logo

الشذوذ الجنسي


بتاريخ : الأحد ، 21 شوّال ، 1443 الموافق 22 مايو 2022
بقلم : تيار الاصلاح
الشذوذ الجنسي

إن العالم الذي نعيش فيه اليوم- في أنحاء الأرض- هو عالم القلق والاضطراب والخوف والأمراض العصبية والنفسية، باعتراف عقلاء أهله ومفكريه وعلمائه ودارسيه، وبمشاهدات المراقبين والزائرين العابرين لأقطار الحضارة الغربية، وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية، والإنتاج الصناعي في مجموعه من الضخامة في هذه الأقطار.

وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي التي تأخذ بالأبصار، ثم هو عالم الحروب الشاملة والتهديد الدائم بالحروب المبيدة، وحرب الأعصاب، والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك، إنها الشقوة البائسة المنكودة، التي لا تزيلها الحضارة المادية، ولا الرخاء المادي، ولا يسر الحياة المادية وخفضها ولينها في بقاع كثيرة، وما قيمة هذا كله إذا لم ينشئ في النفوس السعادة والرضى والاستقرار والطمأنينة؟ (1).

فليس عجيبًا أن نجد من ينادى بالحرية الجنسية، فقد وجدنا من ينادى بحرية الشذوذ الجنسي، ولكن العجيب الغريب أن نجد من يجعل هذا من الأسس الإسلامية التي يريد أن يقوم عليها مجتمعنا الحديث، والأشد غرابة ونكرًا أن ينسب القائل نفسه أو أن ينسبه أحد إلى الإسلام، فما بالك إذا قيل بأنه مفكر إسلامي؟! إلا إذا كانت المعاني اضطربت، فأريد باللقب أنه مفكر في هدم الإسلام ومحاربته وإفساد المجتمع المسلم (2).

تعريف الشذوذ الجنسي:

الشذوذ الجنسي: مصطلح مستحدث يطلق على كافة الممارسات الجنسية غير الطبيعية المخالفة للفطرة الإنسانية التي فطر الله عز وجل الناس عليها.

ويعتبر الشذوذ الجنسي من وجهة نظر الشريعة الإسلامية سلوك خاطئ، وحالة مرضية، وممارسة غير طبيعية، وخلق منحرف عن الفطرة الإنسانية السليمة، ويُعَدُّ الشاذ جنسيًا عاصيًا لله جل جلاله؛ فيستحق العقاب في الدنيا والآخرة ما لم يَتُب إلى الله الغفور الرحيم، وذلك لأن الشذوذ الجنسي يعد عدوانًا وظلمًا وتجاوزًا لحدود الله، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون: 5- 7].

وقال المفسرون: إن قول الله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى ورَاء ذَلِكَ}، يشمل كل أنواع الممارسات والاستمتاعات الجنسية الخارجة عن إطار العلاقات الزوجية المشروعة التي أباحها الله عز وجل لعباده.

وعليه فإن الزنى واللواط والسحاق والاستماء وغيرها من أنواع الممارسات الجنسية الممنوعة في الشريعة الإسلامية تعد كلها من الشذوذ الجنسي.

وهو انحراف في الفطرة شنيع، فقد برأ الله الذكر والأنثى وفطر كلًا منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل، الذي يتم باجتماع الذكر والأنثى، فكان هذا الميل طرفًا من الناموس الكوني العام، الذي يجعل كل من في الكون وكل ما في الكون في حالة تناسق وتعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود.

فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف، ولا يحقق غاية، ولا يتمشى مع فطرة هذا الكون وقانونه، وعجيب أن يجد فيه أحد لذة، واللذة التي يجدها الذكر والأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة (3).

وهي ظاهرة غريبة في تاريخ الجماعات البشرية، فقد يشذ أفراد، لأسباب مرضية نفسية أو لملابسات وقتية فيميل الذكور لإتيان الذكور وأكثر ما يكون هذا في معسكرات الجنود حيث لا يوجد النساء، أو في السجون التي يقيم فيها المسجونون فترات طويلة معرضين لضغط الميل الجنسي، محرومين من الاتصال بالنساء.. أما أن يشيع هذا الشذوذ فيصبح هو القاعدة في بلد بأسره، مع وجود النساء وتيسر الزواج، فهذا هو الحادث الغريب حقًا في تاريخ الجماعات البشرية.

لقد جعل الله من الفطرة ميل الجنس إلى الجنس الآخر، لأنه جعل الحياة كلها تقوم على قاعدة التزاوج، فقال: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} [يس: 36]، فجعل الأحياء كلها أزواجًا سواء نبات الأرض والأنفس وما لا يعلمه الناس في شتى المخلوقات.

والتزاوج يبدو أصيلًا في بناء الكون كله- فضلًا على الأحياء- فالذرة ذاتها مؤلفة من كهارب والكترونات، أي من كهربائية إيجابية وأخرى سلبية، وهي وحدة الكائنات المكرورة فيها جميعًا كما يبدو حتى الآن.

وعلى أية حال فالحقيقة المضمونة أن الأحياء كلها تقوم على قاعدة التزاوج، حتى التي لا يوجد لها من جنسها ذكر وأنثى تجتمع خلايا التذكير والتأنيث في آحادها، وتتكاثر بهذا الاجتماع.

ولما كان التزاوج هو قاعدة الحياة في ناموس الخلق، فقد جعل الله التجاذب بين الزوجين هو الفطرة، التي لا تحتاج إلى تعليم، ولا تتوقف على تفكير، وذلك كي تسير الحياة في طريقها بدافع الفطرة الأصيل.

والأحياء يجدون لذتهم في تحقيق مطالب الفطرة، والقدرة المدبرة تحقق ما تشاؤه من وراء لذتهم المودعة في كيانهم بلا وعي منهم ولا توجيه من غيرهم، وقد جعل الله تركيب أعضاء الأنثى وأعضاء الذكر، وميول هذا وتلك بحيث تحقق اللذة الفطرية من اجتماعهما، ولم يجعل هذا في أعضاء الذكرين وميولهما (4).

إن حدة الشهوة وقوتها سبيل إلى تحسين النسل وداعية إلى إبراز أحسن خصائصه وأفضل صفاته، كما أن فتور الشهوة وبرودها سبيل إلى ضعف النسل وداعية إلى تدهور خصائصه وانحطاط صفاته.

ونتيجة خطيرة لشيوع البرود الجنسي هي انتشار الشذوذ الجنسي، فهي راجعة إلى أن الرجل الذي ألف أن يقع نظره على مفاتن المرأة فلا يثور يحتاج لكي يثور إلى مناظر وأوضاع تخالف ما ألف، ومصيبته بالبرود الجنسي تحرمه من الإحساس بذكورته، فيعاني أشد الألم مما يحسه في أعماق نفسه من الذلة والمهانة، ويدفعه ذلك إلى أن يحاول تحقيق متعة الاتصال الجنسي وإثباتها من كل الوجوه، عن طريق التقلب بين الخليلات وبائعات الهوى، والتماس الشاذ الغريب من الأساليب والأوضاع رجاء انبعاث ما ركد من ذكورته، وقد تدفعه مع ذلك إلى إغراق نفسه في المخدرات تعويضًا لما فقده من لذة أو إلى الإجرام أو المغامرة إثباتًا لذكورته من وجه آخر (5).

إن القيم الفاضلة والسجايا الحميدة من عظم المحاسن التي يمكن أن تتحلى بها المجتمعات، وإن الأخلاق الحسنة هو أعظم ما تعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة ورقيها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها فلا يسعهم إلا الاعتراف بها ولها، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم فلا يرون بها بأسًا ولا يرفعون لها رأسًا، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق العالية والقيم السامية.

أما إذا شاعت مساوئ الأخلاق وانتشرت الرذيلة والفاحشة بين أفراد المجتمع وضعفت الشريعة في نفوس أهلها وانقلبت الموازين، دل ذلك على عجز العديد من المجتمعات على ترسيخ قيم السامية في نفوس الناشئة، وهذا راجع إلى مجموعة من الأسباب أبرزها:

أسباب الانحراف والشذوذ:

بعد الناس عن الدين:

نعم إن ابتعادنا عن الإسلام وضعف الإيمان والوازع الديني؛ هو سبب لما نراه من تدني القيم، فالنفس الخاوية من الإيمان لا تخشى الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تبالى بارتكاب المنهيات، ولا تخشى العقاب الرباني، ولا تشعر بالضيق أو بالهم والحزن الذى يشعر به المؤمن في حال التخلي عن مبادئه وقيمه؛ بل يزين له الشيطان سوء عمله، وكذلك اتباع الهوى وانتشار الأخلاق الفاسدة، ومن عرف هذا فقد أدرك كبد الحقيقة، ووضع يده على الدواء الذى لا يُعرف إلا إذا عُرف الداء.

فالسبب الرئيسي طبعًا هو خواء هذه الأرواح البشرية الهائمة المعذبة الضالة المنكودة- على كل ما لديها من الرخاء المادي- من زاد الروح.. من الإيمان.. من الاطمئنان إلى الله.. وخواؤها من الأهداف الإنسانية الكبيرة التي ينشئها ويرسمها الإيمان بالله، وخلافة الأرض وفق عهده وشرطه (6).

غياب دور المسجد:

باعتبار المسجد النواة الأولى في المجتمع الإسلامي، وباعتباره أيضًا المؤسسة الأولى التي لها دورها الكبير في غرس أساسيات القيم والمفاهيم التي يسعى الإسلام لتعليمها للناشئة؛ وخصوصًا الشباب، إلا أن تعرض المساجد للتضيق شيئًا فشيئًا فأصبح ينحصر في المكان المعد للعبادات المحضة فقط؛ كالصلاة وقراءة القرآن والدعاء، في حين أن دوره أكبر من ذلك، ومن عاد لسيرة سيد الأخيار صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، تبين له دور المسجد في الإسلام.

يقول الإمام ابن تيمية: وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسس مسجده المبارك على التقوى؛ ففيه الصلاة والقراءة، والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم (7).

غياب دور الأسرة:

سوء التربية الأسرية للأبناء والمقصود بالتربية هنا التربية الاسلامية التي تنبع من ديننا الحنيف الوسطي، إلا أن العديد من الأسر ابتعدت كثيرًا عن مبادئ الإسلام وتعاليمه السمحة لعدة أسباب أهمها تعلق بعض الأسر بالثقافات الدخيلة على المجتمعات الإسلامية، لأن الأبناء مثل البراعم الصغيرة يلزمها الهداية والعناية منذ نعومة أظفارهم، وتطوير مفهوم القيم الإسلامية بما يتناسب مع أعمار، فمثلًا كالحض والتشجيع على غض البصر والبعد عن المثيرات، ومساعدتهم وخدمتهم في فهم الحياة بصورة صحيحة، ومحاربة الأفكار الشاذة والدخيلة، وليكن الأبوان هما الملهمان للأبناء في تبيين الحقائق والتوجيه السليم.

إن تسامح بعض الأسر إلى درجة لا يدري الولي أين يذهب أولاده وبناته، ومع من يختلطون، إنها فوضى وليست ثقة، وغفلة وليست تزكية، وتفريط لا ينتبه الولي والأسرة إلا إذا وقعت الواقعة.

بعض النصائح التي تساعد الوالدين على حماية أولادهم من خطر هذه الفاحشة المنكرة، وهي:

1- متابعة أنشطة الأولاد الواقعية والإلكترونية؛ بغرض تحصينهم من رسائل ترويجِ وتقبل ودعم الشذوذ الجنسي مدفوعة الأجر في المُحتويات والأنشطة الآتية: (الألعاب الإلكترونية- تطبيقات الهواتف والأجهزة الذكية- الأفلام الكرتونية- المسلسلات والأفلام السنيمائية- المواد الرائجة على مواقع التَّواصل الاجتماعي- الكتب والروايات- فعاليات دورات الألعاب الرياضية- إعلانات وملصقات البضائع والمنتجات)، وغيرها.

2- توضيح موقف الأديان والفضائل الرافض للشذوذ الجنسي، ونشر وعي صحيح يتصدى للدعاية المُوجَّهة لهم عبر المنافذ المذكورة.

3- شغل أوقات فراغ الأبناء بما ينفعهم من تحصيل العلوم النَّافعة، والأنشطة الرياضية المختلفة.

4- تنمية مهارات الأبناء، وتوظيفها فيما ينفعهم، وينفع مجتمعهم، والاستفادة من إبداعاتهم، وتقديم القُدوة الصَّالحة لهم.

5- تخيّر الرفقة الصالحة للأبناء، ومتابعتهم في الدراسة من خلال التواصل المستمر مع معلميهم.

6- التشجيع الدائم للشباب على ما يقدمونه من أعمال إيجابية ولو كانت بسيطة من وجهة نظر الآباء، ومنحهم مساحة لتحقيق الذات، وتعزيز القدرات، وكسب الثقة.

غياب دور المجتمع الإصلاحي:

 بدأت تطل علينا مظاهر غربية، وسلوكيات مشينة، وإذا كان الناس مسلمهم وكافرهم يتفاوتون في تقدير الفضيلة وحمايتها، والتهاونِ في الرذيلةِ وممارستها، فما يزال الناس يفتخرون بالعفة قديمًا وحديثًا كما يقول ابن القيم رحمه الله: جاءت شرائع السماء لتؤكد قيمة الأخلاق، وتصون الأعراض، وتنهى عن الفواحش، وجاء الإسلام متممًا لمكارم الأخلاق، داعيًا لكل فضيلة، محذرًا وناهيًا عن كل رذيلة، وامتلأ كتاب الله بالآيات والسور، والنماذج والأمثال التي ترسي الفضيلة وتعظم شأنها، وتنهى عن الفاحشة، وتذم أصحابها، وجاءت السنة النبوية كذلك بجمع من النصوص، وسيل من القصص والأمثال التي يعلم بها نبي الأمة كيف تبني الفضائل، ويسار في ركب القيم، ويحذر الناس من الفاحشة، وترسم لهم سبل الخلاص منها، ولا غرابة في هذا، فالإسلام دين الفطرة والقرآن، هدى ونور، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق (8).

وإذا تهاون بعض المسلمين بالفضيلة، أو خرقوا سياج الرذيلة، فذاك انتكاس في الفطرة، نسأل الله السلامة، من إغواء الشيطان نعوذ بالله من شرّه وكيده وفي عالم الحيوان عبرة، وفي غيرته موعظةً لأولي الألباب، أخرج البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم (9).

قال ابن حجر وفي القصة من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته، (10).

أتوجد هذه الغيرة عند الحيوان وتغيب عند بعض بني الإنسان، فنسمع بين الفينة والأخرى عن ممارسات شاذة، تتفطر لها الأكباد، ويتألم لها أهل الأيمان، عباد الله، إن هتك الأعراض مخل ببناء الأسر، وإن الخيانة الخلقية هادمة للبيوت، منكسة للرؤوس، تضع الشرفاء، وتخدش كرامة النبلاء، إنها تاريخ يلاحق وفضيحة، ووصمة عار خليق بأهل الإسلام وأصحاب المروءة والشهامة أن يترفعوا عنها.

غياب دور المدرسة:

إن تنشئة الأجيال ليس عبأ فقط على الأسرة؛ بل أيضًا على المناهج التعليمية التي يجب أن تزرع الأخلاق العالية والقيم الاسلامية في الأبناء.

إن التنشئة الأخلاقية السليمة ليست منوطة بمدرس التربية الإسلامية، بل يجب أن يلاحظ جميع المدرسين سلوكيات الطلبة في كل زاوية من المدرسة ليكافئ الطالب حسن الأخلاق ويعاقب سيء الأخلاق، أما ترك الحبل على الغارب وغض الطرف عن السلوك المشين يزيد من الفشل الدراسي والأخلاقي والتربوي للناشئة الذين هم عماد أوطانهم في المستقبل.

غياب القدوة الحسنة:

حلف الرذيلة (وسائل الإعلام):

الفئة المفسدة الداعية إلى الشر والرذيلة، وهم سفلة المجتمعات، وهم أرذال الناس لأنهم خانوا ربهم وخانوا أمتهم وظلموها ونشروا فيها كل رذيلة في المعتقد أو السلوك أو الأخلاق، وشنوا حربهم على حماة الفضيلة وعرضوا الناس للشقاء والنكد في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 123]، وهم المعنيون بقوله تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27]، وهم الذين يشكلون مع أوليائهم من كفرة الغرب والشرق حلفًا عالميًا هو «حلف الرذيلة»، يحاربون فيه حماة الفضيلة، ويمثلهم اليوم الطغاة المستبدون والعلمانيون، وأهل العفن الفني والإعلاميون الهابطون، وعصابات الدعارة والخمور والمخدرات وغيرهم (11).

المواكبة السلبية للتطورات:

انتشار وسائل الاتصال في البيوت مع الرجلِ والمرأة، ولئن كان للهاتف آثاره في ربط العلاقات، فقد عاد الهاتف الجوال أشد وأنكى وأكثر تأثيرًا، لا سيما وقد استخدمت أجهزة تحمل الكاميرا وتصور فوريًا، وتجمع الصورة مع الصوت؛ بل وتنقل الصور من جهاز لآخر بشكلٍ فوري، إنها مأساة حين تنتشر هذه الأجهزة مع السفهاء، ومع الفتيان والفتيات، والمراهقين والمراهقات، ونسأل عن معرفة الأسرة بهذا، فتصدم أن كانوا عالمين وراضين، أو كانوا غائبين وجاهلين بما في أيدي أبنائهم وبناتهم.

إن الأمر خطير جد خطير، وإذا انتقلت هذه الأجهزة إلى صالات الأفراح، ومواقع الاجتماعات النسوية العامة، فالأمر أخطر، فتنبهوا وتأملوا.

أضف إلى ذلك هبوط الذوق العام، وغلبة الطابع الحيواني عليه والجنوح إلى التكشف والعري والتنزيي كما تتزيا البهيمة، في مجتمع يتكشف ويتبرج، وتهتف الأنثى فيه للذكور حيثما كانت هتاف الحيوان للحيوان.

والنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية (12).

إن ما نحتاجه اليوم هو البحث وبشكل دقيق عن حلول ووصفات لائقة لأجل زرع أو إحياء قيم تتماشى وطبيعة المجتمع الذي نتواجد به، ورد الاعتبار للأدوار الفيصلية والأساسية التي تقوم بها الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي ليس فقط المحلي؛ وإنما العالمي على حد سواء، لأننا أصبحنا نتحدث اليوم عن قيم كونية نظرًا لما وصل إليه العالم من تقدم جعل العالم قرية صغيرة، إذ ساهمت التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعية، في التواصل بين الحضارات والثقافات، بسهولة تامة مما سهل تقاسم وتبادل المعلومات والأفكار، والتي ساهمت في تغيير النظام القيمي في المجتمع، والتخلي عن بعض القيم التي كانت تميز بعض المجتمعات في وقت من الأوقات (13).

الأضرار الناجمة عن الشذوذ:

لهذا العمل المشين أضرار عديدة:

أ- أضرار دينية؛ لكونه كبيرة من كبائر الذنوب؛ ولأنه يصد عن كثير من الطاعات؛ ولخطره على توحيد الإنسان؛ ذلك لأنه ذريعة للعشق والتعلق بالصور المحرمة، وهذا ذريعة للشرك بالله، ولأن الاستمرار على فعله قد يقود إلى محبة الفواحش وبغض العفة، فيقع في محبة ما كرهه الله وبغض ما أحبه الله، وقد يتمادى الأمر بمرتكب هذه الجريمة، فيستحل هذه الفعلة، وهذا كله خطر على أصل التوحيد، وذريعة للكفر والشرك والخروج عن الإسلام.

ب- أضرار خلقية، فهو سبب لسوء الخلق، وقسوة القلب، وغلظ الأكباد، وسواد الوجه، وقتل الرجولة والشهامة، والمروءة، والحياء، وهو سبب لنزع الثقة من فاعله، ولسفول الهمة، وذهاب الغيرة وسقوط الجاه، وحرمان العلم والترقي في مدارج الكمال، وحب الجريمة، والجرأة عليها، وهو مذهب للشجاعة والأنفة.

جـ- أضرار اجتماعية، فهو سبب لزوال الخيرات والبركات، وحلول العقوبات والمثلات، وهو سبب لتفرق الأسر، وتفسخ المجتمعات، وانهيار المثل العليا التي يقوم عليها بنيان المجتمع، وهو سبب لفقدان الأمن، وشيوع الاضطرابات، وفقدان روح الجد، وضعف ثقافة المجتمع، مما يجعله يقبل أي فكرة باطلة أو شذوذ منحرف، وهو سبب لقطع النسل.

ذ- أضرار نفسية، كالخوف الشديد، والوحشة، والقلق الملازم، والحزن الدائم، وتقلب المزاج، وكثرة الأوهام والوساوس، والتوتر النفسي، والارتباك والتشاؤم، والتبلد العاطفي، والملل والعبط وشرود الذهن وغير ذلك.

ه- أضرار صحية، منها التأثير على أعضاء التناسل، والإصابة بالعقم، والزهري، والسيلان، والهربس، والإيدز، وفيروس الحب، وغيرها (14).

سبل النجاة:

هناك سبل خاصة تعين المبتلين بهذا البلاء على التخلص منه، منها:

1- التوبة النصوح، والإخلاص لله عز وجل والصبر، ومجاهدة النفس، ومخالفة الهوى.

2- ومنها استشعار اطلاع الله عز وجل، وكذلك امتلاء القلب بمحبته سبحانه وتعالى.

3- ومنها المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد، والصوم، والإكثار من قراءة القرآن الكريم، والمداومة على ذكر الله، والمبادرة للزواج، وتذكر الحور العين.

4- ومنها غض البصر، والبعد عن المعشوق المحبوب، والبعد عن المثيرات عمومًا، والاشتغال بما ينفع، وتجنب الوحدة والفراغ، ودفع الوساوس والخواطر السيئة.

5- ومنها قوة الإرادة، وعلو الهمة، والحياء، والحرص على الستر والعفاف، والبعد عن التكشف والتعري، والاعتدال في التجمل، والإقلال من المزاح.

6- ومنها الوقوف مع النفس، والنظر في العواقب، ومجالسة الأخيار، ومجانبة الأشرار.

7- ومنها عدم الاستسلام للتهديد، وقراءة القصص في العفة، وسماع الأشرطة الإسلامية النافعة، وحضور دروس العلم الشرعي.

8- ومنها عرض الحال على من يعين، ومنها الإلحاح على الله بالدعاء (15).

___________

(1) في ظلال القرآن (1/ 326).

(2) مع الإثنى عشرية في الأصول والفروع (ص: 833).

(3) في ظلال القرآن (5/ 2613).

(4) في ظلال القرآن (5/ 2647).

(5) الاختلاط بين الرجال والنساء (2/ 596).

(6) في ظلال القرآن (1/ 326).

(7) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 118).

(8) روضة المحبين (ص: 349).

(9) أخرجه البخاري (3849).

(10) فتح الباري (7/ 160).

(11) حماة الفضيلة وحلف الرذيلة/ مجلة البيان (العدد: 372).

(12) في ظلال القرآن (4/ 2511- 2513).

(13) أزمة القيم في المجتمعات/ منتديات عمران.

(14) الفاحشة عمل قوم لوط (ص: 132).

(15) الفاحشة عمل قوم لوط (ص: 134).