logo

المحاضن التربوية


بتاريخ : الثلاثاء ، 28 ربيع الآخر ، 1436 الموافق 17 فبراير 2015
بقلم : تيار الاصلاح
المحاضن التربوية

من طبيعة الإنسان أن فيه إقبالًا وإدبارًا، وهمة وفتورًا، ففي وقت نشاطه وهمته تجده يريد إنجاز كل شيء في أقصر وقت، وفى وقت فتوره وإدباره تراه متثاقلًا عن القيام بالكثير من الأعمال التي كان يقوم بها قبل ذلك بسهولة ويسر.

 

إنّ إحياء الشعوب، وبناء الأمم، وصناعة الحضارات، يتطلب جهدًا عظيمًا، تتآلف فيه كافة الإمكانات والطاقات البشرية منها على وجه الخصوص، ولن يتم ذلك إلا بشحذ الهمم وتقوية العزائم والسعي الحثيث لبناء الرجال.

 

من هنا تشتد الحاجة إلى وسيلة تنهض بالهمم، وتعين الواحد منا دومًا على الاستمرار في القيام بالوسائل السابقة.

 

ومن ناحية أخرى فإن النسيان من طبع الإنسان، ولكم سمعنا وقرأنا من نصائح وتوجيهات، كان لها أبلغ الأثر في نفوسنا، وعزمنا وقتها على القيام بمقتضياتها من أعمال، وبمرور الوقت ضعفت الهمة، ونسى التوجيه.

 

الحل العملي لتلافي هذه العقبات هو حسن تطبيق قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

 

لابد إذن لكل من يريد الاستمرار في جهاد نفسه أن يتواجد في محضن تربوي وصحبة صالحة، يتربى فيهما تربية إيمانية متكاملة، تترك أثرًا كبيرًا في بناء الطاقات، وتنميتها، واستثمارها استثمارًا مناسبًا.

 

ومن هنا كانت الحاجة إلى وجود جماعة أو مؤسسة تربوية، يتربى فيها المسلم تربية جادة، إذ لا يمكن للإنسان أن يتربى تربية حقيقية متكاملة إلا في وجود جماعة صالحة.

 

تؤدي المحاضن التربوية دورًا حيويًا وهامًا جدًا في بناء شخصية المتربي وصياغتها بل لا نبالغ إذا قلنا بأنها ورغم قصر الوقت الذي يقضيه المتربي فيها؛ فاقت في التأثير كلًا من البيت والمدرسة والشارع وغيرها من وسائط التربية في كثير من الأحيان.

 

لقد كان من أوائل ما نزَل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1-4] .

 

والمحاضن التربوية عبارة عن مجموعة طلاب يجمعهم سكن واحد، وتقام فيه برامج علمية وتربوية ودعوية؛ وذلك لإعدادهم لتحمل مسئولية العمل الدعوي بعد ذلك في بلادهم وبين ذويهم.

 

يقول ابن جماعة رحمه الله: «إذا غاب بعض الطلبة أو ملازمي الحلقة زائدًا عن العادة سأل عنه وعن أحواله وعمن يتعلق به، فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه، أو قصد منزله بنفسه، وهو أفضل؛ فإن كان مريضًا عاده، وإن كان في غم خفض عليه، وإن كان مسافرًا تفقد أهله ومن تعلق به، وسأل عنهم وتعرض لحوائجهم وأوصله بما أمكن، وإن كان فيما يحتاج إليه فيه أعانه، وإن لم يكن شيء من ذلك تودد له ودعا له» (1).

 

ويقول الإمام النووي وهو ينصح المربي ويضع له واجبات منها: «وينبغي أن يتفقدهم أي الطلاب ويسأل عمن غاب منهم» (2).

 

قال تعالى: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [النمل: 21]، يقول السعدي رحمه الله: «دل هذا على كمال عزمه وحزمه، وحسن تنظيمه لجنوده، وتدبيره بنفسه للأمور الصغار والكبار حتى إن لم يهمل هذا الأمر وهو تفقد الطيور، والنظر هل هي موجودة كلها أم مفقود منها شيء» .

 

ويقول أيضًا رحمه الله: «وإنما تفقد الطير لينظر الحاضر منها والغائب، ولزومها للمراكز والمواضع التي عينها لها»(3).

 

«وبالطبع فإن تفقد الأمير للأتباع، وأخذه بالحزم ثم المحاسبة، وتبين العذر: كل ذلك من أسس الإدارة وقواعد التخطيط ومناهج التربية» (4).

 

أولًا: أهمية المحاضن التربوية في تنمية الشباب:

 

1- التجديد والإبداع:

 

من الضروري أن يبادر المصلحون والمصلحات إلى المراجعة المستمرة لآلياتهم التربوية، والسعي الحثيث للتجديد والإبداع في مشاريعهم الموجهة للشباب؛ فهذا العصر مليء بالمتغيرات، وتجددات العولمة بقنواتها المختلفة من أعظم الفتن التي تمتد بآثارها على الشباب خصوصًا.

 

ولا بد أن يستشعر الدعاة أنهم في سباق مع الزمن، وتنافس مع أهل الأهواء، والتفكير والعمل بطريقتنا التقليدية الرتيبة سوف يفقدنا الكثير من آليات التأثير، ونحن أحوج ما نكون إلى مشاريع إبداعية تستوعب اهتمام الشباب، وتكسب قلوبهم، وتقدم لهم البدائل العملية المقنعة والمحفزة التي تملأ أوقات فراغهم.

 

2- التنوع والتكامل:

 

ينبغي أن نراعي الاختلاف في اهتمامات الطلاب، ونستوعب خصائص المراحل العمرية، والفروق الفردية في القدرات والتطلعات، ومن ثَمَّ فإنه ينبغي أن يتحقق التنوع والتكامل في مشاريعنا التربوية، ولا تصاغ كلها في قالب واحد جامد لا يقبل التطوير، ولا يتميز بالمرونة والتجديد.

 

إنَّ من الملحوظات الجديرة بالاهتمام والمدارسة أن معظم البرامج التربوية التي يقدمها الإسلاميون للفتيان والفتيات توجه للمتدينين والمتدينات خصوصًا، أو للقريبين منهم، وينسون شريحة عريضة من الشباب أُسْلِموا غنيمة باردة للفضائيات الساقطة ونحوها.

 

3- الخطاب العلمي:

 

من المهم جدًا أن يتسم خطابنا التربوي إلى الشباب بالعلمية، وأن تُبنى مواقفهم بمنطق الإيمان والاقتناع، وليس بلغة التلقين والتقليد، إن اتساع الصدر للحوار مع الشباب، وتفهُّم قضاياهم، وسماع آرائهم، وتصحيح أفكارهم ومنطلقاتهم بالحجة والبرهان، سيجعلهم أكثر يقينًا بمواقفهم وبرامجهم، وأكثر حماسًا في رفض الانحراف الفكري والأخلاقي، وفي قصة الشاب الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا أبلغُ دليل على ذلك.

 

وإذا كانت لغة التلقين قد نجحت مع بعض الشباب في مرحلةٍ ما من المراحل، فليس بالضرورة أنها تنجح في كل وقت، وخاصة في عصر الانفتاح الفضائي والإلكتروني الذي كثرت فيه الشبهات والمؤثرات الفكرية.

 

4- التربية الإيمانية:

 

إن تزكية النفوس وتطهير القلوب من أعظم الزاد الذي يُحَصَّن به الشباب لمواجهة الفتن التي تحيط بهم، وتقوية الصلة بالله عز وجل أعظم معين يتقوى به الإنسان على مواجهة مكائد شياطين الإنس والجن، قال الله تعالى: {إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99] .

 

وأصل التزكية وأساسها تربية الإنسان على مراقبة الله عز وجل وخوفه في السر والعلن، انظر إلى ذلك الشاب الذي استيقظ الإيمان في قلبه عندما ذكَّرته تلك الفتاة التي استسلمت له مُكْرَهة لمجرد أنها قالت له: «اتقِ الله، ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه»(5) .

 

فلْنستثمر الإجازة في التشجيع على التنافس في الخيرات، والمحافظة على الصلوات، والإقبال على الطاعات، وحفظ القرآن العظيم، ومجالسة الصالحين، ونحوها من الأعمال التي تسمو بها النفوس، وتزكو بها القلوب.

 

5- بناء المسئولية:

 

من أهم جوانب تربية الشباب: العناية ببناء روح المسئولية عندهم؛ فأكبر أسباب هدر الأوقات، وما يتبع ذلك من الإخفاقات أو الانحرافات ناتج عن عدم المبالاة وضعف الشعور بالمسئولية.

 

وأكثر ما يقلق الآباء والأمهات: أن بعض أبنائهم يأكل وينام ويلهو، دون أن يفكر في بناء نفسه أو رعاية والديه وأسرته، ودون أن يفكر في مصالحه الدنيوية فضلًا عن المصالح الأخروية.

 

إن استشعار الشباب لمسئولياتهم هو الطريق الصحيح لتربيتهم وإصلاحهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد حتى يُسأَل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به؟»(6)، فقيمة الإنسان الحقيقية تتجلى في مدى استيعابه لواجباته، وحرصه على تنفيذها بإتقان.

 

وبناء المسئولية لا يتم بمجرد كلمة أو موعظة فحسب؛ وإنما بتربية وتعاهد وإعداد عميق، وتدرج في البناء، مع طول نَفَس وسعة صدر.

6- بناء الإيجابية:

 

يعاني كثير من الشباب وخصوصًا في المجتمعات المترفة أو المجتمعات التي غرقت في اللهو، من البطالة وقلَّة الإنتاجية، وهذه آفة مستشرية، تزداد عمقًا في أوقات الإجازات.

 

إننا نتألم كثيرًا عندما ننظر إلى بعض التجمعات الشبابية وبخاصة في أوقات الصيف فلا نجد إلا اهتمامات وضيعة، أو طاقات مترهلة مستهلكة فيما لا نفع فيه، والبطالة إذا سيطرت على وقت الشاب كانت سببًا رئيسًا للاختلال والاضطراب في شخصيته على المدى القريب والبعيد.

 

وهنا يتأكد دور المربين والمربيات في تعميق الإيجابية في حياة الفتيان والفتيات، وبالتأكيد لا نقصد نمطًا محددًا من الإيجابية، وإنما نعني الإيجابية بكل صورها وأشكالها، ابتداءً من الإيجابية مع النفس ببناء القدرات وتنمية الطاقات والتدريب على المهارات الأساسية، ومرورًا بالإيجابية في الأسرة والمجتمع، وانتهاءً بالإيجابية في خدمة الدين.

 

وتحقيق هذه الإيجابية يتطلب مشاريع وبرامج عملية، خاصة في أوقات الفراغ تحيي الطاقات وتوجهها، وتزيل عنها غبار السلبية، وواجب المصلحين هو بذل جهد جاد في اكتشاف هذه المشاريع الإبداعية التي تجعل من الشاب أكثر عطاءً، وأكثر نفعًا لنفسه ولأسرته وأمته.

 

إن من أهم النتائج التي توصل إليها علم النفس الحديث أن القدرات العقلية التي يتمتع بها الإنسان السوي لا حد لها؛ على أنها تحتاج إلى البيئة التربوية التي تكون في مستوى ثقافي يبرر المواهب، ويلهم العبقرية، ويشجع على أن تساهم بصفة أكثر فعالية ونجاعة في الرقي الحضاري الشامل.

 

كما أن هذه الجماعة ضرورة لعلاج معظم السلبيات التربوية التي تبدو وتظهر على كثير من شباب الإسلام بفعل إفراز أوضاع بعض المجتمعات الإسلامية وبيئتها الثقافية والإعلامية والاجتماعية، ومعالجة تلك السلبيات تتطلب التربية وسط جماعة صالحة.

 

وهذه البيئة الصالحة، ينبغي أن يكون من أهم أهدافها، تقويم ما قد يكون في الشخص من انحراف، وتثبيت ما تجد فيه من استقامة، وتشجيعه إذا فتر، والوقوف معه إذا ضعف، كي لا يكون عرضة للانحراف عندما تضغط الظروف والفتن على المشاعر والوجدان، فالإنسان قليل بنفسه، كثير بإخوانه(7).

 

7- الاستمرارية:

 

الأصل في التربية أنها عملية مستمرة حيث يجب أن لا تقتصر تربيتنا وتعاملنا مع المتربي داخل تلك المحاضن وحسب، حيث يجب أن ينظر للمحضن على أنه بديل تربوي، ومن خلال المواقف الحياتية التلقائية اليومية ويظهر ذلك جليًا من خلال تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث يخالطهم في مجالسهم وأسواقهم وبيوتهم ويربيهم من خلال تلك المواقف، وهذا يستلزم أن لا تقتصر تربيتنا وتعاملنا مع المتربي داخل تلك المحاضن فحسب؛ بل يجب أن تتسع لتشمل المواقف الحياتية المختلفة خارج ردهات المحضن.

 

والمحضن التربوي ليس ابتكارًا للدعوة، وإنما هو امتداد لعمل مماثل تم في بداية الدعوة الإسلامية في دار الأرقم بن أبي الأرقم بمكة، أما بمعناه التنظيمي والحركي فهو مما امتازت به جماعة الإخوان في سبيل حرصها على التكوين السليم للدعاة العاملين.

 

ثانيًا: أهداف المحاضن التربوية:

 

يعتبر المحضن التربوي لبنة أساسية في تكوين العمل الجماعي، وبناء على ذلك فإن أهداف المحاضن التربوية تتلخص في الآتي:

 

1 - تكوين شخصية المسلم تكوينًا إسلاميًا متكاملًا:

 

فمن مهمـة المحضن التربوي أن يساهم في تكوين شخصية المسلم ليكون مؤهلًا للقيام بدوره الدعوي الإصلاحي في المجتمع، ولا يكون ذلك إلا بأن يستكمل الجوانب التي تتطلبها هذه المهمة وهي الجانب الإيماني والفكري والأخلاقي والحركي.

 

ويتمثل دور المحضن التربوي في تحقيق هذه الجوانب بتوفير الجو المناسب للتلقي، ومن خلال المعايشة الجماعية مع إخوانه، وتفاعله مع البرامج والأنشطة المتنوعـة التي تتم من خلال المحضن التربوي أو من خلال النشاط العام.

 

ولاشك أن المحضن التربوي له دور أساسي في ترسيخ الكثير من المفاهيم الأساسية والسلوكيات الأخلاقية والحركية اللازمة لبناء الشخصية الدعوية منها:

 

أ - ترسيخ مفاهيم العمل الجماعي ومتطلباته من طاعة والتزام، واكتساب هذه الأمور عمليًا.

ب - التحلي بالأخلاق الإسلامية في التعامل مع الآخرين.

ج - مساعدته على وضع برنامج تثقيفي في الجوانب الشرعية لتكوين أساسيات العلم الشرعي في الجانب العقائدي والعبادي.

دـ - تكوين الثقافة الإسلامية العامـة من خلال الدروس العامة وقراءة الكتب.

 

2 - تأكيد معاني الأخوَّة بين أفراد المحضن:

 

وهو قبل ذلك مطلب شرعي دعا إليه الدين الإسلامي في كثير من نصوصه، قال تعالى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10]، وقال: { فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [آل عمران: 103].

 

وهو من الأهداف الأساسية التي تنشدها المحاضن التربوية، وتتأكد معاني الأخوَّة في نفس الفرد من خلال الآتي :

 

أ   - التعارف الوثيق والتناصح والتسامح، وممارسة الحب في الله.

ب - التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

ج - التفاهم والتعاون والتكافل، والتعوّد لأن يكون الأخ في حاجة أخيه.

د - أداء واجبات الأخوَّة في الدين وردت الأحاديث بتعداد كثير منها.

 

3 - التدرب على حرية الرأي والاستماع إلى الرأي الآخر:

 

وذلك من خلال المعايشة الأخوية في المحضن ويكون ذلك من خلال:

أ - التعبير عن الرأي بأدب واستئذان وموضوعية وبُعد عن التعصب للرأي أو الإعجاب به، وذلك عن طريق اختيار الأساليب الهادئة الهادفة البعيدة عن ارتفاع الصوت وممارسة النقد الهادف البناء.

ب - عدم الاستهانة بأي رأي أيّـاً كان مصدره فقد يكون فيه الخير، وطالما أن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها فلابد من حسن الاستماع لكل رأي.

 

4 - تحقيق معنى الانتماء للدعوة والالتزام بأهدافها ووسائلها وحركتها ونظمها وآدابها :

 

فالانتماء للدعوة الإسلامية هو أولًا انتماء لهذا الدين وهو بالتالي امتثال لأمر الله سبحانه وطمعًا في رحمته ورضاه، وهذا ما يجعل الانتماء في منأى عن التأثر بموت الأشخاص أو زوالهم أو غيابهم عن مسرح الدعوة لسبب أو لآخر.

 

وهذا هو في الواقع سر خلود هذه الدعوة وبقائها واستمرارها: «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت»(8).

 

والانتماء للدعوة والالتزام بأهدافها ووسائلها يعني تجنيد طاقة الفرد لخدمة العمل الإسلامي، فدعوة الحق دعوة التزامات، دعوة إيمان وعمل.. دعوة جهاد ورباط ومصابرة.

 

5 - قدرة الفرد على أن يربي نفسه تربية ذاتيـة :

 

يساهم المحضن التربوي في تكوين الأساسيات لدى الفرد، مما يشكّل عاملًا مهمًا في انطلاقة الأخذ الذاتية، وقد تكون عملية التلقي في البداية، ولكن بعد أن يتهيـأ الأخ ينبغي أن ينطلق بنفسه وبمساعدة إخوانه في استكمال جوانب النقص لديه.

 

ومن أكبر السلبيات أن يظل الفرد عالة على مربيه وإخوانه ودعوته، فيظل يمارس دائمًا دور المتلقي.

 

إن من أهم الصفات التي يجب أن يكتسبها الفرد في المحضن التربوي صفة المبادرة الذاتية سواء في استكمال جوانب النقص لديه أو في التفاعل مع البرامج والأنشطة، وكذلك في التحرك والعمل، فالداعية الناجح هو الذي يتحرك ويندفع للعمل دون انتظار تكليف أو توجيـه.

 

6 - تعميق مفهوم الدعوة والحركة:

 

من المعاني المهمة التي يتلقاها الفرد في المحضن التربوي مفاهيم الدعوة والحركة لدين الله، وهي مهمة أساسية من مهمات المحضن التربوي، ومن خلال هذا المحضن يمارس الأخ دوره الدعوي، ويسخر طاقاته وإمكاناته لخدمة الدعوة فيكتسب من خلال المحضن مهارات لازمـة في العمل الدعوي مثل مهارات الاتصال بالآخرين ومهارات التوجيه والتأثير، ومهارات تكوين العلاقات الاجتماعية والنقابية، وذلك من خلال المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والطلابية.

 

7 - التعاون بين أفراد المحضن التربوي على اكتشاف وتنمية قدرات الأفراد:

 

والأصل في ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أودع كل فرد من الملكات والمواهب والقدرات ما يميزه عن سواه، والمحضن التربوي هو المجال الملائم للكشف عن هذه الملكات والقدرات وتنميتها وتوجيهها لخدمة الدين والعمل الإسلامي، خاصة وأن كل فرد في المحضن داعية إلى الله بحاجة شديدة إلى التدرب على كل ما يساعده في الدعوة إلى الله، ونستطيع أن نمثل لذلك باختصار بما يلي:

 

أ - التدرب على تنمية موهبة الخطابة أو المحاضرة.

ب - التدرب على التحليل السياسي.

ج - التدرب على الإدارة.

د - التدريب على ممارسة الأنشطة الاجتماعية.

هـ - التدرب على التخطيط ووضع الأهداف وتنفيذها.

 

مما سبق يتبين لنا أهمية الجو والمحضن التربوي للفرد ليتم فيه تربيته وتكوينه تكوينًا متكاملًا، فيتربى من خلالها على التواضع، واستصغار النفس، واستقلال ما يقدمه من أعمال، وفيها يتعلم كيف يغلق الأبواب أمام إلحاح نفسه عليه كي يحمدها أو يستعظمها(9).

 

أخطاء ينبغي مراعاتها داخل المحاضن التربوية:

 

1- يوجد في بعض المحاضن التربوية شيئًا من المثالية المتكلفة، فلا يتوقع ان يتحدث المربي والمتربي عن قضايا دنيوية أو عن المباحات أحيانًا بل يتركز الحديث عن موضوعات جادة لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالتدين وعلو الهمة وغيرها، ومع تسليمنا بأهمية التربية الجادة والاهتمام بمعالي الأمور، غير أن الإشكالية في الإزدواجية التي قد تطرأ على شخصية  المتربي من خلال محاولته الظهور بالمظهر الذي قد يرضي المربين والعاملين بالمحضن ومن ثم العودة خارج المحضن إلى اهتماماته الشخصية بعيدًا عن تلك الضغوط.

 

2- تركز بعض المحاضن التربوية على جوانب محددة في بناء المتربي كجانب التدين وطلب العلم والأخلاق، وهذه ولا شك جوانب في غاية الأهمية، إلا أن الإشكالية تكمن في إهمال جوانب أخرى في شخصية المتربي أزعم أنها لا تقل أهمية عن تلك الجوانب كالجانب العقلي والنفسي والاجتماعي وغيرها، والضابط في ذلك هو التوازن والتكامل في البناء.

 

3-  تحتاج المحاضن التربوية إلى الاستفادة من مجموعة من النظريات التربوية الحديثة في مجالات علم نفس النمو ونظريات التعلم والنظريات التي تتحدث عن أنماط الشخصية ونظريات الذكاء ونظريات اكتشاف المواهب ورعايتها، وتحصل الفائدة من خلال تبني تلك النظريات وبالتالي صياغة البرامج على أساسها من خلال مختصين يواكب ذلك تدريب عملي للعاملين في تلك المحاضن.

 

4- في بعض المحاضن التربوية يقل التفاعل مع كل ما يدور خارج أسوار ذلك المحضن، وهذا يكرس السلبية ويضعف من التفاعل الاجتماعي، إذ يجب أن تُضمن برامج المحضن مجموعة من البرامج التفاعلية التي تستهدف محيط أسرة المتربي ومدرسته وحيه إضافة إلى المشاركة بإيجابية مع المناسبات المختلفة والمؤسسات المجتمعية والتفاعل مع الأحداث المحيطة بما يحقق رسالة ذلك المحضن ويزيد من تفاعل مخرجاته وفاعليتها.

 

5- ضعف العلم الشرعي وقلة العناية به، فكثير من العاملين في الساحة الإسلامية يأخذ الجانب العلمي الشرعي مرتبة متأخرة ضمن برامجهم، ولعلنا نتساءل: ماذا قدمت فصائل العمل الإسلامي لأتباعها في ميدان البناء العلمي الشرعي؟ بل إن الأمر تجاوز مجرد إهمال العناية بالعلم الشرعي إلى تهميش دوره والتقليل من شأنه؛ فهو يشغل عن الدعوة إلى الله وهمومها، أو هو شأن الخاصة والمهتمين، أو أن العناية باستراتجيات الدعوة وقضاياها الفكرية الساخنة أولى وأصدق دلالة على عمق صاحبة!... هذه حجج يواجه بها من يدعو البعض من العاملين للإسلام لإعطاء العلم الشرعي دوره اللائق به ضمن برامجهم الدعوية، ونحن إذ نقول ذلك لا ندعو أيضًا إلى أن يكون الجانب العلمي هو وحده الهم الأوحد للدعاة، وأن يهمل ما سواه، ولا إلى أن يكون الدعاة فقهاء ومحدثين ومجتهدين.

 

6- الغلو والمبالغة في دور المربي وواجباته وتعظيم ذلك، وهذا يؤدي إلى نقل كثير من المناهي الشرعية إلى دائرة الضرورة؛ إذ لا تتم التربية إلا بذلك، فهو بحاجة لمعرفة معلومات دقيقة عمن يربيه، والاطلاع على كوامن في نفسه، وإلى أن لا يقف عند حدود الظاهر، وحين يعطى هذا الجانب أكثر من حقه فسيشعر المربي أن الضوابط الشرعية ستقف عائقًا دون تأدية أدوار كثيرة فيضطر لتجاوزها.

 

7- ضعف الورع والانضباط الشرعي وهو باب بلي به الكثير من الناس في هذا الزمان، ومن يضعف ورعه ويرق دينه ربما تجرأ على ما يعلم علم اليقين أنه محرم، أو تهاون فيما يستريب منه، أو غلبه هواه.

 

8- الإغراق في التنظير والأسباب المادية والغفلة عن الإخلاص لله سبحانه وتعالى، واستحضار النية، والشعور بأن العمل عبادة لله وحده، ولا نعني أن يهمل الدعاة إلى الله الأخذ بهذه الأسباب فهي مما لابد منه، لكنها ينبغي أن لا تنسينا استحضار النية والعبادة في هذا العمل(10).

 

وفى المحاضن التربوية يجد المرء حوله من هم أحسن منه كفاءة وعلمًا، فلا يرى نفسه صاحب الموهبة الفذة، وأنه لم تلد النساء مثله.

 

وفيها يكون الزاد الإيماني الذي يولد الرغبة ويستثير الهمة للقيام بتنفيذ وسائل التزكية، واستصغار النفس.

 

ومن خلالها يضبط الفهم الصحيح، فيعطي كل ذي حق حقه، ويتعلم كيف يرتب ألوياته، فلا يكفي للعاقل أن يعلم الخير من الشر، بل لابد أن يتعلم خير الخيرين وشر الشريرين (11).

 

وفى المحاضن التربوية: يتم توظيف الإمكانات لخدمة الدين مع مراعاة عدم التسبب في تضخيم أحد عند نفسه، وذلك من خلال عدم تعريض الأشخاص للأضواء قبل أن يتم تكوينهم تكوينًا متكاملًا يركز على الإيمان العميق الذي يُحيي القلوب، وكذلك تزكية النفوس وتربيتها على لزوم الصدق والإخلاص ورؤية فضل الله في كل خير نفعله.

 

ومن خلالها تتبدل المواقع كل فترة ليتعود الفرد على العطاء دون نظر لمنصب أو مكانة كما قال صلى الله عليه وسلم: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة ... » (12).

 

فلنبحث عن تلك الصحبة الصالحة والمحاضن التربوية لتكون نعم العون على إخلاص العمل لله عز وجل.

 

___________________________________________

(1) تذكرة السامع والمتكلم، (ص:61 – 63).

(2) مبدأ الرفق (ص: 222) .

(3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (602).

(4) الإيجابية في حياة الدعاة، (ص: 8).

(5) البخاري، (2215).

(6) المعجم الأوسط، (7/ 307).

(7) حاجات النظام التربوي إلى الإصلاح، د. عباسي مدني، حجلة البيان، (العدد: 204).

(8) البخاري، (3668).

(9) من أهم وسائل التربية النفسية: المحاضن التربوية، موقع الإيمان أولًا.

(10) افتقار العمل التربوي إلى الضوابط الشرعية، محمد بن عبد الله الدويش، مجلة البيان (العدد: 94).

(11) مجموع الفتاوى، (20/ 54).

(12) رواه البخاري، (2730).