logo

الفهم الجزئي للدين


بتاريخ : الخميس ، 19 ربيع الأول ، 1447 الموافق 11 سبتمبر 2025
بقلم : تيار الإصلاح
الفهم الجزئي للدين

تقسيم الدين إلى قشور ولباب: تقسيم خاطئ، وباطل؛ فالدين كله لُبٌّ، وكله نافع للعبد، وكله يقربه لله عز وجل، وكله يثاب عليه المرء، وكله ينتفع به المرء، بزيادة إيمانه وإخباته لربه عز وجل؛ حتى المسائل المتعلقة باللباس والهيئات، وما أشبهها، كلها إذا فعلها الإنسان تقربًا إلى الله عز وجل واتباعًا لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يثاب على ذلك.

 

فالإسلام دين متكامل لا يقبل التجزئة.. إنه الإسلام الروحي، والإسلام الأخلاقي، والإسلام الفكري، والإسلام التربوي، والإسلام الجهادي، والإسلام الاجتماعي، والإسلام الاقتصادي، والإسلام السياسي، إنه ذلك كله؛ لأن له في كل هذه المجالات أهدافًا وغايات، كما أن له فيها كلها أحكامًا وتوجيهات.

 

لقد كان الغالب على الناس في العصور الماضية الزيادة في الإسلام بالإحداث والابتداع وإضافة ما ليس من الدين إليه، والتقرب إلى الله بما لم يشرعه، ودخل في دين الله بدع ما أنزل بها من سلطان ولا قام عليها من برهان، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أما هذا العصر فمحنة الإسلام فيه تتمثل فيمن يريدون أن يحذفوا منه ما هو من صلبه ومن مقوماته ومن خصائصه.

 

ومما يؤسف له أن الإسلام ابتلى بقوم جعلوه لحمًا على وضم، فأعملوا في كيانه المتماسك سكين التقطيع والتجزئة، مغيرين لطبيعته التي أنزله الله عليها.

 

فهناك من يريد هذا الدين مجرد عقيدة نظرية بلا عبادة ولا عمل، وحسبك أن تنطق بالشهادتين لتأخذ صكًا بدخول الجنة والنجاة من النار، مع أن الإيمان الحق لا يوجد بلا عمل، كما يتضح ذلك من مئات النصوص من القرآن والسنة.

 

ومنهم من يريد عبادة بلا أخلاق، أو أخلاقًا بلا تعبد، برغم قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (1).

 

ومنهم من يريده عقيدة وعبادة وأخلاقًا، ولا يريده تشريعًا ولا نظامًا للحياة (2).

 

إن الإسلام في عقائده وعباداته وأخلاقياته وتشريعاته، وحدة مترابطة، لا يقبل التجزئة، ولا يجوز أخذ بعضها وإهمال بعضها، فإن الذي شرعها واحد وهو الله تعالى الذي أمر بطاعته فيها، وحذر من تركها أو ترك بعضها.

 

فالإسلام نظام شامل للحياة، يهتم بالعدل، والأخلاق، والتربية، والمعاملات بين الناس، وليس مجرد قوانين وعقوبات.

 

هذا التصور المحدود يؤدي إلى مشكلات كثيرة، منها التركيز على جانب معين وإهمال جوانب أخرى هي من الدين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].

 

قال ابن عباس: ادخلوا في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تدعوا منها شيئًا (3).

 

ليس هناك إلا اتجاهان اثنان؛ إما الدخول في السلم كافة، وإما اتباع خطوات الشيطان، إما هدى وأما ضلال، إما إسلام وإما جاهلية، إما طريق الله وإما طريق الشيطان، وإما هدى الله وإما غواية الشيطان.. وبمثل هذا الحسم ينبغي أن يدرك المسلم موقفه، فلا يتلجلج ولا يتردد ولا يتحير بين شتى السبل وشتى الاتجاهات.

 

إنه ليست هنالك مناهج متعددة للمؤمن أن يختار واحدًا منها، أو يخلط واحدًا منها بواحد، كلا! إنه من لا يدخل في السلم بكليته، ومن لا يسلم نفسه خالصة لقيادة الله وشريعته، ومن لا يتجرد من كل تصور آخر ومن كل منهج آخر ومن كل شرع آخر، إن هذا في سبيل الشيطان، سائر على خطوات الشيطان (4).

 

يقول أبو الحسن الندوي وهو يوضح فهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدين: وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، ولا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضى، ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى.

 

حدثوا الرسول عما اختانوا أنفسهم وعرضوا أجسادهم للعذاب الشديد إذا فرطت منهم زلة استوجبت الحد.. نزل تحريم الخمر والكؤوس المتدفقة على راحاتهم، فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمظة والأكباد المتقدة، وكسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة (5).

 

وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، هذه أكبر نعم الله عز وجل، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115]، أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم؛ ولهذا قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه (6).

 

قد اكتمل هذا الدين وتم وانتهى أمره، وتعديل شيء فيه كإنكاره كله؛ لأنه إنكار لما قرره الله من تمامه وكماله، وهذا الإنكار هو الكفر الذي لا جدال فيه.. أما العدول عنه كله إلى منهج آخر، ونظام آخر، وشريعة أخرى فلا يحتاج منا إلى وصف، فقد وصفه الله سبحانه في السورة، ولا زيادة بعد وصف الله سبحانه لمستزيد.

 

إنه دين خالد، وشريعة خالدة، وأن هذه الصورة التي رضيها الله للمسلمين دينًا هي الصورة الأخيرة، إنها شريعة ذلك الزمان وشريعة كل زمان، وليس لكل زمان شريعة، ولا لكل عصر دين؛ إنما هي الرسالة الأخيرة للبشر، قد اكتملت وتمت، ورضيها الله للناس دينًا.

 

فمن شاء أن يبدل، أو يحور أو يغير، أو يطور! إلى آخر هذه التعبيرات التي تلاك في هذا الزمان، فليبتغ غير الإسلام دينًا {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].

 

إن هذا المنهج الإلهي المشتمل على التصور الاعتقادي، والشعائر التعبدية، والشرائع المنظمة لنشاط الحياة كله يحكم ويصرف ويهيمن على نشاط الحياة كله، وهو يسمح للحياة بأن تنمو في إطاره، وترتقي وتتطور دون خروج على أصل فيه ولا فرع، لأنه لهذا جاء، ولهذا كان آخر رسالة للبشر أجمعين (7).

 

قال القفال: إن الدين ما كان ناقصًا البتة، بل كان أبدًا كاملًا، يعني كانت الشرائع النازلة من عند الله في كل وقت كافية في ذلك الوقت، إلا أنه تعالى كان عالمًا في أول وقت المبعث بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ولا صلاح فيه، فلا جرم كان ينسخ بعد الثبوت وكان يزيد بعد العدم، وأما في آخر زمان المبعث فأنزل الله شريعة كاملة وحكم ببقائها إلى يوم القيامة، فالشرع أبدًا كان كاملًا، إلا أن الأول كمال إلى زمان مخصوص، والثاني كمال إلى يوم القيامة، فلأجل هذا المعنى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (8).

 

آثار الفهم الجزئي للدين:

- انتشار التشدد أو التفريط في بعض الأمور وإهمال غيرها:

كان الإمام مالك بن أنس من أشد علماء السلف تشديدًا في اتباع السنة، وتدقيقًا في إنكار البدع والمحدثات في الدين، حتى إنه أنكر على عبد الرحمن بن مهدي- وناهيك بعلمه وهديه- وضع ردائه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من الحر والصلاة عليه.

 

وأنكر على من استشاره في الإحرام من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم من عند قبره ونهاه عن ذلك وأمره بالإحرام من الميقات، فلما ألح الرجل قال له: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقال الرجل: وأي فتنة في هذا؟ إنما هي أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك قد سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، ومن أجل كلامه رضي الله عنه: من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين، وفي رواية: الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا (9).

 

وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس، فقال: «ما هذا؟» قالوا: نذر أن يصوم ولا يستظل إلى الليل، ولا يتكلم، ولا يزال قائمًا، قال: «ليتكلم، وليستظل، وليجلس، وليتم صومه» (10).

 

ومن المجالات التي قد يشدد بعض الناس ويبالغ فيها في العبادة: مبالغة بعض الناس في الحديث عن شروط العبادة، وشروط أعمال القلوب والتشديد فيها، إنك حين تسمع بعض من يتحدث عن الصلاة وعن الخشوع فيها، فيتحدث ويشدد هذا الأمر حتى كأن المصلي نادر، فيقول: إن هؤلاء الذين يصلون يندر فيهم من يخشع في صلاته، يندر فيهم من تقبل صلاته، يندر فيهم من يصلي كما أمر الله عز وجل.. إلى آخره، كأن الناس هؤلاء كلهم لا يؤدون هذه الصلاة وهذه الفريضة، والبعض حين يتحدث عن بعض أعمال القلوب قد يكلف الناس ما لا يطيقون، قد يتحدث البعض عن الإخلاص، وهو أمر عزيز، لكن يتحدث عنه بأنه نادر جدًا، ومن النادر أن تجد الإنسان المخلص.

 

غياب التوازن بين العقيدة والسلوك اليومي:

العقيدة دافعة إلى حسن الخلق، وكلما صحت عقيدة الإنسان واستقامت كلما حسنت أخلاقه وتمت، وكلما حصل انحلال في العقيدة فإنه ينتج عن ذلك فساد في الأخلاق وفوضى في التفكير ونقص في العقل ورقة في الدين.

 

فكل عقيدة يحملها الفرد وتدين بها الأمة سواء أكانت صحيحة أم باطلة لا يقتصر أثرها على الناحية الفكرية استقامةً وانحرافًا، هدًى وضلالًا؛ بل لا بد وأن يظهر أثر هذه العقائد في جوانب الحياة المختلفة، ومن هنا جاءت الضرورة للعقيدة السليمة؛ لأنها الغذاء الروحي والضروري لسير الفرد والمجتمع في مضمار التقدم والحضارة.

 

لقد أصبحت الشكوى مريرة لما أصاب الناس في العصور المتأخرة من انهيار في الأخلاق، واضطراب في الموازين، فالجار يشكو جاره، والأمانة ضاعت بين الناس، والمراوغة راجت سوقها، والتعلق بمتاع الدنيا فاق كل القيم عند كثير من البشر، وإنه لخطر عظيم ينذر بالشرور والفوضى، وإن ذلك لدلالة واضحة على فساد التصور وضعف الإيمان، فظهر بسبب ذلك انفصام نكد وازدواجية بين مفهوم الإيمان ومقتضياته.

 

ومن هنا يلزم الدعاة والمربين أن يتنبهوا لهذا الخطر، وأن يبينوا للناس حقيقة ما هم فيه، وأن الإيمان الصادق لا يعني حفظ بعض المتون في العقيدة أو حتى تعلُّمها إذا لم يتمثل المرء أخلاقياتها..

 

لا بد من تمثل العقيدة وتشرُّبها، وأن تتحول إلى واقع عملي في الحياة والتعامل بين الأنام.. تأسيًا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحولوا إلى نماذج فريدة سلوكًا وإخلاصًا وطهرًا (11).

 

- إصدار أحكام خاطئة على الآخرين بسبب الفهم الناقص:

إن الحكم على الآخرين لا علاقة له بحقيقة الأشخاص الذين نحكم عليهم، ولكنه فقط يتعلق برؤية الناس من خلال ترتيب هرمي، فعندما يتقابل شخصان، فوفقًا للترتيب الهرمي يكون أحدهما أفضل والآخر أسوأ، قد يُستَخدم أي مقياس لتحديد الأفضلية والسوء، قد يكون هذا المقياس هو الثروة، أو المكانة الاجتماعية، أو القدرة الاجتماعية، ستختار مقياسك وفقًا للشيء الذي تُركِّز عليه في حياتك.

 

تبعًا لهذا، يكون إصدار الأحكام على الآخرين هو وسيلة لتأمين سلامة الشخص وطمأنة ذاته بجعله "الأفضل" وفقًا للمقياس الذي يُحدده، حتى وإن كان هذا المقياس غير حقيقي، مثل اتهام شخص ثري بالسرقة لمُجرد أنه ثري، هنا يتحول هذا الشخص الثري من كونه الأفضل إلى كونه الأسوأ، لأنه أصبح الأدنى في المقياس الأخلاقي.

 

وقد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص، وعن وجه الدلالة وموقعها، وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يحصيه إلا الله جل وعلا، ولو كانت الأفهام متساوية لتساوت أقسام العلماء في العلم، ولما خص سبحانه سليمان بفهم الحكومة في الحرث، وقد أثنى عليه وعلى داود بالحكم والعلم.

 

وقد قال عمر لأبي موسى في كتابه إليه: الفهم الفهم فيما أدلي إليك.

 

وقال علي رضي الله عنه: إلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه.

 

وقال أبو سعيد: كان أبو بكر رضي الله عنه أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، والفرق بين الفقه والتأويل أن الفقه هو فهم المعنى المراد، والتأويل إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى التي هي آخيته وأصله، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل؛ فمعرفة التأويل يختص بها الراسخون في العلم، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى، فإن الراسخين في العلم يعلمون بطلانه، والله يعلم بطلانه (12).

 

كيف نصل إلى الفهم الشامل للدين؟

إن الطريق الصحيح إلى الإسلام يبدأ من "العودة إلى شريعة الإسلام الغرَّاء"، وتَحكيمِها في كل شؤون حياتنا، وفق الكتاب والسُّنة ومنهج وفهمِ سلَفِ الأُمَّة، وتربية الناس عليها من جديدٍ، صافيةً نقيَّة بعيدًا عن سوء الفهم لها، وعن مؤامرات التشكيك والنَّيْل منها، ولن يتحقق للأمة هذا إلا بعدة أمور مهمَّة، وهي:

 

الأول: تحقيق الاعتِصام والاتِّباع للكتاب والسُّنة وفق منهج السَّلف:

يجب عليكم يا شبابَ الإسلام أوَّلًا؛ أن تعلموا وتعتقدوا بدايةً بوجوب العودة إلى منهج الإسلام الصَّحيح، والمتمثِّلة في الكتاب والسُّنة بفهم سلَف الأمة، لماذا؟

 

لأنَّ العودة إلى لزوم هَدْيِ الكتاب والسنة، والاعتصام بهما، في كل مجالات الحياة ليست تطوُّعًا ولا نفلًا كلا، بل هذه العودة فرض على كل مسلم مكلَّف، بالغ عاقل، سواء أكان رجلًا أو امرأة.

 

ولنكن على يقين كامل، وثقة مؤكدة بأنه لا عز لأُمَّتِنا ولا نصر لها ولا كرامة إلا بِهذه البداية، وإلا بِهذه العودة الجادة إلى الله سبحانه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنعلم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوَّلها، فلنسرع الخطى بالعودة إلى القرآن والسنة، وإلى الاستجابة لأحكامها؛ فإن فيهما الخير والهداية لنا إن أردنا ذلك؛ قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)} [طه: 123- 125].

 

ثم إن الكتاب والسنة أصلان كبيران لهذا الدين؛ لأنهما ركن من أركان الإيمان، فمَن كفر بالكتاب أو بالسنة فقد كفر بالإسلام كله، فعلى كل مسلم أن يؤمن بالكتاب والسُّنة، وأن يعظمهما، ويجلهما ويخدمهما؛ قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].

 

ومِن هنا فإنَّ الواجب على المسلم أن يعلم العلم اليقيني بوجوب أنْ يتقيَّد- في كل حركة من حركاته، وسكنةٍ من سكناته، ونفَسٍ من أنفاسه- بالكتاب والسنة التي جاء بها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد حضَّتْ نصوص كثيرة في الكتاب والسنة على وجوب الالتزام بِهما، وهي واضحة ومعلومة، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

 

ثم إنَّ تَحقيق الاتِّباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان والمَحبَّة؛ لأنَّه إذا تحقَّق المسلمُ بتوحيد المعبود سبحانه، فيجب عليه أن يتحقَّق بتوحيد المتبوع وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنَّ مُتابعة الرسول أمرٌ افترضه علينا ربُّنا في كتابه، فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 7].

 

الثاني: الفهم الصحيح للإسلام: لأن إعادة المفاهيم الصحيحة الحقيقية للإسلام تعني الشيء الكثير؛ إنها تعني أن يفهم الناس حقيقة كلمة التوحيد وما اشتملت عليه من معان ومقتضيات ضبطها أهل العلم، وأنها قول واعتقاد وعمل، وأنها دين ودنيا، وأنها عبادات وأخلاق، وأنها معاملات وآداب، وأنها سياسات واقتصاد، وأنها ثقافة وعلوم.

 

وإنها تعني أن الحياة كلها لله وحده، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].

 

وإنها تعني أن تثق الأمة بمنهج الله تعالى وصلاحيته الخالدة على مر الزمان والعصور، وأن منهج الله لن يصل إليه عقل بشري في رُقيِّه ومثاليته وكماله، فتعمل الأمة وتعمر وتبني وتصلح ما أفسدته في أيامها الأخيرة، وإنها تعني أن تفهم الأمة غايتها في هذه الحياة الدنيا، وأنهم دعاة لله وحده، وعبوديته وحده، لا شريك له.

 

كما تعني إعادةَ دفة القيادة إلى رجالها وفرسانها، الذي ساسوا الدنيا بالعدل والحق، ونشروا فيها الأمن والسلام.

 

كما أن الفهم الصحيح للإسلام يعني حصر مصدر التلقي بعيدًا عن هذه الفرق والمذاهب المخالِفة لمنهج أهل السنة والجماعة، فالاستدلال الصحيح لا بد أن ينبني على منهج صحيح، لا لبس فيه ولا غموض، ولا تشبيه فيه ولا تأويل يخالف ولا تعطيل.

 

وهذا الحصر في منهج التلقي يعني ثلاثةَ أمور ضروريَّة:

الأول: تعظيم نصوص الوحيَيْن الكتاب والسنة.

والثاني: الاستدلال بالأحاديث الصحيحة الثابتة في السنة النبوية.

والثالث: الفهم الصحيح لهذه النصوص.

 

وهذه الثلاثة لا تراها مجتمعة إلا في منهج أهل السنة والجماعة المتبعين لها، القائمين بما فيها، دون إفراط ولا تفريط، ولا جَوْرٍ ولا تأويل باطل، فهم أسعد الخلق بالأدلة الشرعية منهجًا وشريعة وأخلاقًا.

 

كما أن الفهم الصحيح للإسلام يقطع شوطًا طويلًا من التربية والإعداد لجيل النصر والتمكين؛ لأنَّه يَقضي في سرعةٍ كبيرة على كلِّ خلل عقَدِيٍّ أو تعبُّدي أو سلوكيٍّ وأخلاقي، فالإنسان إنَّما تَصْدُر أعماله على وفق ما لديه في نفسه وقلبه وعقله من اعتقاداتٍ وتصوُّرات حول المنهج الإسلاميِّ أو غيره.

 

الثالث: شمولية الإسلام: فالعودة للإسلام تعني كل الإسلام، فليس للإنسان أن يقف من الإسلام موقف الانتقاء والاختيار؛ فيأخذ ما يشاء، ويدع ما يشاء، ويقبل ما يشاء، ويَرُدَّ ما يشاء، كلا، إنما الإسلام يؤخذ كله جملة واحدة، بلا تبعيض، ولا تفريق بين أصوله وشرائعه وأحكامه، كما قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85].

 

وقال تعالى أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]؛ أيْ: في الإسلام جميعًا.

 

لأن الإسلام دين شامل كامل، لكل مناحي الحياة البشرية، وفيه السعادة لمن سلك الطريق إليه، وأذعن له، وآمن به، فهو دين عقيدة وإيمان، ودين معاملات وأخلاق، ودين سياسات واقتصاد، ودين ثقافة وعلوم، ودين دنيا وآخرة، ليس فيه نقص في أي جوانبه، وليس في قصور في أحكامه وتشريعاته، وليس فيه تغليب لجانب على جانب.

 

كلا؛ إنه دين الشمولية الواسعة، والوسَطِيَّة الهادية، والعقيدة الصحيحة، والعبادة المُزَكية، والأخلاق الكاملة، فمن أراد السعادة استمسك بِحَبله، واعتصم بمنهاجه كما أخبر سبحانه بقوله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]، وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] (13).

 

وما أنعم الله على عبد بعد نعمة الإسلام بمثل ما أنعم عليه بفهم صحيح نقي لهذا الدين، وعقائده، وأحكامه، وأخلاقه، مصحوبًا بنية صالحة خالصة لله عز وجل؛ يقول الإمام ابن القيم: صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجَلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة.

 

وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى (14).

 

تميز المفاهيم الإسلامية عن غيرها:

ولسائل أن يسأل عن أسباب هذه الفروق العظيمة بين مفاهيم الإسلام النقية السامقة العادلة، ومفاهيم الكفر وأهله المتسمة بالظلم والانحطاط والتلوث والاضطراب في الموازين والأحكام، ونحسب أن المتأمل في المنهج الرباني وخصائصه وسماته، وفي المنهج البشري الجاهلي وصفاته، لن يجد عناءً في الإجابة على هذا السؤال المطروح، ومع ذلك فيمكن حصر الإجابة عليه في الأمور الآتية:

 

١إن مفاهيم الإسلام ربانية المصدر قرآنية المنطلق؛ فلا جرم جاءت عادلة، كاملة، شاملة، متوازنة، نقية ومنزهة عن كل صفات النقص؛ لأنها من الله عزّ وجلّ العليم الخبير {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤]، المبرَّأ من كل نقص، السالم من الظلم والهوى والجهل، العالم بما يصلح لعباده في معاشهم ومعادهم، العالم بما كان وما سيكون، وما لم يكن لوكان كيف سيكون.

 

وعلى العكس من ذلك فمفاهيم الجاهلية صادرة عن هذا الإنسان الضعيف المحدود زمانًا ومكانًا، صاحب الهوى والجهل والظلم والطغيان، المنبَتّ عن ربه وعبادته؛ فلا جرم أن جاءت مفاهيمه وتصوراته متصفة بصفاته؛ حيث الجهل، والنقص، والظلم، والتناقض والاضطراب، وعدم التوازن.

 

٢إن أي مفهوم يُطرح للناس محكومٌ بعقيدة من يطرحه في إله الكون، وفي الكون نفسه، وفي الحياة والإنسان والغاية من خلقه، ومصيره بعد الموت؛ فكل مفهوم هو مقتضى هذه العقيدة أو التصور، وانعكاس لها حسنًا أو قبحًا، سواء بسواء.

 

ولأن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو الذي يمدنا نحن المسلمين بالفهم والتصور عن إلهنا رب هذا الكون وخالقه، وعن الكون والإنسان والغاية من خلقه ومصيره، فهو الفهم الحق الذي يعطينا الإجابات اليقينية على كل ما سبق، بخلاف الكافرين الذين لم ينعموا بعقيدة الإسلام؛ فتصوراتهم ومفاهيمهم لا تنتج إلا عن زبالات أذهانهم ونحاتات أفكارهم، فهي تتيه في بحر من الظلمات والجهل، فضلَّتْ وشقَتْ وأضلَّتْ وأشقَتْ.

 

٣وبناء على ما سبق فالفرق الثالث والمهم بين المفاهيم الربانية والمفاهيم البشرية الجاهلية هو الفرق بين التوحيد والشرك؛ فلا تستوي مفاهيم العابد لله وحده، المتبرئ من الشرك وأهله، ومفاهيم الكافر المنقطع عن ربه عزّ وجلّ وشرعه؛ قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠)} [فاطر:٢٠،١٩]، وكل إناء بما فيه ينضح.

 

٤وكذلك «لا يلتقي إنسان يؤمن بالآخرة ويحسب حسابها مع آخر يعيش لهذه الدنيا وحدها ولا ينظر ما وراءها؛ لا يلتقي هذا وذاك في تقدير أمر واحد من أمور هذه الحياة، ولا قيمة واحدة من قيمها الكثيرة، ولا يتفقان في حكم واحد على حادث أو حالة أو شأن من الشؤون؛ فلكل منهما ميزان، ولكل منهما زاوية للنظر، ولكل منهما ضوء يرى عليه الأشياء والأحداث والقيم والأحوال؛ هذا يرى ظاهرًا من الحياة الدنيا، وذاك يدرك ما وراء الظاهر من روابط وسنن ونواميس شاملة للظاهر والباطن، والغيب والشهادة، والدنيا والآخرة، والموت والحياة… وهذا هو الأفق البعيد الواسع الشامل الذي ينقل الإسلامُ البشريةَ إليه ويرفعها إلى المكان اللائق بالإنسان الخليفة في الأرض (15).

 

٥ولئن كانت مفاهيم المسلمين تتباين وتختلف عن مفاهيم الكفار بناء على فهم كل فريق لحقيقة: الربوبية والألوهية، والكون، والحياة، والإنسان، فإنه يوجد أيضًا اختلاف في مفاهيم أهل الفرقة الناجية من المسلمين عن مفاهيم الفرق المبتدعة -كالخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة- وذلك لاختلاف مصادر الاستدلال عند الفرقة الناجية -وهم أهل السنة والجماعة- عن تلك التي لدى هذه الفرق المبتدعة، مع ما بينهم أيضًا من اختلاف في المفاهيم، وكذلك حصل الاختلاف في مفاهيمهم لاختلاف عقائدهم.

 

وقد يحدث اختلاف في بعض المفاهيم بين من هم في دائرة أهل السنة بسبب الاختلاف في فهم الواقع والأحوال التي يعيشونها، فيُحدِث ذلك اختلافًا في إنزال الأحكام على الأحوال، مع الاتفاق على أصل المفاهيم لدى الجميع؛ يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- وهو يبين ركني الفهم الصحيح: ‌ولا ‌يتمكن ‌المفتي ‌ولا ‌الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:

أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.

 

والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر (16).

 

فلا بد إذًا حتى يكتمل الفهم الصحيح من فهم الواقع المعاصر واستبانة سبيل المجرمين وإلا حصل الخلل في الفهم لعدم تحقيق المناط ومعرفة الأحوال.

 

ويبقى عائق آخر خطير يحول بين العبد وتطبيق الفهم الصحيح؛ ألا وهو: الهوى وتغليب الدنيا على الآخرة؛ إذ قد يكون الفهم شرعيًّا وصحيحًا وموافقًا لمفاهيم أهل السنة، مع فقه بالواقع، ولكن بسبب رغبة أو رهبة يترك العبد هذا الفهم الصحيح متعمدًا ويقدم عليه مفاهيم خاطئة أو تطبيقات منحرفة، نسأل الله السلامة والثبات على الحق (17).

***

------------

(1) أخره البيهقي في السنن (20782).

(2) اتجاه تجزئة الإسلام/ موقع الدكتور يوسف القرضاوي.

(3) تفسير ابن كثير (1/ 566).

(4) في ظلال القرآن (1/ 211).

(5) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص: 87- 88).

(6) تفسير ابن كثير (3/ 26).

(7) في ظلال القرآن (2/ 833).

(8) مفاتيح الغيب (11/ 287).

(9) تفسير المنار (7/ 160).

(10) أخرجه ابن ماجه (2136).

(11) أثر العقيدة في توجيه السلوك والأخلاق/ مجلة البيان (العدد: 42).

(12) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (4/ 215- 216).

(13) المنهج السلفي ودوره في إحياء معالم الإسلام/ شبكة الألوكة.

(14) إعلام الموقعين (١/ ٦٩).

(15) في ظلال القرآن (٥/ ٢٧٥٩).

(16) إعلام الموقعين (١/ ٦٩).

(17) مقدمة إلى مفاهيم أهل السنة/ ناصحون.