logo

الأيام المعلومات


بتاريخ : الأربعاء ، 1 ذو الحجة ، 1441 الموافق 22 يوليو 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الأيام المعلومات

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم» (1).

يستفاد من الحديث أن المسلم فضلًا عن أنه يفعل الخير باستمرار، إلا أنه يغتنم الأوقات المباركة التي تهب فيها نفحات رحمة الله تعالى فتتضاعف الحسنات وتُمحى السيئات، فالله عز وجل برحمته فَضَّلَ أيامًا على أيام حتى يتيح للمسلم فرصة اغتنام أكبر قدر ممكن من الأجر والثواب، ونيل أرفع الدرجات.

وإن من فضل الله على عباده أن جعل لهم مواسم الطاعات، يستكثرون فيها من الأعمال الصالحة ويتنافسون فيها بما يقربهم إلى ربهم سبحانه وتعالى.

وحريٌّ بالمسلم الحريص على الخير أن يستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه.

كما ينبغي للمسلم أن يستقبل مواسم الخير عامة بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما يرضي الله عز وجل، فمن صدق الله صدقه الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].

وقد ورد الكثير من النصوص في فضل العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، حيث قال تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} [الفجر: 1- 2]، وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الليالي هي العشر من ذي الحجة، والتي يتعلق بها العديد من الأحكام والآداب والفضائل، ومنها:

فضل العشر الأُوَل من ذي الحجة:

أيام عشر ذي الحجة ولياليها أيام شريفة ومفضلة، يضاعف العمل فيها، ويستحب فيها الاجتهاد في العبادة، وزيادة عمل الخير والبر بشتى أنواعه، فالعمل الصالح في هذه الأيام أفضل من العمل الصالح فيما سواها من باقي أيام السنة، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء» (2).

 قال ابن العربي: والحقيقة فيه أن يوم النحر معدود بالرمي معلوم بالذبح، لكنه عند علمائنا ليس مرادًا في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وقال أبو حنيفة والشافعي: الأيام المعلومات العشر من أول يوم من ذي الحجة، وآخرها يوم النحر، لم يختلف قولهما في ذلك، ورويا ذلك عن ابن عباس (3).

فالكيِّس الفطن من عَرَّضَ نفسه لنفحات رحمة الله تعالى فصلى وصام وتصدق ووصل رَحِمَهُ وعفا عمن أساء إليه وظلمه، وقرأ القرآن وتدبر، وسبَّح وكبَّر، وذكر الله تعالى واستغفر، ونهل من الصالحات ما أمكن، والغافل المغرور الذي يقضي تلك الأيام المباركات في غفلته وفي لعبه، وفي ركضه وراء دنيا زائلة ونفس أمارة بالسوء وصحبة فاسدة؛ فيخسر موسم طاعة عظيم لا يأتي إلا مرة واحدة كل عام.

يدل على فضل هذه العشر أمور:

1- أن الله تعالى أقسم بها، وقسم الله بها يدل على فضلها وعظيم مكانتها، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} [الفجر: 1- 2]، قال غير واحد من المفسرين {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} هي عشر ذي الحجة.

2- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن أنها أفضل أيام الدنيا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أفضل أيام الدنيا العشر» الحديث (4)، يعني عشر ذي الحجة..

3- أن العمل الصالح فيها أفضل من غيرها كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق.

4- أعظم أيام الدنيا؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» (5).

5- اهتمام السلف بها والحرص على اغتنامها؛ فقد كان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه (6).

6- اجتماع العبادات المتنوعة في هذه الأيام: قال ابن حجر رحمه الله: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره (7).

7- فيها يوم عرفة: صوم يوم عرفة سنة فعلية فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقولية حث عليها في كلامه الصحيح المرفوع؛ فقد روى أبو قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» (8)، فيسن صوم يوم عرفة لغير الحاج، وهو: اليوم التاسع من ذي الحجة، وصومه يكفر سنتين: سنة ماضية، وسنة مستقبلة كما ورد بالحديث.

أفضل الأعمال في أيام العشر من ذي الحجة:

الذكر:

تعد العشر الأوائل من ذي الحجة من الأيام المباركة التي يتضاعف فيها الأجر وتغفر فيها السيئات، وقد شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها خير أيام الدنيا، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 203].

التهليل:

والمقصود به قول: «لا إله إلا الله»، وهي شهادة الإسلام، وأول أركانه وعنوان التوحيد، وقد فسر أهل العلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار منها في العشر من ذي الحجة المباركة، أنها أيام الحج التي يتوجه فيها الناس إلى ربهم متجردين من الدنيا وزينتها، موحدين طائعين منيبين راجين رحمته ومغفرته، خائفين من عذابه، فكان من أكثر الأذكار مناسبة في هذه الأيام التهليل.

وقد وردت العديد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، في فضل التهليل، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: من قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما أتى به إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد» (9).

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا، قوله: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» (10).

التكبير:

والمقصود به قول: الله أكبر، وفي التكبير دلالة على تعظيم المولى عز وجل، فهو إقرار بأن الله تعالى أعظم وأكبر من كل شيء، وأنه هو المستحق وحده بالعبادة، وفيه دلالة أيضًا على التوحيد الذي يعد واحدًا من أعظم مقاصد الحج، وقد صرح أهل العلم أن أصح الصيغ الواردة في التكبير في أيام العشر من ذي الحجة، هو ما روي عن أبي عثمان النهدي قال: كان سلمان رضي الله عنه يعلمنا التكبير يقول: كبروا: الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، أو قال: تكبيرًا، اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة، أو يكون لك ولد، أو يكون لك شريك في الملك، أو يكون لك ولي من الذل وكبره تكبيرًا، اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، ثم قال: والله لتكتبن هذه، لا تترك هاتان، ولتكونن شفعًا لهاتين (11).

وعن عمر وابن مسعود: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد (12).

التكبير نوعان:

التكبير المطلق: يبدأ من أول شهر ذي الحجة، إلى آخر أيام التشريق، غير مقيد بوقت معين.

والتكبير المقيد: في أدبار الصلوات المفروضة، وقال الحافظ في الفتح: أصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود أنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام منى.

وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه، تلك الأيام جميعًا.

ومن أقوال العلماء حول فضل التكبير: من أعظم أسرار التكبير في هذه الأيام؛ أن العيد محل فرح وسرور، وكان من طبع النفس تجاوز الحدود لما جبلت عليه من الشره تارة غفلة وتارة بغيًا؛ لذا شرع فيه الإكثار من التكبير لتذهب من غفلتها وتكسر من سورتها (13).

التحميد:

والمقصود به تكرار قول الحمد لله، والحمد عبادة يؤديها المسلم سواء حدثت له نعمة أو لم تحدث، لإظهار الرضا بقضاء الله كله خيره وشره، وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه الله عز وجل لكماله وصفاته، أما بخصوص هذه الأيام فأعظم نعمة ظاهرة فيها أنه عز وجل بلغ العبد هذه الأيام الفاضلة التي تضاعف فيها الحسنات، وتغفر فيها الذنوب، فيجب على كل مسلم في المقابل أن يحرص على الاكثار من التحميد.

فضل التحميد:

وردت العديد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حول فضل وثواب الاكثار من التحميد.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله العظيم» (14).

كما قال الغزالي: لا تظن أن ما في التهليل والتقديس والتحميد والتسبيح من الحسنات بإزاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب (15).

وقال ابن بطال: لا يظن ظان أن من أدى من الذكر وأصر على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته؛ أن يلتحق بالمطهرين المقدسين، ويبلغ منازل الكاملين، بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح (16).

لذلك يجب علينا الحرص على الاكثار من الذكر حتى يذكرنا الله تعالى، ونستدل على ذلك بقوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].

كما قال النيسابوري: إقسام الله تعالى بهذه الأمور ينبئ عن شرفها وأن فيها فوائد دينية ودنيوية (17).

وقد روي عن أبي موسى الأشعري، أنه قال في خطبته يوم النحر: هذا يوم الحج الأكبر، وهذه الأيام المعلومات التسعة التي ذكر الله في القرآن، لا يرد فيهن الدعاء، هذا يوم الحج الأكبر، وما بعده من الثلاثة اللائي ذكر الله الأيام المعدودات، لا يرد فيهن الدعاء (18).

وكذلك يشرع في هذه العشر الإكثار من الطاعات؛ من صدقات على المحتاجين، وصدقات في سبيل الله، وكذلك من صلوات النوافل في غير أوقات النهي، ولا سيما صلاة الليل، وكذلك لا يفتر المسلم عن ذكر الله فيها بتلاوة القران والتسبيح والتهليل، فيشغل هذا الوقت بالطاعات القولية، والطاعات الفعلية، يغتنمها ويكتسب ما فيها من خير فلا تضيع عليه.

يكون فيها صائمًا في النهار، وقائمًا في الليل، وتاليًا للقرآن، مكبرًا ومهللًا ومسبحًا، فيشغل لسانه بذكر الله، ويشغل بدنه بالصيام والقيام، وهذا خير كثير في هذه الأيام العشر التي العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، وإن كان العمل الصالح محبوبًا عند الله جل وعلا في سائر الأوقات، ولكن الله يفضل بعض مخلوقاته على بعض، ففضل هذه العشر على غيرها من أيام الزمان.

وكذلك مما يشرع في هذه العشر أن من أراد أن يضحي عن نفسه، أو عن نفسه وغيره، فانه إذا دخل في العشر لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا حتى يذبح أضحيته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في الحديث الصحيح.

عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أن يضحي فلا يقلم من أظفاره، ولا يحلق شيئًا من شعره في عشر الأول من ذي الحجة» (19).

قال ابن حزم رحمه الله: من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي، لا بحلق، ولا بقص ولا بغير ذلك، ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك (20).

وقال ابن قدامة رحمه الله: إذا ثبت هذا، فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار، فإن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعًا، سواء فعله عمدًا أو نسيانًا (21).

قال الشوكاني: والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار، وقيل: للتشبه بالمحرم، حكى هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط; لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم (22).

ويشرع في يوم النحر لغير الحجاج فيذبحون الأضاحي، تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، وهي سنة نبوية سنها أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأحياها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والأضحية قربان عظيم يتقرب بها المسلم إلى الله ويرى بعض العلماء وجوبها، الإمام أبو حنيفة رحمه الله يرى أن ذبح الأضحية واجب على الموسر، وأما جمهور أهل العلم فيرون أنه سنة مؤكدة، وليس بواجب؛ وعلى كل حال فذبح الأضاحي والهدي في هذا اليوم وما بعده يدل على فضل هذا اليوم؛ قالوا: وهو المراد بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، صل صلاة العيد، وأنحر هديك، وأنحر أضحيتك في هذا اليوم.

عن البراء، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع، فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن يصلي، فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء» (23).

فهذا اليوم تؤدى فيه مناسك الحج، طواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمرة، جمرة العقبة، وذبح الهدي بالنسبة للحجاج وبالنسبة لغير الحجاج ذبح الأضاحي، ومن فضل الله سبحانه أنه مدد أيام الذبح إلى ثلاثة أيام بعد العيد، فأيام الذبح أربعة أيام، يوم العيد وثلاثة أيام بعده، قال صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» (24)، فهذه عشر مباركة، تقدم على المسلمين بخيراتها وبركاتها من الله، على المسلمين من حجاج، وغير حجاج، وفيها هذه الأعمال الجليلة.

وبالنسبة للهدي والأضاحي فلها أحكام ذكرها أهل العلم من ناحية السن، ومن ناحية السلامة من العيوب، ففي الأضاحي والهدي لا يجزي إلا ما بلغ السن المحددة شرعًا، فالضأن يجزئ فيه ابن ستة أشهر، والماعز ما تم له سنة، والبقر ما تم له سنتان، والإبل ما تم له خمس سنين، هذا من حيث السن في الأضاحي وفي الهدي.

وكذلك السلامة من العيوب، من العور والعرج والمرض والهزال. ونقص الخلقة بقطع أو بتر أو غير ذلك، فتكون سليمة من العيوب التي تنقصها من غيرها.

وأما ما يفعل بلحم الهدي، لحم الأضاحي: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]، {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]، ويستحب أن يقسمها ثلاثة أقسام، ثلث يأكله هو وأهل بيته، وثلث يتصدق به على المحتاجين، وثلث يهديه لأصدقائه وجيرانه، مع العلم بأنه لا يجوز أن يبيع منها شيئًا، وكذلك لا يعطي الجزار أجرته من لحم الهدي والأضاحي، بل يتركها لما شرع الله سبحانه وتعالى من الأكل منها، والتصدق والإهداء، وهذه شعائر قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، ومنها الهدي والأضاحي، بان يقدم لها من أنفس ما يجده، ومن أطيب ما يجده؛ لأنها شعيرة وتقرب إلى الله، قال الله جلا وعلا: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37]، المدار على النيات، ولكن مع هذا فلا يقدم شيئًا مستنقصًا، أو قليل النفع، ولا يقدم شيئًا من كسب حرام، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب ولا يقبل الا طيبًا، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، الخبيث: هو الردي، المراد هنا الردي، لا تتصدق بالردي من الطعام من الملابس، من سائر ما ينتفع به، لا تقدم الردي، ولا تتصدق من كسب حرام، بل تصدق من كسب طيب، لان الله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيب، والطيبات لله سبحانه وتعالى.

والحاصل، أن هذه العشر المباركة لها شأن عظيم، فينبغي للمسلم أن يستقبلها بالبشر والفرح والسرور بمقدمها، وأن يستغلها فيما شرع الله فيها، حتى تكون كسبًا له عند الله سبحانه وتعالى، يجده يوم يقدم على الله سبحانه وتعالى، وكما ذكرنا أن كل حياة المسلم فيها خير إذا استغلها في طاعة الله، ولكن تخصص الأيام والأوقات التي فضلها الله سبحانه وتعالى بمزيد اهتمام، ومزيد اجتهاد.

ولكن مع الأسف أن كثير من الناس تمر عليهم أعمارهم، وتمر عليه الأيام الفاضلة، والأوقات الشريفة، ولا يستفيدون منها، تذهب عليهم سدى، وقد لا يكفي أنهم لا يستفيدون منها، بل يستغلونها في الحرام والمعاصي والسيئات، خصوصًا في هذا الزمان الذي فشت فيه الشواغل والملهيات من وسائل الإعلام، والبث الفضائي، والانترنت، والأسواق، والعمل في التجارة، أو العمل في الوظائف، أو غير ذلك.

وهذا وإن كان مطلوب من المسلم أنه يطلب الرزق، ولكن لا يشغله ذلك عن اغتنام هذه المواسم، فيجمع بين طلب الرزق وبين اغتنام هذه المواسم، والله جلا وعلا لم يمنعنا من العمل للدنيا ما نحتاج إليه، ولكنه نهانا أن ننشغل بالدنيا عن الآخرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، وقال سبحانه: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت: 17]، ابتغوا عند الله الرزق واعبدوه، فلا تنساق مع طلب الرزق وتترك العبادة، أو تنساق مع العبادة وتترك طلب الرزق فتكون عالة على غيرك، بل اجمع بين هذا، وهذا.

فالحاصل، أن المسلم يتنبه لنفسه ويتنبه لأوقات الفضائل، قبل أن يقول: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: 56]، قبل أن يواجه ما ذكره الله وتعالى عن أصحاب النار، إذا القوا فيها، قالوا ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل، قال الله جل وعلا: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير} [فاطر: 37]، فمن ضيع وقته وحياته فهذا مصيره، ولا حول وقوة إلا بالله.

 فلنتنبه لأنفسنا، وننبه غيرنا ولنحفظ وقتنا ولنغتنم أوقات الفضائل قبل فواتها، فان ذلك هو رأس المال الذي تخرج به من هذه الدنيا، فعلينا أن نتنبه وننبه إخواننا، ونعظم هذه الأيام بطاعة الله سبحانه وتعالى، ونصونها عن الضياع، ونصونها على ان نشغلها بشيء يضرنا ونأثم به.

***

________________

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (720).

(2) أخرجه أبو داود (2438).

(3) تفسير القرطبي (3/ 2).

(4) صحيح الترغيب والترهيب (1150).

(5) أخرجه أحمد (5446).

(6) أخرجه الدارمي (1815).

(7) فتح الباري لابن حجر (2/ 460).

(8) أخرجه مسلم (1162).

(9) أخرجه البخاري (3293)، ومسلم (2691).

(10) أخرجه الترمذي (3585).

(11) أخرجه البيهقي (6282).

(12) أخرجه الدارقطني (1737).

(13) فيض القدير (5/ 239).

(14) أخرجه البخاري (6406)، ومسلم (2694).

(15) فيض القدير (6/ 148).

(16) فتح الباري لابن حجر (13/ 541).

(17) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (6/ 494).

(18) تفسير ابن رجب الحنبلي (1/ 154).

(19) أخرجه النسائي (4362).

(20) المحلى (6/ 3).

(21) المغني (9/ 346).

(22) نيل الأوطار (5/ 133).

(23) أخرجه البخاري (968)، ومسلم (1961).

(24) أخرجه مسلم (1141).