logo

الإصلاح لماذا وكيف


بتاريخ : الاثنين ، 5 ربيع الآخر ، 1441 الموافق 02 ديسمبر 2019
بقلم : تيار الاصلاح
الإصلاح لماذا وكيف

لن يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي صلح به أولها كما قال أهل العلم والإيمان، ومن جملتهم الإمام المشهور مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه، والفقيه المعروف، أحد الأئمة الأربعة قال هذه المقالة، وتلقاها أهل العلم في زمانه وبعده، ووافقوا عليها جميعًا: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها» (1).

والمعنى: أن الذي صلح به أولها هو اتباع كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يصلح به آخرها إلى يوم القيامة.

ومعلوم أن أولها -وهم الصحابة- إنما صلحوا باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والعمل وفقًا لسنته، مع حذرهم من البدع، ولا يمكن لغيرهم أن يصلح إلا بسلوك هذا المسلك الذي سلكوه، والمنهج القويم الذي طرقوه.

ومن أراد صلاح المجتمع الإسلامي، أو صلاح المجتمعات الأخرى في هذه الدنيا بغير الطريق والوسائل والعوامل التي صلح بها الأولون فقد غلط، وقال غير الحق، فليس إلى غير هذا من سبيل، إنما السبيل إلى إصلاح الناس وإقامتهم على الطريق السوي، هو السبيل الذي درج عليه نبينا عليه الصلاة والسلام، ودرج عليه صحابته الكرام ثم أتباعهم بإحسان إلى يومنا هذا، وهو العناية بالقرآن العظيم، والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوة الناس إليهما والتفقه فيهما، ونشرهما بين الناس عن علم وبصيرة وإيضاح ما دل عليه هذان الأصلان من الأحكام في العقيدة الأساسية الصحيحة (2).

والقرآن هو الذي أصلح النفوس التي انحرفت عن صراط الفطرة، وحرّر العقول من ربقة التقاليد السخيفة، وفتح أمامها ميادين التأمّل والتعقّل، ثم زكّى النفوس بالعلم والأعمال الصالحة، وزيّنها بالفضائل والآداب، والقرآن هو الذي أصلح بالتوحيد ما أفسدته الوثنية، وداوى بالوحدة ما جرحته الفرقة واجترحته العصبية، وسوّى بين الناس في العدل والإحسان فلا فضل لعربي- إلا بالتقوى- على عجمي، ولا لملك على سوقة إلا في المعروف، ولا لطبقة من الناس فضل مقرّر على طبقة أخرى.

والقرآن هو الذي حل المشكلة الكبرى التي يتخبّط فيها العالم اليوم ولا يجد لها حل، وهي مشكلة الغنى والفقر، فحدّد الفقر كما تحدد الحقائق العلمية، وحث على العمل كما يحث على الفضائل العملية، وجعل بعد ذلك التحديد للفقير حقًا معلومًا في مال الغني يدفعه الغني عن طيب نفس لأنه يعتقد أنه قربة إلى الله، ويأخذه الفقير بشرف لأنه عطاء الله وحكمه، فإذا استغنى عنه عافه كما يعاف المحرم، فلا تستشرف إليه نفسه ولا تمتد إليه يده.

والقرآن هو الذي بلغ بهم إلى تلك الدرجة العالية من التربية، ووضع الموازين القسط للأقدار، فلزم كل واحد قدره، فكان كل واحد كوكبًا في مداره، وأفرغ في النفوس من الأدب الإلهي ما صيّر كل فرد مطمئنًا إلى مكانه من المجموع، فخورًا بوظيفته منصرفًا إلى أدائها على أكمل وجه، واقفًا عند حدوده من غيره، عالمًا أن غيره واقف عند تلك الحدود، فلا المرأة متبرمة بمكانها من الرجل؛ لأن الإسلام أعطاها حقّها واستيقن لها من الرجل واستوثق منه على الوفاء، ولا العبد متذمّر من وضعه من السيد؛ لأن الإسلام أنقذه من ماضيه فهو في مأمن، وحدّد له يومه فهو منه في عدل ورضى، وهو بعد ذلك من غده في أمل ورجاء ينتظر الحرية في كل لحظة وهو منها قريب، ما دام سيّده يرى في عتقه قربة إلى الله وطريقًا إلى الجنة وكفّارة للذنب.

كذلك وضع القرآن الحدود بين الحاكمين والمحكومين، وجعل القاعدة في الجميع هذه الآية: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1]، وان في نسبة الحدود إلى الله لحكمة بالغة في كبح أنانية النفوس.

القرآن إصلاح شامل لنقائص البشرية الموروثة، بل اجتثاث لتلك النقائص من أصولها، وبناء للحياة السعيدة التي لا يظلم فيها البشر، ولا يهضم له حق على أساس من الحب والعدل والإحسان، والقرآن هو الدستور السماوي الذي لا نقص فيه ولا خلل: فالعقائد فيه صافية، والعبادات خالصة، والأحكام عادلة، والآداب قويمة، والأخلاق مستقيمة، والروح لا يهضم لها فيه حق، والجسم لا يضيع له مطلب.

هذا القرآن هو الذي صلح عليه أول هذه الأمة وهو الذي لا يصلح آخرها إلا عليه ...

فإذا كانت الأمة شاعرة بسوء حالها، جادة في إصلاحه، فما عليها إلا أن تعود إلى كتاب ربّها فتحكمه في نفسها، وتحكم به، وتسير على ضوئه وتعمل بمبادئه وأحكامه، والله يؤيّدها ويأخذ بناصرها وهو على كل شيء قدير (3).

ومن الآراء التي يجب على المجتمع الإسلامي الأخذ بها، وبيان المحارم التي يجب على المجتمع الإسلامي الحذر منهل، وبيان الحدود التي حدها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يقف عندها، كما قال عز وجل: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187]، وهي المحارم نهى عن قربانها باقتراف المعاصي، كما نهى عن تعدي الحدود التي حدها لعباده وهي ما فرضه عليهم، وألزمهم به من العبادات والأحكام.

لماذا الإصلاح:

السبب الأول: إن الفساد إن لم يجد سدًّا يوقفه، ولم يكن هناك لجامًا يصده؛ سوف يستفحل وينتشر بين الناس، وتتحول الأرض إلى مستنقعات للفحش والرّذيلة، ويصبح الإنسان بلا شرفٍ ولا فضيلةٍ، وعندها ستغرق السفينة ولن ينجو منها لا صالح ولا فاسد، هذه السيدة زينب بنت جحش تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» (4).

ويحدّثنا المولى سبحانه عن فساد أهل السّبت وكيف تصدّى لهم أهل الإصلاح حتّى لا يزيد الفساد: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].

فالإصلاح صمّام أمانٍ للأمم، ووقاية للنّاس من عذاب الله.

سأحمل راية الإسلام وحدي    ولو أنّ العالمين لها أساءوا

فتلك عقيدةٌ سكنت فؤادي    كما سكنت شراييني الدّماءُ

فإن كان الفناء سبيل خلدٍ    فمرحًا ثمّ مرحًا يا فناءُ

السّبب الثّاني: الشّعور بالرّحمة والمحبّة للآخرين والحرص عليهم، كما وصف الله رسوله الصّالح المصلِح: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التّوبة: 128].

فالمصلح يغمره شعور الحب لغيره والرحمة بالناس لإنقاذهم وحمايتهم من عقاب الدنيا والآخرة، فهو يعرف الحق ويرحم الخلق، يسعى المصلح بكل قوته وقدرته ومهاراته لسد الخرق في السفينة، مخافة أن تغرق بمن فيها، يعمل هذا ليلًا ونهارًا بلا مقابلٍ وبدون أجرٍ من النّاس، ما يدفعه لهذا إلا نيل رضوان الله، كما قال الله تعالى عنهم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86].

إنّ أعظم ما يكون الإصلاح وأكمل ما تكون نتائجه، إذا قامت أركانه ودعائمه، واضطلع به أهله وذووه، عندها يؤتي الإصلاح أكله، وينتشر نوره ويعم خيره ويكسب أجره، مصداقًا لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170].

فالمصلحون انطلقوا من ركيزةٍ قويّةٍ، ومن أركانٍ متينةٍ، فحقّقوا غاياتٍ ساميةٍ، نقلوا النّاس من الشّرك إلى التّوحيد، ومن الفوضى إلى التّقوى، ومن الغواية إلى الهداية، ومن الذّل والصّغار إلى العزّ والانتصار، ومن الخلاف والفُرقة إلى الوحدة والجماعة، فكيف انطلقوا فحقّقوا؟!

أركان الإصلاح:

إن أي إصلاحٍ لا بد أن يُبنى على أركانٍ، ومن أهمّها:

الإصلاح الممنهج: إن أي عملٍ لا ينجح إلا إذا كان مخططًا له، ممنهجًا، فأهل الفساد قد اتبعوا خطواتٍ وخطط في إغواء المجتمع وإفساد الأرض، كما حذر الله تعالى من زعيم المفسدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [النّور: 21].

لذا لا بد من التصدي للفساد الممنهج بإصلاحٍ ممنهجٍ، فإنه لا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

صلاح المصلِح: إن ركن الإصلاح الأول، بل وركنه الركين هو أنت، نعم أنت، فبقدر صلاحك يكون إصلاحك، ففاقد الشيء لا يعطيه، {إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81].

من هنا قال سيد المصلحِين: «ابدأ بنفسك فاغزها، وابدأ بنفسك فجاهدها» (5).

يا له من توجيهٍ عظيمٍ في طريق إصلاح الناس وإنقاذ سفينة المجتمع، لهذا قال نبي الله شعيبٌ في إصلاح قومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]، الصلاح قبل الإصلاح.

إن أقوى ما يكون المصلح مؤثرًا؛ بل يصبح سيدًا، عندما يتخلى عن حظوظ النفس، ويقدم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، هذا ما فعله السيد المصلح الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين، كما وصفه جده صلى الله عليه وسلم فقال: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» (6).

فمن لي بقائدٍ؟ من لي بأميرٍ؟ من لي بمديرٍ؟ يتنازل عن مصلحته لمصلحة الإسلام والمسلمين؟!

النفس الطويل والتدرج: لا بدّ من الصبر والمصابرة في طريق الإصلاح والتّغيير للنّاس، فما يأتي جملةً يذهب جملةً، و{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرّعد: 38].

والله تعالى قد تدرّج في إصلاح عباده في سائر الأحكام الشرعية، فالخمر والميسر والزنا والربا حرمت على مراحل، والصلاة والصوم والزكاة والجهاد فرضت على مراحل.

والله تعالى قال لنا في إصلاح أهلنا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].

وفي هذا الحوار بين الخليفة المصلِح عمر بن عبد العزيز وابنه حِكمٌ بليغةٌ للسّائرين على دروب الإصلاح، قال عبد الملك بن عمر لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، ما يمنعك أن تقضي للذي تريد، فوالذي نفسي بيده، ما أبالي لو غلت بي وبك فيه القدور، قال: وحق هذا منك يا بني؟ قال: نعم والله، قال: الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي يعينني على أمر ربي، يا بني، لو بدهت الناس بالذي تقول لم آمن أن ينكروها، فإذا أنكروها لم أجد بدًا من السيف، ولا خير في خير لا يأتي إلا بالسيف، يا بني، إني أروض الناس رياضة الصعب، فإن يطل بي عمر فإني أرجو أن ينفذ الله لي شيئًا، وإن تعد علي منية فقد علم الله الذي أريد (7).

الإصلاح الجماعي: عندما ينتشر الفساد ويضرب أوتاده في الأرض ويقتل النفس وينتهك العرض، عند ذلك لا بد من ثورةٍ إصلاحيةٍ شاملةٍ، تستأصل الباطل من جذوره وتنهي الفساد من أوكاره، وهذا ما فعله الأنبياء والمرسلون، فقد ثاروا على الضّلال العقائدي والاستبداد السياسي والفساد المجتمعي، وقالوا لأقوامهم: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56].

ولا شك أن الإصلاح أمر يراد؛ ولكن لنيل ما يراد من إصلاح هناك خطوات لا ينال الإصلاح إلا بها.

الاعتصام بالله ونبذ الفرقة والإخلاص في السعي نحو الإصلاح، فإن أهل الإصلاح لا بد أن يجتمعوا ويتحدوا في محاربة أهل الإفساد، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

ولا يستساغ أن يركن أهل الإصلاح بحال إلى أهل الإفساد، قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمْ النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون الله مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود:113].

ولا بد قبل كل شيء من مجاهدة النفس لإخلاص العمل في سبيل الإصلاح لله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5].  

إصلاح الفرد لبنة إصلاح المجتمع: فالفرد هو وحدة تكوين المجتمع فإن أردنا إصلاح المجتمع لابد من إصلاح الفرد بداية، فعندما تتحدث عن فساد الأخلاق في مجتمع، انظر إلى أخلاق الفرد في هذا المجتمع كيف تمت تربيته وما مدى وجود الدين في حياته، وما هو الخط الذي رسم له في المجتمع من حوله كخط أحمر بين حسن الخلق وسوء الخلق، تفحص التعليم الذي تلقاه، ألقي نظرة على الإعلام الذي يتفاعل معه معظم وقته، ستجد الفرد في مجتمعاتنا بعيدًا عن تعاليم دينه محاطًا بسياج من الفوضى في التعليم ودمار في الإعلام وهلامية لا يكاد يعرف معها كيف يكون فردًا صالحًا مصلحًا في مجتمعه.

فعند رغبتنا في الإصلاح لا بد من ربط الفرد بتعاليم دينه الحنيف الذي يحضه على كل خير وينهاه عن كل شر، ولا بد من تعليمه جديًا بشكل يؤهله أن يكون فردًا صالحًا مُصلحًا في مجتمعه، وذلك بعد توفير حياة محترمة كريمة كحق أصيل له.  

الاعتراف بالخطأ وتحديده أول الطريق نحو الإصلاح: فأكثر ما يفشل أي إصلاح هو اعتبار الخطأ المتعمد (الإفساد)، أو الغير متعمد (التهور) تجربة لا تستحق حتى أن نقف عندها أو نأخذ منها أي فائدة، واعتبار أن معاقبة المخطئ درب من درب الخيال، واعتبار الاعتراف بالخطأ كبيرة من الكبائر أو فضيحة من الفضائح، وهذا منافي لما يفترض أن يكون عليه مريدو الإصلاح، فتحديد الخطأ والاعتراف به يدفعك للبحث عن أسبابه لتأخذ بعد ذلك على كاهلك بكل جد عدم تكرار هذا الخطأ من جديد والانطلاق نحو الإصلاح الحقيقي.  

كسر العوائق: فمن أكبر عوائق الإصلاح عائق الإفساد، فهناك في مجتمعاتنا أناس تشربوا الفساد أو أقروه بتعاملهم مع الفساد والمفسدين بكثير من التبعية أو اللامبالاة، فهم لا يريدون أي إصلاح، بل يقفون أمام مريدو الإصلاح؛ لأنهم سيحطمون بالإصلاح ممالك الفساد التي يريد لها أصحابها أن تستمر، أو لأنهم سيفضحون بالإصلاح هؤلاء المقرين للفساد بالتبعية أو اللامبالاة، فعلى مريدو الإصلاح التعامل مع عائق الإفساد بشيء من الحزم والردع، مع الحرص على عدم السير في ركب أرباب هذا العائق بأي حال من الأحوال.

ومن أكبر عوائق الإصلاح أيضًا عائق التهور، فيلزم المصلحين مراعاتهم الحكمة في الإصلاح وتقديم الأولى وتأخير الأقل أولوية، مع التسليم بأن أهل الإصلاح دائمًا مبتلون، ولهم في رسل الله وأنبياءه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهم أعظم المصلحون أسوة حسنة.  

التخطيط والمتابعة: فيلزم أهل الإصلاح في طريقهم خطط ذكية تراعي الواقع وتلمسه، فالعشوائية لا تجدي أبدًا ولا تأتي بإصلاح، لا سيما وإن أهل الإفساد على الدوام يعملون وفق خطة وترتيب، وكأنهم في غرفة عمليات يديرون من خلالها الحرب مع الإصلاح والمصلحين، ثم متابعة هذه الخطط وإضافة ما يقويها وفق المستجدات والمعطيات التي تتاح في كل خطوة من خطوات تطبيق هذه الخطط، ولا يلزم المصلحون أن ترى أعينهم الإصلاح الكامل الذي يريدونه؛ بل عليهم السعي على الطريق القويم وبذل كل ما في وسعهم حتى تأتيهم منيتهم وهم على ذلك (8).

***

______________

(1) الموطأ (783).

(2) عوامل إصلاح المجتمع - ابن باز.

(3) آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (4/ 95).

(4) أخرجه البخاري (7135).

(5) أخرجه الطيالسي (2391).

(6) أخرجه البخاري (3629).

(7) أخرجه ابن أبي شيبة (35091).

(8) خطوات نحو الإصلاح/ طريق الإسلام.