logo

معالم في تكوين شخصية المربي القائد


بتاريخ : الأحد ، 28 ذو الحجة ، 1444 الموافق 16 يوليو 2023
بقلم : تيار الاصلاح
معالم في تكوين شخصية المربي القائد

تُعد القيادة الفاعلة إحدى المميزات الرئيسة التي يمكن بواسطتها التمييز بين المنظمات الناجحة وغير الناجحة.

وعرفت القيادة التربوية بأنها: كل نشاط اجتماعي هادف يدرك فيه القائد أنه عضو في جماعة يرى مصالحها ويهتم بأمورها ويقدر أفرادها، ويسعى لتحقيق مصالحها عن طريق التفكير والتعاون في رسمها الخطط، وتوزيع المسؤوليات حسب الكفايات الاستعدادات البشرية والإمكانيات المادية المتاحة.

وعرفها آخرون بأنها: العمل المشترك الذي تقوم به الجماعة بغية الوصول إلى الأهداف المحدودة للمؤسسة، في جو تسوده المودة والإخاء والتألف.

وعرفت أيضًا بأنها: وظيفة تتطلب سلوكيات إنسانية تساعد المؤسسة على تحقيق أغراضها وتوجيه بعضها نحو الإنتاجية، أو إجراء الأعمال المكلفة بها وبعضها الآخر نحو العلاقات الشخصية المتداخلة ضمن ظروفها ومناخها الاجتماعي.

ويمكن اعطاء تعريف شامل للقيادة التربوية بأنها: ذلك العمل السلوكي بين الأفراد أو الجماعات الذي يدعو إلى تحرك الفرد أو الجماعة نحو الأهداف التربوية التي يشتركون في قبولها، حيث إن القيادة التربوية لا تعتمد على السلطة وما منحتها من مسؤوليات، وإنما تعتمد على قدرتها في جعل سلطة الجماعة هي المحرك الأساس للجماعة والضابط لسلوكها (1).

وحيث إن جوهر العمل الإداري للقائد التربوي ينصبّ على وظائف التخطيط، ومراقبة التنفيذ، وإدخال التحسينات المتنوعة على طريق الأداء، وكل هذا يتطلب مهاراتٍ إداريةٍ عاليةٍ لدى قادة العمل التربوي؛ لخلق بيئةٍ صالحةٍ تمكّنهم من مواجهة التحديات والتغييرات السريعة التي تجري حولهم، وتستدعي الاهتمام والعناية بنمو مصادرهم البشرية، واتخاذ خطوات مناسبة لتطوير فاعلية العاملين، وتكيُّفهم مع المتطلبات المتجددة.

ولا تستحق شخصية من الشخصيات أن تسمى قائدة إلا إذا حصلت مؤهلين اثنين: الأول الدوافع القوية لاتخاذ القرار الجريء تجاه الباطل ونصرة الحق، والثاني الأخلاق القيادية التي تضبط السير في طريق القيادة حتى تبلغ غاياتها المنشودة.

والحق الذي لا يماري فيه منصف أن التاريخ لم ولن يعرف منهجًا يستطيع أن يؤهل الشخصيات ويصقلها ويربيها ويهيئها للقيادة على أكمل وجه، كما يفعل المنهج الإسلامي.

وتعود هذه الحقيقة إلى أن منهج الإسلام في تكوين الشخصية التي تقود العالم هو منهج من عند الله سبحانه وتعالى الذي يعلم طاقات الإنسان ويستطيع أن يستثيرها ويوجهها وينميها نحو تحقيق أكرم الأهداف.

فأما المؤهل الأول للقيادة –وهو الدافع القيادي لاتخاذ القرار ضد الباطل– فقد تكفلت به في الإسلام عقيدة إيمانية تحب الخير وتبغض الشر وتتقرب إلى الله بالشفافية الكاملة والمراقبة المخلصة تجاه فعل الخير وحبه ومضادة الشر وكراهيته؛ بل إنها تدفعه دفعًا لنيل الثواب بالمسارعة إلى إبطال الباطل وإحقاق الحقوق ولو كان ذلك على نفسه أو أقرب المقربين إليه {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135].

وأما المؤهل الثاني –وهو أخلاق القيادة– فقد تكفلت به تربية ربانية إيمانية للشخصية المسلمة وضع مقوماتها القرآن وبين فروعها وتطبيقها النبي صلى الله عليه وسلم وتبعها صحبه الكرام وتابعوهم.

والعلاقة وطيدة بين المهمَّة ونوعية المؤهِّلات التي تقتضيها، ولذلك فقد يصلح شخص مَّا للقيام بمهمَّة معينة، ولا يصلح لمهمَّة أخرى؛ وقد ينجح في مهمة تربوية تعليمية، ولا ينجح في مهمة إدارية (2).

الخصائص العامة للقائد التربوي:

1- يتمتع بذكاء اجتماعي وقدرة على التفاعل الاجتماعي مع الطلاب داخل الفصل وخارجه.

2- يحرص على بناء الجماعة وتماسكها والمحافظة عليها من خلال كفاءته في إدارة الصراع والتفاوض، وحل المشكلات واتخاذ القرار.

3- قادر على تزويد الطلاب بالمعلومات والمعارف الجديدة.

4- يمارس مبدأ الشورى ويتبادل الآراء مع طلابه.

5- يتصف بالطموح، المثابرة، الإبداع والابتكار، التخطيط والتنظيم في عمله، القدرة على حل الصراع الشخصي.

6- يمارس التوجيه والإرشاد بكفاءة.

7- يتمتع بذكاء انفعالي بحيث يكون لديه القدرة على معرفة مشاعر وانفعالات المحيطين به وإدارة انفعالاته (3).

ومن النصوص القرآنية التي نؤصل بها للعلاقة بين المهمة والمؤهلات، آيات من سورة البقرة، نقلت لنا النقاش الذي دار بين ملأ من بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام ونبيٍّ بعثه الله إليهم؛ حيث طلبوا منه أن يجعل عليهم مَلِكًا، يقودهم في قتالهم ضد أعدائهم، فأخبرهم أن الله عز وجل اختار لهم طالوت ملكًا، فتعجبوا من تعيينه ملكًا عليهم، رغم أنه لا يملك المؤهلات لهذا المنصب الخطير في نظرهم، والتي تتمثل -أساسًا- في أن يكون من أكثرهم ثروة ومالًا، فأخبرهم نبيُّهم أن المهمة المنوطة به تقتضي مؤهلات ذات صلة بها؛ فالقائد العسكري يُشتَرط فيه أن تكون له دراية بفنون القتال، وقدرات بدنية كبيرة، واتِّصاف ببعض الصفات اللازمة لهذه المهمة، ولا علاقة للنجاح في هذه المهمة بكونه غنيًا أو فقيرًا .

وقد سجل القرآن الكريم لنا هذا النقاش بين بني إسرائيل ونبيِّهم في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)} [البقرة: 246- 247].

وإلى هذه العلاقة بين المهمة، وما تقتضيه من مواصفات ومؤهلات، أشار يوسف عليه السلام حين طلب من الملك أن يولِّيه خزائن الأرض، فركَّز على صفتين أساسيتين لا بد منهما للنجاح في القيام بهذه المهمة، وهما: الأمانة والعلم، ذكرهما القرآن على لسانه عليه السلام في قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].

وكلُّ وظيفة من هذه الوظائف تحتاج إلى نوع خاص من الكفاءات، أو المؤهلات أو الصفات، يَبْعُد أن تتوفر في شخص واحد مهما كانت قدراته ومهاراته باستثناء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ بل إنَّ من الأنبياء عليهم السلام من كان يرى عدم امتلاكه بعض المؤهلات التي تقتضيها وظيفة من وظائف دعوته، فسأل الله أن يعينه بمن يملك مؤهلات قوية ذات صلة بتلك الوظيفة؛ فهذا موسى عليه السلام يسأل ربه أن يشدَّ أزره بأخيه هارون عليه السلام لما يمتلكه من قدرة عالية على البيان يرى عليه السلام أنه لا يمتلكها، كما يدل على ذلك قوله تعالى على لسانه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [القصص: 34].

قد يقول القائل: ألم يكن هارون عليه السلام أوْلى من موسى عليه السلام بالرسالة باعتبار فصاحته وبيانه؟

والجواب: أن الوظيفة الأساسية التي اصطُفي موسى عليه السلام للقيام بها، والمتمثِّلة في إنقاذ بني إسرائيل وقيادتهم، كانت تقتضي مواصفات تتجاوز حدود القدرة على البيان، ويمكن أن نفهم ذلك بالتأمُّل في عدم استطاعة هارون عليه السلام التحكُّم في بني إسرائيل عند ذهاب موسى إلى لقاء ربه، وتمكُّن السامري من إضلالهم (4).

عقيدة الإيمان بالله وأثرها في تكوين شخصية القائد:

إن التحرر من العبودية لغير الله عز وجل لهو الخطوة الأولى والدفعة الأقوى في سبيل التغلب على قياد النفس وهواها، ومن ثم الانطلاق نحو الحياة في مصاف الصادقين أصحاب التضحيات العظام، فلا خضوع حينئذ لبريق شهوة ولا خنوع لسطوة قوة أرضية مهما غشمت، فالحياة حينئذ تكون لله وحده، والنفس تكون عبدة مخلصة لباريها ترى سعادتها في إنفاذ أمره، وتستشعر خلودها في الفناء في سبيل مرضاته، أما الذين يسترقون أنفسهم بدراهم فأولئك هم العبيد المسترقون لعدوهم المستذلون لأنفسهم، عليهم شعار الخيبة ودثار المهانة.

ففي إحدى المعارك مع الروم قال بعض المسلمون: إنه قد حضركم جمع عظيم من الروم ونصارى العرب، فإن رأيتم أن تتأخروا، ويكتب إلى أبي بكر، فيمدكم، فقال هشام ابن العاص رضى الله عنه: إن كنتم تعلمون أنما النصر من عند العزيز الحكيم، فقاتلوا القوم، وإن كنتم تنتظرون نصرًا من عند أبي بكر، ركبت راحلتي ألحق به، فقالوا: ما ترك لكم هشام بن العاص مقالًا، فقاتلوا قتالًا شديدًا، وهزم الله الروم، فمر رجل بهشام وهو قتيل فقال له: رحمك الله هذا الذي كنت تبغي (5).

وفي يوم مؤته كان المسلمون ثلاثة آلاف رجل، ولما وصلوا إلى معان (بلدة في جنوب الأردن) بلغهم أن هرقل نزل في مئة ألف جندي من الروم، وانضم إليه من نصارى العرب مئة ألف آخرون، فقال بعض المسلمين: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فإما أن يأمرنا بأمره، فنمضي له، فقام عبد الله بن رواحه رضي الله عنه وخطب الناس فقال: يا قوم: والله إن كان التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، إنها الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، إنها إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحه (6).

أثر التربية الإسلامية في تكوين شخصية القائد:

1- استواء الشخصية وطهارة الباطن:

المنهج الإسلامي التربوي حريص دائمًا على بلورة شخصية القائد بشكل يتم فيه استواء شخصيته مع زيادة إيمانه، فلا يفرق المنهج الإسلامي التربوي بين زيادة الإيمان وحسن السلوك وطهارة الباطن، بل رفع النبي صلى الله عليه وسلم منزلة الخلق الحسن، فقال كما روي في الصحيح: «إن أقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» (7)، لذلك لا تكتمل شخصية القائد على المستوى التربوي في النهج الإسلامي حتى يكتمل شخصيته من شتى الجوانب وتهذب أخلاقه وتتضح مبادئه وتعلو قيمه.

فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائدة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ومن معه من الأجناد: أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوّكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا.

واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله؛ ولا تقولوا إن عدوّنا شر منا فلن يسلّط علينا وإن أسأنا؛ فربّ قوم سلّط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفّار المجوس {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء: 5]، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم (8).

2- وضوح الهدف:

إن المنهج التربوي الإسلامي ليؤكد دائمًا على وضوح الهدف من سلوك العطاء مهما كان عظيمًا أو قليلًا، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (9).

ولقد تخرج على هذه التربية نماذج من القادة لم تعرف البشرية لهم مثيلًا سواء على مستوى وضوح الهدف وجلاء المرتجى، فإنك تجد نماذج ربانية لا تبالي بحياة وارفة ولا نعيم زائل؛ بل ترفرف نحو الجنان غير عابئة بقلة زاد الدنيا مهما ندر.

فقد دعا عبد الله بن جحش ربه، فقال: للهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غدًا فيقتلوني، ثم يبقروا بطني، ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني بما ذاك؟ فأقول: فيك (10).

ويوم الأحزاب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته يحفرون الخندق، وقد شدوا على بطونهم الحجارة من الجوع، وفوق الجوع والعطش كانوا رضوان الله عليهم يتحملون ويصبرون على قلة ذات اليد، وقلة الثياب والأمراض والجراح في سبيل الله.

3- العطاء:

هو دليل أكيد على حسن تربية المؤمن تبعًا لهذا المنهج التربوي الصالح، والقائد الذي لا يتصف بالعطاء هو القائد ذي المنافع الشخصية الذي يزدريه الناس وينفر منه القريب والبعيد، وقد أكد المنهج الرباني على معنى العطاء تأكيدًا كبيرًا، فقال الله سبحانه: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111].

وقال عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} [الصف: 10- 11].

وقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها لما سئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدًا؟ فقالت: حين حطمه الناس (11)، تقصد أتعبوه وأرهقوه، وبذل معهم الجهد والمشقة في تبليغهم الخير وحل أزماتهم، وتعليمهم الإيمان والهدى، غير عابئ ببذل أو عطاء مهما كبر وعظم.

لذا تعلم منه أصحابه رضي الله عنهم فجاءه أبو بكر بماله كله ينفقه لله، ولما سأله ماذا أبقيت لأهلك قال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بشطر ماله، وجهز عثمان جيشًا بأكمله، وتصدق طلحة بخير ما يحب من بساتينه، وترك صهيب تجارته وماله وهاجر فقيرًا بلا درهم ولا دينار، ومات مصعب ولم يجدوا له شيئًا يكفنونه به، فأي عطاء منحه هؤلاء وأي بذل نثروه؟ (12).

العوامل المؤثرة في القيادة التربوية:

لقد تأثرت القيادة التربوية بعوامل عديدة مما جعلها تمر بأطوار متعددة، ويمكن إجمالها على النحو التالي:

المفاهيم التربوية والسيكولوجية: حيث فرضت تلك المفاهيم نفسها على القيادة التربوية نتيجة مراعاتها احتياجات الأفراد ورغباتهم ومشاعرهم، وإبرازها أهمية العمل الجماعي.

الحركة العلمية: حيث نقل الحركة العلمية القيادة التربوية من عملية محدودة تقوم على الخبرات الشخصية إلى عملية علمية تقوم على الخبرات في حل المشكلات المعتمدة على التفكير والاستقراء والتحليل والتشخيص والتقويم.

العلاقات الإنسانية: حيث أصبح مجال العلاقات الإنسانية من التكوينات الأساسية للمعرفة الإدارية، وكان من الضروري أن تهتم بفهم وتحسين العوامل الإنسانية والعلاقات التي تحكم التنظيم التربوي.

أهم الظواهر التي أدت إلى تطور القيادة التربوية:

ويمكن إجمال أهم الظواهر التي أدت إلى تطور القيادة التربوية بما يلي:

- اعتبار الإدارة سلوك وأداء وتفاعل جماعي وعلاقات إنسانية.

- إضفاء الصيغة العملية على الإدارة بعامه واهتمام الباحثين بالبحوث والدراسات العملية المتصلة بالقيادة بخاصة.

- استخدام النظريات والنماذج الحديثة.

- تأثر الإدارة والقيادة التربوية بعدد من الظواهر والقوى الجديدة مثل التكنولوجيا والعوامل السكانية والضغوط الاجتماعية والتغير والصراع الإداري.

القيادة سلوك مكتسب عن طريق التعلم والممارسة الملائمة:

يجمع القائد بين أكثر من نمط ولكن مع هذا يغلب عليه نمط معين يصنف على أساسه وهذا يعني أن أنماط القيادة قد تتداخل إذ ليس هناك حدود فاصلة بينهما.

تتطلب القيادة من القائد أن يكون متزنًا معتدًا بنفسه، مهتمًا بمظهره، متحليًا بالقيم الفاضلة والأخلاق الكريمة، لينًا غير معنف.

أن القائد المؤهل والمدرب هو أكفأ من غيره في توجيه الجماعة التي يقودها توجيهها تعاونيًا لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع.

أن القيادة في المجال التعليمي هي أقدر القيادات التي تحقق أهداف المؤسسة لقربها من نفوس العاملين في هذه المؤسسة وارتباطهم بهم (13).

-----------

(1) تعريف القيادة التربوية، خصائصها وأنماطها/ موقع تدوينة.

(2) معلم في طريق تكوين شخصية القائد/ المسلم.

(3) بحث عن القيادة التربوية/ مستقبلي.

(4) العلاقة بين مهمَّة الداعية وصفاته/ عيون نت.

(5) الجهاد لابن المبارك (ص: 94).

(6) انظر: سيرة ابن هشام (2/ 375).

(7) أخرجه الترمذي (2018).

(8) العقد الفريد (1/ 117).

(9) أخرجه البخاري (123).

(10) أخرجه الحاكم (4902).

(11) أخرجه أبو داود (956).

(12) معالم في طريق تكوين شخصية القائد/ المسلم.

(13) تعريف القيادة التربوية، خصائصها وأنماطها/ موقع تدوينة.