المربون بين المطلوب والمرفوض
مهمة التربية مهمة شاقة وخطرة، لكنها ذات أجر كبير من الله، فمن أحسن أداءها كان له من الأجر الكثير، ومن أهمل فيها فقد عرض نفسه لسؤال الله له، والتربية من
أهم عوامل غرس الصفات الأساسية في المجتمع الذي يريد أن ينال رضا ربه سبحانه، وكذلكأيضًالمن يريد أن تكون له مكانته السامقة بين المجتمعات.
والمربون اليوم يعيش الواحد منهم أنواعًامن التناقضاتفي التعامل مع ناشئته التي فقدتسيطرتها بين ما تشاهده وما تطالبُ به منقدواتها؛ في البيت أو خارجه، فليتهم أدركوا أن عليهم كما لهم.
لهذا كان ينبغي أن نقف مع أنفسنا وقفة نتعرف فيها على ما يجب على المربين فعله وما ينبغي عليهم تركه.
أولًا: المربون والمطلوب
1 ـ صدق اللّجوء إلى الله وحده:
لا أحد يملك التوفيق والتثبيت إلَّا الله وحده، وقد ورد في كتاب الله تعالى حكاية عن مشركي العرب أنهم كانوا يلجئون إلى الله في الشدائد، ويكفرون به في السراء، قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} [العنكبوت:65]، ومع ذلك لم يبخل الحق سبحانه عليهم بالنجاة؛ رغم كفرهم وعصيانهم له، ومع أنه يعلم أنهم ينتكسون ويشركون به بعد نجاتهم ومع ذلك ينجيهم، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت:65].
فكيف بالمؤمن الصادق مع الله تعالى؛ يحكي لنا القرآن عن ذي النون عليه السلام، ».. التقمه الحوت، مضيقًا عليه أشد الضيق! فلما كان في الظلمات: ظلمة جوف الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل نادى: {أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 21]، فاستجاب الله دعاءه، ونجاه من الغم الذي هو فيه، ولفظه الحوت على الساحل.
إن يونس لم يصبر على تكاليف الرسالة، فضاق صدرًا بالقوم، وألقى عبء الدعوة، وذهب مغاضبًا، ضيق الصدر، حرج النفس فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذبين، ولولا أن ثاب إلى ربه! واعترف بظلمه لنفسه ودعوته وواجبه، لما فرج الله عنه هذا الضيق، ولكنها القدرة حفظته ونجته من الغم الذي يعانيه.
وأصحاب الدعوات لا بد أن يحتملوا تكاليفها، وأن يصبروا على التكذيب بها، والإيذاء من أجلها«(1).
فالمربي الذي يبني الأجيال إن لم يكن له نصيب من هذا الأمر؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
2 ـ التسلّح بالعلم الشرعي والبصيرة في الدين:
العلم أشرف مطلب، وأحسن مقصود، وأروع منال، بالعلم يعبد الله، {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد: 19]، {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت: 43]، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[العنكبوت: 49]، {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: 11]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9].
فالشبهات من أسباب الزيغ والانتكاس، ولا تُعالج إلا بالعلم والبصيرة، قال تعالى:{أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].