logo

افعلوا الخير دهركم


بتاريخ : الاثنين ، 3 ربيع الأول ، 1445 الموافق 18 سبتمبر 2023
بقلم : تيار الاصلاح
افعلوا الخير دهركم

قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء: 73].

قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد به صلة الرحم ومكارم الأخلاق، والوجه عندي في هذا الترتيب أن الصلاة نوع من أنواع العبادة والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله، ويدخل فيه البر والمعروف والصدقة على الفقراء وحسن القول للناس، فكأنه سبحانه قال كلفتكم بالصلاة؛ بل كلفتكم بما هو أعم منها وهو العبادة، بل كلفتكم بما هو أعم من العبادة وهو فعل الخيرات (1).

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، -قال أحسبه في المنام- فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟» قال: «قلت: لا»، قال: «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي» أو قال: «في نحري، فعلمت ما في السماوات وما في الأرض، قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات، والكفارات المكث في المساجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام» (2).

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: فليس في فعل الخيرات ما يحتاج إلى تفسير، أكثر من أنها الأعمال التي يرضاها الله، ويحمد فاعلها عليها، ويعظم أجره، وكذلك المجازاة أيضًا على ترك المنكرات، إذا قصد بتركها رضا الله عنه (3).

وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات»، يقتضي أن فعل الخيرات وترك المنكرات؛ إنما هو بفضل الله وتوفيقه وعصمته (4).

والخيرات ما عرف من الشرع من الأقوال الحميدة والأفعال السعيدة، «وترك المنكرات» هي التي لم تعرف من الشرع من الأقوال القبيحة والأفعال السيئة (5).

يتضمن طلب كل خير وترك كل شر، فإن الخيرات تجمع كل ما يحبه الله تعالى ويقرب منه من الأعمال والأقوال من الواجبات والمستحبات، والمنكرات تشمل كل ما يكرهه الله تعالى ويباعد منه من الأقوال والأعمال، فمن حصل له هذا المطلوب حصل له خير الدنيا والآخرة (6).

قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، إنه يبدأ بأمر الذين آمنوا بالركوع والسجود، وهما ركنا الصلاة البارزان، ويكني عن الصلاة بالركوع والسجود ليمنحها صورة بارزة، وحركة ظاهرة في التعبير، ترسمها مشهدًا شاخصًا، وهيئة منظورة، لأن التعبير على هذا النحو أوقع أثرًا وأقوى استجاشة للشعور.

ويثني بالأمر العام بالعبادة، وهي أشمل من الصلاة، فعبادة الله تشمل الفرائض كلها وتزيد عليها كذلك كل عمل وكل حركة وكل خالجة يتوجه بها الفرد إلى الله، فكل نشاط الإنسان في الحياة يمكن أن يتحول إلى عبادة متى توجه القلب به إلى الله، حتى لذائذه التي ينالها من طيبات الحياة بلفتة صغيرة تصبح عبادات تكتب له بها حسنات، وما عليه إلا أن يذكر الله الذي أنعم بها، وينوي بها أن يتقوى على طاعته وعبادته فإذا هي عبادات وحسنات، ولم يتحول في طبيعتها شيء، ولكن تحول القصد منها والاتجاه! ويختم بفعل الخير عامة، في التعامل مع الناس بعد التعامل مع الله بالصلاة والعبادة..

يأمر الأمة المسلمة بهذا رجاء أن تفلح، فهذه هي أسباب الفلاح، العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل، وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة، الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه.

فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه العدة من الصلة بالله واستقامة الحياة، فاستقام ضميرها واستقامت حياتها (7).

وقد أمر سبحانه وتعالى بفعل الخير أمرًا مطلقًا غير مقيد ولا محدود فقال عز من قائل: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُونَ}، الخير كل عمل يكون فيه نفع للناس، ويتفاوت الخير فيه بتقارب مقدار النفع، فالنفع الكثير يكون الخير بقدره، ونفع أكبر عدد يكون الخير كله، مع القيام بالعبادات على شتى فروعها وكل أنواعها (8).

فقوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} تعميم بعد التخصيص، إذ فعل الخير يشمل كل قول وعمل يرضى الله تعالى؛ كإنفاق المال في وجوه البر، وكصلة الرحم وكالإحسان إلى الجار وكغير ذلك من الأفعال التي حضت عليها تعاليم الإسلام.

وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تذييل قصد به التحريض على امتثال ما أمرهم الله تعالى به، والفلاح: الظفر بالمطلوب.

أي: أدوا الصلاة بخشوع ومواظبة، واعبدوا ربكم عبادة خالصة، وافعلوا الخير الذي يقربكم من خالقكم، لكي تنالوا رضاه وثوابه عز وجل.

فكلمة «لعل» للتعليل، ويصح أن تكون على معناها الحقيقي وهو الرجاء، ولكن على تقدير صدوره من العباد، فيكون المعنى: وافعلوا الخير حالة كونكم راجين الفلاح، ومتوقعين الفوز والنجاح.

والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها أنها قد جمعت أنواع التكاليف الشرعية، وأحاطت بها من كل جوانبها (9).

صور من فعل الخيرات:

1- النية الصادقة:

ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (10)، وفي صحيح مسلم عن سهل بن حنيف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه» (11).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: «إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم»، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر»(12).

‏وهذه بشارة عظيمة كما في السنن من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه وفيه: «إنما الدنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله مالًا وعلمًا فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء» (13).

2- الجلوس في المسجد قبل الشروق:

عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة»، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تامة تامة تامة» (14)، وفي رواية: «من صلى صلاة الصبح في جماعة، ثم ثبت في المسجد يسبح الله سبحة الضحى، كان له كأجر حاج ومعتمر تاما له حجته وعمرته»(15).

وكان شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: إذا صلى الفجر جلس يذكر اللهَ إلى قريبٍ من انتصاف النهار ويقول: هذه غدوَتي لو لم أتغدَّها لَسقطت قوتي (16).

3- الخروج من بيته متطهرًا إلى الصلاة المكتوبة:

عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين»(17)، فهنيئًا والله لمن هذا دأبه يوميًّا في المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة.

4- حضور مجالس العلم:

عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه، كان له كأجر حاج تامًا حجته» (18).

‏ومن صور تعلم الخير في المسجد: حلقات القرآن، وسماع المواعظ بعد الصلوات، والحلقات والدورات العلمية، وشهود الجمعة، والاستماع للخطبة بنية تعلم الخير.

وهنا تنبيه مهم: وهو أن هذه الأعمال تعدل الحج في الجزاء لا الإجزاء؛ بمعنى أن هذه الأعمال تعدل الحج في الفضل لكن لا تسقط حجة الفرض للمستطيع.

5- أعمال يسيرة وأجرها عظيم:

عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها» (19).

عن جويرية، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟» قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» (20).

ماذا يأخذ من الوقت والجهد أن يقول الإنسان بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، لكن ماذا له؟ تفتح أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل، تفتح أبواب الجنة الثمانية، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الثمانية كلها تفتح لأجل أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله بعد الوضوء، ما أكرمه ما أوهبه، ما أبره، ما أمنه سبحانه.

عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل»، وزاد مسلم: «أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء» (21).

صيام يوم واحد، يوم عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين، والصيام كم ساعة؟ اثنا عشر ساعة، ثلاثة عشر ساعة، يكفر سنتين، إذا كان هذا في صيام النافلة عاشوراء وعرفة، يا ترى رمضان الواجب الفرض الركن كم يكفر.

عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وبكر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها» (22).

عن ابن عمر، أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله عز وجل قلبه أمنًا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى أثبتها له أثبت الله عز وجل قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام» (23).

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا» (24).

عن ثوبان، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى على جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط مثل أحد» (25).

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا، فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له»، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر» (26).

أسس وقواعد لفعل الخيرات:

الله يعامل عباده على أسس، التجارة مع الله لها شروط فيها بنود، فيها عقد، ومن أدرك شروط العقد حاز الأرباح العظيمة من وراء هذا العقد:

أولًا: لا أجر بلا توحيد، فإذا كان العبد موحدًا لله نال الأجور العظيمة؛ لأن الأساس موجود، فالبناء عليه سهل، ويتصاعد بسرعة، فإذا كان أساسك قويًا كان البنيان عاليًا مرتفعًا، ولذلك مهما عمل الكافر والمشرك من الأعمال الخيرية ليس له مقابل عليها في الآخرة يأخذه في الدنيا الآن، أولاد، صحة، منصب، شهرة، مال، يأخذه في الدنيا، حتى الكافر لو عمل أعمال خيرية يعطيه، لكن لا يعطيه في الآخرة؛ لأن سلعة الله غالية، والجنة لا يعطيها لكافر ولا مشرك، لا للشرك الأكبر ولا الأصغر ولا الخفي، اجتنبوا الشرك، يوم القيامة الكافر مهما كان عنده من أعمال خيرية، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: 39] كسراب.

ثانيًا: لا أجر بلا عمل، فالذين لا يعملون بماذا سيؤجرون، والأعمال منها أعمال قلب ومنها أعمال جوارح، وينبغي التفطن لهذا؛ لأن أعمال القلب فيها أجور عظيمة، الخشية، والإخلاص، والحياء من الله، والتوكل عليه، والخوف منه، ورجاء ثوابه، أعمال القلب عظيمة، وكذلك أعمال الجوارح، وهذه دليل على صحة هذه.

ثالثًا: والله يضاعف لمن يشاء، إن من قواعد التعامل بين الله وخلقه أن الله يضاعف الأجر، والمضاعفة قال بعض العلماء: من خصائص هذه الأمة، يعني لم يكن العالمين في الأمم من قبلنا مثلنا في المضاعفة إلى مائة إلى سبعمائة إلى أضعاف أخرى، وهذا من منة الله علينا، احمد ربك أنه جعلك في هذه الأمة، ولم تكن في أمم سابقة، شرف وفخر أن نكون من أمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فلا ذوبان في أعمال الكفار، وشخصيات الكفار، وأنظمة الكفار، نحن أمة مستقلة لنا تاريخ، لنا قائد، لنا كتاب، لنا دستور، لنا شخصية مستقلة واضحة بعقيدتها، وأخلاقها، وعباداتها.

رابعًا: إنه لا بد من الإخلاص في العمل، ولو حصل رياء أو سمعة ذهب العمل، بل إنه جاء في الحديث: «من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به» (27)؛ لأنه في الدنيا كان يريد الهالات الإعلامية، كان يريد الفخر، كان يريد الاستعلاء على العباد، كان يريد الشهرة، ما كان يريد وجه الله، فلا بد من الحذر من محبطات الأعمال؛ كالمن، والعجب، والرياء، ومنقصات الأعمال، مثل من اتخذ كلبًا دون حاجة نقص من أجره كل يوم قيراطين.

وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود: 15- 16].

كلما كان العمل أكثر نفعًا كلما كان أكثر أجرًا، فالأعمال متعدية النفع؛ كالعلم، والدعوة إلى الله أجورها كبيرة جدًا.

أخيرًا: موافقة العمل للشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يُعبد إلا به، وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الشرائع فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (28).

قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث «إنما الأعمال بالنيات» ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فليس من الدين في شيء (29).

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وهديه ولزومهما قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ»، وحذَّر من البدع فقال: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كلَّ بدعة ضلالة» (30).

قال ابن القيم: فإن الله جعل الإخلاص والمتابعة سببا لقبول الأعمال فإذا فقد لم تقبل الأعمال (31).

 

------------

(1) تفسير الرازي (23/ 254).

(2) أخرجه الترمذي (3233).

(3) الاستذكار (8 /171).

(4) المنتقى (1/ 361).

(5) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 439).

(6) اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى (ص: 93).

(7) في ظلال القرآن (4/ 2445).

(8) زهرة التفاسير (9/ 5034).

(9) التفسير الوسيط لطنطاوي (9/ 346).

(10) أخرجه البخاري (1).

(11) أخرجه مسلم (1909).

(12) أخرجه البخاري (4423).

(13) أخرجه الترمذي (2325).

(14) أخرجه الترمذي (586).

(15) أخرجه الطبراني (317).

(16) المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 158).

(17) أخرجه أبو داود (558).

(18) أخرجه الطبراني (7473).

(19) أخرجه مسلم (223).

(20) أخرجه مسلم (2726).

(21) أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28).

(22) أخرجه الترمذي (496).

(23) أخرجه الطبراني (6026).

(24) أخرجه مسلم (2674).

(25) أخرجه مسلم (946).

(26) أخرجه البخاري (2363)، ومسلم (2244).

(27) أخرجه البخاري (6499)، ومسلم (2986).

(28) أخرجه مسلم (3243).

(29) جامع العلوم والحكم (1/ 176).

(30) أخرجه الترمذي (2600).

(31) الروح (1/ 135).