logo

العادات والتقاليد بين المشروع والممنوع


بتاريخ : الخميس ، 15 محرّم ، 1439 الموافق 05 أكتوبر 2017
بقلم : تيار الاصلاح
العادات والتقاليد بين المشروع والممنوع

إن العادات والتقاليد الموروثة هي من أخطر الأمور على دين الله؛ لأنها شيء مألوف معتاد، تميل إليه النفس، ويجتمع عليه الناس، ويصعب إقلاعهم عنه، ومن هنا يعظم دور المسلم في نبذ ما يخالف الشريعة الإسلامية؛ بل ويجب عليه أن يقوم بدور فعال في تغيير مجتمعه، فضلًا عن حمايته؛ لتوافق عادتُه وتقاليده شرعَ الله، وسواءً كان ذلك فيما يخص المرأة أو فيما هو عام يمس المجتمع كله؛ حتى ينشأ الأبناء جيلًا قويًّا، يحمل شعلة الإسلام، وينير الطريق للناس جميعًا.

العادات هي الأمور التي اعتاد الناس على القيام بها في المجتمع، أو ضمن عائلات ومجموعات محددة، فهي كالقواعد التي تم نصها وكتابتها من قبل أشخاص معينين؛ حتى يقوم الآخرون بتطبيقها والالتزام بها، وغالبًا ما يطلق على الأمر الذي يقوم به العديد من الناس بالعادات، وتشمل العادات أي أفعال ترتبط بالحياة اليومية لمجتمع معين؛ كعادات احترام الكبار في السن في المجتمعات العربية، أو عادة خلع الحذاء أثناء دخول المنزل، وغيرها الكثير من الأمثلة، وهذه الأمور لا تعتبر راسخةً أو ملزمًا بها في المجتمع، ولكنها متعارف عليها، ويفضل الالتزام بها بقدر الإمكان.

والتقاليد هي اعتقادات وسلوكيات متوارثة من جيل إلى آخر في المجتمع منذ فترة طويلة من الزمن، ويتبع الناس هذه التقاليد بشكل فطري وطبيعي في نشأتهم، فكل عائلة تعلم أبناءها تقاليد المجتمع الذي تعيش فيه منذ الصغر؛ كتقليد طريقة تناول الطعام، ففي اليابان مثلًا يتناولون الطعام باستخدام العيدان الخشبية، أما في الدول الأجنبية يتم تناوله باستخدام الشوكة والسكينة، كذلك الأمر بالنسبة لتقاليد الزواج والمناسبات الاجتماعية المختلفة، فكل دولة أو مجتمع معروف بأمور تخصه عن الآخرين.

في حياتنا الكثير من الأمور التي اعتدنا على وجودها بشكل أو بآخر، رغم أن هذا الوجود كان غير مبرر في كثير من الأحوال، ولو نظرنا حولنا جيدًا لنظرنا إلى بعض الأمور التي لا يمكن أن نتخلى عنها، على الرغم من أنها أصبحت من القدم، وما عاد لها أي جذر في حياتنا اليومية على وجه الخصوص، وهذه الأمور على الرغم من قدمها، وغرابتها في أكثر الأحيان، إلا أننا اعتدناها، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا على الإطلاق.

والناظر في التاريخ يجد أن الحديث عن هذه الأمور دون غيرها قد جعلها محور اهتمام بشكل أو بآخر، ولو رأيت أحد المغتربين لوجدت أنه من أكثر الأمور التي يحب أن يلتزم بها هي تلك الأمور التي أحبها في صباه، وكانت في حياته منهاجًا، وروحًا وقلبًا على الدوام، والحديث اليوم لا يقتصر عن مجموعة من الأمور التي ما زلنا نتعامل معها أو نستذكرها، ولكننا سنتحدث عن تاريخ عريق لوطن بأكمله، ففي كل منطقة تتجلى لك بعض الأمور التي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها، أو يحيد عن دربها، وأي تغيير يحدث فيها قد يعرض صاحبها للاستهزاء، وربما أكثر للحديث الجانبي المزعج، الذي قد يطيح بسمعتك أو بشرفك أو ما إلى ذلك.

والتقاليد إما تقاليد خيرة طيبة, وإما تقاليد سيئة باطلة, ولا تعرف التفرقة بين هذين المسلكين إلا بعرضهما على الشرع الشريف، فما كان موافقًا للشرع فهو الحق وهو المطلوب، وما كان مخالفًا للشرع فهي تقاليد جاهلية يجب الحذر منها, وما أشد معركة التقاليد, وما أوسع انتشارها, تموت تقاليد وتحيا أخرى على تعاقب الأجيال ومر الدهور, وعلى المسلم أن يكون متزنًا في تقبل مختلف التقاليد, فكم من تقليد قضى على نور العلم والمعرفة، وأفسد الأخلاق والعقائد, وكم من حق سمي خرافة، كما أنه يجب عليه الانتباه إلى ما يلقيه أعداء الإسلام من الهجوم على الشريعة الإسلامية تحت ما يسمونه محاربة التقاليد البالية تنفيرًا للناس عنها, كما أنه يجب على المسلم أن يعلم أنه لا مكان في الإسلام للخرافات ولا للتقاليد السيئة الباطلة؛ إذ إن الإسلام إنما جاء لمحاربة كل أنواع الجاهليات والخرافات والتقاليد الباطلة الضارة(1).

نشأة العادات والتقاليد وتطورهما:

ويصعب إدراك نشأة وتطور العادات والتقاليد، ومدى اتساعها، فهي جزء من النشاط الاجتماعي للأفراد في أي مجتمع من المجتمعات، ولا تظهر بين يوم وليلة؛ بل تأخذ سنوات حتى تثبت وتستقر، وسنوات أطول حتى تتغير وتتحول.

والعادات والتقاليد غالبًا ما تنشأ لوظيفة اجتماعية، ولينتفع بها كل أفراد المجتمع أو بعضهم، وتصبح نمطًا اجتماعيًا يعمل على تقوية العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ويؤدي إلى وجود اتفاق في سلوك معين بين أفراد المجتمع.

والعادات والتقاليد سلسلة تنتقل حلقاتها من جيل لآخر، وقد يصاحب هذا الانتقال بعض التغيرات بالزيادة أو النقصان، سلبًا أو إيجابًا، بما يتفق مع ظروف وقيم كل جيل، وقد تتلاشى الوظيفة الاجتماعية للعادات أو التقاليد، أو تنتهي نتيجة تغير الظروف الاجتماعية، إلا أنها تبقى بفعل الضغط النفسي الذي تمارسه على الأفراد الذين اعتادوها، وشعروا أنها تمنحهم الأمن والاطمئنان، وتضمن تماسكهم في مواجهة أية تغيرات جديدة.

وللمرأة دور هام ومؤثر في بث العادات والتقاليد، وانتقالها من جيل لآخر؛ نظرًا لدورها الكبير في عملية التربية والتنشئة، ولذلك يقع عليها الدور الأكبر في ضبطها وفق المنهج الإسلامي السديد، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].

أهمية العادات والتقاليد:

وللعادات والتقاليد أهمية عظيمة في حياتنا، قد لا نشعر بها، خاصة أننا لا نهتم بكوننا نحمل هوية محددة، ولكن عندما ننظر إلى الواقع الملموس من حولنا نجد أن كل الشعوب التي تحيط بنا تحاول، قدر المستطاع، التمسك بالمعتقدات والتقاليد التي تربت عليها، وهذا ليس لشيء إلا لأهميتها العظيمة، فلو نظرت إلى المجتمعات، التي تخلو من أي التزامات وما شابه، لعرفت أنه من المهم التمسك بمثل هذه الأشياء، وعدم الاستغناء عنها مهما كلّف الأمر، ومن أبرز النقاط التي توضح أهمية العادات والتقاليد ما يلي:

- ترسم العادات والتقاليد شخصية الفرد، وتجعلنا نفرق بين الأشخاص حسب الانتماء أو المكان الذي أتوا منه، تجعلك تستشعر أهمية أن يكون لك وطن خاص بك، فهذا بحد ذاته أمر يجب عدم الاستهانة به.

- الاستعانة بتاريخك وتقاليدك وعاداتك تجعلك أفضل الأشخاص وأكثرهم حظًا؛ لأن لديك ما تحدّث به أبناءك عند الكبر.

والتقليد الذي ينبذه القرآن معناه اتباع السنن بصورة غير منطقية، ودون الاستناد إلى أي معيار، فالقرآن يؤكد بطلان هذا النوع من التقليد، ويعتبره أحد أسباب انحراف البشر.

إنّ كل الأنبياء حاربوا اتِّباع السنن أو التقاليد الخاطئة، كانوا يرغبون في أن تكون للبشر حرية فكرية؛ لأن الإنسان الذي يتمتع بحرية فكرية لا يجعل من اتِّباع سُنن أسلافه ملاكًا لعمله.

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)} [الزخرف:23-24].

قال الشيخ السعدي: «أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أُمِروا باتباع ما أنزل الله على رسوله، مما تقدم وصفه، رغبوا عن ذلك وقالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالًا وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعًا، واتبعه إن كان منصفًا»(2).

أهم العادات في حياتنا اليومية:

لقد كانت التقاليد والعادات الموروثة تتحكم في عقائد الجاهلية، ومن أجل ذلك تعرضت العقائد للانحراف، وانهارت أمام القيم والأخلاق، واختلت الموازين والأعراف، فكان الواقع يرفض كل المسلمات والبديهيات، ولا يقبل سوى ما كان عليه الآباء والأجداد.

ولذلك فقد ناقش القرآن الكريم هذه القضية مناقشة جادة، وعالجها معالجة شافية، كعادته في معالجة القضايا ذات الأهمية البالغة، وبين أن هذه القضية لم تكن حديثة المولد والنشأة، ولكنها قديمة التاريخ، عميقة الجذور، فلم يكن العرب الذين واجههم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هم أول من قال هذه المقالة؛ بل لقد رددها الذين استحبوا العمى على الهدى من الأمم السابقة.

فإذا تـأملنا في أحوال الناس عامة لما خفي علينا أن ما يحكمهم في تعاملاتهم هو ما اعتادوه في حياتهم، وورثوه من آبائهم.

بيد أن عادات الأولين ليست مذمومة على الإطلاق؛ فثمّة عادات حسنة حث عليها الشرع وأمر بها؛ كالتحلي بالأخلاق الفاضلة، التي أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها في الجاهلية؛ كحلف الفضول.

ومن العادات ما سكت عنه الشرع؛ كعادات الناس في الأكل والشرب والتداوي واللباس .

ومنها ما حرمه الشرع، ولكنها عمت وانتشرت بين الناس، وهذا الذي نحن بصدده؛ كاعتياد الناس الاختلاط، وظهور المرأة أمام الرجال من غير المحارم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول محذرًا: «الحمو الموت»(3).

وكاعتياد بعض الناس شرب الدخان وما تبعه، وهو من المفترات التي نهى الشرع عنها .

ومن أهم المخالفات الشرعية تلك التي تتجلى في مسألة العزاء وعاداته وطقوسه المتنوعة، ففي بعض المجتمعات يطول العزاء أيامًا وربما شهورًا، والشرع ينهى أن تحد المرأة أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوجها.

ولن ننسى عادة التنافس بتقديم أفخر الطعام للمعزين، بينما رسول الله يأمرنا أن نصنع الطعام لأهل الميت: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم أمر شغلهم»(4)، فخالفنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتركنا للوليمة وأقمنا الوضيمة.

وهنا تظهر العادات المصرية بلا منازع، ولا بد من الإشادة عندما تقوم المرأة في القرى والأرياف بشق ثيابها، وشدها من منطقة النحر، مع العويل بصوتٍ عالٍ مع فن العديد (العديد: كلمات لها معنى خاص ومختصرة، وتقال في 38 موقفًا، وهي عبارة عن مقطوعة من بيتين)، واللطم على الخدين، والندب لإبراز مكانة الميت والحزن عليه.

من التقاليد في المآتم استئجار المقرئين المشهورين للقرآن الكريم، وكذلك يلتفون حول الميت عندما يضعونه على السرير، ويبدءون بالبكاء واللطم، ويصوتون بصوتٍ عالٍ، ويضعون التراب فوق رءوسهم، ومن العادات أيضًا زيارة موتاهم في الأعياد.

إن إجماع الفقهاء يقضي أن العادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها .

أما إذا كانت العادات متساوية في المصالح، فَلَأَن يبقى الإنسان على ما هو عليه خير له من تلقي العادات الوافدة.

علاقة المنهج الإسلامي بالعادات والتقاليد:

ومع انتشار الإسلام في العديد من الدول، بعاداتها وتقاليدها المتنوعة، اتخذ المنهج الإسلامي في علاقته بالعادات والتقاليد صورًا ثلاثًا:

الأولى: تأييد العادات التي تحث على مبادئ فاضلة وقيم سامية، مع تهذيبها وفق مبادئ الشريعة الخالدة، ومن ذلك: حق الجار، وإكرام الضيف، ومساعدة الفقراء، ونجدة المحتاج، ومساعدة الغريب.

الثانية: تقويم العادات التي تقوم على وجهين؛ أحدهما سيئ، والآخر حسن، بالتأكيد على الحسن، والنهي عن السيئ وإصلاحه وفق الشرع الكريم.

الثالثة: محاربة العادات والتقاليد الضالة والمضلة، التي تتعارض مع ما جاء به من قيم ومبادئ، والتي قد تؤدي إلى الخلل الاجتماعي، واضطراب القيم وانتشار الفساد والرذيلة، وضياع الأمن والسكينة.

ومن ذلك عادة وأد البنات؛ فقد قامت نظرة العرب إلى البنت على التشاؤم بها، والتحقير من شأنها، فجاء القرآن مستنكرًا هذه العادة الشنيعة، وحاميًا للبنت من هذه الجريمة، فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} [النحل:58-59].

كذلك عانت الفتاة قبل الإسلام من إجبارها على الزواج دون رغبة منها، ودون اعتداد برأيها؛ فأعَزَّها الإسلام، فقال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن»(5)، كما عانت الفتاة قبل الإسلام كذلك من حرمانها من الميراث، فجاء الإسلام وجعل لها حقًّا في ميراث أبيها، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء:7].

عادات سيئة:

في عصرنا الحالي من العادات السيئة التي انتشرت بين الناس خاصة، ويكثر انتشارها بين النساء، التوسل إلى الله بالأموات والأولياء، والذهاب إلى الكهان والعرافين واتباع ضلالاتهم، والتعلق بالتمائم والتعاويذ والأحجبة؛ ظنًّا أنها تجلب الخير وتطرد الشر، وكذلك ارتداء الباروكة، والذهاب إلى الكوافير، وإطالة الأظافر، واستخدام الأصباغ والألوان لتزيينها، وتقاليع الموضة في الأزياء، ومنع زواج البنت الصغيرة قبل زواج الكبيرة، وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: «هل يجب على الأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى حتى تتزوج الكبرى؟» فأجاب: «لا يجوز للأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى إذا خطبت بحجة أنه لا بد من تزويج البنت الكبرى قبلها، وإنما هذا من عادات العوام التي لا أصل لها في الشرع؛ لما يتوهمون من أن فيه إضرارًا بالكبرى، ولو صح هذا فإن فيه أيضًا إضرارًا بالصغرى، والضرر لا يزال بالضرر»(6).

واجب المسلم:

أمام ما يترتب على هذه الأمور من أخطار وما ينجم عنها من مفاسد، فإن واجب المسلم هجر كل عادة أو تقليد يخالف أصلًا من أصول الدين، وأن يتوقف عند كل عاداتها وتقاليدها، ويضعها في ميزان المنهج الإسلامي الصحيح، ويحرص على تعديل كل ما لا يتفق معه ولا يدور في فلكه، فإذا وجد من بين عاداته وتقاليده ما يخالف بعقيدته ويعارض دينه، فعليه أن يلقي به بعيدًا عنه بلا تردد ولا خجل ولا ندم، وأن ينفر من قبيح عاداته وسيئ تقاليده، ويفر إلى ظلال الإسلام الآمنة، لا يخاف في الله لومة لائم، وليكن قدوته في ذلك المؤمنون الصالحون في عصور الإسلام، الذين لبوا نداء الحق وبذلوا الغالي والنفيس لنصرته.

إن الإسلام نفسه ليس عادات ولا تقاليد، وإنما هو وحي أوحى الله به إلى رسله، وأنزل به كتبه، فإذا تقلده المسلمون ودأبوا على العمل به صار خلقًا لهم وشأنًا من شئونهم، وكل مسلم يعلم أن الإسلام ليس نظمًا مستقاة من عادات وتقاليد، ضرورة إيمانه بالله ورسله وسائر أصول التشريع الإسلامي، لكن غلبت عليهم الكلمات الدارجة في الإذاعة والصحف والمجلات، وفي وضع النظم واللوائح، مثل ما سئل عنه في قوله: (وتمشيًا مع العادات والتقاليد) فاستعملوها بحسن نية قاصدين منها الاستسلام للدين الإسلامي وأحكامه، وهذا قصد سليم يحمدون عليه، غير أنهم ينبغي لهم أن يتحروا، في التعبير عن قصدهم، عبارة واضحة الدلالة على ما قصدوا إليه، غير موهمة أن الإسلام جملة عادات وتقاليد سرنا عليها أو ورثناها عن أسلافنا المسلمين، فيقال مثلًا: (وتمشيًا مع شريعة الإسلام وأحكامه العادلة) بدلًا من هذه الكلمة التي درج الكثير على استعمالها، إلى مجال إبراز النهج الذي عليه هذه المجتمعات، إلخ.

ولا يكفي المسلمَ حسنُ النية حتى يضم إلى ذلك سلامة العبارة ووضوحها، وعلى ذلك لا ينبغي للمسلم أن يستعمل هذه العبارة وأمثالها من العبارات الموهمة للخطأ باعتبار التشريع الإسلامي عادات وتقاليد، ولا يعفيه حسن نيته من تبعات الألفاظ الموهمة لمثل هذا الخطأ، مع إمكانه أن يسلك سبيلًا آخر أحفظ للسانه وأبعد عن المآخذ والإيهام(7).

***

__________________

(1) المذاهب الفكرية المعاصرة (2/ 1186).

(2) تفسير السعدي (81).

(3) أخرجه البخاري (5232)، ومسلم (2172).

(4) أخرجه أبو داود (3132).

(5) أخرجه البخاري (5136)، ومسلم (1419).

(6) المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان (3/ 152).

(7) فتاوى اللجنة الدائمة (2/ 155).