logo

الدعاة إلى الله في القرى


بتاريخ : الثلاثاء ، 23 ذو الحجة ، 1436 الموافق 06 أكتوبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الدعاة إلى الله في القرى

إن تأثير البيئة الاجتماعية يظهر واضحًا في ميادين الدعوة الإسلامية؛ حيث إن البيئة تؤثِّر على الدّاعي من حيث قبول دعوته أو ردّها، وعلى المدعو من حيث التأثير على حياته وسلوكه، سواء أكان هذا التأثير من قبل الأسرة، أم الجيران، أم الأصدقاء، أم بقية المجتمع، ولهذا أيضًا أثر على موضوع الدعوة من حيث رده أو قبوله، أو رد البعض وقبول البعض الآخر، ولها تأثير واضح في تطبيق وسائل وأساليب تناسب واقع كل بيئة من حيث نجاح بعض الوسائل والأساليب في بيئة معينة دون الأخرى.

ويعيش أغلب المسلمين في القرى والأرياف والبوادي، ومعظمهم إما أهل زراعة وإما أهل ماشية، والخدمات والتسهيلات التي توفرها الدول لهذه الطبقة من الشعب دون ما توفره لسكان المدن الكبرى، ومع ذلك فإن تخلفهم في المجال الدعوي أسوأ منه في المجال المادي؛ لأن أغلب الدول الإسلامية لا تهتم بالجانب الديني من حياة الشعب، ولهذا انتشرت في هذه الطبقة عادات وتقاليد سيئة ومخالفة للشرع، وبعضها يرتكب باسم الدين، كما تنتشر فيهم منكرات وأمراض اجتماعية كثيرة، يختلف أكثرها عما عند أهل المدن الكبرى.

والدعاة إلى الله بعيدون عن تلك المناطق النائية، وعلاقتهم بها ضعيفة، ويقل حضورهم فيها واهتمامهم بها، فلذلك تراكمت على أهلها الانحرافات، وفشا فيهم الجهل، وابتعدوا عن الدين الصحيح قليلًا أو كثيرًا، ولتقليل هذه الانحرافات والمنكرات ينبغي أن يقوم طلبة العلم والدعاة بجولات دعوية إلى القرى والأرياف؛ يتعرفون من خلالها على أحوال إخوانهم، والوقوف على المشاكل التي تقض مضاجعهم، والمساهمة في حلها، وأن يعلموهم أمور دينهم، ويرفعوا احتياجاتهم إلى الجهات الرسمية وأهل الخير من المسلمين لسدها، وأن يشجعوا غيرهم من أهل العلم والدعاة.

خصائص المجتمع القروي:

المجتمع القروي يعيش مستوى تنظيم منخفض، ويتكون من الفلاحين والرعاة وصيادي الحيوانات والأسماك، ويُفهم، ويتميز المجتمع الريفي بسيطرة نسبية للحرف الزراعية، والعلاقة الوثيقة بين الناس، وصغر حجم تجمعاته الاجتماعية، والتخلخل السكاني النسبي،  مع درجة عالية من التجانس الاجتماعي وضآلة التميز والتدرج الداخليين، فضلًا عن ضآلة الحراك الاجتماعي الرأسي والوظيفي عند السكان.

الحياة الاجتماعية في القرية تتلخص في أن القرويين يرتبطون بالأرض ارتباطًا وثيقًا يصل إلى حد التقديس، كما أنهم يتعلقون بالطرق التقليدية القديمة، ويضحون بمصلحتهم الشخصية في سبيل العائلة، ويسيطر الشعور الديني على الكثير من مظاهر سلوكهم.

والعمل الزراعي في نظر أهل القرية هو من أهم الأعمال وأجلِّها قدرًا؛ لأنه مرتبط بنوع من الشعور الديني؛ إذ إن العمل بجد في الأرض يُرضي الله ويضمن الرزق.

كما تمارس الحياة في المجتمع الريفي في إطار من الود الجماعي الكبير للغاية مع الجميع، بحيث يصبح من الطبيعي إيجاد روابط خاصة، ويتطلب انتظام الحياة في المجتمع الريفي أن يقبل كل فرد، ولو ظاهريًا على الأقل، القوانين والأعراف التي تحكم السلوكيات ونظام القيم السائد.

كما أن الطفل الريفي مندمج بعمق في بيئته المحلية التي يعيش فيها، ويتطابق بسهولة مع والديه، الذين يتقاسم معهم المسئولية في مرحلة مبكرة جدًا من حياته، ويوضح هذا أن البيئة الريفية تشجع حدوث اندماج مبكر للشخصية، ومن ثم فمن الصعب أن يحصل الفرد الريفي على استقلال كامل في الرأي طالما أن والده لا يزال مصدرًا رئيسيًا للدخل الاقتصادي، ورئيسًا للأسرة الريفية.

وتزداد العلاقات الاجتماعية في المجتمع الريفي بدرجة كبيرة، وتكون فيه العلاقات السائدة قائمة على علاقات الوجه للوجه، أي علاقات الأواصر القوية، التي تقوم على اللقاء المباشر، والتعاون والتكامل الدائم، والتفاهم المشترك الوثيق، والإيثار الكامل، والاشتراك الكامل في كافة المناسبات الاجتماعية، ويسود التضامن الاجتماعي نتيجة للتشابه في السمات العامة، والخبرات المتماثلة، والاتفاق في الأهداف العامة المشتركة؛ ما يؤدي إلى سيادة العلاقات الشخصية غير الرسمية.

وتتسم الحياة الريفية بالبساطة، وتظهر هذه البساطة في بُعد الفلاح عن مظاهر التعقيد الموجودة في المدينة، ويرجع هذا إلى بساطة الأعمال التي يقوم بها، والتي اتخذت شكلًا متكررًا، إلى جانب بساطة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، ومن مظاهر بساطة الحياة في الريف أن الفلاح لا يعلق أهمية بالغة على الكماليات، التي تصبح في المدينة في مرتبة الضروريات.

وتتسم الحياة الريفية بقوة الضبط الاجتماعي؛ فالمجتمع الريفي يتميز بقوة الضبط المتمثلة في العادات والتقاليد والأعراف، فالريفيون يعيشون حياتهم الخاصة متأثرين بالقواعد السلوكية غير الرسمية، فيتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم، ويحافظون عليها بشدة، ويتناقلونها عبر الأجيال، كما تلعب الشائعات دورًا مهمًا في الرقابة على السلوك وتصرفات الأفراد في القرية.

وبناءً على ذلك يمكن تعريف المجتمع الريفي بأنه المجتمع الصغير نسبيًا، والذي يعمل غالبية سكانه بالزراعة كعمل رئيسي لهم، والذي يتميز بالعلاقات المباشرة والوثيقة المتمثلة في علاقات المواجهة؛ لذلك فهم أكثر تجانسًا واعتمادًا على بعضهم، كما أنه يخضع لقوة الضبط الاجتماعي غير الرسمي، المتمثلة في العادات والتقاليد والقيم والأعراف، كما تنتقل معايير السلوك في مثل هذا المجتمع من جيل إلى جيل.

فالريف بوديانه الخصيبة، وحقوله الملأى بألوان الخيرات، وجباله المغطاة بأصناف الشجر والفاكهة، وطقسه المعتدل المتناغم مع البيئة الرطبة، عرف دينًا أقرب إلى التوحيد هيأه لقبول الدين الجديد، فلم يصعب على أهاليه الاستجابة لدعوة الإسلام أول ما وصل حاملوه إليه.

أهمية دعوة أهل القرى:

- الحاجة الملحة للدعوة في القرى؛ حيث تفشي الجهل والبعد عن الدين، والوقوع في شركيات وبدع وخرافات.

- وجود عدد ممن لا خلاق لهم، يسعون لقضاء مآربهم في أهل القرى؛ مما زاد أهمية وجود الداعية الأمين.

- الإهمال والتفريط في هذا الجانب من الدعوة رغم أهميته وحاجة أهل المنطقة لذلك.

العقبات والمشكلات التي تعترض الداعية في القرى:

(1) عقبة النفس الضعيفة الملولة الكسولة، فكثيرًا ما ترى إخوة ظاهرهم الاستقامة، ولكنهم ليس لهم أثر يذكر، ولا بذل يبذلونه؛ لأنهم (محطمون) نفسيًا.

(2) سبل الوصول للمكان: قد لا تتوفر لدى الأخ وسيلة مواصلات؛ مما يجعله في بعض الأحيان يستعين بزملائه فيصبح تبعًا لهم، وهذا قد يعيقه عن التحرك بسهولة في القرية.

(3) السكن: قد لا يتوفر سكن في القرية.

(4) هي طبيعة القرى الجغرافية، الصعوبة في التحرك، وشدة وعورة الطرق، والتيهان الوارد والذي حصل كثيرًا.

(5) صعوبة تقبل الناس في بعض القرى؛ بل هي قلة جدًا، وكثير من أهل البادية في القرى يحبون الملتزمين، ويشهد بذلك المجربون ولله الحمد.

(6) مضايقة من بعض المسئولين في القرية؛ كشيخها، أو أميرها، أو محافظها، أو إمام المسجد، إذا رأوا أنك قد سلبت الأنظار عنه إليك بحركتك ودعوتك ونشاطاتك التي تقيمها.

وهناك عقبات أخرى، والعلاج الجامع الاستعانة بالله تعالى، وإخلاص النية لله، واللجوء إليه؛ فإنه مفرج الكربات، ومنفس الهموم سبحانه وتعالى(1).

كيف ندعو إلى الله في القرية؟

أولًا: تذكر أهمية الدعوة إلى الله وفضلها، وخصوصًا القرى والجهل فيها، «لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم»(2).

ثانيًا: سرعة تقبل كثير من أهل القرى وحبهم للملتزمين، إذا رأوا لك أثرًا، ومنك حرصًا على دعوتهم وتعليمهم دين الله.

ثالثًا:

(أ) اجعل المسجد نقطة انطلاقة لدعوتك: 

1- خصص درسًا أو درسين أسبوعيًا، الدروس المهمة لعامة الأمة، فتاوى للعلماء، العقيدة، الفقه.

2- كثف جهدك في المواسم؛ كرمضان، والحج، والإجازات.

3- افتح حلقة لتحفيظ القرآن الكريم.

4- نسق لمحاضرات تستضيف فيها بعض الدعاة، وتذكر أنهم عوام لن يحضروا ما لم يكن هناك حوافز وجوائز مرصوصة على الطاولة.

5- خطبة الجمعة وسيلة قوية للتأثير على الناس، فاحرص عليها، وإن كان هناك خطيب فلا تخسره؛ بل تذكر أنه يظن نفسه شيخ القرية وأعلمها، فاكسبه في صفك.

(ب) توزيع رسائل وكتيبات ومطويات، وعمل مسابقات عليها؛ كمسابقة رمضان، وجوائزها في العيد.

(ج) استعن، بعد الله، بمن حولك من الدعاة، وكذلك بعض أهل العلم يكونون على خير كثير ولكنهم دفنوا في القرية، كأن يكون معلمًا لتحفيظ القرآن إن كان يجيده.

وكذلك استعن ببعض أهل القرية الذين ترى فيهم خيرًا، ولو لم يكن ظاهرهم الاستقامة، والواقع يشهد بأمثال هؤلاء وكم قدموا.

(د) احرص على كسب كبار القرية بزيارتهم وإعطائهم مكانتهم؛ حتى يساعدوك في تيسير دعوتك، ولا تنس تخصيصه بزيارة مع الشيخ الزائر من خارج المنطقة قبل المحاضرة أو بعدها.

فالداعية حسن البنا رحمه الله كان يريد أن يفتح مركزًا في قرية، وكان عمدة القرية ضد هذا المركز، فسبق أحد أبنائه إلى القطار قبل البلدة بمراحل، وركب معه القطار وأخبره، قال له: أرى أن ترجع، أرى ألا تذهب إلى المركز لأن عمدة القرية جمع رجاله وأعوانه، ويريد أن يضرب من يجتمع في هذا المركز، قال: هل علم بك أحد؟ قال: لم يعلم بمجيئي أحد، قال: إذًا فاسكت.

فلما وصل القطار إلى محطة المركز، كان الناس ينزلون على الرصيف المرتفع وهو نزل من الخلف، ولم يشعر به أحد، وأخذ صاحبه بيده، وترك المستقبلين المحتشدين عند القطار، وما علموا إلا بالشيخ حسن قد وصل القرية، لكن لم يذهب إلى مركزه ولا إلى أحد من أبنائه، ولا إلى أحد من أتباعه؛ بل ذهب إلى بيت العمدة بنفسه: سلام عليكم، نحن ضيوفكم، فقام العمدة بأريحية أهل الريف بحق الضيافة، ثم بعد أن تناولوا القهوة أو الغداء قال: نحن جئنا لافتتاح المركز، ولا يكون حفل الافتتاح إلا على شرف العمدة، الذي هو أمير القرية.

فذهب العمدة مع حسن البنا بعد أن كان رجاله قد أعدوا لإحباط الافتتاح، ولضرب الحاضرين، فصاروا حراسًا لهذا الحفل، ثم ما خرج من هناك حتى ولى العمدة رئاسة هذا المركز(3).

) عمل المسابقات، وإقامة الحفلات التكريمية لها ولطلاب التحفيظ في نهاية كل فترة، وكم لها من أثر.

(و) عمل مؤتمرات دعوية وإغاثية لضمان حضور أكبر عدد من أهل القرية.

(ز) احرص على تفقد أحوالهم، والغالب فيهم الفقر، وإحضار المواد الغذائية بالتنسيق مع الجهات المعنية؛ كالمستودعات الخيرية أو المؤسسات الخيرية، أو أحد الميسورين أو المشايخ والدعاة وغيرهم.

(ح) اعمل حلقة وصل بينك وبين الأخيار في القرى المجاورة، واحرص على التعاون بينكم، وليكن همك المنطقة بكاملها.

(ط) في أسوأ الأحوال ظروفًا، إذا لم تجد المعاونين في قريتك وزملائك والقرى الأخرى فإياك إياك أن تقف عن العمل، فكم من أناس نفع الله بهم، وهم فرادى.

(م) تذكر أنه يوجد لديك أوقات فراغ، فإياك إياك أن تهمل نفسك من قراءة القرآن وحفظه أو مراجعته، ومن الاستفادة من وقتك عمومًا.

(ن) استشر أهل الخبرة ومن سبقك في هذا العمل.

(ع) وعلى افتراض سوء أهل القرية وعدم تقبلهم، إن لم تكن أذيتهم، فلتحرص بارك الله فيك على إنشاء جيل من الشباب، بتبنيهم وتربيتهم من خلال حلقة للتحفيظ أو أي محضن آخر؛ مع العلم أن التربية قد تحتاج منك إلى سنوات، وما أجملها وأبهاها حين ترى ثمرتها في مستقبل السنين(4).

إن الدعوة إلى الله تعالى في المجتمعات الريفية لا تختلف عن الدعوة في غيرها من المجتمعات في الجملة، إلا إنه يراعى في أهل الريف محدودية ثقافتهم، وضعف مستواهم التعليمي؛ مما يجعل الداعية يستخدم من العبارات ما يتناسب مع قدراتهم الذهنية؛ ولهذا قال ابن مسعود: «ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».

المبادئ الأساسية التي تقوم عليها دعوة أهل القرى إلى الله هي:

أولًا: دعوتهم إلى تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده.

ثانيًا: دعوتهم إلى تعظيم الآمر الناهي، وحبه سبحانه، ومن ثم الاستقامة على منهجه، وهذا في الحقيقة من ثمرات تحقيق التوحيد.

ثالثًا: تعليمهم فروض الأعيان وحثهم على أدائها.

رابعًا: تحذيرهم من كبائر الذنوب وسائر المحرمات ليجتنبوها.

خامسًا: تحذيرهم من البدع وحثهم على الاعتصام بالسنة.

سادسًا: تعليمهم سيرة النبي وإبراز جوانب القدوة في حياته صلى الله عليه وسلم.

سابعًا: إحياء الربانية فيهم، وحثهم على التأله والتعبد لله بفضائل الأعمال.

ثامنًا: تثقيفهم بما يحاك لأمة الإسلام من مكايد، وإعلامهم بأصدقاء الأمة وأعدائها، حتى تتحقق فيهم عقيدة الولاء والبراء.

وصايا عامة:

(1) الإخلاص وحسن النية طريق لتيسير الصعوبات.

(2) تهيئة النفس لما قد يلاقيها من صعوبات وعقبات نفسية وخارجية.

(3) كن قدوة بفعلك قبل قولك.

(4) ليكن همك الأول كيف تنصر دين الله وتنشره، لا المال وحتى الرجعة إلى الأهل والراحة.

(5) تذكر جلد السلف رحمهم الله تعالى في الدعوة إلى الله، وصبرهم في سبيل الله تعالى.

وننصح كل من يدعو إلى الله تعالى بتقوى الله في خاصة نفسه، فما أسوأ الداعية المتهتك، كما ننصحه بالرفق في دعوتهم وأمرهم ونهيهم، وننصحه بالصبر على ما قد يناله من أذى في نفسه أو بدنه، وعليه بالتواصل والارتباط مع بعض أهل العلم من الدعاة والمربين ليتابع عمله ويفيده بخبرته في حل ما قد يعترضه من مشكلات.

_________________

 

(1) الدعوة إلى الله في القرى، موقع: صيد الفوائد.

(2) أخرجه البخاري (2942).

(3) شرح الأربعين النووية، عطية سالم.

(4) الدعوة إلى الله في القرى، موقع: صيد الفوائد.