logo

الكلمة الفارقة


بتاريخ : الاثنين ، 20 رجب ، 1443 الموافق 21 فبراير 2022
بقلم : تيار الاصلاح
الكلمة الفارقة

بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف بدأ يعرض نفسه على القبائل في أيام الحج، يطلب منهم الإيواء والنُصْرة، حتى يبلغ دين الله عز وجل، وفق خطة دعوية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، وكان صلوات الله وسلامه عليه يأتي إليهم أسواق المواسم، وهي: عكاظ ومجنة وذو المجاز، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه، وكان يصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي له خبرة وعلم في معرفة أنساب العرب وتاريخها، فكان أبو بكر رضي الله عنه يسأل القبائل ويقول لهم: كيف العدد والمنعة والحرب فيكم؟، الأمر الذي يساعد الرسول صلى الله عليه وسلم في التعرف على معادن القبائل، فيقع الاختيار على أفضلها وأنسبها، من حيث الاستعداد المعنوي والمادي، الذي يحمي الدعوة الجديدة، ويتحمل تبعات نشر دين الله وحمايته، والدفاع عن أتباعه .

وكان أبو جهل وأبو لهب يتناوبان على أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يدعو في الأسواق والمواسم، وكان يجد منهما عنتًا كبيرًا، إضافة إلى ما يلحقه من إعراض وأذى المدعوين أنفسهم .

فعن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموقف، فقال: «ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي» (1).

وعن طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟، قالوا: غلام بني عبد المطلب (أي: النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟، قالوا: هذا عمه عبد العزى أبو لهب (2).

قال ابن إسحاق وغيره: لما اشتكى أبو طالب، وبلغ قريشًا ثقله، قالت قريش بعضها لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فليأخذ على ابن أخيه، وليعطه منا، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا، وفي لفظ: فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون إليه شيء فتعيرنا به العرب، يقولون: تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه.

مشوا إلى أبي طالب فكلموه، وهم أشراف قومه؛ عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجال من أشرافهم، وهم خمسة وعشرون تقريبًا، فقالوا: يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه فخذ له منا، وخذ لنا منه؛ ليكف عنا ونكف عنه، وليدعنا وديننا وندعه ودينه.

فبعث أبو طالب، فجاءه فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك، قد اجتمعوا لك ليعطوك، وليأخذوا منك، ثم أخبره بالذي قالوا له وعرضوا عليه من عدم تعرض كل فريق للآخر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم إن أعطيتكم كلمة تكلمتم بها، ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم»، وفي لفظ أنه قال مخاطبًا لأبي طالب: «إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب، وتؤدى إليهم بها العجم الجزية»، وفي لفظ آخر قال: «أي عم، أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم؟» قال: وإلام تدعوهم؟ قال: «أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم»، ولفظ رواية ابن إسحاق: «كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم»، فلما قال هذه المقالة توقفوا وتحيروا ولم يعرفوا كيف يرفضون هذه الكلمة الواحدة النافعة إلى هذه الغاية والحد.

ثم قال أبو جهل: ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال: تقولون: «لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه»، فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ إن أمرك لعجب .

ثم قال بعضهم لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئًا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا .

وفي هؤلاء نزل قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)} [ ص: 1- 7] (3).

فشهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة التقوى، وهي كلمة الإخلاص والتوحيد، وهي شهادة الحق ودعوة الحق، وهي البراءة من الشرك، لأجلها خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزلت الكتب، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2].

وكانت فكرة التوحيد الخالص هي أشد الأفكار غرابة عندهم، هي وفكرة البعث سواء، ذلك مع اعترافهم بوجود الله سبحانه وأنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما، ولكنهم ما كانوا يريدون أن يعترفوا بمقتضى الوحدانية هذه؛ وهو أن يكون الحكم لله وحده في حياتهم وشؤونهم، وأن يتلقوا منه وحده الحلال والحرام، وأن يكون إليه وحده مرد أمرهم كله في الدنيا والآخرة، وأن يتحاكموا في كل شيء إلى شريعته ومنهجه وحده.. الأمر الذي لا يكون بغيره دين ولا إيمان.

ومن ثم كانت عناية الإسلام الكبرى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة، وتحديد الصورة الصحيحة التي يستقر عليها الضمير البشري في حقيقة الألوهية، وعلاقتها بالخلق، وعلاقة الخلق بها.. فتستقر عليها نظمهم وأوضاعهم، وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وآدابهم وأخلاقهم كذلك، فما يمكن أن تستقر هذه الأمور كلها، إلا أن تستقر حقيقة الألوهية، وتتبين خصائصها واختصاصاتها.

وعنى الإسلام عناية خاصة بإيضاح طبيعة الخصائص والصفات الإلهية المتعلقة بالخلق والإرادة والهيمنة والتدبير، ثم بحقيقة الصلة بين الله والإنسان، فلقد كان معظم الركام في ذلك التيه الذي تخبط فيه العقائد والفلسفات، مما يتعلق بهذا الأمر الخطير الأثر في الضمير البشري وفي الحياة الإنسانية كلها (4).

قال سفيان بن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، لأجل هذه الكلمة أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد؛ فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، فشهادة أن لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة وثمنها، وهي دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحًا (5).

عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» (6)، وهي موجبة للمغفرة، ومنجاةٌ من النار، فعن عبد الله بن مسعود، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض أسفاره سمعنا مناديًا ينادي: الله أكبر، الله أكبر، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «على الفطرة»، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «خرج من النار» (7).

قال المهلب: لا خلاف بين أئمة المسلمين أنه من قال: لا إله إلا الله، ومات عليها أنه لابد له من الجنة، ولكن بعد الفصل بين العباد ورد المظالم إلى أهلها (8).

وعن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: «إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها»، قال: قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: «هي أفضل الحسنات» (9).

لا إله إلا لله تمحو الذنوب والخطايا، وتجدد ما درس من الإيمان في القلب، وهي أفضل الذكر، وأثقل شيء في الميزان، كما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن نبي الله نوحًا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع، والأرضين السبع، لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع، والأرضين السبع، كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر» (10).

لا إله إلا الله إذا قالها المسلم صعدت إلى السماء، وخرقت الحجب؛ حتى تصل إلى الله تعالى، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصًا، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنب الكبائر» (11).

وهذه الكلمة أفضل الأعمال، وأكثرها تضعيفًا، تحفظ العبد من الشيطان، وتعدل عتق الرقاب؛   عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك» (12).

وهي التي تفتح أبواب الجنة؛ كما جاء عن عقبة بن عامر، قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يحدث الناس فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة»، قال فقلت: ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر قال: إني قد رأيتك جئت آنفًا، قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ -أو فيسبغ- الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء (13).

شهادة أن لا إله إلا الله تحرم النار على من قالها مخلصًا؛ كما في حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله» (14).  

ولهذا السبب فهي تقطع ظهر إبليس، كما قال سفيان الثوري: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول: لا إله إلا الله، ولا شيء يضاعف ثوابه من الكلام مثل الحمد لله (15).

هذا هي بعض فضائل لا إله إلا الله؛ ولكن هل ينال فضلها وبركتها من قالها بلسانه فقط؟ كلا؛ حتى يستيقن بها قلبه كما جاء في بعض الأحاديث مستيقنًا، وفي آخر خالصًا من قبل نفسه، وفي آخر مخلصًا، وفي آخر يبتغي بذلك وجه الله، وفي آخر يقولها حقًا من قبله؛ إذ تفيد هذه الأحاديث أنه لا يكفي قول اللسان.

قال المناوي: خالصًا من قلبه يطلب بها النظر إلى وجه الله تعالى، وظاهر الخبر الاكتفاء بقولها مرة واحدة في أي وقت كان من العمر؛ لكن بشرط الاستمرار على اعتقاد مدلولها إلى الموت المشار إليه بخبر «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة».

وأجرى بعضهم الحديث على ظاهره من إطلاق التحريم على النار، وقال الكلام فيمن قالها بالإخلاص والصدق، وهم فريقان؛ أعلى وأدنى، فالأدنى من يقف عند صنعه وأمره كالعبيد، أما صنعه فهو حكمه عليه من عز وذل وصحة وسقم وفقر وغنى بأن يحفظ جوارحه السبع عن كل حكم به عليه، وأما أمره فأداء الواجبات وتجنب المحرمات، والإعلاء أن يكون في هذين حافظًا لقلبه، قد راض نفسه وماتت شهواته، ورضي بأحكام الله، وقنع بما أعطاه الله، وفطم نفسه عن اللذات، وانقاد لأمره ونهيه إعظامًا لجلاله، فخمدت نار شهوة النفس، وخرج القلب من أسرها، وقهرها فاستمسك بالعروة الوثقى، فقوي واتصل بربه اتصالًا لا يجد العدو إليه سبيلًا، لإلقاء شرك أو شك لما لزم قلبه من ذلك النور، فإذا انتهى إلى الصراط صار ذلك النور وقاية من تحت قدمه ومن فوقه ومن حوله وأمامه، فإذا مر بالنار قالت له يا مؤمن جز فقد أطفأ نورك لهبي، فهو محرم عليها وهي محرمة عليه.

أما من قال لا إله إلا الله ونفسه ذات هلع وشره وشهوة غالبة فائرة بدخان لذاتها كدخان الحريق، مضيعة لحقوق الله، مشحونة بالكذب والغش والخيانة، كثيرة الهواجس والاضطرار؛ فليست النار محرمة عليه؛ بل يدخلها للتطهير، إلا أن يتداركه عفو إلهي وغفر رباني (16).

نعم يكفي قول اللسان في حقن دمه وماله، ومعاملته في الدنيا كمسلم ما لم يأت بناقض لها، كما ثبت عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله» قلت: كان متعوذًا، فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم (17).

أما في الآخرة فلا تكون سببًا في دخول الجنة والنجاة من النار إلا باستكمال شروطها، وانتفاء موانعها، كما تواترت بذلك النصوص، قيل للحسن رحمه الله: إن ناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة (18).

ولما سئل وهب بن منبه رحمه الله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك (19).

حضر الحسن البصري جنازة امرأة الفرزدق وقد اعتم بعمامة سوداء أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس عليه ينظرون إليه فجاء الفرزدق فقام بين يديه فقال: يا أبا سعيد يزعم الناس أنه اجتمع هنا خير الناس وشر الناس فقال: من خيرهم ومن شرهم قال: يزعمون أنك خيرهم وأني شرهم قال: ما أنا بخيرهم ولا أنت بشرهم لكن ما أعددت لهذا اليوم قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة قال: نعم والله العدة ثم قال الفرزدق:

أخاف وراء القبر إن لم يعافني     أشد من القبر التهابا وأضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائد     عنيف وسواق يسوق الفرزدقا (20).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله لغير الله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك؛ ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها طاعة غير الله، أو خوفه، أو رجاؤه، أو التوكل عليه، والعمل لأجله (21).

----------

(1) أخرجه أبو داود (4734).

(2) أخرجه ابن حبان (6562). أخرجه ابن حبان (6562).

(3) الرحيق المختوم (ص: 91).

(4) دلائل النبوة للبيهقي محققًا (المقدمة/ 78).

(5) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها (ص: 53).

(6) أخرجه أبو داود (3116).

(7) أخرجه أحمد (3861).

(8) شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 236).

(9) أخرجه أحمد (21487).

(10) أخرجه أحمد (6583).

(11) أخرجه الترمذي (3590).

(12) أخرجه البخاري (3293).

(13) أخرجه مسلم (234).

(14) أخرجه البخاري (425)، ومسلم (263).

(15) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (7/ 16).

(16) فيض القدير (2/ 244).

(17) أخرجه البخاري (4269)، ومسلم (96).

(18) جامع العلوم والحكم (1/ 522).

(19) صحيح البخاري (2/ 71).

(20) فيض القدير (3/ 163).

(21) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها (ص: 23).