logo

وقت الداعية


بتاريخ : الأربعاء ، 5 رجب ، 1434 الموافق 15 مايو 2013
بقلم : تيار الاصلاح
وقت الداعية

الوقت سيف مسلط على رقاب العباد، وهو رأس مالهم، فهو شيء يسير باستمرار لا يتوقف، والأدهى من ذلك والأشد خطرًا أنه لا يسترجع ولا يعوض، فهو ينقضي ولا يعوض، وهو شيء لا يمكن شراؤه أو بيعه أو تأجيره أو استعارته أو مضاعفته أو توفيره أو تصنيعه، لكن يمكن استثماره وتعظيمه، وهو أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، وهو جزء من حياة العباد، فما الحياة إلا دقائق وثواني.

وكل ثانية تمر بالإنسان فهي جزء من عمره، فمن الناس من يستثمر هذه الثواني وتلك الأعمار فيما لا نفع فيه ولا فائدة؛ فتضيع أعمارهم هدرًا، وأوقاتهم هباءً، ومن الناس من يقدر قيمة الوقت ويعرف حقيقته، فالوقت عندهم هو الحياة، فليس عندهم أدنى استعداد أن يهدروا منه شيئًا ولو ضئيلًا، فاستفادوا بأوقاتهم واستفاد الناس بوجودهم.

ومن هؤلاء الذين وجب عليهم التفطن للوقت والعمر هم الدعاة، فالداعية جندي في رباط على ثغرة من ثغور الإسلام، فلا يحق للجندي أن يغفل وإلا وقع في يد الأعداء أسيرًا، وأعداء الداعية كثر، وأسلحتهم فتاكة، وهم له بالمرصاد.

لكن اختلاف الرؤية للوقت هي التي تحدد أسلوب التعامل معه، وهي المسئولة عن بعض الأنماط السلوكية للناس تجاه الوقت.

إن الاستخدام السليم للوقت يبين عادةً الفرق بين الإنجاز والإخفاق، فالمشكلة ليست في محدودية الوقت نفسه، وإنما فيما نفعله بهذه الكمية المحدودة منه، إن الاستفادة القصوى من كل دقيقة شيء مهم، فالوقت يسير دائمًا بسرعة محددة وثابتة، ومن ثمّ فإنه يتعين على الفرد أن يحافظ على الوقت المخصص له، فكمية الوقت مهمة، لكن ما يفوقها أهمية هو كيفية إدارة الوقت(1).

»إن الذين ينظرون إلى الوقت بعين الاهتمام هم الذين يحققون إنجازات كثيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، وهم الذين يعلمون أن الوقت قليل لتحقيق كل ما يريدون، وعلى العكس من ذلك فإن المرء الذي لا يهتم كثيرًا بالإنجازات ينظر إلى الوقت على أنه ذو قيمة قليلة«(2).

إن المشكلة ليست في مقدار الوقت المتوافر لكل داعية، ولكن في كيفية إدارة هذا الوقت واستثماره، ثم توظيفه بشكل جيد ومفيد في إنجاز الأعمال المطلوبة منه، أو هدره وتضييعه في أمور محدودة الفائدة.

يقول سيد قطب: «إذا كان العمر مكتوبًا، والأجل مرسومًا، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، ولتنظر نفس ماذا تريد؛ أتريد أن تقعد عن تكاليف الإيمان، وأن تحصر همها كله في هذه الأرض، وأن تعيش لهذه الدنيا وحدها؟ أم تريد أن تتطلع إلى أفق أعلى، وإلى اهتمامات أرفع، وإلى حياة أكبر من هذه الحياة؟، مع تساوي هذا الهم وذلك فيما يختص بالعمر والحياة؟! {وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} [آل عمران:145].

وشتان بين حياة وحياة! وشتان بين اهتمام واهتمام!، مع اتحاد النتيجة بالقياس إلى العمر والأجل، والذي يعيش لهذه الأرض وحدها، ويريد ثواب الدنيا وحدها، إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب، والذي يتطلع إلى الأفق الآخر، إنما يحيا حياة (الإنسان)، الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان، ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران:145](3).

»إدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره، أو تعديله أو تطويره؛ بل إلى كيفية استثماره بشكل فعّال، ومحاولة تقليل الوقت الضائع هدرًا دون أي فائدة أو إنتاج، إلى جانب محاولة رفع مستوى إنتاجية العاملين خلال الفترة الزمنية المحددة للعمل«(4).

ويمكن تقسيم الوقت إلى أربعة أنواع(5):

1- الوقت الإبداعي:

يوصف هذا النوع من الوقت بأنه إبداعي إذا صُرف في عمليات التفكير والتحليل والتخطيط المستقبلي، إضافة إلى صرفه في تنظيم العمل وتقويم مستوى الإنجاز الذي تم فيه، ويمارس الدعاة خلال أدائهم لأنشطتهم الدعوية هذا النوع من الوقت، نتيجة لحاجتهم إلى الوقت الإبداعي من أجل التفكير العلمي والتوجيه السليم، إضافة إلى معالجة المشكلات الدعوية بأسلوب علمي منطقي بهدف تقديم حلول موضوعية، تضمن فاعلية ونتائج القرارات التي تصدر بشأنها.

2- الوقت التحضيري:

يمثل هذا النوع من الوقت الفترة الزمنية التحضيرية التي تسبق عملية البدء بالعمل؛ إذ يُصرف الوقت التحضيري في عملية تجميع المعلومات والحقائق المتعلقة بالنشاط الذي يرغب الداعية بممارسته، أو في التجهيزات اللازمة قبل البدء في تنفيذ العمل، ومن المفترض أن يُعطي الداعية هذا النوع من النشاط ما يحتاجه من وقت؛ نظرًا لآثاره الدعوية والتربوية، وما ينجم عن ذلك من نجاح للداعية في إنجاز عمله، وتوصيل رسالته وقبولها عند الناس.

3- الوقت الإنتاجي:

يمثل هذا النوع من الوقت المدة الزمنية التي تُستغرق في تنفيذ العمل الذي تم التخطيط له في الوقت الإبداعي، وكذلك التحضير له في الوقت التحضيري، ومن أجل زيادة فاعلية استغلال الوقت فإنه يجب على الداعية أن يوازن بين الوقت المستغرق في تنفيذ العمل، والوقت المستغرق في تنفيذ عملية التحضير والتخطيط أو الإبداع، فمن المقرر أن الوقت المتاح للجميع محدود وغير متجدد، فإذا تبيّن أن هناك كثيرًا من الوقت يخصص لتنفيذ أعمال روتينية، فإن ذلك يعني أن هناك قليلًا من الوقت المخصص للإبداع أو التحضير أو لكليهما معًا، وتبعًا لذلك، فقد كانت ممارسة الداعية لعملية التوازن في قضاء الوقت ضرورة مُلحة، وضمانًا لاستثمار الموارد المتاحة كافّةً، بما في ذلك عامل الوقت، الاستثمار الأمثل.

4- الوقت العام أو غير المباشر:

هو الوقت الذي يمارس فيه الداعية أنشطة فرعية عامة، لها تأثيرها الواضح على مستقبل الدعوة، وعلى علاقتها داخل بيئتها أو المجتمع، كمسئولية الدعوة الاجتماعية، وما تفرضه من التزامات على الدعاة من ارتباطات بجمعيات أو هيئات خيرية، أو تلبية دعوات وحضور ندوات؛ فإن هذه الأنشطة تحتاج إلى جزء كبير من وقت الداعية؛ لذلك فإنه يتعين عليه تحديد كمية الوقت الذي يستطيع أن يخصصه لمثل هذه الأنشطة، أو أن يقوم بتفويض شخص معين ينوب عنه في مثل هذه الأنشطة، وذلك حرصًا منه على الموازنة بين الالتزام بها والحفاظ على وقته.

وباختصار يمكن القول في هذا المجال: إن الداعية الفعّال هو الذي يعلم كيف يستخدم وقته ويوزعه توزيعًا فاعلًا بين تخطيط الأنشطة المستقبلية (وقت إبداعي)، وتحديد الأنشطة اللازمة لأدائها (وقت تحضيري)، وفي صرف الكمية اللازمة من الوقت للقيام بالعمل (وقت إنتاجي)، وأن يخصص كذلك وقتًا كافيًا للقيام بالمراسلات وبأعباء المسئولية الاجتماعية (وقت عام)؛ باعتباره عضوًا في هذا المجتمع، وممثلًا لمنظمة ملتزمة باهتمامات هذا المجتمع، كما أن المجتمع، بالمقابل، ملتزم بها.

الوقت مسئولية كبرى:

وقت المسلم أمانة عنده، وهو مسئول عنه يوم القيامة، وفي الحديث عن أبي برزة الأسلمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه»(6)، أي أن العبد يوم القيامة لن تزول قدماه، ولن يبرح ذلك المكان، حتى يُسأل ويحاسب عن مدة عمره بعامّة كيف قضاها، وعن فترة شبابه بخاصة كيف أمضاها، ذلك أن الشباب هو محور القوة والحيوية والنشاط، وعليه الاعتماد في العمل أكثر من غيره من مراحل العمر الأخرى، ولأهميته تلك فقد خُص بالسؤال عنه مستقلًا، مع أنه داخل ضمن السؤال عن العمر.

فحري بالداعية أن يكون من أبخل الناس بوقته، ويحرص عليه لا يضيعه؛ بل الواجب عليه أن يوزع وقته للوفاء بهذه الحقوق جميعها، دون أن يطغى جانب منها على الآخر، ولا يخفى أن المقصود هنا ليس توزيع الوقت بين هذه الحقوق بالتساوي، إنما المراد التسديد في ذلك، والمقاربة في الوفاء بها جميعًا قدر الاستطاعة.

ومن حُسن تنظيم الوقت أن يُجعل فيه جزء للراحة والترويح، فإن النفس تسأم بطول الجِدِّ، والقلوب تَمَلُّ كما تملّ الأبدان، فلا بد من قَدْر من الترفيه المباح، كما في حديث حنظلة الأُسَيِّدي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكْر، لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم وفي طُرُقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة»(7).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: »إن للقلوب شهوة وإقبالًا، وفترة وإدبارًا، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها«(8).

وجاء في الحديث الحث على استثمار الوقت واقتناص فرصه، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمك، وصِحَّتَك قبل سَقَمك، وغَنَاءك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلك، وحياتك قبل موتك»(9).

فهذه إشارة واضحة للمسلم إلى ضرورة الحرص على استثمار الأوقات حال القدرة والاستطاعة، واغتنام حالات الشباب والصحة والغنى والفراغ، وذلك قبل أن تدهمه المعوِّقات من الهرم والسقم والفقر والانشغال.

طرق المحافظة على الوقت واستثماره:

أولًا: التخطيط:

عرض القرآن الكريم لأنموذج بشري في التخطيط، ذُكر في معرض الإقرار والثناء، جاء ذلك في سورة يوسف عليه السلام، في قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)} [يوسف:47-49].

إن هذه الآيات تدل على أن يوسف عليه السلام قد رسم خطة للسنوات المقبلة، وأن التخطيط لا ينافي التوكل؛ بل هو من باب الأخذ بالأسباب.

فالتخطيط هو: »التفكر والتدبر بشكل فردي أو جماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم بذل الأسباب المشروعة في تحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدّره على النتائج«(10)، ولكي يتم التخطيط بنجاح ينبغي مراعاة أمرين هامين:

1- تحديد الأهداف:

يعدّ تحديد الأهداف من أبرز سمات التخطيط التي دعا إليها القرآن الكريم؛ إذ يقول المولى عز وجل: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]، ولا شك بأن من يمشي إلى هدف وغاية هو أهدى ممن يخبط خبط عشواء.

2- تحديد الأولويات:

بعد تحديد الأهداف يتم تحديد الأولويات؛ أي: ترتيب الأهداف حَسْب أهميتها، الأهم فالأهم، وهذا مما يعين على كسب الوقت بإعطاء الأهداف ذات الأهمية الكبرى الأولوية في التنفيذ، فحين أمر المولى عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة حدد له أولوية دعوة الأقربين من عشيرته بقوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، وحين أمر سبحانه المسلم بالحذر من النار واتخاذ سبل الوقاية منها أمره أن يبدأ بنفسه ثم بأهله، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].

ثانيًا: التنظيم:

ومن ذلك حين كلف الله موسى عليه السلام بالرسالة، وأمره بالذهاب إلى فرعون، فإنه عليه السلام حين شعر بعظم المهمة طلب من ربه أن يشدَّ عَضُده بأخيه هارون، وأن يُشرِكه معه في الأمر، قال الله تعالى حكاية عنه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)} [القصص:34-35].

ثالثًا: التوجيه:

كما في هذه الآية: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]، فنرى أن هذه الآية تشتمل على جملة من توجيهات الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، والتي تُبرِز عناصر وظيفة التوجيه، من اتصال وقيادة وتحفيز.

رابعًا: الرقابة:

وقال سبحانه وتعالى حكاية عن ذي القرنين: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)} [الكهف:78-88].

مضيعات الوقت:

كل توظيف غير ملائم لوقت الفرد هو مضيع للوقت، فالداعية يضيع وقته عندما ينفقه على العمل الأقل أهمية، وقد كان يجدر به أن ينفقه على الأهم فالأهم، والأهمية هنا مقيسة بمدى تحقيق أنشطة الداعية لأهدافه.

الاجتماعات الطويلة، والزيارات غير المسوغة، والمكالمات الهاتفية الزائدة عن الحد المطلوب، وقراءة الصحف والمجلات، والاهتمام بنشاطات قليلة الأهمية، الزيارات المفاجئة، سوء ترتيب الأولويات، المقاطعات في أثناء العمل، المجاملات والتفاعل الاجتماعي داخل المنظمة، البدء في تنفيذ مهمة قبل التفكير فيها والتخطيط لها، الاهتمام بمسائل روتينية قليلة الأهمية.

الإصرار على القيام بالأعمال شخصيًا، تفويض مسئوليات بدون سلطات، القرارات السريعة، المعلومات الناقصة، الأزمات والتعب، الإجراءات الروتينية المعقّدة.

المنهج المقترح للسيطرة على مضيعات الوقت يكن فيما يلي:

1- تجزئة الوقت إلى:

- وقت يمكن ضبطه، وهو الوقت الذي يتحكّم فيه الداعية.

- وقت لا يمكن ضبطه، وهو وقت الاستجابة للأحداث وطلبات الآخرين.

والداعية الفعّال هو الذي يحاول زيادة نسبة الوقت الخاضع للضبط، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تجزئة أوقات الأنشطة المفترضة؛ فمثلًا قد يُخصَّص وقت محدد كل يوم خاص بعمل معين؛ مثل الاطلاع على المكاتبات، وتلقي المكالمات الهاتفية، والإجابة الفورية عن المراسلات، وكذلك وقت لمتابعة أعمال الآخرين، وفترة معينة للزيارات، وهكذا.

2- التركيز الذي يتمثل في التعريف والتحديد الواضح للعمل، من حيث أهدافه واستراتيجيته، ليتسنى بعدها تحديد نوع المعلومات المطلوبة والضرورية، ومن ثَمَّ ترتيب الأولويات، ومن الأفضل القيام بعمل واحد في الوقت الواحد بدلًا من التشتت في أمور كثيرة في الوقت نفسه(11).

3- العبرة ليست في إنفاق الوقت؛ بل في حسن استثماره.

يقول ابن القيم رحمه الله: »السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد، فعند الجذاذ يتبين حلو الثمار من مُرِّها«(12).

قال أحد الحكماء: من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أدَّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصَّله، أو خير أسَّسه، أو علم اقتبسه، فقد عقَّ يومه، وظلم نفسه.

وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ»(13).

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدًا       ندمت على التفريط في زمن البذر

قال الحسن البصري رحمه الله: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضُك».

وكان بعض السلف يقول: «من علامة المقت إضاعة الوقت».

وقال الإمام ابن عقيل: «إني لا يَحِلُّ لي أن أضيع ساعة من عمري، فإذا تعطل لساني من مذاكرة ومناظرة، وبصري من مطالعة، عملت في حال فراشي وأنا مضطجع، فلا أنهض إلا وقد يحصل لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم في عشر الثمانين أشدّ مما كنت وأنا ابن العشرين»(14).

______________

(1) إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري، د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي، ص17، بتصرف.

(2) إدارة الوقت، نادر أحمد أبو شيخة، ص46.

(3) في ظلال القرآن، سيد قطب (آل عمران: 145).

(4) إدارة الوقت منهج متطور للنجاح، سلامة فهد سهيل، ص9.

(5) المصدر السابق، ص31-33.

(6) صحيح وضعيف سنن الترمذي، للألباني (2417).

(7) صحيح مسلم (كتاب: التوبة، باب: فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة).

(8) بهجة المجالس وأنس المجالس، لابن عبد البر (1/115).

(9) الترغيب والترهيب، للمنذري (4/125).

(10) الإدارة الإسلامية .. المنهج والممارسة، حزام المطيري، ص76.

(11) إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري، ص166.

(12) الفوائد، لابن القيم، ص164.

(13) صحيح البخاري (كتاب: الرقاق، باب: لا عيش إلا عيش الآخرة).

(14) ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي (1/ 324).