الشرط الجزائي
في الماضي، كانت التعاملات محدودة محصورة، وعوامل المكسب ومخاطر الخسارة معدودة معلومة، وكان الغالب الأعم من المسلمين أمناء صادقين؛ فلم يحتج الناس، ساعتها، إلى كثير حَمل على الالتزام بعقودهم، ولا لشديد عقوبة على الإخلال بها؛ بل كان لهم من دينهم وازع، ومن ضمائرهم حامل على الوفاء، كما كان لهم من حيائهم حائل دون النكوص والخيانة والإخلال.
ثم تغير الزمان، وتبدلت الأحوال، ففسدت الأخلاق، وتمكنت الأهواء، وتشعبت المعاملات، وتشابهت العقود وكثرت، وتعددت المخاطر، وتتابعت المستجدات؛ ما أفضى إلى كثير مخاطرة عند كثير من التعاملات.
لذلك رأى البعض الحل في أن تُشترط في العقد عقوبة مادية مالية، تكون رادعًا لمن لم يكن له من دينه أو ضميره أو خلقه رادع، فتحل على من أخل بالتزامه، وسمّوها بالشرط الجزائي؛ والحكمة منه: حمل طرفي العقد، أو أطرافه، على الوفاء بمقتضى ذلك العقد، ومعاقبة من أخل بالتزامه ماديًا.
وهذا الشرط الجزائي هو موضوع بحثنا في هذه الصفحات، وسوف ينتظم الحديث حوله، إن شاء الله، في النقاط التالية:
- تعريف الشرط الجزائي.
- سبب التسمية.
- من صور الشرط الجزائي.
- نوعا الشرط الجزائي، وحكم كل منهما، وأدلة المجيزين، وأدلة المانعين.
- حكم الشرط الجزائي بالنظر إلى قواعد المذاهب الفقهية الأربعة.
- تكييف الشرط الجزائي.
- نوع الضرر الذي يُستحق التعويض عليه.
- ما يجوز فيه الشرط الجزائي من العقود، وما لا يجوز.
- الخاتمة، وأهم النتائج.
تعريف الشرط الجزائي:
(1) في اللغة:
الشرْط، بسكون الراء، ما يوضع ليلتزم في بيع أو نحوه، وبفتح الراء: العلامة، وجمعه أشراط، ومنه الشُرْطة، وجمع الشَّرْط: الشروط، وجمع الشريطة: الشرائط.
قال الجوهري: «شَرَطَ عليه كذا، يَشْرِطُ ويَشْرُطُ، واشترط عليه».
وقال الفيروزآبادي هو: «إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه؛ كالشريطة»(1).
ولكلمة (شرط) معان عديدة في اللغة، وإنما يعنينا منها ما ذكره ابن منظور والفيروزآبادي، وهو: «إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه، والجمع شروط»(2).
(2) في الاصطلاح:
المراد بالشرط:
يستعمل الشرط في الفقه الإسلامي بمعنيين:
المعنى الأول: هو ما أوجبه الشرع لصحة الشيء أو لزومه؛ مثل: شروط صحة العبادات، أو العقود، وشروط لزوم العقد، وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بـ: ما يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط أو عدمه، وليس هذا محل بحثنا.
المعنى الثاني: ما ألزمه العاقدان على نفسيهما في العقد، وبعبارة دقيقة هو: إحداث التزام في العقد لم يكن يدل عليه لولاه، أو كما قال العلامة الحموي: «الشرط هو: التزام أمر لم يوجد، في أمر قد وجد بصيغة مخصوصة».
والمقصود بالشروط هنا هي الشروط المقترنة بالعقد، إما كبند من بنوده، أو كملحق من ملحقاته المرتبطة به(3).
المراد بـ (الجزائي):
الجزائي نسبة إلى الجزاء، يقال: جزى يجزي جزاءً، بمعنى: عاقب يعاقب معاقبة، وجازيته بذنبه: عاقبته، وجزيت الدين: قضيته، وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: «جزى يجزي جزاءً، أي: كافأ بالإحسان وبالإساءة، وفلان ذو غناء وجزاء، ممدود، وتجازيت ديني: تقاضيته(4).
تعريف المركب (الشرط الجزائي):
ينبغي الإشارة هنا إلى أن الشرطَ الجزائيَ مصطلحٌ قانونيٌ حديثٌ، لم يكن معروفًا عند فقهائنا الأقدمين بهذا الاسم، وإن كان مفهومه ومدلوله معروفًا عندهم، ومبحوثًا في فصول الشروط العقدية من مدوناتهم الفقهية.
أما تعريف الشرط الجزائي بمفهومه الحديث فهو: اتفاق بين العاقدين على تقدير مسبق للتعويض الذي يستحقه الدائن أو الملتزَم له، إذا لم ينفذ الملتزِم أو المدين التزامه أو تأخر في تنفيذه(5).
وعرفه الدكتور البدراوي بأنه: «اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم التنفيذ أو التأخير فيه»، وبذلك يدخل فيه اشتراط حلول جميع الأقساط إذا تأخر المدين في دفع قسط منها؛ لأنه تعويض، وإن كان غير مالي في الظاهر(6).
ومن تعريفاته أيضًا قولهم: نص المتعاقدين في العقد على مبلغ معين يدفعه من أخَلَّ بالالتزام.
وقيل: هو الجزاء المرتب على الإخلال بالشرط.
وقيل: هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن على المدين، إذا لم ينفذ المدين التزامه، أو تأخر في تنفيذه.
وهذا التعريف الأخير هو أجمع التعاريف، وأصحها، وأوضحها معنى(7).
وتحدث الدكتور عبد الرزاق السنهوري عن الشرط الجزائي قائلًا: «يحدث كثيرًا أن الدائن والمدين لا يتركان تقدير التعويض إلى القاضي، كما هو الأصل؛ بل يعمدان إلى الاتفاق مقدمًا على تقدير هذا التعويض، فيتفقان على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم يقم المدين بالتزامه، وهذا هو التعويض عن عدم التنفيذ، أو على مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه، وهذا هو التعويض عن التأخير»(8).
سبب التسمية:
سمي بالشرط الجزائي؛ لأنه يوضع عادة كشرط ضمن شروط العقد الأصلي الذي يستحق التعويض على أساسه(9).
وهناك مصطلحات أخرى استعملت بدلًا من الشرط الجزائي؛ مثل: الجزاء الاتفاقي، والجزاء التعاقدي، والتعويض الاتفاقي، وتعويض النكوص، والبند الجزائي، وفي نظرنا أن مصطلح "الشرط الجزائي" أدق المصطلحات؛ لأن لفظ "الشرط" يشير إلى أن هذا الجزاء أو التعويض جاء بسبب شرط وضع ضمن شروط العقد، أو في اتفاق لاحق بهذا العقد، و"الجزائي" يشير إلى أن ذلك التعويض جاء جزاءً لمخالفة ذلك الشرط(10).
من صور الشرط الجزائي:
للشرط الجزائي صور متعددة، من أهمها:
1- الشرط الجزائي المقترن بعقد المقاولة أو الاستصناع، المتضمن دفع مبلغ محدد عن كل يوم أو شهر من التأخير عن الموعد المحدد للتنفيذ والتسليم.
2- الشرط الجزائي المقترن بعقد الإجارة على العمل، سواء كان الأجير أجيرًا خاصًا برب العمل، أو مشتركًا، وذلك بأن يشترط عليه مبلغًا محددًا إذا تأخر في تنفيذ العمل، أو يخصم منه مبلغًا محددًا من الأجرة، وهذا ما يطلق عليه في القانون (عقود العمل).
وكذلك الحكم في إجارة الأعيان؛ مثل اشتراط خصم مبلغ معين إذا تأخر المؤجر في تسليم العين المؤجرة(11).
وتعريفة مصلحة السكك الحديدية، أو مصلحة البريد، قد تتضمن تحديد مبلغ معين هو الذي تدفعه المصلحة للمتعاقد معها في حالة فقد طرد أو فقد رسالة، واشتراط حلول جميع أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها هو أيضًا شرط جزائي، ولكن من نوع مختلف؛ إذ هو هنا ليس مقدارًا معينًا من النقود قدر به التعويض؛ بل هو تعجيل أقساط مؤجلة(12).
نوعا الشرط الجزائي:
قسم العلماء المعاصرون الشرط الجزائي إلى نوعين:
النوع الأول: الشرط الجزائي المقرَر لعدم تنفيذ الأعمال على الوجه المتفق عليه، أو تأخير تنفيذها عن الوقت المحدد.
النوع الثاني: الشرط الجزائي المقرَر لتأخير الوفاء بالديون.
ويدخل تحت كل نوع من النوعين صور متعددة، يضيق المقام عن ذكرها بالتفصيل والاستقصاء فيها.
أولًا: النوع الأول: الشرط الجزائي المقرَر لعدم تنفيذ الأعمال على الوجه المتفق عليه، أو تأخير تنفيذها عن الوقت المحدد:
حيث يكون محل الالتزام عملًا من الأعمال, كما لو أخل المقاول أو الأجير بما اتفق عليه، ولَحِق الطرفَ الآخرَ بسبب ذلك ضررٌ.
وقد اختلف الفقهاء في مشروعية ذلك على قولين:
القول الأول: أن الشرط الجزائي المقرر لعدم تنفيذ الأعمال أو تأخيرها عن ميعادها المحدد جائز؛ بناءً على قول جمهور العلماء من أن الأصل في الشروط هو الإباحة، وأن الوفاء به واجب، ولا يحرم منها إلا ما خالف نصًا من الكتاب أو السنة أو إجماعًا منعقدًا(13).
القول الثاني: أن الشرط الجزائي، المقرر لعدم تنفيذ الأعمال أو تأخيرها عن ميعادها المحدد، شرط ممنوع محرم؛ لكونه مبتدعًا، ولكونه من باب بيعتين في بيعة المنهي عنه.
الأدلة:
أولًا: أدلة المجيزين:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
وجه الاستدلال:
أن الشرط الجزائي عبارة عن اتفاق بين متعاقدين أو أكثر يمثل جزءًا من عقد؛ بل قد يكون عقدًا مستقلًا، فيجب الوفاء بمقتضاه كسائر العقود.
الدليل الثاني:
عن عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... والمسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا»(14).
وجه الاستدلال:
أن الشرط الجزائي شرط لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، وعليه يجب الالتزام به.
نوقش الدليلان:
بل هو شرط يحل حرامًا؛ فهو يحل أكل أموال الناس بغير وجه حق، وعليه فالعقد الذي يتضمنه لا يدخل في معنى الآية، أي في العقود المأمور بالوفاء بها.
الدليل الثالث:
ما رواه البخاري عن ابن سيرين قال: «قال رجل لِكَرِيِّهِ: أَرْحِلْ رِكَابَكَ، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: «من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه».
وقال أيوب عن ابن سيرين: «إن رجلًا باع طعامًا، وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ، فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت، فقضى عليه»(15).
وجه الاستدلال:
قضى شريح(16) على من أخل بالتزامه تجاه المتعاقد الآخر بإنفاذ الشرط الجزائي ضده، فهذا نص في الموضوع.
نوقش:
هذا ليس شرطًا جزائيًا، لكنه من قبيل بيع العربون؛ لأن هذا كالإجارة، والإجارة في حقيقتها بيع منافع، وعليه فلا يتم القياس، وهو خارج عن محل النزاع.
ثم إن شريحًا القاضي قد خالفه جمهور الفقهاء؛ إذ لم يقولوا بصحة بيع العربون(17).
أُجيب:
صورة بيع العربون هي أن يبيع الشخص شيئًا، ويأخذ من المشتري مبلغًا من المال يسمى عربونًا لتوثيق الارتباط بينهما، فإن تم البيع بينهما احتسب العربون المدفوع من الثمن، وإن نكل المشتري كان العربون للبائع هبة من المشتري له(18).
قال ابن مفلح: «ويصح شرط رهن المبيع على ثمنه...، وبيع العربون على الأصح, وهو دفع بعض ثمنه، ويقول: إن أخذته أو جئت بالباقي... وقت كذا، وإلا فهو لك»(19).
فالذي قضى فيه شريح شرط جزائي لا بيع عربون؛ لأنه قد اشترط على نفسه إن أخل بالاتفاق والحضور مبلغًا خارجًا عن الأجرة، وهذا مغاير لما وضحنا من صورة بيع العربون.
الدليل الرابع:
أن الأصل في الشروط الصحة، قال ابن تيمية: «الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمه وإبطاله نص، أو قياس عند من يقول به»(20).
وقال تلميذه ابن القيم: «الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه، وهذا القول هو الصحيح، فإن الحكم ببطلانها حكم بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دِين إلا ما شرعه، فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم.
والفرق بينهما أن الله سبحانه لا يُعبَد إلا بما شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه، وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها»(21).
وقد قسَّم الفقهاء الشروط المقترنة بالعقد إلى صحيحة، وفاسدة، ثم قسموا الشروط الصحيحة إلى ثلاثة أنواع:
أولها: شرط يقتضيه العقد؛ كاشتراط التقابض، وحلول الثمن.
وثانيها: شرط في مصلحة العقد، والشرط الجزائي من هذا القبيل؛ فهو حافز وباعث ودافع إلى إنجاز العقد والوفاء بالتزاماته على خير وجه، وفي الموعد المحدد.
وثالثها: شرط يلائم العقد، والشرط الجزائي يلائمه؛ لأنه يحث على الوفاء به ولا يخالفه.
نوقش:
أنه شرط فاسد، لأنه من باب "البيع والشرط" المنهي عنه.
الدليل الخامس:
قياس الشرط الجزائي على الرهن والكفالة؛ بجامع أن جميعها شروط في مصلحة العقد، وأن جميعها ضمانة للوفاء الكامل بمقتضى العقد؛ فكما يضمن الرهن والكفالة القيام بمقتضى العقد ويدفع عليه دفعًا، فكذلك فإن الشرط الجزائي يضمن الوفاء بالتزامات العقد في موعده المحدد ويحث عليه حثًا.
نوقش:
قياسكم مع الفارق؛ لأن الرهن ليس تعويضًا عن ضرر، وإنما يُستوفى منه الحق، وأما الكفالة فإن أريد بها الضمان فهي كالرهن، وإن أريد بها ضمان بدن المدين فليس فيها شيء من التعويض.
أُجيب:
على فرض تسليمنا بأن الشرط الجزائي لا يشبه الرهن والكفالة، فلا مانع من اعتباره شرطًا من مصلحة العقد، وإذا كان من مصلحة العقد وليس فيه محظور شرعي فإنه يباح، ويُلزم به المتعاقدان إذا اتفقا عليه(22).
الدليل السادس:
أن في الشرط الجزائي مصالح عدة، منها: استقرار العقود، والحث على إتمامها على خير وجه، وفيه سد لأبواب الفوضى، والتلاعب بحقوق العباد، وإلحاق الضرر بهم، فكان من المصلحة اعتباره صحيحًا ولازمًا عند الاتفاق عليه.
نوقش:
أن فيه من المفاسد أيضًا الكثير؛ كأكل أموال الناس بالباطل، والجمع بين بيع وشرط المنهي عنه.
أدلة المانعين:
الدليل الأول:
الآيات المحرمة للربا، ومنها: قول الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم:39]، وقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130].
وجه الاستدلال:
حيث جاءت كلمة (ربا) نكرة لتعم كل زيادة مشروطة على أصل الدَّيْن، وكذلك لتوضح كثرة صور وضروب وأشكال الربا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «الربا ثلاثة وسبعون بابًا»(23).
قال الجصاص: «وقال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، إخبارًا عن الحال التي خرج عليها الكلام من شرط الزيادة أضعافًا مضاعفة، فأبطل الله تعالى الربا الذي كانوا يتعاملون به، وأبطل ضروبًا أخر من البياعات وسماها ربًا، فانتظم قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} تحريم جميعها لشمول الاسم عليها من طريق الشرع»(24).
وعليه: فالشرط الجزائي زيادة مشروطة على العقد لا يقابلها شيء، فينتظمها قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
وقد شدد الفقهاء في الربا حق التشديد، ومنعوا الاحتيال له بكل طريق، والذريعة المفضية إليه وإن لم تكن حيلة، وجعلوا شبهة الربا كحقيقته في الحرمة؛ فمنع جمهور الفقهاء بيع العِينة، وكرهوا بيع التورق، وحرموا بيع المزابنة والمحاقلة، ومنع الحنفية السَّلَم في الحيوان لشبهة الربا، وغير ذلك كثير في كتب الفقهاء، فالبيوع التي ظاهرها الصحة ويتوصل بها إلى الربا تعد حرامًا باعتبارها وسيلة إليه.(25).
نوقش:
الربا نوعان: ربا نسيئة، وربا فضل، فأما ربا النسيئة فما تكون فيه الزيادة مقابل الأجل، وأما في ربا الفضل فلا يقابل الزيادة شيء، والشرط الجزائي يختلف عن كليهما؛ فهو عبارة عن عقوبة مشترطة بالتراضي على من يستحقها حين أخل بالتزام معين التزمه بإرادته، وتسبب إخلاله هذا بضرر وقع على الطرف الثاني.
فالشرط الجزائي عقوبة للمخل، وتعويض للمتضرر، وشرط صحيح بين متعاقدين، وليس من قبيل الربا في شيء.
الدليل الثاني:
ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم فأبوا ذلك عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خذيها واشترطي لهم الولاء(26)، فإنما الولاء لمن أعتق»، ففعلت عائشة.
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق»(27).
وجه الاستدلال:
الشرط الجزائي ليس في كتاب الله، فهو شرط باطل.
نوقش بعدة مناقشات:
فقال الخطابي: «ليس المراد أن ما لم ينص عليه في كتاب الله فهو باطل؛ فإن لفظ الولاء لمن أعتق من قوله صلى الله عليه وسلم»(28)؛ وليس من كتاب الله؛ القرآن.
وقال ابن حجر: «ويحتمل أن يكون المراد بقوله هنا: «في كتاب الله»؛ أي: في حكم الله، سواء ذكر في القرآن أم في السنة، أو المراد بالكتاب المكتوب؛ أي: في اللوح المحفوظ»(29).
وقيل: «المراد بما ليس في كتاب الله: ما خالف كتاب الله».
وقال ابن بطال: «المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة».
وقال ابن خزيمة: «ليس في كتاب الله؛ أي: ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه، لا أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يبطل؛ لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط، ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل».
وقال النووي: «قال العلماء: الشروط في البيع أقسام، أحدها: يقتضيه إطلاق العقد؛ كشرط تسليمه، الثاني: شرط فيه مصلحة؛ كالرهن، وهما جائزان اتفاقًا، الثالث: اشتراط العتق في العبد، وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة وقصة بريرة، الرابع: ما يزيد على مقتضى العقد، ولا مصلحة فيه للمشتري؛ كاستثناء منفعته، فهو باطل».
وقال القرطبي: «قوله: «ليس في كتاب الله»، أي: ليس مشروعًا في كتاب الله تأصيلًا ولا تفصيلًا»(30)، أما الشرط الجزائي فقد شرع أصله بقول الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.
الدليل الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد»(31).
وفي لفظ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»(32).
قال النووي: «هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه، واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك».
وقال الطرقي: «هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع»(33).
وجه الاستدلال:
أن الشرط الجزائي شرط محدث لم يأت به كتاب الله، ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا فعله أحد من الخلفاء ولا من الصحابة، وعليه فهو مردود غير مشروع.
نوقش:
أن ما يشرع من الأحكام في الكتاب والسنة إما أن يشرع تفصيلًا بالنص عليه بعينه؛ كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]، وإما أن يشرع تأصيلًا؛ ببيان حل أصله، وذلك كالشرط الجزائي الذي معنا؛ فقد شرع تأصيلًا بقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وكذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم»(34).
وقد بينا أن شريحًا القاضي قد قضى بنفاذ الشرط الجزائي كما سبق في أدلتنا.
الدليل الرابع:
أنه من باب عقدين في عقد، وصفقتين في صفقة، وبيع وشرط المنهي عنها:
فعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة»(35).
وعن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة»(36).
وفي لفظ: «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا»(37).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف وبيع، وشرطين في بيع، وربح ما لم يضمن(38).
وهذا ما يقول به المذهبان الحنفي والشافعي.
نوقش:
الشرط الجزائي ليس من باب بيعتين في بيعة، وإنما هو كوثيقة يستوثق بها لضمان الوفاء بمقتضى العقد، فأشبه الرهن والكفالة.
كذلك فإن المذهب الحنبلي كالمالكي قد تخطى مبدأ وحدة الصفقة، ولم يتقيد بهذا المبدأ كما تقيد به المذهبان: الحنفي والشافعي، ومن ثم استطاع أن يسير أشواطًا بعيدة في طريق التطور(39)، ولهما تفصيل كثير في ذلك.
وليس كل شرط في البيع باطل، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه ناقة في بعض الغزوات، وشرط له ظهرها إلى المدينة.
ففي البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتلاحق بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على ناضح لنا، قد أعيا فلا يكاد يسير، فقال لي: «ما لبعيرك؟»، قال: قلت: عيي، قال: فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجره، ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي: «كيف ترى بعيرك؟»، قال: قلت: بخير، قد أصابته بركتك، قال: «أفتبيعنيه؟»، قال: فاستحييت، ولم يكن لنا ناضح غيره، قال: فقلت: نعم، قال: فبعنيه، فبعته إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة(40).
فهذا شرط في بيع، ولم يفسد العقد ولم يبطله ولم يحرمه، مع أن هذا الشرط منع من شيء يقتضيه العقد، وهو التسليم، والشرط الجزائي وسيلة للوفاء الكامل بمقتضى العقد.
الدليل الخامس:
عن أبي الحوراء السعدي قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حفظت منه: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»(41).
وجه الاستدلال:
أن في الشرط شبهة ربا؛ فهو زيادة مشروطة في العقد لا يقابلها شيء؛ لذا يجب اجتنابه والبعد عنه.
نوقش:
سبق أن وضحنا أن الشرط الجزائي عقوبة لمن أخل بالتزامه، وتعويض للطرف الآخر الذي وقع عليه الضرر، وشرط بين عاقدين بتراضيهما فيجب الوفاء به.
الراجح:
بعد استعراض أدلة الفريقين، وما وجه إليها من مناقشات، والرد على بعضها، يترجح لدينا صحة القول الأول بجواز الشرط الجزائي.
لكن ينبغي أن يقيد هذا الجواز بأن يلحق الدائنَ ضررٌ، وأن يكون الضرر الذي أصاب الدائنَ ناتجًا عن خطأ من المدين ليس معذورًا فيه، ويقع عليه؛ أي المدين، عبء إثبات ذلك العذر، إن كان.
ومع هذا يجب أن يتناسب التعويض المقدر بالشرط الجزائي مع قدر الضرر الحاصل فعليًا للدائن.
فإن لم يصب الدائنَ ضررٌ، أو أصابه ضرر بسبب أجنبي، لا دخل فيه للمدين، فإنه لا يستحق التعويض.
وإذا كان التعويض المقدر بالشرط الجزائي لا يتناسب مع قدر الضرر الحاصل فعليًا للدائن، فإنه يجب تعديله بالتخفيض إذا تبين أن تقديره كان مبالغًا فيه، أو بالزيادة إذا تبين أنه كان أقل من الضرر(42).
وهذا التقييد، في ترجيح القول بجواز الشرط الجزائي، مرده إلى القواعد والمبادئ العامة في الشريعة الإسلامية عمومًا، وفي فقه المعاملات خصوصًا، والتي منها:
قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وقوله: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»، وأمره بوضع الجوائح.
ونحو ذلك من الآيات والأحاديث التي عليها مدار فقه المعاملات.
وبنحو هذا أفتى كثير من المتأخرين، ودور الفتوى المعاصرة.
ففي فتاوى اللجنة الدائمة:
«... الشرط الجزائي، الذي يجري اشتراطه في العقود، شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعًا، فيكون العذر مسقطًا لوجوبه حتى يزول.
أما إذا كان الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا، بحيث يُراد به التهديد المالي، ويكون بعيدًا عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة، ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر؛ عملًا بقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58]، وقوله سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار(43)»(44).
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي:
«يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية، ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيْنًا، فإن هذا من الربا الصريح»(45).
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية:
«... والحكم أن ما كان من الشرط الجزائي متعلقا بتنفيذ الأعمال هو الجواز، أعني أنه إذا كان محل الالتزام عملًا من الأعمال، واتفق الطرفان على شرط جزائي، مثلما لو أخل المقاول أو الأجير بما اتفق عليه ولحق الطرف الآخر بسبب ذلك ضرر، فالشرط الجزائي صحيح معتبر؛ استصحابًا للأصل، الذي هو جواز أي معاملة، واعتبارها ما لم يدل دليل على منعها، وبناءً أيضًا على قول الأكثر؛ وهو أن الأصل في الشرط الصحة،... وجواز هذا النوع من الشرط الجزائي هو ما أفتى به كثير من العلماء والهيئات ولجان الفتوى»(46).
وفي موقع الإسلام سؤال وجواب:
«الشرط الجزائي في العقود المالية جائز، ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا؛ فلا يجوز مثلًا أن يشترط على من اشترى سلعة بالتقسيط أن يدفع شيئًا زائدًا على هذا الثمن إن تأخر في السداد؛ لأن هذه الزيادة ستكون زيادة على الدين، وهذا ربا صريح، أما ما عدا الدين من الحقوق والالتزامات فيجوز الشرط الجزائي فيها للتعويض عن الضرر الواقع فعلًا»(47).
وقال الشيخ التويجري: «الشرط الجزائي، الذي يجري اشتراطه في العقود بين الناس، شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، فهو جائز لإتمام العقد في وقته، وفيه سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق العباد، ما لم يكن هناك عذر شرعي فيكون العذر مسقطًا لوجوبه، وإن كان الشرط كثيرًا عرفًا فيجب الرجوع إلى العدل والإنصاف، حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة، عند الحاكم.
ومثاله: كأن يتفق رجل مع آخر على أن يبني له بيتًا خلال سنة بمائة ألف، وإذا تأخر عن السنة فعليه أن يدفع عن كل شهر ألف ريـال، فتأخر عن السنة أربعة أشهر بلا عذر، فيلزمه أن يدفع أربعة آلاف ريـال لصاحب الدار»(48).
وسئل الشيخ أبو إسحاق الحويني: هل يجوز أخذ الشرط الجزائي؟
فأجاب: «نعم، يجوز ذلك إذا ثبت الضرر؛ مثل أن تكون تجارة موسمية؛ مثل ملابس الصيف والشتاء، أو مثل التجارة في الموديلات التي تتغير بالوقت؛ مثل الكمبيوتر، فقد يحدث نتيجة الإخلال بالشروط وغيرها تراكم هذه السلع؛ فيقع الضرر، فيحق للمتضرر أخذ الشرط الجزائي.
أما إذا كان البيع غير مرتبط بوقت، ولا يثبت الضرر فيه؛ فلا يجوز أخذ الشرط الجزائي»(49).
حكم الشرط الجزائي بالنظر إلى قواعد المذاهب الفقهية الأربعة:
كما أسلفنا، فإن قضية الشرط الجزائي تعتبر، في الجملة، من المسائل المستحدثة، فلا نستطيع الحصول على نص صريح أو قاطع لمذهب منها يبين حكم الشرط الجزائي، لكن، ووفق قواعد كل مذهب، فقد حاول بعض الفقهاء من المعاصرين أن يستخلص الرأي الفقهي الذي يتمشى مع هذه القواعد.
وخلص إلى أنه يمكن القول بأن مذهب الحنفية والشافعية لا يقولون بصحة الشرط الجزائي؛ لأن الأصل في مذهبهم النهي عن بيع وشرط، ويروون حديثًا ضعيفًا بهذا اللفظ.
فالشافعية لا يستثنون من هذا إلا الشروط التي يقتضيها العقد؛ مثل التسليم، والانتفاع، والشروط التي فيها مصلحة للعقد؛ كالرهن والتأجيل والكفيل، والخيار، ويلحق به إذا باعه بشرط العتق، وما سوى ذلك من الشروط فهي باطلة عندهم.
ويدخل في ذلك الشرط الجزائي، إذا اعتبرنا أن الشرط الجزائي لا يقتضيه العقد، وليس بمنزلة الرهن والضمان، والأجل(50).
وأنه لا يختلف مذهب الحنفية عن مذهب الشافعية في بطلان الشرط في البيع؛ لأنهم يذهبون، مع الشافعية، إلى اعتماد ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن بيع وشرط، إلا أن الحنفية يختلفون عن الشافعية في تقديم الشرط الذي جرى به العرف، وكان عليه عمل الناس، ويقدمونه على القياس، فإذا جرى العرف على اعتبار الشرط الجزائي في العقود، وجرى التعامل به بين الناس أمكن للمذهب الحنفي أن يتسع لقبول القول بالشرط الجزائي استحسانًا، وإن كان على خلاف القياس عندهم.
فقد ذكر الكاساني أن الشرط الذي لا يقتضيه العقد، وليس بملائم له، ولكن للناس فيه تعامل، وفيه عرف ظاهر أن هذا الشرط فاسد بالقياس عندهم، ولكنهم يقولون بجوازه استحسانًا؛ لأن العرف يقضي على القياس، ويسقط القياس بتعامل الناس كما سقط في الاستصناع(51).
وأما بالنسبة للمذهب المالكي، فقد جاء في التزامات الحطاب المالكي: أن الزوجة إذا اشترطت على زوجها في عقد النكاح أنه إذا تزوج عليها يلزم بدفع مبلغ كذا من المال إليها صح الشرط، ووجب الوفاء به، وإن تزوج عليها لزمه دفع المال المشروط إليها.
وهذا، كأنه صريح في اعتبار الشرط الجزائي، ووجوب دفع المال المشروط لصاحب الشرط عند عدم الوفاء به(52).
وإن لم يكن صريحًا، فيمكن القول بأن قواعد المذهب تسمح باعتبار مشروعية الشرط الجزائي.
وأما مذهب الحنابلة فهم أوسع المذاهب في الشروط، ويمكن تخريج صحة الشرط الجزائي على قواعد المذهب"(53).
تكييف الشرط الجزائي:
ذهب الأكثر من الفقهاء والباحثين إلى تكييف الشرط الجزائي معتبرين إياه تعويضًا عن الضرر الحاصل للدائن أو الملتزم له، وبالتالي فإنه لا يستحق شيئًا إذا ثبت أن التأخير لم يترتب عليه أي ضرر، ولم يتسبب في فوات أي منفعة مالية.
وهذا ما أخذ به مجمع الفقه الإِسلامي، وظاهر قرار هيئة كبار العلماء؛ وهو ما سرنا عليه في بحثنا؛ لكونه هو الظاهر.
ومن تمام البحث أن نشير إلى أن هناك قولًا ثانيًا معتبرًا في المسألة؛ حيث ذهب بعض العلماء إلى أن الشرط الجزائي إنما هو عقوبة مالية نظير الإخلال بالشرط، فهو كغرامة على التأخير في التزام ما اتفق عليه، وليس تعويضًا عن الضرر.
وممن ذهب إلى هذا فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع، وهو أحد أفراد مجلس هيئة كبار العلماء، والدكتور رفيق المصري، والقاضي محمود شمام رئيس محكمة التعقيب الشرعي في تونس.
يقول الشيخ عبد الله بن منيع: «في الواقع أتساءل الآن: هل الشرط الجزائي تعويض عن ضرر، أو عقوبة مالية؟ الذي يظهر لي أن الشرط الجزائي عقوبة مالية في مقابلة الإخلال بالعمل، سواء أكان ذلك يتعلق بالعمل نفسه، أو يتعلق بزمان أدائه ...»(54).
ومال إلى هذا القول بعض المعاصرين، فقال: «وهذا القول هو الذي يتمشى مع غرض العاقد من الشرط الجزائي، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: إذا كان التعويض بمقدار الضرر، لم يكن هناك فائدة من التنصيص على مقدار الشرط الجزائي؛ لأن التنصيص عليه سيكون تحصيل حاصل، فإن كان الضرر أقل من الشرط الجزائي، أو كان أكثر منه كان الرجوع إلى مقدار الضرر، وإذا لم يكن هناك ضرر من التأخير فللمقاول أو المورد أو الصانع أن يتأخر كما يشاء، ويكون وجود الشرط الجزائي كعدمه.
ولأننا إذا اعتبرنا أن الشرط الجزائي تعويض عن الضرر، لم يكن العاقدان بحاجة إلى اشتراط مثل ذلك أصلًا في صلب العقد؛ لأن الضرر مدفوع ولو لم يشترط؛ لحديث: «لا ضرر ولا ضرار».
الوجه الثاني: ما المانع من اعتبار الشرط الجزائي غرامة مالية يتفق عليها العاقدان عند عدم الالتزام بالمدة المتفق عليها لتنفيذ العقد، فسواء كان هناك ضرر، أو لم يكن هناك ضرر، أليس من حق العاقد أن يشترط تسليم المبيع خلال مدة معينة، يمكن للمقاول أو المورد أو الصانع أن ينجز العمل فيها، ألم يكن بوسع من شرط عليه مثل ذلك ألا يقبل هذا الشرط، ويدع العقد لمن يستطيع أن يلتزمه، فإذا التزم بتسليم المبيع خلال هذه المدة، وأخل بهذا الشرط من غير عذر فإخلاله بما التزمه يستحق أن يوقع عليه غرامة مالية، وهذه الغرامة قد تمت برضا الطرفين؛ كالعربون تمامًا، فإنه يلتزمه المشتري ولو لم يكن هناك ضرر على البائع، ولا نشترط لقبول العربون وقوع ضرر على البائع.
الوجه الثالث: ولأن الأجل له قيمة في الشرع خاصة في البيوع، وإن لم يكن له قيمة في القروض، فإذا أجله تسليم المبيع هل يكون هذا والحال قيمتهما واحدة، فإذا كانت قيمة الحال أقل من قيمة المؤجل، فلماذا لا يتحمل العقوبة في مقابل التأجيل.
الوجه الرابع: العاقد عندما اشترط الشرط الجزائي أراد بذلك أن يتجنب اللجوء إلى القضاء من أجل تقدير التعويض المترتب على الأضرار الناشئة عن التأخير، وأراد أن يوفر الجهد والمال في تجنب الإجراءات القضائية الطويلة والباهظة التكاليف، وأراد أيضًا أن يتجنب عبء إثبات الضرر الذي يصيبه عند إخلال المدين بالتزامه، وإذا كان الأمر بمقدار الضرر دخل العاقدان في نزاع ثبوت هذه الأضرار، وفي تقديرها.
وقد ورد في البحث المعد للجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء، لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ما يلي: «يمكن أن يقال بأن الشرط الجزائي يشبه بيع العربون في أن كلًّا منهما شرط يوجب على من أخل بالشرط عقوبة مالية، يجري تعيينها قبل حصول ذلك».
وهذا نص على أن الشرط الجزائي عقوبة مالية على من أخل بالشرط، والله أعلم»(55).
ما ينبني على هذا الخلاف:
ويترتب على هذا الخلاف أننا إذا قلنا: إن الشرط الجزائي عقوبة مالية مقابل الإخلاف بالشرط المتفق عليه لم ندخل في بحث: هل المبلغ في الشرط الجزائي مساو للضرر الحاصل من التأخير، أو أكثر منه، أو أقل.
أما إذا قلنا: إنه تعويض عن الضرر الحاصل من التأخير، فإنه يلزم على ذلك لوازم كثيرة:
منها: أنه لا يستحق شيئًا من الشرط الجزائي إذا ثبت أن التأخير لم يترتب عليه أي ضرر.
ومنها: الرجوع إلى المحاكم الشرعية في تقدير الضرر، ومقابلة ذلك بالمبلغ المتفق عليه.
ومنها: زيادة المبلغ إذا كان المبلغ في الشرط الجزائي المتفق عليه أقل من الضرر الواقع، أو النقص منه إذا كان الشرط الجزائي أكثر من الضرر الواقع(56).
نوع الضرر الذي يستحق التعويض عليه؟
وإذا كان الشرط الجزائي تعويضًا عن الضرر الحاصل، فيرد علينا هنا سؤال آخر، وهو: ما هو نوع الضرر الذي يستحق التعويض عليه؟ هل يقتصر على الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وهو الضرر الناتج عن تلف المال، أو نقص قيمته؟
أو يتجاوز ذلك إلى اعتبار ما فاته من كسب مؤكد؟ أو يزيد حتى يشمل الضرر الأدبي والمعنوي؛ كالضرر الذي يلحق الإنسان بسبب الاعتداء على حريته، أو في عرضه، أو في سمعته، أو في مركزه الاجتماعي.
وبيان ذلك، كما ذكر الفقهاء، أن الضرر الذي يكون بتلف المال لا خلاف بين الفقهاء في وجوب التعويض عنه.
وأما التعويض عما فات الإنسان من مكاسب مؤكدة، فاختلف العلماء المعاصرون في ذلك على قولين:
القول الأول:
أن ذلك يوجب التعويض، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، وقرار هيئة كبار العلماء.
يقول نص قرار المجمع الفقهي: «الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي»(57).
كما نص قرار هيئة كبار العلماء الرسميين في المملكة العربية السعودية على جواز التعويض عما فات من منفعة أو لحقه من ضرر(58).
القول الثاني:
خالف الشيخ علي الخفيف رحمه الله فلم ير التعويض عما فات الإنسان من المكاسب، وقصر التعويض في مقابلة إتلاف المال خاصة.
يقول الشيخ علي الخفيف رحمه الله: «إن عدم قيام الملتزم بالتزامه يستلزم شرعًا إلزامه وإجباره عليه، فإن امتنع كان امتناعه معصية يستحق عليها التعزير إلى أن يمتثل، أما إلزامه بمال على وجه التعويض عما أحدثه بامتناعه من ضرر لا يتمثل في فقد مال؛ فلا تبيحه القواعد الفقهية والأصول الشرعية، التي تقضي بأن أخذ المال لا يكون إلا تبرعًا، أو في مقابلة مال أخذ أو أتلف، وإلا كان أكلًا له بالباطل، وعلى ذلك يكون أخذه تعويضًا عن ضرر لم يترتب عليه تلف لمال غير جائز شرعًا؛ لأن أساس التعويض في نظر الفقهاء هو مقابلة المال بالمال، فإذا قوبل المال بغير مال كان أكلًا للمال بالباطل»(59).
ويقول أيضًا: «إن وجوب التضمين بالمال إنما يكون في ضرر مالي أصاب المضرور، وذلك بتلف بعض ماله، أو نقص قيمته بفعل ضار، أما الضرر الذي لا يتمثل في فقد مال كان قائمًا، فلا يرى الفقهاء فيه تعويضًا»(60).
ولعل الشيخ أخذ بهذا المذهب بناءً على رأي الحنفية، الذي يذهب إلى أن المنافع لا تعد من الأموال.
وأما التعويض عن الضرر الأدبي، فإن الفقهاء المتقدمين لم يتكلموا عليه بالاسم، ولا يرى كثير من الفقهاء المعاصرين التعويض عنه بالمال، وإنما يكتفى بالتعزير للمعتدي بما يردعه من الاعتداء على الآخرين.
يقول الشيخ الزرقاء رحمه الله: «الحكم بالتعويض المالي عن الضرر الأدبي حكم مستحدث، ليس له نظائر في الفقه الإِسلامي...، والأسلوب الذي اتبعته الشريعة في معالجة الإضرار الأدبي إنما هو التعزير الزاجر، وليس التعويض المالي؛ إذ لا تعد الشريعة شرف الإنسان وسمعته مالًا متقومًا يعوض بمال آخر إذا اعتدي عليه...، وخلاصة القول أننا لا نرى مبررًا استصلاحيًا لمعالجة الإضرار الأدبي بالتعويض المالي، ما دامت الشريعة قد فتحت مجالًا واسعًا لقمعه بالزواجر التعزيرية»(61).
وكذلك يرى مجمع الفقه الإسلامي في جدة أن التعويض عن الضرر إنما يشمل الضرر المالي الفعلي، ولا يشمل الضرر الأدبي والمعنوي، وأنه لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان لسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد(62).
وأما القوانين العربية فقد أخذت بمبدأ التعويض عن جميع الأضرار الثلاثة: الضرر المالي، والأدبي، وما فاته من كسب.
فقد نصت المادة (267) مدني من القانون الأردني على وجوب التعويض عن الضرر الأدبي، تقول المادة: «يتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك، فكل تعد على الغير في حريته، أو في عرضه، أو في شرفه، أو في سمعته، أو في مركزه الاجتماعي، أو في اعتباره المالي يجعل المتعدي مسئولًا عن الضمان»(63).
وهذا النص موافق لقانون المعاملات المدنية السودانية 1984.
كما نص القانون المدني المصري على التعويض عن الأضرار الأدبية، وما فات الدائن من كسب(64).
واختار هذا القول أيضًا بعض المعاصرين، ومنهم: الدكتور: عبد الله الطيار، والدكتور: عبد الله المطلق، والدكتور: محمد إبراهيم الموسى.
جاء في الفقه الميسر: «وقد ورد في الإسلام الجزاء عن إيقاع الضرر الأدبي، وذلك بالتوبيخ، ومن ذلك ما روى أبو ذر رضي الله عنه أنه ساب رجلًا فعيره بأمه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية»، أو الجزاء بالجلد؛ كما في حد القذف، فإن القاذف يجب عليه حد القذف بشروط؛ لما سببه من إيذاء أدبي ومعنوي للمقذوف وغيره، ولم نر من تكلم عن التعويض المالي للضرر المعنوي، فهو من النوازل الحادثة.
والتعويض المالي مقابل الضرر الأدبي والمعنوي معمول به في بعض القوانين.
ونرى أن التعويض المالي مقابل ما أوقعه من أضر بغيره ضررًا أدبيًا ومعنويًا لا مانع منه إذا كان ذلك يتم عن طريق القضاء، بحيث يكون التعويض كثرة أو قلة يتناسب مع حجم الضرر الأدبي والمعنوي الذي وقع على المضرور، ولا سيما أن التعويض المالي في كثير من المجتمعات أقوى وأبلغ في الردع من السجن أو العقوبة الجسدية، وقد يكون ذلك من باب التعزير بالمال إمعانًا في الردع والزجر، وهو هدف معتبر عند إقامة العقوبات والجزاءات في الشريعة الإسلامية؛ كي يمنع تكرار مثل ذلك الضرر، ويزجر في الابتعاد عنه».
«ونرى أن التعويض يشمل الضرر الأدبي والمعنوي الواقع فعلًا؛ ذلك أن الضرر في ذلك قد يكون أشد وقعًا وضررًا من الضرر المالي؛ إذ إن المالي يمكن تعويضه، أما الضرر الأدبي والمعنوي فلا يمكن تعويضه»(65).
والذي يبدو أن هذا القول هو الأقرب للصواب، وهو يتماشى مع قواعد العدل والجزاء، كما أنه أضبط كذلك للمعاملات.
على أنه يمكن تقييد اعتماد هذا القول بما لو صدر به قانون من حاكم مسلم، فيكون المرجع فيه لما يقدره القضاء من مصالح في هذا الشأن.
ما يجوز فيه الشرط الجزائي من العقود، وما لا يجوز:
ليس كل العقود يجوز أن تتضمن الشرط الجزائي؛ بل من العقود ما لا يجوز فيها ذلك، ومن العقود التي يجوز أن تتضمن الشرط الجزائي:
1- عقد الاستصناع: فيجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان، ما لم تكن هناك ظروف قاهرة.
2- عقود المقاولات: فمثلًا لو اتفق شخص مع مقاول ليبني له بيتًا، واتفقا على تسليم البيت في موعد محدد، واتفقا على أنه إذا تأخر المقاول في التسليم فيدفع له مبلغًا من المال عن كل يوم تأخر فيه عن تسليم البيت صح ذلك شرعًا.
وكذلك عقود المقاولات التي تتم بين الشركات والدولة أو أصحاب المشاريع، وكان الاتفاق فيها على العمل يجوز شرعًا أن تتضمن شرطًا جزائيًا ماليًا، على أن يكون التأخير في تسليم ما اتفق عليه ناتجًا عن إهمال من المقاول أو تقصير منه، وألا يكون التأخير ناتجًا عن أمور خارجة عن إرادة المقاول؛ كالعوامل الطبيعية مثلًا، وبشرط أن يكون مقدار الشرط الجزائي مماثلًا للضرر الفعلي الذي لحق بالطرف الآخر.
3- عقد البيع بالتقسيط: فيجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط، عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه، ما لم يكن معسرًا.
وهو ما تأخذ به المصارف (الإسلامية) المعاصرة إذا رغب أحد في شراء سيارة مثلًا من البنك أو المصرف، حيث يضع البنك بندًا في العقد ينص على أنه في حالة تأخر الطرف الثاني (المشتري) عن سداد أي قسط في تاريخ استحقاقه يسقط الحق في التقسيط، وتحل كافة الأقساط اللاحقة فورًا دون حاجه لإنذار أو تنبيه.
فاشتراط البنك أو البائع على المشتري حلول باقي الأقساط المؤجلة عند مماطلة المدين في سداد قسط منها مما لا حرج فيه.
وقد جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي بأنه: «يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه، ما لم يكن معسرا»(66). اهـ.
وفي المقابل يمتنع الشرط الجزائي في بعض العقود، ومن تلك العقود:
1. عقد البيع بالتقسيط: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم.
كما لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة تأخر المدين عن الأداء، وإن كان يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط.
2. عقد السلم: فلا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير.
3- عقود الكهرباء والمياه، ونحوها، إذا شرط فيها غرامة تأخير سداد الفواتير:
فمن التصرفات المحرمة ما تفعله شركات الكهرباء والمياه والغاز، ونحوها، من فرض غرامة معينة على من يتأخر عن السداد لعدة أشهر مثلًا، وذلك بسبب التأخير, فهذه الغرامة المفروضة على تأخير سداد قيمة الفاتورة تعد ربا، ولا ريب.
ومما سبق ذكره من هذه النماذج التطبيقية لما يجوز فيه الشرط الجزائي وما لا يجوز، يمكن أن نستخلص ضابطًا لذلك فنقول: يجوز اشتراط الشرط الجزائي في جميع العقود، ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا، علما بأن العقود التي يكون فيها الالتزام دينًا ثلاثة؛ هي القرض، والبيع بثمن مؤجل، والسلم(67).
النوع الثاني(68): الشرط الجزائي المقرر لتأخير الوفاء بدين:
وهو النوع الثاني من نوعي الشرط الجزائي.
صورته:
أن يتضمن العقد الأصلي شرطًا يدفع بموجبه المدين مبلغًا من النقود للدائن، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في الوقت المحدد في أصل العقد، يتفق عليه الدائن مع المدين عند التعاقد، وللمسألة حالتان:
الحالة الأولى:
أن يكون مبلغ الشرط مستحقًا عند عدم الوفاء بالدين أو التأخر فيه، دون أن يتوقف ذلك على شريطة أخرى؛ كأن يقول: إذا لم يوفه دينه في وقت كذا فله عليه كذا وكذا من المال.
حكم هذه الحالة:
هذا الشرط باطل باتفاق الفقهاء؛ لأنه ربا واضح.
أما الحنفية:
فقال الجصاص: «ولا خلاف أنه لو كان عليه ألف درهم حالّة، فقال له: أجلني وأزيدك فيها مائة درهم، لا يجوز؛ لأن المائة عوض من الأجل...، وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال»(69).
وأما المالكية:
فقال الحطاب: «وأما إذا التزم المدعى عليه للمدعي أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا فله عليه كذا وكذا فهذا لا يختلف في بطلانه؛ لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وسواء كان شيئًا معينًا أو منفعة»(70).
وقال ابن عبد البر: «كل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربًا، ولو كانت قبضة من علف»(71).
وأما الشافعية:
فقال النووي: «يحرم كل قرض جر منفعة، كشرط رد الصحيح عن المكسر، أو الجيد عن الرديء، وكشرط رده ببلد آخر، فإن شرط زيادة في القدر حرم إن كان المال ربويًا، وكذا إن كان غير ربوي على الصحيح»(72).
وأما الحنابلة:
فقال ابن قدامة: «وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف»(73).
وأما الظاهرية:
فقال ابن حزم: «ولا يحل أن يشترط ردًا أكثر مما أخذ ولا أقل، وهو ربًا مفسوخ، ولا يحل اشتراط رد أفضل مما أخذ ولا أدنى وهو ربًا»(74).
وفي الجملة يقول ابن عبد البر: «وأجمع العلماء من السلف والخلف أن الربا الذي نزل القرآن بتحريمه هو: أن يأخذ صاحب الدين لتأخير دينه بعد حلوله عوضًا، عينًا أو عرضًا، وهو معنى قول العرب: إما أن تقضي وإما أن تربي»(75).
وقال ابن المنذر: «أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربًا»(76).
وقد قرر هذا المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الحادية عشرة، القرار الثامن، حيث جاء فيه:
«إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، المنعقد بمكة في الفترة من يوم الأحد 13 إلى 20 رجب 1409هـ، الموافق من 19 إلى 26 فبراير 1989م، قد نظر في موضوع السؤال التالي: إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل له، أي البنك، الحق بأن يفرض على المدين غرامة مالية جزائية، بنسبة معينة، بسبب التأخير عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟
الجواب: وبعد البحث والدراسة قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين، أو فرض عليه أن يدفع مبلغًا من المال غرامة مالية جزائية محددة، وبنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به؛ بل ولا يحل، سواء أكان الشارط هو المصرف أم غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه»(77).
الحالة الثانية:
أن يتضمن العقد شرطًا يلزم المدين بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا على الدائن، بسبب التأخير في سداد الدين عن وقته، سواء نص في العقد على ترك تقدير التعويض للعاقدين بعد ظهوره، أو للجنة محكمة، أو للقاضي، وقد أطلق على هذا النوع (التعويض).
والفرق بين هذه الحالة والحالة الأولى: أن الشرط في الأولى يتضمن تحديد مقدار التعويض عن الضرر، الذي يحتمل وقوعه مسبقًا بإرادة العاقدين ورضاهما، ويلزم المدين بدفعه إذا تأخر عن دفع التزامه في حينه، سواء ألحقه ضرر فعلي أم لا، ويفترض وجود الضرر بمجرد التأخير، وقد يكون مبلغ الشرط أكبر من الضرر، أو مساويًا له، أو دونه، ولا يتدخل القاضي في تعديل الالتزام، فالمبلغ فيه مقابل الأجل.
أما الشرط في الحالة الثانية فيخلو من ذكر مقدار التعويض الافتراضي، ولا يلزم المدين بدفع شيء للدائن مع تأخره إلا إذا وقع ضرر فعلي، ويرجع للعاقدين في تحديد مقدار التعويض عن هذا الضرر، أو إلى لجنة يرتضيانها، أو إلى المحكمة.
حكم هذه الحالة:
اختلف الفقهاء في حكم هذا النوع من الشروط الجزائية على قولين:
القول الأول:
جواز التعويض عن الضرر الواقع فعلًا، وإلزام المدين المماطل بالوفاء به.
من القائلين به(78): الشيخ مصطفى الزرقاء(79)، وأ. د. الصديق الضرير(80)، والشيخ عبد الله بن منيع، وأفتت به لجنة الفتوى في المصرف الإسلامي الدولي بمصر(81)، فتوى رقم (3، 4)، ولجنة الفتوى في مجموعة دلة البركة، الفتوى رقم (2)(82).
القول الثاني:
حرمة أن يتضمن العقد شرطًا يلزم المدين بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا على الدائن، بسبب التأخير في سداد الدين عن وقته، وأنه من ربا النسيئة.
من القائلين به(83):
علي الخفيف(84)، وزكي الدين شعبان(85)، ونزيه حماد(86)، ومحمد شبير، وأيدهم فيه من الاقتصاديين: رفيق المصري، ومن أهل القانون: عبد الناصر العطار.
الأدلة:
أولًا: أدلة المجيزين:
الدليل الأول:
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»(87).
وجه الاستدلال:
أن تعويض الدائن عن الضرر الواقع عليه نتيجة مماطلة المدين الواجد فيه رفع لهذا الضرر عن الدائن.
نوقش:
رفع الضرر هنا يكون برد أصل المال، لا برد زيادة ربوية زائدة عليه.
الدليل الثاني:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مطل الغني ظلم»(88).
وفي رواية: «لَيُّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته»(89).
وجه الاستدلال:
أن المدين الغني الواجد المماطل ظالم بنص الحديث؛ وعليه، فيجب إلزامه بإزالة ذلك الظلم، وذلك عن طريق إلزامه بالتعويض.
نوقش:
الحديث لم يحدد العقوبة، وتفسيرها بالغرامة المالية على التأخير يحتاج إلى دليل، ولا دليل!
وإزالة الظلم تكون بشكايته عند القاضي لإلزامه برد أصل المال؛ ففي البخاري تحت حديث: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته»، قال سفيان: «عرضه يقول: مطلتني، وعقوبته الحبس»(90)، وعند ابن ماجه: قال علي الطنافسي: «يعني عرضه شكايته، وعقوبته سجنه»(91)، فلم يقل أحدهما بزيادته على أصل ماله.
وأُجيب عن مناقشة الدليلين السابقين:
بأنه ثبت تغريم النبي صلى الله عليه وسلم لمانع الزكاة غرامة زائدة على أصل زكاته؛ فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا عز وجل، ليس لآل محمد منها شيء»(92)، فإن وجب ذلك في حق الله تعالى فهو في حق العبيد أوجب.
الدليل الثالث:
أن المدين بامتناعه عن سداد الدين مع القدرة عليه كالغاصب، وقد قرر أكثر الفقهاء تضمين الغاصب منافع الأعيان المغصوبة علاوة على رد الأصل؛ فإن تفويت منافع المال الثابت في ذمة المدين بتأخيرها عن موعد الوفاء كتفويت منافع الأعيان المغصوبة، فتأخذ حكمها من حيث وجوب تضمين المدين؛ إذ كل منهما مال أزيلت عنه يد مالكه بغير حق(93).
نوقش:
هذا قياس مع الفارق؛ لأن ضمان منافع الأعيان المغصوبة ضمان يد، ومنافعها غير مضمونة عند الحنفية؛ لأن المنافع ليست أموالًا في نظرهم، ولا تكون مالًا إلا بالعقد، وهي أموال عند الجمهور إذا كان المغصوب مما تصح به إجارته، غير أنها تضمن بالقيمة لهلاكها بالتفويت، بخلاف ضمان العقد الذي هو ضمان مال تالف بناءً على عقد اقتضى الضمان، وليس منه التأخير في سداد الدين، فلا يستحق التعويض بناءً عليه.
أيضًا فإن ضمان العقد في الشريعة لا يستلزم صحة العقد حتى يثبت التضمين؛ بل يثبت التضمين مع فساد العقد، والقاعدة عند الفقهاء أن كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده.
الدليل الرابع:
قاعدة (الأصل في الشروط الصحة واللزوم)، وقد سبق الكلام عنها عند الحديث عن النوع الأول من الشرط الجزائي.
نوقش:
يشترط لذلك عدم مصادمة الشروط لنصوص الكتاب والسنة، أو لقواعد الشريعة، وقد صادمت.
الدليل الخامس:
أن هذا الشرط الجزائي فيه منفعة لكل من الدائن والمدين؛ فمنفعته للدائن في ضمان عودة ماله إليه، وتعويضه عن أي ضرر يصيبه بتعمد المدين.
وأما منفعته للمدين فبدفعه للمسارعة بإبراء ذمته بسداد دينه، ومعلوم شؤم الدين في الآخرة.
وفيه أيضًا مصلحة عامة؛ بالحث على تنشيط النظام الإسلامي في القرض الحسن؛ بلا فوائد ربوية، وذلك أن المقرض إذا اطمئن إلى عودة ماله إليه؛ بل وتعويضه عما قد يصيبه من ضرر متعمد، فإنه يقرض المحتاجين راضيًا مختارًا، وأما العكس فإنه يتردد كثيرًا أو يمتنع عن ذلك.
نوقش:
بأنها منافع قليلة في مقابل مفاسد عظيمة للربا المحرم فلا تعتبر، كما قال الله تعالى عن الخمر والميسر: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219].
دليل المانعين:
أن هذا الشرط الجزائي نوع من أنواع ربا النسيئة المحرم، وهو قول المدين للدائن: «زدني في الأجل أزيدك في المال».
وعن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الربا في النسيئة»(94).
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن حقيقة الربا استغلال من الدائن للمدين، واستغلال حاجته في اشتراط نسبة ربوية عند الإقراض أو عند التعاقد، بحيث يقع الضرر والعبء كله على المدين، وأن يكون الدائن مستفيدًا رابحًا على كل حال.
أما تعويض ضرر التأخير الواقع على الدائن فغير ذلك تمامًا، فهو إحقاق حق، وإزالة ظلم، وإقامة عدل، ودفع ضرر، فشتان بين هذا وذاك.
أُجيب: بأن العلة في تحريم الربا الزيادة المشروطة بلا عوض، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن زاد، أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء»(95)، أما استغلال الآخرين فهي حكمة التحريم، لا مناطه، والأحكام الشرعية تناط بالعلل، لا بالحكم عند الأصوليين.
الوجه الثاني: أن الفوائد الربوية في المداينات تعقد المداينة على أساسها من البداية، فتكون طريقًا استثماريًا أصليًا يلجأ إليها المرابون؛ مما يخل بالتوازن الاقتصادي بين العاقدين، بخلاف تعويض ضرر التأخير، فإنه ليس طريقًا استثماريًا، وإنما هو إعادة عادلة لتوازن العقد الأصلي الذي أخل به المدين المماطل، ولا تكون المداينة قائمة على الاستثمار من البداية.
أُجيب:
بأن الزيادة في التعويض التأخيري مشروطة منذ البداية، سواء كانت استثمارية أم لا، والزيادة في الديون ربًا.
الراجح:
بالتدقيق في أدلة الفريقين والموازنة بينها يظهر لنا رجحان القول الثاني، القائل بمنع الشرط الجزائي المقرر لتأخر المدين الموسر المماطل في سداد الدين، واعتباره من ربا النسيئة.
من أسباب الترجيح:
1- قوة دليل الفريق الثاني وجوابهم على ما وجِّه إليه من مناقشات.
2- أن أدلة المجيزين أدلة عامة؛ لم ينص فيها على جواز عقاب المدين الموسر المماطل عقابًا ماديًا؛ بل هي أحاديث عامة، تتكلم عن إزالة الضرر ورفع الظلم وحبس المماطل لسداد أصل دينه، وشكايته، لا إيجاب قدر زائد من المال عقوبة له.
3- أن هذا النوع من الشرط الجزائي مشترط في أصل البيع، بزيادة جزء مقدر من المال على أصل الدين، في حالة التأخر عن السداد في الموعد المحدد، وهي نفس صورة ربا النسيئة.
قال الطبري: «وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الربا من أهل الجاهلية، كان إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم لغريم الحق: زدني في الأجل وأزيدك في مالك»(96).
وقال البغوي: «وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه فطالبه به فيقول الغريم لصاحب الحق: زدني في الأجل حتى أزيدك في المال، فيفعلان ذلك»(97).
4- أن العقد الذي يتضمن مثل هذا الشرط قد تضمن اشتراطًا صريحًا للربا؛ فكأن الدائن يقول للمدين في العقد: إن وفيتَ الدين في موعد كذا وفيته ألفًا، فإن وفيته بعد ذلك وفيته ألفًا ومائة، فتكون الزيادة في المال مقابل الزيادة في المدة.
5- أن في إجازة هذا النوع من الشروط الجزائية فتح لباب شر، وذريعة إلى الوقوع في الربا المحرم، الذي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبحه وتعدد صوره وأنواعه وأشكاله وأصنافه قائلًا: «الربا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه»(98).
ومع هذا الترجيح ينبغي التنبه إلى أمرين:
الأول: أن المسألة محتملة، فمن اطمأن قلبه للقول الآخر فليعمل به، على أن يضاف إلى شرط حصول الضرر الفعلي بتأخر المدين في السداد في الوقت المحدد، يضاف إلى ذلك شرط آخر، هو كون هذا المماطل موسرًا، وعلى الدائن عبء إثبات ذلك، وللمدين إثبات عكس ذلك.
الثاني: يجوز اشتراط إلزام المدين المماطل بنفقات التقاضي إذا اقتضى الأمر مقاضاته، بسبب مطله وظلمه، كأتعاب المحاماة ومصاريف التنقل والمواصلات، لكن لا يأخذ منه أكثر مما تكلف في استخلاص الحق، فإن لم يحتج الأمر إلى نصب محام، أو بذل رسوم ونحو ذلك، فليس له إلا أخذ ما غرمه من غرم معتاد فقط.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره وغرم أجرة الرحلة، هل الغرم على المدين؟ أم لا؟
فأجاب: «الحمد لله، إذا كان الذي عليه الحق قادرًا على الوفاء، ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل، إذا غرمه على الوجه المعتاد»(99).
خاتمة البحث، وأهم النتائج:
- الشرط الجزائي هو: اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن على المدين، إذا لم ينفذ المدين التزامه، أو تأخر في تنفيذه.
- ذهب بعض العلماء إلى أن الشرط الجزائي إنما هو عقوبة مالية نظير الإخلال بالشرط، فهو كغرامة على التأخير في التزام ما اتفق عليه، وليس تعويضًا عن الضرر.
- هناك نوعان من الشرط الجزائي في المعاملات المعاصرة: النوع الأول: الشرط الجزائي المقرَر لعدم تنفيذ الأعمال على الوجه المتفق عليه، أو تأخير تنفيذها عن الوقت المحدد، والنوع الثاني: الشرط الجزائي المقرَر لتأخير الوفاء بالدين.
- لم يكن الشرط الجزائي، المعمول به في كثير من العقود على هذا النحو المعاصر، معروفًا عند الفقهاء من أئمة المذاهب، لكن يمكن تخريجه، جوازًا أو منعًا، على قواعدهم في الاستدلال.
- يترجح القول بجواز الشرط الجزائي المقرر لعدم تنفيذ الأعمال أو تأخيرها عن ميعادها المحدد؛ وهو قول جمهور العلماء، وبنوه على أن الأصل في الشروط هو الإباحة، وأن به تنضبط المعاملات، ويندفع الضرر عن أصحاب الحقوق من المتعاقدين.
- لا خلاف بين العلماء في عدم مشروعية الشرط الجزائي المقرَر لتأخير الوفاء بالديون، وأنه من الربا الصريح، وعليه: فكل زيادة أو فائدة على الدين الذي حلَّ أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، ومن ذلك الغرامات على سداد فواتير المياه والكهرباء، كل ذلك ربًا محرمٌ شرعًا، وإن سمي غرامة تأخير أو شرطًا جزائيًا.
- الشرط الجزائي لا يكون في الديون، وإنما يكون في العقود المالية التي تخلو من الديون؛ كعقود المقاولات والتوريد وغيرهما.
- اختلف العلماء في مشروعية أو عدم مشروعية أن يتضمن العقد شرطًا يلزم المدين بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا على الدائن، بسبب التأخير في سداد الدين عن وقته، مع كونه موسرًا ومماطلًا في سداد ما عليه، والأقرب والأحوط المنع من ذلك أيضًا.
- يجوز اشتراط إلزام المدين المماطل بنفقات التقاضي إذا اقتضى الأمر مقاضاته، بسبب مطله وظلمه؛ كأتعاب المحاماة ومصاريف التنقل والمواصلات، لكن لا يأخذ منه أكثر مما تكلف في استخلاص الحق.
- لا خلاف بين الفقهاء في وجوب التعويض عن الضرر الذي يكون بتلف المال.
- اختلف الفقهاء في التعويض عما فات الإنسان من مكاسب مؤكدة، والأكثر على مشروعية التعويض عن ذلك.
- واختلفوا أيضًا في التعويض عن الضرر الأدبي والمعنوي، والأقرب مشروعيته، خلافًا للأكثر.
المراجع
(1) صحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري (فصل الشين، شرط)، لسان العرب، لابن منظور (حرف الطاء المهملة، فصل الشين المعجمة)، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي (باب الطاء، فصل الشين).
(2) لسان العرب، لابن منظور (حرف الطاء المهملة، فصل الشين المعجمة)، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي (باب الطاء، فصل الشين).
(3) انظر مقال: تأصيل هذه الأمور الثلاثة: غرامة التأخير، والشرط الجزائي، والتعويض عن الضرر، د. علي محي الدين القرة داغي.
(4) كتاب العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي (حرف الجيم، الثلاثي المعتل، باب: الجيم والزاي).
(5) موسوعة فقه المعاملات، لمجموعة من المؤلفين (المصطلحات، الشرط الجزائي).
(6) د. عبد المنعم البدراوي: النظرية العامة للالتزامات، الأحكام، ط.1971، ص80، نقلًا عن مقال: تأصيل هذه الأمور الثلاثة: غرامة التأخير، والشرط الجزائي، والتعويض عن الضرر.
(7) من إجابة لسؤال: ما حكم الشرط الجزائي في الإسلام؟ وما هي شروطه؟، لخير الدين مبارك عوير.
(8) الوسيط في شرح القانون المدني، للدكتور عبد الرزاق السنهوري (القسم الثاني: نظرية الالتزام) ص851، نقلًا عن موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (الشرط الجزائي).
(9) الوسيط، للدكتور عبد الرزاق السنهوري (القسم الثاني: نظرية الالتزام)، ص851، نقلًا عن موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (الشرط الجزائي).
(10) من مقال: تأصيل هذه الأمور الثلاثة: غرامة التأخير، والشرط الجزائي، والتعويض عن الضرر.
(11) المصدر السابق.
(12) نقلًا عن موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (الشرط الجزائي).
(13) ومن القائلين به: د. علي محي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، د. رمضان القطان، أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة، جامعة الأزهر، ود. محمد حسني إبراهيم، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية، وأمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وهي فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
(14) رواه الترمذي، واللفظ له (أبواب الأحكام، باب: ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس)، والطبراني في المعجم الكبير (باب العين، عمرو بن عوف بن ملحة المزني)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1352).
(15) رواه البخاري (كتاب: الشروط، باب: ما يجوز من الاشتراط والثُّنْيَا في الإقرار).
(16) هو القاضي المسلم الفقيه: شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، كان قاضي الكوفة لستين سنة، قال فيه علي بن أبي طالب: «هو أقضى العرب»، عاش مائة وثمان سنين، وتوفي سنة 78 هجرية، وقيل ثمانين. (ويكيبيديا).
(17) انظر مقال: الشرط الجزائي، مفهومه، حكمه، تطبيقاته، خير الدين مبارك عوير، موقع: الفقه الإسلامي.
(18) الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي (4/3061) دار الفكر، سوريَّة، دمشق.
19)) الفروع، لابن مفلح، ومعه تصحيح الفروع، لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي (6/190)، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1424هـ/2003م.
(20) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (كتاب: البيوع، قواعد في العقود، القاعدة الثالثة في العقود والشروط فيها فيما يحل منها ويحرم).
(21) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (1/ 259).
(22) انظر: ما حكم الشرط الجزائي في الإسلام؟ وما هي شروطه؟
23)) رواه ابن ماجه (كتاب: التجارات، باب: التغليظ في الربا)، والحاكم في المستدرك (كتاب: البيوع، وأما حديث أبي هريرة)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3538).
24)) أحكام القرآن، للجصاص (2/184)، المحقق: محمد صادق القمحاوي، عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، تاريخ الطبع: 1405هـ.
(25) الشرط الجزائي في الديون، دراسة فقهية مقارنة، أ. د. علي محمد الحسين الصَوَا، موقع: الفقه الإسلامي.
(26) «قيل: اشترطي لهم الولاء؛ أي: عليهم، كما في قوله تعالى: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:52]؛ أي: وعليهم، نقل هذا عن الشافعي والمزني، وقيل: معنى اشترطي: أظهري لهم حكم الولاء، وقيل: المراد الزجر والتوبيخ لهم؛ لأنهم لما ألحوا في اشتراطه ومخالفة الأمر قال لعائشة هذا، بمعنى: لا تبالي سواء شرطته أم لا، فإنه شرط باطل مردود، وقيل: هذا الشرط خاص في قصة عائشة، وهي قضية عين لا عموم لها»، انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت (11/ 288).
(27) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: البيوع، باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل)، ومسلم (كتاب: العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق).
(28) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر (1/ 551)، الناشر: دار المعرفة بيروت، 1379هـ، رقَّم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
(29) المصدر السابق.
(30) المصدر السابق (5/ 188).
(31) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود)، ومسلم (كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور).
(32) رواه البخاري (كتاب: البيوع، باب: النجش)، ومسلم (كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور).
(33) فتح الباري، لابن حجر (5/ 303)، والطرقي: هو الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت بن محمد الأصبهاني، وطرْق: من قرى أصبهان، سكن برد، وكان متفننًا، له تصانيف، إلَّا أنه جهل، وقال بقدم الروح، سمع: عبد الوهاب بن منده وطبقته، وجال في الطلب، ولحق أبا القاسم بن البسري، توفي في شوال, سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، قاله الذهبي في "السير" (14/ 372)، نقلًا عن هامش: فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (7/ 132)، بتحقيق: أبو محمد عبد السلام بن محمد العامر.
(34) رواه البخاري بدون سند (كتاب: الإجارة، باب: أجر السمسرة).
(35) رواه أحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود)، والبزار (مسند عبد الله بن مسعود، سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه)، وقال الألباني: «وشريك هو ابن عبد الله القاضي، وهو سيئ الحفظ, فلا يحتج به، لا سيما مع مخالفته لسفيان وشعبة في رفعه»، انظر: إرواء الغليل (1307).
(36) رواه أحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة)، والنسائي (كتاب: البيوع، بيعتان في بيعة)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4632).
(37) رواه أبو داود (أبواب: الإجارة، باب: فيمن باع بيعتين في بيعة)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2326).
(38) رواه النسائي (كتاب: البيوع، سلف وبيع)، والطبراني في المعجم الأوسط (باب: العين، من اسمه عبد الله)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4629).
(39) انظر بحث: (الشرط الجزائي)، على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.
(40) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الجهاد والسير، باب: استئذان الرجل الإمام)، ومسلم (كتاب: المساقاة، باب: بيع البعير واستثناء ركوبه).
(41) رواه الترمذي (أبواب: صفة القيامة والرقائق والورع)، والنسائي في السنن الصغرى (كتاب: الأشربة، الحث على ترك الشبهات)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2518).
(42) انظر مقال: الشرط الجزائي مفهومه، حكمه، تطبيقاته.
(43) رواه أحمد (ومن مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس)، وابن ماجه (كتاب: الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (250).
(44) انظر ما قررته هيئة كبار العلماء في دورتها الرابعة، المنعقدة فيما بين 28/10/
و14/11/1393هـ، حول موضوع: الشرط الجزائي، نقلًا عن موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (الشرط الجزائي).
(45) مجلة المجمع (العدد الثاني عشر، ج2، ص91).
(46) (12/ 6988).
(47) (5/ 4911).
(48) مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، ص756، موسوعة الفقه الإسلامي (3/ 398).
(49) موقع طريق الإسلام.
(50) انظر: المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (5/ 487)، لدبيان بن محمد الدبيان.
(51) انظر بدائع الصنائع (5/ 169، 172).
(52) نقلًا عن موقع دار الإفتاء المصرية، من فتوى بعنوان: الربح الناتج عن شرط جزائي في العقد حلال، المفتي: الشيخ أحمد هريدي، 13 يونية 1986م.
(53) المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (5/ 491).
(54) مجلة مجمع الفقه الإِسلامي، العدد الثاني عشر (2/ 292).
(55) المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (5/ 479) للدبيان، قال: وهذا القول هو الذي أميل إليه؛ بشرطين:
الشرط الأول: ألا يكون المبلغ في الشرط الجزائي مبالغًا فيه، فلا يجوز أن يكون الشرط الجزائي يأتي على ربح المقاول كله، فضلًا أن يحمله خسائر، فهذه العقوبة المالية إنما تقلل من ربحه فقط؛ بحيث لا يتجاوز به ثلث الربح، أو عشرة بالمائة من مقدار العقد؛ لأن الشرط الجزائي يجب أن يكون قائمًا على العدل، بحيث لا يأتي على نصيب المقاول كله فيكون عمله بلا مقابل، فهذا من الظلم الذي لا تقره الشريعة؛ بل يجب أن يكون متوازنًا، فإذا كان المبلغ في الشرط الجزائي مبالغًا فيه حمل ذلك على أن مراد العاقد هو التهديد وحمل المقاول على التنفيذ، ويسقط الشرط الجزائي، إلا أن يكون هناك ضرر فيقدر بقدره؛ لأن الضرر مدفوع.
الشرط الثاني: ألا يكون الشرط الجزائي قد نص على أن استحقاقه في مقابل التعويض عن الأضرار، فإن هذا ظاهر بأن العاقدين قد اجتهدا في تقدير الضرر وقت العقد عندما قدرا الشرط الجزائي، وقد يكون الضرر أكثر، أو أقل، ولكن لو كان الشرط الجزائي لم ينص على أنه تعويض في مقابل الأضرار، وإنما كان النص على أنه في مقابل التأخير، فالذي أراه أنه يجب الالتزام بالشرط الجزائي، بغض النظر عن قيمة الضرر الواقع من التأخير، لاعتبارات كثيرة، منها ما تقدم، ومنها: أنه شرط معلق على التأخير، وليس معلقًا على الضرر، فإذا علق الشرط على التأخير استحق بحصول التأخير، ولو لم يكن هناك ضرر، ومنها: أن هذا القول هو الذي يتفق مع حق العاقدين في اشتراط الشروط، فلا ينبغي تقييد حريتهما والحد منها إلا فيما يخالف نصًّا شرعيًا، كما لو كان يلزم من الشرط الوقوع في الربا أو في الغرر، أو لزم منه مخالفة مقتضى العقد، وهذا ليس منها، كل ما هنالك أنه قد يلحق المقاول من جراء الشرط بعض الغبن؛ وهذا ليس كافيًا في تعليق العقد بالضرر؛ لأن جماهير الفقهاء على جواز الغبن لمن دخل على بصيرة.
قال القرطبي: «الجمهور على جواز الغبن في التجارة، مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم، وهي تساوي مائة، فذلك جائز، وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله الكثير بالتافه اليسير، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة، واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك...» [تفسير القرطبي (5/ 153)]، وانظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية (2/ 41)، ومنها: أن المبلغ المتفق عليه كشرط جزائي إما أن يكون في مقابل التأخير، ولو لم يكن هناك ضرر؛ وإما أن يكون في مقابل دفع الضرر: فإن كان في مقابل التأخير فيجوز أن يأخذ الشرط الجزائي ولو ولم يكن هناك ضرر: لأن الأجل له قيمة في العقد، فالسلعة قيمتها مؤجلة تختلف عن السلعة قيمتها حالة، وهذا أمر معلوم فإن قيمة العقد إذا اشترط على المقاول ونحوه أن يكون إنجازه خلال عام تختلف قيمته عندما يكون العقد مدة إنجازه خلال عامين أو ثلاثة، ولو لم يكن في مقابل التأخير وقوع ضرر، أو فوات منفعة، وإن كان الشرط الجزائي في مقابل الضرر، فإما أن يكون الشرط الجزائي أكثر من الضرر، أو مساويًا له، أو أقل منه، ففي حال كان المبلغ المتفق عليه مساويًا للضرر الواقع فلا إشكال، وأما في حال كان المبلغ المتفق عليه أقل من الضرر الواقع فإنه يدخل في جواز أن يتنازل الإنسان عن بعض حقه ابتداءً، فيجوز إذا كان ذلك بشرط من باب أولى.
وأما إذا كان المبلغ المتفق عليه أكثر من الضرر الواقع، ولم يكن المبلغ فاحشًا بحيث يذهب بالربح كله، بحيث لا يجعل الشرط الجزائي عمل المقاول والمورد والصانع مجانًا بدون مقابل، وكان ذلك باتفاق مسبق بين العاقدين، فما الحرج في دفعه، فإن العربون يدفع، ولو لم يكن هناك ضرر أصلًا، أو كان هناك ضرر ولكن ليس بقدر العربون، ويكون هذا من باب الغرامية المالية بسبب التأخير، وهذا ما يجري عليه العمل في العقود، فإنك تجد أن العقود تنص على أن التأخير في الشهر الأول تختلف غرامته عن الشهر الثاني، فيجعلون الجزاء تصاعديًّا، فالشهر الأول أو اليوم الأول: غرامته مثلًا 1% من قيمة العقد، واليوم الثاني أو الشهر الثاني غرامته بقدر 1.5%، وفي اليوم الثالث: 2%، وهكذا مما يدل على أن الشرط هنا غرامة، وليس تعويضًا عن أضرار، والله أعلم. المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (5/ 480).
(56) المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (5/ 472).
(57) مجلة مجمع الفقه الإِسلامي (12/ 2/ ص 306).
(58) يقول قرار الهيئة (25) في تاريخ 21/ 8/ 1394 هـ. ما نصه: ««وإذا كان الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيدًا عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من ضرر...». اهـ. وقد سبق ذكر ذلك.
(59) الضمان في الفقه الإِسلامي، علي الخفيف، ص19.
(60) المرجع السابق.
(61) الفعل الضار، ص 121، 124.
(62) جل هذا المبحث مستفاد من المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (5/ 479)، للدبيان.
(63) راجع مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني، د. أنور سلطان، ص241.
(64) انظر المادة (152، 153، 154)، نقلا عن: المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (5/ 486).
(65) الفقه الميسر (10/ 30، 31، 33).
(66) مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة، في المملكة العربية السعودية، من: 7-12 ذي القعدة: 1412هـ، الموافق 9 – 14 أيار، مايو، 1992م.
(67) انظر: الشرط الجزائي، مفهومه، حكمه، تطبيقاته.
(68) راجع بحث: الشرط الجزائي في الديون، دراسة فقهية مقارنة.
(69) أحكام القرآن، للجصاص (البقرة: 278-279).
(70) تحرير الكلام في مسائل الالتزام، للحطاب الرعيني، نقلًا عن: (الشرط الجزائي، معناه، أنواعه، وحكمه)، موقع: الشبكة الإسلامية.
(71) الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (2/ 728)، المحقق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1400هـ/1980م.
(72) روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (4/ 34)، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، عمان، الطبعة الثالثة، 1412هـ/1991م.
(73) المغني، لابن قدامة (4/ 240)، الناشر: مكتبة القاهرة.
(74) المحلى بالآثار، لابن حزم (6/ 347) دار الفكر، بيروت.
(75) الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (كتاب: البيوع، باب: الصرف).
(76) المغني، لابن قدامة (4/ 240).
(77) المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، نقلًا عن موقع: مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، ردًا على سؤال عن دائن يريد زيادة على دينه.
(78) نقلًا عن: الشرط الجزائي في الديون، دراسة فقهية مقارنة.
(79) مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، عدد (2)، مجلد (2)، ص97.
(80) مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، عدد (1) مجلد (3)، ص112، وانظر أعمال الندوة الفقهية الرابعة لبيت التمويل الكويتي، المنعقدة في الكويت 30-31 أكتوبر -1 نوفمبر 1995م، ص223، 238.
(81) المصرف الإسلامي الدولي، مصر، فتوى رقم 3، 4.
(82) كتاب: الفتوى الشرعية في الاقتصاد، إدارة التطوير والبحوث، فتوى رقم 2.
(83) نقلًا عن: الشرط الجزائي في الديون، دراسة فقهية مقارنة.
(84) الضمان في الفقه الإسلامي، دار الفكر العربي، سنة 1997، ص19-20.
(85) بحث الشرط الجزائي، مرجع سابق، ص137.
(86) قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، دار القلم، دمشق، ط2001، (1/ 351).
(87) رواه أحمد (ومن مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس)، وابن ماجه (كتاب: الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (250).
(88) رواه البخاري (كتاب: الحوالات، باب: الحوالة)، ومسلم (المساقاة، باب: تحريم مطل الغني وصحة الحوالة).
(89) رواه أحمد (مسند الشاميين، حديث الشريد بن سويد الثقفي)، وأبو داود (كتاب: الأقضية، باب في الحبس في الدَّين وغيره)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (5487).
(90) رواه البخاري (كتاب: في الاستقراض، باب: لصاحب الحق مقال).
(91) رواه ابن ماجه (كتاب: الصدقات، باب: الحبس في الدَّين والملازمة).
(92) رواه الدارمي (كتاب: الزكاة، باب: ليس في عوامل الإبل صدقة)، وأبو داود (كتاب: الزكاة، باب: في زكاة السائمة)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (1575).
(93) الشرط الجزائي في الديون، دراسة فقهية مقارنة.
(94) رواه مسلم (كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مِثلًا بمثل).
(95) رواه مسلم (كتاب: المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا).
(96) تفسير الطبري (البقرة: 275).
(97) تفسير البغوي (البقرة: 275).
(98) رواه عبد الرزاق في مصنفه (كتاب: البيوع، باب: ما جاء في الربا)، والطبراني في المعجم الأوسط (باب: الميم، من اسمه: محمد)، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (1871).
(99) مجموع الفتاوى (30/ 24)، وانظر: فتاوى الشبكة الإسلامية (12/ 6988)، (12/ 3479)، (12/ 6425)، (12/ 97791).