مدى تأثير تناول حليب ثدي النساء، المبيع في الأسواق، في نشر الحرمة
أباح الإسلام الرضاع، وهو أن يَرْضَع الطفل من لبن امرأةٍ غير أمه، وقد تدعو الحاجة إلى ذلك، كوفاة الأم مثلاً، أو لعدم قدرتها على الرضاع، إما من انشغال أو عجزٍ، كعدم وجود اللبن أصلاً، أو لأسباب أخرى.
وبناءً على ذلك، فإنه يترتب على هذا الرضاع أحكام شرعية، من ثبوت المحرمية بين الرضيع وفروعه من جهة، وبين مرضعته ومن اتصل بها من جهة النسب من جهة ثانية.
ومن المؤسف أن كثيراً من المسلمين يجهلون ما يترتب على الرضاع، فضلاً عن جهلهم بشروطه ومتى يثبت، ومتى لا يثبت، فيتساهلون به، فينشأ بسبب ذلك مشكلات اجتماعية، من أهمها فسخ النكاح بين من ثبتت بينهما المحرمية بسبب الرضاع، وبالتالي تصبح المرأة ثيباً، فضلاً عن انتهاك الأخ لعرض أخته من الرضاع وما شابه ذلك.
هذا، ويكاد يتفق الأطباء على أن حليب ثدي المرأة يحتوي على الأجسام المضادة التي تساعد على تعزيز الجهاز المناعي للطفل وتقلل خطر العديد من الأمراض، لكن هل يمكن الاستفادة من هذا الحليب من خلال جعله في صورة مكمل غذائي مشروب يتناوله البالغون وغير البالغين؟ هذا ما ذكره بعض الباحثين المعاصرين من الأطباء.
ويترتب على هذا بعض الاستشكالات الفقهية، وهي:
أولا: مع فرض وجود هذا الشراب، وتناول الرجال له، هل ينتشر بذلك الحليب التحريم الذي يثبت بالرضاع للصغير؟
ثانيا: هل يثبت التحريم بهذا الحليب إذا تناوله الأطفال قبل الفطام؟
ثالثا: إذا قلنا: ينتشر به التحريم، فكيف يكون العمل مع عدم تحديد الأمهات أصحاب هذا اللبن؟ ومع عدم التمكن من حصر من تناوله من الأطفال وشيوعهم؟ وهل يصير كل الناس بعضهم لبعض محارم؟
والجواب عن الاستشكال الأول بالنفي؛ أي أنه لا يثبت بهذا التناول التحريم الذي يثبت بالرضاع، وذلك لأن الصحيح من أقوال العلماء أن من شروط التحريم بالرضاع، أنْ يكون الرضاع في الحولين قبلَ الفطام.
وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد من الحنفية.
قال ابن قدامة: "إذا ثبت هذا، فإن من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين. وهذا قول أكثر أهل العلم، روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة رضي الله عنهن، وإليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والأوزاعي".
وعلى ذلك فلا أثر للفطام في ذلك، فالاعتبار بالعامين لا بالفطام، فلو فطم قبل الحولين ثم ارتضع فيهما لحصل التحريم، ولو لم يفطم حتى تجاوز الحولين ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم.
لقوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: 233]؛ فدلَّت هذه الآية الكريمة على أنَّ الرضاع المعتبَر ما كان في الحولين.
ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا يحرُمُ من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبلَ الفطام".
ومعناه: أنَّه لا يحرم من الرضاع إلا ما وصَل إلى الأمعاء ووسعها؛ فلا يحرم القليل الذي لم يصلْ إليها ويوسعها، ولا يحرم إلا ما كان قبلَ الفطام؛ أي: ما كان في زمن الصغر، وقام مَقام الغذاء؛ فالذي يثبت الحرمة كونُ الرضيع طفلاً يسدُّ اللبنُ جوعَه ويُنبت لحمَه، فيكون ذلك جزءًا منه، أمَّا إذا استَغنى عن اللبن بغيره من الطعام فإنَّ حاجته إلى لبن الأم تقلُّ، بل ربما يستغني عنه.
وقال بعض العلماء: إنَّ العبرة بالفطام، سواء كان قبل الحولين أو بعد الحولين، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه؛ فلو فرض أن نمو الطفل ضعيف، وصار يتغذى باللبن حتى تَمَّ له ثلاث سنوات، ففي السنة الثالثة رضاعه مؤثر على هذا القول.
ويتبيَّن من هذا أيضًا أنَّ إرضاع الكبير لا يؤثر، ولا يأخُذ حكم الرضاع في الحولين وقبل الفطام.
وحتى على القول بثبوت التحريم برضاع الكبير فهو عند أكثر القائلين به – وهم قليل - مقيد بحال الضرورة أو الحاجة المشابهة لحاجة رضاع سالم مولى أبي حذيفة من امرأته سهيلة، بعدما كان التبني مشروعا في أول الإسلام، ثم نسخ. ولا ضرورة هنا ولا حاجة.
قال ابن القيّم: «وسألته سهلة بنت سهيل فقالت: إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة»، ذكره مسلم.
فأخذت طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة، ولم يأخذ بها أكثر أهل العلم، وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين لوجوه:
أحدها: كثرتها وانفراد حديث سالم، الثاني: أن جميع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خلا عائشة - رضي الله عنهن - في شق المنع، الثالث: أنه أحوط، الرابع: أن رضاع الكبير لا ينبت لحما ولا ينشر عظما، فلا تحصل به البعضية التي هي سبب التحريم، الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصا بسالم وحده، ولهذا لم يجئ ذلك إلا في قصته، السادس: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة» متفق عليه واللفظ لمسلم.
وفي قصة سالم مسلك آخر، وهو أن هذا كان موضع حاجة؛ فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه، ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بد، فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد، ولعل هذا المسلك أقوى المسالك، وإليه كان شيخنا يجنح، والله أعلم".
وقال الصنعاني: "والأحسن في الجمع بين حديث سهلة وما عارضه: كلام ابن تيمية، فإنه قال: إنه يعتبر الصغر في الرضاعة إلا إذا دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يستغني عن دخوله على المرأة وشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه، فلا بد من الصغر انتهى. فإنه جمع بين الأحاديث حسن وإعمال لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاص، ولا نسخ، ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلت له الأحاديث".
وقال الشوكاني: "والحق ما قدمنا أن قضية سالم مختصة بمن حصل له ضرورة بالحجاب لكثرة الملابسة، فتكون هذه الأحاديث مخصصة بذلك النوع فتجتمع حينئذ الأحاديث ويندفع التعسف".
قال ابن عثيمين تعقيبا على هذا القول:
"ويرى بعض العلماء أن مطلق الحاجة تبيح رضاع الكبير، وأن المرأة متى احتاجت إلى أن ترضع هذا الإنسان وهو كبير أرضعته وصار ابنا لها. ولكننا إذا أردنا أن نحقق قلنا: ليس مطلق الحاجة، بل الحاجة الموازية لقصة سالم، والحاجة الموازية لقصة سالم غير ممكنة؛ لأن التبني أبطل، فلما انتفت الحال انتفى الحكم.
ويدل لهذا التوجيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: «إياكم والدخول على النساء» قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو ـ وهو قريب الزوج كأخيه مثلا ـ قال: «الحمو الموت»، والحمو في حاجة أن يدخل بيت أخيه إذا كان البيت واحدا، ولم يقل عليه الصلاة والسلام: الحمو ترضعه زوجة أخيه، مع أن الحاجة ذكرت له. فدل هذا على أن مطلق الحاجة لا يبيح رضاع الكبير؛ لأننا لو قلنا بهذا لكان فيه مفسدة عظيمة، وكانت المرأة تأتي كل يوم لزوجها بحليب من ثديها، وإذا صار اليوم الخامس صار ولدا لها، وهذه مشكلة، فالقول بهذا ضعيف أثرا ونظرا، ولا يصح.
أما دعوى النسخ فإنها لا تصح؛ لأن من شرط النسخ أن نعلم التاريخ وهنا لا نعلم، ولو ادعينا النسخ لكان خصومنا ـ أيضا ـ يدعون علينا النسخ، ويقولون: إن الأحاديث التي تدل على أنه لا رضاع إلا في الحولين منسوخة بحديث سالم، فليست دعوانا عليهم بأقوى من دعواهم علينا.
والخلاصة أنه بعد انتهاء التبني نقول: لا يجوز إرضاع الكبير، ولا يؤثر إرضاع الكبير، بل لا بد إما أن يكون في الحولين، وإما أن يكون قبل الفطام، وهو الراجح".
هذا عن الاستشكال الأول. وأما الاستشكالان الثاني والثالث، واللذان هما الأكبر، فهما محل بحثنا الرئيس، وسنحاول الجواب عن ذلك – بمشيئة الله - من خلال بحث النقاط التالية، التي هي بمثابة التأصيل لموضوعنا.
- صفة الرضاع المحرّم، وهل يثبت التحريم بالرضاع بتناول اللبن من غير التقام الثدي؟
- هل يثبت التحريم مع الشك في الرضاع أو في عدد الرضعات؟
- هل يثبت التحريم بتناول الحليب الممزوج (المخلوط) بغيره أو المعالج؟
- هل يثبت التحريم بتناول الحليب الصناعي؟
- هل يثبت التحريم باستعمال اللبن الموجود في بنوك الحليب؟
أولا: صفة الرضاع المحرّم، وهل يثبت التحريم بالرضاع بتناول اللبن من غير التقام الثدي؟
الرضاع لغة: مصُّ الثدي لاستخراج اللبن منه، أمَّا في الشرع فهو أعمُّ من هذا، فهو "إيصال اللبن إلى الطفل، سَواء عن طَريق الثَّدي أو عن طريق الأنبوب، أو عن طريق الإناء العادي ونحو ذلك".
وقِيل في بَيان المراد بالرضاع في الشرع: "مَصٌّ من دُون الحولين لبنًا ثاب عن حمل أو شربه أو نحوه".
لكن قال ابن عثيمين تعليقا على هذا التعريف عند الحنابلة: "فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يكون قد ثاب عن حمل، وأن إرضاع البكر لا عبرة به؛ لأنه ليس عن حمل، والصواب أنه مؤثر وإن لم يثب عن حمل لعموم الآية: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ولأن المعنى واضح وهو تغذي هذا الطفل باللبن".
ويؤخذ من ذلك أنه يثبت التحريم بالرضاع، ولو من غير التقام الثدي، وهذا هو قول جماهير أهل العلم.
قال ابن نجيم الحنفي في البحر: "الوجور، والسعوط تثبت به الحرمة اتفاقا،... والوجور بفتح الواو الدواء يصب في الحلق ويقال: أوجرته ووجرته، والسعوط: صبه في الأنف".
وقال العدوي المالكي في حاشيته على كفاية الطالب: (ويحرم بالوجور) بفتح الواو، وهو ما صب في وسط الفم وتحت اللسان (والسعوط) بفتح السين، وهو ما صب في المنخر، ظاهر كلامه أن السعوط يحرم، وإن لم يتحقق وصوله للجوف، وهو كذلك في كتاب ابن حبيب عن مالك.
وقال الشيرازي الشافعي في المهذب: "ويثبت التحريم بالوجور لأنه يصل اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من إنبات اللحم وانتشار العظم ما يحصل بالرضاع ويثبت بالسعوط لأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلاً لتحريم الرضاع كالفم وهل يثبت بالحقنة فيه قولان".
وقال البهوتي في الروض: (والسعوط) في أنف (والوجور) في فم محرم كرضاع.
وخالف الجمهور في ذلك بعض العلماء، كالظاهرية، ووافقهم من المعاصرين د/ يوسف القرضاوي.
يقول ابن حزم: "وأما صفة الرَّضاع المحرم فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط، فأما من سقي من لبن امرأة فشربه من إناء، أو حلب في فمه فبلعه، أو أطعمه بخبز، أو طعام أو صب في فمه، أو أنفه، أو في أذنه، أو حقن به فكل ذلك لا يحرم شيئًا، ولو كان ذلك غذاءه دهره كله...، ولا يسمى إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرَّضيع، يقال: أرضعتْه، تُرضعُه، إرضاعًا، ولا يسمى رَضاعة، ولا إرضاعًا إلا أخذ المرضع أو الرَّضيع بفيه الثدي، وامتصاصه إياه".
والصحيح قول الجمهور؛ لأنه في كلا الحالات يحصل اللبن في جوف الرضيع، ويترتب على ذلك إنشاز العظم، وإنبات اللحم، وهذه هي العلة في التحريم بالرضاع.
قال ابن قدامة مرجحا قول الجمهور: " ولنا أن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم. والأنف سبيل الفطر للصائم، فكان سبيلا للتحريم كالرضاع بالفم".
هل يحصل التحريم بحقنة اللبن؟
قال د/ وهبة الزحيلي:
" ولا يحصل التحريم عند الحنفية، والشافعية في الأظهر، والحنابلة في منصوص أحمد بالحقنة، أو بتقطير اللبن في العين أو الأذن أو الجرح في الجسم؛ لأن هذا ليس برضاع ولا في معناه، فلم يجز إثبات حكمه فيه، ولانتفاء التغذي.
وقال المالكية: يحصل التحريم بحقنة تغذي أي تكون غذاء، لا مجرد وصول اللبن للجوف عن طريق الحقنة. وحينئذ يختلف ما وصل من منفذ عال، فلا يشترط فيه الغذاء، وما وصل من منفذ سفلي ونحوه فيشترط فيه التغذي".
ورجح ابن قدامة عدم التحريم لعدم إنبات اللحم وإنشاز العظم بذلك.
قال المطيعي في تكملة المجموع شرح المهذب:
"وقد سألنا ولدنا التقي الدكتور أسامة أمين فراج، فأجاب: لو أعطينا الطفل حقنة اللبن من الشرج فإنه لا يتغذى منه الجسم إلا بنسبة ضئيلة في حالة بقائه في جوفه مدة طويلة، ولا تقاس بجانب ما يتعاطاه بفمه كيفاً وكماً، وأما إذا نزل منه في الحال فإنه لا يعود عليه منه ما يغذيه" اهـ.
حدّ الرضعة:
وحدُّ الرضعة المعتبَرة: أنْ يمتصَّ الثدي ثم يقطع امتصاصه لتنفُّس أو انتقالٍ من ثديٍ لآخَر أو لغير ذلك؛ فيحتسب له بذلك رضعة، فإنْ عاد فرضعتان... وهكذا، ولو في مجلسٍ واحد. ولا يشترط أن تكون الرضعات مشبعات، وإنما يشترط أن تكون متفرقات.
قال الشافعي: ولا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات، وذلك أن يرضع المولود ثم يقطع الرضاع ثم يرضع، ثم يقطع الرضاع فإذا رضع في واحدة منهن ما يعلم أنه قد وصل إلى جوفه ما قل منه وكثر فهي رضعة، وإذا قطع الرضاع ثم عاد لمثلها أو أكثر فهي رضعة. وإن التقم المرضع الثدي ثم لها بشيء قليلا ثم عاد كانت رضعة واحدة ولا يكون القطع إلا ما انفصل انفصالا بينا".
قال ابن قدامة:" والمرجع في معرفة الرضعة إلى العرف، لأن الشرع ورد بها مطلقاً ولم يحدها بزمن ولا مقدار فدل ذلك على أنه ردهم إلى العرف، فإذا ارتضع الصبي وقطع قطعاً بينا باختياره كان ذلك رضعة، فإذا عاد كانت رضعة أخرى".
وقال ابن عثيمين: "الرضعة ما كانت منفصلة عن أختها بزمن بيّن يظهر فيه الانفصال، وهذا هو اختيار ابن القيم، وشيخنا السعدي رحمه الله، وهو الأقرب للصواب، وبناءً على ذلك، لو تحول الطفل عن ثدي المرضعة لأنه سمع صوتاً أو حولته المرأة إلى ثديها الآخر، أو تركه لبكاء، فهذا لا يخرجها عن كونها رضعة، ولا يشترط أن تكون كل رضعةٍ في يوم، بل ربما تكون الرضعة الأولى في الساعة الواحدة، والرضعة الثانية في الساعة الثانية وهكذا".
والحاصل أنه يشترط في الرضعات أن تكون متفرقات، وبهذا قال الشافعي وأحمد.
عدد الرضعات المحرمة:
ثم إنه لا يثبت التحريم بالرضاع أيضا، إلا أن يبلغ خمس رضعات فأكثر؛ ودليل ذلك ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن، بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن".
والمعنى: أنَّ نسخ تلاوة ذلك تأخَّر جدًّا حتى إنَّه تُوفِّي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبعض الناس لم يبلُغه نسخ تلاوته، فلمَّا بلغهم نسْخ تلاوته تركوه وأجمعوا على أنَّه لا يُتلَى مع بقاء حُكمه، وهذا من نسخ التلاوة دُون الحكم، والحديث مُبيِّن لما أُجمِل في الآية والأحاديث في موضوع الرضاع، وعلى هذا فما دُون الخمس لا يُؤثِّر.
قال ابن قدامة في تكملة كلامه السابق: " وإنما يحرم من ذلك مثل الذي يحرم بالرضاع، وهو خمس في الرواية المشهورة، فإنه فرع على الرضاع، فيأخذ حكمه، فإن ارتضع وكمل الخمس بسعوط أو وجور، أو استعط أو أوجر، وكمل الخمس برضاع، ثبت التحريم؛ لأنا جعلناه كالرضاع في أصل التحريم، فكذلك في إكمال العدد".
ثانيا: لا يثبت التحريم مع الشك في الرضاع أو في عدد الرضعات.
قال ابن قدامة في المغني:
"وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرم، هل كمل أو لا؟ لم يثبت التحريم لأن الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك".
وجاء في فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب لسليمان الجمل:
"قوله: ولا مع الشك فيها ـ المراد بالشك: مطلق التردد، فيشمل ما لو غلب على الظن حصول ذلك لشدة الاختلاط كالنساء المجتمعة في بيت واحد، وقد جرت العادة بإرضاع كل منهن أولاد غيرها وعلمت الإرضاع، لكن لم تتحقق كونه خمسا، فليتنبه له، فإنه يقع في زماننا كثيرا".
ثالثا: هل يثبت التحريم بتناول الحليب الممزوج (المخلوط) بغيره؟
علمنا مما سبق أن أكثر الفقهاء على أنه يشترط لثبوت التحريم أن يصل اللبن إلى جوف الطفل بمص من الثدي، أو إيجار من الحلق، أو إسعاط من الأنف، وسواء كان اللبن صرفا أو مشوبا بمائع لم يغلب على اللبن، بأن كان اللبن غالبا، بأن كانت صفاته باقية.
ولا فرق عندهم بين أن يكون المخالط نجسا كالخمر وأن يكون طاهرا كالماء ولبن الشاة.
أما إن كان اللبن مغلوبا فقد اختلف الفقهاء في ثبوت التحريم به.
فذهب الحنفية والمالكية إلى أن اللبن المغلوب لا يؤثر في التحريم، لأن الحكم للأغلب، ولأن اسم اللبن يزول بغلبة غيره عليه.
وذهب الشافعية إلى أنه يثبت التحريم وإن كان اللبن مغلوبا، بأن لم يبق من صفاته شيء، بشرط أن يشرب الطفل الجميع أو يشرب بعضه، إذا تحقق أن اللبن قد وصل إلى الجوف بأن بقي منه أقل من قدر اللبن، وأن يكون اللبن مقدارا لو انفرد لأثر.
وقال الحنابلة : اللبن المشوب كالمحض في إثبات التحريم به على المذهب، والمشوب هو المختلط بغيره، والمحض هو الخالص الذي لا يخالطه سواه، سواء شيب بطعام أو شراب أو غيره، وسواء أكان غالبا أو مغلوبا، وقال أبو بكر : قياس قول أحمد أنه لا يحرم، لأنه وجور.
وحكي عن ابن حامد أنه قال: إن كان الغالب اللبن حرم وإلا فلا، لأن الحكم للأغلب، ولأنه يزول بكونه مغلوبا الاسم والمعنى المراد به.
ووجه الأول، كما ذكر ابن قدامة أن اللبن المغلوب متى كان لونه ظاهرا فقد حصل شربه ويحصل منه إنبات اللحم وإنشاز العظم فحرم، كما لو كان غالبا، وهذا فيما إذا كانت صفات اللبن باقية. فأما إن صب في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت به التحريم، لأن هذا ليس بلبن مشوب ولا يحصل به التغذي ولا إنبات اللحم ولا إنشاز العظم فليس برضاع ولا في معناه، فوجب أن لا يثبت حكمه فيه.
قال: وحكي عن القاضي أن التحريم يثبت به أيضا لأن أجزاء اللبن حصلت في بطنه فأشبه ما لو كان لونه ظاهرا.
كما اختلفوا في ثبوت التحريم باللبن المخلوط بطعام والمتغيرة هيئته بأن يصير جبنا أو مخيضا، أو أقطا.
فذهب الجمهور إلى أن التحريم يثبت به لوصول عين اللبن إلى جوف الطفل، وحصول التغذية به.
وقال الحنفية: لا تأثير للبن المخلوط بطعام ولا المتغير هيئته ولا ما مسته النار لأن اسم الرضاع لا يقع عليه.
اختلاط لبن المرأة بلبن أخرى، (الحلب من نسوةٍ متعددات):
وأما إذا اختلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى، وشربه الصغير، فإن كانا سواء، فلا خلاف في تعليق التحريم بهما، وإن غلب أحدهما على الآخر، فلا خلاف أيضا في تعلق التحريم به، وأما المغلوب فالأصح تعلق التحريم به، وهو اختيار النووي، بناء على ما ذكرناه في اختلاط اللبن بمائع كما سبق.
وقال ابن قدامة: "وإن حلب من نسوةٍ وسقيه الصبي، فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن، لأنه لو شيب بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعاً محرماً، فكذلك إذا شيب بلبن آخر".
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا أخذ الطفل دواءً ممزوجاً بحليب امرأة أخرى غير أمه وكرر هذه العملية أكثر من خمس أو ست مرات، فهل يأخذ هذا حكم الرضاع الشرعي؟
فأجاب: "لا ريب أن الرضاع يحرم بشرطه الشرعي وهو أن يكون ذلك خمس رضعات معلومات فأكثر، في الحولين، فإذا مزج الحليب بشيء آخر من الأدوية فإنه يؤثر أثره المعروف، فإذا كان خمس مرات أو أكثر حال كون الطفل في الحولين فإنه يكون له حكم من ارتضع خمس رضعات فأكثر.
إذا كان الحليب له أثره بتحقق أنه حليب ووصل إلى جوفه مع هذا الدواء أو مفرداً كل ذلك لا يغير من الحكم شيئاً، فإن العلماء قد نصوا على أن ما يحلب للطفل ويسقى إياه بمثابة ما يرتضعه من ثدي المرأة، فله حكم الرضاع إذا عُلم ذلك".
وذهب أبو يوسف، وهو رواية عن أبي حنيفة إلى أن لبن المرأة إذا اختلط بلبن امرأة أخرى فالحكم للغالب منهما؛ لأن منفعة المغلوب لا تظهر في مقابلة الغالب، وهنا لا يدرى غالب من مغلوب، والمعروف أن الشك في أمور الرَّضاع لا يترتب عليه التَّحريم؛ لأن الأصل هو الإباحة فلا تنفيها إلا بيقين.
جاء في كنز الدقائق: "واللّبن المخلوط بالطّعام لا يحرم، ويعتبر الغالب لو بماءٍ ودواءٍ ولبن شاةٍ وامرأةٍ أخرى".
رابعا: هل تثبت الحرمة برضاع الحليب الصناعي، وحليب غير الآدمية، وحليب غير المسلمة، وحليب غير الموطوءة؟
مما اشترطه الفقهاء للتحريم بالرضاع أن يكون اللبن لآدمية؛ وأما لو كان لغير الآدمية كما لو ارتضع صغيران من لبن شاة ونحو ذلك لم يثبت بذلك حكم الرضاعة شرعا، قالوا: لأن الأخوة فرع الأمومة فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع.
وقد وجّه للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة هذا السؤال: هل جميع الأطفال الذين يشربون الحليب الصناعي يكونون إخوة لكونه حليبا واحدا؟ فكان الجواب: لا يكونون بذلك إخوة؛ لأنه ليس في حكم الرضاع المحرم شرعا.
وكذلك سئلت اللجنة: هل جائز أن ترضع الأم طفلها من حليب النيدو أو أي حليب مثله إذا كان حليب الأم غير كافي لتغذية الطفل؟ وكان الجواب: لا مانع من إرضاع الأم لطفلها من الحليب الصناعي، ولا ينشر هذا الحليب الرضاع المحرم.
وهل يشترط أن يثوب اللبن عن وطء؟
للفقهاء في ذلك أيضا قولان:
الأول: ذهب المالكية والشافعية في الأصح وأحمد في أظهر الروايتين عنه إلى عدم اشتراط ذلك فلو ثاب اللبن من غير الوطء فرضع منه الطفل نشرت به الحرمة؛ بل وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك فقال: "وأجمعوا على أن البكر التي لم تنكح ثم نزل بها لبن فأرضعت به مولودا أنه ابنها ولا أب له من الرضاعة". وذلك لعموم قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}، ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم، ولأنه وإن كان نادرا إلا أن جنسه معتاد.
الثاني: ذهب الحنابلة في المذهب عندهم إلى اشتراطه فلا تنتشر الحرمة إذا لم يكن اللبن ثاب عن الوطء؛ لأنه نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال فأشبه لبن الرجال.
وأما إسلام المرضع: فليس بشرط بالاتفاق؛ لأن الزواج من أهل الكتاب جائز فما ترتب عليه من الرضاع والحضانة ونحو ذلك يكون مشروعا تباعا. ولكن يكره الرضاع من الفاجرة لقول عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما: "اللبن يشبه عليه فلا تستق من يهودية ولا نصرانية ولا زانية". ولأن لبن الفاجرة ربما أفضى إلى شبه المرضعة في الفجور فإنه يقال إن الرضاع يغير الطباع".
خامسا: بنوك الحليب
نشأت "بنوك الحلِيب" منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا في دول أوربا وأمريكا، وتتلخص الفكرة: "في جمع اللَّبن من أمهات متبرعات، أو بأجر، ويؤخذ هذا اللَّبن بطريقة معقَّمة، ويحفظ في قوارير معقَّمة بعد تعقيمه مرَّة أخرى في بنوك الحلِيب". فالبنك يقوم بِجمع لبن الأمَّهات عن طريق التَّبَرُّع، أو البيع ثم تبريده، وحفظه في ثلاجات لمدَّة تصل إلى ثلاثة أشهر، أو تجفيفه، وإعطائه للأطفال المحتاجين للرَّضاعَة الطَّبيعيَّة.
وفكرة بنك الحليب في حد ذاتها لا غبار عليها؛ وإنما جوهر الخلاف ومنشؤه فيما يترتب على عملية الارتضاع من لبن البنوك من آثار؛ فقد يحدث أن يتزوج شاب بأخته من الرَّضاع وهو لا يدري أنه رضع معها من هذا اللَّبن المجموع، والأكثر من ذلك أنه لا يدري مَنْ مِنَ النساء شاركت بلبنها في بنك الحليب؛ فتكون أمه من الرضاع، كما تحرم عليه هي وبناتها من النسب ومن الرضاع، كما يحرم عليه أخواتها لأنهن خالاته إلى غير ذلك من فروع أحكام الرَّضاع المبينة من الحديث الشَّريف: ((يَحرُم مِن الرَّضاعِ مَا يَحرُم مِن النَّسَبِ)).
هذا هو جوهر الخلاف بين الفقهاء، فبعضهم يرى في هذه البنوك توافر صفة الأم المرضعة فيحرم لبنها بالرضاع، وبعضهم يرى عدم توافر الأم المرضعة ولا يحرم لبنها بالرَّضاع عند الزَّواج.
وقبل أن نخوض في ذكر الخلاف والترجيح بين القولين، ننبه إلى أنه يسبق هذا الخلاف اختلاف الفقهاء في أصل حكم بيع حليب الآدميات: فيرى بعضهم أنه يجوز بيعه لأنه لبن طاهر منتفع به، ولأنه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظئر وهي المرأة المرضعة لغير ولدها، وهذا مذهب الشافعي والحنابلة.
واحتجوا بقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)، قالوا: وهذا واضح الدلالة على جواز الإجارة، كما كان معروفًا عند العرب، فما يمنع البيع وقد جازت الإجارة؟
وذهب أبو حنيفة ومالك وبعض الحنابلة إلى تحريم بيعه لأنه مائع خارج من آدمية فأشبه العرق ولأنه من آدمي فأشبه سائر أجزائه. وذهب أحمد إلى كراهة بيعه.
واحتجوا بأن لبن الآدمية جزء من الآدمي، والآدمي لا يجوز بيع أجزائه أو أعضائه؛ ولذلك لا يجوز بيع الآدمية كما لا يجوز بيع أعضاء الإنسان الآدمي، بجامع كون كل منهما جزءاً من البدن، والإنسان لا يملك نفسه ولا يملك أجزاء نفسه فلا يجوز أن يبيعها؛ لأن البيع لا يصح إلا بشيء يملكه، فإذا كان الإنسان لا يملك أجزاءه فلا يصح أن يبيع ما لا يملك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما لا يملك.
قالوا: ولأن بيع الآدمي فيه امتهان، والله يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70].
والذي يظهر أن مذهب الجمهور بجواز صحة البيع هو الأقوى لأنه منتفع به، ولأن الأصل الحل، والتحريم عارض لا يثبت إلا بدليل، ولأن الله تعالى أحل دفع العوض على اللبن، وهذا يدل على أنه محل للمعاوضة، فكما جاز استحقاق الأجر عليه بالإجارة جاز استحقاق العوض عليه في البيع.
نعود لمسألتنا، وهي حكم بنوك الحليب، وما يترتب على إنشائها، فنعرض لاتجاهات العلماء المعاصرين في ذلك، وهما اتجاهان:
الاتجاه الأول: مجمع الفقه الإسلامي، ولجنة الإفتاء بالسعودية، يمنعان هذه البنوك، ويثبتون التحريم بالرضاع من لبنها:
فقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة بعدم جواز إنشاء بنوك لجمع حليب النساء لإرضاعه للأطفال.
كما أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بعد أن عرض على المجمع دراسة فقهية، ودراسة طبية حول بنوك الحليب، وبعد التأمل فيما جاء في الدراستين ومناقشة كل منهما مناقشة مستفيضة شملت مختلف جوانب الموضوع تبين:
1- أن بنوك الحليب تجربة قامت بها الأمم الغربية. ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية والعلمية فيها فانكمشت وقل الاهتمام بها.
2- أن الإسلام يعتبر الرضاع لُحمة كلحمة النسب، يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين. ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب، وبنوك الحليب مؤدية إلى الاختلاط أو الريبة.
3- أن العلاقات الاجتماعية في العالم الإسلامي توفر للمولود الخداج - إلقاء المرأة ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام، وإن كان تام الخلق - أو ناقصي الوزن أو المحتاج إلى اللبن البشري في الحالات الخاصة ما يحتاج إليه من الاسترضاع الطبيعي، الأمر الذي يغني عن بنوك الحليب.
وبناء على ذلك قرر:
أولاً: منع إنشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي.
ثانياً : حرمة الرضاع منها.
وممن اختار ذلك من المعاصرين: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ فقد وجّه له هذا السؤال:
"يوجد في أمريكا بنوك أسمها بنوك الحليب، يشترون الحليب من الأمهات الحوامل ثم يبيعونها على النساء اللواتي يحتجن إلى إرضاع الأولاد أو حليبها ناقص أو مريضة أو مشغولة بالعمل.. إلخ، فما حكم شراء الحليب من هذه البنوك؟ ".
فأجاب حفظه الله:
"حرام، ولا يجوز أن يوضع بنك على هذا الوجه ما دام أنه حليب آدميات؛ لأنه ستختلط الأمهات، ولا يدرى من الأم، والشريعة الإسلامية يحرم فيها بالرضاع ما يحرم بالنسب، أما إذا كان اللبن من غير الآدميات فلا بأس، أو كان من نساء معيناتٍ يمكن الإحاطة بهن، كأن يكون هذا لبن فلانة، وهذا لبن فلانة، وهذا لبن فلانة، لأنه في هذه الحال ستعرف أمهاتهم من الرضاعة".
الاتجاه الثاني: وبالمقابل: دار الإفتاء المصريَّة ترى مشروعية هذه البنوك، وعدم ثبوت التحريم باللبن المرتضع منها:
حيث جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية: السؤال الآتي: هل لبن الأمهات إذا جفف يحرم به ما يحرم بالرضاع من اللبن السائل؟
وكان الجواب الآتي:
" ثبت التحريم بالرضاع فى القرآن والسنة، إذا كان فى مدة الحولين، مع الاختلاف بين الفقهاء فى عدد الرضعات التى يثبت بها التحريم. واللبن إذا كان سائلا وأخذ من امرأة معلومة ورضعه طفل معلوم ثبت به التحريم أما إذا جهلت المرضع أو جهل الرضيع فلا يثبت التحريم، وكذلك الشك لا يؤثر فى ذلك، لأن الأصل عدمه.
وعليه إذا خلط لبن من نساء متعددات غير متعينات، ورضع منه طفل: هل يثبت به التحريم أو لا؟ لقد أنشئ فى بعض البلاد ما يسمى ببنك اللبن كما أنشئ بنك الدم، وكان العلماء فى حكمه فريقين، الفريق الأول أخذ بالاحتياط والورع وقال: لا يجوز إرضاع الأطفال منه، لأنه قد يترتب عليه أن يتزوج الولد من أخته أو من صاحبة اللبن وهو لا يدرى، والفريق الثانى لم يجد سببا للمنع والحكم بالحرمة، لأنها لا تثبت إلا إذا عرفت الأم التى كان منها اللبن على اليقين، وعند الجهل لا تثبت الحرمة، وإن كان من الورع الابتعاد عنه.
هذا، وقد أفتى الشيخ أحمد هريدى مفتى مصر سنة 1963 م بأن التغذية بهذا اللبن المجموع فى " بنك اللبن " لا يثبت بها تحريم، وجاء فى هذه الفتوى ما نصه: إن اللبن المجفف بطريقة التبخير والذى صار مسحوقا جافا لا يعود سائلا بحيث يتيسر للأطفال تناوله إلا بعد خلطه بمقدار من الماء يكفى لإذابته، وهو مقدار يزيد على حجم اللبن ويغير من أوصافه ويعتبر غالبا عليه، وبالتطبيق على ما ذكرنا من الأحكام لا يثبت التحريم شرعا بتناوله فى هذه الحالة.
وقد انتهى إلى هذا الحكم بعد نقل كثير من أقوال الفقهاء فى مذهب الأحناف، تخريجا على قواعدهم".
واختار هذا القول د/ يوسف القرضاوي، وكذلك: الشيخ عبد اللطيف حمزة مفتي مصر، والشيخ علي التسخيري، استدلالا بأن الشارع جعل أساس التحريم هو الأمومة المرضعة كما في قوله تعالى في بيان المحرمات من النساء: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: 23]، وهذه الأمومة التي صرح بها القرآن لا تتكون من مجرد أخذ اللبن، بل من الامتصاص والالتصاق الذي يتجلى فيه حنان الأمومة، وتعلق البنوة، وعن هذه الأمومة تتفرع الأخوة من الرضاع، فهي الأصل، والباقي تبع لها.
واستدلالا بأن الواجب الوقوف عند ألفاظ الشارع هنا، وألفاظه كلها تتحدث عن الإرضاع والرضاعة، ومعنى هذه الألفاظ في اللغة التي نزل بها القرآن وجاءت بهما السنة واضح صريح، لأنها تعني إلقام الثدي والتقامه، وامتصاصه، لا مجرد الاغتذاء باللبن بأي وسيلة. ومعلوم أن الرضاع في حالة بنوك الحليب غير موجود، إنما هو الوجور الذي ذكره الفقهاء.
وأيد هذا القول أيضا د/ عبد التواب مصطفى خالد، واحتج له، ورد على الذين قالوا: إن الرَّضاع من ألبان الحليب يقع به التَّحريم، قائلا:
(ومع ذلك أتَّفق معه - يعني: مع اختيار د. القرضاوي - في تحديد مناط الجهل أو الشك كدليل للتحليل - يعني بنوك الحليب- لأنهما علتان متحققتان يقينًا في "بنوك الحلِيب"، وقد صرَّح جمهور الفقهاء بتحليل الزَّواج من رضاع مبناه الجهل بالمرضعة، أو الشك في عدد الرضعات. ففي "الأم" للإمام الشَّافعي: ولو شك رجل أن تكون امرأة أرضعته خمس رضعات فلا يكون محرمًا لها، ولو تحققت أنها أرضعته خمسًا، ولكن شكت هي في الحولين أم بعضهما، فلا تحريم أيضًا على الراجح".
وصرح العلاَّمة ابن قدامة بذلك في "الشرح الكبير" فقال: "وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرَّضاع المحرم هل كمل أو لا؟ لم يثبت التَّحريم؛ لأن الأصل عدمه فلا نزول عن اليقين بالشك، كما لو شك في وجود الطلاق وعدده".
ويزيد الأحناف المسألة وضوحًا، قال ابن الهمام: "امرأة أدخلت حلمة ثديها في فم رضيع ولا يدرى أدخل اللَّبن في حلقه أم لا، لا يحرم النكاح، وكذا صبية أرضعها بعض أهل القرية ولا يدرى من هو، فتزوجها رجل من أهل تلك القرية يجوز؛ لأن إباحة النكاح أصل فلا يزول بالشك.
والعلاَّمة الشوكاني يوضح رأي الزيدية في هذه المسألة بقوله: "ولا يثبت حكم الرَّضاع عندهم بالظن في العدد؛ بل الأصل لا بدَّ من اليقين والعلم، فإن وجد ظن أو شك في العدد فيرجع إلى الأصل، وهو العدم".
فمسألة عدم التَّحريم بالجهل، أو الشك مسألة مجمع عليها لدى الفقهاء دون منازع، أضف إلى ذلك أن النص القرآني المتلو، والنص المنسوخ واضحان كل الوضوح في التَّحريم بالإرضاع المعلوم لا المجهول، أو المشكوك فيه، ففي قوله تعالى: ﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ﴾ [النساء: 23] جاءت صيغة ﴿ أمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23] بالتعريف، والمعرفة - كما يقول النحاة - تدل على معين معلوم، ولم يقل مثلاً: ﴿ أمَّهَات ﴾ [النساء: 23] بصيغة التنكير؛ فالفرق واضح بين الصيغتين، وأما النص المنسوخ فقد سبق ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها: "كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات.." الحديث. فاشترط النص في الرضعات أن تكون رضعات معلومة لا مجهولة.
ومعنى هذا: أن الأم المرضعة الَّتي يترتب على لبنها التَّحريم هي الأم المعلومة يقينًا لا شك فيه، والعلم وحده لا يكفي؛ بل لا بد من إضافة شيء يخص لبنها وهو العلم بعدد الرضعات؛ أي إنَّ العلم له شقان: شق يخص الأم المرضعة، وشق يخص اللَّبن بذكر عدده، وتوافر أحد الشرطين لا يكفي لإثبات التَّحريم، وإنما لا بدَّ من الأمرين معًا؛ فالعلم بالأم، أو الجهل، أو الشك في عدد الرضعات لا يحرم، وكذلك العلم بعدد الرضعات والشك في العلم بالأم لا يحرم فلا بدَّ من توافر الأمرين معًا، وهو ما نص عليه الفقهاء.
وأما الذين قالوا: إن الرَّضاع من ألبان الحليب يقع به التَّحريم، فيرد عليهم بما يلي:
أولاً: إنَّ النَّص الَّذي ذكرتموه عن الشَّافعية، وجعلتم منه دليلاً على التَّحريم خاص بالمرضعة المعلومة دون المجهولة، ودليل ذلك أن الشَّافعيَّة أقروا بعدم التَّحريم عند الشك، أو الجهل، وقد ذكرنا نصهم في ذلك في الفقرات السابقة، وكذلك أقروا بعدم التَّحريم في اللَّبن المختلط عند غلبة الطعام أو غيره عليه، وقالوا: "أما إذا خلط بغيره بأن كان اللَّبن غالبًا تعلقت الحرمة بالمخلوط".
أما إذا كانت المرضعة معلومة فالحكم بالتَّحريم لا خلاف فيه، سواء أكان اللَّبن خالصًا، أو مخلوطًا غالبًا على غيره؛ كما ذكر في النص عند الشَّافعية مما سبق بيانه.
ثانيًا: والقول بـ"أن الأمر المحرم له أضرار على من يتعاطاه، وأقل ما يوصف من أضرار في هذا الشأن هو: التسهيل في أمر الرَّضاع أنه جرأة على حدود الله سواء كان له مبرر أم لا"، قول لا يمكن التسليم به على إطلاقه؛ لأن حفظ الأطفال الخدج والمبتسرين، والحرص على بقاء حياتهم، وإنقاذهم من الهلاك - من الضروريات الَّتي جاءت بها الشَّريعة باعتبارها وحفظها، فنحن أمام مصلحة اجتماعيَّة معتبرة، والجرأة على حدود الله تتمثل في ضياع هذه النَّفس والتقصير في حقها، أو عدم استصدار فتاوى تراعي مصلحتها ورعايتها، ولو كان عن طريق البنوك.
وإذا كان الإسلام قد جعل الأخذ بالرخصة واجبًا كما في تناول الميتة عند الضرورة بحيث إذا لم يأكلها المضطر مات جوعًا، فإذا لم يفعل كان آثمًا؛ لتسببه في قتل نفسه؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، وتعليل ذلك أنَّ الميتة ونحوها من المحرَّمات كالخمر إنما حرمت لما فيها من إفساد النفوس والعقول؛ ولكن إذا تعينت سبيلاً لحفظ النَّفس ودفع الهلاك عنها كان تناولها واجبًا؛ لأنه ليس من حق الإنسان أن يتلف نفسه، أو يعرضها للتلف في غير الحالات المأذون فيها شرعًا؛ لأن نفس الإنسان ليست ملكه حقيقة، وإنما هي ملك خالقها وهو الله - جل جلاله، وقد أودعها عند الإنسان وليس من حق الوديع أن يتصرَّف في الوديعة بغير إذن مالكها.
أقولُ: إذا كان الإسلام قد أباح أكل الميتة رخصة للضرورة، ألا يبيح لنا حفظ أنفس أطفال بريئة بلبن أمهات مجهولات حال الضرورة؟! أم نفتي بوأدها في مهدها، ولو لم يوجد بديل؟
وأردف قائلا: والخلاصة: أن "بنوك الحلِيب" يترجح فيها دليل الحل على دليل الحرمة؛ لتوافر مناطين:
الأول: مناط الجهل، أو الشك.
الثَّاني: مناط الضرورة الشَّرعيَّة بمعنى أن يلجأ إلى هذه البنوك إذا تحققت عناصر الضرورة الشرعية الآتية:
1- أن تكون الضرورة ملجئة، وذلك بأن يخشى على الأطفال الخدج الهلاك أو المرض.
2- أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فليس لهؤلاء الأطفال أن يرضعوا من هذه الألبان قبل التأكد من حاجتهم إليها بواسطة الأطباء المختصين.
3- ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى غيرها، فلو أمكن الاعتياض عن هذه البنوك بألبان صناعيَّة مأمونة صالحة لحياتهم فلا حاجة لاستعمالها.
4- أن يكون الضرر المترتب على ارتكاب المحظور أقل من الضرر المترتب على وجوده حال الضرورة كما قال السيوطي: "الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها).
ثم ذكر ضوابط وقيودا (تَوصيات)، حتى تؤدي هذه البنوك وظيفتها، أو دورها المأمول دون تجاوز أو ارتكاب محظور.
وهذه الضوابط تتلخَّص فيما يلي:
1- أن تكون الأم صاحبة اللَّبن سليمة البدن ذات عقل راجح؛ لأن للرضاع تأثيرًا في نمو عقل الأطفال فقد روى زياد السهمي رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسترضع الحمقى"، فالمرضعة السكرى، أو المجنونة، أو الَّتي تتغذى على لحوم الخنازير، أو الَّتي تتناول المخدرات، وما إلى ذلك يجب اجتناب لبنها.
2- يجب التأكد بواسطة العلماء المختصِّين من احتواء اللَّبن على كل عناصر الغذاء المطلوبة لنمو الطِّفل وإلا لا فائدة من استعماله.
3- ألاَّ يؤخذ من لبَن الأم المتبرعة أو المستأجرة أكثر من مرَّتين أو ثلاثة، حتَّى لا يكون في ذلك إضرار بالطِّفل صاحب اللبن، أما إذا فطمت الأم ولدها، أو توفي، أو أصيب بمرض منعه الرَّضاع، فلا حرج على الأم عندئذ أن تهب، أو تبيع لبنها.
4- أوصت وزارة الصحة بتدوين أسماء الأمهات المتبرعات، أو عمل سجل خاص بكل أم إن أمكن ذلك - تتأكد الوزارة من خلاله استيفاء جميع الضوابط المذكورة سابقًا، وحبذا استعمال أجهزة الحاسوب في ذلك.
5- تقوم الوزارة بتقسيم اللَّبن إلى نوعين: الأول: اللَّبن الطازج: وهو نوعان:
أ- نوع خاص: وذلك بجمع لبن كل أم في قارورة خاصة مع كتابة اسمها، وبياناتها عليها، أو تدوين ذلك في شهادة ميلاد الطِّفل بحيث يمكنه التحري - فيما بعد - من الوقوع في حرمة الزَّواج من أخواته من الرَّضاع وفي هذا النوع - إذا تم - لا تكون بحاجة إلى بيان حكم التحليل، أو التَّحريم البتة.
ب- الثَّاني نوع عام: وذلك بجمع لبن الأمهات مختلطًا عند تعذر الكتابة والتدوين، واستعماله حال الضرورة فيما لو كان اللَّبن الصناعي غير كاف، أو ملوثًا بمواد سامة، أو غير مناسب لتغذية هؤلاء الأطفال، أو عقب الكوارث الَّتي يقدرها الله سبحانه وتعالى على بعض الأقطار الإسلاميَّة كالزلازل الشديدة الَّتي تحول دون وصول المساعدات العاجلة، أو الحروب الَّتي تمنع وصول الألبان الصِّناعيَّة، أو حالات التصحر والجفاف الَّتي تودي بحياة الآلاف من الآباء والأمهات والأطفال ولا يجدون من يمد لهم يد العون، أو الفيضانات الكاسحة الَّتي تغمر اليابسة بين عشية وضحاها، كل هذه الحالات وأمثالها تفرض على الأمهات المرضعات إرضاع من فقد أمَّه، وقد تضطر الدولة إلى جمع لبن الأمهات، ولو إجباريًّا؛ لإنقاذ حياة الأطفال من موت محقق الوقوع.
الثَّاني: اللَّبن المجفف: وهو ما يمكن الاحتفاظ به لفترات طويلة بعد معالجته، والاحتفاظ به في صورة "بودرة" تخلط بالماء عند الاستعمال، أو يخلط بالطعام أو الدواء، فيأخذ حكم اللَّبن المشروب ويستعمل ضرورة للأطفال الخدج، أو الطبيعيين مع مراعاة الضوابط المذكورة سابقًا. والله من وراء القصد، وهو أعلم بالصواب.
الترجيح:
وبعد هذا العرض لاتجاهات العلماء في المسألة؛ فالذي يظهر رجحانه هو القول الثاني، مع التأكيد على ضرورة مراعاة القيود والضوابط والتوصيات المذكورة.
وبناء على هذا الترجيح، فإنه لا يوجد إشكال حقيقي في تناول هذا المستحضر المعلن عنه مؤخرا في بعض الصحف، حيث تتم الاستفادة من حليب الأمهات من خلال جعله في صورة مكمل غذائي مشروب يتناوله البالغون وغير البالغين، ويحصلون عليه من الصيدليات ونحوها. والله تعالى أعلى وأعلم.
انظر: أحكام الرضاع في الإسلام - د. سعد الدين بن محمد الكبي.
يأتي ذلك بعدما اكتشف العلماء العام الماضي أنه كان من الممكن إنشاء البكتيريا البشرية من حليب الأم الطبيعي، والشركة وراء هذه الفكرة، تدعى "سوجارلوجيكس"، ومقرها فى بيركلى بكاليفورنيا، وتعتقد أنها يمكن أن تخلق مكملات سوبرفوود تعزز المناعة من حليب الثدي والتي قد تكون اهتمام الصحة الكبير القادم.
ومن المأمول أن تستخدم السكريات فى حليب الأم، المعروفة الآن بتغذية البكتيريا الجيدة فى أمعاء الرضع، لذلك قال الباحثون إنه يمكن استخدامها لعلاج مجموعة من الحالات للبالغين التى ترتبط بشكل متزايد بصحة الأمعاء، مثل مرض السكر ومتلازمة القولون العصبي، ويمكن أيضا أن يستخدم الملحق من قبل الأمهات اللواتى يكافحن من أجل الرضاعة الطبيعية.
ويرتبط حليب الأم مع انخفاض فرص إصابة الرضيع بالإكزيما والحساسية فى البطن، فضلاً عن انخفاض تطوير مرض السكرى من النوع الثانى والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية في مرحلة البلوغ، وقد اكتشف العلماء أن سرها يكمن في السكريات المعقدة التي تسمى أحادي السكاريد (هوس). نقلا عن مقال بجريدة اليوم السابع بعنوان: (قريباً.. حليب الثدي للبالغين فى السوبر ماركت لتعزيز مناعتهم)، بتاريخ: 20/10/2017.
انظر: مقال لعبد الأحد أحمدي في الملتقى الفقهي، بعنوان: أثر الفطام في التحريم بالرضاع.
المغني لابن قدامة (8/ 177).
أخرجه الترمذي (1/216)، وصححه الألباني. انظر: إرواء الغليل (7/ 221).
ومنهم صديق حسن خان من المعاصرين، وقال: وقد ذهب إِلى ذلك علي وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن عُلَيَّةَ وداود الظاهري وابن حزم. وهو الحقّ. وذهب الجمهور إِلى خلاف ذلك. اهـ. الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (2/ 88).
إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 264).
سبل السلام (2/ 313).
نيل الأوطار (6/ 375)
الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 435).
الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 421).
حاشية الروض المربع (7/ 93).
الشرح الممتع على زاد المستقنع (12/ 117).
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 246).
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 116).
المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (3/ 143).
حاشية الروض المربع (7/ 96).
يقول: د.عبد التواب مصطفى خالد معوض: (ويبدو لي أن اختيار د. القرضاوي رأي الظاهرية ومن وافقهم لمعنى الإرضاع كان مبرره تعضيد أدلة تحليل "بنوك الحلِيب" بمذهب فقهي يتفق معنى الإرضاع فيه مع معنى "بنوك الحلِيب"؛ بل صرح نفسه بذلك في ختام بحثه بقوله: "ومعلوم أن الرَّضاع بهذا المعنى في حالة "بنوك الحلِيب" غير موجود إنما هو الوَجور الَّذي ذكره الفقهاء فلا يترتب عليه حينئذ تحريم". ولو أنه اكتفى بذكر دليل الجهل، أو دليل الشك في الرضاعة - كمبرر - للتحليل لكان ذلك أولى وأفضل.
ومما يقوي وجهة نظرنا في اختيار رأي الجمهور: أن الظاهرية نصوا على تحريم الرَّضاع بلبن الميتة، والمجنونة، والكبير، ولا يتصور إرضاع مثل هذه الحالات غالبًا إلا بالسَّعوط، أو الوَجور دون المص من الثَّدي). انظر: بنوك الحلِيب في ضوء الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية مقارنة، د/ عبد التواب مصطفى خالد معوض، موقع الألوكة.
المحلى بالآثار (10/ 185).
المغني لابن قدامة (8/ 173).
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7284).
المجموع شرح المهذب (18/ 221).
الأم للشافعي (5/ 29).
المغني لابن قدامة (8/ 173).
انظر: شرح الشيخ لصحيح البُخاري- كتاب النكاح.
المهذب للشيرازي (3/ 141)، والمغني (8/173)، وانظر: التجريد للقدوري الحنفي(10/5350).
صحيح مسلم (2/ 1075).
شرح النووي على مسلم (10/ 29).
المغني لابن قدامة (8/ 174).
وعلى ذلك كافة أهل العلم، ومجامع الفتوى، وفي فتاوى اللجنة الدائمة 1- (21/ 134): " الرضاع المشكوك فيه لا تأثير له، وإنما ينتشر التحريم بالرضاع المعلوم إذا كان خمس رضعات أو أكثر في الحولين، فإذا لم يكن معلوما فالأصل الجواز".اهـ.
المغني لابن قدامة (8/ 172).
نقلا عن فتاوى إسلام ويب - رقم الفتوى: 306751.
المغني لابن قدامة (8/ 175).
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (22/244).
المغني لابن قدامة (8/ 175).
نقلا عن فتوى على موقع الإمام ابن باز، بعنوان: هل امتزاج حليب المرضعة بالدواء يحرم به النكاح.
جاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 378): (واللبن المخلوط بالطعام لا يحرم) مطلقا عند الإمام لأن الطعام يسلب قوة اللبن ولا يكتفي الصبي بشربه والتغذي يحصل بالطعام إذ هو الأصل فكان اللبن تبعا له وإن كان غالبا قيل قول الإمام إذا لم يتقاطر اللبن فإذا تقاطر تثبت به الحرمة عنده. وفي الخانية هذا إذا أكل الطعام لقمة لقمة وإن حساه حسوا تثبت به الحرمة عنده وقيل تثبت بكل حال وإليه مال السرخسي وهو الصحيح كما في أكثر الكتب (خلافا لهما عند غلبة اللبن) اعتبارا للغالب؛ لأن المغلوب كالمعدوم هذا إذا كان غير المطبوخ، وأما في المطبوخ فغير محرم بالإجماع، وكذا إن لم يكن غالبا (ويعتبر الغالب لو خلط اللبن بماء أو دواء، أو لبن شاة) ؛ لأن المغلوب لا يظهر حكمه في مقابلة الغالب والحكم فيه الحرمة عند تساويهما احتياطا كما في الغاية وفيه خلاف الشافعي فيما اختلط بالماء (وكذا) يتعلق التحريم بالغلبة (لو خلط) لبن امرأة (بلبن امرأة أخرى) عند أبي يوسف والغلبة في جنس الأجزاء، وفي غيره إن لم يغير الدواء اللبن تثبت الحرمة عند محمد وإن غير لا. وقال أبو يوسف إن غير طعم اللبن ولونه لا يكون رضاعا وإن غير أحدهما دون الآخر يكون رضاعا كما في الكفاية (وعند محمد تتعلق الحرمة بهما) ؛ لأن الجنس لا يغلب الجنس وعن الإمام روايتان: في رواية اعتبر الغالب كما هو قول أبي يوسف، وبه قال الشافعي. وفي رواية تثبت الحرمة منهما كما هو قول محمد وزفر ورجح بعض المشايخ قول محمد. وفي الغاية هو أظهر وأحوط وقيل إنه الأصح.اهـ.
كنز الدقائق (ص: 268).
قال د/ عبد التواب مصطفى خالد معوض: وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. وأحال على الإجماع (ص: 77). (ولم أجده).
فتاوى اللجنة الدائمة 1- (21/ 18)- الفتوى رقم (13587).
انظر: الفقه الميسر (5/ 183)، وما بعده. وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة بجواز أن تكون المرضع نصرانية في فتواها رقم (4668). واختلف الفقهاء أيضا: هل يشترط لثبوت التحريم أن يكون الرضاع من امرأة حية أم لا؟ على قولين: الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا يشترط لثبوت التحريم أن يكون الرضاع من امرأة حية بل يثبت حكم الرضاع المحرم بالارتضاع من ثدي امرأة ميتة؛ لأن اللبن لا يموت. الثاني: ذهب الشافعية في المذهب عندهم إلى اشتراط حياة المرأة صاحبة اللبن وقت انفصال اللبن عن ثديها فالرضاع من ثدي الميتة لا يحرم؛ لأنه من لبن جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة. (انظر: المرجع نفسه).
انظر: بنوك الحلِيب في ضوء الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية مقارنة، د/ عبد التواب مصطفى خالد معوض، موقع الألوكة. وانظر أيضا: بحث: حمد نعمان البعداني، بعنوان: بنوك الحليب. موقع جامعة الإيمان.
راجع دروس شرح زاد المستقنع، لمحمد بن محمد المختار الشنقيطي (دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية)، وانظر: المغني لابن قدامة (5/ 368).
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة 1- (21/ 44)، وفيها: لا يجوز شرعا استحلاب الأمهات والاحتفاظ بحليبهن وتغذية طفل آخر به؛ لما في ذلك من الجهالة المؤدية إلى هتك حرمات الرضاع التي يقع التحريم بها شرعا من جهة المرضعة، ومن جهة صاحب اللبن، ومن جهة الرضيع، إذ إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»، وبناء على ذلك لا يجوز إنشاء بنوك لجمع حليب النساء لإرضاعه للأطفال المحتاجين لذلك.اهـ.
انظر: مجمع الفقه الإسلامي، في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406هـ/22 - 28 ديسمبر 1985م.
نقلا عن: دروس للشيخ محمد صالح المنجد - دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
فتاوى دار الإفتاء المصرية (9/ 432). المفتي عطية صقر. قال: وتوضيح ذلك في الجزء الأول من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 370 ".
انظر: بحث: حمد نعمان البعداني، بعنوان: بنوك الحليب. موقع جامعة الإيمان.
بنوك الحلِيب في ضوء الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية مقارنة، د/ عبد التواب مصطفى خالد معوض، موقع الألوكة.
المرجع السابق.