logo

تعذيب المتهم للإقرار بالتهمة، وهل يلزم قيام قرينة على الاتهام؟


بتاريخ : السبت ، 4 رمضان ، 1439 الموافق 19 مايو 2018
تعذيب المتهم للإقرار بالتهمة، وهل يلزم قيام قرينة على الاتهام؟

تمهيد:

من أهم سمات الدين الإسلامي أن كرم الإنسان أيما تكريم، وأكد على حقوقه، فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70]، وقال سبحانه: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32].

وقال جل في علاه آمرًا ملائكته، بما فيهم عظماؤهم كجبريل وميكائيل: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحِجْر:29].

كما حرم الله تعالى الاعتداء على نفس المسلم أو على أي جزء من بدنه، وقرر عقوبة شرعية على من يعتدي على شيء من ذلك، فقال عز وجل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45]، وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58].

واتفقت كلمة علماء المسلمين على أن تعذيب المسلم بغير حق حرام، وأن تعذيب المسجونين والمتهمين حرام من حيث الأصل، ولكن من العلماء من استثنى من ذلك المتهم المعروف بالفجور، فأباحوا أن يمس بشيء من العذاب ليعترف بالجرم المتهم به، ومن ذلك: قولهم بالحبس في التهمة، في بعض الحالات، وكذلك قولهم بتهديد المتهم بالتعذيب ونحوه؛ حتى يقر.

ومضت قوانين أكثر الدول، ولو نظريًا، على هذا المنوال، ونصت على حقوق كثيرة للإنسان، منها: حقه في العيش والغذاء، وحقه في العمل الشريف، وحقه في التنقل، وفي السفر، وفي التعلم، وكذلك حقه في الحرية، بأن يكون طليقًا، وأن يحيا حياة كريمة، مصونًا من الأذى والاضطهاد، أو التخويف والتهديد، إلا أنهم يستثنون كذلك حالة ما إذا قامت قرينة في حق شخص ما، وحصل الاشتباه في أمره، فإنه يوقف حتى يتبين الأمر، ويزول أو يثبت الاشتباه، وهذا هو ما يخص موضوع بحثنا.

وقد يقول قائل: ولم يستثني الفقهاء أو القانونيون هذه الحالات أو غيرها؟

 والجواب: أن الغالب الأعم من مرتكبي الجرائم أنهم لا يعترفون ولا يقرون بفعلتهم؛ بل يحاولون الفرار والإفلات، فلم يكن، برأيهم، من سبيل للوصول إلى الحق إلا  بأن يجتهد الشرطي المخول بالبحث عن الجناة في جمع الأدلة والقرائن، وضبط المشتبه فيهم، ومواجهتهم بالتهمة، ثم اتخاذ إجراء استثنائي؛ كحبس أو نحوه، حتى يصل إلى الحق، وذلك بقدر الممكن، والمسموح به شرعًا.

لكن هذا الحبس للمتهمين، أو تهديدهم بتعذيبهم ليعترفوا ويقروا، أو مسهم بشيء من العذاب فعلًا، هل هو مجمع عليه بين الفقهاء؟ وهل استعمال الإيذاء النفسي والمعنوي هو كذلك مشروع؟ وهل من دليل شرعي، من كتاب أو سنة، يترجح به هذا القول أو ذاك؟

قد ينتصر البعض من المؤيدين لجواز التعذيب في بعض الحالات، بأن ذلك قد أثمر عن اكتشاف جرائم خطيرة، وأظهر حقائق ما كانت لتظهر لولا أن مسوا بالتعذيب.

لكن في المقابل يتحفظ المانعون على ذلك بأنه أيضًا، وفي حالات كثيرة، تم تعذيب كثير من الأبرياء دون أن يثبت عليهم جرم في النهاية، الأمر الذي يعد ظلمًا بينًا وتعديًا على الأبرياء، وعلى أدنى حقوق الإنسان، وهو الشعور بالأمن، والمعاملة بالاحترام، والحياة حياة كريمة.

ثم إن القول بالتعذيب لمجرد الشك أو التهمة هو أسلوب لجأت إليه الأجهزة الأمنية الظالمة لقمع كل من ترى فيه خطرًا محتملًا عليها، وفتح الباب أمام ممارسات قمعية غير مسئولة تحظى بالغطاء القانوني(1).

هذا مع أن الاتفاق حاصل بين علماء المسلمين، من فقهاء وأصوليين، بل وغير المسلمين، من قانونيين وغيرهم من العوام، على أن الأصل براءة المتهم مما يتهم به حتى تثبت إدانته.

فكيف نحيد عن هذا الأمر المجمع عليه لمجرد الظن والاشتباه؟؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات نخوض غمار هذا البحث، سائلين الله جل في علاه أن يهدينا سواء السبيل.

وسينتظم بحثنا، إن شاء الله، لهذه المسألة في النقاط التالية:

  • المراد بالتعذيب؟ وهل الحبس تعذيب؟
  • هل يجوز الحبس في التهمة؟
  • مبررات الحبس الاحتياطي في القانون، ومتى يكون؟
  • المراد بالمتهم والاتهام، وكيف تثبت التهمة؟
  • المراد بالقرائن، وذكر صورها، وحكم العمل بها.
  • المراد بالإقرار، ومتى يكون حجة؟
  • حكم تعذيب المتهم (مذاهب الفقهاء في ذلك، وأدلتهم، ومناقشتها).
  • الترجيح، وبيان الضوابط، عند القائلين بالجواز.
  • حكم الإقرار تحت الإكراه، هل يعتبر؟
  • الحكم لو مات المتهم تحت التعذيب.

بيان مفردات العنوان، والمسائل المتعلقة بها:

يتضمن عنوان البحث: (تعذيب المتهم للإقرار بالتهمة، وهل يلزم قيام قرينة على الاتهام؟) المفردات التالية: (التعذيب – الاتهام – الإقرار - القرائن)، ويتعلق بهذه المفردات مسائل يلزم التعرض لها؛ لارتباطها بموضوع بحثنا، ولنستطيع تكوين صورة كاملة الأجزاء قبل البت بحكم صحيح في تلك القضية.

وهذا أوان الشروع في بيان المقصود.

ما هو التعذيب المقصود هنا؟

من خلال تتبع أقوال الفقهاء، في مباحث الإقرار والإكراه وغيرها، فإننا نجد أن منهم من يخص التعذيب المصاحب للإقرار بما يتحقق به الإكراه والإلجاء؛ فنجد السرخسي يقول: «ولو أوعده بضرب سوط أو سوطين لم يسعه تناول ذلك؛ لأنه لا يخاف على نفسه، ولا على عضو من أعضائه بما هدده به، إنما يغمه ذلك، أو يؤلمه ألمًا يسيرًا، والإلجاء لا يتحقق به»(2).

وفي الذخيرة: «ولو هدد بضرب سوط أو سوطين فهو لا يعتبر إلا أن يقول: لأضربنك على عينيك أو على المذاكير»(3).

ولكننا نقصد بالتعذيب هنا أدنى ما قد يتعرض له المرء من إيذاء، سواء كان بالسب أو الحبس أو التخويف أو التجويع أو التقييد أو الضرب...

قال شريح رحمه الله: «القيد كُرْهٌ، والوعيد كره، والضرب كره، والسجن كره»(4).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ليس الرجل أمينًا على نفسه إذا أجعته، أو أوثقته، أو ضربته»(5).

ولفظ ابن أبي شيبة: «ليس الرجل بأمين على نفسه إن أجعته، أو أخفته أو حبسته»(6).

المراد بالحبس، وهل هو تعذيب؟

المقصود بـ(الحبس): تعويق المحبوس عن التصرف بنفسه ليضجر ويعرف قدر الحرية التي افتقدها بسبب تصرفه فينـزجر عنه.

وعلى هذا التعريف فإن الحبس يشمل معنى (السجن)، ومعنى ملازمة الغريم، ومعنى النفي، إذ يصدق على ذلك كله أنه تعويق للشخص ومنع له.

وهذا المفهوم العام للحبس ليس مقصودًا في هذا الموطن، وإنما المقصود به هنا هو:

إمساك الشخص في مكان ومنعه من الخروج منه إلى أشغاله ومهماته الدينية (كمنعه من الخروج لجمعة وجماعة، وحج فرض، وحضور جنازة) والاجتماعية (كمنعه من الخروج للأعياد، والزيارة، والضيافة) والدنيوية (كمنعه من البيع والشراء، والسفر والتنقل)؛ ليضجر قلبه، ومنعه من التصرف بنفسه.

كما أن هذا التعريف هو المقصود عند إطلاق الفقهاء للحبس؛ لأنهم أفردوا لكلٍ من الملازمة والنفي أبوابًا مستقلة تفصلهما.

ومن المعلوم بديهة أن الحبس مؤلم بذاته، سواء طالت مدته أم قصرت؛ إذ أنه يقطع المحبوس عن مألوفه، ويفرض عليه حالة خاصة من العيش.

ويؤخذ من ذلك أن الحبس نوع من أنواع التعذيب، ولون من ألوان الإهانة والإيذاء.

ومع ذلك فقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على مشروعية التأديب بالحبس لدلالة نصوص الكتاب والسنة، والآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم.

ومن تلك الأدلة:

قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:15](7).

ومنها: قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة:106].

ومنها قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد:4].

وفي السنة ورد أن الصحابة حبسوا ثمامة بن أَثال، سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟»... الحديث(8).

وفيها: قوله عليه الصلاة والسلام: «لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته»(9).

قال ابن المبارك رحمه الله: «يحل عرضه: يغلظ له، وعقوبته: يحبس له».

وكذلك صحت عن الصحابة رضي الله عنهم آثار تدل على أنهم حكموا بالحبس في عدد من القضايا، ومن ذلك:

1- ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سجن الحطيئة الشاعر لهجائه، كما حبس صبيغًا لسؤاله عن المعضلات في القرآن.

2- وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه سجن ضابئ بن الحارث، أحد لصوص بني تميم وفتَّاكهم، حتى مات بالسجن.

3- وقال علي رضي الله عنه في رجل قتل رجلًا وحبسه آخر، قال: «يمسك الممسك في السجن حتى يموت، ويقتل الآخر».

فهذه الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على فعل الحبس منهم، والحكم به في زمانهم، ولا يعرف لها منكر، فكانت دالة على مشروعية الحبس تأديبًا(10).

هل يجوز الحبس في التهمة؟

قال العلماء: الحبس أو السجن جائز عند الحاجة والضرورة؛ لحفظ حقوق الناس، وحمايتهم من المجرمين، وحفظ الجناة المنتهكين للمحارم، ومنعهم من الإضرار بالناس.

ولا يجوز للإمام أن يحبس أحدًا إلا بحق، وإذا حبسه بحق وجب عليه المسارعة بالنظر في أمره: فإن كان مذنبًا أُخذ بذنبه، وإن كان بريئًا أُطلق سراحه.

قالوا: والحبس نوعان: حبس عقوبة، وحبس استظهار، فالعقوبة تكون في كل واجب من الحقوق مَنَعه. والاستظهار ليستكشف به عما وراءه(11).

ومما ورد في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدلالة على ذلك: ما رواه أحمد وغيره عن بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جده قال: «أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناسًا من قومي في تهمة فحبسهم»(12).

وأخذ العلماء من ذلك مشروعية التأديب بالحبس، ووجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، فكان فيه دليل على جواز مثل هذا النوع في التثبت.

 بل قالوا: وإذا كان الحبس قد وقع منه صلى الله عليه وسلم على مجرد التهمة، استظهارًا منه وتثبتًا، فإنه يكون مشروعًا فيما هو تأديب بعد الثبوت من باب أولى(13).

حكم توقيف مستور الحال للتحري عنه:

وإن كانَ مستورَ الحال، لا يُعرف بخير ولا شر، أو كان معروفًا بالفجور وارتكاب الجرائم والموبقات: فيجوز توقيفه وسؤاله للتوثق من حاله، والتأكد من التهمة الموجهة إليه.

قال الطرابلسي في "مُعين الحكام": «أن يكون المتهم مجهول الحال عند الحاكم والوالي لا يعرفه ببر ولا فجور، فإذا ادعي عليه تهمة، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله، هذا حكمه عند عامة علماء الإسلام»(14).

وقال ابن تيمية: «فإذا جاز حبس المجهول فحبس المعروف بالفجور أولى، وما علمت أحدًا من أئمة المسلمين المتبعين من قال إن المدعى عليه في جميع هذه الدعاوى يحلف، ويرسل بلا حبس ولا غيره»(15).

وعن ابن جريج قال: «كتب عمر بن عبد العزيز بن عبد الله كتابًا قرأته: (إذا وجد المتاع مع الرجل المتهم فقال: ابتعته، فاشدده في السجن وثاقًا، ولا تحله بكتاب أحد حتى يأتيه فيه أمر الله تعالى)»(16).

مبررات الحبس الاحتياطي في القانون:

تتمثل هذه المبررات في أداء ثلاث وظائف:

1- الحبس الاحتياطي كإجراء يضمن تنفيذ العقوبة:

فهو وسيلة تضمن التحفظ على المتهم تحت أيدي سلطات التحقيق حتى يصدر حكم بالإدانة فتنفذ العقوبة أو يقضى بالبراءة فيخلى سبيله مما يضمن ألا يفلت متهم من العقاب.

2- الحبس الاحتياطي كإجراء من إجراءات الأمن:

حيث يهدف إلى حماية المجتمع من عودة المتهم إلى ارتكاب جرائم أخرى، ويحمي المتهم من محاولات انتقام أهل المجني عليه، أو غيرهم، ممن استفزهم واستثار سخطهم اقتراف المتهم لفعله، خاصة ولو اتسم بوضاعة عالية.

3- الحبس الاحتياطي بوصفة وسيلة من وسائل التحقيق:

وهى الوظيفة الأساسية، حيث يحقق بعض الأغراض التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:

  • بقاء المتهم في متناول سلطة التحقيق.
  • المحافظة على أدلة الجريمة من محاولة المتهم إخفائها أو طمسها، إذا أطلق صراحه.
  • منع التواطؤ بالحيلولة بين اتصال المتهم بباقي شركائه في ارتكاب الجريمة، وبغل يده عن تجهيز شهود نفي مزيفين، أو من تهديد شهود الإثبات(17).

مدة حبس المتهم المعروف بالفجور:

في ذلك قولان للعلماء:

القول الأول: أنه يحبس حتى يموت، وهو قول طائفة، منهم عمر بن عبد العزيز ومطرف وابن الماجشون، ونص عليه الإمام أحمد في المبتدع الذي لم ينته عن بدعته أنه يحبس حتى الموت.

وعللوا بأن الحبس إنما هو لدفع أذاه عن الناس، وهذا الأذى يصدر منه في جميع الأوقات فليحجز حتى الموت قطعًا لمادة الفساد.

 القول الثاني:

أنه لا يحبس إلى الموت، وإنما مرجع ذلك إلى اجتهاد ولي الأمر.

وعللوا بأن سجنه على سبيل التعزير، فيجب أن يكون مصروفًا إلى اجتهاده.

 وهذا القول الثاني: بأن سجنه راجع إلى اجتهاد الحاكم، هو القول الراجح؛ فإن رأى تأبيد سجنه حتى الموت فذلك له حسبما يظهر له من علامات وأمارات الشر والفساد من المتهم، وإن رأى إخراجه قبل ذلك فذلك له أيضًا حسب الظروف والأحوال والملابسات(18).

المراد بالمتهم والاتهام:  

جاء في المعجم الوسيط:

اتَّهَمَهُ بكذا: أَدخَلَ عليه التُّهَمَةَ (بسكون الهاء وفتحها) وظنَّها به.

و اتَّهَمَهُ في قوله: شَكَّ في صدقه.

ويقال: اتَّهمه فاتَّهَمَ هو أَيضًا: أَدخل عليه التُّهَمَةَ (بسكون الهاء وفتحها) فدخَلَتْ عليه، فهو مُتَّهِمٌ (بفتح الهاء وكسرها)، وتَهِيمٌ(19).

وفي معجم اللغة العربية المعاصر:

مُتَّهَم: اسم مفعول من اتَّهمَ، (القانون) كُلّ شخص اتّهم بجريمة أو عمل مخالف للقانون(20).

كيف تثبت التهمة؟

الأصل لإثبات الجريمة أن تتوافر البينات ضد الجاني، ويكون ذلك بشهادة عدلين أو بإقرار الجاني، أما التهمة فيكون إثباتها بشهادة رجلين مستوري الحال لم تتأكد فيهما العدالة أو رجل عدل، ولا تثبت التهمة بشهادة فاسق ومستور(21).

ويمكن للحاكم أو القاضي أن يستفيد من دلالة الحال والقرائن، كمتهم بسرقة وجدت معه أدوات تساعد عليها.

المراد بالقرائن:

القرينة لغة: هي العلامة والأمارة، وهي: أمر يشير إلى المقصود، أو يدل على الشيء من غير الاستعمال فيه(22).

وفي الاصطلاح:

عرفت مجلة الأحكام العدلية، المادة: 1741، القرينة القاطعة بأنها: «الأمارة البالغة حد اليقين»(23).

وعرفها ابن الغرس قائلًا: «ما يطلب الحكم به دلالة واضحة، بحيث تصيره في حيز المقطوع به»(24).

وفي التعريفات للجرجاني: القرينة هي: «أمر يشير إلى المطلوب»(25).

وعرفها د. وهبة الزحيلي بأنها: «كل أمارة ظاهرة تقارن شيئًا خفيًا فتدل عليه»(26).

ونلاحظ أن المعنى الاصطلاحي للقرينة لا يخالف معناها اللغوي، فهي تشير إلى الأمر لأنها صاحبته ولازمته.

والذي يناسب بحثنا هنا هو تعريف الجرجاني للقرينة بأنها: «أمر يشير إلى المطلوب»؛ لأنها إذا وصلت إلى القطع كانت دليلًا وبينة، لا نحتاج معها إلى اعتراف المتهم أصلًا.

فيمكننا إذن تعريف القرينة بأنها: «أمر مصاحب لشيء خفي، يدل عليه بصورة لا تبلغ درجة اليقين، وإنما تصل إلى حد غلبة الظن»(27).

صور القرائن وحكم العمل بها:

القرائن منها ما هو قديم، ذكره الفقهاء في القديم؛ كالحمل قرينة ودليل على واقعة الزِّنا، والبكارة قرينة تدفَع وقوع جريمة الزنا، ومنها ما هو حديث مرتبط بالتقدم العلمي، كبصمة الإصبع، والتشريح، والتحاليل المخبرية للبُقع الدموية والمنويَّة، والصور الفوتوغرافية، وتسجيل الأصوات.

وقد اختلف الفقهاء في اعتماد القرائن وسيلة من وسائل الإثبات إلى فريقين، وجمهورهم، الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، يرى أن القرائن وسيلة من وسائل الإثبات المعتبرة شرعًا، وهذا هو الصحيح.

يقول الشيخ محمود شلتوت: «ومما ينبغي المسارعة إليه، في هذا المقام، أن الناظر في كتب الأئمة يرى أنهم مجمعون على مبدأ الأخذ بالقرائن في الحكم والقضاء، وأن أوسع المذاهب في الأخذ بها مذهبا المالكية والحنابلة، ثم الشافعية ثم الحنفية»(28).

وذهبت معظم القوانين المستمَّدة من الفقه الإسلامي إلى اعتماد القرائن وسيلةً من وسائل إثبات الحقوق، ومن ذلك القانون المدنيُّ الأردني، وحسب نص المادة (72) منه، وقانون المعاملات المدنية الإماراتيُّ، وحسب نص المادة (112)، والتي حدَّدت وسائل الإثْبات على النحو الآتي:

أ- الكتابة.

ب- الشهادة.

جـ- القرائن.

د- المُعايَنة والخِبرة.

هـ- الإقرار.

و- اليمين.

ويجدر التنويه هنا أن القرائن الحديثة مضبوطة بضابط شرعي يتمثَّل فيما يلي:

1- أن تكون القرينة قوية، واحتِمال الخطأ فيها نادرًا.

2- أن تتصل القرينة بالحق اتصالًا مباشرًا، وأن يكون الارتباط قويًّا، لا انفِكاك له.

3- أن تكون القرينة مشروعة؛ لأن القرينة وسيلة، والحق غاية الوسيلة، فلا يجوز الوصول بوسيلة غير مشروعة؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والقصد غير الشرعي هادم للقصد الشرعي(29).

كذلك يجب العلم بأن استعمال القرائن يحتاج إلى صفاء الذهن، وحدة الفكر، ورجحان العقل، وزيادة التقوى والصلاح والإخلاص، وإلا انحرَف بها صاحبها، وأصبحت أداة للظلم، ووسيلة للاضطهاد والتعسف(30).

المراد بالإقرار:

من معاني الإقرار في اللغة: الاعتراف، يقال: أقر بالحق إذا اعترف به، وأقر الشيء أو الشخص في المكان: أثبته وجعله يستقر فيه.

وفي اصطلاح الفقهاء، الإقرار: هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر، وهذا تعريف الجمهور، وذهب بعض الحنفية إلى أنه إنشاء، وذهب آخرون منهم إلى أنه إخبار من وجهٍ وإنشاء من وجهٍ.

وكل من الإقرار والدعوى والشهادة إخبارات، والفرق بينها أن الإخبار إن كان عن حق سابقٍ على المخبر ويقتصر حكمه عليه فإقرار، وإن لم يقتصر: فإمّا ألّا يكون للمخبر فيه نفع، وإنما هو إخبار عن حق لغيره على غيره فهو الشهادة، وإما أن يكون للمخبر نفع فيه، لأنه إخبار بحق له، فهو الدعوى.

كما تفترق من ناحية أن الإقرار يصح بالمبهم ويلزم تعيينه.

حجية الإقرار، وكونه حجة قاصرة:

وقد ثبتت حجية الإقرار بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة:282]، أمره بالإملال، فلو لم يقبل إقراره لما كان لإملاله معنًى.

وقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]؛ أي شاهد، كما قاله ابن عباس.

وأما السنة: فما روي أنه عليه الصلاة والسلام «رجم ماعزًا والغامدية بإقرارهما»، فإذا وجب الحد بإقراره على نفسه فالمال أولى أن يجب.

وأما الإجماع: فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة قاصرة على المقر، حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره، والمال أولى.

وأما المعقول: فلأن العاقل لا يقر على نفسه كاذبًا بما فيه ضرر على نفسه أو ماله، فترجحت جهة الصدق، في حق نفسه، لعدم التهمة، وكمال الولاية.

والأصل أن الإقرار حجة بنفسه، ولا يحتاج لثبوت الحق به إلى القضاء، فهو أقوى ما يحكم به، وهو مقَدَّم على البينة، ولهذا يبدأ الحاكم بالسؤال عنه قبل السؤال عن الشهادة.

قال القاضي أبو الطيب: ولهذا لو شهد شاهدان للمدعي ثم أقر المدعى عليه حُكِم بالإقرار وبطلت الشهادة؛ ولذا قيل: إنه سيد الحجج.

على أن حجيته قاصرة على المقر وحده لقصور ولاية المقر عن غيره فيقتصر عليه، فلا يصح إلزام أحدٍ بعقوبةٍ نتيجة إقرار آخر بأنه شاركه في جريمته.

وهذا ما جرى عليه القضاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روي أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد زنى بامرأةٍ، سماها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال، فأنكرت فحده وتركها».

غير أن هناك بعض حالاتٍ لا بد فيها للحكم بمقتضى الإقرار من إقامة البينة أيضًا، وهذا إذا ما طلب تعدي الحكم إلى الغير، فلو ادعى شخص على مدين الميت أنه وصيه في التركة، وصدقه المدين في دعوى الوصاية والدين، فإن الوصاية لا تثبت بهذا الإقرار بالنسبة لمدينٍ آخر ينكر الوصاية وإنما يحتاج إلى بينةٍ.

وفي الدر المختار: أحد الورثة أقر بالدين المدعى به على مورثه، وجحده الباقون، يلزمه الدين كله إن وفت حصته من الميراث به، وقيل: لا يلزمه إلا حصته من الدين رفعًا للضرر عنه؛ لأنه إنما أقر بما يتعلق بكل التركة، وهو قول الشعبي والبصري والثوري ومالكٍ وابن أبي ليلى، واختاره ابن عابدين، ولو شهد هذا المقر مع آخر أن الدين كان على الميت قبلت شهادته، ولا يؤخذ منه إلا ما يخصه.

وبهذا علم أنه لا يحل الدين في نصيبه بمجرد إقراره؛ بل بقضاء القاضي عليه بإقراره.

يقول ابن عابدين: «ولو أقر من عنده العين أنه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره، ويكلف الوكيل إقامة البينة على إثبات الوكالة حتى يكون له قبض ذلك»(31).

شروط صحة الإقرار:

يصح الإقرار من كل بالغ، عاقل، مختار، جائز التصرف، فلا يصح إقرار الصغير، والمجنون، والمكره، والمحجور عليه، ولا يصح الإقرار بما يحيله العقل أو العادة؛ لأنه كذب، ولا يحل الحكم بالكذب.

حكم الرجوع عن الإقرار:

إذا صح الإقرار وثبت فإن كان متعلقًا بحق من حقوق الآدميين فلا يجوز الرجوع عنه، ولا يُقبل منه.

وإن كان متعلقًا بحق من حقوق الله؛ كحد الزنا، أو الخمر، أو السرقة ونحوها، فإنه يجوز الرجوع عنه؛ لأن الحدود تُدرأ بالشبهات، وحقوق الله مبنية على التسامح والعفو(32).

اختلاف الفقهاء في حكم تعذيب المتهم حملًا له على الإقرار بالتهمة:

وهذه المسألة هي لب موضوع بحثنا، وما سبق وقدمناه آنفًا بمثابة التمهيد لهذه المسألة.

ويجب بداية التفريق بين نوعين من الاتهام:

الأول: اتهام غير مقترن بقرينة: ويسمى (الاتهام المجرد)، وقد اتفق الفقهاء على حرمة تعذيب أو إيذاء المتهم الذي لا توجد أي قرينة تشير إلى ارتكابه للتهمة المنسوبة إليه، وكان مستور الحال؛ غير معروف بما يدعو إلى إساءة الظن فيه، وقد تواترت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع.

الثاني: اتهام مقترن بقرينة: كأن تحف بالمتهم قرينة أو قرائن تشير إلى صحة ما وجِّه إليه من اتهام، أو أن يكون معروفًا بارتكابه أمثال تلك الجريمة.

وقد اختلف الفقهاء في جواز حمل مثل هذا المتهم على الإقرار عن طريق التعذيب، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، لكنهم اتفقوا على حرمة ما حرمه الشرع من أنواع التعذيب، سواء كان الاتهام مقترنًا بقرينة أم لا؛ كالتعذيب الذي يتعدى إلى غير المتهم؛ كتعذيب الأخ أو الابن أمام عين المتهم لإجباره على الإقرار، وكذلك التعذيب الذي يمس الأعراض باقتياد الأمهات والبنات والأخوات، والتهديد بتعريته أمامهن أو العكس، أو بالتحرش بزوجة المتهم أمامه لحمله على الاعتراف، وكذلك التعذيب المحرم باللواط والإجبار على الزنا...، وغير ذلك مما يفعله الجبارون في سجونهم.

وسنعرض، إن شاء الله، لهذه الحالة، بشيء من التفصيل، فيما يلي:

تعذيب المتهم اتهامًا مؤيدًا بالقرائن:

إذا ما كانت التهمة الموجهة إلى المتهم مقترنة بقرينة ترجح ارتكابه لها، فإن الفقهاء قد اختلفوا في حكم تعذيبه للإقرار بها، وكان اختلافهم على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول:

لا يجوز تعذيب المتهم أو إيذاؤه للإقرار بالتهمة مطلقًا، سواء وجدت قرينة أو انتفت، فلا يستخدم معه عنف ولا إكراه من أي نوع كان، فإن استخدم ذلك واعترف مكرهًا لا يعتد باعترافه.

من القائلين به: جمهور الفقهاء من الحنفية(33)، والمالكية(34)، والحنابلة(35)، والشافعية(36).

المذهب الثاني:

يجوز تعذيب المتهم ليقر بالصدق.

من القائلين به: بعض الشافعية كالماوردي، والشربيني.

حيث قال الماوردي: «يجوز للأمير مع قوة التهمة أن يضرب المتهوم ضرب التعزير لا ضرب الحد؛ ليأخذه بالصدق عن حاله فيما قرف به واتهم»(37).

وقال الخطيب الشربيني: «فلو ضرب ليصدق في القضية فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر به؛ لأنه ليس مكرهًا؛ إذ المكره من أكره على شيء واحد، وهذا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الإقرار»(38).

المذهب الثالث: يجوز تعذيب المتهم ليقر بالتهمة إذا كان معروفًا بالفجور:

وذلك بشروط.

من القائلين به: بعض الحنفية؛ كالحسن بن زياد، وبعض متأخري الحنفية في السرقة خاصة(39)، وبعض المالكية؛ كابن فرحون وسحنون بشرط عدل السلطان(40)، وابن تيمية وابن القيم(41).

وعلى ذلك فيمكن القول أن المدعى عليه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون المدعى عليه بذلك بريئًا، ليس من أهل تلك التهمة، فهذا النوع لا يجوز عقوبته اتفاقًا.

القسم الثاني: المتهم: واختلفوا في عقوبته على قولين: والصحيح منهما أنه يعاقب صيانة لِلْبُرْء لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض الْبَرَاءِ، والقول الثاني: أن المدعي بذلك لا يؤدب.

القسم الثالث: وهو المتهم بالفجور؛ كالسرقة، وقطع الطرق، والقتل، والزنا، وهذا القسم لا بد أن يكشفوا ويستقضى عليهم بقدر تهمتهم وشهرتهم بذلك، وربما كان بالضرب وبالحبس دون الضرب على قدر ما اشتهر عنهم(42).

وهذا قسم رابع، وهو المتهم مجهول الحال، لا يعرف ببر أو فجور، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام(43).

قال التسولي: «فالمجهول إذا أقر في السجن عمل بإقراره وغرم المال، والمتهم المعروف بالعداء إذا أقر ولو تحت العصا كذلك؛ لأنه لما جاز ضربه وسجنه شرعًا كما مر جاز إقراره؛ إذ لا فائدة له إلا ذاك، والإكراه الشرعي طوع»(44).

وقال في الفروع: «ويحبس المستور ليبين أمره ولو ثلاثًا على وجهين، نقل حنبل: حتى يبين أمره، ونص أحمد ومحققو أصحابه على حبسه»(45).

الأدلة:

أولًا: أدلة المذهب الأول: القائل بحرمة تعذيب المتهم مطلقًا.

استدل أصحاب هذا المذهب بالأدلة الدالة على تحريم تعذيب المتهم بتهمة مجردة عن القرائن، وقالوا: إن الأدلة قد جاءت عامة، ولم يأت ما يخصصها بحالة عدم وجود قرينة، فتشمل ما أيدته القرائن من تهم وما لم تؤيده؛ فلا يجوز تعذيب المتهم بتهمة وجدت قرينة تؤيد ارتكابه لها، تمامًا كما لا يحل ذلك إذا لم توجد قرينة.

وهذه أدلتهم، مع مناقشتها، على وجه التفصيل:

الدليل الأول:

قول الله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28].

وجه الاستدلال:

فإنه وإن وجدت قرينة، فما زال الأمر دائرًا في زوايا الظن، لم يرق إلى اليقين، ولقد قرر الله تعالى أن الظن لا يغني من الحق شيئًا؛ «أي: لا يجدي شيئًا، ولا يقوم أبدًا مقام الحق، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»(46)»(47).

وعليه فلا يجوز تعذيب المتهم ولا إكراهه لمجرد ظن ظنناه.

نوقش:

من المبادئ المعروفة بين الفقهاء: العمل بغلبة الظن، ووجود القرينة أو القرائن وكون المتهم معروفًا بالفجور، كل ذلك يغلِّب على الظن أنه الفاعل.

ولو لم نعمل بغلبة الظن لما قبلنا إقراره، حتى إن أقر طواعية واختيارًا؛ فإن الإقرار خبر، والخبر يحتمل الصدق والكذب، لكننا نرجح جانب الصدق؛ لأنه قد غلب على ظننا قرينة أنه لا يقر على نفسه كذبًا بما يجلب له العقوبة، فعملنا أيضًا بغلبة الظن.

الدليل الثاني:

 عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: «يا أيها الناس، أي يوم هذا؟»، قالوا: «يوم حرام»، قال: «فأي بلد هذا؟»، قالوا: «بلد حرام»، قال: «فأي شهر هذا؟»، قالوا: «شهر حرام»، قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»(48).

وجه الاستدلال:

حيث أكد النبي صلى الله عليه وسلم، بعدة مؤكدات، على حرمة دم المسلم وماله وعرضه، وفي هذا دلالة واضحة على حرمة كل إيذاء قد يلحق المسلم، ومن هذا إكراهه بأي وسيلة على الإقرار بتهمة ما، خاصة في حالة عدم وجود أي قرينة على اتهامه.

الدليل الثالث:

عن سهل بن سعد أن عويمرًا أتى عاصم بن عدي، وكان سيد بني عجلان، فقال: «كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك»، فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله»، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، فسأله عويمر، فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسائل وعابها».

قال عويمر: «والله، لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك»، فجاء عويمر، فقال: «يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك»، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها، ثم قال: «يا رسول الله، إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها»، فكانت سنة لمن كان بعدهما في المتلاعنين.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا، فإن جاءت به أسحم، أدعج العينين، عظيم الأليتين، خدلج الساقين، فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة، فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عليها»، فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه(49).

وعن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة أو حد في ظهرك»، فقال: «يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟»، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «البينة وإلا حد في ظهرك»، فقال هلال: «والذي بعثك بالحق، إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد»، فنزل جبريل وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور:6] فقرأ حتى بلغ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9].

فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب»، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: «إنها موجبة»، قال ابن عباس: «فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجع»، ثم قالت: «لا أفضح قومي سائر اليوم»، فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك ابن سحماء»، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن»(50).

وجه الاستدلال:

حيث قامت القرينة أمام النبي صلى الله عليه وسلم على أن تلك المرأة مذنبة، ومع ذلك لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلك القرينة؛ فلم يعذبها، ولم يجبرها على الإقرار بمقتضى القرينة؛ بل اكتفى بتحليفها كما حلف زوجها، وهذا يدل على أن وجود القرينة كعدم وجودها في عدم جواز تعذيب المتهم.

نوقش:

إنما لم يأخذها النبي صلى الله عليه وسلم بالقرينة لأن حكم الله تعالى قد سبق فيما يجب أن يؤخذ به هنا؛ فإنه لم يتوافر شرط الله تعالى الذي شرطه في مثل تلك الجريمة قائلًا: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء:15]، وإنما الذي رآها زوجها فقط، فأنزل الله تعالى آيات اللعان.

فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالف شرع الله الذي قد جاء به، وما كان ليعاقب أحدًا بلا بينة قاطعة، فهو القائل عن أخرى كانت تظهر السوء في المدينة: «لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمتها»(51).

ثم كيف يفعل صلى الله عليه وسلم ذلك وهو الذي طالب من رأى رجلًا على زوجته بعينيه بالبينة: «البينة وإلا حد في ظهرك»!!

الدليل الرابع:

مر هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام، قد أقيموا في الشمس، فقال: «ما شأنهم؟»، قالوا: «حبسوا في الجزية»، فقال هشام: «أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)»(52).

وجه الاستدلال:

حيث أسقط الصحابي حديث النبي صلى الله على أناس من غير المسلمين، وقد عذبوا لسبب معقول؛ وهو عدم أدائهم الجزية، فما الحال بمن عذب المسلمين، وبدون سبب معقول؟!

نوقش:

أولًا: وجود قرينة تشير إلى اقترافه الجريمة، كأن يكون له سوابق من نوع تلك الجريمة، سبب كافٍ للاشتباه فيه، ومحاولة انتزاع اعترافه، فهو قدر أهدر كرامة نفسه.

 ثانيًا: الراوي لم يبين لِمَ حبسوا في الجزية؟ هل للمماطلة، أم لأنهم فقراء لا يجدون؟ فإن كانت الأولى فكيف نقول بعدم تعذيبهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم»(53)، وفي رواية: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته»(54).

وإن كانت الثانية فإنه لا يحل تعذيبهم، وقد أصاب الصحابي الجليل في إسقاط الحديث على حالتهم، وأكبر الظن أنه ما قال ما قال إلا لأنهم يعذبون ظلمًا.

ثالثًا: هذا فهم الصحابي للحديث، وفهم الصحابي غير ملزم، أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي نقله إلينا ذلك الصحابي الجليل، فهو لفظ عام تخصصه الأدلة الواردة بجواز تعذيب المتهمين المعروفين بالفجور.

الدليل الخامس:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا»، ويشير إلى صدره ثلاث مرات «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه»(55).

وجه الاستدلال:

حيث حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم دم المسلم وماله وعرضه، فلا يحل الاعتداء عليه أو إيذاؤه، فضلًا عن تعذيبه بلا ذنب ولا جريرة؛ بل بمجرد الظن.

نوقش:

نتفق معكم تمامًا، وإنما نقول بتعذيب من وجدت قرينة على أنه قد اعتدى على دم مسلم بقتل، فنعذبه ليقر فنعاقبه للاعتداء على ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما نقول بتعذيب من وجدت قرينة أنه قد اعتدى على مال مسلم أو عرضه.

فنحن نقول بتحريم ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل ونقول بوجوب معرفة من اعتدى على تلك الحرمات لإنزال العقاب به.

الدليل السادس:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات..»(56).

وجه الاستدلال:

الدلالة واضحة؛ حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أهل النار من يعذبون الناس.

نوقش:

الحديث خارج عن محل النزاع؛ فإنه يتحدث عن ضرب البرآء ظلمًا لإذلالهم وأخذ أموالهم، قال الهروي: «(يضربون بها الناس)؛ أي: بغير حق»(57).

ونزاعنا حول متهم وجدت قرينة أو قرائن تشير إلى أنه مذنب؛ ككونه معروفًا بسرقات محلات المجوهرات مثلًا عن طريق ثقب جدارها، وقد سُرق محل بنفس تلك الطريقة، فهذا يعذب ليقر بتهمة قد وجدت قرينة رجحت فعله لها، أما الحديث فيتحدث عن أقوام ظلمة غلاظ، يعتدون على الناس بلا جرم وقع، ولا تهمة وُجهت؛ بل لإذلالهم وإخضاعهم وأخذ أموالهم.

أجيب:

بل قال المناوي: «(يضربون بها الناس) ممن اتهم بنحو سرقة ليصدق في إخباره بما سرق»(58).

نوقش ثانية:

لكنه قال بعدها بسطور: «وقيل: المراد بهم في الخبر الطوافون على أبواب الظلمة ومعهم المقارع يطردون بها الناس»(59)، ونحن نرجح هذا المعنى الثاني؛ لأنه هو المطابق للواقع، ولأن توعد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل النار دليل أنه قد ارتكب محرمًا عظيمًا كالذي نقول به.

أما على المعنى الذي تقولون به، فلو سلمنا بحرمة التعذيب للإقرار إذا وجدت قرينة، فإن فيه شبهة حق؛ فإنما يضربون المتهم ظنًا منه أنه مذنب، وصيانة لحق المجني عليه لئلا يضيع حقه؛ بل وصيانة للمجتمع كله أن تنتشر فيه الجرائم، فلو فر كل مجرم بجريمته لأقدم على غيرها، أما إن أخذ على يده فقليل من يجترئ على مثلها، فكيف يعاقب مثل هذا الضارب بحق ولحق بأن يكون من أهل النار!

الدليل السابع:

عن أبي فراس قال: «خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فُعِل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه)، قال عمرو بن العاص: (لو أن رجلًا أدب بعض رعيته أتقصه منه؟)، قال: (إي، والذي نفسي بيده، أقصه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه)»(60).

وجه الاستدلال:

الحديث واضح الدلالة في حرمة تعذيب المتهم أو حتى من هو في حاجة إلى تأديب، ووجوب القصاص ممن فعله.

نوقش:

الحديث ضعيف؛ فالراوي عن عمر هو أبو فراس، وهو النهدي، لم يرو عنه غير أبي نضرة المنذر بن مالك، ولم يوثقه غير ابن حبان، وقال أبو زرعة: «لا أعرفه»(61).

وعلى فرض صحته، فهو أيضًا خارج عن محل النزاع، ويجاب عليه بمثل ما أجيب عن الحديث السابق.

الدليل الثامن:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب، فكسع أنصاريًا، فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا حتى تداعوا، وقال الأنصاري: (يا للأنصار)، وقال المهاجري: (يا للمهاجرين).

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما بال دعوى أهل الجاهلية؟)، ثم قال: (ما شأنهم؟)، فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها خبيثة»، وقال عبد الله بن أبي ابن سلول: (أقد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، فقال عمر: (ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟) لعبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه)»(62).

وجه الاستدلال:

حيث امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب ابن سلول، بحبس أو غيره، مع وجود القرائن الكثيرة على نفاقه.

نوقش:

قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم العلة والسبب في عدم قتله أو تعذيبه حين قال صلى الله عليه وسلم: «لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه»، قال النووي: «فهذه هي العلة، وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه، وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنه صبر استبقاءً لانقيادهم، وتأليفًا لغيرهم؛ لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه فينفروا، وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم، وعدوه من جملتهم»(63).

ثم قال بعدها: «وفيه ترك بعض الأمور المختارة والصبر على بعض المفاسد خوفًا من أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم منه، وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم؛ لتقوى شوكة المسلمين، وتتم دعوة الإسلام، ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة، ويرغب غيرهم في الإسلام، ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى، ولإظهارهم الإسلام، وقد أمر بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، ولأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلى الله عليه وسلم، ويجاهدون معه، إما حمية، وإما لطلب دنيا، أو عصبية لمن معه من عشائرهم»(64).

فالحديث خارج عن محل النزاع.

الدليل التاسع:

عن عبد الله بن أبي عامر قال: «انطلقت في ركب حتى إذا جئنا ذا المروة سرقت عيبة لي، ومعنا رجل يتهم، فقال أصحابي: (يا فلان، أد عيبته)، فقال: (ما أخذتها)، فرجعت إلى عمر بن الخطاب فأخبرته، فقال: (كم أنتم؟) فعددتهم، فقال: (أظنه صاحبها الذي اتهم)، قلت: (لقد أردت يا أمير المؤمنين أن آتي به مصفودًا)، قال: (أتأتي به مصفودًا بغير بينة، لا أكتب لك فيها، ولا أسأل لك عنها)، قال: فغضب، قال: فما كتب لي فيها ولا سأل عنها»(65).

وجه الاستدلال:

حيث غضب عمر رضي الله عنه ممن صفد متهمًا بلا دليل ثابت، رغم كون ذاك المتهم معروفًا بالإجرام.

نوقش:

إنما غضب عمر لأن من صفد المتهم هو خصمه، وقد صفده لا لحمله على الاعتراف؛ بل لجزمه أنه هو السارق بلا بينة ولا دليل، وتعذيب المتهم المعروف بالإجرام ليقر يختص به الحاكم لا للخصوم ولا للأفراد.

وقد يقال: أن هذا فعل صحابي، وفعل الصحابي غير ملزم.

الدليل العاشر:

عن أزهر بن عبد الله الحرازي، أن قومًا من الكلاعيين سرق لهم متاع، فاتهموا أناسًا من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فحبسهم أيامًا ثم خلى سبيلهم، فأتوا النعمان، فقالوا: «خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان»، فقال النعمان: «ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم فإن خرج متاعكم فذاك، وإلا أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم»، فقالوا: «هذا حكمك؟»، فقال: «هذا حكم الله، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم».

قال أبو داود: «إنما أرهبهم بهذا القول، أي لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف»(66).

وجه الاستدلال:

حيث امتنع النعمان بن بشير، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، عن تعذيب المتهمين بالسرقة، وتوعد من طالبوه بتعذيبهم أن يقتص منهم إن ظهرت براءتهم.

نوقش:

أولًا: الأثر حجة عليكم؛ فمجرد حبسه لهم نوع من أنواع التعذيب، وإنما لم يتعداه إلى الضرب لأنه وجد مجرد التعذيب بالحبس كافيًا في إرغامهم على إخراج المتاع المسروق، فلما لم يخرجوه، مع ما في الحبس من إيذاء ومشقة، علم أنهم ليسوا السَرَقة.

ثانيًا: ليس في الأثر ما يدل على وجود قرينة على أنهم السَرَقة؛ لذا فيحمل على الحالة الأولى وهي: تعذيب المتهم عند عدم وجود قرينة، ونحن نقول بحرمته.

الدليل الحادي عشر:

مبدأ سد الذرائع: فلو أبحنا تعذيب المتهم للإقرار بالتهمة لاتخذها الظلمة ذريعة لتعذيب الأبرياء، وتلفيق التهم لهم للزج بهم في السجون، أو الانتقام الشخصي ممن عارض أو خالف مسئولًا من المسئولين، فتكون إباحة ذلك سيفًا مسلطًا على رقاب الأبرياء.

وبالتالي يكون شرها أكثر من نفعها، ومن القواعد الأصولية المقررة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ لذا فالمنع من ذلك أولى.

نوقش:

ناقش الشاطبي قائلًا: «فإن قيل: هذا فتح باب تعذيب البريء! قيل: ففي الإعراض عنه إبطال استرجاع الأموال؛ بل الإضراب عن التعذيب أشد ضررًا؛ إذ لا يعذب أحد لمجرد الدعوى؛ بل مع اقتران قرينة تحيك في النفس، وتؤثر في القلب نوعًا من الظن؛ فالتعذيب، في الغالب، لا يصادف البريء، وإن أمكن مصادفته فمغتفر، كما اغتفر في تضمين الصناع.

فإن قيل: لا فائدة في الضرب، وهو لو أقر لم يقبل إقراره في تلك الحال! فالجواب: إن له فائدتين:

أحدهما: أن يعين المتاع، فتشهد عليه البينة لربه، وهي فائدة ظاهرة.

والثانية: أن غيره قد يزدجر، حتى لا يكثر الإقدام فتقل أنواع هذا الفساد.

وقد عد له سحنون فائدة ثالثة: وهو الإقرار حالة التعذيب؛ فإنه يؤخذ عنده بما أقر به في تلك الحال»(67).

وإننا إنما نقول بإباحته بشروط، منها: وجود القرينة، ومنها عدل السلطان، فإن كان جائرًا أو ظالمًا فلا نبيحه، وشروط أخرى تنفي هذا الاحتمال الذي أثرتم، ستأتي، إن شاء الله، في موضعها.

ثانيًا: أدلة المذهب الثاني: القائلين بجواز تعذيب المتهم ليقر بالصدق، وما وجه لها من اعتراضات:

الدليل الأول:

قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، في نفر من أصحابه، إلى ماء بدر، يلتمسون الخبر له عليه، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم، غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار، غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما فسألوهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فقالا: «نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء».

فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه، ثم سلم، وقال: «إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا، والله، إنهما لقريش، أخبراني عن قريش؟»(68).

وجه الاستدلال:

أنه صلى الله عليه وسلم لم ينههم عن ضربهما، وإنما بيَّن أنهما صدقا في قولهما الأول، وشرع صلى الله عليه وسلم يسألهما عن أحوال قريش، ولعله صلى الله عليه وسلم لم ينه الصحابة عن ضربهم إلا ليصدقاه في الخبر عن قريش ولا يكذبا.

نوقش:

بل فيه حجة عليكم؛ فإن الصحابة بعد أن ضربوهما، ليقولا الصدق، تبين أنما ضربوهما ظلمًا لأنهما قد صدقا ولم يكذبا، فاتضح عدم جدوى ضرب المتهمين للإقرار.

أيضًا فإن هذا كان في زمان حرب، وهذان كافران محاربان، ولا يقاس المسلم، أو الكافر غير المحارب، على كافر محارب.

الدليل الثاني:

إنما يضرب المتهم المعروف بالفجور ليقول الصدق والواقع ونفس الأمر الذي حدث، ولا يجبر ولا يكره أن يعترف على نفسه كذبًا بغير ما حدث.

فالحال أن كل متهم ينكر، في الغالب، ما اتهم به، فإن كان معروفًا بالصلاح والتقى أو كان مستور الحال صدقناه؛ لأن حاله تؤيد ذلك، أما إن كان معتادًا على الإجرام أو معروفًا بالفجور كذبناه؛ لأن حاله تكذب مقاله.

فإذا تم سؤال المدعى عليه عن المدعى به ولم يجب، وظل ساكتًا ولم يصدر منه إثبات ولا نفي، فضرب ليصدق في القضية ويأتي بأحد أمرين: فمتى أجاب بشيء ولو نفيًا فإن إقراره صحيح؛ لأنه حينئذ لا يعد مكرهًا، وذلك لأن المكره من أُكره على شيء واحد، وهذا المتهم إنما ضرب ليصدق؛ أي ليقول الصدق، والصدق ليس منحصرًا في الإقرار(69).

نوقش:

هذا المتهم إما بريء وإما مذنب، فإن كان بريئًا فبأي حق نُنزل به ما نُنزل ولو كان قليلًا ضئيلًا؟! وطالما أننا لا ندري على وجه اليقين أبريء هو أو مذنب فيحرم تعذيب أي متهم.

أجيب:

«لا يعذب أحد لمجرد الدعوى؛ بل مع اقتران قرينة تحيك في النفس، وتؤثر في القلب نوعًا من الظن؛ فالتعذيب، في الغالب، لا يصادف البريء، وإن أمكن مصادفته فمغتفر، كما اغتفر في تضمين الصناع»(70).

ثالثًا: أدلة المذهب الثالث: القائل بجواز تعذيب المتهم المعروف بالفجور ليقر، ومناقشتها:

الدليل الأول:

عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس ناسًا في تهمة، وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلًا في تهمة، ثم خلى سبيله(71).

وجه الاستدلال:

الحديث نص في جواز تعذيب المتهم بالحبس، ويقاس على الحبس غيره.

نوقش:

أولًا: لا نسلم بقياس التعذيب على الحبس، فشتان بينهما، وهو قياس مع الفارق، مع أن كلًا منهما ممنوع بغير قرينة دالة على الاتهام.

ثانيا: تعددت روايات هذا الحديث مفصحة عن المقصود به؛ ففي رواية الطبراني: «حبس رجلًا في تهمة فكلم فيه فخلى سبيله»(72).

وعند ابن المقرئ: «حبس رجلًا في تهمة ساعة من نهار، ثم خلى عنه»(73).

ومن حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلًا في تهمة في دم(74).

فالظاهر من مجموع الروايات أنه صلى الله عليه وسلم ظنه مذنبًا فحبسه، فلما كلموه بأنه بريء خلى سبيله، وساعة من نهار لا ينطبق عليه أنه حبس تعذيب.

وعن أبي جعفر أن عليًا رضي الله عنه قال: «إنما الحبس حتى يتبين للإمام، فما حبس بعد ذلك فهو جور»(75).

الدليل الثاني:

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلب على الأرض، والزرع، والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء، ويخرجون منها، فاشترط عليهم ألَّا يكتموا ولا يغيبوا شيئًا، فإن فعلوا، فلا ذمة لهم ولا عصمة، فغيبوا مسكًا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر، حين أجليت النضير.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي: «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟»، فقال: «أذهبته النفقات والحروب»، فقال صلى الله عليه وسلم: «العهد قريب، والمال أكثر من ذلك»، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير بن العوام فمسه بعذاب، وقد كان حيي قبل ذلك قد دخل خربة، فقال: «قد رأيت حييًا يطوف في خربة هاهنا»، فذهبوا فطافوا، فوجدوا المسك في خربة(76).

وجه الاستدلال:

هذا الحديث نص أيضًا في جواز التعذيب؛ حيث عذَّب الزبير رضي الله عنه اليهودي، ولم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم: «وفيها دليل على جواز تعزير المتهم بالعقوبة، وأن ذلك من السياسات الشرعية، فإن الله سبحانه كان قادرًا على أن يدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع الكنز بطريق الوحي، ولكن أراد أن يسن للأمة عقوبة المتهمين، ويوسع لهم طرق الأحكام رحمة بهم، وتيسيرًا لهم»(77).

وقال الشاطبي: «العلماء اختلفوا في الضرب بالتهم، وذهب مالك إلى جواز السجن في التهم، وإن كان السجن نوعًا من العذاب، ونص أصحابه على جواز الضرب، وهو عند الشيوخ من قبيل تضمين الصناع؛ فإنه لو لم يكن الضرب والسجن بالتهم لتعذر استخلاص الأموال من أيدي السراق، والغصاب؛ إذ قد يتعذر إقامة البينة، فكانت المصلحة في التعذيب وسيلة إلى التحصيل بالتعيين أو الإقرار»(78).

نوقش:

أولًا: أن الحديث قد رواه أبو داود وغيره، ولم يذكروا فيه أن الزبير رضي الله عنه عذبه، فجملة: (فمسه بعذاب)، لم ترد في الصحيحين ولا في السنن، فيحتمل ألا تكون ثابتة، ونحن نرجح عدم ثبوتها؛ لأنها تخالف الأدلة القوية بحرمة التعذيب.

ثانيًا: أن المعذب هنا، إن ثبت ذلك، كافر حربي، فلا يقاس عليه غير الحربي.

ثالثًا: أن الأمر هنا أقوى من أن يكون تهمة رجحتها القرائن؛ فالأمر أشبه بمؤامرة دبرها اليهود لإخفاء المال، وكشفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أظهر عدم تصديقه أن المال قد أنفق بقوله: «العهد قريب، والمال أكثر من ذلك».

رابعًا: لم يرد في أيٍ من روايات الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر الزبير بتعذيبه، وإنما، إن ثبت التعذيب، هو من اجتهاد الزبير بلا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم.

الدليل الثالث:

عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود، قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها»، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: «أخرجي الكتاب»، فقالت: «ما معي من كتاب»، فقلنا: «لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب»، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم(79).

وجه الاستدلال:

حيث استخدم الصحابيان الجليلان التهديد مع تلك المرأة لحملها على تسليم ما معها، وليس مجرد الإقرار بوجوده في حوزتها، والتهديد نوع من أنواع التعذيب؛ بل ويعده الفقهاء لونًا من ألوان الإكراه؛ أي: تهديد يغلب على ظن المكرَه قدرة المكرِه على إيقاعه، وفي ظنها أنهما قادرين على ذلك، ولذا رضخت لأمرهما.

ولا شك أن تجريد المرأة من ثيابها أشد وأعظم من الضرب والحبس، وسائر ألوان التعذيب.

نوقش:

الحديث خارج عن محل النزاع؛ فالمرأة لم تكن مجرد متهمة، نحاول انتزاع اعتراف منها؛ بل لقد ثبتت عليها التهمة فعلًا بالوحي الذي بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فما هُددت به هو نوع من عقابها على جريمة ثبتت عليها وتلبست بها، (ألا ترى أن المرأة لا يجوز النظر إليها عريانة لغير ذي محرم منها لأنها عورة، وقد أراد علي تجريدها لو لم تخرج الكتاب، وأقسم إن لم تخرجه ليجردها)(80)، وما كان رضي الله عنه ليفعل ذلك وينتهك حرمة المرأة لمجرد شك وظن؛ بل هو اليقين أنها مذنبة.

الدليل الرابع:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن يهوديًا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: «من فعل بك هذا؟ أفلان أو فلان»، حتى سمي اليهودي، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم «فلم يزل به حتى أقر به، فرض رأسه بالحجارة»(81).

وجه الاستدلال:

أن ذلك اليهودي عُذب حتى أقر؛ فمن غير المنطقي أن يقر على نفسه طواعية بما يوجب قتله، قال ابن القيم: «والظاهر أنه لم تقم عليه بينة، ولا أقر اختيارًا منه للقتل، وإنما هدد أو ضرب فأقر»(82).

نوقش:

أولًا: بل كانت هناك بينة وهي: إشارة الجارية المقتولة نفسها أن اليهودي هو من قتلها، ففي البخاري أيضًا: «فقيل لها: من فعل بك هذا، أفلان، أفلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومأت برأسها»(83).

ثانيًا: ليس في الحديث ما يدل على أن اليهودي قد عُذب ليقر؛ بل على العكس، لقد دلت روايات أخرى للحديث على أنه اعترف سريعًا فلم يحتج إلى تعذيب: ففي البخاري: «فجيء باليهودي فاعترف»(84)، وفيه أيضًا: «فأشارت برأسها: أن نعم، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين»(85)، بدون ذكر لطلب اعترافه أصلًا.

الدليل الخامس:

تروي عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك فتقول: «ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل عني خادمتي»، فقالت: «لا والله، ما علمت عليها عيبًا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة، فتأكل خميرها، أو عجينها»، وانتهرها بعض أصحابه، فقال: «اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم» حتى أسقطوا لها به، فقالت: «سبحان الله، والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر»(86).

وجه الاستدلال:

قال ابن حجر: «أسقطوا لها به: يقال أسقط الرجل في القول إذا أتى بكلام ساقط»(87).

وفي رواية أبي أويس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «شأنك بالجارية»، فسألها علي وتوعدها فلم تخبره إلا بخير، ثم ضربها وسألها فقالت: «والله، ما علمت على عائشة سوءًا».

وفي رواية ابن إسحاق: فقام إليها علي فضربها ضربًا شديدًا يقول: «اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم»(88).

نوقش:

ننزه الصحابة أن يقول أحدهم كلامًا ساقطًا؛ فليس المعنى على ما ذكرتم، وإنما المعنى كما قال ابن الجوزي: «أسقطوا لها به أي: صرحوا بها بالأمر»(89).

وعلى ما قاله ابن بطال: «فمعنى قولها: «حتى أسقطوا لها به» أي: ذكروا لها الحديث وبينوه»(90).

ولو صح المعنى الذي ذكرتم فأن من أسقط لها في القول لم يقَر على ذلك؛ قال ابن حجر: «ووقع في رواية الطبري من طريق أبي أسامة قال عروة: (فعيب ذلك على من قاله)»(91).

الدليل السادس:

من المعقول بعدة وجوه:

الوجه الأول: إن حُلِّف المتهم المعروف بالفجور، أو الذي وجدت قرينة ترجح اتهامه، وتُرك وخُلي سبيله، ضاعت حقوق الناس وضاع حق المجتمع؛ لأن كثيرًا من المجرمين سيقدمون، ببساطة، على الحلف زورًا وكذبًا، فتضيع الحقوق.

نوقش:

قد ثبتت حرمة التعذيب بالأدلة الكثيرة، والحاجة والمصلحة لا تحل الحرام، فالحرام حرام مهما حوى من منافع ومصالح.

أجيب:

نتفق معكم أن الأصل حرمة التعذيب ومنعه، لكنا قد أوردنا الأدلة على جوازه في بعض الأحوال التي تحتمه، ويمكن وضع الضوابط التي تحول دون سوء استخدامه.

الوجه الثاني: أن إيصال الحق إلى مستحقه أمر واجب، وقد تتعذر الأدلة فيتعين الاعتراف وسيلة لذلك الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فتعذيب المتهم المعروف بالفجور واجب إذا تعين.

نوقش:

أولًا: التعذيب لا يتعين طريقًا لتحصيل واستخلاص حقوق الناس؛ فيمكن جمع الأدلة والبينات التي تدينه دون الحاجة إلى تعذيبه ليقر، ومن المعروف أن كل مجرم لا بد أن يترك وراءه ثغرة أو بينة، خاصة مع تقدم أساليب الاستدلال على المجرمين، فلا جريمة كاملة، إلا في القليل النادر، والنادر لا حكم له.

ثانيًا: أن حق المتهم في صيانة عرضه وبدنه وكرامته، ليس أقل من حقوق المجني عليهم التي تريدون تعذيب المتهم لاستخلاصها.

أجيب:

كون المتهم معروفًا بالفجور؛ أي: له سوابق في الإجرام، قرينة قوية على أنه لا يتورع عن فعل أمثالها، فبإجرامه وإقدامه على انتهاك المحارم مرارًا قد أسقط حرمة نفسه بنفسه.

الدليل السابع:

القاعدة الأصولية: «الضرورات تبيح المحظورات»؛ كنظر الطبيب إلى عورة الرجل؛ بل إلى عورة المرأة، والتضحية بالجنين وقتله عند تعارض حياته مع حياة أمه، وشرب الخمر وأكل الميتة إن خاف الهلاك جوعًا وعطشًا...

فكل هذه محرمات قد أبيحت للضرورة، فكذلك أصل التعذيب محرم ممنوع لكنه قد يباح للضرورة؛ فالمجرم المعروف بالإجرام لن يعترف اختيارًا وطواعية، ولو تُرك لمجرد إنكاره لعاث في المجتمع إفسادًا، ولضاع حق المجني عليهم، فيمس بشيء من العذاب اضطرارًا، إذا تعين ذلك، وتقدر الضرورة بقدرها.

الموازنة والترجيح:

بعد هذه التطوافة السريعة بين آراء الفقهاء، ثم بين أدلتهم، ثم إبحارنا من خلال مناقشاتهم ونزاعهم، نلاحظ الآتي:

أولًا: الفقهاء متفقون على أن الأصل في إيذاء البشر الحرمة؛ وكذلك الأمر بالنسبة لاتهامهم بغير سبب وغير ريبة. ومن باب أولى متفقون على حرمة تعذيبهم.

ثانيًا: الفقهاء متفقون كذلك على حرمة تعذيب المتهم مستور الحال، الذي لا توجد قرينة ترجح اتهامه، كما لا يعرف بفسق ولا بفجور ولا بارتكاب مثل ما اتهم به من جرائم.

ثالثًا: الرأي القائل بجواز تعذيب المتهم إذا وجدت قرينة وإن كان مستور الحال ليقر، لا يستقيم؛ فإن القرينة مجرد إشارة وعلامة، فلم ترتق لأن تكون دليلًا أو برهانًا ليستحل بها تعذيب مستور الحال المتفق على حرمته.

رابعًا: أصحاب الرأي الثالث، القائل بجواز تعذيب المتهم المعروف بمثل ما اتهم به إذا تحتم التعذيب وسيلة للإثبات، أكثر أدلتهم لم تسلم من المناقشة، ولا يقوى إلا استدلالهم بالعمل بالقرائن؛ إذ قد تعد شهرة المتهم بالفجور واعتياده الجرائم قرينة على ارتكابه نحو ما اعتاد عليه من ذلك.

 ومع ذلك يبقى الأمر محتمل، ولا يمكن لمجرد قيام هذا الاحتمال القول باستباحة أعراض الناس، أو التساهل في إيذاء المؤمنين، الذين شدد الشارع على حرمة أعراضهم وأبشارهم، وأخبر أن في إيذائهم بغير ما اكتسبوا تحمل البهتان والإثم المبين.

وحيث هذا، فيمكن أن نقول جمعًا بين الأدلة، ورجوعًا إلى الأصل في هذه القضية: أنه لا يجوز تعذيب المتهم، لكن يجوز التضييق عليه بحبس، أو التغليظ له بالقول، أو التهديد بتعذيب يستحقه بسبب سابق، أو مسه بشيء قليل من مبادئ العذاب الهين، بضرب ونحوه، كما فعل الزبير.

 وكما ورد أنه قد سئل الحسن بن زياد رحمه الله تعالى أيحل ضرب السارق حتى يقر فقال: «ما لم يقطع اللحم ولا يتبين العظم».

وأفتى مرة بجواز ضربه ثم ندم، واتبع السائل إلى باب الأمير، فوجده قد ضرب السارق وأقر بالمال وجاء به، فقال: «ما رأيت جورًا أشبه بالحق من هذا».

وحكي عن عصام بن يوسف أنه دخل على أمير بلخ، فأتي بسارق فأنكر السرقة، فقال الأمير لعصام: «ماذا يجب عليه؟»، فقال: «على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين»، فقال الأمير: «هاتوا بالسوط»، فما ضرب عشرة حتى أقر وأحضر السرقة، فقال عصام: «ما رأيت جورًا أشبه بالعدل من هذا»(92).

فيؤخذ من هذا تحرج السلف بشدة، وتردد أهل العلم في الإفتاء بالتعذيب بغير موجب، وعدهم هذا من الجور، لكن مع ذلك قد يقرون ما قد يقع منه، إذا كان هينًا، ومع قيام القرينة القوية.

كما أنه وبالنظر في واقعنا، وإلى شيوع الظلم والجور الكائن من قبل المتسلطين على رقاب المسلمين في مختلف البلدان الإسلامية، فإنه لا يسع العمل إلا بهذا القول، ولا الأخذ إلا بهذه الفتوى، درءًا للظلم، وصونًا لإراقة الدماء بغير حق، من أناس لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يتورعون عن إلصاق التهم واختلاق القرائن بالباطل حتى يفتح لهم باب الانتقام ممن يشاءون من أهل الإسلام والدعوة إلى الحق، والوقوف ضد الظالمين.

فإذا كان الحاكم مسلمًا، والقضاء شرعيًا، والأحكام قائمة على العدل والقسط، فعندئذ يسوغ القول بجواز تعذيب المتهم المعروف بالفجور، والمعلن بفسقه، إذا رأى ذلك أهل العلم من القضاة والمفتين.

وبهذا تجتمع الأدلة، والعلم عند الله تعالى.

شروط جواز تعذيب المتهم المحترف الإجرام:

لقائل أن يقول: كيف تجيزون تعذيب المتهم في بعض الحالات، ولو كان هينًا، مع أنه قد يستغل هذا من قِبل الظالمين أسوأ استغلال؟!

والإجابة: لا يجوز ذلك على وجه الإطلاق؛ بل الأصل كما قررنا هو عدمه، فإذا كان، فلا بد من ضوابط وشروط، نذكرها فيما يلي:

أولًا: أن يكون ذلك التعذيب استثناءً وضرورة، لا قاعدة؛ فلا يلجأ إليه إلا عند تعذر جميع وسائل الإثبات، وأن تقدر الضرورة بقدرها، فيكف عنه فور اعترافه.

ثانيًا: أن يكون المتهم معروفًا بالفجور، ومعتادًا على مثل هذا النوع من الجرائم التي اتهم بها.   

ثالثًا: أن توجد قرينة أخرى تعينه هو من بين المعروفين بالفجور، مع جواز أن يجمع جميع المعروفين بجريمة ما، إن وقعت جريمة من جنس ما اشتهروا به، ولم يوجد ما يعين أحدهم.

رابعًا: أن توضع لأساليب التعذيب ضوابط وحدود لا يتعداها، منها:

1- ألا يعذب بمحرم؛ كلواط، وكشف عورات.

2- ألا يتعدى التهديد أو التعذيب إلى غيره، بانتهاك حرمة بناته أو زوجته...

3- ألا يصل التعذيب إلى إزهاق الروح، ولا إلى تشويه البدن، ولا إلى الضرب المبرح، أو الإيلام الشديد، وألا تهدر كرامته الإنسانية، فإن كان التعذيب بالسجن فلا يسجن في مكان يؤذي صحته أو يجلب له الأمراض.

ما يترتب على تعذيب المتهم حملًا له على الإقرار بالتهمة:

قد يترتب على تعذيب المتهم أمران، أو أحد أمرين: الأول: أن يقر بجريمة ونحوها، فهل حينئذ يقبل إقراره؟ والثانية: أن يموت المتهم من جراء تعذيبه، فهل حينئذ يقتص ممن عذبه أو يعزر أو هو معفو عنه؟ وفيما يلي بيان المسألتين:

المسألة الأولى: حكم إقرار المتهم تحت التعذيب:

إذا حدث وأخذ البعض بالقول بجواز تعذيب المتهم حتى أقر، فهل يعتد بإقراره أو أنه يكون مكرهًا فلا يؤاخذ بما أقر  ولا يعتد بقوله؟ وما هو حد الإكراه المعتبر؟

نقول: إن الإجماع يكاد يكون منعقدًا على أنه لا عبرة بإقرار المكره؛ وذلك لانعدام اختياره، وسقوط أهليته(93).

فأما المذهب الحنفي:

فقد قال الزبيدي: «ومن شرائط الإقرار الرضا والطوع حتى لا يصح إقرار المكره»(94).

وقال الكاساني: «لا يصح إقرار المكره»(95).

وقال السرخسي: «ولو أن قاضيًا أكره رجلًا بتهديد ضرب، أو حبس، أو قيد حتى يقر على نفسه بحد أو قصاص كان الإقرار باطلًا...، ولم يُنقل عن أحد من المتقدمين من أصحابنا، رحمهم الله، صحة الإقرار مع التهديد بالضرب والحبس»(96).

وأما فقهاء المالكية:

فاعتبروا المكره غير مكلف أصلًا، قال الحطاب: «خرج بالمكلف إقرار المكره، فإنه غير مكلف على الصحيح»(97).

بل ووضعوا «قاعدة: الإكراه يصير فعل المكره كالعدم»(98).

وأما الشافعية:

فقد قال النووي: «يشترط في صحة الإقرار الاختيار، فإقرار المكره باطل كسائر تصرفه»(99).

وأما الحنابلة:

فقال الزركشي: «فلا يصح إقرار المكره، ولا نزاع في ذلك»(100).

ولخص ابن قدامة الأمر فقال: «ولا يصح الإقرار من المكره، فلو ضُرِب الرجل ليقر بالزنا لم يجب عليه الحد، ولم يثبت عليه الزنا، ولا نعلم من أهل العلم خلافًا في أن إقرار المكره لا يجب به حد»(101).

ونقل عن ابن شهاب في رجل اعترف بعد جلده أنه قال: «ليس عليه حد»(102).

 

واستدل الفقهاء على عدم صحة إقرار المتهم تحت تأثير التعذيب، بما يلي:

الدليل الأول:

قول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106].

وجه الاستدلال:

حيث إن الله عز وجل قد «جعل الإكراه مسقطًا لحكم الكفر، فبالأولى ما عداه»(103)، «فكان المعنى الذي عقلنا: أن قول المكره كما لم يقل»(104)، فتعذيب المتهم للإقرار بالتهمة، غير المقترنة بقرينة، إكراه لا شك فيه، والإكراه مخل بصحة الإقرار بحيث لا يعتد به.

يوضح ذلك ما جاء في سبب نزول الآية، عن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما وراءك؟»، قال: شر يا رسول الله، ما تُرِكْتُ حتى نُلْتُ منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: «كيف تجد قلبك؟» قال: «مطمئن بالإيمان»، قال: «إن عادوا فعد»(105).

فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا عبرة بما يقوله المرء بلسانه إذا أُكره عليه؛ بل أجاز له أن يقول كلمة الكفر بلسانه إن عادوا لإكراهه عليها؛ لأنه لا عبره بما يقوله مكرهًا.

فكذلك لا عبرة بما يقوله المتهم إذا قاله تحت الإكراه.

الدليل الثاني:

عن بريدة قال: «جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله، طهرني)، فقال: (ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه)، فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: (يا رسول الله، طهرني)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك، ارجع فاستغفر الله وتب إليه)، فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: (يا رسول الله، طهرني)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله: (فيم أطهرك؟)، فقال: (من الزنا)، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبه جنون؟)، فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا؟)، فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أزنيت؟)، فقال: (نعم)، فأمر به فرجم»(106).

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن شيئين؛ عن جنونه وعن سكره، وكلاهما يذهب العقل والاختيار، مما يدل على أن ماعزًا لو أقر وبه جنون أو وقد زال عقله بشرب مسكر، لما قبِل ولا اعتد النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن المعلوم أن الإكراه يذهب الاختيار تمامًا، كما يذهب الجنون والخمر، فلا يعتد بإقرار مكرَه.

الدليل الثالث:

عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه»(107).

 وجه الاستدلال:

في هذا الحديث دلالة صريحة واضحة أن الله عز وجل لا يُؤاخِذ المرء بما قال ولا بما عمل تحت الإكراه، وبالتالي فلا يعتد بقول قاله ولا بعمل عمل وهو مكرَه.

وأما حد الإكراه المعتبر:

فنقول: قسم الحنفية الإكراه إلى ملجئ وغير ملجئ، فلم يعتبروا السوط والسوطين إكراهًا، قال السرخسي: «ولو أوعده بضرب سوط أو سوطين لم يسعه تناول ذلك؛ لأنه لا يخاف على نفسه، ولا على عضو من أعضائه بما هدده به، إنما يغمه ذلك، أو يؤلمه ألمًا يسيرًا، والإلجاء لا يتحقق به»(108).

وقال العيني: «ولو هدد بضرب سوط أو سوطين فهو لا يعتبر»(109).

وتكلم المالكية في حد الإكراه، ووضح الغزالي أن «فيه مسلكان للأصحاب متباعدان:

أحدهما: أن يصير بحيث لا تبقى له طاقة في المخالفة؛ بل يكون مضطرًا إلى اختيار الموافقة شاء أم أبى؛ كالذي يفر من أسد ضار فيتخطى النار والشوك ولا يبالي، ومثل هذا لا يحصل إلا بسيف مسلول أو تخويف بالإلقاء في النار مثلًا، والشرط: أن يصير كالمدهوش الذي لا تبقى له روية واستصواب...

المسلك الثاني: أن ذلك لا يعتبر؛ بل إذا خير بين الطلاق وبين أمر لا يحتمله العاقل لأجل الطلاق فطلق لم يقع الطلاق به؛ كالحبس المخلد، والتهديد بالضرب، والجوع ممن يعلم أنه يحقق ذلك...»(110).

قال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور: «حد الإكراه إذا خاف القتل، أو ضربًا شديدًا»، وعلق ابن قدامة: «وهذا قول أكثر الفقهاء، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي»(111).

وقال الدكتور: رمضان محمد عيد هيتمي: «يتحقق الإكراه عند الحنابلة بما يستضر به ضررًا كثيرًا؛ كالقتل والضرب الشديد، والحبس والقيد الطويلين، وأخذ المال الكثير.

وأما الضرب اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه, وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقًا بصاحبه وغضًّا له، وشهرة في حقه، فهو كالضرب الكثير في حق غيره.

وأما السب والشتم وأخذ المال اليسير، فليس بإكراه.

وأما التهديد بضرب الولد وحبسه ونحوهما فهو إكراه على الصحيح من المذهب؛ لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، وقيل: ليس بإكراه؛ لأن الضرر لاحق بغيره.

وكذلك ضرب الوالد ونحوه وحبسه كضرب الولد.

وكذلك كل من يشق عليه تعذيبه مشقة عظيمة من والد الزوجة وصديق»(112).

والخلاصة: أن الإكراه إذا كان معتبرًا فإنه لا يعتد بإقرار المتهم، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء إن لم نقل جميعهم.

وهو ما يترجح به القول بأن الأصل عدم جواز تعذيب المتهم؛ إذ إنه لا جدوى من اعترافه بالجريمة تحت التعذيب، فيكون التعذيب لا طائل من ورائه.

وأما إذا كان الإكراه معتبرًا فيتوجه القول باعتبار إقراره.

المسألة الثانية: الحكم إن مات المتهم بسبب التعذيب.

 لا يخلو هذا المقام من حالين:

1- أن يكون الضرب مشروعًا في مثل حاله، وحصل بالقدر المشروع دون ظلم واعتداء، ففي هذه الحال يكون هدرًا لا ضمان فيه، ولا شيء على من ضربه.

قال ابن قدامة في «المغني»: «ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في سائر الحدود أنه إذا أتي بها على الوجه المشروع، من غير زيادة، أنه لا يضمن من تلف بها؛ وذلك لأنه فعلها بأمر الله وأمر رسوله ، فلا يؤاخذ به».

وهذا الضرب وإن لم يكن في حد شرعي، لكنه في حكمه؛ لأنه ضرب مشروع ومأذون فيه، وما ترتب على المأذون فهو غير مضمون.

 2- أن يكون التعذيب غير مشروع، أو كان مشروعًا لكن حصل فيه اعتداء كمًا أو كيفًا، ففي هذه الحال يتحمل المعتدي الضمان:

أ- فإن كان فعله يقتل المتَّهم يقينًا أو غالبًا، لطبيعة الوسيلة؛ كالمنع من الطعام، أو العلاج، أو الضرب بالآلات الحادة، أو كان المتهم لا يحتمل هذا الأذى؛ لضعفٍ أو مرضٍ، فإن الجناية تكون من باب (القتل العمد) عند جمهور الفقهاء، ويكون الحق فيها لأهل الميت في الاختيار بين القصاص، أو الدية، أو العفو دون مقابل.

ب- وإن كان الفعلُ لا يقتل عادةً، أو وقع على شخصٍ أو مكانٍ لا يموت منه الإنسان غالبًا، فهذا من باب (القتل شبه العمد)، تجب فيه الدية المُغلَّظة إلا أن يعفو أهل القتيل.

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: «ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد، قتيل السوط أو العصا، فيه مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها» [رواه أبو داود، والنسائي].

قال في «كشاف القناع»: «وإن أسرف في التأديب بأن زاد فوق المعتاد، أو زاد على ما يحصل به المقصود... ضمن؛ لأنه غير مأذون في ذلك شرعًا».

وقال السرخسي في «المبسوط»: «وأما شبه العمد فهو ما تعمدت ضربه بالعصا أو السوط أو الحجر أو اليد، فإن في هذا الفعل معنيين:

العمد، باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب.

ومعنى الخطأ باعتبار انعدام القصد منه إلى القتل؛ لأن الآلة التي استعملها آلة الضرب للتأديب دون القتل»(113).

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

________________________

(1) انظر: التعذيب في التحقيق، دراسة فقهية تأصيلية، أعدها د. عبد المنعم زين.

(2) المبسوط، لشمس الأئمة أبي سهل السرخسي (24/ 49)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، تاريخ النشر: 1414هـ/1993م.

(3) لسان الحكام في معرفة الأحكام، لابن الشِّحْنَة الثقفي (1/ 312)، الناشر: البابي الحلبي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1393هـ/1973م.

(4) المبسوط، للسرخسي (24/ 51).

(5) مصنف عبد الرزاق الصنعاني، واللفظ له (كتاب: الطلاق، باب: طلاق الكره)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب: الخلع والطلاق، جماع أبواب ما يقع به الطلاق، باب: ما يكون إكراهًا).

(6) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب: الحدود، في الامتحان في الحدود).

(7) وللعلماء أقوال في نسخ هذه الآية، منها: أن الحبس نُسِخَ في الزنى فقط بالجلد والرجم، وبقي مشروعًا في غير ذلك.

(8) الحديث مختصرًا في صحيح البخاري برقم (462)، ومطولًا في مسند أحمد برقم (9833). وصححه الألباني في  إرواء الغليل (1216).

(9) أخرجه أحمد، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1434).

(10) انظر: التأديب بالحبس، مقال على موقع الألوكة، د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم.

(11) موسوعة الفقه الإسلامي، ص247-271.

(12) انظر: موسوعة الفقه الإسلامي، موقع: نداء الإيمان.

(13) انظر مقال: التأديب بالحبس، د. إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم.

(14) من فتوى بعنوان: حكم اعتقال المتهم وتعذيبه، نقلًا عن موقع: الدرر الشامية.

(15) مجموع الفتاوى (35/ 400).

(16) المحلى بالآثار، لابن حزم الأندلسي (12/ 24)، الناشر: دار الفكر، بيروت.

(17) الحبس الاحتياطي في القانون المصري، أحمد عبد المقصود محمد، ص10.

(18) من فتوى بعنوان: حكم اعتقال المتهم وتعذيبه، نقلًا عن موقع: الدرر الشامية.

(19) المعجم الوسيط (2/ 1060).

(20) معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 2502).

(21) انظر: التعذيب في التحقيق، دراسة أعدها د. عبد المنعم زين.

(22) تكملة المعاجم العربية، لرينهارت بيتر آن دُوزِي (8/ 256)، نقله إلى العربية وعلق عليه: ج1-8: محمَّد سَليم النعَيمي، ج9، 10، جمال الخياط، الناشر: وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، الطبعة الأولى، من 1979-2000م.

(23) مجلة الأحكام العدلية، المؤلف: لجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخلافة العثمانية، (1/ 353)، المحقق: نجيب هواويني، الناشر: نور محمد، كارخانه تجارتِ كتب، آرام باغ، كراتشي.

(24) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم المصري (7/ 205)، وفي آخره: تكملة البحر الرائق، لمحمد بن حسين بن علي الطوري الحنفي القادري، وبالحاشية: منحة الخالق، لابن عابدين، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية.

(25) التعريفات، للجرجاني (1/ 174)، ضبطه وصححه جماعة من العلماء، بإشراف الناشر، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403هـ/1983م.

(26) الفقه الإسلامي وأدلته، أ.د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة دمشق، كلية الشَّريعة (7/5802)، الناشر: دار الفكر سورية، دمشق، الطبعة الرابعة المنقَّحة المعدَّلة بالنِّسبة لما سبقها.

(27) حكم تعذيب المتهم للإقرار بالتهمة، دراسة فقهية مقارنة في المذاهب الأربعة، د. مازن مصباح صباح، ود. نعيم سمارة المصري، كلية الشريعة، جامعة الأزهر، غزة فلسطين.

(28) الشيخ محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، ص540.

(29) انظر: القضاء بالقرائن في الفقه الإسلامي، أ. د. علي أبو البصل، نقلًا عن موقع الألوكة.

(30) د. محمد الزحيلي، أصول المحاكمات الشرعية والمدنية، ص210.

(31) الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 49).

(32) انظر هذه الأحكام عن الإقرار في موسوعة الفقه الإسلامي، ص247-271.

(33) الجوهرة النيرة، للزَّبِيدِي الحنفي (1/ 248)، الناشر: المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى، 1322هـ، والمبسوط (24/ 51) و(24/ 70)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 223).

(34) الذخيرة، للقرافي (9/ 265)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل (5/ 216).

(35) المغني (9/ 67)، وشرح الزركشي (6/ 297).

(36) الأم، للشافعي (3/ 240) و(7/ 119)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (4/ 355).

(37) الأحكام السلطانية، للماوردي الشافعي (1/ 323)، الناشر: دار الحديث القاهرة.

(38) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (3/ 272-273).

(39) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 56)، والمبسوط (9/ 185).

(40) شرح حدود ابن عرفة، للرصاع (1/ 507)، الناشر: المكتبة العلمية، الطبعة الأولى، 1350هـ، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لابن فرحون (2/ 25)، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى، 1406هـ/1986م.

(41) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (34/ 236، وما بعدها)، (35/ 396-400)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ/1995م، والطرق الحكمية، لابن قيم الجوزية (1/ 88 وما بعدها)، الناشر: مكتبة دار البيان.

(42) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (35/ 396-400)، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (2/ 156-157)، ببعض تصرف، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى، 1406هـ/1986م.

(43) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (35/ 397).

(44) البهجة في شرح التحفة، لأبي الحسن التُّسُولي (2/ 596-597)، ضبطه وصححه: محمد عبد القادر شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ/1998م.

(45) كتاب الفروع، لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي، ومعه تصحيح الفروع، لابن مفلح (11/ 196)، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1424هـ/2003م.

(46) رواه البخاري (كتاب: النكاح، باب: لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع)، ومسلم (كتاب: البر والصلة، باب: تحريم الظن والتجسس و التنافس).

(47) تفسير ابن كثير (النجم: 28).

(48) رواه البخاري (كتاب: الحج، باب: الخطبة أيام منى)، ومسلم (كتاب: القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال).

(49) رواه البخاري (كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ...} [النور:6]).

(50) رواه البخاري (كتاب: تفسير القرآن، باب: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ...} [النور:8])، ومسلم مختصرًا عن أنس (كتاب: الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل)، ومسلم مختصرًا عن ابن مسعود (كتاب: الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل).

(51) رواه البخاري (كتاب: التمني، باب: ما يجوز من اللو)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل).

(52) رواه مسلم (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: الوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق).

(53) رواه البخاري (كتاب: في الاستقراض وأداء الديون، باب: مطل الغني ظلم)، ومسلم (كتاب: المساقاة، باب: تحريم مطل الغني).

(54) رواه ابن ماجه (كتاب: الصدقات، باب: الحبس في الدين والملازمة)، والنسائي (كتاب: البيوع، مطل الغني)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (4689).

(55) رواه مسلم (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله).

(56) رواه مسلم (كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء).

(57) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لنور الدين الملا الهروي القاري (6/ 2302)، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ/2002م.

(58) فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي القاهري (4/ 208)، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى، 1356هـ.

(59) المصدر السابق.

(60) رواه أبو داود (كتاب: الديات، باب: القود من الضربة، وقص الأمير من نفسه)، والنسائي مختصرًا (كتاب: القسامة، القصاص من السلاطين)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4537).

(61) انظر: هامش مسند الإمام أحمد بن حنبل (1/ 385) وهامش (17/ 328)، المحقق: شعيب الأرنئوط، عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421هـ/2001م.

(62) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: المناقب، باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية)، ومسلم (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا).

(63) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (7/ 159)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392هـ.

(64) المصدر السابق (16/ 139).

(65) مصنف عبد الرزاق (كتاب: اللقطة، باب: التهمة).

(66) رواه أبو داود (كتاب: الحدود، باب: في الامتحان بالضرب)، والنسائي (كتاب: قطع السارق، امتحان السارق بالضرب والحبس)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4382).

(67) الاعتصام، للشاطبي (3/ 21)، تحقيق ودراسة: الجزء الأول: د. محمد بن عبد الرحمن الشقير، الجزء الثاني: د سعد بن عبد الله آل حميد، الجزء الثالث: د. هشام بن إسماعيل الصيني، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1429هـ/2008م.

(68) السيرة النبوية، لابن هشام (1/ 607)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية، 1375هـ/1955م، والسيرة النبوية (من البداية والنهاية، لابن كثير)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، عام النشر: 1395هـ/1976م.

(69) انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (3/ 272-273)، وحكم تعذيب المتهم للإقرار بالتهمة.

(70) الاعتصام، للشاطبي (3/ 21).

(71) رواه الترمذي (أبواب الديات، باب: ما جاء في الحبس في التهمة)، والنسائي، واللفظ له (كتاب: قطع السارق، الحبس في التهمة)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1417).

(72) رواه الطبراني في المعجم الكبير (باب الميم، بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده).

(73) المنتقى من السنن المسندة، لابن الجارود (كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في الأحكام)، والمعجم، لابن المقرئ (باب الخاء، من اسمه خطاب)، والبيهقي في السنن الصغير (كتاب: البيوع، باب: في الحبس والملازمة).

(74) أحاديث الشيوخ الثقات (المشيخة الكبرى) لقاضي المارِسْتان (أبو الحسن علي بن أبي طالب).

(75) رواه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب: التفليس، باب: حبسه إذا اتهم، وتخليته متى علمت عسرته وحلف عليها).

(76) رواه ابن حبان، واللفظ له (كتاب: المزارعة، ذكر خبر ثالث يصرح بأن الزجر عن المخابرة والمزارعة...)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب: السير، جماع أبواب السير، باب: من رأى قسمة الأراضي المغنومة ومن لم يرها)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (3006).

(77) زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية (3/ 132)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة السابعة والعشرون، 1415هـ/1994م.

(78) الاعتصام، للشاطبي (3/ 20-21).

(79) رواه البخاري (كتاب: الجهاد والسير، باب: الجاسوس)، ومسلم (كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم).

(80) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (9/ 40)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، دار النشر: مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، الطبعة الثانية، 1423هـ/2003م.

(81) رواه البخاري (كتاب: الديات، باب: سؤال القاتل حتى يقر)، ومسلم (كتاب: القسامة، باب: ثبوت القصاص في القتل بالحجر).

(82) الطرق الحكمية، لابن قيم الجوزية (1/ 16)، الناشر: مكتبة دار البيان.

(83) رواه البخاري (كتاب: الديات، باب: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَئًا}).

(84) المصدر السابق.

(85) رواه البخاري (كتاب: الديات، باب: من أقاد بالحجر).

(86) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: تفسير القرآن، باب: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور:19])، ومسلم (كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك).

(87) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني (8/ 469)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

(88) المصدر السابق (8/ 469).

(89) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني (8/ 469).

(90) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (8/ 45).

(91) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني (8/ 469-470).

(92) انظر: رد المحتار على الدر المختار (6/ 136).

(93) وعلى هذا فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. انظر: د. رمضان محمد عيد هيتمي، في بحث له بعنوان: القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين.

(94) الجوهرة النيرة، للزَّبِيدِي الحنفي (1/ 248)، الناشر: المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى، 1322هـ.

(95) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني الحنفي (7/ 223)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1406هـ/1986م.

(96) المبسوط، للسرخسي (24/ 70).

(97) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، للحطاب الرُّعيني المالكي (5/ 216)، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412هـ/1992م.

(98) الذخيرة، للقرافي (10/ 300)، المحقق: ج1، 8، 13، محمد حجي، ج2، 6: سعيد أعراب، ج3-5، 7، 9-12: محمد بو خبزة، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م.

(99) روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (4/ 355)، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، عمان، الطبعة الثالثة، 1412هـ/1991م.

(100) شرح الزركشي (6/ 297)، الناشر: دار العبيكان، الطبعة الأولى، 1413هـ/1993م.

(101) المغني، لابن قدامة المقدسي (9/ 67)، الناشر: مكتبة القاهرة.

(102 ) المصدر السابق.

(103) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للخطيب الشربيني الشافعي (3/ 272)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ/1994م.

(104) أحكام القرآن، للشافعي، جمع أبي بكر البيهقي (2/ 114)، كتب هوامشه: عبد الغني عبد الخالق، قدم له: محمد زاهد الكوثري، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1414هـ/1994م.

(105) رواه الحاكم (كتاب: التفسير، تفسير سورة النحل)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (المهاجرون من الصحابة، عمار بن ياسر)، وقال الألباني: «الحديث كما قلنا فيه نظر من حيث ثبوته» [موسوعة الألباني في العقيدة (5/ 659)]، صَنَعَهُ: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، الناشر: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، صنعاء اليمن، الطبعة الأولى، 1431هـ/2010م.

(106) رواه مسلم (كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا).

(107) رواه ابن ماجه (كتاب: الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي)، والحاكم، عن ابن عباس (كتاب: الطلاق)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2043).

(108) المبسوط، للسرخسي (24/ 49).

(109) البناية شرح الهداية، للعيني (11/ 50)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1420هـ/2000م.

(110) الوسيط في المذهب، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (5/ 389)، بتصرف بسيط، المحقق: أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر، الناشر: دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى، 1417هـ.

(111) المغني، لابن قدامة (7/ 383).

(112) انظر: الإنصاف (8/ 440-441)، والمغني، لابن قدامة (7/ 120)، وانظر: د. رمضان محمد عيد هيتمي، في بحث له بعنوان: القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين، موقع: الملتقى الفقهي.

(113) انظر فتوى بعنوان: حكم اعتقال المتهم وتعذيبه، نقلًا عن موقع: الدرر الشامية.