حكم النفقة على الأولاد والأحفاد
بسم الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد:
فإن من محاسن التشريع الإسلامي أن جعل على المسلم حقوقا تجاه من حوله ممن يخالطهم في المجتمع، وقدم الأولى منهم، وخص الأقربين بمزيد من المعروف والإحسان، فأوجب على الأغنياء النفقة لمن احتاج من أقربائهم، على تفصيل في مذاهب الفقهاء، نعرض له في هذا المقام إن شاء الله، سائلين المولى التوفيق والسداد.
وقد تعددت الآيات القرآنية المباركة، وكذلك الأحاديث النبوية في السنة المطهرة، في فضل النفقة والمنفقين، والأمر بها، فمن ذلك: قوله تعالى: يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم. البقرة: (215).
وعن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك".
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك».
إنفاق الأصول على الفروع:
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب إنفاق الأب على ولده الصلبي (المباشر) ذكرا كان أو أنثى، ما داموا صغارا.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
الأول: قول الله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} والمولود له هو الأب.
وجه الاستدلال: قالوا: أوجب الله تعالى على الأب رزق النساء لأجل الأولاد، فلأن تجب عليه نفقة الأولاد من باب أولى.
الثاني: قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}.
وجه الاستدلال: قالوا: أوجب سبحانه وتعالى أجرة الرضاع للأولاد على آبائهم، وإيجاب الأجرة لإرضاع الأولاد يقتضي إيجاب مؤنتهم والإنفاق عليهم.
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام لهند: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
وجه الاستدلال: قالوا: أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان الأخذ من مال زوجها لتنفق على نفسها وأولادها، ولولا أن الإنفاق على الأولاد والزوجات حق واجب لما أباح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، لحرمة مال المسلم.
الرابع: استدلوا بالمعقول؛ فقالوا: لأن ولد الإنسان بعضه وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله، كذلك يجب عليه أن ينفق على بعضه.
النفقة على أولاد الأولاد (الأحفاد) ذكورا وإناثا
ولا يختلف الحكم عند جمهور الفقهاء بالنسبة لوجوب الإنفاق على الأحفاد كذلك، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بأدلة، منها:
الأول: أن الولد يشمل الولد المباشر وما تفرع منه، وحيث إن النفقة على الأولاد واجبة، كما سبق، فإن النفقة على أولاد الأولاد واجبة أيضا.
الثاني: أن النفقة تجب عندهم بالجزئية لا بالإرث، وولد الولد وإن نزل بعض من جده، فوجبت له النفقة عليه، وإن لم يكن وارثا منه.
الثالث: أن الحفيد يسمى ابنا وولداً. قال الله تعالى: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) النساء/11. ولفظ الأولاد في الآية يشمل أولاد الابن باتفاق العلماء، وهم أحفاد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ). والحسن هو ابن بنت النبي صلى الله عليه وسلم، حفيده من جهة البنت. فلما سُمِّي الحفيد ولداً و ابنا دخل في الأدلة الدالة على وجوب النفقة على الأولاد.
قال الشيخ ابن عثيمين في باب نفقة الأقارب: (الأصول : مَنْ تفرعت منهم من آباء وأمهات. والفروع: مَنْ تفرعوا منك من أبناء وبنات). ثم قال: (واعلم أن هذا الباب كباب تحريم النكاح، لا يفرق فيه بين جهة الأبوة وجهة الأمومة، فالأصول والفروع سواء كانوا من ذوي الأرحام، أو عصبة، أو أصحاب فروض، تجب النفقة لهم، لكن بشروط).
وأما المالكية فخالفوا في ذلك، ولم يروا وجوب الإنفاق على الأحفاد، كما هو مذهبهم في عدم وجوبها للأجداد والجدات، مستدلين بظاهر النص القرآني: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف).
قالوا: فهذا النص يدل على وجوب الإنفاق على ولد الصلب، فلا يلحق به غيره. بل يقتصر على أول طبقة من الفصول (الفروع) والأصول، ولأن النفقة عندهم تجب بالإرث لا بالجزئية، وتجب ابتداء لا انتقالا.
قال المواق في التاج والإكليل: (السبب الثاني للنفقة القرابة، والمستحقون منهم للنفقة صنفان: أولاد الصلب والأبوان. ولا يتعدى الاستحقاق إلى أولاد الأولاد ولا إلى الجد والجدات بل يقتصر على أول طبقة من الفصول والأصول).
وجاء في حاشية العدوي على كفاية الطالب: (ولا نفقة) على الرجل (لمن سوى هؤلاء) المذكورين (من الأقارب) كالجد وأولاد الأولاد؛ لأن نفقة القرابة إنما تجب ابتداء لا انتقالا ونفقة الجد لازمة للابن، فلا تنتقل إلى بنيه ونفقة أولاد الأولاد لازمة لأبيهم فلا تنتقل إلى جدهم.
والذي يترجح قول الجمهور؛ لقوة حجته، وظهور أدلته. وعليه، فالجد الغني الواجد تجب عليه نفقة أحفاده المساكين المحتاجين، من أي جهة كانوا؛ لأن الولد يشمل الولد المباشر وما تفرع منه.
وعلى هذا القول أيضا فإنه لا يجوز للمسلم أن يدفع زكاة ماله لأحفاده الفقراء، والقاعدة في هذا الباب أن من وجبت نفقته على شخص فإنه لا يعطيه من زكاة ماله ما يسقط به هذا الحق، ومن لم تجب عليه نفقتهم فيجوز أن يعيطهم منها.
بينما يرى المالكية أن نفقة الجد عليه، والحالة هذه، من قبيل التطوع؛ لأن نفقة الأولاد لا تجب إلا على الأب المباشر، ويترتب على ذلك أنه يجوز اعتبار ما يعطيهم من الزكاة؛ لأنه لا يسقط بذلك حقا واجبا عليه.
شروط وجوب نفقة الفروع:
ويشترط لوجوب نفقة الفروع أربعة شروط، منها شرطان متفق عليهما، وشرطان مختلف فيهما، فالشرطان المتفق عليهما هما:
الشرط الأول: أن يكون الفروع فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم عليهم.
فإن كانوا موسرين بمال أو كسب، فلا نفقة لهم، وذلك لأن هذه النفقة تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة. وهذا واضح. ويشمل هذا الحكم الذكر والأنثى على السواء.
ويشمل هذا حتى الطفل الصغير أو الرضيع؛ فلو كان لأحد منهما مال، فالنفقة تجب عليه في ماله، لا على غيره من أب أو غيره. جاء في فتاوى الاسلام سؤال وجواب: (واتفقوا على أن الوالد لا تلزمه نفقة ولده الذي له مال يستغني به ولو كان هذا الولد صغيرا).
كذلك إذا كان الصغير مكتسباً فإنه يجب عليه الاكتساب، ونفقته في كسبه، لا على أبيه.
وأما الصغير الذي لم يبلغ صاحبه حد الكسب، فلا يكلفه أبوه به، فإن بلغ الغلام لا الأنثى حد الكسب، كان للأب أن يؤجره أو يدفعه إلى حرفة ليكتسب منها، وينفق عليه من كسبه.
جاء في الدر المختار (حنفي) أنه لا يجوز للقيم أن يؤجر الصغير لعمل ما، قال ابن عابدين: (ينبغي أن يستثنى تسليمه في حرفة. وفي أدب الأوصياء: للوصي أن يؤجر نفس اليتيم وعقاراته وسائر أمواله ولو بيسير الغبن).
وعند المالكية يجوز للوصي وللحاكم أو من يقيمه أن يبيع ما تدعو الضرورة لبيعه من مال اليتيم والتسوق بالمبيع.
وقال البجيرمي الشافعي: (ولو كان للصبي كسب لائق به أجبره الولي على الاكتساب ليرتفق به في ذلك م ر ومحل الإجبار حيث احتيج إليه في النفقة كما يشعر به قوله ليرتفق به).
أما الأنثى فلا تؤجر للخدمة، لما فيها من مخاطر الخلوة بها وهو لا يجوز شرعاً، لكن يجوز تعليمها عند امرأة حرفة معينة مناسبة لها كخياطة أو تطريز أو غزل ونحوها، فإن استغنت بنحوه، وجبت نفقتها في كسبها، ولا تجب نفقتها على الأب إلا إذا كان دخلها لا يكفيها، فتجب كفايتها بدفع القدر المعجوز عنه.
ومن له مسكن يسكنه، ولا كسب له، ولا مال يغنيه، فمثله يعد فقيرا محتاجا للنفقة، ونفقته على أبيه، ولا يباع عليه عقاره، لكن إن كان له مسكن آخر زائد عن سكناه، فلا يعد محتاجاً، ولا يستحق النفقة على من سواه من الأصل أو الفرع، فيباع عليه؛ لأن فيه فضلاً عن حاجته.
الشرط الثاني: أن يكون الأصل قادراً على الإنفاق بيسار أو قدرة على الكسب، وأن يكون ما ينفقه الأصل عليهم فاضلا عن نفقة نفسه، سواء أكان ذلك من ماله أم من كسبه.
فإذا كان الأصل غنياً أو قادراً على الكسب، وجبت عليه نفقة أولاده، فينفق عليهم من ماله، وإن لم يكن له مال وقدر على الكسب وجب عليه الاكتساب، في رأي الجمهور، فإن امتنع حبسه القاضي.
جاء في مجلة البحوث الإسلامية: (واكتساب المال فرض على الرجل المحتاج إليه -إذا كان قادرا عليه- لأنه به يقوم المكلف بما وجب عليه من التكاليف المالية من قضاء الديون، والنفقة على من تلزمه نفقته، ونحو ذلك، وذلك بقدر الكفاية. أما ما زاد على الكفاية؛ فإن كان بنية صالحة كمواساة الفقراء، وصلة القرابة، ونحوها؛ فهو مستحب، وإن كان بنية زيادة المال والجاه والترفه والتنعم والتوسعة على نفسه وعياله؛ فهو مباح، إذا كان مع سلامة الدين والعرض والمروءة وبراءة الذمة، فإن كان للتفاخر والتكاثر فهو مكروه عند الحنفية، وإن كان من حل، وصرح الحنابلة بحرمته؛ لما فيه من التعاظم المفضي إلى الهلاك دنيا وآخرة.
وقد صرح الفقهاء بلزوم التكسب وتفضيله على التفرغ للعبادة واختلفوا في إلزام الرجل بالتكسب لينفق على من تلزمه نفقتهم، وفي وجوب النفقة للقريب الفقير إذا كان قادرا على التكسب).
أما إن كان الأصل معسراً بحيث تجب نفقته على غيره من الأصول أو الفروع، وكان عاجزاً عن الكسب، فلا نفقة عليه؛ لأنه لا يعقل إيجاب النفقة عليه وهو يأخذ نفقته من غيره، إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا هو الصحيح.
وقال المالكية: لا يلزم الأب الكسب لأجل نفقة أولاده، فإذا كان معسراً، وكان قادراً على الكسب بصنعة أو غيرها، لم يجب عليه التكسب، لينفق على أولاده المعسرين.
جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (أما غير الموسر بالفعل القادر على التكسب فلا يجب عليه التكسب لأجل الإنفاق على أبويه، وكذا عكسه أي لا يجب على الأب المعسر أن يتكسب بصنعة أو غيرها لينفق على ولده المعسر ولو كان لذلك الأب صنعة).
وهذان الشرطان متفق عليهما بين الفقهاء في الجملة، عدا ما ذكرناه من مخالفة المالكية لجمهور الفقهاء في مسألة إيجاب التكسب على الأب القادر عليه لينفق على ولده.
الشرط الثالث: اتحاد الدين.
وبهذا قال الحنابلة، فلا تجب النفقة عندهم في عمودي النسب مع اختلاف الدين، في الرواية المعتمدة عندهم.
قالوا: لأنها مواساة على سبيل البر والصلة، فلم تجب مع اختلاف الدين، كنفقة غير عمودي النسب، ولأنهما غير متوارثين، فلم يجب لأحدهما على الآخر نفقته بالقرابة. وقالوا: ولا تقاس نفقة الأولاد عندهم على نفقة الزوجات، لأن نفقة الزوجة عوض يجب مع الإعسار، فلا ينافيها اختلاف الدين كالصداق والأجرة.
وعند الحنفية لا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للوالدين والمولودين والزوجة والجد والجدة في حال عدم الأبوين ومن سوى هؤلاء تجب نفقته عند اتفاق الدين لا غير لأن نفقة الولادة تجب باعتبار البعضية.
وذلك خلافا للجمهور الذين لم يشترطوا هذا الشرط، مستدلين بقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}، قالوا: فهذه الآية تدل على أن الولادة سبب لوجوب نفقة الأولاد على الآباء، اتحد الدين أو اختلف.
وكذلك عللوا بأن النفقة وسيلة الحياة، والحياة مطلوبة ولو مع الكفر، والله تعالى يرزق المؤمن والكافر على السواء.
الشرط الرابع: أن يكون المنفق وارثا.
وبهذا قال الحنابلة، مستدلين بقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}. قالوا: فبين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس، فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم، فإن لم يكن وارثا لم تجب عليه النفقة.
جاء في حاشية الروض المربع: (ويشترط لوجوب نفقة القريب، ثلاثة شروط، الأول: أن يكون المنفق وارثا لمن ينفق عليه، ...).
واختار هذا القول من المعاصرين: الشيخ ابن عثيمين، وبه أفتت اللجنة الدائمة.
يقول ابن عثيمين رحمه الله: (والنفقة تجب للوالدين، الأم والأب، وللأبناء والبنات، ولكل من ترثه أنت لو مات، أي كل من ترثه لو مات فعليك نفقته، لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذالِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلَادَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآءَاتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُو"اْ أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . فأوجب الله على الوارث أجرة الرضاع؛ لأن الرضاع بمنزلة النفقة).
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: (... الثالث: أن يكون المنفق وارثا بالفعل؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، وذلك أن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس، فتعين أن يختص بوجوب نفقته علي دون غيره، ولا يؤثر على وجوب النفقة كون المنفق عليه ليس وارثا للمنفق، وبهذا قال الحسن ومجاهد والنخعي وقتادة والحسن بن صالح وابن أبي ليلى وأبو ثور، فإن كان للفقير أكثر من وارث يستطيع النفقة فإن نفقته على ورثته بقدر إرثهم ما لم يكن أحد الورثة أبا، فإن كان فيهم أب وجبت النفقة عليه وحده لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ}، وقوله لهند زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»).
بينما لم يعتبر الأكثرون هذا الشرط. ولهم في تأويل الآية التي استدل بها الحنابلة أقوال ومذاهب.
هل يلزم الأب بيع العقار أو المركب الزائد عن حاجته لينفق على أولاده المعسرين؟
نعم، يجب عليه ذلك، على الصحيح من قولين لأهل العلم في ذلك.
جاء في البيان في مذهب الإمام الشافعي ( وإن كان للمنفق عقار.. وجب أن يبيعه للإنفاق على قرابته. وقال أبو حنيفة: (لا يباع). دليلنا: أن نفقة القريب تجب فيما فضل عن قوت المنفق في يومه وليلته، والعقار يفضل عن قوت يومه وليلته، فوجب أن يبيعه للإنفاق على القريب، كالأثاث.
وسئل ابن تيمية رحمه الله عن رجل عليه وقف من جده ثم على ولده؛ وهو يتناول أجرته؛ وله ملك زاد أجرة كثيرة وغيرها؛ والكل معطل، وله ولد معسر؛ وله أهل وأولاد؛ فطلب ابنه بعض الأماكن ليدولبه فلم يجبه: فهل يجوز له ذلك؟ وهل يجب على الأب أن يؤجرهم وينفق على ولده؟ أو تجب عليه النفقة مع غنى الوالد وإعسار الولد؟
فأجاب: (نعم. عليه نفقة ولده بالمعروف إذا كان الولد فقيرا عاجزا عن الكسب والوالد موسرا، وإذا لم يمكن الإنفاق على الولد إلا بإجارة ما هو متعطل في عقاره، وبعمارة ما يمكن عمارته منه، أو يمكن الولد من أن يؤجر ويعمر ما ينفق منه على نفسه؛ فعلى الوالد ذلك؛ بل من كان له عقار لا يعمره ولا يؤجره فهو سفيه مبذر لماله؛ فينبغي أن يحجر عليه الحاكم لمصلحة نفسه؛ لئلا يضيع ماله. فأما إذا كان له ولد يتعين ذلك لأجل مصلحته، ومصلحة ولده).
هل تجب النفقة على الأم مع إعسار الأب بها؟
اتفق الفقهاء على أنه إذا كان الأب موجوداً وموسراً أو قادراً على الكسب في رأي الجمهور، فعليه وحده نفقة أولاده، لا يشاركه فيها أحد، لقوله تعالى: {وعلى المولود له } [البقرة:233/ 2] الذي يفيد حصر النفقة فيه، ولأنهم جزء منه، فنفقتهم وإحياؤهم كنفقة نفسه.
أما إذا لم يكن الأب موجوداً، أو كان فقيراً عاجزاً عن الكسب لمرض أو كبر، أو كان للولد أم وليس له أب، أو كان له أم غنية والأب فقير، فالصحيح أنه يجب على الأم أن تنفق؛ لأنه يصدق على الابن أنه ابن لها. وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي. وحُكي عن مالك: لا نفقة لها ولا عليه؛ لأنها ليست عصبة لولدها.
قال ابن قدامة: (والأم وارثة، فكان عليها بالنص، ولأنه معنى يستحق بالنسب، فلم يختص به الجد دون الأم كالوراثة).
هل تسترد الأم من الأب ما أنفقته على أولادها إذا أيسر؟
فإذا قلنا بوجوب النفقة على الأم حال إعسار الأب، إما وحدها أو بمشاركة غيرها من جد أو غيره، فهل للأم أن ترجع على الأب بما أنفقته من مالها إذا أيسر أو ليس لها ذلك؟
اختلف في ذلك على قولين، ذكرهما ابن قدامة الحنبلي؛ فذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا ترجع إذا أنفقت حال إعسار الأب إذا أيسر، وعلة ذلك ما تقدم أنّ نفقة الأقارب من باب المواساة والصلة، وبإعسار الأب سقط عنه وجوب الإنفاق. وذهب بعضهم إلى أنها ترجع عليه؛ لأنه دين لزمه، وإنما قامت به عنه الأم حتى يوسر. وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال البغدادي (الحنفي): (لو كان الأب معسرا والأم موسرة تؤمر الأم بالإنفاق على الولد ولا ترجع على الأب، وهو مروي عن أبي حنيفة).
وقال البهوتي الحنبلي: (لو غاب زوج فاستدانت ـ يعني الزوجة ـ لها ولأولادها الصغار رجعت).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إذا كان الابن في حضانة أمه فأنفقت عليه تنوي بذلك الرجوع على الأب فلها أن ترجع على الأب في أظهر قولي العلماء، وهو مذهب مالك وأحمد في ظاهر مذهبه الذي عليه قدماء أصحابه فإن من أصلهما أن من أدى عن غيره واجبا رجع عليه وإن فعله بغير إذن).
وبهذا يظهر أن مسألة رجوع الأم الموسرة على الأب المعسر بما أنفقته على ولده محل خلاف بين أهل العلم، حتى في المذهب الواحد، وأن هذه المسألة من مسائل الخلاف السائغ المعتبر، وللقاضي أن يحكم فيها بين الناس بما يراه راجحا، وحكمه يرفع النزاع.
وهذه المسألة فرع عن مسألة أعم وأشمل منها، وهي المسألة التالية، وهي مسألة: على من تجب النفقة مع تعدد الأصول؟
إذا لم يكن الأب موجوداً، أو كان فقيراً عاجزاً عن الكسب لمرض أو كبر أو حبس فعلى من تجب نفقة الأولاد، مع تعدد الأصول؟
إذا تعددت الأصول (الأب والأم والجد والجدة) فقد اتفق الفقهاء على أن نفقة الفروع تكون واجبة على الأب وحده، لا يشاركه فيها أحد ما دام موجودا وقادرا على الإنفاق، وذلك لقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن}.
قالوا: فالآية تدل على حصر النفقة في الأب دون سواه.
واختلفوا في حالة عدم وجود الأب، وكذا إذا كان موجودا لكنه غير قادر على الإنفاق، من الذي يجب عليه الإنفاق؟
على مذاهب، بيانها فيما يلي:
أولا: مذهب الحنفية:
يرى فقهاء الأحناف أنه ينظر إلى الأصول الموجودة، فإن كانوا جميعا وارثين، فهم جميعا مطالبون بالنفقة على حسب أنصبائهم في الميراث، فإذا وجد جد لأب مع الأم فالنفقة عليهما بنسبة ميراثهما، فيكون على الأم الثلث وعلى الجد الثلثان.
ولو وجدت جدة لأم وجدة لأب فالنفقة عليهما بالتساوي، لأن ميراثهما متساو.
وإن كانوا جميعا غير وارثين، بأن كانوا من ذوي الأرحام، فالنفقة على أقربهم درجة، فإن اتحدت درجتهم كانت النفقة عليهم بالتساوي.
وإن كان بعضهم وارثا وبعضهم غير وارث، كانت النفقة على الأقرب وإن لم يكن وارثا، فإن اتحدوا في درجة القرابة كانت النفقة على الوارث دون غيره.
مذهب الشافعية:
ويرى فقهاء الشافعية أنه إذا لم يوجد الأب، أو كان عاجزا عن الإنفاق، فإنه تجب النفقة على غيره من الأصول العصبة من الذكور دون الإناث؛ فمثلا إذا وجد جد لأم وجدة لأب أو لأم كانت النفقة على الجد لأم.
وإذا تعددت الأصول ولم يكن من بينهم ذكر بأن كانوا جميعا من الإناث، كانت النفقة على الأقرب في الدرجة؛ فمثلا إذا وجدت أم الأب وأم أب الأب وأم أم الأب، كانت النفقة على أم الأب، لأنها أقرب.
فإن تساووا في الدرجة تكون النفقة على من تدلي بعصبة.
قال النووي: (وإن كان له أم وجد أبو الأب وهما موسران فالنفقة على الجد لان له ولادة وتعصيبا فقدم على الام كالاب، وان كانت له بنت وابن بنت ففيه قولان (أحدهما) أن النفقة على البنت لأنها أقرب (والثانى) أنها على ابن البنت لأنه أقوى وأقدر على النفقة بالذكورية، وإن كانت له بنت وابن ابن فالنفقة على ابن الابن، لان له ولادة وتعصيبا، فقدم كما قدم الجد على الام.
وان كان له أم وبنت كانت النفقة على البنت، لان للبنت تعصيبا وليس للام تعصيب، وان كان له أم أم وأبو أم فهما سواء، لانهما يتساويان في القرب وعدم التعصيب، وإن كان له أم أم وأم أب ففيه وجهان (أحدهما) أنهما سواء لتساويهما في الدرجة (والثانى) أن النفقة على أم الاب لأنها تدلى بالعصبة).
مذهب الحنابلة:
وأما الحنابلة في المعتمد عندهم: فقالوا: إذا لم يكن للصبي أب فالنفقة على وارثه، فإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر فالنفقة بينهم على قدر إرثهم منه.
فمثلا: إذا كان له أم وجد فعلى الأم الثلث، والباقي على الجد، لأنهما يرثانه كذلك، لقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} والأم وارثة، فكان الإنفاق عليهما معا بالنص. ولأن الإنفاق معنى يستحق بالنسب فلم يختص به الجد دون الأم كالوراثة.
فإذا كان الجد معسراً لا مال له، والأم غنية، فلا يجب على الأم إلا الثلث، هذا هو المشهور في المذهب.
يقول ابن عثيمين: (قوله: «ومن له وارث غير أب فنفقته عليهم على قدر إرثهم» هذا إنما ينطبق على غير الأصول والفروع؛ لأن الأصول والفروع لا يشترط فيهم الإرث، فإذا وجد أب أو جد أو ابن أو ابن ابن غني وجب عليه أن ينفق على أصله وفرعه بكل حال، لكن من له وارث غير أب فنفقته عليهم على قدر إرثهم؛ لأن الله ـ تعالى ـ علق وجوب النفقة بالإرث، والحكم يدور مع علته، فبقدر الإرث يلزم بالنفقة).
وعن الإمام أحمد: أنه يجب على الكل، بمعنى إذا قسمنا النفقة على من يرثه من ذوي رحمه، فوجدنا أن بعضهم قادر وبعضهم غير قادر فإنا نوجب النفقة كلها على القادرين، وهذا هو الصحيح، وذلك لأن الأدلة العامة تدل على وجوب المواساة إنما تكون بالتمام، وأما أن يكون بالبعض فلا بل لابد أن يعطيه ما يكفيه.
وإن كانت جدة وأخا فعلى الجدة سدس النفقة والباقي على الأخ.
وفي رواية عن الإمام أحمد: أن الصبي إذا لم يكن له أب تكون النفقة على العصبات خاصة.
وأما المالكية، فإن صورة تعدد الأصول التي يجب عليها نفقة الفروع غير واردة عندهم، وذلك لأنهم يرون أن النفقة لا تجب على أحد من الأصول سوى الأب.
الترجيح:
الذي يترجح في هذه المسألة أن النفقة مختصة بالعصبة؛ فالأم لا تنفق والجدة لا تنفق وهكذا، لأن النفقة تختص بالعصبات.
وهذا القول هو مذهب الشافعي رواية عن أحمد، وهو كذلك اختيار ابن القيم.
وعليه، فإذا كان هناك فقير وله أم وجد فإن النفقة لا تجب إلا على الجد، وذلك لأن الشارع لم يوجب النفقة على الأم بل أوجبها على الأب في قوله: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، وهذا يدل على أن النفقة تختص بالعصبة وأما من ليسوا بعصبة فإن النفقة لا تجب عليهم.
وأما الاستدلال بآية سور ة البقرة، وهي قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك) فسيأتي في الكلام عن نفقة الأقارب من غير الأصول والفروع أقوال العلماء في معناها، واختلافهم في المراد منها، وعلام تحمل.
متى ينتهي وجوب الإنفاق على الأولاد؟
جاء في فتاوى الاسلام سؤال وجواب: (واتفقوا على أن الوالد يلزمه نفقة أبنائه العجزة من الذكور والإناث حتى يستغنوا كبارا كانوا أو صغارا... واتفقوا على أن الوالد لا تلزمه نفقة ابنه الذكر إذا بلغ الحلم وكان قادرا على التكسب.
واختلفوا في لزوم النفقة على الوالد لابنه البالغ الفقير القادر على الكسب، فأكثر العلماء يرون أنه لا تلزمه نفقته، لقدرته على الكسب).
قال الشيخ صالح الفوزان: (حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه، إذا كبر واستطاع أن يكتسب لنفسه وأن يستغني بكسبه : فإنه ينتهي حقه على والده في الإنفاق ، أما مادام أنه صغير أو كبير ولكنه لم يستغن ولم يقدر على الاكتساب : فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه حتى يستغني ، وذلك بموجب القرابة)،.
ونص العلماء على أن الولد الكبير لا تجب نفقته على الأب إلا إذا كان عاجزاً عن الكسب. ومثل الفقهاء لهذا العجز وصوره، فذكروا من تلك الصور: أن يبلغ وبه آفة في عقله كالجنون والعته، أو آفة في جسمه كالعمى والشلل وقطع اليدين والرجلين. وذكروا كذلك العجز بسبب الحبس المانع له من الاكتساب، أو بسبب المرض المانع له منه. وذكروا كذلك العجز بسبب انتشار البطالة وعدم تيسر الكسب له.
وأوجب الحنابلة خلافاً للجمهور النفقة للولد الكبير (البالغ) الفقير، ولو كان صحيحاً قادرا على الكسب، كما أوجبوها للوالد الفقير ولو كان صحيحاً؛ معللين بأنه ولد أو والد فقير محتاج، فاستحق النفقة على والده أو ولده الغني، ومستدلين بقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ : " خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ ". قالوا: فلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ بَالِغًا وَلا صَحِيحًا.
وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فَقِيرٌ, فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ عَلَى وَالِدِهِ الْغَنِيِّ, كَمَا لَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَكْفُوفًا".
ولا شك في ترجيح قول الجمهور، لوجاهته وقوة دليله، وأما الاستدلال بحديث هند، فاستدلال ليس في موضعه، والقياس على الفقير والزمن والمكفوف قياس باطل.
هل الأنثى والذكر سواء في هذا الحكم؟
واختلفوا أيضا في البنت التي بلغت الحلم هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا ؟
فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج، وهو الصحيح، وذلك باعتبار عجزها عن الكسب، فإن كانت مكتسبة، أو لها مال يغنيها، فلا يلزم الأصل نفقتها، وينفق عليها من مالها.
يقول د/ وهبة الزحيلي: (تجب نفقة البنت الفقيرة على أبيها مهما بلغت حتى تتزوج، وعندئذ تصبح نفقتها على الزوج، فإذا طلقت عادت نفقتها على الأب، ولا يجوز للأب أن يجبرها على الاكتساب. فإن اكتسبت من مهنة شريفة لا تعرضها للفتنة كخياطة وتعليم وتطبيب، سقطت نفقتها عن الأب، إلا إذا كان كسبها لا يكفيها، فعلى الأب إكمال النفقة التي تحتاجها).
نفقة البنت على أبيها في حال بقائها مع والدتها بعد انتهاء سن الحضانة
في حالة طلاق المرأة من زوجها ولها بنت، ومع ثبوت حق الحضانة لأمها، فإن النفقة تجب على الأب، وبعد بلوغ سن التكليف أو بلوغ سن الثامنة عشر، كما تقضي بذلك كثير من القوانين، وهو رأي فقهي كذلك، فإنها تخير في استمرار إقامتها مع أمها، أو الانتقال للعيش مع أبيها، فهل لو اختارت البقاء مع أمها يستمر وجوب نفقتها على أبيها؟
تقضي بعض القوانين المعمول بها في بعض الدول الإسلامية حاليا بحجب نفقة البنت على أبيها في حال رغبت بالبقاء مع والدتها بعد انتهاء سن الحضانة.
والظاهر بل الصحيح أن نفقة البنت في حال رفضها للعيش مع والدها بعد انتهاء سن الحضانة يعتبر حقا لها، ويجب أن لا يكون مرهونا بانتقالها للعيش معه، فيستمر إنفاقه عليها في كل أوجه احتياجاتها المعتادة، حتى ما يتعلق بالتعليم الخاص، إذا كان هذا هو ما اعتاده في نفقته عليها قبل التخيير والاختيار.
هل طلب الولد البالغ للعلم الذي يعيقه عن التكسب يعد مانعا من وجوب نفقة الأصل عليه؟
من صور العجز التي ذكرها بعض الفقهاء أيضا، وعدوا الإنفاق لا يزال واجبا على الأصل لفرعه مع وجودها: الاشتغال عن الكسب بسبب طلب العلم؛ فقالوا: الطالب المتعلم حتى ولو كان قادراً على العمل والتكسب، تجب نفقته على أبيه؛ لأن طلب العلم فرض كفاية، فلو ألزم طلبة العلم التكسب، تعطلت مصالح الأمة.
وهذا إنما ينضبط ويصح أن يعتبر بشرط كون العلم نافعا محتاجا إليه، والطالب مجداً ناجحاً، فإن كان مخفقاً في دراسته، أو بليدا في ذهنه، أو لا جدوى في تعليمه، ولا في العلم الذي يتعلمه، فعليه الانصراف إلى تعلم مهنة حرة تكفيه.
لذلك استدرك بعض متأخري الحنفية على ما ذكره سابقوهم؛ فجاء في الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار:
(وكذا) تجب (لولده الكبير العاجز عن الكسب) كأنثى مطلقا، وزمن، ومن يلحقه العار بالتكسب، وطالب علم لا يتفرغ لذلك، كذا في الزيلعي والعيني. وأفتى أبو حامد بعدمها لطلبة زماننا كما بسطه في القنية، ولذا قيده في الخلاصة بذي رشد.
وعند الشافعية تفصيل مفاده أن الولد إن عاقه عن الاكتساب اشتغال بالعلم، فإنه ينظر: فإن كان العلم متعلقاً بواجباته الشخصية: كأمور العقيدة، والعبادة، فذلك يُعدّ عجزاً عن الكسب، وتجب نفقته على أبيه.
أما إن كان العلم الذي يشتغل به من العلوم الكفائية التي يحتاج إليها المجتمع، كالطب، والصناعة، وغيرهما، فلا يخرج الولد بالاشتغال بها عن كونه قادراً على الكسب، والأب عندئذ مخيّر: بين أن يمكِّنه من العكوف على ذلك العلم الذي يشتغل به وينفق عليه، وبين أن يقطع عنه النفقة، ويلجئه بذلك إلى الكسب والعمل.
من بلغ وتعلل بأن العمل المتوفر (المتاح) لا يناسبه لوجاهته، هل تجب نفقته على والده؟
وأضاف بعض الفقهاء إلى هذه الصور المعدودة من صور العجز عن التكسب: من يلحقه العار بالتكسب – ولو بلغ كبيرا قادرا على التكسب - بسبب وجاهته وكونه من أبناء الأشراف، فإنه عندهم يستحق النفقة على أبيه. قالوا: فإذا كان الولد من أبناء الكرام، ولا يستأجره الناس، فهو عاجز يستحق النفقة.
جاء في رد المحتار (حنفي): (... أو يكون من أعيان الناس يلحقه العار بالتكسب).
ويقول الجويني (شافعي): (وقد يتصل بهذا الفصل النظر في تفاصيل الكسب؛ فإن الرجل ذا المروءة لو تكلف نقل القاذورات وشَيْل الكناسات، فقد يجتمع له ما يقوته، ولكن ذلك يحطّ من مروءته فكيف الطريق فيه؟ هذا عندنا يخرج على اشتراط الزمانة: فمَن شَرَطَها، فموجب مذهبه أن لا فرق بين كسب وكسب، إذا فُرض الاقتدارُ عليه، ومن لم يشترط الزمانة، فالرأي على التردد في رعاية ما أشرنا إليه من اعتبار المروءة والنظر إلى أقدار المناصب. ولا خلاف أن عبد الرجل مبيعٌ في نفقته، وإن كان ذلك يلجئه إلى التبذل والتبسط بنفسه في الحاجات الدنيّة كاستقاء الماء وما يشبهه).
كما انتقد هذا الملحظ بأن الاكتساب لتوفير مؤونته ومؤونة عياله فرض، فكيف يكون عاراً؟! ولذلك فالصحيح أن يقال إنه لا يوجد امتياز في الإسلام لبعض الناس على بعض، وليس في العمل أي عار، فلا وجه لتمييز بعض الأولاد على عامة الناس. وقد كان كبار الصحابة، وهم القدوة الحسنة، كأبي بكر وعلي يتجرون ويعملون.
قال ابن عابدين: (واعترضه الرحمتي بأن كسب الحلال فريضة، وبأن عليا سيد العرب كان يؤجر نفسه لليهود كل دلو ينزعه من البئر بتمرة، والصديق بعد أن بويع بالخلافة حمل أثوابا وقصد السوق فردوه، وفرض له من بيت المال ما يكفيه وأهله، وقال: سأتجر للمسلمين في مالهم حتى أعوضهم عما أنفقت على نفسي وعيالي. اهـ وأي فضل لبيوت تحمل أهلها أن تكون كلا على الناس. اهـ ملخصا). ثم استدرك عليه فقال:
(قلت: لا يخفى أن ذلك لم يكن عارا في زمن الصحابة بل يعدونه فخرا، بخلاف من بعدهم؛ ألا ترى أن الخليفة بل من دونه في زماننا لو فعل كذلك لسقط من أعين رعيته فضلا عن أعدائه. وقد أثبت الشارع لولي المرأة فسخ النكاح لدفع العار عنه، فحيث كان الكسب عارا له كما لو كان ابنا أو أخا للأمير أو لقاضي القضاة مثلا تجب له النفقة عليه بشروطها).
هل من النفقة الواجبة على الأب تزويج الابن أو مساعدته إذا عجز عن تزويج نفسه؟
نص فقهاء الحنابلة رحمهم الله على أن من النفقة الواجبة للابن على أبيه الغني أن يزوجه إذا احتاج إلى الزواج.
قال ابن قدامة: (قال أصحابنا: وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته, وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي).
بينما ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأب غير ملزم شرعاً بتزويج ابنه.
قال النووي: (لا يلزم الأب إعفاف الابن). وقال الماوردي: (على الابن إعفاف أبيه لو احتاج وليس على الأب إعفاف ابنه إذا احتاج)، وقال البغوي: (وفيه قول مخرج أنه لا يجب على الولد إعفاف الأب؛ كما لا يجب على الأب إعفاف الابن، وهو قول أبي حنيفة، واختيار المزني والأول المذهب).
والراجح قول الحنابلة بوجوب ذلك على الأب القادر تجاه الابن الفقير، وهذا ما أفتى به الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، باعتبار أن الحاجة للنكاح عند الشاب قد لا تقل عن الحاجة للطعام والشراب والتعليم والدواء، ولأن ذلك سبب في درء الفتن في المجتمع المسلم، ولقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم).النور: 32.
وما نقل عن السلف في ذلك يشهد لهذا الترجيح؛ فمن ذلك:
قول عمر رضي الله عنه: زوجوا أولادكم إذا بلغوا ولا تحملوا آثامهم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من رزقه الله ولدا فليحسن اسمه وتأديبه فإذا بلغ فليزوجه.
وقال سعيد بن العاص: إذا علمت ولدي القرآن وحججته وزوجته فقد قضيت حقه وبقي حقي عليه .
وقال سفيان الثوري: كان يقال: حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأن يزوجه إذا بلغ وأن يحججه وأن يحسن أدبه.
قال في الشرح الكبير على المقنع (حنبلي) (24/ 419): (وقال بعضهم: لا يجب ذلك. ولنا، أنه من عمودى نسبه، وتلزمه نفقته، فيلزمه إعفافه عند حاجته إليه، كأبيه. قال القاضى: وكذلك يجئ في كل من لزمته نفقته؛ من أخ، وعم، وغيرهم؛ لأن أحمد نص في العبد: يلزمه أن يزوجه إذا طلب ذلك، وإلا بيع عليه).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك ، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذين نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له : تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز، وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، سوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه).
وقال د/ صلاح الصاوي: (أما بالنسبة للابن فإن كان ذا مال فإنه يزوج من ماله، ويصبح إعانة الأب لابنه في هذه الحالة نافلة من النوافل! أما إذا احتاج إلى الزواج وكان لا يملك القدرة المادية على ذلك، وكان والده في سعة من العيش فيلزمه إعفاف ولده وإعانته على الزواج الذي يكتمل به شطر دينه، فالإعفاف لا يقل أهمية عن الطعام والشراب والكساء! فيجب على الرجل إذا كان قادرا أن يعف أبناءه كما يجب عليه أن يسد جوعهم وعطشهم، بل قد تكون مسألة الإعفاف كما سبق أخطر ؛ لأنها قد تتعدى إلى الغير فيفسد غيره).
هذا مع الأخذ فيا لاعتبار أن هذا الترجيح إنما هو في حالة ما إذا كان الابن مؤهلا لتحمل أعباء الزواج وتكاليفه، وعلى قدر من تحمل المسئولية، أما أن يزوجه أبوه ثم ما يزال الابن عبئا على الأب، وينتظر منه أن يعمل و يكدح لينفق عليه وعلى زوجته وأبنائه لأنه كسول يحب النوم و يكره العمل فهنا لا يكون الأب آثما بعدم تزويج ابنه الذي وصفه ما ذكرناه، وإلا أدخلناه في ورطة، وأعناه على تضييع حقوق بنات الناس.
إذا تعارض حج الأب مع زواج الابن، أيهما يقدم؟
وهنا قد يتبادر سؤال، وهو إذا كان هناك رجل يريد أن يحج حج الفريضة، وكان لديه ابن أعزب في عمر الزواج، وكان لدى هذا الرجل مبلغ من المال يكفي فقط لأن يحج أو يزوج ابنه، في هذه الحالة أيهما أولى: أن يقوم بأداء فريضة الحج؟ أم يقوم بتزويج ابنه؟
والجواب عن ذلك أن نقول: إذا تعارض حج الوالد مع زواج الابن، لكون المال الذي يملكه الأب لا يكفي إلا لأحدهما، فإنه ينظر في نكاح الابن هل يجب الآن أم يمكن تأخيره؟ فإن كان الابن محتاجا للنكاح ويخشى على نفسه الوقوع في الحرام، فإن زواجه مقدم على حجه هو لنفسه، ومقدم على حج أبيه كذلك لأمرين:
الأول: أن إعفافه وصيانته عن الوقوع في الحرام أمر واجب لا يحتمل التأخير، أما الحج فيمكن تأخيره إلى أن ييسر الله له.
والثاني: أن الحج لا يجب على الأب إلا إذا ملك مالا فائضا عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته، وقد لزمه هنا تزويج ابنه حتى لا يقع في الحرام.
أما إن كان الولد لا يحتاج إلى النكاح أو لا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام لو أخر النكاح، فإنه لا يلزم تزويجه الآن، وعليه فيكون الحج واجبا على الأب؛ لأنه ملك مالا فائضا عن نفقته ونفقة من يعول، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران: 97.
هل على الأب تزويج البنت كذلك؟ أو تجهيزها؟
ذكر أهل العلم أنه لا يجب على المرأة أن تجهّز نفسها من مهرها ولا من غيره، وكذلك لا يجب على أبيها تجهيزها من ماله، بل يجوز لها شرعاً أن تُزفّ إلى دار زوجها بغير جهاز أصلاً أو بجهاز قليل، حتى وإن كان لا يليق بالمهر الذي دفعه الزوج، وليس لزوجها أن يطالبها ولا أن يُطالب أباها بجهاز، ولا أن يطالب أحدهما بتنقيص شيء من المهر الذي اتفقا عليه، لأنها بمجرد الزفاف إليه قد أدّت له جميع ما وجب عليها أداؤه في مقابل ما بذل من المهر، بالغاً ما بلغ، بل يجب على الزوج تجهيز بيته ويكون هذا الجهاز ملكاً له، أما لو جهّزت الزوجة نفسها من مهرها أو فعله أبوها فالجهاز الذي تُزَفّ به مِلْك خاص لها.
ويترتب على هذا ألا يكون لزوجها حقّ فيه، ويجوز أن ينتفع الزوج بجهاز زوجته الانتفاع الذي جرى به العرف، سواء أذنت له الزوجة في ذلك الانتفاع أم لم تأذن.
وقال د/ صلاح الصاوي: (أما عن مدى التزام الأب بتجهيز ابنته وتحمل نفقات هذا التجهيز، فإن كان لها مال فتجهيزها يكون من مالها، أما إذا لم يكن لها مال فإن مشاركة أبيها في تجهيزها أمر جرى به العرف، وهو من قبيل البر والصلة ومكارم الأخلاق، ولا يلزم الأب به ديانة ولا قضاء، بل إن طابت نفسه بذلك، وفعله اختيارا بطيب نفس منه، فلا حرج، ويحمد على ذلك، وإلا فلا يلزم به، وتلك مسئولية الزوج، ويجب على الأب في هذه الحالة أن لا يكلف زوج ابنته ما لا يطيق من الأثاث والمتاع.
ويستثنى من ذلك حالة إذا أطبق العرف على عدم تزوج الفتاة إلا إذا شارك أهلها في تجهيزها، وتضررت البنت من عدم تجهيز والدها لها وخشي عليها من العنوسة فإنه الأب يلزم في هذه الحالة إذا كان قادرا على تجهيز ابنته، كما يلزم بطعامها وشرابها وكسائها، لأن حاجتها إلى العفاف لا تقل عن حاجتها إلى الطعام والشراب والكساء، بل قد يكون الأمر في باب العفاف أخطر، لأن الطعام قد تحصله من بعض أرحامها أو عصبتها، أما العفاف فلا يملك أن يقدمه لها إلا الزوج، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
هل يجوز احتساب ما ينفقه الأب على أولاده المحتاجين البالغين والمزوجين من الزكاة؟
سبقت الإشارة إلى قاعدة هذا الباب، وهي أن من تلزم المزكي نفقته لا يجوز أن يدفع زكاته إليه باسم الفقراء والمساكين،
لكن يجوز دفعها إليه باسم الغزاة أو الغارمين أو العاملين أو المؤلفة قلوبهم.
كما ذكرنا كلام الفقهاء في أن الأب الغني يجب عليه نفقة ابنه ولو بلغ ما دام محتاجا، عاجزاً عن الكسب.
وعليه، فلا يجوز إعطاء زكاة الأب إلى الابن البالغ إذا كان فقيراً أو مسكيناً، لأن الأب عندئذ ملزم بالنفقة عليه بل وعلى أولاده، فيكون غنياً بأبيه. والزكاة لا يسقط بها حق واجب على الشخص.
أما الابنة، فإن تزوجت، أو صار لها عمل يليق بها، فإن الأب لم يعد ملزماً بنفقتها، وعلى هذا يمكنه أن يعطي زكاته لزوجها إن كان فقيراً أو مسكيناً. ويمكن أن يوكلها بدفعها إن كانت ثقة.
قال المرداوي (حنبلي): (إن كان الوالدان وإن علوا والولد وإن سفل في حال وجوب نفقتهم عليه : لم يجز دفعها الزكاة إليهم إجماعاً).
وجاء في الموسوعة الفقهية: (لا يُعطى من تلزم المزكي نفقتهُ بزوجية أو بعضية، كالأبناء والبنت، من سهم الفقراء والمساكين، بلا خلاف بين الفقهاء في ذلك، فيما إذا كان المزكي يجب عليه الإنفاق).
أما إذا كان المزكي لا يجب عليه الإنفاق على فرعه لكون ماله لا يتسع لذلك، فلا حرج من إعطائه الزكاة في هذه الحال، لأنه إذا دفع إليه الزكاة في هذه الحالة فإنه لا يُسقط واجباً عن نفسه بذلك، وهو النفقة، لأنها ليست واجبة عليه في هذه الحال.
قال الشيخ ابن عثيمين: (فالقول الراجح الصحيح، أنه يجوز أن يدفع الزكاة لأصله وفرعه ما لم يدفع بها واجباً عليه ، فإن وجبت نفقتهم عليه ، فلا يجوز أن يدفع لهم الزكاة؛ لأن ذلك يعني أنه أسقط النفقة عن نفسه).
مقدار النفقة:
ليس لهذه النفقة حدّ تقدّر به إلا الكفاية، والكفاية تكون حسب العُرْف، ضمن طاقة المنفق، قال الله سبحانه: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق: 7]
قال أبو بكر الحصني الشافعي: (نفقة القريب لا تقدر بل هي بقدر الكفاية وتختلف بالكبر والصغر والزهادة والرغبة لأنها لتجزية الوقت، ولا يشترط انتهاء المنفق عليه إلى حد الضرورة، ويعطيه ما يستقل به دون ما يسد الرمق، وتجب له الكسوة والسكنى، ولو احتاج إلى خادم وجب، ولو اندفعت هذه الأمور بضيافة وتبرع سقطت، ولا يجب عليه بدلها).
قال د/ وهبة الزحيلي: (اتفق الفقهاء على أن نفقة القريب من ولد وولد ولد مقدرة بقدر الكفاية من الخبز والأدم والمشرب والكسوة والسكنى والرضاع إن كان رضيعاً على قدر حال المنفق وعوائد البلاد؛ لأنها وجبت للحاجة، فتقدر بقدر الحاجة، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» فقدر نفقتها ونفقة ولدها بالكفاية.
وإن احتاج الولد المنفق عليه إلى خادم يخدمه، فعلى الوالد إخدامه؛ لأنه من تمام كفايته. وإن كانت له زوجة، وجبت نفقة زوجته عند الشافعية والحنابلة؛ لأنها من تمام الكفاية.
ولا تجب نفقة زوجة الابن على المذهب عند الحنفية. وتسقط نفقة الزوجة عند المالكية في حال إعسار الزوج).
هل تصير هذه النفقة ديناً على الأصل إذا فات وقتها؟:
ذكر الفقهاء أن نفقة الفروع لا تصير بمضي الزمان ديناً على المنفق، لأنها مواساة من الأصل لفرعه، فهي ليست تمليكاً لحق معين، ولكنها تمكين له بدافع صلة القربى. أي يتناول حاجته من النفقة، فإذا مرّت الحاجة، ولم يشأ أن يسّدها بما قد مكّنة الأصل منه، تعففاً، أو نسياناً، أو غير ذلك، فإن ذمّة أبيه لا يعقل أن تنشغل بدين لولده مقابل الحاجة التي تعفّف ولده عنها، أو شغل عنها، أو نسيها حتى فات وقتها.
هذا هو الأصل، ولكن إذا وقع خلاف، تدخل القاضي بسببه فيما بينهم، وفرض القاضي على الأب نفقة معينة، أو أذِنَ للأولاد أن يستقرضوا على ذمّة أبيهم ديناً معيناً من المال، أو القدر الذي يحتاجون إليه، فإن هذه النفقة تصبح ديناً بذمة الوالد، إذا فات وقتها، ولا تسقط بمضي الزمن، لأنها قد آلت، بحكم القاضي، إلى تمليك، بعد أن كانت مجرد مواساة وتمكين.
قال المرغيناني الحنفي: (وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدة سقطت " لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى لا تجب مع اليسار وقد حصلت بمضي المدة بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي لأنها تجب مع يسارها فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى. قال: " إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه " لأن القاضي له ولاية عامة فصار إذنه كأمر الغائب فيصير دينا في ذمته فلا تسقط بمضي المدة).
وقال الحصني الشافعي: (فلو سلم النفقة إلى القريب فتلفت في يده أو أتلفها وجب الإبدال، لكن إذا أتلفها لزمه الإبدال إذا أيسر، فلو ترك الإنفاق على قريبه حتى مضى زمان لم تصر دينا سواء تعدى أم لا لأنها شرعت على سبيل المواساة بخلاف نفقة الزوجة لأنها عوض).
وفي الإقناع (حنبلي): (ومن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه إل أن فرضها حاكم أو استدان بإذنه).
قال د/ وهبة الزحيلي: (وتسقط نفقة الولد عند الفقهاء بمضي الزمن من غير قبض ولا استدانة؛ لأنها وجبت على الوالد لدفع الحاجة، وقد زالت الحاجة لما مضى، فسقطت، بخلاف نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان عند غير الحنفية، ولا تسقط عند الحنفية بعد القضاء بها أو التراضي عليها، وإنما تسقط بمضي الزمان قبل القضاء أو التراضي. واستثنى المالكية حالة قضاء الحاكم بنفقة الأقارب، فإنها تصبح متجمدة في الماضي فلا تسقط بمضي الزمن. وذكر الحنفية: أنه إذا عجل الشخص نفقة مدة في الأقارب، فمات المنفق عليه قبل تمام المدة، لا يسترد شيئاً منها، بلا خلاف).
هل للابن مقاضاة أبيه بالمحاكم إذا امتنع عن النفقة عليه؟
قال ابن عثيمين: قوله: (إذا امتنع الأب من النفقة الواجبة عليه فللابن أن يطالبه بها؛ لأنها ضرورة لحفظ حياة الابن، ولأن سببها معلوم ظاهر ...، ولأن وجوب النفقة ثابت بأصل الشرع، فهو كالزكاة يجبر الإنسان على بذلها لمستحقها، فإذا جاء الابن الفقير وهو عاجز عن التكسب وليس عنده مال، وقال لأبيه: أنفق علي، فقال: لا أنفق، فله أن يطالب أباه بالنفقة، وإذا امتنع فللحاكم أن يحكم بحبسه حتى يسلم النفقة.
وأعتقد أن هذا العمل من الابن ـ أعني مطالبة أبيه بالنفقة ـ لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة هو الأب، لم لم ينفق؟! فإذا طالب أباه بالنفقة فله ذلك وله حبسه عليها).
وهذا واضح في مجرد المطالبة، وأنه لا حرج فيه، ولعله متفق عليه، ولا خلاف فيه، ولكن يبقى السؤال: هل مع امتناع الأب بعد مطالبة الابن له بالإنفاق، يجيز له مقاضاته في المحاكم؟ الظاهر أنه لا حرج فيه كذلك، وهو من باب الانتصار من الظالم، ورفع البغي، ويدخل في عموم قوله تعالى: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون)، ومن باب نصرة الأب الظالم بمحاولة كفه عن ظلمه، ومن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا مع مراعاة الإبقاء على حق الأب في البر والإحسان والتلطف في القول والنصح.
النفقة والعدل بين الأولاد
القول الراجح عند أهل العلم أن العدل بين الأولاد في الأعطية (الهبات) واجب، ولكن قد يحتاج أحدهم ما لا يحتاج الآخر، فالكبير يحتاج مصاريف أكثر من الصغير، والبنت قد تحتاج بعض الذهب، فكيف يكون العدل بينهم؟
سئل عن ذلك سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، فأجاب:
(الأعطية التي فيها العدل: المنحة الزائدة على النفقة، الرسول ﷺ قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" يعني في العطايا الزائدة، أما الإنفاق عليهم، فكل ينفق عليه بقدر حاجته، الكبير له نفقة، والرضيع له نفقة، والذي بين هذين له نفقة، فليسوا سواء، فهذه نفقة واجبة ينفق عليهم بقدر حاجتهم، فالكبير بحاجة إلى ملابس غير ملابس الصغير، في حاجة إلى الزواج إذا كان ما عنده مال يزوجه، بحاجة إلى السكن، والصغير حاجته دون ذلك، فكل من الأولاد يعطى حاجته على حسب حاله.
أما العطايا الزائدة على النفقة، هذا هو محل التعديل ولا يخص أحدا بشيء، فيعطي هذا .. وهذا ما يعطيه، هذا يعطيه سيارة وهذا ما يعطيه سيارة، لا. يساوي بينهم، لكن في نفقتهم في الملابس والمآكل والمشارب والسفر ونحو ذلك، كل له قدر حاجته).
رواه مسلم (993).
رواه مسلم (995).
المغني لابن قدامة (8/ 212)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (6/ 10).
تبيين الحقائق (3/ 62).
مغني المحتاج (5/ 183)، الغرر البهية (4/ 397)، أسنى المطالب (3/ 443).
رواه البخاري (5364)، واللفظ له، مسلم (1714).
المغني (8/ 212)، الشرح الكبير على متن المقنع (9/ 275).
الموسوعة الفقهية الكويتية (41/ 78).
المغني (8/ 218)، العناية شرح الهداية (2/ 272)، الموسوعة الفقهية الكويتية (41/ 78).
رواه البخاري (2704).
الشرح الممتع (13/498-499). ولا يلحق بالفرع ولد الزنا لا اللقيط، وقد سئل ابن تيمية عن رجل وطئ أجنبية حملت منه، ثم بعد ذلك تزوج بها: فهل يجب عليه فرض الولد في تربيته، أم لا؟ فأجاب: (الولد ولد زنا؛ لا يلحقه نسبه عند الأئمة الأربعة؛ ولكن لا بد أن ينفق عليه المسلمون؛ فإنه يتيم من اليتامى، ونفقة اليتامى على المسلمين مؤكدة). الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 364).
التاج والإكليل لمختصر خليل (5/ 584).
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 135).
انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية (11/ 14688).
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (41/ 79)، الفقه الإسلامي وأدلته (10/ 7412).
انظر: النتف في الفتاوى للسغدي (1/ 196)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (2/ 524)، الحاوي الكبير (11/ 478)، مختصر المزني (8/ 339)، (11/484)، العدة شرح العمدة (ص: 481).
فتوى برقم (13464)، بعنوان: ما هو الحد الذي ينتهي به وجوب النفقة على الأولاد؟.
انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (6/ 722).
انظر: التبصرة للخمي (9/ 4442).
حاشية البجيرمي على شرح المنهج (2/ 443).
انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7413).
انظر: المجموع شرح المهذب (18/ 299)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7412).
انظر: مجلة البحوث الإسلامية : ج 73- ص: 193: 189.
حاشية الدسوقي (2/ 522).
انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 240)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (9/ 402)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (6/ 12).
تحفة الفقهاء (2/ 167)، بدائع الصنائع (4/ 36)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 11).
الحاوي الكبير (13/ 349)،
حاشية الروض المربع (7/ 131).
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (18/ 416).
فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (21/ 183)
سيأتي ذكرها في المبحث الخاص بنفقة الأقارب من غير الأصول والفروع.
البيان في مذهب الإمام الشافعي (11/ 251).
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 363)، مجموع الفتاوى (34/ 105).
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 32)، الفقه الإسلامي وأدلته (10/ 7415).
المغني (8/ 219).
المغني لابن قدامة (8/ 212).
مجمع الضمانات (1/ 451).
لو كان الأب معسرا، والأم موسرة تؤمر الأم بالإنفاق على الولد ولا ترجع على الأب وهو مروي عن أبي حنيفة
شرح منتهى الإرادات (3/237).
مجموع الفتاوى (34/ 134).
انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية: فتوى رقم (161647).
الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (3/ 625)، تحفة الفقهاء (2/ 167).
المجموع شرح المهذب (18/ 300)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (11/ 253).
المجموع شرح المهذب (18/ 301).
الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 507).
شرح زاد المستقنع للحمد (25/ 64).
المغني (8/ 219)، الشرح الكبير على متن المقنع (9/ 281). الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (24/ 400).
انظر: شرح زاد المستقنع للحمد (25/ 64).
موقع الإسلام سؤال وجواب (6/ 1614).
المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان ( 3 / 240 ).
وسئل الشيخ الددو: إذا بلغ الرجل وهو ما زال فقيراً، هل تجب على أبيه نفقته أم ينتهي ذلك ببلوغه؟ فأجاب: (إذا بلغ الولد قادراً على الكسب فقد سقطت نفقته عن والده ويجب عليه هو أن ينفق على نفسه من كسبه، وهذه الشريعة المحمدية الطاهرة لا تشجع أبداً على الاتكالية ولا على المسكنة والضعف، بل تأمر الناس بالإنتاج والكسب ولا يرضى للمؤمن أن يكون ضعيفاً مستضعفاً، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. والولد إذا بلغ قادراً على الكسب فقد اسقطت الشريعة نفقته عن والده ليكسب هو وينفق على نفسه وعلى غيره، بل حتى عليه أن يبني ما يسكنه، فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث بن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد رأيتني على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بنيت بيتاً يُكنني من الحر والبرد، لم يُعني فيه أحد من خلق الله". فلذلك على البالغين من أولاد المسلمين أن يعرفوا أنهم أصبحوا رجالاً، وعليهم مسؤوليات، ويجب عليهم أن يُنتجوا، وقد كان القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهبون في النهار إلى الجبل فيأتون بالحطب فيبيعونه فينفقون منه على الفقراء، فهذا النوع يمكن أن يقوم به أيضاً طلبة العلم، هذا النوع من الإنتاج الذي لا يأخذ كثيراً من الوقت يمكن أن يقوم به طلبة العلم وأن يكونوا من المنتجين) نقلاً عن موقع الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 572)، التبصرة للخمي (6/ 2580)، نهاية المطلب في دراية المذهب (15/ 513).
انظر: المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد (2/ 676). وفيه: (تجب النفقة للأولاد الكبار كالصغار ولو كانوا أصحاء أقوياء لا حرفة لهم وهم فقراء، فلا يشترط نقصهم في الخلقة ولا في الأحكام لعموم قوله عليه الصلاة والسلام لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" ولم يستثن منهم بالغًا ولا صحيحًا، ولأنه ولد فقير فاستحق النفقة على والده الغني كالزمن، وكذا الوالدن).
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 571)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (4/ 211)، وقال في البيان في مذهب الإمام الشافعي (11/ 252): وقال أبو حنيفة: (إذا بلغت الابنة.. لم تسقط نفقتها حتى تتزوج؛ لأنه لا يمكنها الاكتساب، فهي كالصغيرة). ودليلنا: أن كل معنى أسقط نفقة الابن.. أسقط نفقة الابنة، كاليسار. وما ذكره.. فلا يصح؛ لأنها يمكنها الغزل والخدمة).اهـ. وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/ 809): (مسألة: لا يسقط عن الأب نفقة الإبنة ببلوغها حتى تتزوج ويدخل بها زوجها، وقال أبو حنيفة والشافعي تسقط نفقتها ببلوغها؛ فدليلنا أن كل حال ثبت له فيها إجبارها على النكاح وجب نفقتها عليه كالصغيرة).اهـ.
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7414).
وبذلك قضى قانون الأحوال الشخصية في الأردن مؤخرا، قال القاضي الشرعي منصور الطوالبة: إن القانون الجديد ألزم الأب بعدم إخراج أطفاله من المدارس الخاصة بعد حدوث الطلاق بينه وبين زوجته وحصول الام على حق الحضانة , خاصة اذا كان الاطفال ملتحقين بمدارس خاصة قبل حدوث الطلاق، وشدد على ان هذا الامر يصب في مصلحة الابناء الذين اعتادوا على الذهاب لمدارس خاصة , وذلك في حالة اصرار بعض الاباء على عدم تحمل تكاليف رسوم ابنائهم بالمدارس الخاصة بعد انتقال الحضانة للأم وحدوث الطلاق لدوافع غالبا ما تكون كيدية او انتقامية من الام, مما ينعكس سلبا على الابناء.اهـ. نقلا عن موقع: زاد الأردن.
انظر: البحر الرائق (4/ 228). وفي شرح عمدة الأحكام لابن جبرين (54/ 12): (فالولد مثلاً إذا احتاج إلى النفقة وكان فقيراً، فإن الوالد ينفق عليه ولو كان الولد قادراً على الاكتساب، فإذا عجز عن الاكتساب بأن لم يجد عملاً، أو مثلاً كان منشغلاً بدراسةٍ ونحوها، وكان الأب واجداً وذا مال ألزم بأن ينفق عليه).
الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: 263).
انظر: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (4/ 172).
الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (3/ 628).
نهاية المطلب في دراية المذهب (15/ 515).
الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (3/ 628).
المغني (8 / 172).
روضة الطالبين، الحاوي الكبير (9/ 176)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (5/ 323).
فتاوى نور على الدرب لابن باز (20/ 35)، وستأتي فتوى الشيخ ابن عثيمين.
انظر: ملتقى أهل الحديث – تحت عنوان: وجوب تزويج الأب القادر ابنه المحتاج للزواج.
الشرح الكبير على المقنع (حنبلي) (24/ 419).
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (18/ 410).
انظر فتوى للشيخ على الانترنت.
انظر الفتوى بذلك على موقع الإسلام سؤال وجواب (5/ 4138). وفيها: قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (5/12): " وإن احتاج إلى النكاح, وخاف على نفسه العنت (أي المشقة), قدم التزويج - يعني: على الحج - لأنه واجب عليه, ولا غنى به عنه, فهو كنفقته. وإن لم يخف, قدم الحج; لأن النكاح تطوع، فلا يقدم على الحج الواجب "اهـ. وانظر أيضا: "المجموع" (7/71) للنووي.
وانظر الفتوى رقم (83191)، بعنوان: هل يحج حج الفريضة أم يزوج ابنه بهذا المال. على موقع الإسلام سؤال وجواب.
انظر: فتوى على موقع لها، بعنوان: هل الأب ملزم شرعاً بتجهيز ابنته للزواج؟ وفيها هذا الكلام منقول عن الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
انظر: فتوى للشيخ على النت.
الإنصاف (3/254).
الموسوعة الفقهية" (8/127).
انظر الشرح الممتع (6/ 259)، وانظر: الفتوى رقم (145092)، على موقع الإسلام سؤال وجواب.
كفاية الأخيار (ص: 440).
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7418).
الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 294).
كفاية الأخيار (ص: 440).
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4/ 150).
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7419).
الشرح الممتع على زاد المستقنع (11/ 100).
وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية: (... فمجرد مقاضاة الوالدين لا تعتبر عقوقا إذا لم يكن الابن ظالما، ولكن لا يجوز التحاكم إلى القوانين الوضعية إلا لضرورة. والغالب في الأب الشفقة على أولاده، وحب الخير لهم، وكراهة الشر. فما ذكر بالسؤال من تعامل هذا الأب مع أولاده أمر غاية في الغرابة، ينبغي لأولاده البحث عن سببه، فإن كان بسبب بعض تصرفاتهم تجاهه - مثلًا- فليسعوا في تصحيح الخطأ وتقويم المسار، وإن كان هذا تصرفه العادي معه في حياته فلينصح من قبل بعض العقلاء والفضلاء بأن يتقي الله في نفسه وولده، ويذكر بالله). رقم الفتوى: (273337).
من فتوى على موقع الإمام ابن باز رحمه الله.