logo

الإسراف في القرآن وواقعنا المعاصر


بتاريخ : الاثنين ، 22 ربيع الآخر ، 1445 الموافق 06 نوفمبر 2023
بقلم : تيار الاصلاح
الإسراف في القرآن وواقعنا المعاصر

قال الماوردي: وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح، فربما كان في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافًا، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف (1).

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» (2).

قال العيني: قوله: وإضاعة المال هو صرفه في غير ما ينبغي (3).

والأكثر حملوه على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا؛ سواء كانت دينية أو دنيوية، فمنع منه لأن الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح؛ إما في حق مضيعها، وإما في حق غيره (4).

وذكر القاري عن الطِّيبي قوله: قيل: والتقسيم الحاصر فيه الحاوي بجميع أقسامه أن تقول: إنَّ الذي يصرف إليه المال، إما أن يكون واجبًا، كالنفقة والزكاة ونحوهما، فهذا لا ضياع فيه، وهكذا إن كان مندوبًا إليه، وإما أن يكون مباحًا، ولا إشكال إلا في هذا القسم، إذ كثير من الأمور يعدُّه بعض الناس من المباحات، وعند التحقيق ليس كذلك، كتشييد الأبنية وتزيينها، والإسراف في النفقة، والتوسع في لبس الثياب الناعمة والأطعمة الشهية اللذيذة، وأنت تعلم أن قساوة القلب وغلظ الطبع يتولد من لبس الرقاق، وأكل الرقاق، وسائر أنواع الارتفاق، ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة، وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب، حتى تضيع وتهلك، وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤة والسيف يكسران، وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات، وإيتاء المال صاحبه وهو سفيه حقيق بالحجر، وهذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق الذي هو منبع الأخلاق الحميدة، والخلال الجميلة (5).

يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6].

ينهى تعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قيامًا، أي: تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها، ومن هاهنا يؤخذ الحجر على السفهاء، وهم أقسام: فتارة يكون الحجر للصغر؛ فإن الصغير مسلوب العبارة، وتارة يكون الحجر للجنون، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين، وتارة يكون الحجر للفلس، وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه (6).

قال ابن عاشور: والإسراف هو الإفراط في الإنفاق والتوسع في شئون الملذات، وليس المقصود تقييد النهي عن الأكل بذلك الشرط؛ بل المقصود تشويه حالة الأكل (7).

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، يتحدد معنى الإسراف في هاتين الآيتين بتجاوز حدّ الاعتدال في الأكل والشرب، وفيها تقرير أن المبالغة وتجاوز حد الاعتدال في الأكل والشرب تُبعد العبد من محبة الله وتُقربه من سخطه وغضبه.

أي: لا تسرفوا في هذه الأشياء ولا في غيرها، ويؤيده تعليل النهي بأنه تعالى لا يحب جنس المسرفين؛ أي لأنهم يخالفون سننه في فطرتهم، وشريعته في هدايتهم، بجنايتهم على أنفسهم في ضرر أبدانهم، وضياع أموالهم، وغير ذلك من مضار الإسراف الشخصية والمنزلية والقومية (8).

والله تعالى يحب إحلال ما أحل، وتحريم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به، فلا يصح تجاوز الحد الطبيعي كالجوع والعطش والشّبع والرّي، ولا المادي بأن تكون النفقة بنسبة معينة من الدّخل لا تستأصله كله، ولا الشرعي فلا يجوز تناول ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله، والخمر، إلا للضرورة، ولا يحل الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، ولا لبس الحرير الطبيعي أو تشبه الرجال بالنساء أو بالعكس (9).

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس: 12].

وعبر اللَّه عن الجاحدين المنكرين الذين لَا يرجون لقاءه بالمسرفين؛ لأنهم أسرفوا على أنفسهم فاعتقدوا الباطل، واعتقدوا أن الحياة الدنيا هي الوجود كله، وأسرفوا على الناس فطغوا وبغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد (10).

واختير لفظ المسرفين لدلالته على مبالغتهم في كفرهم، فالتعريف في المسرفين للاستغراق ليشمل المتحدث عنهم وغيرهم.

وأسند فعل التزيين إلى المجهول؛ لأن المسلمين يعلمون أن المزين للمسرفين خواطرهم الشيطانية، فقد أسند فعل التزيين إلى الشيطان غير مرة، أو لأن معرفة المزين لهم غير مهمة ها هنا، وإنما المهم الاعتبار والاتعاظ باستحسانهم أعمالهم الذميمة استحسانًا شنيطًا(11).

وأما عن الإسراف في الظلم والبغي، فقد قال ربنا تبارك وتعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الدخان: 30- 31].

والمسرفون في هاتين الآيتين هم الذين تجاوزوا الحدّ في الظلم وبالغوا في استعباد الناس وإهانتهم.

ولم تذكر الآيات متعلق الإسراف ليشمل كل ما يكرهه الناس من رعونات الملوك من أمثال فرعون، وقوله: {مِّنَ الْمُسْرِفِينَ} أبلغ في الوصف بالإسراف لأنه يفيد أنه من جملتهم ومشارك لهم في قبيح أفعالهم.

{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء: 9]، والمسرفون في سياق هذه الآية هم المكذبون بالرسل المنكرون للنبوة، فكأن الإسراف هنا هو تجاوز الحدّ في إهمال مقتضى العقل السليم والركون إلى الأباطيل في تفسير الوجود.

{وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)} [الشعراء: 151- 152]، والمسرفون في هذه الآية هم الذين يعيشون نموذج حياة يعود على الأرض بالفساد في الحرث والنسل، وتضطرب فيه أحوال الناس وتبتعد عن الصلاح والإصلاح.

والمسرفون هم الذين يخرجون بطبيعتهم البشرية عن حد الاعتدال، إلى حد الإسراف، فيسرفون في شهواتهم حتى يصيروا عبيدًا للشهوات، ويسرفون في أوهامهم، فيحسبون ما تدفع إليه الأوهام حقيقة، وليست إلا وهمًا باطلًا، ويسرفون في طلب السلطان فلا يحسبون أنه لإقامة العدل والقسطاس المستقيم، ويسرفون في القوة فلا يحسبونها لحماية الضعفاء، بل يظنونها للاستعلاء والاستكبار عليهم، وليجعلوهم عبيدًا أذلاء.

وهكذا كان المسرفون مفسدين لنفوسهم ولمجتمعهم؛ ولذا قال تعالى في وضعهم العام: {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}، وصف الله تعالى المسرفين في ذات أنفسهم أنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ذلك بأنهم بإسرافهم على أنفسهم في شهواتهم، وقواتهم، وغرائزهم يميلون إلى الأثرة فيجعلون كل ما وهبهم الَه لأنفسهم، وليس لغيرهم حق من الحقوق، فيكون الاعتداء الظالم، ويكون التغالب لسيطرة الباطل، وهضم الحقوق، وأي فساد للناس أكثر من أن يكون قانون الغابة هو الحكم بين الناس، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].

فالمسرفون يفسدون دائمًا ولا يصلحون، قرر الله لهم وصفين: إيجابي، وهو الفساد المترتب على إسرافهم، والوصف الثاني سلبي فقال: {وَلَا يُصْلِحُونَ} أي لَا يمكن أن يكون منهم إصلاح كالذي يدعيه الطغاة من الحكام، والأقوياء من الأمراء من أنهم يصلحون بين الناس، وإن الوجود في حاجة إليهم، ولا نشعر، فهذا النص السامي يرد كلامهم في أعناقهم، إلا أن يخرجوا عن إسرافهم في نفوسهم، وعلى مجتمعهم (12).

وقد ورد الإسراف في سورة غافر في مقالة مؤمن آل فرعون ثلاث مرات، وذلك قوله: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43]، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28]، {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر: 34].

ونفهم من سياق الحديث أن الله سبحانه جعل الإسراف سببًا للحرمان من الهداية، وسببًا للتمادي في الضلال، وسببًا كذلك لاستحقاق النار في الآخرة، فالإسراف هو نموذج حياة يحرم المرء من النظر والاعتبار والانتباه إلى موارد العظة والتذكير.

{وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء: 26- 27]، قال ابن عاشور: التبذير إنفاق المال في غير وجهه وهو مرادف للإسراف، فإنفاقه في الفساد تبذير ولو كان قليلًا، وإنفاقه في المباح إذا بلغ حد السَرَف تبذير، وإنفاقه في وجوه الخير والصلاح ليس بتبذير (13).

وعند تأمل الآيات التي تحدثت عن الإسراف لاكتشاف المعنى الذي يجمعها في سلك واحد ويجعلها تستحق سخط الله تعالى وكراهية المتورطين فيه؛ نجد أن الآيات تصور نموذج حياة ونمط معيشة وطريقة تفكير ومزاج وعقلية تتصف بالمبالغة في الملذات والزينة، والاعتقاد باستحقاق ما يتمكن الإنسان من امتلاكه منها، حتى يستولي عليه هذا الاعتقاد فلا يدع له مجالًا للتفكير الجدي بحقوق الفقراء والمساكين، أو المساهمة في رفع الفساد في الأرض برواج المنافع وتحري العدل في توزيعها.

ويصل الأمر بهذه المبالغة في الملذات أن يعيش الإنسان حياة مادية تتجاوز ضوابط الفطرة، وتصرفه عن التفكير بما يجب لخالقه ورازقه من الإيمان به والخضوع له وشكر نعمه، والبعد عن التوسط والاعتدال في التمتع بها، أو عن استعمالها في معصيته.

إن المذاهب الرأسمالية ترى أن المحرك الأساس للإنتاج هو الطلب؛ فحيثما وجد الطلب وجد الإنتاج، ومن ثم فإن الإعلانات التجارية تتولى فتح شهية المستهلك للاستهلاك، وتلقي في روعه أنه إذا لم يستهلك السلع المعلن عنها فسيكون غير سعيد، وغير فعال، وسيظهر بمظهر غير لائق، وهذا كله جعل الناس يلهثون خلف سلع كمالية، ويبكون عليها كما يبكي المولود في طلب الرضاعة، وأضحى رب الأسرة المستورة يستدين بالربا من البنوك لتلبية رغبة أسرته في السفر للخارج، أو لإقامة حفلة زواج لابنه أو ابنته تليق بواقع الناس، وهكذا يقال في العمران والأثاث والمراكب والملابس والمطاعم وغيرها، بينما منهج الإسلام تربية الناس لا على الاستهلاك وإنما على الاستغناء عن الأشياء بدل الاستغناء بها حتى لا تستعبدهم المادة كما هو حال كثير من الناس اليوم؛ إذ أصبحوا منساقين بلا إرادة ولا تبصُّر إلى الإسراف وهدر الأموال فيما لا ينفع تقليدًا للغير (14).

أسباب الإسراف

 وللإسراف أسباب وبواعث توقع فيه وتؤدي إليه، ونذكر منه:

النَّشأة الأولى:

فقد يكون السبب في الإسراف إنما هي النشأة الأولي، أي الحياة الأولي، ذلك أن المسلم قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي إلا من رحم الله على حد قول القائل:

وينشئ ناشئ الفتيان منا        على ما كان عوده أبوه

السعة بعد الضيق:

وقد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، ذلك أن كثيرًا من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر وهم صابرون محتسبون؛ بل وماضون في طريقهم إلى ربهم، وقد يحدث أن تتغير الموازين وأن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تمامًا، فيكون الإسراف أو التبذير.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» (15).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (16).

صحبة المسرفين:

وقد يكون في الإسراف إنما هي صحبة المسرفين ومخالطتهم، ذلك أن الإنسان غالبًا ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، لا سيما إذ طالت هذه الصحبة، وكان هذا الصاحب قوى الشخصية شديد التأثير.

الغفلة عن زاد الطريق:

وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن زاد الطريق، ذلك أن الطريق الموصلة إلى رضوان الله والجنة ليست طريقًا مفروشة بالحرير والورود والرياحين؛ بل بالأشواك والدموع والعرق والدماء والجماجم، وولوج هذه الطريق لا يكون بالترف والنعومة والاسترخاء، وإنما بالرجولة والشدة، ذلك هو زاد الطريق، والغفلة عن هذا الزاد توقع المسلم العامل في الإسراف.

ولعلنا بذلك ندرك سر حديث القرآن المتكرر المتنوع عن طبيعة الطريق: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] إلى غير ذلك من الآيات.

الزوجة والولد:

وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الزوجة والولد، إذ قد يبتلى المسلم بزوج وولد دأبهم وديدنهم الإسراف، وقد لا يكون حازمًا معهم فيؤثرون عليه وبمرور الأيام وطول المعاشرة ينقلب مسرفًا مع المسرفين.

الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا:

وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا، وما ينبغي أن تكون ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحد؛ بل هي متقلبة تكون لك اليوم وعليك غدًا، وصدق الله العظيم: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}

[آل عمران: 140].

والواجب يقتضي أن نكون منها على وجل وحذر: نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة ووقت إلى الغد، أو بعبارة أخرى: ندخر من يوم إقبالها ليوم إدبارها.

التهاون مع النفس:

وقد يكوون السبب في الإسراف التهاون مع النفس، ذلك أن النفس البشرية تنقاد وتخضع ويسلس قيادها بالشدة والحزم، وتتمرد وتتطلع إلى الشهوات، وتلح في الانغماس فيها بالتهاون واللين، وعليه فإن المسلم العامل إذا تهاون مع نفسه ولبى كل مطالبها أوقعته لا محالة في الإسراف.

الغفلة عن شدائد وأهوال يوم القيامة:

وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن الشدائد وأهوال يوم القيامة، ذلك أن يوم القيامة يوم فيه من الشدائد والأهوال ما ينعقد اللسان وتعجز الكلمات عن الوصف والتصوير، ومن ظل متذكرًا ذلك متدبرًا فيه قضى حياته غير ناعم بشيء في هذه الحياة الدنيا، أما من غفل عن ذلك فإنه يصاب بالإسراف والترف، بل ربما ما هو أبعد من ذلك.

ولعلنا بهذا ندرك شيئًا من أسرار دوام خشيته صلى الله وعيه وسلم لربه وقلة تنعمه ونيله من الحياة الدنيا، يقول صلى الله عليه ويسلم: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا» (17).

نسيان الواقع الذي تحياه البشرية عمومًا:

وقد يكون السبب في الإسراف إنما هو نسيان الواقع الذي تحياه البشرية عمومًا والمسلمون على وجه الخصوص؛ ذلك أن البشرية اليوم تقف على حافة الهاوية، ويوشك أن تتزلزل الأرض من تحتها فتسقط أو تقع في تلك الهاوية، وحينئذ يكون الهلاك أو الدمار، أما المسلمون فقد صاروا إلى حال من الذل والهوان يرثى لها ويتحسر عليها، ومن بقي مستحضرًا هذا الواقع، وكان متبلد الحس ميت العاطفة فإنه يمكن أن يصاب بالترف والإسراف والركون إلى زهرة الدنيا وزينتها.

ولعلنا بذلك ندرك شيئًا من أسرار حزنه واهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر البشرية قبل البعثة وبعدها حتى عاتبه ربه ونهاه عن ذلك: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].

الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف:

وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف ذلك أن للإسراف آثارًا ضارة وعواقب مهلكة.

ولقد عرف من طبيعة الإنسان: أنه غالبًا ما يفعل الشيء أو يتركه إذا كان على ذكر من آثاره وعواقبه، أما إذا غفل عن هذه الآثار فإن سلوكه يختل وأفعاله تضطرب فيقع أو يسقط فيما لا ينبغي ويهمل أو يترك ما ينبغي.

وعليه فإن المسلم العالم إذا غفل عن الآثار المترتبة على الإسراف يكون عرضة للوقوع في الإسراف، ولعلنا بذلك نفهم السر في اهتمام الإسلام بذكر الحكم والمقاصد المنوطة بكثير من الأحكام والتشريعات (18).

الجهل بتعاليم الدين:

جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فلو كان المسرف مطلعًا على القرآن الكريم والسنة النبوية لما اتصف بالإسراف الذي نهي عنه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}، وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)}

[الواقعة: 41- 45].

ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي مما يؤدي به إلى الإسراف، جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنهما مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فأنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف (19).

حب الظهور والتباهي:

وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله (20).

آثارُ الإسراف:

هذا وللإسراف آثار ضارة وعواقب مهلكة، سواء على العاملين أو على العمل الإسلاميِّ، وإليك طرفًا من هذه الآثار:

علَّة البدن:

ذلك أن هذا البدن محكوم بطائفة من السنن والقوانين الإلهية بحيث إذا تجاوزها الإنسان بالزيادة أو بالنقص تطرقت إليه العلة، وحين تتطرق إليه العلة فإنه يقعد بالمسلم عن القيام بالواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتقه أو المنوطة به.

قسوة القلب:

ذلك أن هذا القلب يرق ويلين بالجوع أو بقلة الغذاء ويقسو ويجمد بالشبع أو بكثرة الغذاء سنة الله {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]، وحين يقسو القلب أو يجمد فإن صاحبه ينقطع عن البر والطاعات، والويل كل الويل لمن كانت هذه حالة {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ} [الزمر: 22]، وحتى لو جاهد المسلم نفسه وقام بالبر والطاعات فإنه لا يجد لها لذة ولا حلاوة؛ بل لا يجنى من ورائها سوى النصب والتعب.

خمول الفكر:

والأثر الثالث الذي يترتب على الإسراف إنما هو خمول الفكر؛ ذلك أن نشاط الفكر وخموله مرتبط بعدة عوامل، البطنة أحدها، فإذا خلت البطنة نشط الفكر، وإذا امتلأت اعتراه الخمول حتى قالوا قديمًا: إذا امتلأت البطنة نامت الفطنة.

ويوم أن يصاب الفكر بالخمول يوم أن يحرم المسلم الفقه والحكمة وحينئذ يفقد أخص الخصائص التي تميزه عن باقي المخلوقات.

تحريك دواعي الشر والإثم:

ذلك أن الإسراف يولد في النفس طاقة ضخمة، ووجود هذه الطاقة من شأنه أن يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على المسلم العامل الوقوع في الإثم والمعصية إلا من رحم الله، ولعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على الصوم لمن لم يكن قادرًا على مؤن النكاح، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (21).

الانهيار في ساعات المحن والشدائد:

فالمسرف قضى حياته في الاسترخاء والترف؛ فلم يألف المحن والشدائد، ومثل هذا إذا وقع في شدة أو محنة لا يلقى من الله أدنى عون أو تأييد، فيضعف وينهار؛ لأن الله عز وجل لا يعين ولا يؤيد إلا من جاهد نفسه وكان صادقًا مخلصًا في هذه المجاهدة {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

عدم الرعاية أو الاهتمام بالآخرين:

فالإنسان المسرف لا يرعى الآخرين، ولا يهتم غالبًا إلا إذا أضناه التعب وعصبته الحاجة، فالمسرف مغمور بالنعمة من كل جانب فأنى له أن يفكر أو يهتم بالآخرين.

اللجوء إلى الحرام:

الإسراف يرفع مستوى معيشة الفرد والأسرة رفعًا كاذبًا يفوق الدخل الحقيقي المستمر، ثم لا تكاد المكاسب الجانبية تزول ولا يبقى سوى الدخل الحقيقي، حتى يلجأ كثير من المسرفين إلى طرق شريفة وغير شريفة لاستمرار التدفق النقدي وتحقيق المستوى العالي من الإنفاق الذي اعتادوه فتمتد اليد بشكل أو بآخر فيقعوا تحت وطأة الكسب الحرام، ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي به موارده، فيضطر تلبية وحفاظًا على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام.

الإسراف نوع من التسرع والتهور:

الإسراف نوع من التهور والتسرع، وعدم التبصر بعواقب الأمور، وقد يكون دليلًا على الاستهتار وعدم الحكمة في تحمل المسئولية، وكل ذلك يؤدي إلى وخيم العواقب، وسيء النتائج، فهو يقتل حيوية الأمة ويؤدي بها إلى البوار والفساد، ويملأ القلوب حقدًا وضغينة، ويقضي على حياة الأمن والاستقرار، كما أن فيه كسرًا لنفوس الفقراء وبطرًا لأهل الغنى (22).

الطريق لعلاج الإسراف:

1- التفكر في الآثار والعواقب المترتبة على الإسراف؛ فإن ذلك من شأنه أن يحمل على تدارك الأمر والتخلص من الإسراف قبل فوات الأوان.

2- الحزم مع النفس: وذلك بفطمها عن شهواتها ومطالبها، وحملها على الأخذ بكل شاق وصعب من قيام ليل إلى صوم تطوع إلى صدقة إلى مشى على الأقدام إلى حمل الأثقال .... ونحو ذلك.

3- دوام النظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته: فإنها مليئة بالتحذير من الإسراف، بل ومجاهدة النفس والأهل، والعيش على الخشونة والتقشف.

عن عروة، عن عائشة، أنها قالت لعروة: ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه (23).

وتقول أيضًا: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم وحشوه من ليف (24).

4- النظر في سيرة سلف هذه الأمة، من الصحابة المجاهدين والعلماء العاملين: فقد اقتدى هؤلاء به صلى الله عليه وسلم، فكان عيشهم كفافًا، ولا هم لهم من الدنيا إلا أنها معبر أو قنطرة توصل للآخرة.

دخل عمر بن الخطاب على ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما فرأى عنده لحمًا، فقال: ما هذا اللحم؟ قال: أشتهيه! قال: وكلما اشتهيت شيئًا أكلته؟ كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كلَّ ما اشتهاه (25).

5- الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوي الهمم العالية والنفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كل حياتهم من أجل حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض، غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله، فإن ذلك من شأنه أن يقضى على كل مظاهر السرف والدعة والراحة، بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى، لنكون ضمن قافلة المجاهدين وفي موكب السائرين.

6- دوام التفكر في الموت، وما بعده من شدائد وأهوال، فإن ذلك أيضًا يعين على نبذ كل مظاهر الإسراف والترف، ويحول دون الوقوع فيها مرة أخرى استعدادًا لساعة الرحيل ويوم اللقاء.

9- تذكر طبيعة الدنيا، وما فيها من متاعب وآلام، وأن زادها ما يكون بالإسراف والاسترخاء والترف بل بالخشونة والحزم والتقشف، فإن ذلك له دور كبير في علاج الإسراف ومجاهدة النفس والقدرة على اجتياز وتخطى المعوقات والعقبات (26).

---------

 (1) النكت والعيون (1/ 453).

(2) أخرجه البخاري (2408)، ومسلم (1715).

(3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 34).

(4) فتح الباري لابن حجر (10/ 408).

(5) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3082).

(6) تفسير ابن كثير 2/ 214).

(7) التحرير والتنوير (4/ 244).

(8) تفسير المنار (8/ 342).

(9) التفسير المنير للزحيلي (8/ 184).

(10) زهرة التفاسير (7/ 3528).

(11) التحرير والتنوير (11/ 112).

(12) زهرة التفاسير (10/ 5392).

(13) التحرير والتنوير (15/ 79).

(14) الإسراف في الأموال والمتاع/ ملتقى الخطباء.

(15) أخرجه البخاري (6425).

(16) أخرجه مسلم (2742).

(17) أخرجه البخاري (1044).

(18) كلوا واشربوا ولا تسرفوا/ موقع المسلم.

(19) كنز العمال (15/ 433).

(20) الإسراف والتبذير/ إسلام ويب.

(21) أخرجه البخاري (5065).

(22) الآفة الثانية – الإسراف/ الكلم الطيب.

(23) أخرجه البخاري (6459).

(24) أخرجه البخاري (6456).

(25) الزهد والرقائق لابن المبارك (1/ 266).

(26) كلوا واشربوا ولا تسرفوا/ موقع المسلم.