هل وسائل الدعوة توقيفية؟
تمهيد:
الدعوة إلى الله تعالى عبادة عظيمة، حث عليها وجعل أهلها أحسن الناس قولاً، وأفضلهم عملاً، فقال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
ولا عجب أن يرقي الداعي إلى هذه المنزلة، فهو أحد ورثة الأنبياء في وظائفهم، فإن وظيفتهم الدعوة إلى الله تعالى، كما قال الله تعالى لخاتمهم وإمامهم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
ولكن ما هي وسائل الدعوة؟ وهل لكل مسلم أن يدعو بالكيفية التي يراها؟ أم هو ملزم باتباع ما ورد من نص في القرآن أو السنة في كيفية الدعوة إلى الله؟
اختلاف العلماء في وسائل الدعوة: هل هي توقيفية أو اجتهادية:
إذا أردنا أن نحرر محل النزاع بين العلماء في تلك القضية، فإننا نقول: تنقسم الوسائل الدعوية إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما جاء في الشرع ما يدل على إباحته، وهذا مشروع بلا خلاف.
القسم الثاني: ما ورد في الشرع ما يدل على حرمته، وهذا ممنوع بلا خلاف.
القسم الثالث: وهو الذي لم يرد في الشرع نص على قبوله أو منعه، وهذا الذي اختلف أهل العلم في قبوله أو رده.
فالذين قالوا بأن الوسائل توقيفية ردوه مطلقًا، والذين قالوا بأنها اجتهادية قبلوه بشروط.
تصوير المسألة، وذكر أمثلة على اختلاف العلماء في تلك القضية:
فمثلا: بعض الفلكيين يثبتون هلال رمضان بالحسابات الفلكية بينما رسولنا صلى الله عليه وسلم، قد ألغى هذه الوسيلة، ونص في هذا المقام على أننا أمة أمية لا تعتمد الحساب في هذا الباب.
فيكون هذا المثال من القسم الثاني، الذي لا يجوز اعتماده كوسيلة وطريق للتعريف بالحكم الشرعي.
ومثال آخر، الإنشاد والتمثيل الهادفان إذا خلا كل منهما من المحاذير الشرعية، كالكذب والتشبه بالنساء، واستعمال الآلات الموسيقية، والاشتمال على المناظر المحرمة، والدعوة إلى الانحرافات الخلقية، فهل يكون مباحا باعتبار أنه الأصل، أو أنه قد جاء في الشرع ما يدل على إباحته، وكذلك باعتبار أن الوسائل الدعوية ليست توقيفية؟
أو لا يجوز استحداث مثل ذلك؛ لأنها توقيفية؟
والكلام ذاته في إقامة الأنشطة المتنوعة الثقافية أو الرياضية أو المسرحية كوسائل لجذب الشباب ودعوتهم.
وهذا هو القسم الثالث من التقسيم المذكور.
وأما القسم الأول فواضح، ولا نزاع فيه، كما هو الحال في القسم الثاني.
ويمكننا صياغة ما سبق بأسلوب آخر، فنقول: هل كل طريق وأسلوبٍ يوصل إلى الغاية المقصودة التي هي إصلاح العباد- يصحّ للداعية والواعظ أن يسلكه، ولو ورد الشرع بالنهي عنه والمنع منه، ما دام يحقق تلك المصلحة؟
لاشك أن هذا قول باطل، لأن فيه مُخَالَفة لنصوص الشرع بالمصلحة، وفتح هذا الباب يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع ونصوصها. وهذا هو ما يعرف باعتبار المصلحة التي شهد الشرع بإلغائها.
ومن أمثلة ذلك: تجويز الرقص، والغناء، والإضرار بالمسلم، والافتراء عليه، وحلق اللحى، وإسبال الثياب.. في سبيل الدعوة إلى الله تعال.
وهذا لم يقل به أحد ممن يعتد به من أهل العلم، وهو خارج محل النزاع.
وإنما يتصور النزاع، بل هو الحاصل، في مسألة، هي باقي الطرح والتساؤل، وهي: هل كل طريق وأسلوب يوصل إلى الغاية- وهي إصلاح العباد- يصح للداعية والواعظ أن يسلكه، بشرط عدم ورود إلغائه في الشرع؟ وهو ما يعرف بالمصالح التي سكتت عنها الشواهد الخاصة، فلم تشهد باعتبارها ولا بإلغائها؟
هذا هو محل بحثنا، إن شاء الله، في الصفحات التالية.
تعريف وسائل الدعوة:
الوسيلة: ما يُتقربُ به إلى الغير، فهي في الأصل ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، والجمع الوُسُل والوسائل([1]).
فمعناها يدور حول التوصل لتحقيق شيء ما.
والدعوة: من دعا يدعو، وتداعى القوم: دعا بعضهم بعضًا حتى يجتمعوا، ومعنى الكلمة يدور على الطلب.
والدعوة إلى الله: هي طلب تغيير الواقع الحياتي للناس، بالقول والفعل، ليكون موافقًا للشريعة في جميع نواحي الحياة([2]).
ووسائل الدعوة: هي ما يتوصل به الداعية إلى تطبيق مناهج الدعوة في أمور معنوية أو مادية([3]). أو هي ما يستعمله الداعية من الوسائل الشرعية الحسية أو المعنوية، ينقل بها دعوته إلى المدعوين([4]).
آراء العلماء في المسألة: ( هل وسائل الدعوة اجتهادية أو توقيفية؟):
الرأي الأول: وسائل الدعوة اجتهادية وليست توقيفية:
يرى أصحاب هذا الاتجاه أنه لا حرج في تغير الوسائل بتغير الزمان، ولكن بشرط: أن لا تتخذ تلك الوسيلة أو الطريقة عبادة في ذاتها، وألا تكون الوسيلة محرمة؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة.
فللداعي أن ينتقي ويختار ما يراه مناسبًا من الوسائل، التي تساعده لتوصيل دعوته إلى المدعوين، ولو لم تكن وسيلة من وسائل الدعوة التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في تبليغ الدعوة.
من القائلين به: الشيخ ابن باز([5])، الشيخ ابن عثيمين([6])، والدكتور أبو عبد المعز فركوس([7])، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية([8])، والشيخ عبد الله بن جبرين([9])، والشيخ ناصر بن سليمان العمر([10])...
وهو أيضا ما اختاره علماء الموسوعة الفقهية الكويتية؛ إذ جاء فيها:
"وكل وسيلة تساعد على أهداف الدعوة يمكن اتخاذها لذلك ما لم تكن محرمة"[11].
الرأي الثاني: وسائل الدعوة توقيفية:
يرى أصحاب هذا الاتجاه أنه لا يحل لأحد التغيير في وسائل الدعوة، فيجب أن تستخدم في الدعوة نفس الوسائل التي استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
والوسائل الشرعية كافية في نشر الدعوة على أتم صورة وأكملها، في كل زمان ومكان.
من القائلين به: الشيخ ربيع بن هادي المدخلي([12])، والشيخ مقبل بن هادي الوادعي([13])، والشيخ عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم([14])، والشيخ يحيي بن علي الحجوري([15])...
أدلة أصحاب القول الأول:
يستدل القائلون بأن وسائل الدعوة اجتهادية بعدة أدلة:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67].
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية»([16]).
وعن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع»([17]).
وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «فوالله، لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»([18]).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا...»([19]).
وجه الاستدلال:
حيث أمر الله عز وجل رسوله بالبلاغ، ولم يحدد له كيفيته؛ بل تركها لاجتهاده، وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالتبليغ ولم يقيدهم بوسائل معينه؛ بل تركها لاجتهادهم.
كما رتب صلى الله عليه وسلم الأجر على الهداية والدعوة والدلالة، ولم يشترط أن تكون تلك الهداية والدعوة والدلالة بوسائل محددة وألا تكون بسواها؛ بل كل من دعا إلى الله تعالى فجعله الله سببًا في هداية رجل ودلالته، فله أجره، بغض النظر عن أي وسيلة اتبع في دعوته ما دامت تلك الوسيلة مباحة.
وقد ذكر ابن تيمية قاعدة صادقة تقول: (الأمر بالشيء أمر بلوازمه)، (وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)([20]).
وبما أن الأمر بالدعوة لا يتم إلا بتحصيل وسائلها، فإن الأخذ بها مأمور به أيضًا.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
وجه الاستدلال:
حيث وضع الله عز وجل ضوابط عامة للدعوة، وشروطًا في الوسائل، ولم يعين تلك الوسائل؛ بل كل وسيلة تتوافر فيها الحكمة وحسن الموعظة والجدال فهي جائزة.
نوقش:
بأن ما ذكره الله من الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى هي من أساليب الدعوة، وليس من وسائلها، وهناك فرق بين الأساليب والوسائل.
فالوسائل الدعوية: هي ما يستعمله الداعية من الوسائل الشرعية، الحسية أو المعنوية، ينقل بها دعوته إلى المدعوين، أما الأساليب الدعوية: فهي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ، وإزالة العوائق عنه. فالوسائل تكون حسية، والأساليب معنوية.
الدليل الثالث:
عن رجال من بني سلمة أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرت بالرأي»، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضًا على القليب الذي نزل عليه، فملئ ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية([21]).
وعند الواقدي: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أشيروا علي في المنزل»، فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل...([22]).
وجه الاستدلال:
حيث أجاب النبي صلى الله عليه وسلم على الحباب لما سأله عن كون نزول الجيش في ذلك المكان بوحي من السماء، فيكون توقيفيًا، أم أنه اجتهاد، فأجابه بالثانية، فدل ذلك على أن وسائل الدعوة ليست توقيفية.
نوقش:
أولًا: أن القصة هذه لم تثبت بإسناد صحيح: فقد قال فيه ابن إسحاق: «فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب...»، وهذا إسناد مرسل مجهول فهو ضعيف، وقد وصله بعضهم، وفيه من لا يعرف، وآخر كذاب...، وقال الذهبي فيه: «حديث منكر»([23]).
ثانيًا: ليس في القصة ما يتمسك به؛ فإن العاقل يعلم بالضرورة أن نزول القائد في مكان دون آخر، من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، ليس أمرًا توقيفيًا([24]).
الدليل الرابع:
هناك وسائل دعوية مستحدثة؛ مثل: الأشرطة، ومكبرات الصوت، والتليفزيون، واللقاءات الصحفية... وغيرها، وأنتم، يا من تقولون وسائل الدعوة توقيفية، تستعملونها؟!! ويستخدمها الدعاة جميعًا من غير نكير، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخدمها، ولا كانت على عهده صلى الله عليه وسلم.
نوقش:
هذه الوسائل لها أصول؛ فقد كان بلال رضي الله عنه يصعد على مكان عال من أجل أن يبلغ الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجرير: «استنصت الناس»([25]).
وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عدي»، لبطون قريش، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟» قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»، فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:1-2]([26]).
وذلك أن كلمة (وسائل الدعوة) تطلق بإطلاقين :
الإطلاق الأول: وسائل الدعوة بمعنى الأدوات الناقلة لها؛ كالرائي، والمذياع، ومكبر الصوت، ومسجل الصوت، والكمبيوتر، والقمر الصناعي، وغيرها.
الإطلاق الثاني: وسائل الدعوة بمعنى الصورة التي تبرز فيها معاني الدعوة؛ كالأناشيد والتمثيليات، والجماعات، والبرلمانات، والدروس، والمحاضرات، والندوات، ونحوها.
ووسائل الدعوة بالإطلاق الأول ليست هي محل البحث هنا؛ إذ لا يوجد مانع شرعي من الاستفادة من الوسائل بهذا المعنى؛ ولذلك لم تكن وسائل الدعوة بهذا الإطلاق محل خلاف أصلًا!
إذًا محل البحث هو وسائل الدعوة بمعنى الصورة التي تبرز فيها معاني الدعوة، ويعتقد أنها من الدعوة، ويتقصد فيها الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى، فهذا هو محل النزاع([27]).
وصعود النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا من قِبَل الإطلاق الأول لوسائل الدعوة؛ بمعنى الأدوات الناقلة لها.
الدليل الخامس:
عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا وينمي خيرًا»، قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها([28]).
وجه الاستدلال:
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح وسيلة ملغاة، لأنها حرام، من أجل تحقيق غايات سامية، وهي: إخفاء أسرار الدولة الإسلامية عن أعدائها في الحرب، والإصلاح بين الناس، وإرضاء الزوج زوجته، والزوجة زوجها، فمن باب أولى أن يباح الأخذ بالوسائل الدعوية المستحدثة، التي هي في الأصل من المباحات لا من المحرمات.
وهذا "الترخيص في استعمال بعض الوسائل الممنوعة في بعض الأحوال على نوعين أساسيين هما:
أ- الترخيص ببعض الوسائل الخاصة في بعض الأحوال تغليبًا، والموازنة بين المفاسد إذا اجتمعت، وتقديم أخف المفاسد، وتحقيق المصالح العظمى، ومنه الحديث الذي ذكرنا.
ب- الترخيص بفعل بعض المحظورات بسبب الضرورات الملجئة أو الحاجات الملحة بناءً على قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات"، "الضرورات تقدر بقدرها".
نوقش:
أنتم هكذا تبررون وتسوغون مبدأ غربيًا فاسدًا وهو: (الغاية تبرر الوسيلة)! وهو مبدأ لا تقره شريعة الإسلام.
أجيب: الفرق بين هذا الأمر وقاعدة: (الغاية تبرر الوسيلة) من عدة وجوه:
1- أن المُحرِّم والمبيح هو الشارع توسعة على عباده.
2- أن الغاية التي أبيحت من أجلها بعض الوسائل الممنوعة محمودة دائمًا في نظر الشارع، وليس مجرد مصلحة يراها المرء محمودة كانت أو مذمومة.
3- أن الإباحة في حالة الضرورة بقدرها، وليست مطلقة كما هي عند غير المسلمين"([29]).
الدليل السادس:
عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وكان ممن يكتب الوحي، قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر.
قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟! فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر.
فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف، والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة:128] إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر...([30]).
وجه الاستدلال:
حيث أجمع الصحابة على وجوب المصير إلى وسيلة جمع القرآن الكريم في مصحف واحد؛ لحفظ كلام الله سبحانه وتعالى، بعد أن ترددوا في أول الأمر لعدم ورود دليل خاص يؤيد هذا الفعل، كما أنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم اعتبروا قوة هذه الوسيلة لحفظ القرآن الكريم، المتمثلة في جمعه في مصحف واحد، لما في ذلك من مصلحة راجحة([31]).
نوقش:
بل ورد الأمر من الله بجمعه؛ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:17].
أجيب:
ليس المراد من الآية ما ادعيتم من جمع القرآن من الصدور في مصحف واحد، وإنما المراد جمعه في صدر نبيه، ثم يقرؤه على الناس من غير أن ينسى منه شيئًا، كما ثبت ذلك عن عبد الله بن عباس، وحكاه غير واحد من المفسرين([32]).
الدليل السابع:
من القواعد المقررة قاعدة: (الوسائل لها أحكام المقاصد)، وعليه فكل وسيلة مباحة، توافرت فيها الشروط المعتبرة، توصل إلى الغاية المنشودة من الدعوة، وهي تبليغ الناس والوصول إلى قلوبهم...، فحكم تلك الوسيلة هو حكم الدعوة نفسها؛ لأن: (الوسائل لها أحكام المقاصد).
نوقش:
أولًا: ما ذكرتموه ليس هو المعنى المراد من هذه القاعدة؛ بل المراد: أن الوسائل بالنسبة للمقاصد الحسنة، لا بد أن تكون مشروعة، واجبة أو مندوبة أو مباحة، وقد تكون الوسيلة مكروهة، أما أنها تكون محرمة فلا؛ لأن الغاية عندنا لا تبرر الوسيلة.
ثانيًا: هذه القاعدة ليست على إطلاقها؛ فقد تكون الوسيلة محرمة أو مكروهة، وما جعلت وسيلة إليه ليس كذلك.
يقول العلامة ابن القيم عندما قرر أن حركة اللسان بالكلام لا تكون متساوية الطرفين، بل إما راجحة وإما مرجوحة: «فإن قيل: فإذا كان الفعل متساوي الطرفين، كانت حركة اللسان التي هي الوسيلة إليه كذلك؛ إذ الوسائل تابعة للمقصود في الحكم.
قيل: لا يلزم ذلك، فقد يكون الشيء مباحًا؛ بل واجبًا، ووسيلته مكروهة؛ كالوفاء بالطاعة المنذورة هو واجب، مع أن وسيلته، وهو النذر، مكروه منهي عنه.
وكذلك الحلف المكروه مرجوح، مع وجوب الوفاء به أو الكفارة، وكذلك سؤال الخلق عند الحاجة مكروه، ويباح له الانتفاع بما أخرجته له المسألة، وهذا كثير جدًا، فقد تكون الوسيلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم لأجلها، وما جعلت وسيلة إليه ليس بحرام ولا مكروه»([33]).
أجيب:
أولًا: بل ما أوردناه هو المعنى الصحيح للقاعدة، وهو المعنى الذي ذكره العلماء في كتبهم، واستدلوا له بقول الله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9].
وقالوا: «الوسيلة لها حكم مقصدها، فإذا كان المقصد مأمورًا بها كانت الوسيلة مأمورًا بها، وإذا كان المقصد منهيًا عنه كانت الوسيلة منهيًا عنها، فذهابك إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة الواجبة عليك واجب؛ لأن صلاة الجماعة واجبة.
وشراؤك الطيب لتتطيب به يوم الجمعة مستحب؛ لأن التطيب يوم الجمعة مستحب.
وتحصيلك الماء لتغتسل به من الجنابة واجب مع القدرة؛ لأن الغسل من الجنابة واجب.
وتحصيلك الماء للغسل يوم الجمعة مستحب؛ لأن الغسل يوم الجمعة مستحب إلا مع وجود رائحة كريهة تؤذي.
وشراؤك السلاح لتقتل به مسلمًا محرم؛ لأن قتل المسلم حرام»([34]).
وكما يؤجر المرء على العمل الصالح فقد يؤجر كذلك على الوسيلة التي اتخذها إليه، دليل ذلك حديث أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلًا أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له: أو قلت له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جمع الله لك ذلك كله»([35]).
ثانيًا: قد اشترطنا في الوسائل الدعوية شروطًا عدة، أولها: أن تكون مباحة لا محرمة.
الدليل الثامن:
حاجة الدعوة: فنحن في عالم مفتوح؛ تكاثرت في المغريات، والملهيات، والمستجدات، ووسائل جذب الانتباه، وتعددت وتنوعت وتشعبت؛ بل وتعقدت وسائل الإقناع بشتى المذاهب والأفكار والنحل، حتى لقد سقط كثيرون، من غير المسلمين أو ممن لا علم لديهم من المسلمين، فريسة للحيرة والضياع الذهني؛ لا يعرفون أي المناهج يتبعون، ولذلك تراهم يتبعون من الأفكار والمذاهب... ما حسنت دعايته وكثرت طرق عرضه.
في عالم هذا حاله لا نقول نجاريه في إسفافه؛ بل نقول: نتخذ من الوسائل المباحة، المشروطة بشروط فصلناها، أدوات لإبراز عظمة ديننا، وأفضليته على جميع تلك المذاهب والنحل.
وإلا ضعفت الدعوة وانزوت وتقوقعت على نفسها، ووقع بعض تابعيها في تلك الحيرة والتخبط التي أشرنا إليها؛ نتيجة براعة أهل الباطل في عرض باطلهم، وتزويقه بشتى الوسائل، مباحة كانت أو محرمة، وتقصير أهل الحق في استخدام حتى الوسائل المباحة!!
وما أشبه من يرفض الأخذ بالوسائل الدعوية المستجدة (المباحة)، بمن دخل معركة مع عدو، وهذا العدو يحشد له الدبابات والقاذفات والطائرات والرشاشات...، ثم هو يأبى أن يستخدم في دفاعه عن نفسه إلا السيف والرمح؛ والسبب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخدم غيرهما في الحرب!!
ثانيًا: أدلة أصحاب القول الثاني:
واستدل القائلون بأن وسائل الدعوة توقيفية بأدلة:
الدليل الأول:
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108].
وجه الاستدلال:
حيث خص النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة من الأمة الإسلامية في هذه الآية بوصفين:
الأول: أنهم يدعون إلى الله على بصيرة، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنهم متبعون للنبي صلى الله عليه وسلم، لا مبتدعون ولا مغيرون ولا مبدلون.
واختراع وسائل جديدة لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم ولا على عهد صحابته إخلال بهذا الاتباع.
نوقش:
نعم، يجب أن نتبع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لله، وفي تسخيره كل موهبة أعطيها، وكل مال امتلكه، وكل صديق صادقه، وكل زوجة تزوجها... لخدمة دعوته، ونتبعه أيضًا في استغلاله كل وسيلة أتيحت له، وكل فرصة سنحت له لإيصال دعوته، فها هو صلى الله عليه وسلم يُعِد لعشيرته الأقربين مآدب الطعام داعيًا، ثم يصعد الصفا مبلغًا، ثم يرتحل إلى الطائف منذرًا، ثم يعمد إلى المدينة مهاجرًا...، وما ترك وسيلة مباحة وممكنة إلا واستغلها لخدمة دعوته، وإيصال رسالته، ففي هذا نتبعه صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]، وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89].
وجه الاستدلال:
استحداث وسائل جديدة للدعوة ادعاء أن الدين لم يكتمل، ولازمه تكذيب الله تعالى في قوله: {مَا فَرَّطْنَا}، وقوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}!
نوقش:
معنى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} مرتبط بمعنى بقية الآية قبلها وبعدها؛ فالآية تقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}، فالمعنى إذًا: أن جميع دواب الأرض مكتوبة عند الله تعالى في كتاب لا يغادر شيئًا منها، قال ابن كثير: «الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحدًا من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان بريًا أو بحريًا»([36]).
وقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}: فمعناه: أصول الأشياء، أما التفاصيل ففي السنة، وإلا فمتروكة للاجتهاد.
قال الأوزاعي: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} أي: بالسنة([37]).
وقال مجاهد: تبيانًا للحلال والحرام([38]).
وقال الطبري: «يقول: نزل عليك يا محمد هذا القرآن بيانًا لكل ما بالناس إليه الحاجة؛ من معرفة الحلال والحرام، والثواب والعقاب»([39]).
وعليه: فلا يلزم أن يتضمن القرآن تفاصيل كل شيء، بل حوى المبادئ، والأصول، والضوابط العامة، والخطوط العريضة، ثم ترك غيرها من تفاصيل ومن وسائل إلى تحقيق الأوامر فيه إلى السنة تنينه، وإلى المجتهدين يجتهدون فيه، فهو دليل لنا لا لكم.
الدليل الخامس:
قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
عن عبد الله بن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا، وخط عن يمين الخط وعن شماله خططًا ثم قال: «هذا صراط الله مستقيمًا، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام:153]([40]).
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنِّي لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا»([41]).
وعن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»([42]).
وجه الاستدلال:
حيث ظهر بوضوح أن كل مستحدث ضلال لا شك فيه، وعليه، فاستحداث وسائل جديدة للدعوة ابتداع في الدين؛ يؤدي إلى الضلال لا محالة، بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نوقش:
ينبغي أن نفرق بين نوعين من الوسائل الدعوية: عادية، وعبادية.
فأما العادية: فمجال التوقيف فيها شرعًا أوسع من أن يكون نصًا خاصًا يشملها؛ بل يتعدى إلى ما كان عامًا، أو إلى قاعدة علمية يمكن أن يستند إليها في تقرير شرعية هذه الوسائل، وقد وضعنا شروطًا لهذه الوسائل العادية.
فالوسيلة الداخلة في جنس العادات والمعاملات لا يلزم لثبوتها الأدلة الخاصة، بل تكفي الأدلة والقواعد العامة في إثباتها وتقريرها، ذلك لأن: (الأصل في المعاملات والعادات الإباحة والجواز) حتى يرد الدليل الناقل عنه، فلا يمنع منها شيء إلا ما منعه الشرع وحرمه، لقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:59]، ولقوله تعالى، ممتنًا على عباده: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه، فهو مما عفا عنه»([43]).
وأما العبادية: فإنها تحتاج إلى نص خاص يقضي بمشروعيتها؛ ذلك لأن: (العبادات أصلها التوقيف والمنع حتى يرد الدليل الناقل عنه)؛ فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى وأذن فيه، لقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
الدليل السادس:
قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وجه الاستدلال:
أن من وسائلهم الدعوية المستحدثة ما هو اتباع لغير سبيل المؤمنين؛ فالتمثيل والأناشيد ...، وغيرها اتباع لسبيل غير سبيل المؤمنين، فهو اتباع أعمى للغرب وللشرق، تمامًا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، قلنا يا رسول الله، اليهود، والنصارى؟ قال: «فمن»([44]).
فمثل هذه الوسائل الدعوية لم تنشأ في بلاد المسلمين؛ بل كان منشؤها في بلاد الكفار، ثم نقلها عنهم المخدوعون بالغرب والشرق، بلا مراعاة لحدود الدين: أيقبلها أم يرفضها؟!
نوقش:
أولًا: المقصود باتباع غير سبيل المؤمنين هو: (الكفر والشرك)، قال الإمام الطبري: «{ومن يشاقق الرسول}؛ ومن يباين الرسولَ محمدًا صلى الله عليه وسلم، معاديًا له، فيفارقه على العداوة له.
{من بعد ما تبين له الهدى}؛ يعني: من بعد ما تبين له أنه رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
{ويتبع غير سبيل المؤمنين}؛ يقول: ويتبع طريقًا غير طريق أهل التصديق، ويسلك منهاجًا غير منهاجهم، وذلك هو الكفر بالله؛ لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم.
{نولّه ما تولّى}؛ يقول: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام»([45]).
ويؤيد ذلك الآياتُ بعدها: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء:116-117].
ويؤيده كذلك ما ذكره المفسرون في سبب نزول الآية من أنه في طعمة بن أبيرق وارتداده عن الإسلام([46]).
ثانيًا: ما قولكم في مكبر الصوت (الميكروفون)، والتلفاز، والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، واللقاءات الصحفية...؟ وما رأيكم في كل ما اخترعه الغرب والشرق من غير المسلمين، واستوردناه نحن منهم وأخذناه عنهم، هل يدخل هذا كله في اتباع غير سبيل المؤمنين، ويتوعد فاعله بنار جهنم؟!
فدعُونا نقرر أنه ليس كل ما جاءنا من غير المسلمين رفضناه؛ بل نأخذ الخير وندع الشر، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها، فلنا صَفْوه وعليهم كَدَره.
ثالثًا: قد ضربتم مثالًا بالتمثيل والأناشيد، ونقول: قد أباحهما طائفة من العلماء بشروط وضوابط، واستدلوا لذلك بالبراهين والحجج القوية.
وعلى فرض عدم إباحتها، فهل تنحصر وسائل الدعوة المستجدة في هاتين الوسيلتين؟! والجواب: بل وسائل الدعوة المستجدة أكثر من أن تحصر، وشرط من ضمن شروطنا فيها: أن تكون مباحة لا محرمة.
الدليل السابع:
عن ابن عباس، أن معاذًا، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم»([47]).
وجه الاستدلال:
فهذا الحديث يدل دلالة واضحة صريحة على أن وسائل الدعوة إلى الله توقيفية، وإلا فإن معاذ بن جبل أجدر بالدعوة من آلاف من دعاة اليوم، ومع ذلك فقد حدد له النبي صلى الله عليه وسلم وسائل الدعوة.
نوقش:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا بما سبق لم يكن بيانًا لوسائل الدعوة، وإنما هو من قبيل التدرج في الدعوة وبيان الأولويات، ولا علاقة له بالوسائل.
الدليل الثامن:
عن أبي ذر، قال: «تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء، إلا وهو يذكرنا منه علمًا»، قال: فقال صلى الله عليه وسلم: «ما بقي شيء يقرب من الجنة، ويباعد من النار، إلا وقد بين لكم»([48]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم»([49]).
وعن سلمان قال: قال لنا المشركون إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى يعلمكم الخراءة! فقال: أجل؛ «إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القبلة، ونهى عن الروث والعظام»([50]).
وجه الاستدلال:
حيث تقرر بوضوح أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأمته وسائل الدعوة، سواء بالقول أو بالفعل أو بهما؛ إذ كيف يبين صلى الله عليه وسلم آداب قضاء الحاجة ونحو ذلك، ويدع وسائل الدعوة التي لا قيام للإسلام إلا بها؟!
وبما أنه عليه الصلاة والسلام قد بين ذلك، فإن بيانه صلى الله عليه وسلم هو الطريقة الشرعية التي يرشد بها الغاوي ويهدي بها التائه.
وهي الطريقة التي أخرج بها النبي صلى الله عليه وسلم الناس من الظلمات إلي النور، وهداهم بها إلي التي هي أقوم، وسلكها من بعده صحابته الكرام وتابعوهم بإحسان، وأشتد نكيرهم على من خالفها من الدعاة وأحدث فيها.
فليس من سبيل في إيجاد مجتمع كمجتمعهم إلا بهذه الوسائل الشرعية والطرق السلفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: «لن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، فالزيادة عليها زيادة في الشرع، وخروج عن سبيل المؤمنين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»([51])([52]).
نوقش:
قد قررنا سابقًا أن الوسائل قسمان: عادات وعبادات، والوسائل التي نستحدثها لإيصال الدعوة هي من قبيل العادات؛ وعليه، فلا نحتاج فيها إلى نص خاص؛ بل يكفي فيها دخولها تحت القواعد العامة، ومن تلك القواعد قاعدة: (الوسائل لها أحكام المقاصد)، وكتطبيق من تطبيقات هذه القاعدة نقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
والملاحظ فيما نقلتم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن الأمور التكليفية من حلال وحرام...، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «يقرب من الجنة، ويباعد من النار».
وإذا تقرر أن وسائل توصيل الدعوة بوسائل ما، هي من قبيل العادات، فعليه نقول: أهل كل زمان أعلم بأنجع الوسائل المناسبة لعصرهم، بشرط أن تتقيد بالضوابط الموضوعة، ودليل ذلك حديث مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون، فقال: «لو لم تفعلوا لصلح»، قال: فخرج شيصًا، فمر بهم فقال: «ما لنخلكم؟»، قالوا: قلت كذا وكذا، قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»([53]).
وفي لفظ له: «إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي، فإنما أنا بشر».
وفي لفظ له أيضًا: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل».
وقد بوَّب الإمام مسلم على هذا الحديث بقوله: (باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا، على سبيل الرأي).
وعند ابن حبان عن أنس بن مالك أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتًا، فقال: «ما هذه الأصوات؟»، قالوا: النخل يأبرونه، فقال: «لو لم يفعلوا لصلح ذلك»، فأمسكوا، فلم يأبروا عامته، فصار شيصًا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «إذا كان شيء من أمر دنياكم فشأنكم، وإذا كان شيء من أمر دينكم فإلي»([54]).
وقد بوَّب ابن حبان على هذا الحديث بقوله: (ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا أمرتكم بشيء» أراد به: من أمور الدين، لا من أمور الدنيا).
الدليل التاسع:
شدة إنكار السلف على من استحدث شيئًا من وسائل الدعوة مع ما فيه من النفع؛ والسبب أنها لم تكن من وسائل الدعوة النبوية.
ومن ذلك([55]):
(أ) حديث القصاص:
ففي (تحذير الخواص) للسيوطي: «فالقاص هو: الذي يتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها، وذلك القصص.
وهذا في الغالب عبارة عمن يروي أخبار الماضين، وهذا لا يذم لنفسه؛ لأن في ايراد أخبار السالفين عبرة لمعتبر، وعظة لمزدجر، واقتداء بصواب لمتبع، وإنما كره بعض السلف القصص لأحد ستة أشياء:
أحدها: أن القوم كانوا على الاقتداء والإتباع، فكانوا إذا رأوا ما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكروه»([56]).
ومن هذا الإنكار ما رواه الطبراني عن عمرو بن زرارة قال: وقف علي عبد الله وأنا أقص في المسجد، فقال: «يا عمرو لقد ابتدعتم بدعة ضلالة، أو إنكم لأهدى من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد»([57]).
وعن الضحاك قال: «رأيت عمر بن عبد العزيز يسجن القصاص ومن يجلس إليهم»([58]).
وعن معاوية بن قرة قال: «كنا إذا رأينا الرجل يقص قلنا: هذا صاحب بدعة»([59]).
(ب) السماع المجرد:
والسماع المجرد هو: تلحين بعض القصائد، والترنم بها بقصد إصلاح القلوب، وهداية الضال، وجذب المعرض عن الذكر إلى الخير والصلاح.
يقول ابن تيمية عن هذا السماع: «فأما سماع القاصدين لصلاح القلوب في الاجتماع على ذلك، إما نشيد مجرد نظير الغبار، وإما بالتصفيق ونحو ذلك، فهو السماع المحدث في الإسلام؛ فإنه أحدث بعد ذهاب القرون الثلاثة الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «خير القرون القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»([60])، وقد كرهه أعيان الأمة، ولم يحضره أكابر المشايخ.
وقال الشافعي رحمه الله: «خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن».
وسئل عنه الإمام أحمد بن حنبل فقال: «هو محدث أكرهه»، قيل له: إنه يرق عليه القلب! فقال: «لا تجلسوا معهم»، قيل له: أيهجرون؟ فقال: «لا يبلغ بهم هذا كله».
فبين أنه بدعة لم يفعلها القرون الفاضلة، لا في الحجاز، ولا في الشام، ولا في اليمن، ولا في مصر، ولا في العراق، ولا خراسان، ولو كان للمسلمين به منفعة في دينهم لفعله السلف، ولم يحضره مثل: إبراهيم بن أدهم، ولا الفضيل بن عياض، ولا معروف الكرخي، ولا السري السقطي، ولا أبو سليمان الداراني...
وبالجملة؛ فعلى المؤمن أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئًا يقرب إلى الجنة إلا وقد حدث به، ولا شيئًا يبعد عن النار إلا وقد حدث به، وأن هذا السماع لو كان مصلحة لشرعه الله ورسوله، فإن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]، وإذا وجد فيه منفعة لقلبه ولم يجد شاهد ذلك لا من الكتاب ولا من السنة لم يلتفت إليه»([61]).
الدليل العاشر:
أن الأخذ بالوسائل الدعوية المستحدثة المبتدعة فتح لباب عظيم من الشر، فقد يبدأ بقصد الخير ثم يتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه؛ بل لقد حدث؛ فهذا "يحلق لحيته من أجل أن يقبل الناس منه، ويزعمون أن الناس إذا رأوه ذو لحية يستوحشونه...، وكذا التدريس في أماكن الاختلاط، ويقولون: هل نترك هؤلاء البنات يدرسهم واحد من العصاة المفسدون للأخلاق والأعراض؟ فأنت أيها الصالح درس البنات واجعل هذا وسيلة للدعوة، ولا تدري إلا وهذا الصالح قد فسد قلبه وحاله.
هذا القول؛ وهو أن وسائل الدعوة اجتهادية، فتح لباب البدع لا يمكن إغلاقه؛ فالصوفي يحرك رأسه ذات اليمين والشمال، ويغمض عينيه عند الذكر قائلًا: وسيلة للنشاط في الذكر والخشوع...
وأصحاب المولد يقولون: هو وسيلة لجمع الغافلين عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهداية الناس..."([62]).
الدليل الحادي عشر:
في الوسائل الشرعية غنية وكفاية عن الوسائل البدعية، فالخطب المشروعة؛ كخطب الجمعة والعيدين، والحِلق العلمية، والإفتاء والاستفتاء، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم...، فيها ما يكفي لتبليغ الدعوة على أكمل وجه، فلا حاجة أصلًا إلى ابتداع وسائل دعوية جديدة.
نوقش:
كلامكم يناقضه الواقع ويجافيه؛ فإنا نرى، وأنتم ترون، من انصراف الناس عن حضور الدروس والمواعظ وكم عانينا من ذلك، وحتى الخطب المفروضة والمسنونة، فنسبة كبيرة من الناس تأتي في آخر خطبة الجمعة لإسقاط الفريضة لا غير، وأما خطبة العيد فلا يحضرونها؛ بل يصلون العيد، من صلى منهم، ثم ينصرفون.
وإن استفتى البعض في أمور دينهم، فإن كثيرين لا يهمهم حكم الشرع في أفعالهم، أو لا يفكرون أن يستفتوا حولها، فلمن نترك هؤلاء؟! هذا مع قصور هذه الوسيلة؛ فالمستفتي، غالبًا، يستفتي عن جزئية صغيرة تخصه كفرد.
وأين هو الجهاد في سبيل الله الذي يفتح الأمصار ويبلغ الدعوة الذي تتحدثون عنه؟! بل إننا نُغزى بالسلاح وبالفكر، ولا نغزوا!!
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة، فإننا لا نقلل من أهميتها، لكننا نقول إنها هي الأخرى تحتاج إلى طرق مبتكرة، ووسائل مستحدثة ليقبلها الناس في عصر تعودوا فيه التمرد على الناصح، والتذمر من الآمر، والتكبر على الناهي.
وإننا نرى وترون شدة جذب البرامج والمسلسلات التليفزيونية، والوسائل الترفيهية، ووسائل التسلية والمتعة، وغيرها لقطاعات عملاقة من البشر، وما زالت تستبد بهم وتجرفهم جرفًا بعيدًا عن هدي الإسلام وأحكامه، حتى صار بينهم وبين الإسلام خنادق وجبالًا وقفارًا وعرة شائكة، حتى صار منهم من يعادي الالتزام بالإسلام والملتزمين به، ويوقر أهل البدع والزيغ...!! حتى لقد صرنا في عصر أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة»، قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه في أمر العامة»([63]).
فإن كنتم تحيون في مجتمع فاضل مثالي لا يوجد فيه شيء مما إليه أشرنا، فقد لا تحتاجون إلى وسائل دعوية جديدة، لكن ما الحال وما من مجتمع إسلامي إلا وقد أصابه شيء مما قلنا أو غيره، وإن اختلفت نسب الإصابة؟!
الراجح:
من خلال استعراضنا لذلك السجال القوي، والكر والفر بين فريقين من العلماء، حتى اتضحت لنا صورة الخلاف وفحواه، وتبينت لنا وجهة نظر كل فريق وأدلته على دعواه، نرانا نميل إلى ترجيح وجهة النظر التي تقول أن وسائل الدعوة اجتهادية، لا توقيفية، وذلك للأسباب التالية:
أولًا: نشعر بحدوث خلط، عند من قال بتوقيفية وسائل الدعوة، بين الوسائل والمناهج؛ فاحتجاجهم بتطرق البدعة وفتح باب الزيغ، والفتن، والتبديل، والتغيير، وإعراض النبي عن فاعليه يوم القيامة...، هو كلام أقرب وألصق بمناهج الدعوة منه إلى وسائلها.
ثانيًا: كونها (وسيلة) يكفي دليلًا على عدم توقيفيتها؛ فهي ليست نتيجة أو غاية لتكون توقيفية، وعندما يأمر الآمر بأمر فالمهم هو تحقيق هذا الأمر بوسيلة مشروعة مباحة أيًا كانت، فعندما أمر الشارع بالوضوء، واشترط له طهارة الماء، تركنا نتوضأ من ماء البحر المالح، أو من ماء النهر العذب، أو من ماء بئر غائر، نتوضأ من وعاء أو من الصنبور...، فالمهم أن نتوضأ ونسبغ الوضوء.
ونحسب أن الله تعالى قد أشار إلى هذه النكتة؛ أنه لا يهم أي وسيلة استخدمت في تنفيذ الأمر ما دامت مشروعة، عندما قال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27]، فلا يهم ماشين أو راكبين، حفاة أو محمولين...، المهم أن يؤدوا فريضة الله تعالى.
وعندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأداء مناسك الحج ترك لهم حرية الإتيان بها؛ قدموا هذه أو أخروا هذه، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال: «اذبح ولا حرج» فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارم ولا حرج» فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج»([64])، فالمهم أن نأتي بهذه المناسك، وهو نفس ما أذن به الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203].
ثالثًا: واقع العصر؛ فهذا الكم الهائل والطوفان الهادر من المغريات، والشهوات، والجواذب، والحيل، والدعايات، والاختلافات، والنزاعات، والمستجدات، والمستحدثات...، فهل تصمد خطبة جمعة لا يسمعها كم كبير من الناس، أو خطبة عيد كل عام، أو دروس لا يحضرها إلا الخواص...، في صد ومقاومة ذلك المد العلماني الملموس، وتلك الفوضى الأخلاقية، وذلك الانحراف عن هدي الإسلام؟!
بل نقول: من المنطقي في هذا العصر، الذي كثر فيه الملل من كل شيء والنفرة من كل تقليدي، أن نُعمل عقولنا، ونسأل الله أن يلهمنا وسائل دعوية مبتكرة معاصرة، نصل بها إلى القلوب، ونتغلغل بها إلى عمق المجتمعات، ونقرب بها من بعد، ونُفهِّم بها من ضل...
وتلك الوسائل المستجدة لن تكون أبدًا للوسائل الربانية والنبوية؛ بل معضدة ومعاونة وموصلة لها.
رابعًا: من استعرض حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ودرس أحوال العصر الذي مارس دعوته فيه، يدرك أنه صلى الله عليه وسلم حرص على استغلال كل وسيلة كانت متاحة في عصره لإيصال دعوته، ونعتقد أنه صلى الله عليه وسلم لو قد أتيحت له وسائل أخرى، مع التي استخدمها، لما تردد لحظة واحدة في استغلالها.
خامسًا:
لكننا مع ترجيح هذا الرأي نخشى ونخاف مما حذر منه الفريق الآخر، القائل بتوقيفية وسائل الدعوة، من انجرار إلى الضلال، وانفراط العقد، وفتح باب شر، ولذلك نؤيد اشتراط الشروط الآتية في كل وسيلة دعوية مستجدة قبل قبولها:
الأول: ألا تكون الوسيلة محرمة في ذاتها:
كالكذب، أو تمثيل دور كافر، أو تشبه الرجال بالنساء أو العكس، أو اختلاط مستهتر بين الجنسين...؛ بل لا بد من دخول الوسيلة في دائرة المباح.
وأما ما فيه خلاف بين العلماء من الوسائل، فهذا يحتاج بحوثًا مستقلة لبيان الراجح في كل منها.
الثاني: عدم الإكثار منها:
بحيث تصير هي الوسيلة الرئيسية للدعوة إلى الله، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يتأثر المدعو إلا بمثل هذه الوسائل، فلا أرى ذلك؛ بل أرى إنه محرم، لأن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر، لكن فعل ذلك أحيانًا لا أرى فيه بأسًا إذا لم يشتمل على شيء محرم([65]).
الثالث: ألا تكون شعارًا لغير المسلمين:
خاصة ما يتعلق بالشعارات الدينية؛ مثل: الناقوس، والصليب، والبوق، والنار، وما يسمى بنجمة داود، أضيف إلى ذلك القداح والأسهم، والزجر بالطير، والضرب على الأرض، وقراءة الكف، وما إلى ذلك من أمور تخالف العقيدة الإسلامية.
الرابع: ألا تؤدي إلى مفسدة أرجح:
من المصلحة المقصودة منها، فإن كانت تؤدي إلى المفسدة أو ضرر أو فتنة بين الناس فلا يشرع التوسل بها، لأن درء المفسدة الراجحة أولى من جلب المصلحة المرجوحة.
الخامس: مراعاة الأولويات في استعمال الوسيلة الدعوية:
ومراتب الوسائل تابعة لمراتب مصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أقل من ذلك هي أقل درجة([66])
____________________
([1]) لسان العرب، لابن منظور (11/725)، الناشر: دار صادر بيروت، الطبعة: الثالثة، 1414هـ.
([2]) من مقال بعنوان: وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد، للشيخ حامد بن عبد الله العلي.
([3]) المدخل إلى علم الدعوة، د. محمد أبو الفتح البيانوني، ص49.
([4]) من مقال: أساليب الدعوة إلى الله.
([5]) انظر فتواه على الموقع الرسمي لفضيلته، تحت عنوان: الطرق الناجحة للقيام بالدعوة إلى الله.
([6]) وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد.
([7]) فتوى بعنوان: في حدود استعمال وسائل الدعوة إلى الله تعالى، للشيخ الدكتور أبي عبد المعز محمد على فركوس، على الموقع الرسمي لفضيلته.
([8]) انظر فتوى فضيلته على موقعه الرسمي، تحت عنوان: هل وسائل الدعوة إلى الله توقيفية أم هي اجتهادية؟
([9]) موقع الشيخ ابن جبرين، فتوى رقم (891).
([10]) انظر فتوى لفضيلته تحت عنوان: وسائل الدعوة اجتهادية أم توقيفية؟، نقلًا عن موقع: المسلم.
[11] الموسوعة الفقهية الكويتية 20/ 332.
([12]) درس لفضيلته من دروس كتاب الشريعة، بتاريخ 26/3/1426هـ.
([13]) موقع الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، فتوى بعنوان: هل وسائل الدعوة توقيفية أم اجتهادية، أم بعضها توقيفية وبعضها اجتهادية؟
([14]) انظر رسالة لفضيلته بعنوان: الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية.
([15]) فتوى على موقع فضيلته تحت عنوان: هل وسائل الدعوة توقيفية؟
([16]) رواه البخاري (كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل).
([17]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الحج، باب: الخطبة أيام منى)، ومسلم (كتاب: القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء).
([18]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل من أسلم على يديه رجل)، ومسلم (كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب).
([19]) رواه مسلم (كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة).
([20]) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (10/531)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ/1995م.
([21]) السيرة النبوية، لابن هشام (1/602)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ/1955م، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3448).
([22]) مغازي الواقدي (1/53)، تحقيق: مارسدن جونس، الناشر: دار الأعلمي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1409هـ/1989م.
([23]) دفاع عن الحديث النبوي، للألباني (1/26).
([24]) انظر: الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية، لعبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم.
([25]) رواه البخاري (كتاب: العلم، باب: الإنصات للعلماء)، ومسلم (كتاب: الإيمان، باب: "لا ترجعوا بعدي كفارًا").
([26]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: تفسير القرآن، باب: {وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك} [الشعراء:215])، ومسلم (كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء:214]).
([27]) من مقال: وسائل الدعوة، نقلًا عن موقع: جامعة أم القرى.
([28]) رواه البخاري (كتاب: الصلح، باب: ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الكذب وبيان ما يباح منه).
([29]) من بحث بعنوان: وسائل الدعوة بين المشروع والممنوع، للشيخ: مراد القدسي، نقلًا عن موقع: منبر علماء اليمن.
([30]) رواه البخاري (كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}).
([31]) فتوى بعنوان: في حدود استعمال وسائل الدعوة إلى الله تعالى، للشيخ الدكتور أبي عبد المعز محمد على فركوس.
([32]) انظر: تفسير الطبري (1/95)، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420هـ/2000م، تفسير القشيري، (3/656)، المحقق: إبراهيم البسيوني، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، الطبعة: الثالثة، وتفسير مفاتيح الغيب، للرازي (30/728)، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة: الثالثة، 1420هـ.
([33]) مدارج السالكين لابن القيم (1/136)، المحقق: محمد المعتصم بالله البغدادي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1416 هـ/1996م.
([34]) شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي، حمد بن عبد الله الحمد، وهو عبارة عن دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
([35]) رواه مسلم (كتاب: المساجد، باب: فضل كثرة الخطا إلى المساجد).
([36]) تفسير ابن كثير (3/253).
([37]) المصدر السابق (4/595).
([38]) تفسير القرطبي (10/164).
([39]) تفسير الطبري (17/278).
([40]) رواه النسائي في السنن الكبرى (كتاب: التفسير، سورة الأنعام، قوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا} [الأنعام:153])، وأحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود)، وصححه الألباني، انظر: التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (6).
([41]) رواه البخاري عن ابن مسعود (كتاب: الرقاق، باب: في الحوض)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته).
([42]) رواه أبو داود (كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة)، وأحمد (مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2735).
([43]) رواه ابن ماجه (كتاب: الأطعمة، باب: أكل الجبن والسمن)، والترمذي (أبواب اللباس، باب: ما جاء في لبس الفراء)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1726).
([44]) رواه البخاري (كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل)، ومسلم (كتاب: العلم، باب: اتباع سنن اليهود والنصارى).
([45]) تفسير الطبري (9/205).
([46]) انظر: تفسير الطبري (9/183)، تفسير النسفي (1/396)، وتفسير الخازن (1/427)، المحقق: محمد علي شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة: الأولى 1415 هـ، تفسير البغوي (1/701)، المحقق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ.
([47]) رواه البخاري (كتاب: المغازي، باب: بعث أبي موسى، ومعاذ إلى اليمن)، ومسلم (كتاب: الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام).
([48]) رواه الطبراني في الكبير (باب الجيم، باب: ومن غرائب مسند أبي ذر)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1803).
([49]) رواه مسلم (كتاب: الإمارة، باب: الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول).
([50]) رواه مسلم (كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة).
([51]) رواه البخاري (كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود)، مسلم، واللفظ له (كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور).
([52]) انظر: الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية، لعبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم.
([53]) رواه مسلم (كتاب: الفضائل، باب: وجوب امتثال ما قاله شرعًا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا، على سبيل الرأي).
([54]) رواه ابن حبان (فصل ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يأمر أمته بما يحتاجون إليه، من أمر دينهم، ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أمرتكم بشيء" أراد به من أمور الدين، لا من أمور الدنيا)، وأحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك)، وصححه الألباني، انظر: التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (22).
([55]) انظر: الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفية.
([56]) تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، للسيوطي (1/220)، المحقق: محمد الصباغ، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثانية، 1394هـ/1974م.
([57]) رواه الطبراني في الكبير (باب العين، من مناقب ابن مسعود).
([58]) البدع والنهي عنها، لابن وضاح (1/48)، تحقيق: عمرو عبد المنعم سليم، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة مصر، مكتبة العلم، جدة السعودية، الطبعة: الأولى، 1416هـ.
([59]) البدع والنهي عنها، لابن وضاح (1/51).
([60]) رواه البخاري (2652)، بلفظ: «خير الناس قرني»، ومسلم (2533).
([61]) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (11/592، 594، 595)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ/1995م.
([62]) انظر مقال: (وسائل الدعوة ليست توقيفية: قول محدث)، نقلًا عن موقع: المحجة.
([63]) رواه ابن ماجه (كتاب: الفتن، باب: الصبر على البلاء)، وأحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1887).
([64]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: العلم، باب: الفتيا وهو واقف على الدابة)، ومسلم (كتاب: الحج، باب: من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي).
([65]) من كلام الشيخ ابن عثيمين، تحت عنوان: تعاون الدعاة و أثره في المجتمع.
([66]) من كتاب: وسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها بين التوقيف والاجتهاد، نقلًا عن مقال: ضوابط الوسائل والأساليب الدعوية، أبو ياسر السلفي.