الدعم التربوي
من حكمة الله عز وجل أنه جبل الإنسان على حاجات نفسية تساعده على البقاء، وتحميه من الهلاك، ويتعدى دورها في أحيان كثيرة إلى الحماية من الانحراف والضياع.
وهذه الحاجات قد تكون ظاهرة ومعلومة للجميع، مثل: الحاجة إلى الغذاء أو الحاجة إلى النوم ونحو ذلك؛ إلا أن الكثير من الحاجات النفسية المؤثرة في حياة الإنسان لا تكون معلومة إلا للمتخصص مما يعظم دوره في النفع العام وخدمة المجتمع، ويُعْظِم كذلك المسئولية الواقعة على كاهل كل منا في تثقيف الذات ورفع مستواها في المجالات المؤثرة في مسيرتها في الحياة.
ومن رحمة الله بعباده أن جعل بعض السلوكيات والعادات الإنسانية خادمة لاحتياجات كثيرة ومتعددة في وقت واحد، بل من رحمته أن جعل هذه الحاجات متداخلة ويشبع بعضها بعضًا.
ولكن هذه السلوكيات لابد لها من مصادر تمويل، ووسائل تغذية، وعوامل دعم، وإلا تلاشت مع زحمة الأحداث، وكثرة الشواغل، وتعدد الأزمات، وتنوع الشدائد، ومن هذه العوامل الداعمة في التربية:
1- الاستعانة بالله والارتباط به:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله يومًا، فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجفَّت الصحف»(1).
وماذا بعد ذلك! لا شيء، الله يحفظ، وهو خير معين، وهو القريب المجيب، والمجتمع عاجز أمام قدرته سبحانه، فمما يخاف المتربى؟ والنبي صلى الله عليه وسلم قد غرس الثقة في قلبه، والقناعة في عقله، والأمان في فؤاده، وهذا أعظم دعم يحتاجه المربى.
2- الثقة بالله:
إن الذي يتربى على الإيمان بالله وحسن الظن بربه واليقين بما عند الله، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لا تزلزله العواصف وتهزه الشدائد ولا توقفه الأزمات، لأن القلب واثق بربه، متوكل على مولاه.
هاهي أم موسى عليه السلام أعجمت الفصحاء وأدهشت البلغاء وأذهلت الحلماء، في ثقتها بالله، تأمل معي حكاية الله عنها؛ يكاد القلب أن يطير، والعقل أن يتوقف، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)} [القصص: 7].
«لقد ولد موسى في ظل تلك الأوضاع القاسية التي رسمها قبل البدء في القصة ولد والخطر محدق به، والموت يتلفت عليه، والشفرة مشرعة على عنقه، تهم أن تحتز رأسه..
وها هي ذي أمه حائرة به، خائفة عليه، تخشى أن يصل نبؤه إلى الجلادين، وترجف أن تتناول عنقه السكين. ها هي ذي بطفلها الصغير في قلب المخافة، عاجزة عن حمايته، عاجزة عن إخفائه، عاجزة عن حجز صوته الفطري أن ينم عليه عاجزة عن تلقينه حيلة أو وسيلة.. ها هي ذي وحدها ضعيفة عاجزة مسكينة.
هنا تتدخل يد القدرة، فتتصل بالأم الوجلة القلقة المذعورة، وتلقي في روعها كيف تعمل، وتوحي إليها بالتصرف:
{وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي} يا لله! يا للقدرة! يا أم موسى أرضعيه، فإذا خفت عليه وهو في حضنك، وهو في رعايتك، إذا خفت عليه وفي فمه ثديك، وهو تحت عينيك، إذا خفت عليه {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} !! {وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي} إنه هنا.. في اليم.. في رعاية اليد التي لا أمن إلا في جوارها، اليد التي لا خوف معها، اليد التي لا تقرب المخاوف من حماها، اليد التي تجعل النار بردًا وسلامًا، وتجعل البحر ملجأ ومنامًا.
اليد التي لا يجرؤ فرعون الطاغية الجبار ولا جبابرة الأرض جميعًا أن يدنوا من حماها الآمن العزيز الجناب» (2).
3- البيئة الصالحة:
إن المربى لابد له من حضن آمن وتربة خصبة ينبت فيها، وإلا جف وأصبح حطامًا تذروه الرياح، ولذلك كانت البيئة أهم داعم في نجاح العملية التربوية.
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لما اشتد بهم الأذى وفتنوا في دينهم، فكان اختياره للحبشة كبيئة جديدة للمهاجرين معللًا بأن فيها ملكًا عادلًا لا يُظلم عنده أحد، وبناءً على ذلك سيكون لديهم القدرة على أداء عباداتهم والتمسك بدينهم ومنع أي مؤثر خارجي على هذا الجانب. ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بتلك البيئة المناسبة لوجود بعض السلبيات فيها، بل ما زال صلى الله عليه وسلم يبحث عن بيئة أفضل من تلك البيئة، فعرض نفسه على قبائل العرب حتى تحققت له الفرصة وبايع الأنصار وهاجر إلى المدينة؛ ومن هناك تحققت الانطلاقة الكبرى للدين الجديد وبلغ الآفاق، وتربى أتباعه في بيئة إسلامية صافية وسالمة من كل سمات الجاهلية.
وهذا الأسلوب (وهو أسلوب البحث عن البيئة الصالحة) من أهم أساليب التربية الاستباقية -إن صح التعبير - إذ فيها تربية جماعية، واختصار لجهد المربي وبعد عن الانشغال ببُنَيَّات الطريق.
فعلى رب الأسرة لكي يحمي أسرته من السلبيات أن يختار لهم البيئة الصالحة، والمراد بالبيئة هنا الحي والمدرسة، بل ما يشاهد وما يسمع وما يقرأ، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى اختيار أقارب الأسرة الذين يستطيع رب الأسرة قبولهم أو رفضهم وهم أخوال أبنائه؛ إذ عليه أن يختار لهم أمًا من بيئة صالحة تساعد أبناءه على الاستقامة والنجاح؛ إلا أن هذا الاختيار محصور بما قبل الزواج ومجيء الأولاد؛ فإذا تم ذلك فقد انتهى الاختيار.
4- مناخ أسري سليم:
ومن الطباع البشرية المشبعة لاحتياجات نفسية متعددة: الأسرة؛ فهي مغذية لحاجة الأبوة والأمومة والحب والحنان والجنس بالنسبة للزوجين، والخبرة والتقدير والمسئولية والسلطة الضابطة والانتماء والإنجاز؛ إلى آخر القائمة من الحاجات..وكل هذا من دعائم العملية التربوية.
5- الوقاية من السلبيات:
فالوقاية خير من العلاج، والعلاج في القضايا التربوية والنفسية قد لا يستطيع إزالة العلة أو المرض أو المشكلة التربوية تمامًا، بل في أحيان كثيرة لا بد من بقاء نسبة ولو قليلة من آثار ومظاهر تلك المشكلة؛ وهنا تكمن الخطورة؛ ولذا أصبح البحث عن الدروع الواقية والمانعة من وجود السلبيات من أقوى طرق التربية(3).
عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مع عمر رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة غضب، وقال: «أمُتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده! لو أن موسى ـ عليه السلام ـ كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني» (4)، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل ذلك مع مثل عمر إلا من أجل حماية ذلك الجيل ومن بعدهم من دخول سلبيات الأمم الأخرى عليهم أو وقوعهم في الخلل في مصدر التلقي، فكانت الشدة في أول الأمر مع ما يُتصور أنه سهل ويسير للحماية مما هو أشد وأعظم.
الدكتور عبد الكريم بكار: «ولا ينبغي أن ننسى أهمية التنسيق بين باقي أفراد الأسرة؛ فالأجداد والجدات والعمات والخالات والإخوة الكبار يستطيعون إجهاض العديد من السياسات والجهود التربوية للأبوين»(5).
«إنه لأمر معين ونافع أن يكون لك أقرباء جيدون يسكنون بقربك؛ حيث يقدمون لك المساعدة العملية والمعنوية، ولا شك أن هذا الدعم المعنوي والنفسي أمر مفيد جدًا؛ لأنك قد تتعرض لبعض القلق وانشغال البال وأنت تعمل على تنشئة ولدك» (6) .
«ويحتاج الطفل إلى مساعدة في تعليم المعايير السلوكية نحو الأشخاص والأشياء، ويحدد كل مجتمع هذه المعايير السلوكية، وتقوم المؤسسات القائمة على عملية التنشئة الاجتماعية؛ مثل الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام وغيرها، بتعليم هذه المعايير السلوكية للطفل مما يساعد في توافقه الاجتماعي.
إن الطفل يحتاج إلى المساعدة في تعلم حقوقه، وما له وما عليه، وما يفعله وما لا يفعله، ما يصح وهو في خلوة وما يصح وهو في جماعة، ما يصح وهو في حدود الأسرة، وما يصح وهو خارج نطاقها ... إلخ، ويحتاج إشباعُ هذه الحاجة من جانب الكبار إلى كثير من الخبرة والصبر والثبات والفهم» (7) .
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استجنح الليل - أو قال: جنح الليل- فكفُّوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ؛ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلُّوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك، واذكر اسم الله وأَوْكِ سقاءك، واذكر اسم الله، وخمِّر إناءك، واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئًا» (8) .
«من مسئوليات الأم إشاعة النظام في بيتها، فتجعل وقتًا محددًا لتناول وجبات الطعام، كما تجعل وقتً لنوم الأطفال وأوقاتًا يُنهون فيها مذاكراتهم وواجباتهم؛ إن مثل هذه الترتيبات والتنظيمات ترسِّخ في حس الأبناء معنى الانضباط والاهتمام بالوقت» (9).
«تَعَوَّدْ وضع قوانين لك ولأسرتك، وأشرك جميع أفراد أسرتك في صياغة القوانين العائلية، اعقد جلسات أسرية لمناقشة القانون الذي تضعه لحل مشكلة ما، ركِّز دائماً على الالتزام بالقوانين الأسرية التي تضعونها جميعًا»(10).
وذكر الدكتور عبد العزيز النغيمشي عند كلامه عن التهيئة لتحمل المسئولية أن من ضمن المجالات التي تعين على ذلك المشاركة الأسرية، وعلل ذلك بقوله: «إذ إن الأسرة كالمجتمع الصغير لها أعضاء وأنظمة وقيادة وميزانية وبرامج وعادات، ويمكن من خلالها ممارسة كثير من الأدوار والمسؤوليات، والأسرة هي المحضن الأول للفرد الذي فيه يترعرع وينشأ؛ ووفق كيفية النشأة والتربية في الأسرة تكون استقلاليته أو تبعيته وإقدامه أو إحجامه» (11).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (12).
إن ما سبق يمثل وقودًا لكل واحد فينا لأداء أفضل ما لديه ليكون من معلمي الناس الخير وممن يقدم ويترك خلفه في غرفة صفه ومدرسته علما ينتفع به، وإليكم رائعة لمواصلة الطريق وتقوية الذات وبناء صلابتها في مواجهة ما يعترضها من صعوبات في الحياة التربوية والتعليمية والعامة:
خرج إبراهيم ابن أدهم إلى الحج ماشيًا.. فرآه رجل على ناقته فقال له: إلى أين يا إبراهيم؟
قال: أريد الحج، قال: أين الراحلة فإن الطريق طويلة؟
فقال: لي مراكب كثيرة لا تراها.. قال: ما هي؟
قال: إذا نزلت بي مصيبة ركبت مركب الصبر، وإذا نزلت بي نعمة ركبت مركب الشكر، وإذا نزل بي القضاء ركبت مركب الرضا.
فقال له الرجل: سر على بركة الله، فأنت الراكب وأنا الماشي(13).
6- المشاركة الاجتماعية:
يقول الدكتور أمين أبو لآوي مبينًا مكانة المشاركة الاجتماعية في التربية الإسلامية: «تتجه التربية الإسلامية إلى زرع بذور التعاضد والتماسك والتضامن في نفوس الناشئين من أجل تحقيق اتجاه العمل الجماعي والشعور بالمسئولية عن الجماعة؛ وذلك عن طريق إبراز أهمية العمل المنظم والهادف إلى رصِّ الصف وتنسيق الجهود الفردية لخدمة الأهداف العليا في المجتمع الإسلامي» (14).
7- تشجيع النجاح والتميز:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان عبد الله بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلًا» (15).
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: «جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فينثرها في حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» (16).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج، أشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» (17).
ولو تتبعنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا فيها مواقف متعددة لاستنفار الطاقات وتشجيع المواهب.
وهذا الجانب يعطي الشعور بالثقة وتقدير الآخرين للمتربي، ويقوي فاعليته وانتماءه للجهة التي منحته الفرصة لإظهار ما لديه من قدرات، ويساعد في تكرار النجاح والحرص عليه.
8- أوقات للمرح والفكاهة والاستجمام:
عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: «هذه بتلك» (18).
وعنها رضي الله عنها قالت: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو» (19).
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتَيِ العشاء وهو حامل حَسنًا أو حُسينًا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبَّر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أُعَجِّله حتى يقضي حاجته» (20).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا، قال: «إني لا أقول إلا حقًا» (21).
إن إغناء أفراد الأسرة عن الالتفات إلى خارج الأسرة أو البحث عمن يشبع حاجة من حوائجهم أمر مهم، وعلى قائد الأسرة الاهتمام به.
والمرح والفكاهة والاستجمام من الأشياء المهمة المهملة من الكثير من الآباء لعدم الاقتناع، أو لكثرة مشاغله، وقد اعتبر الكثير من التربويين اللعب والمرح وسيلة من وسائل التربية، بل أُلِّف في ذلك كتب متعددة ورسائل متخصصة.
«للترويح دور مهم في التربية الخلقية والروحية إضافة إلى دوره في الجوانب الأخرى، والأسرة محتاجة إلى اللعب والترويح حاجة أساسية كحاجتها للطعام والشراب أحيانًا» (22) .
ووسائل الترويح في الأسرة المسلمة متعددة، ومن ذلك المداعبة والمزاح والنزهة والرحلة الأسرية، وتوفير لعب الأطفال الهادفة، والتجمعات العائلية، وزيارة المتاحف والمعارض المفيدة، وتوفير الكتب والأشرطة السمعية والمرئية وبرامج الحاسب الآلي التعليمية والترفيهية ووسائل الإعلام؛ إلى آخر القائمة من الوسائل التي بإمكان الأب توفيرها لأسرته وفق الضوابط الشرعية.
«وإدارة الترويح المنزلي تتميز بكونها شأن أسري خاص يصعب التحكم فيه من خارجها، ولذا تزداد مسؤولية الوالدين في اختيار الأنماط والتطبيقات المناسبة».
9- اليسر والبساطة:
عن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارت أمكم»، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَت» (23) .
قال أنس رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقًا، فأرسلني يومًا لحاجة فقلت: والله! لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فخرجت حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق؛ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه هو يضحك، فقال: «يا أُنَيْسُ! اذهب حيث أمرتك!» قلت: نعم أنا اذهب يا رسول الله! قال أنس: واللهِ لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعتُ: لِمَ فعلتَ كذا وكذا، ولا لشيء تركتُ: هلَّاَ فعلتَ كذا وكذا!» (24).
ولا يعني ذلك اللين أو المداهنة في المحرمات، بل على رب الأسرة حمايتها من كل ما يخالف الشرع، والإنكار على من وقع في منكر منهم مع اعتبار الآداب الشرعية في ذلك.
عن عائشة رضي الله عنها، أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلكَ الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (25).
10- النظرة الإيجابية للمشكلات:
ومن المرونة في التربية النظرة الإيجابية للمشكلات؛ فلا يخلو تجمع بشري منها، والإيجابية هنا في تقبُّل وجود المشكلة، وأنها أمر طبيعي لا يعني انتهاء العلاقة أو فسادها، ومن الإيجابية في النظرة إلى المشكلات الأسرية السعي لعدم ترسبها في الأسرة واستغلالها كحدث تربوي.
11- الشعور بالانتماء والاندماج والتعاون مع الآخرين:
هذه السمة هي نتيجة لتوفر السمات السابقة ومن الغريب أن يطالب بعض المربين مَنْ تحت يده بهذا الأمر وهو قد فرط بالأمور السابقة، وجزء من هذه السمة هو حاجة نفسية أساسية لا بد من إشباعها وإلا أدى ذلك إلى العزلة والشعور بالوحشة والاغتراب.
يزداد شعور الفرد بالأمن والتقدير الاجتماعي، كما يزداد اعتداده بنفسه واعتزازه بها حين ينتمي إلى جماعة قوية يتقمص شخصيتها، ويوحد نفسه بها كالأسرة القوية، أو النادي، أو النقابة، أو الشركة ذات المركز الممتاز، وتنبت هذه الحاجة في أحضان الأسرة من علاقة الطفل بأمه وأفراد أسرته، ثم تعززها أو تحبطها بعد ذلك التجارب التي يمر بها الفرد، ومتى أرضيت هذه الحاجة وشعر الفرد بالانتماء إلى جماعة معينة زاد ولاؤه لها وشعوره بأنه جزء منها يصيبه ما يصيبها على أن إرضاءها يتوقف على تقبُّل الجماعة للفرد؛ لأنه يعمل من أجلها، وعلى تقبُّل الفرد للجماعة؛ لأنها تُرضي حاجاته ومطالبه (26).
المرء في حاجة إلى أن يشعر بأنه فرد من مجموعة تربطه بهم مصالح مشتركة تدفعه إلى أن يأخذ ويعطي، وإلى أن يلتمس منهم الحماية والمساعدة؛ كما أنه في حاجة إلى أن يشعر بأنه يستطيع أن يمد غيره بهذه الأشياء في بعض الأحيان (76).
وعندما يتحقق الشعور بالانتماء للأسرة لدى أعضائها سيترتب على ذلك الاندماج بين أفرادها والتعاون والسعي لتحقيق أهداف الجميع؛ لشعورهم بأهمية وأثر ذلك على حياتهم الخاصة، وعندما يستطيع المربي تقوية الجوانب الإيمانية، وغرس أهمية الجانب الأخوي، وتقديم ما عند الله على ما عند الناس لدى المتربين، عند ذلك تزول النظرة للمصلحة المادية الدنيوية في هذا الجانب أو تعظيمها.
______________________________________________
(1) أحمد في مسنده، (2668).
(2) في ظلال القرآن، (القصص: 7).
(3) المناخ الأسري السليم وسِماته، حسين بن عجاب العوفي، البيان، (218).
(4) مسند أحمد، (15156).
(5) دليل التربية الأسرية، (ص: 158).
(6) أولادنا من الطفولة إلى الشباب، (ص: 45).
(7) أولادنا، (ص: 225).
(8) البخاري، (3280).
(9) دليل التربية الأسرية، (ص: 91).
(10) كيف تنمي الانضباط الداخلي لدى طفلك، (ص: 73).
(11) المراهقون، (ص: 113).
(12) رواه مسلم: (1631).
(13) نزهة المجالس ومنتخب النفائس، (1/79).
(14) أصول التربية الإسلامية، (ص: 61).
(15) البخاري، (1121)، ومسلم، (2479).
(16) سنن الترمذي، (3701).
(17) مسلم، (17).
(18) مسند أحمد، (26277).
(19) البخاري، (5190)، ومسلم، (892).
(20) مسند أحمد، (16033).
(21) مسند أحمد، (8481).
(22) الترويح رؤية إسلامية، (ص: 153).
(23) البخاري، (5225).
(24) سنن أبي داود، (4773).
(25) البخاري، (3475)، ومسلم، (1688).
(26) أصول علم النفس، (ص: 95).
(76) الطفل تنشئته وحاجاته، (ص: 189).