logo

الأسرة التي ننشدها


بتاريخ : الأربعاء ، 12 جمادى الآخر ، 1439 الموافق 28 فبراير 2018
بقلم : تيار الاصلاح
الأسرة التي ننشدها

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع، فإذا كانت هذه اللبنة مفككةً منهارةً فلا بد أن يكون المجتمع مفككًا منهارًا، وإذا كانت هذه الأسرة صُلْبةً متماسكة، فلا بد أن يكون المجتمع المتكون منها صلبًا متماسكًا كذلك.

ولقد اهتم ديننا الحنيف بمراحل بناء الأسرة؛ حتى تستقيم مهامها وتؤتي ثمارها كخلية صالحة في المجتمع ليصلح المجتمع كله.

فالأسرة المسلمة ذات رسالة اجتماعية خالدة، تعتمد على منهاج شرع الله ودينه، وتبرز فيها أسمى القيم الإنسانية، حتى تكون أنموذجًا متميزًا في كل زمان ومكان؛ مما يجعل لها مكانة عظيمة، قائمة على إيفاء الحقوق وأداء المسئوليات والواجبات المحققة لمعالم الخير والنهضة والفضيلة.

ولَمَّا كان الإسلام الحنيف يعمل على تكوين المجتمع الإسلامي القوي، فقد حرص على تدعيم اللبنة الأولى في البنيان الاجتماعي؛ وهي الأسرة، وعمل على إسعادها وعلى تقويتها.

أهداف تكوين الأسرة:

يهدف الإسلام من تكوين الأسرة إلى تحقيق أهداف كبرى تشمل كل مناحي المجتمع الإسلامي، ولها الأثر العميق في حياة المسلمين وكِيان الأمة المسلمة، ويمكن إجمال هذه الأهداف في ثلاث نقاط رئيسية:

1- الهدف الاجتماعي:

والذي يتحقق به تماسك المجتمع وترابطه، وتوثيق عرى الأخوة بين أفراده وجماعاته وشعوبه، بالمصاهرة والنسب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان:54].

2- الهدف الخلقي:

اعتبر الإسلام بناء الأسرة وسيلة فعالة لحماية أفرادها، شيبًا وشبابًا، ذكورًا وإناثًا، من الفساد، ووقاية المجتمع من الفوضى، ومن ثَم فإن تحقيق هذا الهدف يكون بالإقبال على بناء الأسرة؛ لأن عدم ذلك يحصل به ضرر على النفس باحتمال الانحراف عن طريق الفضيلة والطهر، كما يؤدي إلى ضرر المجتمع بانتشار الفاحشة وذيوع المنكرات، وتَفَشِّي الأمراض الخبيثة.

3- الهدف الروحي:

إن بناء الأسرة خير وسيلة لتهذيب النفوس وتنمية الفضائل، التي تؤدي إلى قيام الحياة على التعاطف والتراحم والإيثار؛ حيث يتعوَّد أفرادها على تحمُّل المسئوليات، والتعاون في أداء الواجبات، ومن خلال تحقيق هذه الأهداف الكبرى يمكن أن تحقق هناك أهداف أخرى في ظلال الأسرة؛ مثل: إقامة شرع الله، وتحقيق مرضاته؛ لأن البيت المسلم ينبني على تحقيق العبودية لله تعالى، ولذلك ورد تعليل إباحة الطلاق حين تطلبه المرأة بالخوف من عدم إقامة حدود الله؛ قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229].

كما أن الأسرة تحقق حفظ النوع الإنساني بإنجاب النسل، ثم تتحمل المسئولية بتربيتهم وتوجيههم، بما يُسهم في بناء شخصيتهم السوية؛ لأن الإسلام جعل الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يقوم على رعاية الطفل، واعتبر كل انحراف يصيب الناشئة مصدره الأول الأبوان؛ لأنه يولد صافي السريرة، سليم الفطرة؛ قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مولود إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه، كما تُنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ، هل تحسون فيها من جدعاء؟»(1).

ولهذا أثبتت الإحصاءات العلمية أن تربية الملاجئ تؤثر على نمو الطفل واتزانه العاطفي، كما أثبتت أن فترات الطفل هي سنواته الست الأولى، وأن طفل الأسرة المستقرة المتوافقة غير طفل الأم العاملة المرهقة والمشتتة فكريًّا في أداء وظيفتها، كما أن نتائج التفكك الأسري في الغرب سبب الجنوح والتشرد والجريمة والانحراف لمعظم الناشئة.

فالأسرة هي البيئة الأولى التي ينشأ فيها الأطفال الصالحون، كما أنها المجال الفريد لغرس عواطف حب الله ورسوله، وحب المسلمين، الذي تزول معه كل عوامل الشحناء والصراعات المختلفة، فيخرجون إلى الحياة رجالًا عاملين نافعين، يكونون لَبِناتٍ صالحة للمجتمع.

تكوين الأسرة:

والأسرة تمر بخطوات، هي:

أولًا: الاختيار:

من أهم مراحل تكوين الأسرة في الإسلام مرحلة الاختيار، وهو أهم عنصر في ترسيخ استقرار الأسرة المسلمة، فإذا ما تلاقت الطباع، وتوافقت النفوس، وتقاطعت الثقافات، كان ذلك عاملًا قويًا لمجتمع أمتن روابط بين أُسَره، وأَشَد صلةً وأُلفة بين أفراده.

ولقد تحدث الشرع الحنيف عن هذا الجانب، جانب الاختيار، واعتبره العمود الفقري الذي تقوم عليه الأسرة المسلمة، وهذا الجانب هو ما يسميه الفقهاء بـ(الكفاءة في الزواج) في الدين والورع، والعبادة، وفي الأموال، وفي الثقافات، ونحو ذلك.

فالإسلام يأمر الرجل أن يكون هدفه نبيلًا، وغايته شريفة، فيطلب المرأة ويختارها لدينها لا لجسدها، ولوَرَعِها ونُبلها لا لأموالها.

وليس معنى ذلك أن يتغاضى عن جمال المرأة!! كلا؛ بل أمرنا الإسلام أن نتزوج الجميلات، ولكن الجمال المقرون بالخلق والدين.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المغيرة بن شعبة، وقد خطب امرأة ليتزوجها، أن ينظر إليها، وقال له: «أنظرت إليها؟»، قال: «لا»، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤدَمَ بينكما»(2).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطب رجل امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا»(3).

فهذا كلام صريح وقطعي الدلالة من النبي صلى الله عليه وسلم على مشروعية البحث عن المرأة الجميلة، المحترمة المتدينة في ذات الوقت.

فالإسلام لم يمنع أن تُطلب المرأة لجمالها، ولكن هذا إذا كان الجمال مقترنًا بالشِّيَم الأخرى، التي من شأنها أن تُذلل العقبات التي قد تطرأ على حياة الأسرة المسلمة.

فالإعجاب وحده لا يكفي، ولو بلغ قمته، قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221].

الأسس التي يُبنى عليها الاختيار:

ووضع الإسلام أسسًا قويمة أوجب على الإنسان أن يأخذها في عين الاعتبار حين قدومه على اختيار الزوجة.

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحَسَبها، ولجمالها، ولدِينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك»(4).

وعن جابر بن عبد الله قال: تزوجت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتزوجت يا جابر؟!»، قلت: «نعم»، قال: «أبكرًا أو ثيِّبًا؟!»، قلت: «ثيِّبًا»، قال: «فهلا بِكرًا تُلاعبها؟»، قلت: «كنَّ لي أخوات، فخشيتُ أن تدخل بيني وبينهن»، قال: «فذاك إذًا»(5).

وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير»(6)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه، وإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(7).

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»(8).

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق»(9).

وعن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم»(10).

وهكذا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن للرجال طريقة الاختيار، ووضع منظومة كاملة ينبغي للإنسان أَن يُراعيها عند اختياره، من دين وجمال وبكارة ونحو ذلك...، وهذا كله من دعائم استقرار الأسرة، وأحرى لدوام هدوئها واستمرار معيشتها.

من السنن الغائبة والمستغربة التي هجرها أكثر المسلمين، وقد جاء ذكر هذه السُّنة في القرآن الكريم حين عرض الشيخ الصالح ابنته على موسى عليه السلام في قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص:27].

فصاحب مَدْيَنَ يعرض ابنته على موسى عليه السلام، وقد جاء غريبًا مهاجرًا، ولم يتحرج من هذا العرض، ولم يشترط في موسى أن يكون من قومه أو وطنه أو جلدته، وإنما اكتفى بشرط هو الدين والخلق والكفاءة.

أما السنة المطهرة فقد أكدت فكرة عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح، ومثال ذلك سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد أخرج الإمام البخاري، في باب (عَرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير)، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تأيَّمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفِّي بالمدينة، فقال عمر بن الخطاب: «أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقِيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت له: إن شئت زوَّجتُك حفصة بنت عمر؟ فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليّ شيئًا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتُها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدتَ عليَّ حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فلم أكن أُفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبِلتها»(11).

ثانيًا: تيسير أمر الزواج:

الزواج عبادة وطريق لكسب الحسنات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي بُضْع [كناية عن الجماع] أحدكم صدقة»، قالوا: «يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟» قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟»، قالوا: «بلى»، قال: «فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»(12).

و«مَن رغب عن سنتي فليس مني»، فالزواج ليس مجرد فراش فقط، وإنما أمر تعبدي، ينتج عنه أولاد وأسرة صالحة؛ ولذلك أوصى الإسلام بالتيسير في أمر الزواج، وإزالة كل العقبات التي تواجه الزواج من تكلفة ومؤنة، وما نسمعه من أعباء كماليات الأثاث، وفستان وزفة وخلافه، من أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، وإن من يسَّر حلالًا فقد عسَّر حرامًا، ومن عسَّر حلالًا فقد يسَّر حرامًا، والمرأة كالثمرة؛ إذا حان قطافها وتأخرت عن حان القطاف فسدت، وكذلك الرجل.

أسباب السعادة الأسرية:

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

فالحياة الزوجية رحلة طويلة، تتحقق فيها السعادة والهناء إذا أخلص كل من الزوجين، وابتغى بعمله وجه الله، فابتسامة الزوج تُضفي إشراقة على الأسرة، وابتسامة الزوجة تدخل السرور على الزوج، وتكريس كل منهما وقته وجهده في سبيل إسعاد الآخر؛ مما يُعين على بقاء هذه اللبنة، وامتدادها على مَرِّ السنين والأعوام، فالزوجان هما دعامة الأسرة وسر سعادتها.

ولا تتحقق السعادة في الأسرة إلا بالعمل على البذل والتضحية ونُكران الذات، وشيء من الأناة، وسَعة التفكير، وإذابة أي مشكلة قد تعترض هذا العش الهانئ.

ومن أسباب سعادة هذا الكِيان الأسري:

1- المعاشرة بالمعروف:

قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، قالوا: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها؛ بل أن تحتمل الأذى منها.

روت كتب الأدب والسِّيَر أن قاضيًا شهيرًا اسمه شُريح لقِيه صديقه الفضيل، فقال له: «يا شريح، كيف حالك في بيتك؟»، قال: «والله، منذ عشرين عامًا لم أجد ما يُعكِّر صفائي»، قال: «وكيف ذلك يا شريح؟»، قال: «خطبتُ امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدتُ صلاحًا وكمالًا [يقصد صلاحًا في دينها، وكمالًا في خُلقها]، فصليتُ ركعتين شُكرًا على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلَّمت من صلاتي وجدت زوجتي تُصلي بصلاتي، وتسلِّم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوتُ منها، فقالت لي: على رِسلك يا أبا أُميَّة، ثم قامت فخطبت، وقالت: أما بعد، فيا أبا أُمية، إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب ولا ما تكره، فقل لي ما تحبه حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فاتَّقِ الله فيّ، وامتثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].

ثم قعدت، قال: فألجأتني إلى أن أخطب، فوقفت وقلت: أما بعد، فقد قلتِ كلامًا إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لكِ ذخرًا وأجرًا، وإن تَدَعيه يكن حجة عليك، أُحِب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدتِ من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها.

قالت: كيف نزور أهلي وأهلك؟ قال: نزورهم غِبًّا، مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يَمَلُّوا.

قالت: فمَن مِنَ الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ومن تكره؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك، يقول شريح: ومضى عليّ عام عُدتُ فيه إلى البيت، فإذا أم زوجتي عندنا، رحَّبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علِمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أمية، كيف وجدت زوجتك؟ قلت: والله، هي خير زوجة، قالت: يا أبا أُمية، ما أُوتي الرجال شرًّا من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدِّب ما شئت أن تؤدِّب، وهذِّب ما شئت أن تُهذِّب، ثم التفتتْ إلى ابنتها تأمرها بحُسن السمع والطاعة، ومضى عليّ عشرون عامًا لم أجد ما يعكِّر صفائي إلا ليلة واحدة كنت أنا الظالم»(13).

واعلم أخي أن المسلم إذا بنى الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بناه على معصية الله فإن الشيطان هو الذي يتولى التفريق بينهما، وإذا أطاع المسلم ربه ألهمه الحكمة، فعاش مع زوجته حياة سعيدة، وإذا عصى المسلم ربه ألهمه الحمق، فكم من إنسان يحفر قبره بيده، ويهدم سعادته بيده! إنه حينما ينقطع عن الله عز وجل يُحرم من الحكمة.

الآية الأولى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19].

ثالثًا: الأسرة حقوق وواجبات:

قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228].

كما أنك تحب أن تحترم أهلك هي أيضًا تحب أن تحترم أهلها، وكما تحب أن تراها بمظهر أنيق هي أيضًا تحب أن تراك بمظهر أنيق، وكما تحب أن تكون صادقة معك فهي أيضًا تحب أن تكون صادقًا معها، وكما تحب أن تقدِّر شعورك فهي أيضًا تحب أن تقدِّر شعورها.

{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، والمعروف ما في الفطرة مما رُكِّز في أهل الفطرة، وما جبل عليه الإنسان، وكما تحب العناية بالنظافة الشخصية والاهتمام بحُسن المظهر فكذلك الزوجة، ورحم الله ابن عباس رضي الله عنهما فقد قال: «إني لأَتزيَّن لامرأتي كما تتزيَّن لي، وما أحب أن أستنظفَ كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها عليّ؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]».

أما هذه الدرجة التي للزوج فهي درجة واحدة، درجة القيادة؛ لأن الزواج والبيت مؤسسة لا بد لها من قائد واحد، وصاحب قرار، لكن الزوج ينبغي أن يستشير زوجته أحيانًا، والدليل أن الله عز وجل يقول: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:6].

بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية استشار أم سلمة، وأشارت عليه، ونفذ استشارتها، وحُلَّت المشكلة؛ لذا ينبغي أن تستشيرها وتستشيرك، وتتبادلا الآراء، ولكن هذه المؤسسة تحتاج إلى صاحب قرار، فالله عز وجل يقول: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران:159].

فهذه الدرجة درجة القرار؛ لأن الذي يراه الزوج قد لا تراه الزوجة، والذي يعرفه الزوج من الظروف المحيطة بالبيت، قد لا تعرفه الزوجة، أما أن يظن الزوج أن له كل شيء، وليس لها شيء، فهذا جهل فاضح في حقوق الزوجة.

رابعًا: مفهوم حق القوامة:

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]، قوَّامون: جمع قوَّام، وهي صيغة مبالغة، تعني: شديد القيام، وبعض الناس يفهم القوامة على أنها سيطرة، وعنجهية، واستعلاء، واستبداد، وتعسُّف، لا أبدًا؛ بل قوامة الرجل جهد كبير في داخل البيت وخارجه، متابعة للأمور، تصحيح للمسار، تصويب للأخطاء، هذه قوامة الرجل، فالله سبحانه وتعالى أناط مسئولية الأسرة بالرجل؛ لأنه، بحسب تكوينه الفكري والجسمي والاجتماعي والنفسي، أقدر على قيادة هذا المركب من الزوجة، فلذلك حينما يقول الله عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، بمعنى أنهم يتحملون مسئولية سلامة ونُمو هذه الأسرة.

خامسًا: الاهتمام بالمشاعر الإنسانية:

أ- الثناء والمديح من الزوج لزوجته في ترتيب البيت، أو اختيار أصناف الطعام، أو إتقان الطبخ، وكذلك لُبسها وعطرها، وأسلوب تربيتها لأولادها، أو أسلوب تعامُلها مع الآخرين، كل هذا مما يُدخل السرور والسعادة على نفسها، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث أن أحب الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مسلم، فكيف بمن هي أحب الناس إليه، وهي زوجته؟ فليحتسب الزوج كل هذا عند الله سبحانه وتعالى.

دخل رجل على زوجته، فرآها تستاك بسواك من أراك، فقال لها في بيتين جميلين عجيبين:

حظيتَ يا عود الأراك بثغرها     أما خفتَ يا عود الأراك أَراكَ

لو كنت من أهل القتال قتلتُكَ      ما فاز مني يا سِواكُ سِواكَ

ب- الكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة لها أثر عظيم في إسعاد الزوجة؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة»(14)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَحْقِرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق»(15)، وقال صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمك في وجه أخيك صدقة»(16)، فكيف بالزوجة، فإن الأجر أعظم، وكم لهذه الابتسامة من الزوج من أثرٍ على نفسية الزوجة، وكم من الكلمات الطيبة التي تسعد الزوجة، وتزيل آلامها، وتَشحَذ همتها لمواصلة الجهد في إسعاد هذه الأسرة.

ج- إذا أردتَ أن تعاتب أو تعاقب فلا تنفعل أمام الآخرين، والأبناء على وجه الخصوص، ولا توجه إليها ألفاظًا قد تجرح مشاعرها، أو تقارنها بغيرها من النساء، واعلم أن مشاعر المرأة مثل الزجاج؛ شفافة، حسَّاسة، سهلة الخَدش والكسر، ويجب على الزوج تعليم الزوجة ما ينفعها في أمور دينها ودنياها.

د- تقديم الهدية المناسبة للزوجة تعبيرًا عن حبه لها، وتقديره لها؛ مما يقوِّي أواصر المحبة بين الزوجين، وقد قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا»(17).

ه- حفظ السر: فكلٌّ من الزوجين أمين على أسرار الآخر، يجب عليه حفظها وعدم إفشائها، ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش.

وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل منكم رجل أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟»، قالوا: نعم، قال: «ثم يجلس بعد ذلك، فيقول:ة فعلت كذا، فعلت كذا»، فسكتوا، ثم أقبَل على النساء، فقال: «منكن مَن تُحدِّث؟»، فسكتنَ، فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليُحدثون، وإنهن ليُحدِّثْنَ، فقال: «هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه»(18).

بل بيَّن أن مفشي سر زوجه من أشَر الناس منزلةً يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مِن أشرِّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتُفضي إليه ثم ينشر سرها»(19).

و- التعاون في الأعمال المنزلية: مساعدة الزوج زوجته في أعمال البيت اقتداءً بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولو بالقليل، يُضفي على جو البيت بهجة، ويُسعد الزوجة، ويشعرها بتقدير زوجها لها، فيسعدان معًا بهذه المشاركة.

عن عمرة: قيل لعائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته، قالت: «كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه»(20)(21).

مُقوّمات الأسرة المسلمة:

والمتأمل في واقع الأسرة المسلمة اليوم يجد أنها بدأت تفقد بعض تأثيرها ودورها الريادي في بناء الشخصية الإسلامية الفاعلة؛ وذلك بسبب الضعف الملحوظ في البناء الإيماني والتربوي لبعض الأسر، وبسبب ضعف الثقافة الأسرية؛ لهذا وغيره من الأسباب ظهرت في المجتمع مشكلات كثيرة ومتشعبة، وزاد من حدتها وتنوعها الانفتاح الثقافي، وطغيان العولمة الإعلامية والاجتماعية، وأصبحت الأسرة المسلمة تتعرض لتغيرات سريعة من خلال غزو ثقافي ومفاهيمي في كثير من مكوناتها، كما تتعرض لتحديات خطيرة تهدد هويتها وتماسكها واستقرارها.

بناء العلاقات بين الأفراد في الأسرةِ على أساس الجَمع والتآلف والحب والايجابية والتعاون والتواصل؛ فالإسلام نهى عن العلاقات السلبية والهدامة والمفرِّقة التي تبعث على الانفصامية والانفصالية.

تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة والكريمة، والخطوة الأولى هي أن يكون الوالدان قدوةً حسنةً للأبناء؛ بتأدية العبادات والطاعات، والاتصاف بالخُلق الحسن، والمعاملة الطيبة، فالأبناء يقلدون الوالدين في جميع الصفات والتصرفات.

اتباع الطرق المختلفة في التربية؛ فدعا الإسلام إلى الرفق واللين في بعض الأحيان، واتباع الشدة والقسوة في أحيان أخرى، ولكنه منع إلحاق الضرر بالأطفال، وأوجب لهم حقوقًا مختلفةً؛ من أهمها الحق في الحياة الكريمة، وتأمين المأكل والملبس والمشرب، وتعليمهم أمور دينهم وأمور دنياهم، وتنمية قدراتهم وإبداعاتهم، والابتعاد عن اضطهادهم أو كبتهم؛ إذ لا يمكن لهم أن يعيشوا بمعزل عن العالم وما يحدث به من تطور وتقدم، وكذلك فإنهم يتلقون المعارف المختلفة، الجيدة منها والسيئة، ولا بد من تهيئتهم وتجهيزهم حتى لا يصابون بالصدمة أو الذهول مما قد يجدونه أمامهم من أمور تتعارض مع تعاليمهم ومبادئهم.

المراقبة للأبناء وتقديم المشورة والنصح والتدخل في الأوقات المناسبة؛ فمن الخطأ أن ينشغل الأب بالبحث عن الرزق أو أن تنشغل الأم بالأعمال المنزلية ويهملان الأطفال.

إن أي خطر يهدد الأسرة فإنما هو دمار للأمة، وكل داع يدعو، بطريق مباشر أو غير مباشر، إلى تدمير الأسرة فإنما هو يدعو إلى تدمير الأمة، ولكن أعداء الله تبارك وتعالى يمكرون، ومكرهم خفي، وهم بهذا جنود الشيطان الرجيم، عدو بني آدم، وعدو هذه الأمة المسلمة بالذات، الذي أحبُّ من لديه وأفضل جنوده هو الذي يأتي إليه فيقول: ما زلت بفلان حتى فرقت بينه وبين زوجته.

إذا هدم البيت وهدمت الأسرة ضاع الأطفال، وضاع الزوج، وضاعت الزوجة، ثم ضاعت الأمة وضاع المجتمع، وهذا ما يريد أن يتوصل إليه أصحاب الغزو الفكري، حيث إن مفكرين غربيين، من الذين يفكرون على مدًى بعيد في هذه القضية، قد أيقنوا، وكتبوا ذلك، أن تدمير الأسرة هو تدمير للأمة، وأن بناء الحضارات وبقاءها واستمرارها إنما يكون باستمرار الأسرة.

لا شك أن الذي يتتبع المجتمعات الإسلامية، ويقارن حالها قبل أن تخضع لهذا التدفق المستطير بحالها الآن، سوف يجد البون شاسعًا وكبيرًا، لقد هددت الأسرة المسلمة في عقيدتها؛ حيث إن كثيرًا من برامج ومجلات الأطفال لا تكتفي بأن تشغل الطفل المسلم عما يجب أن يكون عليه من التربية الإسلامية؛ بل إنها لتنشئه تنشئة غريبة جدًا عن العقيدة الإسلامية، وتزرع في نفسه ما يضاد هذا الدين وهذا الإيمان(22).

نصائح لاستقرار ونجاح العلاقة الزوجية:

الاعتراف بالخطأ والاعتذار:

إن احتمال الخطأ أمر وارد بين الزوجين، فلا يوجد شخص لا يخطئ أبدًا، ولكن لا بد من الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، كما يجب الاهتمام بالبحث عن سبب وقوع هذا الخطأ، والعمل على إيجاد حل مناسب للتغلب على المشكلة؛ لأن عدم الاعتراف بالخطأ وعدم التفاهم يؤدي إلى كثرة الخلافات والمشاكل بين الزوجين.

عدم التمسك بالرأي وعدم العناد:

يجب على الزوجين التفاهم في جميع أمور حياتهم الزوجية، وعدم تمسك أي طرف برأيه؛ لأن ذلك يؤدي إلى التحدي بينكما، والعناد في بعض الأمور، وهذا بدوره يؤدي إلى ازدياد المشاكل الزوجية؛ لذلك يجب الوصول إلى حل وسط يرضي الطرفين.

حفظ الأسرار بينكما:

حفظ الأسرار بين الزوجين من أهم عوامل نجاح العلاقة الزوجية؛ لذلك يجب ألَّا يعرف أحد بأسرار حياتكما، مع الحرص على مشاركة الزوجين في كل شيء، وعدم إخفاء أي أمر أو حدث عن الشريك حتى تكون العلاقة بينكما قوية وصادقة، وحتى تتجنبوا الكثير من المشاكل نتيجة تدخل الآخرين.

تخصيص وقت: إن الحياة الزوجية مليئة بالمسئوليات والأعمال التي تشغلنا طوال الوقت؛ لذلك يجب على الزوجين أن يهتما بتخصيص وقت في نهاية الأسبوع لقضاء وقت مع بعضهما البعض.

الحوار والنقاش:

إن لغة الحوار مهمة جدًا لنجاح العلاقة الزوجية بين الزوجين؛ لأنه بدون النقاش في بعض الأمور سوف يعتقد كل طرف أنه لا يوجد أي شيء يرفضه الطرف الآخر؛ لذلك لا بد من تحدث الزوجين مع بعضهما، ومعالجة الأمور لتحقيق السعادة.

تقبل الطرف الآخر:

لكل شخص مميزاته وعيوبه؛ لذلك يجب على الزوجين أن يتعايشا مع عيوب بعضهما، وأن يتقبل كل طرف الآخر؛ وذلك لتجنب حدوث المشاكل والخلافات.

التنازل في بعض الأمور:

يجب على الزوجين أن يقدما بعض التنازلات في بعض الأمور والمواقف، بشرط أن لا تمس هذه التنازلات الكرامة أو تؤدي إلى الإهانة؛ وذلك لضمان نجاح العلاقة الزوجية واستقرارها وتجنب المشاكل.

حسن الاستماع والشكوى الموضوعية:

يحتاج الرجال إلى أن يتعلموا حسن الاستماع لمشكلات الزوجات دون إظهار الضجر أو تسفيه الشكوى؛ بل بمزيج من الاهتمام والود.

هذا الشعور الطيب يحل نصف المشكلة, أما النساء فليتهن يبذلن جهدًا في عدم نقد الأزواج أو الهجوم على شخصياتهم؛ بل عرض الشكوى بموضوعية للموقف الذي أثار مشاعرهن.

عدم التركيز على المسائل التي تثير العراك بين الزوجين:

مثل تربية الأطفال، ومصروف البيت، والأعمال المنزلية؛ بل التركيز على نقاط الاتفاق والتوافق بينهما.

تفادي الوصول إلى مرحلة الانفجار:

عندما تزداد حدة المناقشة، وقبل أن تصل إلى مرحلة التفجر العنيف، على الطرفين أن يبحثا عن وسيلة لإيقاف ذلك، وهذه النقطة بالذات تشكل أساسًا قويًا لنجاح الزواج؛ بل هي جوهر الذكاء العاطفي الذي يشترك الزوجان في رعايته، وذلك بالقدرة على تهدئة النفس وتهدئة الطرف الآخر بالتعاطف والإنصات الجيد، الأمر الذي يرجح حل الخلافات العائلية بفاعلية، وهذا ما يجعل الخلافات الصحيحة بين الزوجين معارك حسنة، تسمح بازدهار العلاقة الزوجية، وتتغلب على سلبيات الزواج، التي إن تركها الطرفان تنمو إلى أن تهدم الزواج تمامًا.

تنقية النفس من الأفكار المسمومة:

تثير حالة انفلات الأعصاب الأفكار السلبية عن الطرف الآخر، وبالتالي تساعد الطرف الغاضب على إصدار أحكام قاسية؛ لذا فإن إزالة الأفكار المسمومة من النفس تساعد على معالجة هذه الأفكار بشكل مباشر، فالأفكار العاطفية السلبية التي تشبه القول (أنا لا أستحق مثل هذه المعاملة) تثير أحاسيس مدمرة، تشعر الزوجة بأنها ضحية بريئة، والتمسك بهذه الأفكار والشعور بالغضب وجرح الكرامة تعقد الأمور.

ويمكن للزوجة التحرر من قبضة هذه الأفكار المسمومة برصدها، بوعي وإدراك، وعدم تصديقها، وبذل مجهود متعمد يسترجع فيه العقل شواهد ومواقف وأحاسيس تشكك في صحة هذه الأفكار المسمومة.

مثلًا يمكن للزوجة أن توقف هذا التفكير في أثناء شعورها بسخونة اللحظة، فبدلًا من أن تقول لنفسها إنه لم يعد يهتم بي، إنه هكذا دائمًا أناني... إلخ، تتحدى هذه المشاعر، وتتذكر عددًا من مواقف زوجها، التي تعني الاهتمام الشديد بمشاعرها وحقوقها، فإذا فعلت ذلك سيتغير تفكيرها، ويقول لسان حالها: حسن، إنه يبدي اهتمامه بي أحيانًا، على الرغم مما فعله الآن من مضايقتي وعدم مراعاة شعوري، ولا يمكن أن أنسى ما يتحلى به من صفات كريمة أو أغفل أنه أبو أولادي، وهل لي أن أنكر حبه وحنانه ورعايته لأسرتنا، وتعبه من أجلنا، وهكذا تفتح الصيغة الأخيرة بتداعياتها الباب لإمكانية الوصول إلى حل إيجابي للمشكلة، أما الصيغة الأولى فتثير الغضب والشعور بجرح المشاعر.

وأخيرًا:

فإن أساس الزواج الناجح هو الحب والاحترام، والزوجة التي وهبها الله الفطنة والكياسة تتمتع بعلاقات إيجابية ثرية ومشبعة، وتكون هي القلب الدافئ المشع في أسرتها, إنها إنسانة إيجابية، تملك القدرة على التأثير والإقناع، وتتسم بالهدوء والاتزان وتوحي بالثقة والطمأنينة أكثر من الرجل, فلذلك هي من يمسك العائلة بأسنانها، وهي من تهدمها(23).

***

_________________

(1) أخرجه البخاري (1358).

(2) أخرجه الترمذي (1087).

(3) أخرجه مسلم (1424).

(4) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).

(5) أخرجه النسائي (3226).

(6) أخرجه ابن ماجه (1861).

(7) أخرجه الطبراني في الأوسط (446).

(8) أخرجه مسلم (1467).

(9) أخرجه ابن حبان (4032).

(10) أخرجه أبو داود (2050).

(11) أخرجه البخاري (4005).

(12) أخرجه مسلم (1006).

(13) العقد الفريد (7/ 101)، بتصرف.

(14) أخرجه أحمد (8096).

(15) صحيح الترغيب والترهيب (2682).

(16) أخرجه الترمذي (1956).

(17) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594).

(18) أخرجه أبو داود (2174).

(19) أخرجه مسلم (1437).

(20) أخرجه ابن حبان (5675).

(21) الأسرة المسلمة التي ننشدها، شبكة: الألوكة.

(22) آثار الغزو الفكري على الأسرة، موقع الدكتور سفر الحوالي.

(23) حلول للمشاكل الزوجية، موقع وموسوعة توبيكات.