logo

الدعاة والشباب


بتاريخ : الاثنين ، 1 رجب ، 1436 الموافق 20 أبريل 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الدعاة والشباب

الشباب طاقة متوقدة، وعماد تقوم عليه أركان الدعوة بعد العلماء الربانيين, والإسلام لم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولم يمتد على الأرض سلطانه، ولم تنتشر في العالمين دعوته إلا على يد هؤلاء الشباب من الرعيل الأول، الذين حملوا راية الدعوة إلى الله، ورفعوا لواء الجهاد المقدس، فحقق الله على أيديهم النصر الأكبر، ودولة الإسلام الفتية.

الشباب في أي أمة من الأمم هم العمود الفقري الذي يشكل عنصر الحركة والحيوية؛ إذ لديهم الطاقة المنتجة، والعطاء المتجدد، ولم تنهض أمة من الأمم إلا على أكتاف شبابها الواعي، وحماسته المتجددة.

ولا يُمكن للشباب أن يقوموا بدورهم، وينهضوا بمسئولياتهم، ويؤدوا رسالتهم، إلا بعد أن تكتمل شخصيتهم العلمية والدعوية والاجتماعية على حد سواء.

والشباب قوة خطيرة إذا تجمع على هدف معين، وأخذ مآخذ الجد، والشباب ألين أكبادًا، وأرق أفئدة، وإن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق بشيرًا ونذيرًا؛ فحالفه الشباب وخالفه الشيوخ.

 

فإذا أردت أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها، فلا تسل عن ذهبها ورصيدها المالي، ولكن انظر إلى شبابها، فإذا رأيته شبابًا متدينًا؛ فاعلم أنها أمة جليلة الشأن، قوية البناء، وإذا رأيته شبابًا هابط الخلق، منشغلًا بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل؛ فاعلم أنها أمة ضعيفة مفككة، سرعان ما تنهار أمام عدوها، فالشباب عنوان الأمة.

 

ولكن الثروة الهائلة في الشباب تستبق إليها مُستغرَبات من الثقافة من كل حَدَب وصوب، وتقف كثير من مجتمعاتنا، للأسف البالغ، موقف المتفرج العاجز عن التكيف مع الثقافات المستجدة، بما عطّل بشكل كبير دور الشباب في الإنتاج والرقي بالمجتمع، ووجد كثير منهم نفسه بين خيارين أحلاهما مُرّ، فبين الحَجْر على تفكيره، وإلزامه العادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبين دائرة الوارد عليه من سموم الأفكار وشائن السلوك، فأضحى كثير منهم فريسةَ هذا التناقض بما أوقعه في دائرة الفراغ القاتل، فتوجّه بعدها إلى ما يخطر ببالك وما لا يخطر، فتارة للخلاعة وطورًا لمخدرات، وثالثة لسحر وشعوذة، ورابعة لأفكار هدامة لبست لبوس الإسلام واحتجبت بستاره، وظن أهلها أنهم يحسنون صنعًا.

 

إن الشباب، بتوجيههم ورعايتهم، مثل النبتة، إذا أحسن الزارع رعايتها نمت وأثمرت، وإذا أهملت تعثر نموها، وفقد الثمر منها مستقبلًا، والشباب فيه طاقة حيوية، يحسن الاستفادة منها وتنميتها، وأسلم منهج في الحياة يربط الشباب بدينه وعلمائه وأمته وبلاده، هو منهج الإسلام، فكلما ابتعد الشباب عن منهج دينهم الواضح، وسلكوا طريق الغلو أو الجفاء، أو التشدد والانعزال؛ فإن النتائج ستكون وخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إن دور الشباب المسلم، الذي يسير وفق تعاليم الإسلام، دور عظيم في إصلاح النفوس وتوجيه المجتمع، والمحافظة على سلامته وأمنه، لا ينكره إلا أعداء الإسلام، الذين يدركون مكانة الإسلام، وسموه في استجلاب من يرغب، منصفًا في طريق العدالة، والأخلاق الكريمة والاستقامة والتوازن في البيئة، والأمن والاستقرار في المجتمع(1).

 

الهم الدعوي لدى الشباب:

إن بروز ظاهرة تراجع الهم الدعوي لدى فئات الشباب، ظاهرة لم يسبق لها مثيل، ولم تبرز ظاهرة التراجع عن الدعوة على نحو من بروزها في العصر الحديث بمثل ما نرى أو نسمع، والذي حدث لبعض الشباب هو انشغالهم في دروب الدنيا ومتاهاتها، حتى وصل بهم الأمر إلى نسيان الدعوة والتربية والتعليم.

وزراعة الهم الدعوي تكون أولًا في أن نفهم الواقع الذي نعيشه، وكيف نستطيع أن نكون جنودًا للحق وأنصارًا له، بالمعطيات التي نملكها، والوسط الذي نعيش فيه، مبتعدين عن المثاليات، التي في نهاية الأمر تؤدي إلى اليأس ثم الاعتزال، مبتعدين كذلك عن الحماس غير المنضبط الذي يفضي إلى النتيجة السابقة، وربما إلى النكوص.

بواعث الهم الدعوي لدى الشباب:

أولًا: ما يلقيه الله عز وجل من الهدى؛ فالله هو الهادي والموفِّق الذي أخذ بأيدينا وأيديهم إلى طريقه، والله عز وجل يقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]، وهذا يدل على أن الإسلام هو قَدَر هؤلاء الشباب.

ثانيًا: الغيرة التي تتّقد في قلوب الشباب على دينهم، وما يقدمونه من تضحيات على حساب أنفسهم وأموالهم وأحبابهم.

ثالثًا: ما يتلقاه الشباب من دعاتهم وعلمائهم ومربيهم، من هذا البناء العلمي والتربوي والفكري، الذي يعمل على إنهاض الشباب في مواجهة التحديات المختلفة، التي يواجهها في هذا المجال، سواء كان ذلك في المجال العلمي أو الدعوي أو التربوي.

رابعًا: الانتصارات وبوارق الأمل التي تظهر في زمن الانكسار، التي تبعث الشباب على أن يبذل ما في وسعه، ولو كان في ذلك انتصارات جزئية أو في مجالات محدودة، إلا أنها تبعث على استمرار التحرك للدين.

خامسًا: معرفة فضل التمسك بهذا الدين، وأن التمسك به في زمان غربته له فضل عند الله عظيم، وفضل الدعوة إلى الله في زمن الغربة لا تخفى قيمته، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي»(2)، فهذه المعاني هي التي تتّقد في قلوب الشباب، فتدفعهم للبذل في الدين، وممارسة الدعوة إلى الله على بصيرة(3).

واجب الدعاة تجاه الشباب:   

1-العناية بالشباب منذ نعومة أظفارهم، وذلك بتوجيههم الوجهة الإسلامية، والاهتمام بمناهجهم التعليمية، وإبعاد المؤثرات الضارة بأخلاقهم، والعمل على ربطهم بدينهم وبكتاب ربهم، وسنة نبيهم، وأن يعنى العلماء ورجال الفكر الإسلامي باحتضانهم، وتقبل آرائهم واستفساراتهم، وإرشادهم إلى طريق الحق والصواب، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، لاستعدادهم لتقبل التوجيه، من منطلق الرأي الصائب، الذي يحدده الإسلام ويحث عليه.

2- الحرص على إيجاد القدوة الحسنة في المدرسة والبيت والنادي والشارع، وفي أسلوب التعامل، وعدم وجود المظاهر المنافية للإسلام، والتي قد تحدث لديهم شيئًا من الشك والريبة، أو التردد في القبول، أو اعتزال المجتمع والشكوك فيه، بدعوى أنه مجتمع غير مطبق للإسلام، يقول أبناؤه بخلاف ما يعملون.

وبهذا كله يحصل الانفصال، وتحدث التصرفات المتسرعة غير المنضبطة، والتي تكون نتائجها غير سليمة على الفرد والمجتمع، وعلى العمل الإسلامي، ولا تعود بالفائدة المرجوة على الشباب أنفسهم.

3 - عقد لقاءات مستمرة مع الشباب، يلتقي فيها ولاة الأمر والعلماء والمسئولون في البلاد الإسلامية بالشباب، تطرح فيها الآراء والأفكار، وتدرس المشكلات دراسة متأنية، وتعالج فيها القضايا والمسائل التي تحتاج إلى جواب فاصل فيما عرض، حتى لا تتسرب الظنون الخاطئة، وتتباعد الأفكار، وينحرف العمل الإسلامي، الذي يتحمس له هؤلاء الشباب، لغير الدرب الحقيقي، والمنطلق الذي رسمته تعاليمه، وتتم هذه اللقاءات في جو من الانفتاح؛ لإبداء الرأي المتسم بالأخوة والمحبة والثقة المتبادلة، بعيدًا عن التعصب للرأي، أو التسفيه للآراء، أو تجهيل الآخرين.

إن مسئولية ولاة الأمور؛ من قادة وعلماء ومفكرين، مسئولية عظيمة، في الأخذ بأيديهم ورعايتهم وتوجيههم نحو منهج الإسلام، وتوضيحه لهم؛ ليأخذوه منهجًا وسلوكًا، وليسيروا وفق تعاليم شريعته قدوة وتطبيقًا.

وهذا من أوجب الأمور وأكمل العلاج، وهو من باب النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، الذي به يكتمل الإيمان، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

كما أن ترك الشباب عرضة للأفكار الهدامة، والتصورات الخاطئة، وعدم الأخذ بأيدهم، وتفهم آرائهم وأفكارهم، والإجابة عن كل تساؤلاتهم، وإيضاح الرأي الصحيح أمامهم، قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، فالواجب الأخذ بيدهم ليتجنبوا كل ما يضر، ويسلكوا ما ينفع، كما فعل سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، وفي عصور التاريخ المختلفة حيث لم يحدث ردود فعل ذات خطر على الفرد والجماعة.

فليتعاون ولاة الأمور كبارًا وصغارًا، علماء ومتعلمين، مفكرين ومسئولين، مع الشباب في البيوت والمدارس، وفي المجتمعات والجامعات، كل هؤلاء يتعاونون على إرشاد الشباب وتوجيهه، وتهيئة الأجواء السليمة له ليبدع فيها، في ظل العقيدة الإسلامية السمحة منهج الإسلام الحكيم(4).

معالم في طريق دعوة الشباب:

1ـ صدق الالتزام:

قال تعالى: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63]، أمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة، وأن يعزموا فيه عزيمة، فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة، إنه عهد الله مع المؤمنين، وهو جد وحق، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق، وله تكاليف شاقة، نعم! ولكن هذه هي طبيعته، إنه أمر عظيم، أعظم من كل ما في هذا الوجود، فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه، المتجمع الهم والعزيمة، المصمم على هذه التكاليف، ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة(5).

2ـ وضوح الدرب والأهداف:

 

قال تعالى: {قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]، فنحن على هدى من الله ونور، نعرف طريقنا جيدًا، ونسير فيها على بصر وإدراك ومعرفة، لا نخبط ولا نتحسس، ولا نحدس. فهو اليقين البصير المستنير، ننزه الله سبحانه عما لا يليق بألوهيته، وننفصل وننعزل ونتميز عن الذين يشركون به.

وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز، لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون.

ولا يكفي أن يدعوا أصحاب هذا الدين إلى دينهم، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي، فهذه الدعوة لا تؤدي شيئًا ذا قيمة! إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية، وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة، وعنوانه القيادة الإسلامية، لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي، وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضًا.

إن اندماجهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية، يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم، وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة(6).

3ـ متابعة عملية البناء والتربية المنهجية.

على المربي تهيئة الجو التربوي من خلال اختيار الرفقة الصالحة، وسؤالهم بشكل دائم عن الأماكن التي يذهبون إليها، وعن أصدقائهم الذين يختلطون بهم، ومحاولة التوجيه الدائم إلى الاختلاط بأهل الخير والإصلاح.

وعلى الدعاة والمربين متابعة شئون المدعو الشخصية, وتوجيهه إلى الاهتمام بدراسته والتفوق فيها، وتحسين النية في ذلك, وجعلها لخدمة الإسلام, وكذلك تشجيع كل صاحب مهنة أو وظيفة أو تجارة أن يتميز فيها وينجح, ومساعدته في ذلك, وتوجيهه للاهتمام بعمله، وبالالتزام بالأحكام والأخلاق الإسلامية في عمله، والمتابعة والتوجيه في ذلك.

فيقوم المربي بتوجيهه ومتابعته نحو الإنجاز والإيجابية والجدية في كل عمل يتولى عمله، مقتديًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»(7), كما يوجهه دومًا نحو الإصلاح لمجتمعه وأمته وأسرته، ويدفعه دومًا نحو النجاح والتميز في عمله وتخصصه؛ ليرقى مجتمعه، وتتميز أمته.

4 ـ التوجيه الإيماني المستمر:

فالتربية الإيمانية تشمل كافة جوانب التربية، بدءًا بتصحيح الاعتقاد والصلة بالله عز وجل، وانتهاءً بغرس الآداب العامة والخاصة، وتشمل كل ما يعين على القيام بواجبات الإيمان من علم ودعوة، وإعداد للإنسان للقيام بهذه المهام.

وتعتبر التربية الإيمانية أهم جوانب التربية؛ لأنها تعتبر الأساس في تربية الشباب، ولأن الجوانب الأخرى من التربية الإسلامية؛ مثل: التربية الخلقية، والاجتماعية، والفكرية، وغيرها، ترتكز على التربية الإيمانية، فإذا صلح هذا الجانب صلحت الجوانب الأخرى، أو بمعنى آخر؛ إذا صلح الأساس في بناء شخصية المسلم، وهو التربية الإيمانية، صلح البناء كله، أي: صلحت جوانب التربية الإسلامية الأخرى.

 

أسباب الإخفاق الدعوي عند الشباب:

فمنها: ما يكون أثناء التخطيط؛ كالمثالية في رسم الأهداف والتخطيط لها، والتركيز في التخطيط على الأهداف على حساب الاعتناء بالوسائل والأدوات وخطوات العمل، وعدم وضوح الهدف.

 

ومنها: ما يكون أثناء التنفيذ للعمل، ومن ذلك: ضعف الاعتناء بإتقان العمل، وضعف التزام الشخص بما خططه لنفسه.

 

ومنها ما يكون أثناء التقويم، وأبرز ما في ذلك المبالغة في النظرة السلبية عند تقويم الشاب نفسه وعمله.

 

كذلك من أسباب الإخفاق: ضعف الإخلاص الذي يؤدي إلى انقطاع المدد الرباني؛ فمن تخلّف عن نصرة الله عز وجل فلا يؤتيه الله النصر؛ فإن النصر من عند الله.

 

ومن أسباب الإخفاق: ضعف متابعة العلماء والمربين للشباب المبتدئين، وهذه المتابعة هي ضمانة من الضعف، وهي تعني حث الشباب على البذل والعطاء، وتعني تقوية جانب الصلة مع الله، والاطمئنان إلى قضاء الله وقدره، وتعظيم أمره، واجتناب حرماته، وهذه المتابعة هي من أعظم الضمانات.

 

والاستعجال أيضًا يسبب الإخفاق؛ فالكثير من الشباب ينوي الخير ولا يقوم به؛ وذلك لاستعجاله، وهذه العجلة لا تفضي بالإنسان غالبًا إلى غايته.

 

ومن الأسباب: التعامل بردود أفعال، وهذا يفقد الشباب توازنه، ويجعله يتصرف بعواطفه لا بفكره وعقله.

 

كذلك ما يتعلق بالأهداف ذاتها؛ إذ المفروض في الشباب المؤمنين أن تكون أهدافهم ربانية، أهداف دعوة وأُمة ورسالة، وليست أهدافًا خاصة ينشدونها، فيجب أن تكون الأهداف جلية، يلتقي عليها الجميع، ويجاهدون من أجلها في سبيل الله، وإذا لم يتحقق ذلك فإن بعض الجهد يعطّل بعضًا آخر، أو قد تختلط الأهداف الربانية بالهوى أو المصالح أو الفتنة(8).

 

- الإعجاب بالنفس والغرور وحب الظهور، فلا تراه إلا مزكيًا لنفسه، مادحًا إياها بما فيها وما ليس فيها، مطالبًا غيره بالتوقير والاحترام والطاعة، مستعصيًا على النصيحة، وفي كل حادثة أو أمر ما يفتك ذلك بالشاب حتى يهلكه، ويسقط في الاختبار، ويعظم ذلك الداء حينما يكون الشاب مفتيًا أو قاضيًا أو علمًا بارزًا، فيرى نفسه في مكان أفضل من غيره، ويتصدر في كل شيء، وما درى أن ذلك قاتله.

- صحبة ذوي الإرادات الضعيفة والهِمَم الدنيئة، بحجة الترويح عن النفس أو دعوتهم، وخلال فترة وجيزة يسري ذلك المرض إليه بالعدوى(9).

العوامل المساعدة لثبات الشباب:

-معرفة أسباب التراجع عن الدعوة، ثم إزالتها، والحرص على تخطيها.

- العزم الصادق في التغيير من حال النفس.

- تربية النفس تربية ذاتية، وتزكيتها بالطاعات، وتنقيتها من الذنوب، وترقيتها بطاعة الله، وتعليتها بالعلم النافع والعمل الصالح.

- الاهتمام بجوانب النقص في الشخصية؛ العلمية أو التربوية أو الدعوية، والتي كانت سببًا في ضعف الهمة والتفريط، والسعي لعلاجها.

- الأخذ بالجدية، وترك الترخص والتساهل والتمييع.

- أن يكون العمل واضحًا، والهدف محددًا، والأولويات مرتبة، واعلم أن ما فُقِد في سنين، لا يستعاد في أيام.

- البحث عن العمل المناسب، والمكان المناسب، والزمان المناسب، فهناك علم، وهناك دعوة، وهناك تربية، وهناك إدارة، وهناك جهاد، وهناك مؤسسات دعوية، وأخرى احتسابية، وأخرى خيرية، وأخرى إغاثية، مجالات لا تعد ولا تحصى، فضع نفسك في المكان المناسب.

- ابتعد عن الذنوب، صغيرها وكبيرها، واستحضر آثارها القبيحة، فهي حبّالة الشيطان ليقعدك عن العمل وأنت لا تدري، فاحذر تسلم.

- لا تعرف الحق بالرجال، فالحق يؤخذ من كل أحد، فاجعله قائدك ودليلك، والرجل لا تؤمن عليه الفتنة، فإذا فقدته الدعوة لأي سبب كان، استمر أنت على عملك، فبعضهم يموت، وبعضهم يرحل، وبعضهم ينقطع خبره، وليس الحق دومًا عند رجل لا يتعداه.

- الربط الصحيح في مسألة الدنيا والآخرة، فحين يتحقق التوافق بكون الدنيا، بكافة ألوانها، ما هي إلا طريق لباب الجنة فإننا نسلم من حالات التساقط الدعوي، الذي نشاهده، ويصل أحيانًا إلى نكسة عكسية سببها سوء الفهم.

- السيرة النبوية، فالسيرة عبارة عن تجربة معصومة، نقلت لنا عن خير البشر وأحسنهم طريقة، وفيها المواقف المتنوعة، فتارة مفاوضات مع العدو، وأخرى حال الحرب، وأخرى إرشاد، وهكذا؛ فمدرسة النبوة مَعين لا ينتهي، فأولى من يستفيد منها هو الداعية لينتهجها واقعًا، ويدعو الناس إلى معانيها وتعاليمها.

إن أحسن طريقة لتمثل السيرة النبوية في الدعوة إلى الله تعالى, أن تُدرّس السيرة لهؤلاء الشباب الدعاة، ومن المحزن أن تكون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مفقودة في دروس العلماء إلا قليل منهم.

إن دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كلها تفسير وتوحيد وفقه ودعوة وتربية، ولكن أكثر الناس لا يعلمون(10).

عوامل تُسهم في بناء شخصيَّة الشباب حاملي راية الإسلام:

وهناك مجموعة من العوامل التي تُسهم في بناء شخصيَّة الشباب حاملي راية الإسلام، وأهم هذه العوامل:

1-أن يعرف الشاب الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان، وهذه الغاية هي العبادة المطلقة لله تعالى، والتي من معانيها إخلاص النية لله في القول والعمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء لله ورسوله، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا، في الأمر والنهي، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

2-أن يتصور الشاب الأخطار التي تحيط ببلاد الإسلام؛ حيث لا يغيب عن البال أن من أعظم المخططات اليهودية في بلاد الإسلام، في العصر الحديث، إقامة دولة يهودية في بلاد الإسلام، التي هي مهده وقلبه النابض، وإشعاعه الهادي.

إن أحلام اليهود وآمالهم لم تكن قاصرة على إقامة دولتهم المزعومة في بقعة المسجد الأقصى وما حولها، وإنما مخططهم الرهيب ومؤامرتهم الكبرى تمتد من النيل إلى الفرات؛ بل من مخططاتهم العدوانية الاستيلاء على المدينة المنورة والمسجد الحرام، كما استولوا على المسجد الأقصى؛ لاعتقادهم الباطل أن هذه البلاد هي بلاد آبائهم وأجدادهم، من لدن إبراهيم عليه السلام إلى عصرنا هذا إلى يوم البعث والنشور.

3- أن يتفاءل الشاب بالنصر، ويقطع من إحساسه دابر اليأس والقنوط، صحيح أن التآمر على الإسلام وأهله بلغ هذا الحد الكبير والمدى الواسع، ولكن ينبغي على المسلمين وخاصة الشباب منهم، ألا يتملكهم القنوط في بناء العزة، وألا يستحوذ عليهم اليأس في تحقيق النصر، وذلك لسببين:

الأول: لأن القرآن الكريم حرم اليأس وندد باليائسين، فالآيات صريحة وواضحة في هذا الشأن، ومنها ما يشير إلى أن اليأس قرين الكفر؛ قال تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

ومنها ما يشير إلى أنه قرين الضلال؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56].

ومن الآيات ما يندد بالإنسان اليائس، وتهييج لنفسه الحائرة وقلبه الهالع؛ قال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36].

فمن هذه الآيات القرآنية يتبين أنه لا يجوز اليأس في دين الله؛ لأن اليأس قاتل للرجال، وهازم للأبطال، ومدمر للشعوب، فعلى المؤمن أن يحذر من وجهات النظر اليائسة(11).

أيها الشاب، لا بد أن تعرف أن دين الله قد قام وانتشر على سواعد وعاتق الشباب، وكان لهم الدور العظيم في إعلاء كلمة الله في كل العصور، منذ أدم عليه السلام وحتى يومنا هذا، وفى أمة حبيبنا صلى الله عليه وسلمكان الشباب هم عصب الدعوة والجهاد، ونبض الأمة، وقدموا أموالهم وأرواحهم في سبيل إعلاء كلمة الله، وتحملوا الأذى والفقر، وهاجروا وأُخرِجوا من ديارهم لكي يصل الإسلام إلينا ولكل الدنيا...، فعليك أيها الشاب أن تأخذ الأمور بجدية، وأن تترك الاستهتار واللامبالاة والسلبية؛ لأن الأمة تمر بمرحلة حرجة وخطيرة، والشباب هم الرئة التي تتنفس بها أمة الإسلام، ودينك في أمس الحاجة إليك.

لقد خطط الغرب منذ زمن للقضاء على شباب الأمة الإسلامية، عن طريق الغزو الفكري الذي ملئوا به عقول الشباب، وتزييف كثير من الحقائق، وخلط الحق بالباطل، وقلب الموازين، فأصبحت الصورة مشوهة في أذهان الشباب، ولم يجدوا هدفًا محددًا يسعون إليه، فضعفت عزيمتهم، وثبطت هممهم.

كما شوه الغرب صورة الإسلام، ووصفوه بالتزمت والتخلف والرجعية، وأطلقوا على الانحلال والقيم الغربية اسم التحرر والتقدم، وغيرها من الأسماء البراقة، فتعامل شبابنا مع الأسماء، وأصبح يقلد الغرب تقليدًا أعمى، وابتغى العزة عند أعداء الله، وهان عليهم دينهم، ولم يعرفوا قدره، فهجروا المساجد، وهجروا القرآن، ونسوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطمس الغرب هويتهم الإسلامية تمامًا، إلا من رحم ربي، وسلط الغرب واليهود على شبابنا وسائل الإعلام المدمرة، التي تبث الأفكار الهدامة، وتشوه الدين، ونشروا العري، والموضة، والدعارة، والمخدرات بين شباب الأمة، فأصبحت طاقات الأمة معطلة وفى حالة تخدير.

إلا أن اندفاع الشباب لا بد أن تسايره حكمة من الشيوخ، ونظرة من تجاربهم وأفكارهم، ولا يستغني أحد الطرفين عن الآخر، وإن أمة الإسلام، وهي أمة الرسالة الباقية، وذات الصدارة بين الأمم، عندما أكرمها الله بهذا الدين، وببعثة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، كان للشباب فيها مكان بارز في ركب الدعوة المباركة، كما كان للشيوخ مكان الصدارة في التوجيه والمؤازرة.

كما أن ترك الشباب عرضة للأفكار الهدامة، والتصورات الخاطئة وعدم الأخذ بيده، وتفهم آرائه وأفكاره، والإجابة عن كل تساؤلاته، وإيضاح الرأي الصحيح أمامه قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه(12).

إنَّ الشباب يد الأمة الفاعلة، التي تفعل وتؤثر وتغيّر، ويبقى العلماء بمثابة من ينظم المسيرة، ويحرك إيمانهم، ويبعثهم للقيام بدورهم، لكن ينبغي على كل شاب أن يوقن بأن له دورًا يتعلق بذاته، ودورًا يتعلق بمجتمعه وبإخوانه، وأن هذا الدور لا يمكن أن يؤدَّى على وجهه الأكمل حتى يدرك الشاب أولًا حقيقة الإسلام، ثم يصلح نفسه، ثم يقيم علاقته مع من يعمل معه في حقل الدعوة برشد، وخاصة أننا نلمس ندرة في العلماء والمربين؛ فحينئذ يقع على الشاب دور مضاعف في تربية نفسه، وفي زيادة إيمانه، وفي متابعة قلبه، وفي إصلاح عيبه وخلله، وبعد ذلك معرفة واقع مجتمعه بماضيه وحاضره، والاطلاع على وسائل الإعلام وأساليبها، ومتابعة الأحداث الجارية، وأين تقف من الإسلام؟ وأين يقف الإسلام منها؟ حتى لا يكون بمعزل عن واقعه.

كما يحتاج الشباب أن يقتحموا التخصصات العملية، حتى تتحقق في مجتمع المسلمين الكفاية في تلك التخصصات، والتي لا يُعدّ مجتمع من المجتمعات حاضرًا قويًا حتى يكتفي أهله بعلم الهندسة، والطب، والزراعة، والصناعة، وغير ذلك، فلا يكونون عالة على غيرهم(13).

__________________

(1) الحركات الإسلامية ودور الشباب فيها، للشيخ عبد العزيز بن باز.

(2)رواه الترمذي (2630).

(3) شباب الصحوة بين العطاء والفتور، خباب بن مروان الحمد.

(4) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (2/ 367-369).

(5) في ظلال القرآن (البقرة: 63).

(6) المصدر السابق (يوسف: 108).

(7) شعب الإيمان (4929).

(8) شباب الصحوة بين العطاء والفتور، خباب بن مروان الحمد.

(9) الدعوة في حياة الشباب بين الإقدام والتراجع، موقع المسلم.

(10) المصدر السابق.

(11) دور الشباب في حمل رسالة الإسلام، موقع آفاق الشريعة.

(12) دور الشباب في الإسلام، مصطفى فضل.

(13) شباب الصحوة بين العطاء والفتور، خباب بن مروان الحمد.