المثل الأعلى للمربي
تظل كلمات المربين مجردة من روحها ومعانيها، ويظل المنهج مجرد حبرًا علي ورق، ويظلمعلقًا في الفضاء، ما لم يتحول إلي حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض،
وما لميترجم إلي تصرفات وسلوك ومعايير ثابتة، عندئذ يتحول هذا المنهج إلي حقيقةواقعة، وتتحول هذه الكلمات إلي سلوك وأخلاق عندئذ فقط تؤتي الكلمات ثمارها فيحياة المربين.
عن عبد الله بن المبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: ما بال السلف أنفع منكلامنا؟ قال: »لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن، ونحننتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق«(1).
قال مالك بن دينار: »إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب -ابتعدت- كما تزل القطرة عن الصفاـ الصخرة الملساء«(2).
»إن القدوة الصالحة من أعظم المعينات على بناء العادات والأخلاق والسلوكياتالطيبة لدى المتربي، حتى إنها لتيسر معظم الجهد في كثير من الحالات، والإسلاملا يعتبر التحول الحقيقي قد تم سواء من قبل المربِي أو المتربي حتى يتحول إليعمل ملموس في واقع الحياة«(3).
لقد كان صلى الله عليه وسلم أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان مربيًاوهاديًا بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بكلامه.
فاق الورى بكماله سبق الورى بجماله
عظمت جميع خصاله صلوا عليه وآله
لقد بعثه الله قدوة للعالمين، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، وأعلم بمن خلق وهواللطيف الخبير، وقد جعله الله القدوة الرائدة للبشرية يتربون علي هديه، ويرون فيشخصه الكريم الترجمة الحية للقرآن، فيؤمنون بهذا الدين علي واقع تراه أبصارهممحققًا في واقع الحياة.
لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة جعلها الله متجددة علي مر الأجيال، واللهسبحانه لا يعرض علينا هذه القدوة للإعجاب السلبي والتأمل التجريدي في سبحاتالخيال، إنه يعرضها علينا لنحققها في ذوات أنفسنا وذوات من نقوم علي تربيتهم،ومن ثم تظل حيويتها دافقة شاخصة ولا تتحول إلي خيال مجدد تهيم في حبة الأرواحدون تأثر واقعي ملموس ولا اقتداء(4).
»وقد نسبت التزكية إلى الله في قوله: «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً، وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ» [النور: 21]، لأنه الخالق الموفق للعبد لفعل ما تزكو به نفسه وتصلح.
ونسبت إلى رسول الله في قوله: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ»[الجمعة:2].
لأنه هو المربى للمؤمنين على ما تزكو به نفوسهم، ويعلوا قدرها باتباعهم سنته العملية والقولية وبيانه لكتاب الله، فهو القدوة الحسنة لهم«(5).
والإسلام يرى أن القدوة معلم أساسي وقاعدة أساسية للتربية ابتداءً من مرحلةالطفولة إلي أن يحملوا أمانة هذا الدين.
في صلح الحديبية وبعد أن فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من قضية الكتابقال للصحابة رضي الله عنهم: »قوموا فانحروا، ثم احلقوا«.
يقول الراوي: فوالله ما قام منهم رجل واحد، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لميقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة:يا رسول الله: أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم حتى تنحر بدنتك، وتدعوحالقك فيحلق لك، فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنته، ودعاحالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتىكاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا(6).
ما شروطالقدوةالحسنة؟
هناك شروط لا بد من توافرها فيمن نتخذه قدوة وهي:
1 ـ أن يحمل من الأخلاق الفاضلة العالية التي تؤهله لذلك.
2ـ أنيكون هذا الشخص الذي يُقتدى به محلًاّ لأن يقتدي به الناس، وهذا هو السرفي الآية الكريمة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌحَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]؛ حيث نجد هنا أن الأسوة قيِّدت بالوصف،وعندما تُقيد الكلمة بالوصف يُدل هذا على زيادة في المعنى، شمول القدوة لكلالناس وفي كل الأحوال.
3ـ أن يكون هذا الشخص الذي يُقتدى به يملك منهاجًا صالحًا موفقًا يستطيع أن يأخذ بيد من يقتدي به إلى سبل الخير والرشاد.
وقد اجتمعت وتحققت هذه الشروط في حياة رسول الله وشخصه(7).
ولله در الشيخ الدكتور عائض القرني على روعة وصفة لقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، في رائعته (تاج المدائح):
أثني على من؟ أتدري من أبجله؟ أما علمت بمن أهديته كلمي
في أشجع الناس قلبًا غير منتقم وأصدق الخلق طرّا غير متهم
أبهى من البدر في ليل التمام وقل أسخى من البحر بل أرسى من العلم
أصفى من الشمس في نطق وموعظة أمضى من السيف في حكم وفي حكم
وقدر ما كان المثلالأعلى للجماعة البشرية صالحًا وعاليًا وممتدًا؛ تكون الغايات صالحة وممتدة،وبقدر ما يكون هذا المثل الأعلى محدودًا ومنخفضًا أيضًا، فالمثل الأعلى هونقطة البدء في بناء المحتوى الداخلي للجماعة البشرية، وهذا المثل الأعلىيرتبط في الحقيقة بوجهة نظر عامة إلى الحياة والكون، ويتحدد من قبل كلجماعة بشرية على أساس وجهة نظرها العامة نحو الحياة والكون، وعلى ضوء ذلكيتحدد مثلها الأعلى، ومع وجهة نظرها الطاقة إلى الحياة والكون تحقق إرادتهاللسير نحو المثل.
وحينما يكون المثل الأعلى منتزعًا من واقعالجماعة بحدودها وقيودها وشئونها يصبح حالة تكرارية، يصبح- بتعبيرآخر-محاولة لتجميد هذا الواقع، وحمله إلى المستقبل، ويكون كذلك تجميدًالهذا الواقع، وتحويلًا له من حالة نسبية، ومن أمر محدد إلى أمر مطلق، وحينمايتحول الواقع من أمر محدد إلى هدف مطلق، ثم إلى حقيقة مطلقة لا يتصورالإنسان شيئًا وراءها، حينما يتحول إلى ذلك، سوف تكون حركة التاريخ حركةتكرارية، سوف يكون المستقبل تكرارًا للواقع، وحيث أن هذا الواقع هو نفسهتكرار لحالة سابقة، ولهذا سوف يكون المستقبل تكرارًا للواقع وللماضي.
وبناء على ما سبق ذكره: لا تستطيع أي جماعةبشرية أن تتجاوز الواقع، أو ترتفع عن هذا الواقع إلا بمثل أعلى، وبرسالةكبرى تحقق بها ذاتها، وتطلق بها مارد إرادتها.
إن غياب المثل الأعلى والرسالة الكبرى في حياة المجتمعات تقضي على فرصة للتطور والتجديد فيها حيث تنزع نحو البؤس والجمود!(8).
الحاجة إلى مثل أعلى:
إن الحديث عن حاجتنا إلى مثل أعلى حقيقي ليس مرده إلى تقاليد ثابتة في البنية الفكرية للأمة المسلمة، ولا إلى رغبة في إدراك مقدار الفرق بين ذلك الجيل الذي صنع تاريخ أمته وحضارتها وبين جيل العصر الحاضر، فذلك واضح للعيان، وإنما الحديث عن حاجة الأمة من جديد إلى مثل أعلى مرده إلى أن الغالبية من سكان المنطقة العربية، وخاصة من شبابها ولَّوا وجوههم في اتخاذ مثلهم الأعلى نحو أبطال الأفلام الإجرامية والعاطفية، ومضوا يقلدونهم ويجرون وراءهم، مسرعين أيما سرعة لتحصيل أخلاقهم وقيمهم ومثلهم للتأسي بها، وللاقتداء بها.
إن مبرر الحديث عن حاجة الأمة إلى مثل أعلى من جديد هو حال هذا الجيل الذي تاه وشرد، لأن الحياة التي نحياها والإيقاع السريع الذي تتميز به لا يربيان فينا هذا المثل الأعلى، فالكل منشغل بنفسه، يجري من وراء المتع المادية للحياة الدنيا، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من المفكرين والباحثين إلى الحديث عما يسمى بالأزمة الروحية للأمة الإسلامية، ومن خلالها الحديث عن أزمة التدين في العالم العربي(9).
»إن هناك أشياء أنت مخير فيها، ولذلك كان تكليف الحق لك مبنيا على هذا؛ ففي أشياء يقول لك: «افعل كذا» أو «لا تفعل كذا» وفي أشياء أخرى يترك لك حرية التصرف في أدائها، وذلك حتى يتسق التكليف مع طبيعة التكوين الإنساني، فلم يصب الله الإنسان في قالب حديدي، ولنا في سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة؛ هذا الرسول الذي أوكل إليه الحق إيضاح كل ما غمض من أمور الدين؛ فقال له الحق: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44] .
وإنما كان تعدد زوجاته لأغراض إنسانية واجتماعية وإسلامية، فقد يتزوج امرأة بتزويج الله له كزينب بنت جحش لإبطال عادة التبني، وقد يتزوج امرأة لتعويضها عن زوجها الذي فقدته بسبب الهجرة أو الجهاد في سبيل الله، .... وكان في هذا التعدد فوائد كثيرة من أهمها تعليم نساء المسلمين الأحكام الخاصة بالنساء أو الخاصة بين الزوجين، وجعلهن قدوة في تطبيق الأحكام الإسلامية المتعلقة بالأسرة وغيرها لأنه عليه الصلاة والسلام القدوة الحسنة للمسلمين في أخلاقه ومعاشرته وسلوكه وعبادته ونحو ذلك«(10).
وليس غريبًا أن تكون النفس البشرية مجبولة على اتخاذ مثل أعلى في الحياة، فذلك مما فطر الله تعالى عليه عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلًا.
وعادة ما يتخذ الناس بشكل عام مثلهم الأعلى إما مستوحى من الواقع المعاش، وإما من الأفكار والنظريات والتصورات، ومن المبادئ الكبرى.
»إن الله يعلمنا- بصفاته- كيف نتسامى على نقصنا وضعفنا، ونتطلع إلى أعلى دائمًا لنراه- سبحانه- ونحاول أن نقلده في حدود طاقتنا الصغيرة المحدودة، وقد نفخ الله في الإنسان من روحه، فجعله مشتاقًا أبدًا إلى تحقيق المثل الأعلى في حدود طاقته وطبيعته، ومن ثم تبقى الآفاق العليا مفتوحة دائمًا ليتطلع هذا المخلوق إلى الكمال المستطاع، ويحاول الارتفاع درجة بعد درجة، حتى يلقى الله بما يحبه له ويرضاه«(11).
نماذج من المثل الأعلى :
يمكن القول إن الناس في اتخاذ مثلهم الأعلى قسمان: قسم يتخذه من خلال الواقع نفسه ومن خلال ما تعيشه الجماعة البشرية من مشاكل وأزمات، وبالتالي يكون هذا المثل على قدر عزائم القوم وهممهم، وقسم يتخذون مثلهم الأعلى من المبادئ والتصورات الكبرى لصناعة التاريخ ومجد الأمة، ولكل من هذين الصنفين خصائص ومقومات.
وحين نقرأ آيات الله تعالى نجد منها ما يرغب في معالي الأمور ويحفز عليها، ونجد منها أنه سبحانه أثنى على أصحاب الهمم العالية، وفي طليعتهم الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} [الأحقاف:35]، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالهمة العالية والتنافس في الخيرات فقال عز وجل: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} [الحديد:21]، وقال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران:133].
هذه الآيات وغيرها لا يفهم مغزاها إلا الذين تشدهم هممهم العالية إلى كل ما هو من مقومات الشهادة على الناس، من خلال التأسي بمن كان لهم دور في تثبيت الإسلام ونشره، ولنا، على سبيل المثال لا الحصر، في ذلك الشاب العثماني المخلص محمد الفاتح الذي فتح »قسطنطينية« وهو ابن الثالثة والعشرين خير مثال، بعد أن اشتغل على تحقيق ذلك على مدى أربع سنوات، أي منذ أن كان عمره تسعة عشر عامًا، ويمكن أن نستنتج من محمد الفاتح ومن أمثاله عدة معان وعبر منها:
1- الاهتمام بالقضايا الكبرى لا بسفاسف الأمور
إن الذي له همة عالية لا يرضى لنفسه أبدًا أن يكون مجرد رقم من الأرقام التي لا اعتبار لها في هذه الحياة الدنيا، بل يؤمن إيمانًا مطلقًا أنه إذا لم يُضف شيئًا في الدنيا ويترك من بعده أثرًا يذكر له فسوف يكون زائدًا عليها، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة، بل لا بد أن يكون في صلبها ومتنها، أي أنه لا يقبل أن يكون أسير حركة التاريخ، بل فاعلًا فيه وموجهًا له بما يخدم الأمة.
لقد ضرب لنا الخليفة عمر بن عبد العزيز مثلًا حيًا في علو الهمة، وفي الانشغال بالقضايا الكبرى، فقال رضي الله عنه: »لقد اشتاقت نفسي للإمارة فنلتها، ولما نلتها اشتاقت للخلافة، ولما نلتها اشتاقت للجنة«، إنها همة عالية طموحة وثابة، دائمة الترقي والصعود، لا تعرف الدعة ولا السكون.
2- التشبه بالعظام وعدم مخالطة الخاملين:
من دنو الهمة عند كثير من الناس مخالطة أصحاب الأهواء والشهوات الذين وصلوا إلى درجة من دونية الأهداف، ليس لهم هدف في الحياة ولا غاية، وكأن شعارهم يقول: »إنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع«، فهم يقضون أوقاتهم في اللهو وفي تحصيل متاع زائل، وتفاديا لذلك أوصى سلفنا الصالح بصحبة من لهم همم عالية ورسالة في الحياة، ومن ذلك قال أحد الشعراء العرب:
أنت في الناس تقــاس بمن اخــترت خليلًا
فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكرًا جميـــلًا
إننا في حاجة إلى استلهام التجارب الناجحة في تاريخ الإسلام، وفي تاريخ رجاله الذين صاغوه بكبريائهم وعلمهم وأخلاقهم، سئل مرة بن شراحيل الهمداني الكوفي: أنى أصبت هذا العلم؟ فقال بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الجماد، وبكور كبكور الغراب.
وبالتالي فمثل هؤلاء الرجال هم الذين يجب أن نتأسى بهم ونعتبرهم مثلنا الأعلى، قد نخفق مرة أو مرتين لكننا لا نملك إلا أن نكرر التجربة(12).
ما هي التربية بالمثل الأعلى؟
المثل الأعلى هو القدوة، فإتباع نهج شخص يكون مثلًا أعلى لغيرهلوجود صفات إيجابية وأخلاقية يتحلى بها، واللجوء إلى المثل الأعلىفي التربية هو أقرب الوسائل المتبعة لإحراز النجاح في عمليةالتربية، وبما أن الشخص يمر بمراحل عمرية عديدة، وبالتالي تتنوعشخصيات المثل الأعلى عنده:
مرحلة الطفولة، المثل الأعلى الوالدان.
النشء الصغير، المثل الأعلى الشخصيات البارزة في المجتمع.
الفتى، المثل الأعلى عنده المدرس أو الوالد أو شخصية عامةمشهورة.
ونجد دائمًا أن المثل الأعلى ينحصر بين الشخص الذي يقوم بتربيةالطفل، أو شخصية عامة مشهورة أو الشخص المتبع دور القيادة، وتفشلوسيلة القدوة أو المثل الأعلى في حالتين إذا كان المربي يوجه الطفللسلوك لا يطبقه هو نفسه، والحالة الأخرى وهي التي لا يطبق فيهاالطفل ما يسمع من نظريات.
وللقدوة الحسنة فوائد جمة من الناحية التربوية حيث تحقق الانضباط النفسيوالتوازن السلوكي، هذا بالإضافة إلى وجود المثل الأعلى في جانب من الكمالالخلقي والثقافي يثير في النفس قدر كبير من الاستحسان والإعجاب والتقديروالمحبة، كما أن القدوة تعطي للأولاد قناعة بأن ما عليه نموذج القدوة هوالمثل الأفضل الذي ينبغي أن يحتذى به(13).
والذي يقرأ السيرة النبوية الشريفة؛ يرى أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان في هذه الغزوة بصفة خاصة، وفي غيرها بصفة عامة القدوة الحسنة الطيبة في كل أقواله وأفعاله وأحواله صلّى الله عليه وسلّم.
لقد شارك أصحابه في حفر الخندق، وفي الضرب بالفأس، وفي حمل التراب بل وشاركهم في أراجيزهم وأناشيدهم، وهم يقومون بهذا العمل الشاق المتعب.
وشاركهم في تحمل آلام الجوع، وآلام السهر.. بل كان صلّى الله عليه وسلّم هو القائد الحازم الرحيم، الذي يلجأ إليه أصحابه عند ما يعجزون عن إزالة عقبة صادفتهم خلال حفرهم للخندق.
مما يشهد له الحس والواقع أن الصغير ينساق وراء الكبير ويقلده، والضعيف يلجأ إلى القوي ويحاول محاكاته، والجاهل يعترف للعالم بالفضل فيقتدي به، ولذا كان الأنبياء محل الاقتداء دون منازع نظرًا لكمالهم.
قال عز وجل في سياق ذكر الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90].
وهكذا كل مسلم فإنه مطالب بأن يكون أسوة طيبة لغيره، وألا يكون داعية إلى ضلالة.
وعلى الأخص هنا من بيدهم زمام قيادة المجتمع، كأصحاب السلطة، ورجال الحسبة، وأهل التربية، ورجال الإعلام، والآباء والأمهات، ومن في حكمهم، فإن هؤلاء وأمثالهم إذا حسنت سيرتهم اقتدي بهم، ونظر إليهم نظرة إكبار، وقد جاء في صفات عباد الرحمن أنهم يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
أي أئمةً يقتدى بهم، دعاةً إلى الخير، وذلك رغبة منهم في هداية الآخرين.
قال يسار بن نمير: سألني عمر بن الخطاب كم أنفقنا في حجتنا هذه؟ قلت: خمسة عشر دينارًا - أو سبعة عشر دينارًا - فقال: قد أسرفنا في هذا المال.
هكذا يحاسب عمر - وهو الخليفة - نفسه على الإنفاق من بيت المال، وبهذا صار قدوة حسنة لرعيته، فكان إذا حاسبهم على شيء من المال لم تضق نفوسهم بالمحاسبة لما يعلمون من صدقه وورعه.
فلله دره من إنسان !!
وبقي أن نعلم أن القدوات ثلاثة..القدوة المطلقة وهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
والقدوة الثانية:من مات على الإسلام الصحيح من سلف الأمة المخلصين ومن كانت سيرته نبراسًالمن بعده كالصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان.. وعلماء الأمة الأربعةفمن بعدهم وشمسهم الوهاجة شيخ الإسلام بن تيميه .. إلى آخر عالمٍ مات منهم .. بالشرط المتقدم.
القدوة الثالثة: من يصلح الاقتداء به في هذا الزمان من الأخيار، على أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة..
__________________________
(1) صفة الصفوة لابن الجوزي، (4/122).
(2) الزهد لأحمد بن حنبل، (1/262).
(3) القدوة الحسنة، موقع الدكتور علاء الدين زعتري.
(4) القدوة وأثرها في المربين، عصام خضر، موقع صيد الفوائد.
(5) تفسير المراغي، (11/16).
(6) زاد المعاد لابن القيم، (3/295) .
(7) جوانب العظمة في حياة الرسول القدوة، منتديات الوليد.
(8) غياب المثل الأعلى ومعوقات التجديد، بوابة النجاح الإلكترونية.
(9) المثل الأعلى وأثره في النهوض بالأمة عبد الرحمن الخالدي، إسلام ويب.
(10) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، وهبة الزحيلي، (4/244).
(11) في ظلال القرآن، (التغابن: 17).
(12) المثل الأعلى وأثره في النهوض بالأمة، الإسلام ويب.
(13) ضرورة المثَل الأعلى في الحياة، جريدة الثورة،سوريا.