logo

الداعية بين التوفيق والإخفاق


بتاريخ : السبت ، 9 شوّال ، 1436 الموافق 25 يوليو 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الداعية بين التوفيق والإخفاق

كثير هي المواقف التي يحاول الداعية أن يوصل رسالة فلا تصل، أو تصل بطريقة معكوسة؛ فتفهم على غير المراد منها، فيخفق الداعية في توصيل دعوته للناس، وفي مواطن أخرى يحصل التوفيق الكبير من الله تعالى، فما كان يظن الداعية أن رسالته ستبلغ ما بلغت، وأنها ستثمر كل هذا الخير.

عن أبي هاشم الرماني قال: قال زاذان: كنت غلامًا حسن الصوت، جيد الضرب بالطنبور، فكنت مع صاحب لي، وعندنا نبيذ وأنا أُغَنِّيهم، فمر ابن مسعود، فدخل، فضرب الباطية، بددها وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت، ثم مضى، فقلت لأصحابي: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مسعود، فألقى في نفسي التوبة، فسعيت أبكي، وأخذت بثوبه، فأقبل علي فاعتنقني وبكى، وقال: مرحبًا بمن أحبه الله، اجلس، ثم دخل وأخرج لي تمرًا.

قال زبيد: رأيت زاذان يصلي كأنه جذع.

روي أن زاذان قال يومًا: إني جائع، فسقط عليه رغيف مثل الرحا(1).

كلمة قالها ابن مسعود رضي الله عنه ومضى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، ولكنه التوفيق والسداد من الله تعالى.

ومع أن التوفيق عطية ومنحة من الله تعالى؛ إلا أن هناك عوامل بشرية تساعد الداعية أن يكون أهلًا لنيل هذه الدرجة، وبلوغ تلك المنزلة.

عوامل التوفيق لدى الداعية:

1- الإيمان العميق بما يدعو إليه:

فإنه بقدر إيمان الداعية بدعوته، وتفهمه لضرورتها وحاجة الناس إليها ينجح في دعوته، قال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]، وقال: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف:145]، كما كان تصميم النبي صلى الله عليه وسلم على المضي في الدعوة تصميمًا قويًا، يقطع جميع أنواع التردد والمساومات.

2- الاتصال الوثيق بمن يدعو إليه:

فالداعية أحوج الناس إلى الاتصال الوثيق بالله عز وجل؛ ليستمد منه العون والتوفيق، ومن مظاهر هذه الصلة الوثيقة بالله:

أ- إخلاص النية لله سبحانه في هذه الدعوة، فلا يرجو من ورائها إلا رضاه سبحانه، ولا يتطلع من ورائها إلى مكاسب شخصية، أو منافع دنيوية، وألا يتخللها شيء من الرياء، وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم جهنم معروف ومشهور.

إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين ضرورة الإخلاص وأهميته، ولا يخفى أنه شرط لقبول العمل.

ب- محبة الله عز وجل، والإكثار من عبادته وذكره، والإكثار من النوافل، وفي الحديث: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه»(2).

فأي شيء أعظم من محبة الله سبحانه لعبده! وأي توفيق أعظم من هذا التوفيق، وأي تأييد أعظم من هذا التأييد الذي يكون لمن أحب الله، والداعية أحوج ما يكون إلى التوفيق والتسديد وإجابة الدعاء.

3- العلم والبصيرة بما يدعو إليه:

قال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]، فالداعية الجاهل يضر بالدعوة ويشوهها، ويفقد الناس ثقتهم بصدقها وأهميتها، وكيف يأمر وينهى من لا يعرف الأمر والنهي؟! والكلام حول العلم وأهميته للداعية يطول.

4- العمل بالعلم والاستقامة في السلوك:

فلا خير في داعية لا يوافق عمله علمه، ولا يستقيم سلوكه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف:2-3]، والداعية الذي لا يعمل بعلمه يفقد المصداقية عند الناس، ويفضح يوم القيامة.

قال صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه»(3).

5- الوعي الكامل:

وهو إدراك ما يحيط بالدعوة، فلا يغني العلم عن الوعي، فلا بد للداعية من وعي شامل بعدة أمور:

- بواقع الدعوة ومتطلباتها في عصره.

- بواقع المدعوين من حوله.

- بواقع الداعية نفسه، وما يحيط به من ظروف وأحوال.

فإذا لم يع الداعية هذه الأمور تخبط في دعوته، وجرّ إليها النكبات والكوارث من حيث يريد الإصلاح، شعر بذلك أم لم يشعر، فعلى أساس هذا الوعي توضع الخطط، وتحدد الأولويات، وتعقد الموازنات، وبالوعي تكتمل بصيرة الداعية بدعوته.

6- الحكمة في الأسلوب:

فعلى الداعية أن يكون حكيمًا في أسلوب دعوته، يختار لمن يدعوهم الأسلوب الحسن المناسب؛ إذ الحكمة وضع الشيء في موضعه، وما أحسن قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]، كما أمر الله باتباع الحكمة فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

إذًا، الحكمة: اختيار الأسلوب المناسب في الوقت المناسب بحسب حال المخاطب.

7- التخلق بالخلق الحسن:

وهذه أهم صفة توثق صلة الداعية بالمدعوين، وقد مدح الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، ووصفه بحسن الخلق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وبين سبحانه أهمية الخلق في باب الدعوة بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]، ولا شك أن حسن الخلق شأنه عظيم.

ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء»(4).

ومن هنا فلا بد للداعية أن يجاهد نفسه للتحلي بالأخلاق الحسنة، واجتناب الأخلاق السيئة.

8- إحسان الظن بالمسلمين: