logo

الروتين الدعوي


بتاريخ : الأحد ، 5 رجب ، 1446 الموافق 05 يناير 2025
الروتين الدعوي

 

"الروتين" هو النظام الذي يضعه الداعية لنفسه من أجل نجاح دعوته، ويبعد به عن الفوضى العبثية التي تضيع الجهود سدى، وبقدر التزام الداعية بالنظام و"الروتين" بقدر نجاحه في الوصول بدعوته إلى بر الأمان، بخلاف الداعية المترجل في دعوته، فلا لهدف يسير، ولا تخطيط ينظم له المسير ويحدد له خطواته.

كيفية تنظيم "الروتين" الدعوي:

"الروتين" الدعوي يمكن أن يكون مفيدًا جدًا للدعاة في تنظيم وقتهم وتحقيق أهدافهم الدعوية بفعالية، وإليك بعض الأفكار حول كيفية تنظيم روتين دعوي:

تحديد الأهداف:

يجب على الداعية تحديد أهدافه الدعوية بوضوح، سواء كانت تعليمية، توعوية، أو اجتماعية، لأن تحديد الأهداف هو جزء أساسي من نجاح الداعية في أداء رسالته بفعالية، قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} [القصص: 5- 6]، هنا تحديد الأهداف العامة والخاصة، فهو مثل عملي ضربه الله لخلاص أضعف الضعفاء من مخلب أقوى الأقوياء، وجعل المستضعفين أئمة وارثين، وسادة غالبين، والتمكين لهم في الأرض، وإراءة الأقوياء المستعلين في الأرض عاقبة باطلهم، لكيلا ييأس المستضعفون في الأرض من روح الله.

وقد قال موسى لبني إسرائيل تمكينًا لهذا المعنى في نفوسهم: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129] (1).

إليك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعد الداعية في تحديد أهدافه:

تحديد الأهداف العامة: يجب على الداعية أن يحدد الأهداف العامة التي يسعى لتحقيقها، مثل نشر الدعوة، تعريف العباد بخالقهم، وحقِّه عليهم، وحقِّهم عليه، ونشر الخير والصلاح، وقطع دابر الشر والفساد، وتعليم الناس أمور دينهم، وإصلاح المجتمع، معالجة المشكلات الأخلاقية في المجتمع، بناء أفراد مصلحين وتنشئتهم نشأة إيمانية صحيحة، إحياء السنة، ونشرها، والتحذير من البدع وإماتتها، وربط الناس بمنهج السّلف الصالح، دعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام وتعريفهم به وبيان محاسنه لهم، إيجاد الطائفة المؤمنة والمجتمع المسلم الذي يطبِّق شرعَ الله وحُكمَه، فيكون نواةً للدولة المسلمة، والخلافة الإسلامية الراشِدة، الإعذار أمام الله بأداء الأمانة وإقامة الحجة على الناس. 

تحديد الأهداف الخاصة: بعد تحديد الأهداف العامة، يجب على الداعية أن يحدد الأهداف الخاصة التي يمكن تحقيقها على المدى القصير والمتوسط والطويل، والتي تحددها مهاراته وقدراته، ودوره الذي يستطيع أن يقوم به، على سبيل المثال، يمكن أن يكون الهدف الخاص هو تنظيم محاضرة أسبوعية أو كتابة مقال شهري، أو خطبة جمعة أو إمامة المصلين، أو خاطرة بعد الصلاة.

تحديد الأولويات: يجب على الداعية أن يحدد أولوياته بوضوح، والتركيز على الأهداف الأكثر أهمية وتأثيرًا، ويعرف ماذا يقدم وماذا يؤخر، وبماذا يبدأ وكيف يتدرج معهم، فالأولويات ضرورة شرعية وتعليمية واجتماعية؛ بل حاجة فطرية وسُنَّة كونية، يلجأ لها كل من تزاحمت الأمور وتكاثرت عليه، حتى لا تضيع الجهود هدرًا. 

ومن الأولويات ترتيب العالِم أو الداعية لأوراقه، الأهم فالأهم، والأحوج فالأحوج، والأنفع للمدعوين فالأنفع، ومن هذا الباب: الدعوة إلى التوحيد قبل العبادات، وإلى الإيمان قبل الأحكام، والخوف من الله قبل النهي عن المحرمات. 

فالداعية في دعوته يبدأ بالأهم فالمهم فالأقل أهمية؛ والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذِكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا (2). 

قال ابن حجر: أشارت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة، وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أُنزلت الأحكام (3). 

التقويم الدوري: يجب على الداعية مراجعة وتقويم أدائه بانتظام للتأكد من تحقيق الأهداف المحددة وإجراء التعديلات اللازمة، ومعالجة القصور إن وجد، وتعديل بعض الأهداف، وإضافة بعض الأمور مع التنقيح المستمر، ومعرفة متطلبات المرحلة، وتلاشي الوقوع في مشكلة، وتلافي الأخطاء، ورفع الهمة وتنمية الذات. 

والتقويم يجعلك تسير في الاتجاه الصحيح نحو الأهداف المرسومة، ويكون ذلك بقياس الأداء، ومقارنـة النتائـج بالأهداف، ضمن معاييـر موضوعـة سلفًا لتصحيح وتعديل أي انحراف في الأداء، ضمانًا لفاعليـة وكفاءة التنفيــذ. 

المرونة والتكيف: يجب على الداعية أن يكون مرنًا وقادرًا على التكيف مع التغيرات والظروف المختلفة التي قد تؤثر على تحقيق الأهداف، فلا يبالغ في وضع أهداف تفوق قدراته الخاصة، ولا يحطم ويهمل إمكاناته المتاحة، فلا إفراط ولا تفريط، بل لا بد من الموازنة للوصول إلى تحقيق الأهداف. 

فالداعية لا ينجح في دعوته ولا يكون موفقًا في مهمته حتى يعرف من يدعوهم، وكيف يدعوهم؟ وماذا يقدم لهم وماذا يؤخر؟ وما القضايا التي يعطيها أهمية وأولوية قبل غيرها؟ وما الأفكار الضرورية التي يبدأ بها؟ 

التخطيط الدعوي:

بعد تحديد الأهداف، يجب على الداعية وضع خطة عمل واضحة تشمل الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق هذه الأهداف. 

والمقصود بأسلوب التخطيط في الدعوة: تفهم الداعية لشمول أهداف دعوته ومقاصدها، وإدراكه الوسائل التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف، ثم وضع خطة محددة المعالم، ينظم جهوده على ضوئها، مراعيًا الإمكانيات المتاحة له، والظروف المؤثرة في الواقع، بحيث تكون هذه الخطة مؤدية إلى تحقيق الأهداف المقصودة، سواء أكانت أهدافًا قريبة أم بعيدة، وأن لا يترك العملية الدعوية تسير خبط عشواء، مستندةً إلى محدودية النظر، والتصرفات الوقتية الصادرة عن ارتجالية لا عن تفكير عميق وتنظيم، أو أن تسيرها الظروف والأحوال، دون أخذ الأهبة والاستعداد للمتغيرات حولها، بل محاولة التنبؤ بما قد يعترضه من عوائق ومشكلات.

إضافة إلى أن التطور العلمي والتقدم المادي في العصر الحاضر، يفرض على المسلم التخطيط والتنظيم، في كل مناحي حياته، والمتأمل في الواقع الحالي، يشهد لأعداء الدين بحسن التخطيط في أمور دنياهم، وينعى على المسلمين اعتذارهم عندما تصيبهم المحن والفتن، أو تأخذ بخناقهم الأزمات والشدائد، بأن هذا من مخططات أعداء الإسلام، الذين يسعون إلى ضرب الإسلام وتعويق انتشاره، فلا بد للمسلم من التخطيط والتنظيم لاستخدام ما لديه من طاقات وإمكانات- قد لا تتوافر كلها لديهم- للوقوف في وجوههم، بل والتفوق عليهم إذا صدق مع الله، ومنطلقه في ذلك ليس التقليد لهم، بل لأن التنظيم والتخطيط هو من سمات الدين الإسلامي (4). 

يُظن بعض الدعاة أن الدعوة تقوم على قول الكلمة الخيرة في أي وقتٍ وفي أي مكان، وأنها تسير بطريق عشوائي يستوي فيه الدعاة على اختلاف إمكانياتهم، ومما لا شك فيه أنّ هناك دعاة آتاهم الله تعالى قدرة فائقة على التبليغ، وتراهم يألفون ويُؤلفون، وقد وضع الله لهم القَبول في قلوب الخلق، وهناك دعاة لا يحالفهم التوفيق في المنطق والأسلوب، وكلا الفريقين بحاجة إلى مبادئ الدعوة وأساليبها والتدرب عليها، وبذلك تكون الدعوة فنا يُتلقى، وقواعد وأساليب تُطَوَّر، ووسائل تتأثر بالتحديث والمعاصرة. 

ويزخر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالعديد من الأمثلة التي تؤكد أهمية التخطيط للدعوة في العديد من المجالات، فنجد في المجال العسكري قول الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمُ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُم} [الأنفال: 62]، وهي آية تشير إلى ضرورة التخطيط العسكري للاستعداد بكل القوة الممكنة، وإظهارها للأعداء، لمنعهم من الإقدام على غزو الوطن، وليس للاعتداء على الناس أو الدول المجاورة مهما كانت الخلافات معها. 

وورد في خطَّة يوسف عليه السلام في مواجهة المَجَاعَة القادِمَة على مِصرْ في عهده، ما جاء في قول الله عزو وجل: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثم يأتي من بعد ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)} [يوسف: 47- 49]. 

ومن صور التخطيط في القرآن قولُ الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 1 – 5]؛ حيث يطلب الله سبحانه من رسولِه تبليغ الدعوة، وترك عبادة الأصنام، ونجد الله جل وعلا يأمر نَبِيَّه بالجهر بالدعوة التي كانت في أولِ مَراحلها سرية؛ إذ يقول سبحانه وتعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. 

ويأمر رسوله بأنْ يبدأ في تبليغ الرسالة بأقربائه وأبناء عشيرته؛ لأَنَّهم الأقرب إليه، والأولى بتصديقه؛ وذلك ليكونَ بِهم قوة يعتمد عليها بعدَ الله في دخول الناس في الدعوة الإسلامية، فقال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} [الشعراء: 214 – 215]. 

وَبَرعَ النبي صلى الله عليه وسلم في التخطيط وإحكام الإدارة ودقة التنظيم في كل مراحل دعوته، فإذا نظرنا إلى الهجرة نجد أنه صلى الله عليه وسلم وضع لها خطة مُحكَمة احتوت على تحديد الهدف، واختيار المكان المناسب، وكتمان الأمر، وتوزيع الأدوار، وتنظيم الوسائل، ورسم أسلوب التنفيذ، ومحاولة التنبؤ بالمستقبل، وقبل كل شيء الاعتماد على الله، والثقة فيه جل في علاه. 

وظهرت رؤية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في التخطيط أثناء بناء المسجد، ودستور المدينة، وحركة السرايا، وغزواته الميمونة واتصالاته بالقبائل والدول والزعماء والملوك، إيمانًا منه بأن التخطيط أساس من الأسس في إنجاح أي عمل من الأعمال، ولا بد منه للبلوغ إلى المقصود وأنه ركيزة أساسية يقوم عليها هذا الدين.

إيجابيات التخطيط:

ويمكن أن نبرز أهم ما يمكن أن يسهم به التخطيط للنهوض بالأعمال الدعوية والارتقاء بها حتى تحقق أهدافها بإذن الله تعالى ثم بجهود الدعاة الصادقين المخلصين، وأبرز هذه الإيجابيات هي:

1- أن التخطيط يحدد أهداف الدعاة وغايات البرامج والمشروعات الدعوية، كما يفيد في حسن الأداء أثناء التنفيذ والتقويم الدقيق بعد ذلك، ولا زال هذا الأمر -وهو وضوح الهدف- غائبًا عن كثير من العاملين في الدعوة؛ فهو لا شك يدرك الهدف العام -وهو تبليغ دين الله- ولكنه قد يجهل الأهداف الخاصة لكل برنامج مما يُوجِد في كثير من الأحيان سلبيات كثيرة على هذه البرامج.

2- يساعد التخطيط في اختيار طرق الدعوة المناسبة والملائمة لكل داعية بحسب قدراته وإمكاناته والمتوافقة مع طبيعة البرنامج والأهداف المرسومة له؛ وفي تحديد الرأي الأقرب للتقوى لكل برنامج؛ فأحيانًا قد يختار الداعية أساليب للدعوة لا تؤدي إلى نجاح البرنامج: إما لعدم مناسبتها لأهداف البرنامج، أو لطبيعة البرنامج وأهدافه، أو لعدم مناسبتها لإمكانات من يتولى تنفيذ البرنامج وقدراته الدعوية، أو أنها غير ملائمة لبيئة الدعوة أو نوع المدعوين وطبيعتهم، وقد (يجتهد) الداعية أحيانًا في اختيار وسيلة غير منضبطة بضوابطها الشرعية.

3- يجعل من السهل التوقع لمعوقات البرنامج الدعوي التي قد يفاجأ بها الداعية أثناء أو قبل تنفيذ البرنامج، ويتم هذا بالاستفادة من المعلومات والبيانات التي يجمعها واضع الخطة الدعوية مما يجعله- بإذن الله- أكثر أمانًا وأقل عرضة للمفاجآت التي قد تُذهب جهوده أو تضعف ثمارها إضافة إلى أنه يعالج الخطأ في الوقت المناسب وقبل أن يتراكم فيمنع الرؤية وتصعب معالجته. 

4- يسهم التخطيط في ترتيب الأوليات لدى العاملين والقائمين على البرنامج الدعوي مما يساعد في اختيار الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل، أو عند الحاجة لتقديم برنامج على الآخر، أو إلغاء أحدهما، أو غير ذلك. 

5- يفيد التخطيط في تحديد مواعيد زمنية تضبط بدء الأنشطة وانتهاءها؛ وهذا يجعل الداعية قادرًا على تقويم أعماله ومدى التزامه بالمدة الزمنية المحددة لتنفيذها، وكذلك في حسن التوقيت لإقامة البرامج ومنع التضارب مع أنشطة أخرى. 

6- يفيد التخطيط في التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية وفي البعد عن الرتابة والتمسك بالأساليب التقليدية؛ مع التمسك بثوابت المنهج الصحيح في الدعوة.

7- يفيد التخطيط في التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة الدعوية بأشكال مختلفة سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية، أو التخصص في البرامج الدعوية، أو غير ذلك، كما يفيد في منع التكرار في البرامج ويحول دون إضاعة الجهود أو إغفال برامج أخرى قد تكون الحاجة إليها أكثر. 

8- يفيد التخطيط في تقويم الواقع الدعوي في المواقع المختلفة التي تنفذ فيها الخطط الدعوية، وفي تحديد مواطن الضعف في الخطة أو في أسلوب التنفيذ ليتم تلافيها في الخطط القادمة؛ وهذا مما يؤكد أهمية التخطيط في أنه يساعد في عدم تكرار الأخطاء التي ترتكب، وفي عمل مراجعات شاملة في نهاية كل خطة دعوية ليتم تقويم النتائج والنسب المتحققة من أهدافها وأبرز سلبياتها وإيجابياتها. 

9- يفيد التخطيط في جعل البرامج والخطط أكثر شمولية وتكاملًا؛ ويلاحظ أثر ذلك في جهود بعض الدعاة أو الجهات الدعوية حيث تركز على شرائح معينة من المجتمع أو على موضوعات وجوانب معينة في برامجها، وتهمل غيرها؛ بينما التخطيط يجعل للعمل الدعوي والجهود الدعوية سمة الشمولية في طروحاتها وبرامجها.

10- يساعد التخطيط على استمرار الجهود الدعوية -بإذن الله- فكثيرًا ما تتوقف الأنشطة وتتعطل البرامج بسبب حدوث المفاجآت كانقطاع الدعم، أو سوء التنفيذ، أو سوء التوقيت، ولعدم وضع بدائل لهذه الحالات الطارئة (5). 

مجالات التخطيط الدعوي:

ومن المجالات التي تتطلب جهود الدعاة عند التزامهم بهذا الأسلوب، ما يلي: 

1- في توزيع المسؤوليات والتكليفات:

وذلك يتم بداية بجودة اختيار الكفاءات وملاءمتها للمهمة، وتحديد الأهداف التي ينشدها القائم بالخطة، سواء أكانت أهدافًا مرحلية مؤقتة، أم أهدافًا عامة، ومن ذلك سرايا تحطيم الأوثان، والسرايا التعليمية الدعوية، كسرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني جذيمة، وتكليف معاذ بن جبل رضي الله عنه بتعليم أهل مكة، وأبي محذورة رضي الله عنه بالقيام بالأذان في المسجد الحرام. 

2- في إعداد الدعاة وتربيتهم:

وذلك بغرس أهمية النظام في سلوكهم وإعدادهم، بشكل متكامل، لتحقيق الداعية المثالي أو النموذجي، فالداعية يحتاج إلى تنظيم وقته وتنظيم جهوده، لأن العشوائية تؤدي إلى بعثرتها وهدرها (6). 

والتخطيط لإعداد الدعاة يساهم في معرفة مواضع الضعف فيهم، فتحدد البرامج اللازمة للنهوض بمستواهم، كذلك في معرفة أصحاب القدرات القيادية أو الإدارية أو غير ذلك من الصفات البارزة في الدعاة الناجحين، مما يساعد على وضع الخطط التي تزيد من فاعليتها وإنتاجيتهم. 

3- في استيعاب المسلمين الجدد:

فإن تركهم هملًا دون العناية بهم، والتخطيط لذلك من قبل الدعاة، قد يؤدي إلى انتكاسهم، وتراجعهم، وعلى أقل الأحوال جهلهم وعبادتهم الله دون بصيرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع هذه المسئوليات على أصحابه فما أن يسلم أحد الناس حتى يكلف به أحد الصحابة ليعلمه، أو ينظم لهم مسكنًا إلى جواره ليتعلم قبل أن يرجع إلى قومه، كذلك يُلزم صلى الله عليه وسلم المسلمين السير في خطة تعليمية لتعليم عدد كبير من الناس، حيث سلك بهم مسلك التعليم الجماعي المستنفر، ودفعهم إلى محو العامية دفعا، وحضهم على ذلك[8]، فقال: «ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون» (7). 

التعلم المستمر:

التعلم المستمر هو عملية مستمرة لاكتساب المعرفة، وتطوير المهارات الشخصية على مدى طويل، وذلك بغرض تحقيق النمو الفكري والمعرفي، ويشمل التعلم المستمر تعلم مفاهيم جديدة وتطوير مهارات عملية واكتساب تجارب وخبرات جديدة، سواء كان ذلك من خلال الدورات التعليمية الرسمية أو الورش العمل أو القراءة الذاتية أو التفاعل مع الآخرين والتعلم من تجاربهم. 

ويركز التعلم المستمر على تعزيز القدرات الفردية وتطوير الخبرات التي تساعد في التكيف مع التغيرات في البيئة العملية والاجتماعية، ويعزز هذا النوع من التعلم الاستمرارية الاستعداد للتحديات الجديدة، وزيادة فرص النجاح في مختلف المجالات الحياتية. 

يُعد التعليم المستمر أحد الركائز الأساسية التي تساهم في تطوير الأفراد والمجتمعات على حد سواء. 

فهو يتيح للأشخاص من مختلف الأعمار والخلفيات فرصًا للتعلم المستمر والتطور الشخصي والمهني. 

من خلال التعليم المستمر، يتمكن الأفراد من مواكبة التغيرات السريعة في مختلف المجالات والقطاعات، مما يساعدهم على تعزيز مهاراتهم وكفاءاتهم وتحقيق تطور مستمر في مسارهم المهني. 

يؤدي التعليم المستمر إلى تحسين المهارات والمعارف في مجالات متنوعة، سواء كان ذلك من خلال الدورات المهنية المتخصصة، أو البرامج التعليمية التكميلية، أو حتى الأنشطة التطوعية والتدريبية. 

يعد التعلم المستمر وتنمية المهارات أمرًا ضروريًا للدعاة والمعلمين في مجال علم النفس الدعوي لعدة أسباب: 

أولًا: يتطور مجال علم النفس الدعوي باستمرار، مع ظهور نتائج الأبحاث الجديدة والنظريات وأفضل الممارسات بانتظام، من خلال الانخراط في التعلم المستمر، يمكن للمدافعين والمعلمين البقاء على اطلاع بأحدث التطورات في هذا المجال، مما يضمن أن عملهم مستنير بأحدث الأدلة وأفضل الممارسات.

ثانيًا: يتضمن علم النفس الدعوي العمل مع الأفراد الذين قد يواجهون مواقف حياتية معقدة وصعبة، على هذا النحو، من الضروري أن يتمتع الدعاة والمعلمون بمجموعة واسعة من المهارات والاستراتيجيات المتاحة لهم لدعم عملائهم بشكل فعال. 

من خلال الانخراط في التطوير المستمر للمهارات، يمكن للمدافعين والمعلمين بناء ذخيرتهم من المهارات والاستراتيجيات، مما يمكنهم من دعم عملائهم بشكل أفضل. 

ثالثًا: يمكن أن يساعد التعلم المستمر وتنمية المهارات للدعاة والمعلمين على البقاء متحفزين ومشاركين في عملهم، من خلال البحث بنشاط عن معلومات وتحديات جديدة، يمكن للمدافعين والمعلمين الحفاظ على شعور بالفضول والشغف بعملهم، الأمر الذي يمكن بدوره، تحسين أدائهم وفعاليتهم بشكل عام. 

باختصار، يعد التعلم المستمر وتنمية المهارات أمرًا ضروريًا للدعاة والمعلمين للبقاء على اطلاع بأحدث الأبحاث، وبناء مجموعة واسعة من المهارات والاستراتيجيات، والحفاظ على الشعور بالعاطفة والتحفيز في عملهم. 

أهم مصادر التعلم المستمر:

الكتب: للكتب دورًا حيويًا في عملية التعلم المستمر، حيث تعد من أهم مصادر التعلم الغنية بالمعرفة والمعلومات في مختلف المجالات، والكتب توفر للقراء الفرصة لاستكشاف موضوعات جديدة وتوسيع آفاقهم الفكرية بعمق وتفصيل قد لا يتوفر في المصادر الأخرى، كما تمكن الكتب القراء من تطوير مهاراتهم اللغوية وتعزيز قدراتهم التحليلية والنقدية. 

الورش التعليمية: توفر الورش التعليمية بيئة تفاعلية تمكن المشاركين فيها من اكتساب مهارات جديدة وتبادل الخبرات بشكل مباشر مع الأعضاء، والورش التعليمية تجمع بين النظرية والتطبيق مما يتيح للمشاركين فرصة لتطبيق ما يتعلمونه في سياق عملي، وهذا يعزز من فهمهم ويساعدهم على تطوير مهاراتهم بشكل فعال ومجدي، وتقدم شهادات معتمدة بعد الانتهاء من الورشة.

الدورات عبر الإنترنت: يوفر هذا النوع من الدورات سهولة في الحصول على المعلومات وجهد أقل، وتتيح هذه الدورات للأفراد فرصة اكتساب مهارات ومعرفة جديدة في أي وقت ومن أي مكان، مما يجعلها مثالية للأشخاص الذين لديهم جداول زمنية منضغطة أو التزامات أخرى، وتقدم الدورات عبر الإنترنت مجموعة واسعة من الموضوعات، وتقدم شهادات معتمدة بعد الانتهاء من الدورة (8). 

التواصل الاجتماعي:

مع اتساع الرقعة السكانية حول العالم، واحتياج الأمة الإسلامية لمن يرشدها ويُعلِّمها صحيحَ الدين، واحتياج غير المسلمين من يبلغهم هداية رب العالمين، ثم مع تطوُّر وسائل الاتصال، وتطور التقنيات بشكل عام وسريع؛ لنصل إلى الإعلام الرقمي، وما يقدّمه من خدمات جليلة في مجال الدعوة الإسلامية، بات لزامًا على الدعاة استثمار هذه المعطيات جميعًا، تيسيرًا لأمر الدعوة، ووصولًا لأكبر قاعدة من جماهير المدعوين؛ تذكيرًا للمسلمين، وإرشادًا لغيرهم. 

ومن حيث إن شَباب اليوم أكثر التصاقًا بأدوات ووسائل الاتصال الحديثة، وما يصحب هذا من قلة غشيان دروس المساجد، فإنه بات لزامًا على الداعية أن يكون في طليعة مستخدمي وسائل وأدوات التواصل الاجتماعي الحديثة لمسايرة الشباب، ويجب ألا ينسى الداعية المسلم أن من أولى مهامه العمل على إعادة الشباب إلى المساجد، وأنه يجب ألا تصبح الوسائل والأدوات الحديثة بديلًا عن المساجد التي هي الأصل. 

أصبحت وسائل التواصل الحديثة، والمعروفة بـ"السوشيال ميديا"، من أهم وسائل الدعوة إلى الله؛ لما لها من قوة التأثير على متابعيها؛ خاصة وأنَّ مجال الدعوة ذو شقين: أولهما: سعي الدُعاة إلى تحسين التزامهم بالإسلام من خلال الوعظ والإرشاد والتعليم الذي يكشف محاسن الإسلام للمسلمين، والثاني: يتمثَّل في دعوة غير المسلمين من خلال هذه الوسائل وما تتيحه من برامج دعوية متطورة تجعل العالم قريةً صغيرةً وتيسر سبل الدعوة. 

لقد أدَّى تنوُّع برامج التواصل الاجتماعي، وسرعة انتشارها، إلى جانب سهولة استخدامها، ومجانيتها، إلى تسهيل كبير للدعوة إلى الله تعالى، إضافةً إلى أن إقبال الناس على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جعلهم مهتمين بمتابعة الدعاة، ولقد عملت وسائل التواصل الاجتماعي على تكثيف وتنويع المدعوين، ما بين الطبقة المثقفة أو الفئة المتعلمة الواعية، وهي وسيلةٌ دعوية متاحة للجميع تؤدي إلى مزيد من التفاعل الحقيقي بين الداعية والمتلقي.

على أن التعامل مع وسائل التواصل في مجال الدعوة يجب أن يكون في إطاره السليم؛ من مراعاة أبرز الأولويات في التعامل مع هذه البرامج، من حسن توظيفها في مجال دعوي حقيقي، بعيدًا عن الملابسات المشبوهة فضلًا عن المحرمات، إلى جانب مواكبة تطورات هذه الوسائل المُتسارعة، والعمل على استثمار فوائدها وإيجابياتها لتوصيل الدين، ورسالته الخالدة إلى بقاع العالم المتباعدة، مع استحضار النية الخالصة لله تعالى خلال أداء دعوي تحفه المشاكل. 

لكن الخطاب الدعوي في منصات التواصل الاجتماعي يغاير الوسائل الدعوية التقليدية؛ فالدعوة عبر الفيس بوك مثلًا ليست كخطبة الجمعة التي يحضرها عدد محدود، وليست كالرسائل الهاتفية التي تُرسل لفئة محدودة، بل هي وسيلة تصل للكثير من الناس مما يُعرَف ومما لا يُعرَف، والمدعوون بها في الغالب لا يُعرَف حالهم ولا ثقافتهم، مما يتطلب دراسة لهذه الوسائل الدعوية المستحدثة، والنظر لأخطارها قبل مميزاتها، والتأمل في عواقب استخدامها.

 وهناك عدة ضوابط ينبغي للداعية أن يراعيها في دعوته عبر تلك المنصات؛ حتى تؤتي دعوته ثمارها، وحتى يتجنب الكثير من أضرار هذه المنصات. وفيما يلي نذكر عددًا من تلك الضوابط في النقاط التالية: 

1- الدعوة عبر "الفيس بوك" ومنصة "إكس" دعوة عامة تشبه خطبة الجمعة؛ فالداعية يُخاطب عددًا من الناس يختلفون في ثقافتهم وعقولهم وأفهامهم، فمنهم طالب العلم المتمكن، ومنهم العامي، ومنهم الوسط، فلا يصلح معهم خطاب واحد في القضايا الإسلامية العميقة التي يكون فيها عدة إشكالات لا يفهمها بعضهم، بل قد تكون فتنة لبعضهم، وكلام العلماء معلوم في التحذير من الحديث في بعض الأمور التي لا يفهمها البعض؛ حتى لا تكون فتنة لبعضهم، فيُكذّبون الله ورسوله. 

فمن الحكمة ألا يحدث الداعية جميع الناس بما لا يعقلون؛ حتى لا يكذب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد يُحَدِّث المرء بعض الناس ببعض الأمور مما لا تبلغه عقولهم، فيكون حديثه لهم فتنة. 

وإن الكف عن ذكر تلك النصوص المُشْكِلَة ليس من باب كتم العلم، بل هو من الحكمة في البيان، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك، قال: ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة»، قال: ألا أبشر الناس؟ قال: «لا؛ إني أخاف أن يتكلوا» (9).

 وفي مقدمة صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة» (10). 

وقال علي رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله» (11)؛ فجميع هؤلاء يحتاجون لخطاب واضح يبتعد عن القضايا التي حدث فيها اختلاف، فيدعوهم للقضايا التي تُوحِّدهم وليس فيها إشكال، مثل موضوعات: إقامة الصلاة والخشوع فيها، والصيام والصدقة، والدعاء، وبرّ الوالدين وصلة الرحم، وتدبُّر القرآن وحسن الظن بالله ...، مع ذِكْر الأدلة من القرآن والسنة ومن كلام العلماء. 

2- ليس كل ما يستحسنه الداعية أو يراه طريفًا يَحْسُن به أن ينشره، لا سيما إذا كان البعض سيَفْهَم منه فهمًا خاطئًا عن بعض القضايا الإسلامية؛ فينبغي للداعية أن يُفتّش في كتب التراث عما يصلح للنشر ولا يتعارض مع أصول الإسلام، ولا يُفهَم خطأ؛ فهذا من الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى. 

3- ينبغي للداعية أن يراعي واقع المدعوين في تلك المنصات، فالناس على تلك المنصات يسأمون كثيرًا، ولا يصبرون على قراءة المنشورات الطويلة، بل يريدون منشورات قصيرة جدًّا، لكن ينبغي أن تكون تلك المنشورات القصيرة واضحة مفهومة، بحيث لا تكون قصيرة مُخِلَّة ولا طويلة مُمِلَّة. 

4- إذا أراد الداعية أن يكون له خطاب خاص في بعض القضايا التي لا يفهمها عامة الناس، ليكون الخطاب فيها لبعض الصفوة؛ فلينشئ لهم مجموعة (جروب)، وليجعل الاشتراك في تلك المجموعة لمن يعرفه معرفة شخصية، ليكونوا ممن يفهمون الخطاب في تلك القضايا الشائكة. 

5- ابتعاد الداعية عن نقد الدعاة المشهورين الذين لهم سَهْم في الخير ونشر الدعوة ولهم أثر مشهود، وإن كان عندهم بعض الأخطاء غير القادحة؛ حتى لا يُنفِّر الناس من خطابه فيتركون متابعته، وإن أراد تبيين خطأ هؤلاء فليركز على الفعل وليس الفاعل، فهناك عدد من الدعاة لهم ذِكْر حَسَن ومكانة طيبة لدى الجماهير، فلا ينبغي نقدهم؛ حتى لا ينفر الكثير من الناس من دعوته. 

6- إذا احتاج الداعية لخطاب خاص في بعض القضايا المُلِحَّة التي لا ينفع فيها الخطاب العام، وإنما تحتاج لخطاب خاص عاجل لا يفهمه أكثر العامة؛ فليجعل خطابه يسيرًا وسهلًا وواضحًا، ويعضده بضرب الأمثلة، وليعد نفسه للرد على التعليقات ليُوضّح المبهم في خطابه، ويكشف المشكل من حديثه. 

7- تجنُّب الغموض في الأسلوب، والبُعد عن المجاز في الحديث والتورية والكناية في الخطاب؛ حتى لا يفهم الناس حديثه على غير حقيقته، فبلاغ الداعية ينبغي أن يكون بلاغًا مبينًا واضحًا لا غموض فيه، مثل بلاغ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلاغُ الْـمُبِينُ} [النور: 54]، والداعية يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وفي أسلوبه الدعوي.

8- من أهم القضايا التي ينبغي للداعية العناية بها في دعوته عبر منصات التواصل الاجتماعي: العناية بالإخلاص لله تعالى في قوله وفِعْله؛ فهذه المنصات تُدْخِل المرءَ في فتنة الشهرة والأضواء والرياء والاستكثار من المتابعين والمعجبين، وهذا يتطلب من المرء مجاهدة النفس في تحقيق الإخلاص ومراجعتها ومحاسبتها، والإخلاص من أشق الأعمال على النفس البشرية.

9- من أهم القضايا التي يحتاجها الداعية في دعوته: العناية بالعلم وطلبه، ومراجعة فتاوى العلماء في القضايا المختلفة، لا سيما المعاصرة منها؛ حتى يكون خطابه في تلك المنصات على هداية ونور، ويبتعد عن الترخُّص المذموم، ولا يفتح للناس الباب في ذلك.

10- ينبغي للداعية أن يكون شديد الرفق والصبر، حليمًا واسع الصدر، واسع الأفق، ويتأنى في خطابه ومواقفه وردوده، فينبغي للداعية تجنُّب كلّ قول ومنشور وتعليق فيه تنفير للناس عبر صفحته على منصات التواصل الاجتماعي. 

11- منصات التواصل الاجتماعي في الغالب فتنة عظيمة تُلْهِي المسلم عن ما ينفعه، وتشغل وقته، وتضيع عليه القيام بمصالحه والعناية بشؤونه، فليحذر الداعية من الافتتان بتلك المنصات، وليكن قدوة صالحة في الانتفاع بتلك المنصات ونفع الآخرين، والحذر من الافتتان بها، وتحذير الآخرين من تلك الفتنة. 

إن منصات التواصل الاجتماعي فرصة عظيمة للدعوة إلى الله تعالى؛ إذا استطاع الدعاة استغلالها جيدًا، وراعوا الضوابط الدعوية، وتجنبوا المحاذير الشرعية؛ ليكون لها أثر حَسن على الناس وعلى مسار الدعوة (12).

------------

(1) تفسير ابن باديس (ص: 391).

(2) أخرجه البخاري (4993).

(3) فتح الباري لابن حجر (9/ 40).

(4) أسلوب التخطيط في الدعوة: التخطيط الدعوي ومتطلباته وآثاره/ منتديات الألوكة).

(5) التخطيط في خدمة الدعوة إلى الله/ موقع مداد.

(6) منهاج الدعاة (ص: 63).

(7) الرسول المعلم وأساليبه في التعليم (ص: 17).

(8) أهمية التعلم المستمر/ منصة إرشاد.

(9) أخرجه البخاري (129)، ومسلم (30).

(10) صحيح مسلم (1/ 11).

(11) أخرجه البخاري (127).

(12) حتى تكون منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي وسائل دعوية ناجحة/ مجلة البيان (العدد: 448).