logo

الدعوة في المدارس


بتاريخ : الأحد ، 29 جمادى الآخر ، 1441 الموافق 23 فبراير 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الدعوة في المدارس

المعلم راع فهو مسئول عن رعيته، رعيته ابني وابنك وأخي وأخوك، رعيته أولاد المسلمين، فهؤلاء من أعظم الرعايا فيجب عليه حفظهم؛ بتعليمهم أمور الدين، وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، وتعليمهم ما أوكل إليه من المواد النافعة لهم في أمور أخراهم ودنياهم.

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»(1).  

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير»(2).

قال الفضيل بن عياض: «عالم عامل معلم يدعى كبيرًا في ملكوت السماوات»(3).

إن وجود طابع التدين بالمدرسة، وذلك بتعاملها وكثرة برامجها، يحل كثيرًا من الإشكاليات الطلابية ويقللها.

 المدارس من أهم محاضن الدعوة والتربية؛ بل هي المكان الأوسع لذلك، والمعلم الذي يحمل هم هذا الدين هو أمة في رجل.                                                                                 

إن الاهتمام بالطلاب الكبار نسبيًا وإعطاءهم قدرًا من الاحترام والتقدير يحد من خطرهم ويفيد بدعوتهم.

إن وجود مدرسين صالحين نشطين سيكون له دور كبير بتنشيط الطلاب دعويًا.

أيها المعلم، أنت تبني شخصية، وتنمي عقلًا، وتهدي، بإذن الله تعالى، قلبًا، وتصوغه ليكون صالحًا في كل ميدان، فإن كان جنديًا كان ناجحًا وشجاعًا، يجعل همه الدفاع عن الدين وعن الحرمات والمقدسات، ويمضي وروحه على راحته، لا يهاب الموت، وإن كان اقتصاديًا كان مخلصًا أمينًا لا يستعبده المال ولا يستذله، وإن كان إداريًا كان عادلًا حكيمًا يعرف كيف يضع النظام وكيف ينفذه، وإن كان عالمًا شرعيًا كان ذلك التقي النقي الذي لا يقول على الله تعالى بغير علم، و«إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة»، كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم(4).

الغاية والهدف من الدعوة إلى الله في المدرسة:

إن الهدف من الدعوة إلى الله داخل المدارس هو إخراج جيل صالح من الطلاب، يسعون إلى إرضاء ربهم، وإلى تطبيق سنة نبيهم، وإلى حمل لواء الدعوة إلى الله تعالى في كل مكان وفي أي زمان، ولا يقتصر الهدف على الطلاب؛ بل إن استصلاح المعلمين من الأمور المقدمة التي يهدف إليها الداعية إلى الله، وكذلك أسر الطلاب وذويهم.

العلم وحده لا يكفي:

إن إعداد الجيل إعدادًا تربويًا صحيحًا لا يكون بالعلم وحده؛ بل يكون بالعلم وبالعمل وبالأخلاق وبالسلوك، لهذا ينبغي أن تكون مهمة المدرس أمرًا آخر أكبر من مجرد نقل المقرر إلى أذهان الطلاب، أو ختم المنهج الدراسي في نهاية العام، أو تصحيح أوراق الإجابة لينام بعد ذلك قرير العين، ويظن أنه قد أدى ما عليه، كلا! إن كل مدرسٍ مطالبٌ بأن يبني الدين والخلق في قلب الطالب، ويرسم الحق في عقله، ويُكَوِّن ذلك الإنسان السوي المستقيم في تفكيره ومشاعره، وفي أقواله وأعماله.

وذلك ليس على مدرس المواد الشرعية فقط، وإن كان مدرس المواد الشرعية يتحمل عبئًا كبيرًا؛ لأنه في نظر الطالب هو الشيخ الذي يتلقى عنه المعلومات: قال الله وقال الرسول، والحلال والحرام، ولكن حتى مدرس الرياضيات ينبغي أن يختار المثال المؤثر في ذهن الطالب.

فليس صحيحًا أن يختار المدرس، مثلًا، للمسائل الحسابية الربح البسيط والربح المركب، الذي هو لون من ألوان الربا، وليس صحيحًا أن تكون الأمثلة تتراوح بين أعداد أجهزة الهدم والفساد والتخريب، أو بين أرقام الفوائد الربوية، أو بين إحصائيات غريبة، والتي لا تمت بصلة إلى ديننا ولا إلى مجتمعنا.

كذلك مدرس العلوم، مثلًا، فإنه يستطيع أن يبني مع كل معلومة جديدة يقدمها للطلاب لبنة في إيمانهم؛ إيمانهم بالله تعالى خالق الكون، ومحبتهم لله عز وجل، وخوفهم منه، وإيمانهم بالدار الآخرة، وإيمانهم بالجنة والنار، فإن المدرس يستطيع أن يصنع من ذلك شيئًا كثيرًا.

كذلك مدرس اللغة العربية يستطيع أن يربط اللغة بالشريعة، فاللغة هي وعاء الإسلام، وبها نـزل القرآن الكريم، وبها تكلم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ بل هو أفصح من نطق بالضاد، فينبغي أن تكون اللغة عنده وسيلة لتعميق مفاهيم الإيمان، وليست وسيلة إلى ترويج المبادئ العلمانية، أو الأفكار الحداثية، أو الدعاية للشخصيات ورموز الأدب الغربي والشرقي المناوئ للإسلام.

كذلك مدرس اللغة الإنجليزية يستطيع من خلال تلك اللغة أن يعلمهم المصطلحات التي يحتاجون إليها، والمقابل لها من المصطلحات الشرعية، وأن يبين لهم لماذا يدرسون هذه اللغة، وأن يسعى لتصحيح المفاسد الموجودة في تلك المناهج، وإلى تربية عقول الطلاب، لا أن يجعل من تدريسه لهذه المادة، مثلًا، فرصة لنقل التعاسات الغربية، أو ربط الطلاب بمجتمعات أجنبية، أو دعوتهم لمشاهدة الأفلام، أو السفر إلى تلك البلاد، أو معايشة الأسر الكافرة بحجة تعلم اللغة.

حتى مدرس الرسم، مثلًا، يستطيع أن يربي الطالب على النظر في ملكوت السماوات والأرض، وعلى أن يتجنب ما حرم الله تعالى من رسم ذوات الأرواح، وعلى أن يكون إنسانًا معظمًا لله تعالى، متأملًا في بديع صنعه وخلقه.

وحتى مدرس الرياضة يستطيع أن يجعل من هذه الحصة، التي ينظر إليها الكثير على أنها لمجرد الراحة بعد عناء الدروس، أن يجعل منها فرصة لتربية الطلاب على الأخلاق، وإبعاد الكلمات البذيئة الفاحشة من ألسنتهم، ومنعهم من التصرفات المنافية للأخلاق، وأقول مثل ذلك لجميع المدرسين.

الحرص على الوصول إلى قلوب الطلاب:

نحن نقول: من أهم المهمات التي تنتظر المدرس هو أن يحرص على الوصول إلى قلوب الطلاب، وأن يقيم بينه وبينهم علاقات الحب، والمودة المتبادلة، هذا هو أهم ما ندعو إليه، وهي المهمة الكبرى التي تنتظر المدرس.

فهل هذا الأمر الذي نطالب به المدرس يعتبر نوعًا من المثالية؟

قد يكون هذا صحيحًا، ويكفينا أن نحاول في ذلك؛ بل يكفينا أن ينجح في كل مدرسة، على الأقل، فرد واحد من الصالحين؛ بالتسلل إلى قلوب الطلاب، والتأثير فيهم، وكسب ولائهم للخير والهدى والصلاح.

إنه يحزنني كثيرًا أن نجد مدرسًا همه كسب الطلاب من أجل النادي، أو كسبهم لغرض شخصي، أو كسبهم لفكرة منحرفة فاسدة، أكل عليها الدهر وشرب، وقد تربع هذا المدرس على عروش قلوبهم، وصار هو مجال حديثهم، فلا يذكر إلا بالمدح والشكر والثناء، ثم قد تجد مدرسًا مخلصًا مستميتًا، باذلًا مضحيًا، سهر الليل وتعب النهار، وجد واجتهد وتعب، ومع ذلك لم يظفر منهم بغير السب والقذف والتنقص.

إنها مأساة جيل، يجب أن نفكر بدقة كيف نتعامل مع هذا الجيل؛ لأننا لسنا وحدنا المتعاملين معه، فالتلفاز يتعامل معه، وقرناء السوء يتعاملون معه، والشارع، والبيت؛ بل ربما مؤسسات كثيرة تتعامل معه على بعد آلاف الأميال في أقاليم وبلاد ومناطق أخرى، فينبغي أن نتعامل معه بدقة، وأن نعرف كيف نستطيع أن نؤثر فيه، ونتسلل إلى قلبه؛ لنكسب ولاءه للإسلام والخير والدعوة(5).

وسائل دعوية خاصة بالطلاب:

فالمدارس من أهم محاضن الدعوة والتربية؛ بل هي المكان الأوسع لذلك، والمعلم الذي يحمل هم هذا الدين هو أمة في رجل، ولإحياء ذلك أطرح بعض المقترحات التي سمعت بها أو رأيتها، ومنها:

1- القيام بعمل نشاط ثقافي شهري تبذل فيه الهدايا القيمة، ويوضع كتاب كل شهر، مع مسابقة تكون جوائزها كتابًا وأشرطة أو غيرها من الهدايا المرغوبة لكل عمر من الأعمار، وهكذا يكون في كل عدد زيادة في المشتركين والمشتركات، مع ما يصل إلى البيوت من الهدايا الدعوية القيمة.

2- التركيز حين الدرس على الدعوة، وإشعار الطلاب والطالبات بأهمية المحافظة على الواجبات، والبعد عن المحرمات، وربط ذلك بواقع الناس.

3- استقطاب المحاضرين والمحاضرات من خارج المدرسة؛ رغبة في التغيير والتجديد على الطلاب، ويختار بعناية المواضيع التي تعود بالنفع على الجميع، وتطعم بالقصص والمشاهدات.

4- إقامة علاقات مودة لكسب قلوب الطلاب والطالبات، وإشعارهم بأهميتهم، وحل مشاكلهم والقرب منهم.

وأذكر أن أحد أئمة المساجد ذكر لي أن سبب حفظه لكتاب الله عز وجل أن أحد المدرسين سأله: كم تحفظ من كتاب الله؟ يقول فأجبته: أربعة أجزاء، فقال: هذا لا يليق بك، وبدأ يراجع ويسمع لي حتى تيسر لي حفظ كتاب الله عز وجل.

ومدرس آخر يقول: درست في المرحلة الثانوية فوجدت طالبًا مهملًا، مؤذيًا لزملائه، بليد الفهم، لا يحل واجبًا، ولا يحفظ درسًا، يقول المدرس: فأخذته إلى غرفة منفردة وقلت له: أنت طالب قيادي، ولا يصح هذا منك، أنت تدير مدرسة كاملة؛ ولذا سأجعلك مسئولًا عن النظام في الفسح، قال الطالب: أنا، فقلت: نعم أنت، وسوف تقوم بهذه المهمة أحسن قيام، قال المدرس: تغير حال الطالب بعد ذلك، وأصبح من المؤدبين المنضبطين دراسيًا، وأتى والده إلي وقال: ماذا فعلت بابني؟ لقد تغيرت حاله وصلح أمره؛ قلت: هي لمسات بسيطة وخبرات تربوية، وما كان لديه من نشاط وحركة جعلته في صالح المدرسة، ونجحت في تحويل مجرى هذه الطاقة من الأذية والفوضى إلى النفع والانضباط.

مدرسة موفقة جعلت في نهاية شهر شعبان ورقة مسطرة تحوي جدولًا لشهر رمضان، ووضعت خانات للصلوات الخمس وللصيام، وكذلك جدولًا لقراءة القرآن وحفظه، ووزعته على طالبات المرحلة الابتدائية، ثم استقبلت الأوراق في شهر شوال فإذا النتيجة الباهرة، لقد ربت الصغيرات وعودتهن على الصلاة والصيام وقراءة وحفظ القرآن، فكم في ورقة واحدة فقط من سنة حسنة ودلالة على الخير فعلتها هذه المدرسة مع طالباتها(6)!

وسائل دعوية خاصة بالمعلمين:

- توفير الكتيبات والمجلات الهادفة في غرفة المعلمين للاطلاع عليها.

- القيام بزيارات خاصة لبعض المعلمين في منازلهم.

- الاجتماع الأسبوعي أو الشهري بين المعلمين، خارج إطار العمل، وإعداد كلمات أو مواعظ خاصة تلقى في هذه الاجتماعات.

- استغلال المناسبات لأي معلم للتهنئة في الأفراح والمواساة في الأتراح.

- توزيع شريط شهري أو كتب مختارة(7).

من معوقات الدعوة في المدارس:

ضعف التخطيط للبرامج الدعوية:

يتوقف نجاح البرامج الدعوية على التخطيط الجيد لها، والتخطيط هو: وضع خطة يسير عليها القائمون بالعمل، وَفقًا لأهداف محددة، مع مراعاة استخدام الموارد البشرية والمادية على أفضل وجه ممكن، والمقصود بالتخطيط في الدعوة: تفهُم المعلم الداعية لشمول أهداف دعوته ومقاصدها، وإدراكه الوسائل التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف، ثم وضع خطة محددة المعالم بعد تفكير عميق، تنظم جهوده على ضوئها، وتراعي فيها الإمكانيات المتاحة له، والظروف المؤثرة في الواقع، بحيث تتحقق الأهداف المقصودة، سواء كانت أهدافًا قريبة أم بعيدة، مع محاولة التنبؤ بما قد يعترضه من عوائق ومشكلات، وألا يترك العملية الدعوية تسير خبط عشواء، أو يستند إلى محدودية النظر، أو إلى التصرفات الوقتية الارتجالية، أو أن يسيره الظروف والأحوال، دون أخذ الأهبة والاستعداد للمتغيرات حوله(8).

ومما يؤدي إلى ضعف التخطيط عدم وضوح الأهداف التي يسعى المعلم الداعية إلى تحقيقها، أو تعارضها وعدم ترتيب أولوياتها، أو عدم القدرة على التخطيط الجيد بطريقة صحيحة، أو عدم امتلاك المرونة الكافية؛ لأن مقصود التخطيط هو التنظيم والتوجيه لا التقييد والإيجاب، أو عدم الواقعية من حيث ملاءمة الإمكانات والوسائل اللازمة والمتوفرة، مما يسبب للداعية وللطالب، في آن واحد، كثيرًا من التخبط والتردد والحيرة، وضعف الجهد والثمرة.

ولا شك أن إهمال التخطيط أو ضعفه يؤدي إلى إعاقة الدعوة؛ كالتأخر في إبلاغ الطالب والإعلان عن البرامج والأنشطة، وهذا يعيق الحضور والمشاركة، ويقلل عدد المشاركات، وخاصة الأنشطة التي تحتاج من الطالب إلى الاستعداد المسبق، وتنظيم للوقت كي لا تتعارض مع واجباته الدراسية؛ كالمسابقات وكتابة الأبحاث العلمية.

انعدام التحفيز والتشجيع على الحضور والمشاركة:

إن انعدام التحفيز والتشجيع في العمل الدعوي، وضعف متابعة المعلم الداعية لحضور الطالب وتحفيزه بشكل كاف؛ مما يعوق النشاط الدعوي ويقلل حماس الطالب لحضوره، وخاصة في الأنشطة الدورية؛ كالحلقات والدروس العلمية، فإن هذا الأمر من مهمات القائم بالدعوة؛ حيث يتأثر الطالب بما يظهر من حماس لدى المعلم لتطبيق البرنامج.

وللحصول على نتائج إيجابية للأنشطة الدعوية لا بد من تحفيز الطالب معنويًا أو ماديًا؛ كتقديم الجوائز التشجيعية؛ حيث إن التشجيع والمكافآت يقدمان للطالب عند مشاركته في أي أنشطة مدرسية أخرى، فلا بأس من تقديمه لمن يحضر ويشارك في الأنشطة الدينية، لما له من أثر إيجابي.

وبالرغم من أن الأنشطة الدينية؛ كحلقات القرآن، عبادة يتقرب بها الطالب إلى الله تعالى، وأن ربطه بالمكافآت (المعنوية والمادية) قد يفسده ويفقده أهدافه، إلا أن الحاجة إلى التشجيع باقية والمكافأة مهمة، مع مراعاة توجيه الطالب إلى احتساب أجره عند الله، من خلال تذكير المعلم بالأجر والثواب الأخروي، وعدم ربط الأنشطة بوجود المكافأة وعدمها.

عدم ملاءمة الأوقات المحددة للأنشطة الدعوية:

إن تنفيذ الأنشطة في وقت غير مناسب للطالب؛ يعوق نجاح الأنشطة الدعوية، ويسبب عدم مشاركته واستفادته منها؛ بسبب ضيق أو ازدحام وقت اليوم الدراسي، وعدم تخصيص وقت معين لتنفيذ الأنشطة، فإقامة الدروس في الفسحة الدراسية لا يشجع الطالب على الحضور بصورة منتظمة، نظرًا لحاجته للترويح عن نفسه أو لتناول بعض الطعام أو غير ذلك.

كما أن تنفيذ النشاط في آخر اليوم الدراسي؛ مثل الحصة الدراسية الأخيرة عند بعض الصفوف، يقلل من عدد الطلاب المشاركين في النشاط؛ نتيجة الإرهاق بعد اليوم الدراسي، سواء عند المعلم أو الطالب.

أما الأنشطة والمحاضرات التي تتطلب حضور جميع طلاب المدرسة أو معظمهم إلى مكان محدد وزمان محدد، للاستماع والاستفادة مما يلقى في المحاضرة، فقد لا تتحقق أهدافها الدعوية بسبب توقف الدراسة في ذلك الوقت، وحدوث التعارض بين الأنشطة الدعوية والعملية التعليمية.

ضعف تقويم الأنشطة والبرامج الدعوية:

يُعد التقويم من الوسائل الضرورية للارتقاء بأي نشاط بشري، والمقصود بالتقويم أن يقف الإنسان محاسبًا نفسه، مقومًا ثمرة عمله، مكتشفًا نقاط قوته وضعفه، ومصادر هذا الضعف وهذه القوة، طارحًا على نفسه مجموعة أسئلة: هل تحقق الهدف؟ وإلى أي حد تحقق؟ وما إمكانية تحقيق ثمرات أفضل؟

إن الدعوة إلى الله تحتاج إلى تقويم مستمر، ويمكن القول بعبارة أخرى: من المهم لنجاح الدعوة في المرحلة الثانوية تقويم المخرجات والنتاج في العمل الدعوي؛ حتى لا يتحول إلى نماذج متكررة تقليدية، أو أمور شكلية بدون ثمرة حقيقية لها، وحتى لا تتسع الهوة بين الجهد والوقت؛ وبين الإمكانات المبذولة وبين الثمرة.

إن قيام الدعوة على طرق معيّنة ووسائل وأساليب محددة، دون تقويمها وتعديل سيرها، يعيق الدعوة، فتوزيع الكتيبات والمطويات، مثلًا، على الطلاب من وسائل الدعوة الناجحة في نشر العلم؛ بل تعتبر في الوقت الحالي من مصادر العلم والمعرفة والموعظة الحسنة، ولكن من المهم قبل استمرار الداعية على هذه الوسيلة أن يقوّمها، ويتوقف للتأمل في مدى استفادة الطالب منها، ومدى إقباله على سماعها وتأثره بها، وإلى أي حد تتكافأ الجهود والأموال المبذولة لتوزيعها مع الثمرات المتحققة من ورائها، وما مدى مناسبتها لشرائح الطلاب المختلفة، وما درجة إقبال الطالب على الاستماع من شخصية المتحدث فيها، ومدى مناسبة المادة العلمية للطلاب... إلى غير ذلك من جوانب التقويم التي تهتم برأي الطلاب ووجهة نظرهم، وتراعي تفاوتهم في المستويات والرغبات، فالدعوة في خطابها للطالب لا تهدف إلى وضع جميع الطلاب في قالب واحد ونموذج واحد، بقدر اهتمامها بتوجيه قدراتهم وإذكاء الخير في نفوسهم، مع الارتقاء بإيمان كل طالب على حدة.

إن عدم تقويم العملية الدعوية مما يعيقها بشكل كبير؛ حيث يسير المعلم في دعوته دون شعور بوجود مشكلة يجب وضع الحلول المناسبة لها، أو بحث عن عوامل وأسباب أدّت إلى ظهور بعض المشكلات بها؛ بل قد لا ينتابه شك في صحة وسلامة كل ما يقوم به في دعوة الطلاب؛ لذا فهو لا يبحث عن معايير يقوِّم بها عمله ودعوته، وبالتالي لن يبحث عن السبل التي ترتقي بالعمل الدعوي.

الاكتفاء بالعرض النظري للدعوة:

الإسلام دين شامل يجمع بين القول والعمل، ويؤكد على العمل الذي هو ثمرة العلم؛ لذلك ينبغي العناية بالبرامج والأنشطة الدعوية العملية، التي تهتم بالجانب المعرفي، بالإضافة إلى الجانب السلوكي والتطبيقي، فيتلقى الطالب العلم والعمل في آن واحد، فالحاجة ماسة إلى تربية دينية، قد يكون التعليم الديني وما فيه من معارف أحد وسائلها.

لا بد من بيئة دينية، وقدوة دينية، وسلوك ديني؛ ولذلك كان الاعتماد على الأنشطة الدينية التي يمارس فيها التلميذ ألوان السلوك الديني، إننا اليوم في حاجة إلى جو ديني تهيئه المدرسة ويهيئه البيت، ويتعاون في تهيئته مؤسسات المجتمع أكثر من التركيز على المعرفة الدينية(9)؛ لأن الملاحظ أن الطالب في المرحلة الثانوية يتلقى من خلال مقررات العلوم الدينية كمًّا ملائمًا من المفاهيم والقيم والعلم الشرعي، ولكنه، غالبًا، ينساه بعد أداء الاختبارات، دون أن يكون لها التأثير السلوكي المطلوب، أو أن يستفيد منها في حياته العملية(10).

الدعوة العملية في العملية التعليمية:

تقديم المساعدة للطالب عند حاجته لها:

قد تمر بالطالب ظروف معينة يحتاج معها للمساعدة، وهي الشفاعة، قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء:85]، أو ما نسميه بتعبيرنا (الفزعة)، وعندها يحسن بالمعلم أن يتدخل، وقد ذكر لي أحد المعلمين أن طالبًا كاد أن يطرد بسبب الشك فيه أنه أفسد أحد أجهزة المدرسة وكان خارج حجرة المدير، فلما رآه المعلم قال: رأيت وجهًا ليس بوجه كذاب، سألته فصدقني فشفعت له عند المدير فقبل شفاعتي، فهداه الله بهذه الشفاعة ولله الحمد.

وقد يحسن كذلك السكوت عن خطأ قام به بعض الطلاب إذا علم أن السكوت سيؤثر عليه.

وقال الآخر: أنه دخل على جملة من الصفوف لتفتيشهم والبحث عمن يحمل الدخان أو سكاكين ونحوها، فرأيت أحدهم في جيبه سكين، وهو من الطلبة الهادئين، فنظرت له وكأني أكلمه حتى لا يراني المدير، وقلت له: ترى شفتها، وهي آخر مرة؟ فقال: وعد آخر مرة.

فبقي هذا الطالب يحفظ للمعلم بل لكل المتدينين هذا الفضل.

محاولة الوصول لجوهر قلبه:

قال سيد قطب رحمه الله: «عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه العيون أول وهلة، لقد جربت ذلك، جربته مع الكثيرين، حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور، شيء من العطف على أخطائهم وحماقتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية، غير المتصنعة، باهتماماتهم وهمومهم...، ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص.

إن الشر ليس عميقًا في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانًا، إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء، فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية، هذه الثمرة الحلوة إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر من الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى أخطائهم وعلى حماقتهم كذلك، وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون، لقد جربت ذلك، جربته بنفسي، فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام»(11).

الثناء عليهم بما فيهم من الخير:

ومنطلقنا هنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل»(12)، فما ترك ابن عمر رضي الله عنهما قيام الليل حتى مات.

فهذه بضع كلمات فيها ثناء صادق، حثت ابن عمر رضي الله عنهما على قيام الليل.

فكذا الطالب يحتاج منك إلى تشجيع، وهو شيء من الثناء وفيه نصيحة طيبة.

قال سيد قطب رحمه الله: «عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة، إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين؛ لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء، إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير، وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة، ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب.

كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مئونة التضايق منهم، ولا حتى مئونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم؛ لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم، فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نموًا كافيًا، ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا!

كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير»(13).

صفات المدرس الداعية:

- قدوة في عمله:     

لا بد أن يكون المدرس الداعية قدوة في عمله، فهو يعامل الطلاب بما كسبوا، ولا يعاملهم بشيء خارج عن إرادتهم، نعم، أنا قد أخص طالبًا بمزية أو زيادة درجة؛ لأنه ذو أخلاق فاضلة، ولأنه طالب محترم مؤدب، وهذا لا يشترط فيه قانون أو نظام يأتيني؛ لأن أصل التعليم بناء الأخلاق وبناء الدين، وليس بحشو المعلومات، ولكن المجال مفتوح لغير هذا الطالب، فكل من كان على مثل ما كان عليه من الأخلاق، فأنا مستعد أن أعامله المعاملة نفسها، ولا أخص طالبًا بغيره، ولا أحتقر سواه ممن لم يحصلوا على هذه الدرجة أيضًا، أما أن أميزه بأمر آخر لشرفه، أو لوطنه، أو لمكانة والده، أو لغير ذلك، فهذا لا يجوز.

 - يربي الأجيال:

كذلك مهمة هذا المدرس الداعية، مهمته تربوية لا تنتهي عند حد تلقين المعلومات، فهو قد يخصص جزءًا من الدرس، ولو خمس دقائق، للتوجيه، أقول: التوجيه ليس شرطًا أن يكون توجيهًا مباشرًا، قد يكون نصيحة أو موعظة مباشرة، ولكن الغالب أن الطالب المراهق يستثقل النصيحة المباشرة، لكن من الممكن أن تكون النصيحة على شكل قصة أحيانًا، أو على شكل حديث عفوي، بيني وبين الطلاب، أو ما شابه ذلك.

 - يشجع المواهب:   

المدرس الداعية القدوة يعتني بالطلاب البارزين، ويخصهم بالتوجيه، ويحرك مواهبهم، ويفتح أمامهم المجال؛ لأنه يعتبر هؤلاء الطلاب هم الأمل لهذه الأمة، أن يكون منهم الخطيب المفوه، والداعية المسدد، والعالم الكبير، والمفتي الذي يكون مرجعًا للناس، إلى غير ذلك، فهو يعطي هؤلاء الطلاب الموهوبين عناية خاصة، ويحرص على إبرازهم، وتحريك مواهبهم.

- يعمل على إيصال الدعوة إلى البيوت:      

إن المدرس الداعية يحرص على إيصال الدعوة إلى البيوت، فالطلاب والطالبات مندوبون عنده لنقل الكتاب إلى أهلهم، ونقل المعلومات المفيدة والتوجيهات الصحيحة والأخبار المفيدة إلى من وراءهم من الأهل، كبارًا وصغارًا.

- يهتم بالنشاط المدرسي لتربية الطلاب:

والمدرس الداعية يهتم بالنشاط المدرسي، وإن كان لا بد من العناية بالجانب المظهري في النشاط المدرسي، من الرسوم والخطوط وغيرها فليكن ذلك ذريعة إلى غيره، وإلى ما سواه من ألوان النشاطات المدرسية التي هي بناء للطلاب؛ كالاجتماعات المفيدة، والرحلات النافعة، ولا يكون هذا النشاط المظهري غاية ننتهي إليها.

فالنشاط المدرسي نشاط مهم جدًا، وينبغي أن نـزاحم المؤسسات الأخرى الموجودة في المجتمع؛ كالأندية الرياضية وغيرها، في شغل أوقات الطلاب، وإنه ليؤسفني أن أقول: إننا أصبحنا نسمع ونقرأ، في صحف اليوم، أن النشاطات المدرسية في المدارس الأهلية في بلادنا، أو في المدارس الأجنبية، أصبحت في غاية الغرابة، فهي تعلن عن نشاطات رياضية، ونشاطات للسباحة؛ بل تعلن عن أسفار إلى بلاد الغرب للطلاب في المرحلة الثانوية؛ بل ربما في المرحلة المتوسطة والابتدائية، وتعلن عن نشاطات كثيرة، ومن الواضح أن المستهدف بها خلق الطالب، ودين الطالب، وحياء الطالب، ومروءة الطالب، ورجولة الطالب، ومحاولة سلخه عن الدين.

فأحرى بتلك المدارس، التي تمتلئ بالمدرسين الأخيار، أن تكون مجالًا للدعوة إلى الله تعالى، وأن يحرصوا على الاستفادة من كل الفرص في شغل أوقات الطلاب في النشاطات المفيدة، ولا ينبغي أن تقتصر هذه النشاطات على النخبة من الطلاب أو الصالحين منهم، فالكثير من الطلاب ربما يكونون راغبين في الخير لو وجدوا الموجه الناصح، ولكنهم تأثروا بغيره.

إن البيت والشارع والمجتمع، بنواديه ومؤسساته وشلله الشبابية، كلهم ربما لا يساعدون المدرس، فهل من العقل أو العدل أن يبقى المدرس وحيدًا؟!

إن الجهود يجب أن تتضافر في بناء الجيل، ويجب أن يكون للبيت دوره، وللمدرسة دورها، وللإعلام دوره، وللمسجد دوره، ولكل واحد منا دوره، وأقول إذا قصر بعضهم فلا يعني هذا أننا يجب أن نتخلى، وقد رأينا بأعيننا الأثر الكبير للمدرسين والمدرسات، كما رأينا الأثر الكبير للدعاة في أعماق البيوت، ورأينا أن هذا الأثر بحول الله تعالى وعونه، قد تغلب حتى على تأثير أجهزة الإعلام المدججة بالتكنولوجيا المعاصرة، وتغلب على أعداد غفيرة من دعاة الفساد والانحلال، وما ذلك إلا لأن الجهد الذي يباركه الله تعالى وينميه ويزكيه جهد نافع مبارك، حتى ولو كان جهدًا قليلًا.

وللبيت دور في تعزيز ومساندة المدرسة؛ كالحث على أداء الواجب، والحث على المذاكرة والتوجيه خلال بقاء الطالب أو الطالبة في المنـزل، واختيار الجلساء الصالحين، وعدم تسليم الطالب أو الطالبة لغير الصالحين، والمحافظة على أداء الصلوات، والمحافظة على الطالب في الإجازات وفي العطل الطويلة والقصيرة.

وهناك دور للمسجد، فحلقة تحفيظ القرآن الكريم لها دور كبير في رعاية الطلاب وتوجيههم، كذلك الحلقة العلمية؛ كحلقة الحديث، وحلقة الفقه، وحلقة الذكر، والمكتبات الموجودة في المساجد، والإمام في المسجد، أو طالب العلم في المسجد، فكل هؤلاء يجب أن يكون لهم دور في رعاية الطلاب، وفي توجيههم وإرشادهم، وألا نكل مهمة الأجيال إلى المدرس فقط، فإنه حينئذٍ لا بد أن يعلن عجزه عن ذلك، إذا تخلى الباقون عن دورهم.

كذلك النشاط الصيفي؛ كالجمعيات والمراكز الصيفية، لها دور أيضًا، ثم إن للمدرسة دورًا كبيرًا في تعميق الصلة بأولياء الأمور ودعوتهم إلى بعض الاجتماعات، وموافاتهم بأحوال أبنائهم(14).

***

_____________

(1) أخرجه مسلم (2674).

(2) أخرجه الترمذي (2685).

(3) المصدر السابق.

(4) أخرجه البخاري (2886).

(5) جلسة مع مُرَبٍّ، سلمان العودة.

(6) الدعوة في المدارس، موقع: الكلم الطيب.

(7) كيف تدعو إلى الله تعالى في المدرسة، موقع: عالم حواء.

(8) التخطيط في خدمة الدعوة إلى الله، مجلة البيان، (العدد: 124) بتصرف.

(9) تدريس التربية الإسلامية، ص182.

(10) من معوقات الدعوة في المدارس، منتديات الألوكة.

(11) أفراح الروح، رسالة سيد قطب إلى أخته.

(12) أخرجه البخاري (1121)، ومسلم (2479).

(13) سلسلة مجتمع الدعاة، ص15-24، بترقيم الشاملة آليًا.

(14) جلسة مع مُرَبٍّ، سلمان العودة.