logo

أخطاء الناس في العيد


بتاريخ : الاثنين ، 20 ذو الحجة ، 1441 الموافق 10 أغسطس 2020
بقلم : تيار الاصلاح
أخطاء الناس في العيد

إن مخالفات العيد أصبحت اليوم ظاهرة مكشوفة، يضيق لها صدر المؤمن الغيور على دين الله، وخاصة إذا لم يكن في البلد من يحذر المسلمين منها، مع تقاعس الكثيرين عن الإدلاء بالنصيحة لعامة المسلمين فيها برفق ولين، وصدق ويقين، قال عليه الصلاة والسلام: «ألا لا يمنعن رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه» (1).

أي: يقوله للمرتجي نفعه من نحو صياح واستغاثة وأمر من يفعل ذلك، وتوبيخ وتذكير بالله وأليم عقابه، مع لين وإغلاظ حيثما يكون أنفع، ولا فرق في وجوب الإنكار بين أن يكون الآمر ممتثلًا ما أمر به مجتنبًا ما نهي عنه أو لا، ولا بين كون كلامه مؤثرًا أو لا (2).

وهذه الأشياء من مخالفات الشريعة في أحكام العيد؛ فاجتنبها وحذر منها:

أولًا: تخصيص زيارة المقابر بيوم العيد:

زيارة المقابر عبادة من العبادات، مطلقة غير مقيدة بزمن من الأزمنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» (3)، فمن قيدها بشيء من القيود، فقد قفا ما ليس له به علم، وابتدع في دين الله ما لم يأذن به الله.

وقد اعتبر العلماء زيارة القبور في يوم العيد من البدع المنهي عنها، فهذا العلامة الألباني: يذكرها في بدع الجنائز الملحق بأحكام الجنائز فقال: ذهابهم إلى المقابر في يومي العيدين ورجب وشعبان ورمضان (4).

فزيارة القبور للرجال سنة مشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الشرع لم يحدد يومًا معينًا لزيارة القبور، لذلك فإن تخصيص يومي العيد بزيارة القبور بدعة مكروهة، وقد تكون حرامًا إذا رافقتها الأمور المنكرة التي نشاهدها في أيامنا هذه يوم العيد؛ من خروج النساء المتبرجات إلى القبور، واختلاطهن بالرجال، وكذلك انتهاك حرمات الأموات من الجلوس على القبور ووطئها بالأقدام، وغير ذلك من الأمور المخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وينبغي أن يعلم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي.

فالمشروع في حق من يزور المقابر أن يسلم على الأموات، وأن يدعو ويستغفر لهم، وأما قراءة الفاتحة كما يفعله أكثر الناس اليوم، وكذا قراءة غيرها من القرآن فلا أصل له في الشرع؛ وإن توارثه الناس في بلادنا كابرًا عن كابر، فإن الحق في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يعتاده الناس.

ومن البدع وضع جريد النخيل والزهور وأكاليل الورود على القبور، فهذا لا يجوز لأنه أمر محدث، وزيادة على ذلك يقال: إن زيارة المقابر في العيد لا تشرع لأمور:

1- أنها بدعة كما مر معنا.

2- أن فيها تجديد للحزن على الموتى في يوم عيد؛ وهذا ينافي إظهار السرور الذي هو من شعائر يوم العيد.

3- أننا أصبحنا نرى المقابر يوم العيد قد غصت بالنساء المتبرجات، محمرات ومصفرات، كاسيات عاريات.

4- هذا ينافي ما شرعت له زيارة المقابر من العظة والتذكرة، كما جاء عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة» (5).

ثانيًا: مصافحة النساء الأجانب:

قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

وقال سبحانه: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب: 55]، ذكر الله تعالى في هذه الآية من يحل للمرأة البروز له، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وما عدا ذلك فحرام كابنة الخال والخالة، وابنة العم والعمة، قال تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} [الأحزاب: 50]، وزوجة الخال وكذا زوجة العم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لأن يطعن أحدكم بمخيط -من حديد- في رأسه خير له من أن يصافح امرأة لا تحل له» (6).

ويجب التحذير مما يحصل من بعض الرجال في العيد من دخولهم على النساء في البيوت وهن لوحدهن بحجة أنها زيارة يوم العيد، فهذا لا يجوز شرعًا، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد ورد في الحديث: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» (7).

أن اختلاط الرجال بالنساء، كثيرًا ما يؤدى إلى الوقوع في الفاحشة وذلك لأن ميل الرجل إلى المرأة وميل المرأة إلى الرجل أمر طبيعي، وما بالذات لا يتغير.

ووجود يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز تحت سقف واحد في سن كانت هي فيه مكتملة الأنوثة، وكان هو فيها فتى شابًا جميلًا أدى إلى فتنتها به، وإلى أن تقول له في نهاية الأمر بعد إغراءات شتى له منها: «هيت لك».

ولا شك أن من الأسباب الأساسية التي جعلتها تقول هذا القول العجيب وجودهما لفترة طويلة تحت سقف واحد.

لذا حرم الإسلام تحريمًا قاطعًا الخلوة بالأجنبية، سدًا لباب الوقوع في الفتن، ومنعًا من تهيئة الوسائل للوقوع في الفاحشة (8).

وإذا نصحت الشاب أو الرجل وقلت: يا أخي لا يجوز لك تقبيل من ذكرنا من أقاربك، قال أنا أستحي، أو أخاف أن أغضبهم، فهذا الحياء حياء مذموم لأنه أدى إلى معصية.

أما أنك تخاف أن تغضبهم، فنذكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه، ويزين قوله وعمله في عينه» (9).

وسئلت امرأة انحرفت عن طريق العفاف، لماذا كان منك ذلك فقالت: قرب الوساد، وطول السواد، أي: حملني على ذلك قربى ممن أحبه وكثرة محادثتي له.

عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كتب الله على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة: فزنى العين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تتمنى ذلك وتشتهي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» (10).

ثالثًا: الإسراف المنبوذ:

يقول مصطفى السباعي رحمه الله: مَنْ أراد معرفة أخلاق أمة فليراقبها في أعيادها، إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها.

والإسراف في الأعياد يعد من أهم الصفات السيئة، والأخطاء الشنعاء التي يقع فيها المعظم، ويأتي الإسراف في جميع الأمور كلها، حيث اللبس وتناول الطعام، وغيره من المساوئ الكثيرة، والإسراف عادة سيئة حرمها الله سبحانه وتعالى، ووصف أهلها بأنهم إخوان الشياطين فقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27]، وقال أيضًا: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

فالإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع والتقتير مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به وانتفاع الجماعة من حوله، فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية، والإسراف والتقتير يحدثان اختلالًا في المحيط الاجتماعي والمجال الاقتصادي، وحبس الأموال يحدث أزمات ومثله إطلاقها بغير حساب، ذلك فوق فساد القلوب والأخلاق (11).

وينبغي أن تحقق أعيادنا الأهداف والغايات المشروعة؛ لنحقق مبدأ الأمة الخيرة، فلا نسرف في لهونا وفرحنا، ونشعر بإخواننا المحتاجين والفقراء، ونواسي المنكوبين، ونقتصد في ضحكنا ولعبنا ونتذكر إخواننا ومآسيهم.

حُكي أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله رأى ولدًا له يوم عيد وعليه قميص ممزّق، فبكى رحمه الله، فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبتي؟ قال عمر رحمه الله: أخشى يا بني أن ينكسر قلبك في يوم العيد إذا رآك الصبيان بهذا القميص، فقال يا أمير المؤمنين: إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه، أو عقّ أمه وأباه، وإني لأرجو أن يكون الله راضيًا عني برضاك، فبكى عمر، وضمه إليه وقبله ودعا له، فكان أزهد الناس بعده.

إن الإقبال الشديد على الطعام والشراب واللباس والحلوى والزينة والولائم والمناسبات الباذخة فيه مفاسد دينية ودنيوية؛ فهو يفسد الجسم بالأسقام، ويتلف المال، ويورث الإنسان الهمّ بالليل والمذلة بالنهار.

فما أكثر الأحداث المؤلمة والمظاهر المحزنة التي تنزل بالناس في أيام الأعياد نتيجة التسابق إلى الإسراف بأشكاله المختلفة وصوره المتنوعة.

ونسي الناس أو تناسوا أن لهم إخوانًا في ديار نائية ومناطق بعيدة، بَلْه مَنْ يسكن بجوارهم يعانون من شظف العيش وقلة ذات اليد والمجاعة والفقر والعوز، هؤلاء هم في أشدّ الحاجة إلى يد حنونة تساعدهم وتمسح دمعتهم وتفرح قلوبهم وتبهج أنفسهم.

عليه، ينبغي أن نكفّ أيدينا عن التبذير المبالغ فيه في أيام الأعياد، وليكن العيد فرصة للتدبير الرشيد وكذا فرصة للمواساة والتكافل (12).

قال ابنُ الجَوْزي: العاقل يُدبِّر بعقله معيشتَه في الدنيا، فإن كان فقيرًا اجتهَد في كسبٍ وصناعةٍ تَكُفُّهُ عن الذُّلِّ للخَلْق، وقلَّل العلائقَ، واستعملَ القَناعة؛ فعاش سليمًا من مِنَن الناس، عزيزًا بينهم، وإن كان غنيًّا، فينبغي له أن يُدبِّر في نَفَقَتِه؛ خوفَ أن يفتقر، فيحتاج إلى الذُّلِّ للخَلْق (13).

رابعًا: التبرج والسفور:

ومن النساء من تخرج إلى المصلى؛ لكن لا للعبادة، بل لإظهار الزينة ولفت الأنظار إليها، وهذا لا يجوز؛ لأن الإسلام أمر المرأة بالستر وعدم إبداء الزينة الداخلية، وحتى الزينة الخارجية التي تغري الناس وتفتنهم لا يحل للمرأة إظهارها، وقد قال النبي صلى الله وسلم: «إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبًا» (14).

كما أن تبرج وسفور المرأة، أصبح أمرًا عاديَا في هذا الزمان، ويبرز بالأحرى في أيام الأعياد، من خلال ارتداء اللباس الغير لائق، والتطيب، وبالتالي لا ينبغي أبدًا على المسلمة، الخروج متعطرة متزينة ومتبرجة بحجة فرحة العيد، وهذا ما حذر منه الرسول في قوله: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (15).

إن المتأمل هذه الأيام يرى أن كثيرًا من النساء قد تبرجن، وألقين الحجاب والحشمة عنهن؛ وكأنه لا رقيب عليهن من أحد، حتى أصبحت المرأة تتشبه بالنساء الساقطات السافرات اللواتي خلعن الحياء وانسللن من دينهن، تحت مسميات وشعارات جوفاء عديدة، وهذا والله الذي لا يحلف إلا به خطر عظيم، وشر مستطير، أوجب الله على جميع نساء المؤمنين البعد عنه، وألزمهن بالحجاب الشرعي الساتر لجميع البدن، بما في ذلك الوجه والكفين، والساتر لجميع الزينة المكتسبة من ثياب وحلي وغيرها عن كل رجل أجنبي، وذلك بالأدلة القرآنية، والأحاديث النبوية (16).

خامسًا: الاختلاط في الصلاة:

 وهو من أبشع العادات التي يقع فيها المحتفلون بالعيد، حتى أن الأمر وصل إلى الاختلاط بين الرجال والنساء في المساجد ووقت صلاة العيد، فضلًا عن الاختلاط الذي يحدث في الأماكن الأخرى، وعليه لا بدّ من الفصل بين الرجال والنساء، حتى في أماكن الصلاة، فخير صفوف الرجال أولها لبعدها عن النساء، وخير صفوف النساء آخرها لبعدها عن الرجال، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، والمقصود به اختلاط النساء بالرجال.

سادسًا: قطع الأرحام:

من العادات السيئة أيضًا التي يرتكبها البعض في العيد، فنتيجة لتعقيد الحياة، وتحولها لمادية بحتة، تناسى الكثيرون العلاقات الاجتماعية، وفريضة صلة الأرحام التي فرضها الله سبحانه وتعالى، وحذر من القطيعة تحذيرًا شديدًا حيث قال جل وعلا: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23]، أولئك الذين يظلون في مرضهم ونفاقهم حتى يتولوا عن هذا الأمر الذي دخلوا فيه بظاهرهم ولم يصدقوا الله فيه، ولم يستيقنوه، {أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ} وطردهم وحجبهم عن الهدى، {فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ} وهم لم يفقدوا السمع، ولم يفقدوا البصر ولكنهم عطلوا السمع وعطلوا البصر، أو عطلوا قوة الإدراك وراء السمع والبصر فلم يعد لهذه الحواس وظيفة لأنها لم تعد تؤدي هذه الوظيفة (17).

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع» (18).

سابعًا: تضييع الجماعة والنوم عن الصلوات:

إن مما يؤسف له أن ترى بعض المسلمين وقد أضاع صلاته، وترك الجماعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» (19).

وقال: «إن أثقل صلاة على المنافِقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبوًا، ولقد هممتُ أن آمُر بالصلاة فتُقام، ثم آمُر رجلاً فيُصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يَشهدون الصلاة فأُحرِّق عليهم بيوتهم بالنار» (20).

ثامنًا: الاستماع إلى الغناء المحرَّم:

إن من المنكرات التي عمَّت وطمَّت في هذا الزمن الموسيقا والطرب، وقد انتشرت انتشارًا كبيرًا، وتهاون الناس في أمرها، فهي في التلفاز والإذاعة والسيارة والبيت والأسواق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل إن الجوالات لم تسلم من هذا الشرِّ والمُنكَر، فها هي الشركات تتنافس في وضع أحدث النغمات الموسيقية في الجوال، فوصل الغناء عن طريقها إلى المساجد والعياذ بالله، وهذا من البلاء العظيم والشرِّ الجسيم أن تسمع الموسيقا في بيوت الله، وهذا مِصداق قوله صلى الله عليه وسلم: «ليكونَّن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف» (21)، والحِرَ هو: الفرج الحرام، يعني: الزنا، والمعازف هي: الأغاني وآلات الطرب (22).

تاسعًا: التكبير الجماعي بصوت واحد، أو الترديد خلف شخص أو إحداث صيغ للتكبير غير مشروعة.

والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية؛ وهي التكبير فرادى، وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله وأصدر في ذلك فتوى، وصدر مني (الشيخ ابن باز) في منعه أكثر من فتوى، وصدر في منعه أيضًا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل، وهكذا النداء لصلاة العيد أو التراويح أو القيام أو الوتر كله بدعة لا أصل له، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيد بغير أذان ولا إقامة، ولم يقل أحد من أهل العلم فيما نعلم أن هناك نداء بألفاظ أخرى، وعلى من زعم ذلك إقامة الدليل، والأصل عدمه، فلا يجوز أن يشرع أحد عبادة قولية أو فعلية إلا بدليل من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة أو إجماع أهل العلم لعموم الأدلة الشرعية الناهية عن البدع والمحذرة منها، ومنها قول الله سبحانه: {أمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى: 21] (23).

عاشرًا: ترك صلاة العيد:

بعض الناس يتهاون في أداء صلاة العيد، ويحرم نفسه الأجر فلا يشهد الصلاة، ودعاء المسلمين وقد يكون المانع من حضوره سهره الطويل.

صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم، ويجوز التخلف من بعض الأفراد عنها، لكن حضوره لها ومشاركته لإخوانه المسلمين سنة مؤكدة لا ينبغي تركها إلا لعذر شرعي.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين كصلاة الجمعة، فلا يجوز لأي مكلف من الرجال الأحرار المستوطنين أن يتخلف عنها، وهذا القول أظهر في الأدلة وأقرب إلى الصواب.

ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والتستر وعدم التطيب؛ لما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: «أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين وتعتزل الحيض المصلى» (24).

وفي بعض ألفاظه: فقالت إحداهن: يا رسول الله لا تجد إحدانا جلبابًا تخرج فيه فقال صلى الله عليه وسلم: «لتلبسها أختها من جلبابها» (25).

ولا شك أن هذا يدل على تأكيد خروج النساء لصلاة العيدين ليشهدن الخير ودعوة المسلمين (26).

***

_____________

(1) أخرجه الترمذي (2191).

(2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 467).

(3) أخرجه مسلم (977).

(4) أحكام الجنائز (1/ 258).

(5) أخرجه أحمد (1236).

(6) أخرجه الطبراني في الكبير (486).

(7) أخرجه البخاري (5232)، ومسلم (2172).

(8) التفسير الوسيط لطنطاوي (7/ 348).

(9) أخرجه الألباني في الصحيحة (2311).

(10) أخرجه ابن حبان (4420).

(11) في ظلال القرآن (5/ 2579).

(12) العيد بين التدبير والتبذير/ زيد محمد الرماني.

(13) صيد الخاطر (ص: 404).

(14) السلسلة الصحيحة (1094)

(15) أخرجه مسلم (2128).

(16) التبرج والسفور/ طريق الإسلام.

(17) في ظلال القرآن (6/ 3297).

(18) أخرجه البخاري (5984)، ومسلم (2556).

(19) أخرجه الترمذي (2621).

(20) أخرجه مسلم (651).

(21) أخرجه البخاري (5590).

(22) رمضان والعيد/ موقع المسلم.

(23) حكم التكبير الجماعي قبل صلاة العيد/ موقع الشيخ ابن باز.

(24) أخرجه البخاري (324)، ومسلم (890).

(25) أخرجه أحمد (20269)، وابن ماجه (1307).

(26) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (13/ 7).