في بيته فإنه لا يسمعه من المسجد غالباً. الثالث: أن الأذان في المسجد فيه تشويش على من هو فيه يتنفل أو يذكر أو يفعل غير ذلك من العبادات التي بني المسجد لأجلها وما كان بهذه المثابة فيمنع لقوله عليه الصلاة والسلام: لا ضرر ولا ضرار.اهـ.
وهذا كلام قيم، وتأصيل واضح للمسألة، لكن هو يتناسب مع ذلك العصر السابق، والذي يظهر في زمننا هو مشروعية الأذان داخل المسجد بمكبرات الصوت، لما أسلفنا من حصول المراد من هذه الشعيرة، ولأنه لا يبدو أن هناك معنى تعبديا خاصا بفعل الأذان خارج المسجد.
وقد سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، حيث عن " الأذان خارج المسجد؟ فأجاب: " المهم الإسماع فأيهما كان أبلغ في الإسماع كان أولى، وإذا استويا فلا مزية للتأذين خارج المسجد.اهـ.
حكم الالتفات عند الحيعلتين:
نعود فنقول: إذا كان المؤذن يؤذن على المنارة أو على مكان مرتفع فقد دلت السنة أنه يلتفت عند الحيعلتين, لما ثبت في حديث أبي جحيفة أنه رأى بلالا، يؤذن، قال: فجعلت أتتبع فاه هاهنا يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح ".
وهذه السنة عليها الأكثر من الفقهاء، مع حصول شيء من الخلاف فيها، كما بين ذلك ابن رجب رحمه الله؛ فقال: والسنة عند جمهور العلماء أن يؤذن مستقبل القبلة، ويدير وجهه في قول: ((حي على الصلاة، حي على الفلاح)) يميناً وشمالاً.
وأنكر ابن سيرين الالتفات، حكاه ابن المنذر وابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن سيرين؛ أنه إذا اذن المؤذن استقبل القبلة، وكان يكره أن يستدير في المنارة ... وفي تهذيب المدونة: ولا يدور في أذانه، ولا يلتفت، وليس هذا من الأذان، إلا أن يريد بالتفاته أن يسمع الناس فيؤذن كيف تيسر عليه. قال: ورأيت المؤذنين بالمدينة يتوجهون القبلة في أذانهم ويقيمون عرضاً، وذلك واسع يصنع كيف شاء".
والصحيح هو ما عليه الأكثر لثبوت الدليل الصحيح به، كما في حديث أبي جحيفة، وغيره.
حكم الالتفات أثناء الأذان في مكبر الصوت:
لكن يبقى السؤال: بالنسبة للذي يؤذن في مكبرات الصوت, هل نقول: السنة له أن يلتفت؟ أو نقول: له أن يترك الالتفات؟
اختلف متأخرو العلماء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول : أنه يترك الالتفات، لعدم الجدوى منه
وعللوا بأن الحكمة من كون المؤذن يلتفت يميناً وشمالاً أن يبلغ صوته سائر الجهات، لكونه يؤذن على مكان مرتفع، فيبلغ بالتفاته جهة اليمين, وجهة الشمال, وجهة الأمام، وجهة الخلف، ومن ثم فيشرع له أن يلتفت، وأما الآن فقد انتفت الحكمة، فلا يشرع أن يلتفت، لحصول ذلك بدون التفات.
قالوا: ولأن التفاته يميناً أو شمالاً يضعف الصوت؛ لأنه سينحرف عن مكبر الصوت، وعليه فلا يفعله.
وممن ذهب إلى ذلك من العلماء المعاصرين: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث يقول:
" الحكمة من الالتفات يمينا وشمالا إبلاغ المدعوين من على اليمين وعلى الشمال، وبناء على ذلك: لا يلتفت من أذن بمكبر الصوت؛ لأن الإسماع يكون من «السماعات» التي في المنارة؛ ولو التفت لضعف الصوت؛ لأنه ينحرف عن «الآخذة» ".
وقال رحمه الله : " فالذي أرى في مسألة مكبر الصوت الآن أنه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً ، لا في حي على الصلاة ، ولا في حي على الفلاح، ويكون الالتفات الآن بالنسبة للسماعات، فينبغي أنه يجعل مثلاً في المنارة سماعة على اليمين وسماعة على الشمال ".
وكذلك الشيخ ابن جبرين رحمه الله، حيث يقول:
" يسن للمؤذن أن يلتفت في الحيعلتين يميناً وشمالاً حتى يسمع مَن إلى جانبيه وخلفه. لكن لعل هذا خاص بما إذا كان الأذان فوق المنارة ، وليس هناك مكبر كما هو المعتاد قديماً. أما إذا كان الأذان في المكبر فأرى أنه لا حاجة إلى الالتفات فإن لاقطة المكبر تكون أمام المؤذن، فإذا قابلها قوي صوته، فإذا انصرف عنها ضعف صوته، والمؤذن مأمور برفع الصوت وتقويته ".
وكذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، حيث سئل عن " الأذان خارج المسجد؟ فأجاب: " المهم الإسماع فأيهما كان أبلغ في الإسماع كان أولى، وإذا استويا فلا مزية للتأذين خارج المسجد، ومثله من يلتفت يمينا وشمالا عند الحيعلتين فينخفض صوته لابتعاده عن ( الميك ) بينما السماعات فوق المنارة توزع الصوت يمينا وشمالا، فإذا زالت العلة زالت المشروعية كما يستفاد ذلك من قصة اختلاف الصحابة رضى الله عنهم فى صلاة العصر فى بنى قريظة ".
وفي فتاوى اللجنة الدائمة:
"يشرع للمؤذن الذي يؤذن في غير (ميكرفون) أن يلتفت يمينا وشمالا عند الحيعلة مع ثبوت قدميه؛ لأن ذلك ثبت من فعل مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بحضرته)، ولأنه أبلغ في إسماع النداء للصلاة لمن بعد عن المسجد".
الرأي الثاني: البقاء على أصل السنية, وهي الالتفات، لأن هذه سنة ثابتة ولم يأت ما ينسخها أو يقيدها.
فإن قال قائل: إن أذن في المكبر لا حاجة له بالالتفات؛ لأن الالتفات إنما هو ليسمع من على يمينه، ثم يسمع من على يساره، فجوابه ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح قائلاً: إنه أمر تعبدي، فلعل العلة أن يشهد الملائكة الذين على اليمين والذين على اليسار؛ فالعلة باقية، ولا يقول قائل: انتفت العلة بالمكبر فلا يلتفت، بل نقول: لا، إنما المشروع أن يلتفت حتى وإن أذن في المكبر.
وهذا الرأي هو ما اختارته دار الإفتاء المصرية، مستنبطة هذا الرأي من ظاهر النصوص الفقهية عن الأئمة، التي أوردوها في كلامهم عن أصل سنية الالتفات. فجاء في فتاواها (مع الاختصار والتصرف):
" ولا عبرة بمكبر الصوت فإنه يسمع الناس الأذان، ولا يعطل سنة الالتفات؛ كما قال ابن عابدين: والالتفات من سنن الأذان، فلا يخل المؤذن بشيء منها، ولو منفردًا، ولو في أذان المولود ينبغي أن يحول وجهه. (انظر: "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 387، ط. دار الكتب العلمية).اهـ.
قال الإمام الحصكفي: ويلتفت في الأذان - يمينًا ويسارًا فقط؛ لئلا يستدبر القبلة- بصلاة وفلاح، ولو وحده أو لمولود؛ لأنه سنة الأذان مطلقًا. انظر: "الدر المختار" (1/ 259 ط. إحياء التراث).
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 115، ط. المطبعة المنيرية بتصرف): [والسنة أن يلتفت في الحيعلتين يمينًا وشمالًا ولا يستدير، سواء كان على الأرض أو على منارةٍ]. اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 309، ط. مكتبة القاهرة): [ويستحب أن يدير وجهه على يمينه، إذا قال: (حي على الصلاة)، وعلى يساره، إذا قال: (حي على الفلاح)، ولا يزيل قدميه عن القبلة في التفاته؛ لحديث أبي جحيفة]. اهـ.
وبناءً على ما سبق: فإن التفات المؤذن عند قوله: (حي على الصلاة)، و(حي على الفلاح) أمرٌ مندوبٌ ومستحبٌّ، ولا علاقة لهذه السنة بما إن كان المؤذن يؤدي الأذان عن طريق مكبر الصوت أوْ لا، فهي سنة تتعلق بكيفية الأذان وهيئته في جميع الأحوال.اهـ.
وقد يعقب على تلك الفتوى بأنها نصوص عامة تدل بعمومها على أصل سنية الالتفات، ولا تدل على خصوصية الحكم الذي هو محل البحث.
خاتمة: ونختم هذه الورقات بفائدتين لهما تعلق بموضوع بحثنا:
الفائدة الأولى: في كيفية الالتفات في الأذان:
قال الإمام العيني: "والمراد من الالتفات أن يلوي عنقه ولا يحوّل صدره عن القبلة، ولا يزيل قدميه عن مكانهما، وسواء المنارة وغيرها، وبه قال الثوري، والأوزاعي، وأبو ثور، وأحمد في رواية".
وقال العلامة البابرتي الحنفي: "ويحول وجهه عند قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، يمنة ويسرة؛ لأنه خطاب للقوم فيواجههم به. قيل: لو كان كذلك لحول وراءه أيضًا؛ لأن القوم كما يكونون فيها كذلك يكونون في الخلف، وأجيب بأنه إنما لم يحول وراءه أيضًا؛ لأن فيه استدبار القبلة فيما هو دعاء إلى التوجه إليها فاكتفى فيه بما يحصل لهم من بلوغ الصوت عند تحويل الوجه يمنة ويسرة".
وقال الحافظ ابن حجر: "وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان، وأن محله عند الحيعلتين، وبوب عليها ابن خزيمة انحراف المؤذن عند قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، بفمه لا ببدنه كله، قال: وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه".
وقال الإمام النووي الشافعي: "وأصح الأوجه في كيفية الالتفات المستحب، أنه يلتفت عن يمينه فيقول: (حي على الصلاة) مرتين، ثم يلتفت عن يساره فيقول: (حي على الفلاح) مرتين، وبه قال النخعي، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور وهو رواية عن أحمد".
وقال ابن عثيمين: " هل يلتفت المؤذن يميناً لـ: (حي على الصلاة) في المرة الأولى، وشمالاً للمرة الثانية، ويميناً لـ: (حي على الفلاح) في المرة الأولى وشمالاً للمرة الثانية، أو يلتفت يميناً لـ: (حي على الصلاة)، وشمالاً لـ: (حي على الفلاح)؟ قيل: إنه يلتفت يميناً لـ: (حي على الصلاة) في المرتين جميعاً، وشمالاً لـ: (حي على الفلاح) للمرتين جميعاً. وقال بعضهم: يلتفت يميناً لـ: (حي على الصلاة) في المرة الأولى، وشمالاً للمرة الثانية، و (حي على الفلاح) يميناً للمرة الأولى، وشمالاً للمرة الثانية ليعطي كل جهة حظَّها من: (حي على الصلاة) و (حي على الفلاح)، ولكن المشهور وهو ظاهر السنة أنه يلتفت يميناً لـ: (حي على الصلاة) في المرتين جميعاً، وشمالاً لـ: (حي على الفلاح) في المرتين جميعاً، ولكن يلتفت في كل الجملة. وما يفعل بعض المؤذنين أنه يقول: (حي على) ثم يلتفت لا أصل له".
الفائدة الثانية: حكم الالتفات عند الحيعلتين في الإقامة:
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة آراء:
الأول: يستحب الالتفات عند الحيعلتين.
قال الخطيب الشربيني: "ويسن الالتفات بعنقه في حيعلات الأذان والإقامة، لا بصدره، من غير انتقال عن محله ولو بمنارة؛ محافظة على الاستقبال يمينًا مرة في قوله: حي على الصلاة مرتين، وشمالًا مرة في قوله: حي على الفلاح. مرتين، حتى يتمهما في الالتفاتين، واختصت الحيعلتان بالالتفات؛ لأنه دعاء إلى الصلاة باق، بخلاف الكلمات".
الثاني: يستحب إذا كان المكان متسعا، ولا يستحب إذا كان المكان ضيقا، أو الجماعة قليلة.
الثالث: لا يستحب أصلا لأن الاستحباب في الأذان كان لإعلام الغائبين، والإقامة لإعلام الحاضرين المنتظرين للصلاة، فلا يستحب تحويل الوجه.
خلاصة البحث:
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم الالتفات أثناء الأذان في مكبر الصوت داخل المسجد، على قولين:
أولا: ذهب بعضهم إلى أن الالتفات في الأذان في الحيعلتين سنة مطلقا، وهذا الصحيح عند الحنفية، حيث إنهم قالوا بالالتفات في الحيعلتين في الأذان ولو في حق المنفرد أو في من يؤذن لمولود، وعلى هذا يسن عندهم الالتفات عبر مكبر الصوت.
2 – وذهب بعضهم إلى أن الالتفات لعلة، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، والعلة منتفية إذا أذن عبر مكبر الصوت؛ لأن صوته يتوزع في جميع الجهات عبر مكبر الصوت.
وعليه: فللمؤذن أن يترك الالتفات؛ لانتفاء العلة أو الحكمة منه، ولكونه ليس بسنة دائمة إذ إنه ليس أمرا تعبديا مقصودا لذاته، وعليه، فلا حرج في تركه.
والأقرب للصواب، فيما نرى: أن المؤذن يشرع له الالتفات حال أذانه عبر مكبرات الصوت، وذلك حفاظا على أصل السنة الثابتة بالنص، ولأن العلة المستنبطة، لا تقوى على تخصيص السنة الثابتة.
وقد ذكر العلماء أنه يشترط في العلة المستنبطة ألا تعود على النص بالإبطال، بل عدوا هذا موضع اتفاق؛ فقالوا: لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، وأنه يشترط في العلة المستنبطة ألا ترجع على الأصل بالإبطال؛ إذ الظن المستفاد من النص أقوى من المستفاد من الاستنباط، لأنه فرع لهذا الحكم، والفرع لا يرجع على إبطال أصله، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال.
ثم هل نقول مع ذلك بالاستحباب؟ لا يبعد ذلك، لكن الذي أميل إليه: التوقف، والله أعلى وأعلم.
مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (1/ 317).
قال أبو حنيفة في قوم صلوا في المصر بجماعة بغير أذان وإقامة: خالفوا السنة وأثموا، وقيل: هو واجب لقول محمد: لو اجتمع أهل بلد على ترك الأذان لقاتلتهم، وذلك إنما يكون على الواجب، والجمع بين القولين أن السنة المؤكدة كالواجب في الإثم بتركها، وإنما يقاتل على تركه لأنه من خصائص الإسلام وشعائره.اهـ. الاختيار لتعليل المختار (1/ 42). وفي الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 172): (والأذان واجب) وجوب السنن (في) حق أهل (المساجد) سواء كانت جامعة أم لا. (و) كذلك يجب وجوب السنن في حق (الجماعات الراتبة) في محل ولو لم يكن مسجدا حيث كانوا يطلبون غيرهم، بل كل جماعة تطلب غيرها ولو لم تكن راتبة، ولذلك قال خليل: سن الأذان لجماعة تطلب غيرها في فرض وقتي، وأما فعل الأذان في الأمصار فهو واجب وجوب الفرائض الكفائية ويقاتلون على تركه. والحاصل أن الأذان تعتريه أحكام خمسة سوى الإباحة: الوجوب كفاية في المصر، والسنية كفاية في كل مسجد وجماعة تطلب غيرها، والاستحباب لمن كان في فلاة من الأرض سواء كان واحدا أو جماعة لم تطلب غيرها، وحرام قبل دخول الوقت، ومكروه للسنن وللجماعة التي لم تطلب غيرها ولم تكن في فلاة من الأرض، كما يكره للفائتة وفي الوقت الضروري ولفرض الكفاية.اهـ. وإنما ذكرنا هذه النقولات لبيان أهمية هذه الشعيرة.
قال الخليل: حيعل الرجل إذا قال: حي على الصلاة. قال: والعرب تفعل هذا إذا كثر استعمالهم للكلمتين ضموا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى، منه قولهم: لا تبرقل علينا؛ والبرقلة: كلام لا يتبعه فعل، مأخوذ من البرق الذي لا مطر معه. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (11/ 705)، دراسات في فقه اللغة (ص: 245).
أخرجه أبوداود (1/143) في السنن، عن عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر. وقال في شرح السنة للبغوي (2/ 272): ويستحب أن يؤذن على مكان مرتفع، ليكون أبعد لذهاب صوته، فإن بلالا كان يؤذن على بيت امرأة من بني النجار بيتها أطول بيت حول المسجد.اهـ.
فائدة: قال الألباني: ولا يجوز استعمال مكبر الصوت حينما لا يكون هناك حاجة له، كالمؤذن الذي يستعمل مكبر الصوت في القرية الصغيرة التي يكون سكانها - مثلاً- عشرة بيوت أو نحو ذلك؛ لأن الصوت الطبيعي يسمعهم، ولكن إذا كان الجمع غفيراً خاصة في مواسم الحج ونحو ذلك، فاستعمال هذه الآلة حينئذ أمر واجب؛ لأنه ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وليس من محدثات الأمور؛ لأن هذا الذي حدث نحن لا نريد أن نتقرب بذاته إلى الله، وإنما نريد أن نحقق هدفاً لا يمكننا أن نحققه بالأمور الطبيعية التي مكننا الله عز وجل منها، منذ خلق البشر. فاستعمال مكبر الصوت من الأمور المحدثات، ولكن لا يشملها: (وإياكم ومحدثات الأمور) لماذا؟ أولاً: لأنه لا يقصد به زيادة التقرب إلى الله. ثانياً: لأن هذا السبب الذي حدث ليس بسبب تقصيرنا نحن، كما ضربنا مثلاً بتقصير الإمام في تبليغ صوته للمقتدين، ويعتمد في ذلك على مبلغ الصوت، أو مكبر الصوت.اهـ. دروس للشيخ الألباني (27/ 8).
دروس للشيخ محمد ناصر الدين الألباني(27/ 8) - دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
المدخل لابن الحاج (2/ 245).
من "فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي" (ص 16 ). نقلا عن موقع الاسلام سؤال وجواب، الفتوى رقم: (154777).
رواه البخاري (634)، مسلم (503).
فتح الباري لابن رجب (5/ 378).
قال ابن رجب: وقالت طائفة: إن كان في منارة ونحوها دار في جوانبها؛ لأنه أبلغ في الاعلام والاسماع، وهو رواية عن أحمد وإسحاق.اهـ. وفي صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة (1/ 285): فيسنُّ أن يلتفت برأسه، وبدنُه مستقبل القبلة، وبه قال الجمهور خلافًا لمالك فقد أنكره!! وقيَّده أحمد وإسحاق بمن يؤذن على المنارة يريد أن يسمع الناس.اهـ.
الشرح الممتع (2/ 60).
لقاء الباب المفتوح (155/ 17).
فتاوى إسلامية (1/255).
فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 16 ).
فتاوى اللجنة الدائمة (6/ 58) الفتوى رقم (9854).
انظر: التعليق على العدة شرح العمدة - أسامة سليمان (9/ 4).
موقع دار الإفتاء المصرية – فتاوى بحثية – فتوى بتاريخ : 10/04/2014.
عمدة القاري (5/ 147، ط. دار إحياء التراث العربي).
العناية شرح الهداية (1/ 244، ط. دار الفكر).
فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/ 115، ط. دار المعرفة).
المجموع شرح المهذب (3/ 115، ط. المطبعة المنيرية بتصرف).
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الأذان والإقامة.
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 10).
مغني المحتاج (1/ 322).
هذان الرأيان للحنفية والشافعية. البحر الرائق 1 / 272، المجموع للنووي 3 / 07 1. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 10).
وهذا الرأي للحنابلة، وهو رأي للحنفية، ورأي للشافعية. ويؤخذ من كلام المالكية جواز الالتفات في الحيعلتين. وفي رأي آخر أن المستحب هو استقبال القبلة في الابتداء. ينظر: البحر الرائق 1 / 272، والحطاب والتاج والإكليل عليه 1 / 441 ط ليبيا، وحاشية الدسوقي 1 / 156 ط دار الفكر، والخرشي وحاشية العدوي عليه 1 / 232 ط دار صادر، والمجموع للنووي 3 / 107، والمغني 1/ 426 ط الرياض، وكشاف القناع 1 / 217 ط أنصار السنة. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 10).
انظر: البحر المحيط للزركشي (7/193، 194)، فتح الباري (12/73).