logo

استغلال المناسبات في الدعوة إلى الله


بتاريخ : الاثنين ، 9 شوّال ، 1438 الموافق 03 يوليو 2017
بقلم : تيار الاصلاح
استغلال المناسبات في الدعوة إلى الله

إن حاجة الأمة إلى الدعوة إلى الله الخالصة المخلصة، التي تصحح عقائدهم وتنقيها من الأكدار والشوائب، وتحثهم على أداء ما يجب لله أو لخلقه، واجتناب ما يحرم، وتحذرهم من مغبة الفساد والإفساد؛ كحاجتهم إلى نزول الغيث عند القحط، والطعام الشهي عند الجوع، والماء البارد عند العطش؛ بل أشد؛ لأن من فقد الطعام والشراب غايته الموت، وربما يفضي به الموت إلى الجنة، أما فَقْد الدين فهو يترتب عليه الخسران الأبدي، الذي يفضي بالعبد إلى النار وبئس القرار، وفرق بين الخسارتين.

ثم إن الدعوة إلى الله ضمان للمجتمع الذي توجد فيه من العذاب العاجل والعقوبات العاجلة إذا أعطيت حقها؛ فعلى الداعي الإخلاص والجدية في دعوته وعدم التواني فيها، أو الخروج عن المضامين الدعوية بالقول والعمل بما تقتضيه؛ فإن توانى الداعي أو ضَعُف وخار أو تبرم بالأذى أو استعجل النتائج؛ لم تكن النتيجة على المطلوب؛ بل ربما كانت عكسية، فيستفحل الفساد، ويسيطر المفسدون، ويكون في ذلك إيذان بشر مستطير أو عذاب كبير.

إن المطلوب من الداعية والعالِم، في مجتمعات المسلمين، هو تغيير المجتمعات وتسييرها إلى ما هو أحسن لا مسايرتها ومداهنتها، فهذه، والله، هي مهمة الأنبياء والمصلحين من بعدهم، وهذه هي الحياة السعيدة للعالِم والداعية، وإلا فلا معنى لحياة الداعية والعالم ولا قيمة لها إذا هو ساير الناس واستسلم لضغوط الواقع وأهواء الناس.

إن العالم والداعية لا قيمة لحياتهما إلا بالدعوة والتغيير للأحسن، ولا شك أن في ذلك مشقة عظيمة؛ ولكن العاقبة حميدة بإذن الله تعالى في الدارين لمن صبر وصابر واستعان بالله عز وجل.

وفي ذلك يتحدث أحد الدعاة المخلصين عن رجل العقيدة، الذي يسعى لتغيير الواقع وتسييره في مرضاة الله عز وجل، وليس مسايرته في مرضاة النفس والناس، فيقول: «وأهم شيء في الموضوع تكوين رجل العقيدة، ذلك الإنسان الذي تصبح الفكرة همه، تقيمه وتقعده، ويحلم بها في منامه، وينطلق في سبيلها في يقظته، وليس لدينا، بكل أسف، من هذا النوع القوي والعبقري، ولكن لدينا نفوس متألمة متحمسة مستعدة بعض الاستعداد، ولا بد للنجاح من أن ينقلب هؤلاء إلى مُثُلٍ قوية تعي أمرها، وتكمل نقصها ليتم تحفزها الذي ينطلق من عدم الرضا بالواقع والشعور بالأخطار التي تتعاقب، وينتهي باستجابة لأمر الله ونداءات الكتاب الحكيم، ومراقبة وعد الله ووعيده، والتأسي بسيرة الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه، ولا بد لنا من وصف عاجل وتحديد مجمل لرجل العقيدة»(1).

فيجب أن يتميز الواقع الدعوي بالحيوية والنشاط، ويتأثر بحركة المجتمع وتقلباته المتجددة، ومن خلال هذه التفاعلات المستمرة يمكن للداعي أن يتخير الفرص الماثلة أمامه من حين لآخر، ومن ثم توظيفها في أحسن وجه.

والفرصة هي ظرف مناسب للقيام بعمل ما، أو هي منفعة ذات قيمة مادية أو معنوية تحقق الفائدة، ويتعرض لها الفرد باحتكاكه بالبيئة المحيطة له، وتعد الفرصة واحدة من وسائل تحقيق الغاية أو الهدف المشروع.

وتفويت الفرصة جريمة لا تغتفر، ويوجب الندامة والحسرة على مفوتها؛ ولذا قد حذّرنا الشرع من الوقوع في هذه المغبة، فأمرنا الله تعالى قائلًا: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10]، كما قال حكاية عن الذين فرطوا  في الحياة الدنيا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} [المؤمنون:99-100]، وقال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ»(2).

ويختلف الناس في اغتنام الفرص باختلاف مواهبهم وقدراتهم وخبراتهم واستعداداتهم، فمن زادك في وصف من هذه الأوصاف زادك قدرة في كيفية استغلال الفرص والاستفادة منها.

فالفرصة لا تأتي وحدها، ويتم اكتشاف الفرص بالتعرف على البيئة المحيطة، ومن خلال التحليل والتحديد لأهم العوامل المؤثرة على نجاح الفرد, وفى تلك البيئة يكون هناك العديد من الفرص وكذلك العديد من التهديدات, والفرد صاحب الذكاء البيئي يستطيع، من خلال التحليل السليم والنظرة المتفحصة، اقتناص الفرص وتنميتها، وتجنب التهديدات بأقصى ما يمكن.

وإذا مرت علينا الفرص ولم نغتنمها، وضاعت من بين أيدينا فلا يكون إلا الندم هو المصير المتوقع.

والفرص في حياة الأمم ممتدة مدى الحياة، قائمة حتى آخر لحظة في العمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها»(3).

والإنسان ابن بيئته، والداعي الناجح هو من يعرف هذا البعد المهم في العلاقات الإنسانية، ويحوله إلى فرصة في عمله الدعوي.

نجد، في طول البلاد وعرضها، فرصًا دعوية تمثلت في المناسبات المختلفة التي تتكرر في ربوع البلاد، سواء كانت تلك المناسبات دينية؛ كالأعياد، أو اجتماعية؛ كالولائم وحفلات الزفاف والعرس؛ فعامة الشعب يقصدونها وهم متعطشون لها، فعلى كل داع يرى في نفسه أهلية لاستغلال هذه الفرص أن يتخول الناس في مثل هذه المناسبات لتبليغ رسالته، ولبيان موقف الإسلام من تلك المناسبات كلها بالحكمة والموعظة الحسنة.

فالداعي يجب أن يكون جاهزًا في كل وقت، لاستغلال أي فرصة تمثلت أمامه، خدمة لرسالته الدعوية؛ بل حتى في مهنته وأثناء ممارسته لمنصبه فرصة للدعوة، لكن قَلَّ من يستغلها ويوظفها توظيفًا مناسبًا؛ بل معظم هذه الفرص غالبًا ما تضيع تحت مبررات وذرائع غير مبررة(4).

إن الداعية الموفق هو من جعل الدعوة همًا من جملة الهموم التي يحملها بين جنبيه، وهذا الهم إن صدق الداعية في حمله فإنه لا بد لزامًا أن يكثر تفكيره فيه، ومع كثرة التفكير فيه فلا بد وأن يستغل كل فرصة تمكنه من تحقيقه في واقع الناس، وإن الفرص الدعوية كثيرة، ولله الحمد، فلا بد من اغتنامها وعدم تفويتها، ونعني بهذه الفرص أي الأحوال التي تقبل فيها قلوب الناس على الخير، ويضعف فيها داعي الشر، ويتأهب الناس فيها لسماع الحق.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على اغتنام مثل هذه الفرص، فإن لها من الآثار الحميدة على الفرد والمجتمع ما قد لا يكون في حسبان الداعية؛ بل إن المصلح الإيجابي يتجاوز مجرد اغتنام الفرص التي تتاح له ليبحث عنها ويفتش، وها هو صلى الله عليه وسلم في سيرته يغتنم فرص اجتماع قومه ليدعوهم، ويبحث عن فرص أخرى ليدعو غيرهم، فقد كان يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي المواسم بعكاظ ومجنَّة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة.

وحين لا يجد المصلح فرصة سانحة أمامه، ويفتش يمنة ويسرة؛ فإنه يسعى لأن يوجِد الفرصة؛ فالحاجة أم الاختراع، ولن تعجز عقول المصلحين عن أن تهيئ الفرص وتوجدها، فها هم صناع السلاح والمتاجرون به حين تكسد سوقه يفتعلون المعارك والحروب، ويؤججون نارها ليروجوا بضاعتهم، وها هم أصحاب رءوس الأموال يُغرقون الناس بالدعاية لمنتجاتهم حتى يوجدوا فرص تسويقها.

وقديمًا كان الصياد حين لا تتاح له فرصة اجتماع الطير يلقي له طُعمًا حتى يجتمع فيصيده.

والمصلحون الإيجابيون لا يقف جهدهم عند ذلك فحسب؛ بل هم يبحثون في المواقف السيئة، ومن بين الصور المظلمة يبحثون عن النور والضياء، إنهم حين تحل المحن والنكبات، وحين يتشاءم الناس مما أمامهم يتلمسون الصور المشرقة، ويبحثون عن الثغرات ليستثمروا الواقع الجديد.

حين يقع الابن في معصية أو مصيبة يستثمرها والده العاقل لتكون منطلقًا لنصحه وإصلاحه.

ومهما كانت الأحوال سيئة ومظلمة فالأوضاع الجديدة تحمل في طياتها العديد من الفرص، التي يمكن أن يستثمرها العقلاء، ومن أروع الأمثلة على ذلك ما ذكر الله في قصة يوسف عليه السلام مع صاحبه في السجن.

فإذا تابعنا شخصية يوسف عليه السلام فإننا لا نفتقد في موقف واحد من مواقف القصة ملامح هذه الشخصية، المنبثقة من مقوماتها الذاتية البيئية الواقعية، المتمثلة في كونه العبد الصالح الإنسان بكل بشريته، مع نشأته في بيت النبوة وتربيته ودينه.

فهو في السجن وظلماته، مع الظلم وظلماته، لا يغفل عن الدعوة لدينه، في كياسة وتلطف، مع الحزم والفصل، وفي إدراك لطبيعة البيئة ومداخل النفوس فيها، كما أنه لا يغفل عن حسن تمثيله بشخصه وأدبه وسلوكه لدينه هذا الذي يدعو إليه في سجنه: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)} [يوسف:36-41](5).

وينتهز يوسف هذه الفرصة ليبث بين السجناء عقيدته الصحيحة؛ فكونه سجينًا لا يعفيه من تصحيح العقيدة الفاسدة والأوضاع الفاسدة القائمة على إعطاء حق الربوبية للحكام الأرضيين، وجعلهم بالخضوع لهم أربابًا يزاولون خصائص الربوبية ويصبحون فراعين.

وواضح أن يوسف عليه السلام عندما سيطر على مقاليد الأمور في مصر، استمر في دعوته للإسلام على هذا النحو الواضح الكامل الدقيق الشامل، ولا بد أن الإسلام انتشر في مصر على يديه، وهو يقبض على أقوات الناس وأزوادهم لا على مجرد مقاليد الحكم بينهم، وانتشر كذلك في البقاع المجاورة ممن كانت وفودها تجيء لتقتات مما تم ادخاره بحكمته وتدبيره، وقد رأينا إخوة يوسف يجيئون من أرض كنعان المجاورة في الأردن، ضمن غيرهم من القوافل، ليمتاروا من مصر ويتزودوا، مما يصور حالة الجدب التي حلت بالمنطقة كلها في هذه الفترة(6).

مسائل مهمة:

أولًا: القدوة:

فعليك أن تكون ذلك الرجل الذي وافق قوله فعله، فليس من المعقول أن تنهي الناس عن خلق وأنت متلبس به، عار عليك إذا فعلت عظيم، فعليك بنفسك فهيئها لهذا المضمار لعلك أن تنال القبول فيجمع لك الله الحسنيين.

ثانيًا: العلم:

يجب أن يكون شعارك في طريق دعوتك العلم قبل القول والعمل، فبالعلم الشرعي تأمن على نفسك من أن تنكر معروفًا أو تأمر بمنكر، فاعرض أمورك على ميزان الشرع فما وافقه فهو المعروف وما خالفه فهو المنكر، وإياك ثم إياك أن تتسرع بحكمك على الأشياء بلا علم فتعرض نفسك للوعيد ودعوتك للرد.

جاء في الحديث: «ومَن كذب علَيَّ متعمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار»(7).

واعلم أن العلم رفعة في الدنيا والآخرة، وأجر مستمر إلى يوم القيامة، واسمع لقول ربنا جل وعلا: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوْتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}  [المجادلة:11].

ثالثًا: الإخلاص:

فاحذر من طلب السمعة والشهرة وحب التصدر والظهور، فإنه شراك إبليس الذي ينصبه للدعاة ليفسد عليهم دعوتهم.

فبالإخلاص تبلغ مالا يبلغه عملك، ويورثك الله علم ما لا تعلم، ويجعل لك القبول في قلوب المدعوين، فعليك باستحضار الإخلاص في كل حين، وألَّا يكون ذلك مانعًا للعمل داعيًا للكسل.

رابعًا: العمل:

فنحن نتعبد الله جل في علاه بالعمل على نشر الدعوة بين أقوامنا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما نتائج تلك الدعوة فبيد الله ولسنا مطالبين بها.

فبالعمل نوصل أعظم الخير للناس، من هدايتهم وإرشادهم وتوجيههم، وخيرية أُمتنا قائمة على أساس العمل، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران:110].

خامسًا: رجل المواقف:

الداعية حكيم في تعامله، يعطي الأمور قدرها، فهو مجيد في ترتيب الأولويات، لين عندما يتطلب الموقف اللين، وحازم عند الحاجة للحزم.

قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269].

سادسًا: التحمل:

إن من نافلة القول تذكيرك بأن طريق الدعوة مليء بالأشواك والمعوقات، وأنها سنة كونية جارية، ولولا ذلك لطرق هذا الباب من هو ليس أهلًا له، فأكرم الخلق وجد من قومه الأمَرَّين في سبيل الدعوة.

والله تعالى يقول: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت:1-3].

فما عليك إلا أن تستعين بالله، وتعمل، وتصبر على ما يصيبك حتى يظهر الله دعوتك.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا»(8).

ومن المناسبات الهامة التي يجب على الداعية اغتنامها، والاستفادة بها لصالح دعوته، الأفراح والأعراس، وإليك بعضًا من المقترحات المعينة على استغلال فرصة الأعراس، وتنقيتها من المنكرات أو التخفيف منها:

1- التعامل الأولي مع موسم الأعراس:

أ- قم بتحديد مناسبات الأعراس قبل وقت كاف لها، مع ترتيبها حسب حجم المنكر المتوقع حدوثه.

ب- احرص على زيارة أصحاب العرس قبل الزواج بوقت كاف، مع مراعاة الوقت المناسب للزيارة.

ج- اصطحب معك في زيارتك شخصًا صاحب مكانة عالية وكلمة مسموعة.

د- بين ما لُحظ من انتشار للمنكرات في الأفراح، مع بيان مدى خطورة ذلك على الفرد والجماعة، وأن المقيم لمثل تلك المنكرات مشارك في الإثم متوعد بالعقوبة، وأنه من أسباب الشقاء للزوجين في الدنيا، ولا تنس أن تَعرض خدماتك لأهل العرس.

هـ- احرص على اصطحاب فتاوى أهل العلم المبينة لتلك المنكرات(9).

***

_______________

(1) في سبيل الدعوة الإسلامية، ص39.

(2) أخرجه البخاري (6412).

(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (479).

(4) فرص الدعوة إلى الله، عبد الله لام.

(5) في ظلال القرآن (4/ 1956).

(6) المصدر السابق (4/ 1960).

(7) أخرجه البخاري (6197).

(8) أخرجه أحمد (2803).

(9) كيف تدعو إلى الله تعالى في مناسبات الزواج، عبد اللطيف الغامدي.