التواضع المزيف
في عالم الدعوة والإصلاح تكثر الفتن المتعلقة بحظوظ النفس، وتتوارد شهوات الشهرة والتميز والبقاء في ذاكرة الناس، ويحرص البعض على أن يكون هو الأول في مصاف الدعاة والمشاهير، ويمارس في سبيل تحقيق ذلك عشرات الوسائل القولية والفعلية والتقريرية.
إن هذا النموذج من الناس ليرتسم من خلال الكلمات القرآنية، كأنما نراه بسِماته وحركاته! {الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:146].
وما يتكبر عبد من عبيد الله في أرضه بالحق أبدًا، فالكبرياء صفة الله وحده، لا يقبل فيها شريكًا، وحيثما تكبَّر إنسان في الأرض كان ذلك تكبرًا بغير الحق، ومن هذا التكبر تنشأ سائر ألوان التكبر، فهو أساس الشر كله ومنه ينبعث(1).
يجلس أحدهم في مواجهة الناس متحدثًا عن نفسه، يسرد جملة من القصص كأنها سيرته العطرة، يختمها بقوله: وإن كنت لا أحب الحديث عن نفسي، في حين أنه لم يتكلم إلا عن نفسه، وبطولاته التي فاقت بطولات السابقين.
«أنا، وأعوذ بالله من قول أنا، أنا العبد الضعيف الفقير»، عبارات لا يجيد غيرها، تتكرر مع كل محاضرة وفي كل خطبة، يشعر المستمع بأنه العابد الزاهد الذي فاق عبد الله بن المبارك.
تواضع مزيف، يريد أن يخطف به الأضواء، ويظهر من نفسه ما لا يراه الآخرون، وما ليس حقيقيًا بالمرة، وحب الظهور والتصدر مرض من أمراض النفوس، وآفة من آفاتها، فتجد الواحد يسعى للصدارة، ويتطلع للريادة، دائمًا يريد أن يتقدم على غيره، وأن يترأس على غيره، وأن يكون هو الرئيس عليهم والمقدم فيهم، قد يظهر هذا المرض في بداياته في البحث عن الثناء، وطلب الشهرة، وهي الشهوة الخفية التي يطلبها كثير من الناس، البحث عن المدح، والبحث عن المنزلة في نفوس الناس، يقول الثوري رحمه الله، هذا الإمام العالم العابد الزاهد، يقول: «تجد الصالح يزهد في كل شيء، يزهد في المال، ويزهد في الطعام، ويزهد في المسكن، فإذا نوزع الرئاسة حامى عليها وعادى»(2).
إن هذا المخلوق الإنساني لينسى نفسه في أحيان كثيرة، ينسى أنه كائن صغير ضعيف، يستمد القوة لا من ذاته، ولكن من اتصاله بمصدر القوة الأول؛ من الله، فيقطع اتصاله هذا ثم يروح ينتفخ، ويورم، ويتشامخ، ويتعالى، يحيك في صدره الكبر، يستمده من الشيطان الذي هلك بهذا الكبر، ثم سلط على الإنسان فأتاه من قبله، وإنه ليجادل في آيات الله ويكابر، وهي ظاهرة ناطقة معبرة للفطرة بلسان الفطرة، وهو يزعم لنفسه وللناس أنه إنما يناقش لأنه لم يقتنع، ويجادل لأنه غير مستيقن، والله العليم بعباده، السميع البصير المطلع على السرائر، يقرر أنه الكبر، والكبر وحده هو الذي يحيك في الصدر، وهو الذي يدعو صاحبه إلى الجدال فيما لا جدال فيه، والكبر والتطاول إلى ما هو أكبر من حقيقته، ومحاولة أخذ مكان ليس له، ولا تؤهله له حقيقته، وليست له حجة يجادل بها، ولا برهان يصدع به، إنما هو ذلك الكبر وحده: {إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ} [غافر:56].
ولو أدرك الإنسان حقيقته وحقيقة هذا الوجود، ولو عرف دوره فأتقنه ولم يحاول أن يتجاوزه، ولو اطمأن إلى أنه كائن مما لا يحصى عدده من كائنات مسخرة بأمر خالق الوجود، وفق تقديره الذي لا يعلمه إلا هو، وأن دوره مقدر بحسب حقيقته في كيان هذا الوجود، لو أدرك هذا كله لاطمأن واستراح، ولتطامن كذلك وتواضع، وعاش في سلام مع نفسه ومع الكون حوله، وفي استسلام لله وإسلام(3).
وهذا ابن القيم رحمه الله تعالى يهمس ويقول في زمنه المليء بالتقوى واليقين: «فلا إله إلا الله، كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون خالصة لله وأن تصل إليه!»(4).
كلنا يسمع بالإخلاص وتجديد النية ومحاسبتها؛ ولكن يغيب عن النفس اتهامها بالتقصير في ذلك، وكأن المخاطب بالإخلاص هم قومٌ آخرون من صغار الدعاة والمبتدئين في طلب العلم وبعض العباد، أما ذلك الداعية المشهور فهو غير مخاطب لأنه مشهور، ولا يحتاج أن يحاسب نفسه على الإخلاص لعلمه بتعريف الإخلاص وأدلته ونحو ذلك.
في نظرة لحياة السلف ومواقفهم مع الإخلاص وإظهار الأعمال تجد العجب، فكل قارئ يمكنه أن يجزم بتواتر إخفاء الأعمال عند السلف، والحذر من الشهرة، وأقوالهم وأفعالهم في بيان ذلك منثورة في الكتب، ولكن بعض الدعاة لا يقدر أن يخفي عمله، وكأن الأصل هو أن يعمل لكي يعلم الناس به لكي يقتدوا به ويتأثروا به.
وإذا كان السلف الذين هم أعلم وأتقى وأنقى يخافون من مقدمات الشهرة، ولم يكن لديهم يوتيوب ولا تصوير ولا تويتر التي ساهمت في نشر الأعمال.
إن من أدلة صدقك أن تكره أن يعلم الناس بأعمالك لا أن تفرح(5).
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء:49].
ومعنى التزكية: التطهير والتنزيه، فلا يبعد صدقها على جميع هذه التفاسير وعلى غيرها، واللفظ يتناول كل من زكى نفسه بحق أو بباطل من اليهود وغيرهم، ويدخل في هذا التلقب بالألقاب المتضمنة للتزكية: كمحيي الدين، وعز الدين، ونحوهما.
قوله: {بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ} أي: ذلك إليه سبحانه، فهو العالم بمن يستحق التزكية من عباده ومن لا يستحقها، فليدع العباد تزكية أنفسهم، ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه، فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة، تحمل عليها محبة النفس، وطلب العلو، والترفع والتفاخر، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].
قوله: {وَلا يُظْلَمُونَ}؛ أي: هؤلاء المزكون لأنفسهم فتيلًا، وهو الخيط الذي في نواة التمر، وقيل: القشرة التي حول النواة، وقيل: هو ما يخرج بين أصبعيك أو كفيك من الوسخ إذا فتلتهما، فهو فتيل بمعنى مفتول، والمراد هنا: الكناية عن الشيء الحقير، ومثله: ولا يظلمون نقيرًا؛ وهو النكتة التي في ظهر النواة.
والمعنى: أن هؤلاء الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم لأنفسهم بقدر هذا الذنب، ولا يظلمون بالزيادة على ما يستحقون، ويجوز أن يعود الضمير إلى من يشاء؛ أي: لا يظلم هؤلاء الذين يزكيهم الله فتيلًا مما يستحقونه من الثواب، ثم عجب النبي صلى الله عليه وسلم من تزكيتهم لأنفسهم فقال: انظر كيف يفترون على الله الكذب في قولهم ذلك(6).
كلما كان الداعية محبوبًا لدى المدعوين كانت استجابتهم لدعوته أكبر، واجتماعهم حوله أكثر، ولا شيء يحبب الداعية إلى المدعوين كالتواضع؛ لذا أمر الله به، وحرم ضده وهو التكبر، ولا يظهر التواضع إلا بالاختلاط بالناس؛ لذلك أمر الله بهما، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف:28]، وقال تعالى: {وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا} [لقمان:18].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر»(7).
وقال صلى الله عليه وسلم: «وما تواضع أحد لله إلا رفعه»(8).
وكان ابن عمر يدخل السوق لا يبيع ولا يشتري، لكن ليسلم على الناس، فكانوا إذا رأوه استبشروا، وانكبوا عليه، يستفتونه فيفتيهم ويحل قضاياهم.
ولا شيء يساعد في نشر الدعوة وتوسيع رقعتها كالاختلاط بالناس، ومعرفة أحوالهم، والوقوف مع متطلباتهم، ومدارسة مشكلاتهم.
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»(9).
وقد مضت سنة الأنبياء في تواضعهم، ومخالطتهم في معايشهم، وفتح أبوابهم، وتوسعة صدورهم.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فكان صلى الله عليه وسلم يخالط أصحابه فيزوج عزبهم، ويعود مريضهم، ويتفقد أحوالهم، ويشيّع ميتهم، ويعين فقيرهم؛ بل كان يعود المريض من أعدائه؛ فقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنًا ليهودي، فعن أنس رضي الله عنه قال: «كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: (أطع أبا القاسم)، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار)»(10).
وكانت الأَمَة تأخذ بيده بالمدينة فيطاوعها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «إن كانت الأَمَة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به في حاجتها»(11).
تواضع حقيقي ليس تصنعًا ولا تكلفًا ولا ادعاءً، وانظر إلى هذا التواضع، والمخالطة، وما كان لهما من أثر عظيم في نفوس أصحابه، صدقًا، وتربية، وعملًا، جعلتهم خير أمة أخرجت للناس.
وليس ببعيد أن يعزى أسباب تلك الفجوة بين الناس بعامة والشباب بخاصة من جهة، وبين العلماء والدعاة من جهة أخرى، إلى انعزال بعض الدعاة والعلماء، وإغلاق أبوابهم، وعدم مخالطتهم الناس، وتأففهم من الجلوس مع عوام الناس وفقرائهم، وحدثاء الأسنان، الأمر الذي أحدث فجوة، تغلغل من خلالها الأفكار الفاسدة، والمناهج المنحرفة.
بينما لو كان العالم الرباني مخالطًا للمدعوين، متابعًا للمتربين، لأدرك الأخطار أول وهلة، ولعالج الانحراف حين حدوثه؛ كالطبيب المتابع لمرضاه، وأما إذا أعرض الداعية أو المربي، وانعزل عن المدعوين، تفشى الداء، وصعب بعد ذلك العلاج؛ كالطبيب المهمل لمرضاه.
ومما يُدخل العُجب على الداعية نظره لما منحه الله إياه من بلاغة أو فصاحة وبيان، أو سعة في العلم وقوة في الرأي، فإذا انضاف إلى ذلك حديث الناس عن أعماله، وتعظيمهم له، وإقبالهم عليه...، لم يسلم حينئذٍ إلا القليل.
ولعل المرء يدافع الرياء ويحس به، بيد أنه لا يشعر بما في داخله من العجب المحبط، ومن أجل ذلك كان مهلكًا بوصف النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «ثلاث مهلكات»، ثم ذكرهن: «شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»(12).
وإذا كانت الذنوب مهلكة فإنها قد تكون رحمة بصاحبها حين تخلصه من العجب الذي هو الهلاك حقًا، قال: لو لم تكونوا تذنبون، خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «الهلاك في شيئين: العجب والقنوط»، وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى(13).
وللعجب أثره على الدعوة والدعاة(14)، ولا شك أن آثاره على الدعاة تنعكس على الدعوة أيضًا بالسلب، فمن آثاره على الدعاة:
1- أنه طريق إلى الغرور والكبر، وآثار الكبر المهلكة لا تخفى.
2- الحرمان من التوفيق والهداية؛ لأن الهداية إنما ينالها من أصلح قلبه وجاهد نفسه، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]، ومن صور هذا الحرمان: نسيان الذنوب واستصغارها، والعمى عن التقصير في الطاعات، والاستبداد بالرأي، والتعصب للباطل، وجحود الحق، وهذه الآثار في الجملة منها ما يقع سببًا للعجب، ثم يزداد ويستمر، ليبقى أثرًا ثابتًا له.
3- بطلان العمل، قال عز وجل: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.
4- العجز والكسل عن العمل؛ لأن المعجب يظن أنه بلغ المنتهى.
5- الانهيار في أوقات المحن والشدائد؛ لأن المعجب يهمل نفسه من التزكية، فتخونه حينما يكون أحوج إليها، ويفقد عون الله ومعيته؛ لأنه ما عرف الله حال الرخاء.
وتأمل ما أصاب الصحابة رضوان الله عليهم مع إيمانهم وصلاحهم، حين أعجب نفر منهم بكثرة العدد: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة:25] واليهود عليهم لعائن الله: {ظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر:2].
6- نفور الناس وكراهيتهم؛ لأن الله يبغض المعجب.
7- العقوبة العاجلة أو الآجلة، كما خسف الله بالمتبختر المعجب الأرض.
ومن آثاره على الدعوة:
توقفها أو ضعفها وبطؤها بسبب قلة الأنصار؛ نظرًا لنفور الناس، وكراهيتهم للمعجبين، وسهولة اختراق صفوف الدعاة وضربها؛ نظرًا لانهيار الدعاة المعجبين حال الشدائد(15).
حال السلف في الافتقار إلى الله:
لقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم دوام الافتقار إلى الله، والذل بين يديه، واستمداد العون منه؛ لعلمه بأن «قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه كيف يشاء»(16)، وقد تمثل افتقاره صلى الله عليه وسلم في دعائه: «اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك»(17)، يقول ذلك وهو سيد ولد آدم، الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ بل يصلي حتى تتورم قدماه، ويقول: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»(18)، ولا يجتمع الافتقار والعجب في قلبٍ أبدًا.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس أصحابه هذه المعاني، ويرشدهم إلى دوام التواضع لله والاعتراف بين يدي الله بالتقصير، مهما بلغوا من منزلة في الإيمان، فهو حينما يطلب منه أبو بكر رضي الله عنه دعاءً يدعو به في صلاته يعلمه أن يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم»(19)، ويرشدهم أيضًا إلى إظهار الحاجة إلى الله، وطلب العون منه دومًا، فيقول لمعاذ رضي الله عنه: «يا معاذ، والله، إني لأحبك، يا معاذ، لا تدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»(20).
نعم إنه يعلِّم ذلك صفوة الأمة، وخيرة أصحابه، ولكنه تعليم للأمة كلها على الصحيح، ثم تأتي ثمرة هذه التربية متجسدة في مواقف خيرة سلف الأمة:
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة رضي الله عنه: «هل سمّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟».
وحينما طُعِنَ وهو خليفة، وجعل يألم، قال له ابن عباس مواسيًا: «يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صُحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون»، فلم يأخذ عمر بكل هذا الثناء ولا أحس بالعجب والخيلاء؛ بل أسند ذلك إلى فضل الله ومنته، فقال: «أما ما ذكرت من صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك مَنٌّ مِنَ الله تعالى منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك منّ مِنَ الله جلّ ذكره منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله، لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه»(21).
وعائشة رضي الله عنها لَمّا نزلت براءتها في حادثة الإفك قالت: «والله، ما كنت أظن أن يُنزَل في شأني وحيٌ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم فيّ بأمر، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها»(22).
وهذا مطرِّف بن عبد الله رحمه الله يقول: «لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إليّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا»(23).
ولم يكن هذا حال هؤلاء فحسب، لكنها صفة راسخة من صفات المؤمنين الصادقين، الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60]، وقد سألت عائشةُ رضي الله عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقالت: «هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟»، فقال: «لا، يا بنت الصدّيق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات»(24).
الفرق بين العجب بالعمل والفرح بالخير والطاعة:
كما أن العجب بالعمل يورث التواكل والتكاسل، فإن احتقار العمل إذا لم ينضبط فإنه يورث أثرًا مشابهًا، وهو الإحباط والملل والسآمة؛ لذا كان للعبد أن يفرح بالحسنة، ويغتبط بالطاعة؛ بل إن هذا دليل الإيمان، قال: «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن»(25).
ولكن الواجب عليه في هذا الفرح أن يكون مستشعرًا فضل الله عز وجل ومنته ورحمته وتوفيقه، مثنيًا عليه بذلك، لا يرى لنفسه في الانبعاث لذلك العمل أثرًا يعوّل عليه؛ إذ إن الذي منح القدرة والهداية هو الله عز وجل، قال عز وجل: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]، وأعظم ذلك الفضل نعمة الإسلام والتوفيق للطاعة، وإنما أمر تعالى بالفرح بفضله ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان، الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود(26)، بخلاف الفرح المذموم المقترن باستحضار جهد النفس في العمل، الداعي إلى العجب والغرور؛ وهذا كالفرق بين الفخر بالنعم والتحدث بها(27).
من العجب إلى الغرور:
يتعلق المعجب بالنعم التي يعيشها، والأعمال الصالحة التي يؤديها، ثم يمتد إعجابه ليشمل صورًا من شدة الإعجاب (الغرور)، ومنها:
أ- تنقّص أعمال الآخرين وازدراؤها، ورؤيتها دون أعماله(28).
ب- ادعاء أمور وهمية، وتضخيم بعض القضايا يظنها كبيرة، وليست كذلك، كمن يعتبر نفسه داعية كبيرًا؛ لكونه يحسن التحدث والكلام، أو يرى نفسه عالمًا فقيهًا ويتجرأ غرورًا بما عنده من نتفِ علم، أو يعد نفسه مؤهلًا للقيادة، لم تُعرَف مكانته، ونحو ذلك، وكثير من هذه الصور وما شاكلها داخل في دائرة التزوير، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيه: «المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبَيْ زورٍ»(29).
ج- العجب بأمور باطلة يظنها حقًا؛ كغرور العلماء والعباد والمتصوفة والأغنياء بأجزاء من الدين، يحسبونها الدين كله، ويبنون عليها الرجاء، فمن العلماء من أحكم العلم وترك العمل، ومنهم من أحكم العلم والعمل وترك الاهتمام بالقلوب، ومنهم من اشتغل بوعظ الناس وتعليمهم وأهمل حاله، ومنهم من اشتغل بعلوم الآلة وأعرض عن معاني الشريعة، ومنهم من كان حظه من العلم الحفظ بلا فهم ولا عمل...، ومن العبّاد من غلا وتنطع، ومنهم من وسوس، ومنهم من أفرط في مراعاة أعمال الظاهر وأهمل أعمال القلوب، ومنهم من حرص على النوافل على حساب الفرائض...، ومن المتصوفة من اغتر بالزي وترك المجاهدة ومراقبة القلوب، ومنهم من ادعى علم المعرفة والقلوب، وازدرى علماء الشريعة، ومنهم من ادّعى حسن الخلق وتصدر لخدمة الزهّاد طلبًا للرئاسة...، ومن الأغنياء من حرص على ما يخلد ذكره من أعمال الخير الظاهرة، كبناء المساجد ونحوها، ورفضوا ما سواها من أعمال البر الأخرى، ومنهم من ينفق على الفقير الذي ينفعه، ويشكر له معروفه، دون غيره، فهو يرجو الجزاء الدنيوي على نفقته، ومنهم من يضيق صدره بالزكاة ويخرجها من سيئ ماله...
وفي كل هذه الأحوال تجد أن نفوس أصحابها تسكن إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع، عن شبهة أو خدعة من الشيطان، وترجو بذلك الخير، وتظن غرورها رجاءً محمودًا.
وينبغي أن يكون الدعاة أكثر حذرًا من الكبر؛ نظرًا لكثرة مداخله عليهم من جهة العلم والعبادة والدعوة والتصدر للإصلاح؛ فهم أحوج الناس إلى التذكير(30).
وأبلغُ ما يعظ كتابُ الله عز وجل، فقد بين الله أنه لم يجعل للمتكبرين نصيبًا في الآخرة فقال: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في حق المتكبر فقال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»(31)، كما بين أنه لا يحب المختالين المتكبرين، فقال: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18]، وأن المتكبر يطمس الله قلبه فلا يبصر الحق فقال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]، وإنما استحق هذا الجزاء؛ لأنه نازع الله عز وجل في صفة من صفات الكمال، كما في الحديث القدسي: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار»(32).
فالواجب تلمس عيوب النفس وأمراض القلوب، وآفات الأعمال، والسعي الحثيث في علاجها، على نحو الوسائل المتقدمة وغيرها.
إن دعوة الإسلام تشترط على أصحابها أن يكونوا أتقياء في أنفسهم، صادقين في دعوتهم، مخلصين في نياتهم؛ كي يحققوا نجاحهم في دعوتهم، وينالوا أجرهم عند ربهم، وهذا شرط في كل عمل من أعمال الإسلام، ومن أجلّها الدعوة إلى الله تعالى، قال تعالى: {أَلَا للهِ الدّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]، وقال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر:11].
وكلما كان الإخلاص أصدق، والإيمان أقوى، كان التوفيق أعظم، والأجر أكبر.
والتقوى لازمة للداعية لزوم الماء للشجر، والروح للجسد، وهي العمل بدين الله ظاهرًا وباطنًا، وبخاصة فيما يدعو إليه، وإنّ امرءًا لا يعمل بما يدعو إليه حري ألَّا يوفقه الله عز وجل إلى ذلك، ولا يقبل منه عمله، قال تعالى: {إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللهُ مِنَ الْمُتّقِينَ} [المائدة:27].
وفضلًا عن هذا كلِّه فإن لتقوى الداعية أثرًا بالغًا في المدعوين، فإن النفوس جُبلت على قَبُول دعوة الصادق، والنفور من دعوة الكاذب، ولا مقياس للصدق والكذب عند معظم المدعوين إلا أفعال الداعية، ومطابقتها لما يدعو إليه.
فإن العمل بما يُدعى إليه يوحي إلى الناس صحة الدعوة، وصدق الداعي، مما يُورث القبول عندهم.
إن كثيرًا ممن يَدْعون ويَضلون ويُضلون يظنون أنهم علماء، وهم متعالمون، وذلك لعدم تفريقهم بين العلم والتعالم؛ كالخوارج، والمعتزلة، والجهمية، وإخوانهم من كل فرقة؛ ولذلك يجب التركيز في دروس العلماء على بيان الفروق بين العلم والتعالم، وبين العالم والمتعالم، فإن كثيرًا منهم أصحاب نيات حسنة، فلعلهم يرجعون، قال سبحانه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَق} [الأعراف:146]، وقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} [القصص:83].
وليعلم الدعاة أن الناس لا يتبعون من يتكبر عليهم ويرى لنفسه الفضل دونهم، وإنما يتبع الناس من يرفق بهم ويشفق عليهم ويرحمهم ويتودد إليهم؛ ولذلك قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]، وقال تعالى فيه أيضًا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128](33).
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»(34).
وفيه أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله تعالى»(35).
وإنما يحمل على التواضع أمران:
- معرفة قدر النفس، ومعرفة فضل الرب.
- ثم النظر في أحوال السلف، ومقارنة أحوالنا بأحوالهم لنقف على حقيقة الحال.
فاعلم أخي الداعية أن الاعتراف بالحق فضيلة، والرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل، ولأن يكون الإنسان ذيلًا في الحق خيرًا من أن يكون رأسًا في الباطل، فعليك بالتواضع فالزمه فإنه أعظم رأس مالك، وتأس بأخلاق سلفك عليهم رضوان الله.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: «ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعًا لله»(36).
قال يونس الصدفي: «ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألة، ثم افترقنا فلقيني فأخذ بيدي ثم قال: (يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟)»(37).
قال ابن المديني: «كان ابن عيينة إذا سئل عن شيء قال: (لا أحسن)، فنقول: (من نسأل)، فيقول: (سل العلماء، وسَلِ الله التوفيق)».
وسألوه أن يحدث فقال: «ما أراكم للحديث موضعًا، وما أراني أن يؤخذ عني أهلًا، وما مثلي ومثلكم إلا كما قال الأول: (افتضحوا فاصطلحوا)»(38).
قال الشافعي: «التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، التواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة»(39).
وعن علي بن أبي فزارة قال: «كانت أمي مقعدة من نحو عشرين عامًا، فقالت لي يومًا: (اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي)، فأتيت فدققت عليه، وهو في دهليزه، فقال: (من هذا؟)، قلت: (رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء)، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب، فقال: (نحن أحوج أن تدعو الله لنا)، فوليت منصرفًا، فخرجت عجوز فقالت: (قد تركته يدعو لها)، فجئت إلى بيتنا فدققت الباب فخرجت أمي على رجليها تمشي»(40).
قال المرُّوذي: «قلت لأبي عبد الله: (ما أكثر الداعي لك؟)، قال: (أخاف أن يكون هذا استدراجًا، بأي شيء هذا؟)»(41).
قال الشافعي: «أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلًا من لا يرى فضله»(42).
هذا هو التواضع وهؤلاء هم الناس: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} [الأنعام:90].
***
_______________
(1) في ظلال القرآن (3/ 1371).
(2) سير أعلام النبلاء (7/ 262).
(3) في ظلال القرآن (5/ 3089).
(4) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 97).
(5) الدعاة إلى أنفسهم، يا له من دين.
(6) فتح القدير، للشوكاني (1/ 551).
(7) أخرجه مسلم (91).
(8) أخرجه مسلم (2588).
(9) أخرجه الترمذي (2507).
(10) أخرجه البخاري (1356).
(11) أخرجه ابن ماجه (4177).
(12) أخرجه الطبراني في الأوسط (5452).
(13) مختصر منهاج القاصدين، ص234.
(14) تهذيب موعظة المؤمنين، ص345-346.
(15) موسوعة الخطب والدروس، الموسوعة الشاملة.
(16) أخرجه مسلم (2654).
(17) أخرجه مسلم (2654).
(18) أخرجه البخاري (1130).
(19) أخرجه البخاري (834).
(20) أخرجه أبو داود (1347).
(21) أخرجه البخاري (3692).
(22) أخرجه البخاري (2661)، ومسلم (2770).
(23) سير أعلام النبلاء (4/ 190).
(24) أخرجه الترمذي (3175).
(25) أخرجه الترمذي (2165).
(26) تفسير السعدي، ص234.
(27) الروح، لابن القيم، ص551.
(28) آفات على الطريق (1/ 141).
(29) أخرجه مسلم (2129).
(30) عقبات في طريق الدعاة (1/ 79).
(31) أخرجه مسلم (91).
(32) أخرجه مسلم (2620).
(33) من أخلاق الدعاة التواضع وهضم النفس، موقع: مقالات إسلام ويب.
(34) أخرجه مسلم (2865).
(35) أخرجه مسلم (2588).
(36) مسند ابن أبي شيبة (35684).
(37) سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (10/ 16).
(38) المصدر السابق (8/ 467).
(39) المصدر السابق (10/ 99).
(40) المصدر السابق (11/ 211).
(41) المصدر السابق (11/ 210).
(42) المصدر السابق (10/ 99).