logo

الأهداف الدعوية


بتاريخ : الثلاثاء ، 30 جمادى الأول ، 1440 الموافق 05 فبراير 2019
بقلم : تيار الاصلاح
الأهداف الدعوية

إن للدعوة إلى الله تعالى أهدافًا يجب العمل من أجل تحقيقها، وعلى الداعية أن يرتب أهدافه ويراعي سلّم الأولويات في تحقيقها، فيبدأ من الأهم ثم المهم، فبناء الفرد المسلم مثلًا مقدم على بناء الأسرة المسلمة، التي هي بدورها مقدمة على بناء المجتمع والأمة.

وإن تحقيق الأغراض أو الأهداف المنشودة يتطلب حكمةً معينةً ومهارةً فائقةً، وذكاءً وحصافة، وتخطيطًا ودراسة(1).

قال الإمام أحمد بن حنبل: «الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، يقبلونهم في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربهم، وما كان ربك نسيًا، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالهم، فلا نقصد عنهم فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة»(2).

ولكن المتابع للأعمال الدعوية القائمة الآن يلاحظ ضعف وانعدام التخطيط في العمل الدعوي؛ مما أسهم في إضاعة الكثير من جهود الدعاة، وأضعف ثمار أعمالهم الدعوية، وجعل كثيرًا من البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط، ولتكون أرقامًا تضاف إلى أعداد البرامج المنفذة.

لذا فإن أي عمل لكي يكتب له النجاح لا بد له من خطة ودراسة توضح أهدافه ومقاصده؛ لأن من أهم أسباب نجاح الأعمال التخطيط المسبق لها، والدعوة إلى الله من أهم وأشرف الأعمال؛ لذا لا بد من خطة تتحقق من خلالها الأهداف الدعوية.

أنواع الأهداف الدعوية:

الأهداف هي الغايات المراد الوصول إليها، وتنقسم الأهداف الدعوية إلى نوعين أساسيين، هما:

- أهداف خاصة وجزئية ومحددة.

- أهداف عامة وكلية.

فالهدف المحدد: وهو عبارات محددة، تبين النتائج التي تريد إدارة المؤسسة تحقيقها في سبيل تحقيق الأهداف العامة، وهي تصاغ بشكل كمي ورقمي يجعلها قابلة للقياس.

خصائص الأهداف المحددة:

1- تركز على نتائج محددة.

2- تصاغ بعبارات أو بأسلوب كمي أو رقمي.

3- قابلة للقياس.

4 - مرتبطة بإطار زمني محدد.

5- يختلف مداها الزمني باختلاف المستوى الإداري، فهي تتراوح بين قصيرة وطويلة المدى.

6- تكون على مستوى إدارات المؤسسة، وليس على مستوى المؤسسة ككل.

7- تستمد من الأهداف العامة، وتعمل على تحقيقها.

الأهداف العامة:

وهي ثلاثة أنواع:

أ- أهداف طويلة المدى (3 – 5 سنوات).

ب- أهدف متوسطة المدى ( 2/1 – 2 سنة).

ج- أهداف قصيرة المدى (أهداف يومية – أسبوعية – شهرية – ربع سنوية).

خصائص الأهداف العامة:

1- تصاغ في عبارات وصفية عامة.

2- توحد الجهود الجماعية.

3- تحدد الاتجاه العام، وليس نتائج محددة بعينها.

4- غير قابلة للقياس.

مزايا وضع الأهداف:

1- الأهداف تركز وتوجه الاهتمام إلى النتائج النهائية، وليس النشاطات التي يقوم بها الأفراد لتحقيق النتائج.

2- الأهداف مقياس للرقابة، وتقييم الأداء أثناء التنفيذ.

3- يحقق إنجاز الأهداف الشعور بالرضا.

4- تحول دون إهدار الوقت.

5- تساعد الأهداف في وضع خطة متكاملة متناسقة مع بعضها.

صفات الهدف الجيد:

1- واقعي: لا يكون فيه مغالاة في الطموح والتفاؤل.

2- ملائم: أن يكون جدير بالاهتمام والجهد، ويساهم في تحقيق الأهداف العامة.

3- قابل للقياس: مكتوب بصيغة كمية (أرقام – نسبة – تاريخ).

4- واضح ومفهوم، يمكن تحقيقه.

5- متناسق: لا يتعارض مع بقية الأهداف لإدارة المؤسسة.

6- مؤقت.

7- محدد: يركز على نتيجة وليس عدة نتائج.

8- مؤثر أن يحدث اختلافًا أو تغييرًا جذريًا.

9- أن يصاغ باستخدام ألفاظ سلوكية: وهي ما يدل على ما يفعله أو يقوله الإنسان أو يلاحظه الآخرون؛ مثل: ينفذ، يدرب، يحصل على، يحقق، يزيد.

فهذه الألفاظ يمكن ملاحظتها وبالتالي قياسها.

أما الألفاظ غير السلوكية؛ مثل: يتعرف على، يفهم، يلم بـ، يدرك...

فهذه ألفاظ تدل على أشياء لا يمكن ملاحظتها أو قياسها(3).

وسائل تحقيق الأهداف:

لا يتصور تحقيق أي هدف بدون وسيلة توصل إلى هذا الهدف، والنشاط الدعوي يحتاج إلى وسائل وأساليب تحقق أهدافه، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «إن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر لا بد فيما يدعو إليه من أمرين:

أحدهما: المقصود المراد.

الثاني: الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود؛ فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله وتارة إلى سبيله، فإنه سبحانه هو المعبود المراد المقصود بالدعوة»(4).

والوسائل لها أحكام المقاصد، وحيث إن مقصود الدعوة إلى الله هي هداية الناس، فكل وسيلة تؤدي إلى هذا المقصود وتحققه دون أن يعارضها نهي شرعي فإنها تكون في دائرة المشروعية والاعتبار.

واختيار الوسيلة المناسبة سبب في تحقيق المقصود، وللوسيلة والأسلوب في أي شيء قيمة كبيرة، قد تزيد في بعض الظروف والأوضاع على قيمة المضمون، وقد قالوا من قبل: ليس المهم ما قيل، ولكن كيف قيل.

كما يجب عند اختيار الأنشطة التي تحقق هدفًا ما أن تقيم هذه الأنشطة، ومدى فاعليتها، ومدى الاستفادة منها، ونسبة تحقيقها للهدف، وتكون الأولوية للأنشطة التي تحقق الهدف بنسبة أكبر؛ وذلك حتى تتركز الجهود بصورة أكبر.

كما يجب عدم الاكتفاء فقط بالوسائل والأساليب المتعارف عليها، والتي تنفذ في جميع الأنشطة؛ مثل: المحاضرات، الندوات، المسابقات، الملتقيات، البرامج المفتوحة، توزيع المطويات والأشرطة، وغيرها من الوسائل.

بل يجب التجديد والابتكار لوسائل جديدة جذابة ترغب المشاركة فيها، ونكسب عن طريقها شرائح جديدة في المجتمع.

مفاهيم مهمة لتحقيق الأهداف الدعوية:

أولًا: الإيجابية الذاتية:

لقد ربى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذه الصفة الحميدة، ألا وهي الاندفاع الذاتي والإيجابية في جميع أمورهم، فكان كل فرد يستشعر المسئولية الملقاة على عاتقه، ويؤديها حتى ولو كان وحده، وأكبر مثال على ذلك قول أبي بكر رضي الله عنه في حروب الردة، وموقفه من قتالهم حتى ولو كان وحده.

ولعل الدوافع التي تدفع الإنسان إلى هذه الإيجابية هي كالتالي:

1– فردية التكليف:

إن أول دوافع الإيجابية، التي يجب أن يتذكرها الداعية، هو أن مناط التكليف فردي، وأن كل سيحاسب يوم القيامة فردًا، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ومن الإيمان بهذا المنطلق يجب أن ينحصر تفكير الداعية فيما يجلب له الأجر ويقربه إلى الطاعة دون أن يكون تبعًا، وأن يملك زمام المبادرة إلى الطاعات دون الالتفات إلى عمل فلان أو قول فلان، ولا يجب أن تفقده نشوة الطاعة ولا تثبطه أثقال المعصية، ولا ينتظر الإذن بالعمل من شخص ما إلا ما كان جزءًا من خطة، كما أن عليه ألا يرنو ببصره إلى غيره، فقد يكون لهم من الأعذار ما يمنعهم.

2– لا تكلف إلا نفسك:

لقد توارد معنى الإيجابية وتكرر في القرآن الكريم بصور شتى وأساليب متنوعة؛ ليتركز مفهوم فردية التكليف؛ وبالتالي دافعية العمل، ومنها أوضح آية تحدد معنى الإيجابية، ألا وهي قول الله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:84].

3– القاعد مغبون:

وعلى المسلم أن يتذكر دومًا أنه مغبون ما دام في صحة وعافية وعنده رزقه، وألا يفوت شيئًا من أوقاته، أو يضيع عمره سدى؛ لأن كلًا من صحته وفراغه رأس ماله في الحياة الدنيا، وعليه أن ينفقهما في سبيل الله، طلبًا لربح الآخرة، ولإضاعة الوقت وإدراكه المرض أو الهم غبن، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»(5).

4– الإيجابية إعذار إلى الله:

وقد تؤدي الإيجابية إلى كثير من العمل الإسلامي بذاتها، كما أن لها نتائج باهرة، فمنها وما يتفرع عنها من علم وعمل ومعذرة واعتذار؛ كالمعذرة إلى الله عز وجل من التقصير؛ حيث أداء الواجب جهد الإمكان والاستطاعة، وبالتالي شعور المؤمن بالأداء وحسن النية؛ إذ إنه قد يؤدي ما عليه وليس عليه النتائج، فالمعذرة إلى الله واجب عيني على المؤمن أن يؤديه بإيجابية دون انتظار لما يعمله الآخرون(6).

أهداف العمل الدعوي:

1- إحقاق الحق وإبطال الباطل: قال تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال:8].

2- بناء الفرد المسلم:

بناء إنسان متوازن ومتكامل هو محور الدعوة إلى الله؛ لذلك يجب أن يكون الهدف الأول الذي يضعه الداعي نصب عينيه، فتكوين فرد يتّسم بالقيم الإسلامية والمبادئ الإنسانية هو أساس قيام الحياة، وهذا المسلم ينبغي أن يكون:

أ- سليم العقيدة: على الداعية إلى الله أن يركز على سلامة عقيدة هذا الفرد الذي يكوّنه، فيحرص على أن يكون قلبه متصلًا بالله تعالى، مؤمنًا برسله، وكتبه، وملائكته، واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر إيمانًا جازمًا وكاملًا لا يشوبه شك.

ب- صحيح العبادة: ترسيخ العقيدة السليمة والمعتدلة في الفرد أمر أساسي، فعليه أن يعبد الله تعالى كما أمره، وعلى قدر استطاعته، بلا تطرف؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102]، وقوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].

ج- قوي الأخلاق: على الداعية أيضًا أن يركّز على قوة الأخلاق في الفرد المراد تكوينه، فلا معنى لعبادة لا تثمر أخلاقًا، وقد بين الله تعالى وظيفة الأنبياء عامة والرسول صلى الله عليه وسلم خاصة بقوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِم آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِم إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة:129]، فالتزكية هي التربية التي تنمي الأخلاق وتتعهدها.

د- ذا قدر من العلم: لا يتسنى للفرد أن يكون معتدلًا في عباداته، متوازنًا في حياته إلا بمعرفة الحد الأدنى من العلم في الدين، وما قدر عليه من سائر العلوم الأخرى، فبالعلم يقي نفسه من الوقوع في الشبهات، وبه يستطيع أن يدافع عن الإسلام، ويرد عنه افتراءات المبطلين والمشككين.

هـ- نافعًا لغيره: لا خير ولا نفع يرجى من فرد لا يرى إلا نفسه، وقد ثبت في السنة النبوية أن حب الله تعالى لعبده إنما يكون حسب درجة عطائه ونفعه لغيره، يقول صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس»(7)؛ لذلك على الداعية إلى الله تعالى أن ينتبه إلى هذا الأمر، ويوليه اهتمامًا عند التكوين.

و- مدركًا وخادمًا لرسالته: على المتكون أن يدرك سر وجوده في هذه الحياة، وأن يعلم أن وظيفته الأولى التي يجب أن يسخر لها وقته وقدراته هي عبادة الله سبحانه حق العبادة، يقول المولى عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].

ز- عارفًا بواجباته تجاه دينه: في خضم التكوين يجب على الفرد أن يكتسب الغيرة على دينه، فيكون وفيًّا له، حاميًا لمبادئه، مدافعًا عن حرماته، ولنا في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم خير مثال، فها هو الرِّبعي بن عامر يلقّن رستم، قائد الفرس، أهداف الإسلام عامة في عبارات وجيزة المبنى، عميقة المعنى، حين دخل بلاده بجيشه، قال له فخورًا بإسلامه معتزًا بنفسه: «إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة»(8)، وهكذا يرزق الحكمة كل فرد مسلم بُني بناءً سليمًا.

إذا نجح الداعية إلى الله في تكوين وبناء فرد مسلم بهذه السمات فقد حقق فعلًا هدفًا من أهداف الدعوة، ونفع الإسلام بأن قدم له صانعًا من صناع الحياة، يكون لبنة صالحة في صرح المجتمع.

3- بناء الأسرة المسلمة:

الأعباء الدعوية كثيرة، منها ما يستطيع الفرد حملها وحده، ومنها ما يحتاج إلى أسرة؛ لذلك كان لزامًا على الفرد المسلم بعد تكوينه أن يتزوج، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وشاءت حكمة الله تعالى ألا ينزل القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في فترة عزوبته، فالاتصال بين الأرض والسماء كان بعد أن أعد له أسرة كانت في مستوى استقبال هذه الرسالة الربانية، وقد رغب النبي محمد عليه الصلاة والسلام الشباب في الزواج فقال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج»(9).

4- بناء المجتمع المسلم:

تكوين المجتمع هدف من أهداف الدعوة إلى الله، وهو مسئولية ليست منوطة بالدعاة فقط؛ بل جميع أفراده مسئولون وملزمون بتحملها، كل حسب قدرته وحسب موقعه، والكل مطالب بالمساهمة في تقويم الشرخ أو التمزق الموجود في المجتمع، خاصة على مستوى القيم والأخلاق، فأمة الإسلام أمة قد رفع الله تعالى من شأنها بأن خصها بالشهادة يوم القيامة على جميع الأمم، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]، والشهادة تقتضى الحضور، فحتى يحقق المسلم هذه الآية يجب أن يكون حاضرًا في المجتمع، ويستشعر قدر مسئوليته فيه، فيقيم بذلك الحجة على الناس، ويبرئ ذمته أمام الله عز وجل.

5- تبني مشكلات الأمة وحمل همومها:

حتى يكون الداعية إلى الله تعالى فعالًا ونافعًا يجب أن يهتم بأمور المسلمين، ويسعى لتبني مشكلات الأمة، ويعايش همومها، وينبّه إليها قدر الإمكان، فلا يجب عليه أن يكون بمعزل عن أفراد أمته؛ بل عليه أن يخالطهم ليعرف مشاكلهم، ويتبنى آلامهم، وحتى آمالهم، والتخفيف من هموم الناس ومصائبهم لون من ألوان العبادة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أحب الناس إلى الله تعالى قال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس»(10)، وقد أكد العلماء أن العمل المتعدي النفع أولى من العمل القاصر النفع.

وانطلاقًا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»(11)، وحديثه عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(12)، يتجلى ضرورة تبني مشكلات الأمة الإسلامية، فالأمة في عمومها يجب أن تتألم لآلام جزء منها، وتفرح لفرح فرد من أفرادها(13).

6– القيام بالفروض والعبادات المتمثلة في أركان الإسلام، وتصحيح ما يشوبها أحيانًا من البدع والزيادات، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الهدف تاليًا للعقيدة في وصيته لمعاذ حين بعثه إلى اليمن؛ حيث قال: «فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»(14).

7– بيان الحق والبلاغ المبين: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7]، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة:67]، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39]، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]، «بلغوا عني ولو آية»(15).

8- التبشير والإنذار: هو مفتاح النفس الإنسانية، فهي مجبولة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [الأنعام:48]، قال صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومًا، فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق»(16).

البشارة في الدنيا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه:123]، {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].

في الآخرة: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء:13].

النذارة في الدنيا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124]، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13].

في الآخرة: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء:14].

9- إصلاح النفوس وتزكيتها: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52]، {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ} [البقرة:257]، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:5]، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة:2]، {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ...} [آل عمران:164].

تزكية النفوس: تطهيرها وتطيبيها وتنقيتها من قبائحها؛ زكا الزرع: نما وأينع، ورائحة زكية: طيبة.

{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس:9-10] بعد أحد عشر قسمًا.

لا يستحق الجنة إلا من زكى نفسه: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73].

التزكية: مهمة من مهمات النبي وغاية أساسية من رسالته، فهي السبب في دخول الجنة {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [النساء:57].

أعلى التزكية: تطهير القلب من نجس الشرك وتزكيته بالتوحيد: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]، {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:6-7].

الصلاة تزكية: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45].

المرأة التي أخبر عنها أنها تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها «هي من أهل النار»(17)، «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»(18)، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، كان خلقه القرآن، «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»(19).

ومما يتفرع على ذلك من أهداف إيجاد المسلم الحقيقي أو صناعة الرجال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23]، {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ} [النور:36]، من خلال التعليم والتربية.

10- تقويم الفكر المنحرف ودحض العقائد الزائفة:

التوحيد هو الأصل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم:30]، {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة:213]، على الإيمان والتوحيد؛ أي فاختلفوا {فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة:213]، «وكل مولود يولد على الفطرة»(20)، «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم»(21).

11- إقامة الحجة والإعذار إلى الله بأداء الأمانة:

{رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:165]، وأتباع الرسل يخلفونهم في هذه المهمة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي...} [يوسف:108]، «لا أحد أحب إليه العذر من الله»(22)، {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} [طه:134]، {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} [النساء:42].

والذين يرفضون دعوة الرسل لا يملكون إلا الاعتراف بظلمهم إذا وقع بهم العذاب في الدنيا: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)} [الأنبياء:11-15].

وفي يوم القيامة أيضًا يسألون عن ذنبهم فيعترفون: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)} [الملك:8-11].

وحين يدخلون جهنم: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا...} [الزمر:71]، وإذا أحاط بهم العذاب من كل جانب: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر:50](23).

***

_______________

(1) التفسير الوسيط، للزحيلي (3/ 1970).

(2) التفسير القيم، لابن القيم، ص:431.

(3) كيف تحققين أهدافك الدعوية من خلال النشاط؟ موقع: صيد الفوائد.

(4) مجموع الفتاوى (15/ 162).

(5) أخرجه البخاري (6412).

(6) كيف تحققين أهدافك الدعوية من خلال النشاط؟

(7) أخرجه الطبراني (13646).

(8) تاريخ الأُمم والرسل (3/ 520).

(9) أخرجه البخاري (5065).

(10) صحيح الترغيب والترهيب (2623).

(11) أخرجه الطبراني في الأوسط (7473).

(12) أخرجه مسلم (2586).

(13) أهداف الدعوة، موقع الدكتور سعيد بويزري.

(14) أخرجه البخاري (1496).

(15) أخرجه البخاري (3461).

(16) صحيح الجامع (5860).

(17) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (119).

(18) أخرجه البخاري (1903).

(19) أخرجه أحمد (8952).

(20) أخرجه البخاري (1385).

(21) أخرجه مسلم (2865).

(22) أخرجه البخاري (7416).

(23) المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (8/ 52) ترقيم الشاملة آليًا.