logo

صفات المربي في الإسلام


بتاريخ : الأربعاء ، 22 محرّم ، 1445 الموافق 09 أغسطس 2023
بقلم : تيار الاصلاح
صفات المربي في الإسلام

للمربي المسلم صفات كلما ازداد منها زاد نجاحه في تربية ولده بعد توفيق الله، وقد يكون المربي أبًا أو أمًا أو أخًا أو أختًا أو عمًا أو جدًا أو خالًا، أو غير ذلك، وهذا لا يعني أن التربية تقع على عاتق واحد، بل كل من حول الطفل يسهم في تربيته وإن لم يقصد.

بالطبع هناك الكثير والكثير من الآباء والأمهات الذين يجهلون دورهم كمربين، ومن ثم تثمر تربيتهم (حنظلًا) تبدو آثاره المرة في العصيان والتمرد والعنف والعدوان والمعاكسات وتعاطي المخدرات والمشكلات النفسية والسلوكية.. الخ، فهناك بعض الآباء والأمهات يربون أبناءهم بعشوائية، والبعض يترك أبناءه للزمن كي يربيهم، وبعض المربين يطلق عليه الحاضر الغائب، حاضرًا كممول اقتصادي غائبًا كأب ومرب، والبعض حاضر بجسده بين أبنائه، غائب بروحه وعقله، والحقيقة أنه ليس كل أب يعد مربيًا، وليس كل مرب يعد مربيًا ناجحًا.

إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة، ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها، وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه، فلا يصعب على طارق، ولا يستعصي على مهاجم! وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله، واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها، واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدًا (1)                            

وصفات المربي كثيرة أهمها:

1- التقوى وحسن الصلة بالله: المربي الناجح هو من يتقي الله في كل شئون حياته، ويعلم علم اليقين أن كل مقاليد الأمور بيد الله يقدرها كيف يشاء، وما أمر ابنه إلا بيد الله، لذلك هو يتقي الله في مصدر ماله وفي عمله وفي مطعمه ومشربه الخ، ومن ثم يربي الله له ولده، وصدق الله إذ يقول: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9].

ويقول في آية أخرى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2- 3].

ويقول الله تعالى في اية أخرى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].

وقد فهم ذلك الفاهمون وكان سعيد بن المسيب يقول لولده: إني لأزيد في صلاتي من أجلك، رجاء أن أُحْفَظَ فيك (2)، وقد ربط الصلاة (الدعاء) بصلاح الولد وهو ربط لا يفهمه إلا كل عاقل.

كذلك نجد عمر بن عبد العزيز مات وما خلف لأهل بيته من حطام الدنيا شيئًا، في حين ترك عبد الملك بن مروان لأبنائه مالًا كثيرًا، ويقول العارفون من أهل عصره قد رأينا أبناء عمر بن عبد العزيز أغنى الناس، ورأينا أبناء عبد الملك بن مروان عالة يتكففون الناس.

وبالطبع تعلمون قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر في بناء الجدار لليتيمين، ولماذا أقاماه بعد أن أبى أهل القرية أن يضيفوهما؟ لقد قيض الله نبيًا من أولي العزم من الرسل وسيدنا الخضر لبناء الجدار حفاظًا على أموال اليتيمين لأن أباهما كان صالحًا، فصلاح الآباء ينفع الأبناء ولو بعد حين.

وقد كنا نقصر في صلتنا بالله، فلا نرى قلوبًا مفتوحة لنا، ولا آذانًا صاغية، تستقبل بحب ما نقوله وما نفعله، والعكس عندما كنا نحسن الصلة بالله، فكان الله عز وجل يبارك في القليل، فيستجيب الصغار لنا أسرع مما نتخيل، يصلون، ويذاكرون، ويحفظون القرآن الكريم، ويظهر منهم حسن خلق أثناء اللعب، وأثناء الفسح.

2- العلم: عُدَّةُ المربي في عملية التربية، فلا بد أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي، إضافة إلى فقه الواقع المعاصر.

 

ولو نظر المتأمل في أحوال الناس لوجد أن جل الأخطاء العقدية والتعبدية إنما ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم، ويَظَلُّون عليها إلى أن يقيض الله لهم من يعلمهم الخير ويربيهم عليه، كالعلماء والدعاة والإخوان الصالحين أو يموتون على جهلهم.

والمربي الجاهل بالشرع يحول بين أبنائه وبين الحق بجهله؛ وقد يعاديه لمخالفته إياه، كمن يكره لولده كثرة النوافل أو ترك المعاصي أو الأمر بالمعروف أو طلب العلم أو غير ذلك.

ويحتاج المربي أن يتعلم أساليب التربية الإسلامية ويدرس عالم الطفولة، لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة.

ولذا نجد اختلاف الوسائل التربوية بين الأطفال إذا اختلفت أعمارهم، بل إن الاتفاق في العمر لا يعني تطابق الوسائل التربوية؛ إذ يختلف باختلاف الطبائع.

وعلى المربي أن يعرف ما في عصره من مذاهب هدَّامة وتيارات فكرية منحرفة، فيعرف ما ينتشر بين الشباب والمراهقين من المخالفات الشرعية التي تَفدُ إلينا؛ ليكون أقدر على مواجهتها وتربية الأبناء على الآداب الشَرعية.

فالمربي لكي يحسن التعامل مع الصغار؛ لا بد أن يعرف خصائص كل مرحلة سنية، وأن يقرأ عن أساليب التربية ومجالاتها، وكذلك يقرأ في وسائل جذب الأطفال، ويقرأ عن المشكلات النفسية والسلوكية، التي قد يعاني منها بعض الأطفال.

واعلم بأن الصغار يسألون في كل شيء، وفي أي شيء، فإن عجز المربي عن الإجابة، أو تَكرر تَهَرُّبُهُ منهم سقط من نظرهم، ولجئوا لغيره؛ يسْتَقُونَ مِنْهُ معلوماتِهم، قد يكون التليفزيون، وقد يكون شخصًا سيئًا، وقد يكون مجلة داعرة، أو كتابًا فاسدًا، أو غيرَهُ.

3- الشعور بالمسئولية: من صفات المربي الناجح أن يتحمل مسئوليته تجاه أبنائه، والمسئولية ليست مطعمًا وملبسًا ومركبًا، وإنما هي مسئولية اجتماعية ونفسية وخلقية ودينية، مسئولية تربوية قائمة على تعليم أصول التربية السليمة وفنونها، وتذكر دومًا أنك مسئول عن ابنك في الدنيا، ومسئول عنه في الآخرة.

                               

يقول الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليه بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها (3).

ومن الفطنة أن نعلم من الآية السابقة أن التربية أمر من الله، وأن وقاية الولد وهو أقرب الأهل من النار لن يكون بإطعامه خير الطعام أو كسائه خير الكساء مثلًا؛ ولكن الوقاية الحقيقية من النار تكون بالتربية السليمة بكل أبعاده النفسية والاجتماعية والعقلية والخلقية والدينية والعقدية.

وأنت عزيزي المربي من تحمل مسئولية وقاية ابنك من النار، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها» (4).

كما يقول النبي صلى الله عليه واله وسلم: في حديث آخر: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» (5).

وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم

يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة» (6).

ولا شك أن مسئوليتك تجاه ولدك تبدأ قبل ميلاده وذلك باختيار أمه، الأم الصالحة الأم الجيدة، كما يخبرك النبي صلى الله عليه واله وسلم: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» (7).

واعلمي أيتها المربية، إن مسئوليتك تكون كذلك أثناء الحمل بالتغذية الجيدة، والحالة النفسية المستقرة، لأن كل انفعالات سواء إيجابية أو سلبية تنعكس على جنينك، وكذلك البعد عن التدخين والمسكرات والمخدرات، كذلك مسئوليتك في التهيؤ النفسي الجيد لاستقبال المولود، حيث ينعكس ذلك على صحته النفسية والجسمية.

وتستمر مسئوليتكم بعد الولادة مباشرة بإقامة سنن المولود من أذان في الأذن اليمنى وإقامة في الأذن اليسرى، وتحنيك المولود، وحسن الاسم، والعقيقة، وغير ذلك من السنن.

فالتربية ليست قضية اختيارية يمكنك القيام بها أو غض الطرف عنها واغفالها، وانتبه أيها المربي، قد تكون من ذلك البعض الذي لا يقولها بلسانه ولكنه يفعلها واقعًا حياتيًا في دنيا أبنائه حيث يغيب عنهم ليل نهار مواصلًا عمله ومحققًا طموحاته وناسيًا واجبه ومسئولياته تجاه أبنائه.

ولا تقتصر المسؤولية أيها المربي على دورك كممول اقتصادي فقط لمؤسستك التربوية؛ فوظيفتك أسمى من ذلك بكثير، فأنت من يقع عليك ضبط ايقاع الأسرة بأسرها كي تنتج لنا قصة أسرية لا نشاز فيها، فحينما يتحدث أبناؤك تطرب لحديثهم الفياض بالأخلاق الكريمة والأدب الجم، وبهذه الأخلاق يتخلق أبناؤك بخلق الصالحين.

واعلم عزيزي المربي، مسئوليتك تتخطى تلكم التربية التقليدية إلى اكتشاف عبقرية ابنك؛ بل اكتشاف ذلك العملاق القابع داخل ابنك وتفجير طاقاته الكامنة بداخله، وتنمية مواهبه، فإصلاحك أبنائك فيه إصلاح المجتمع وربما العالم بأسره، فتربيتك أبناءك تربية سليمة تسهم بشكل فعال في إصلاح المجتمع، فما المجتمع إلا ابني وابنك، ولو أصلح كل منا ولده، لتغير وجه المجتمع، حيث يختفى الغش والرشوة والعنف والظلم والمخدرات والزواج العرفي، وغير ذلك من الانحرافات السلوكية والجرائم التي يقوم بها أفراد لم يتحمل آباؤهم مسئولية تربيتهم، ولذا فمسئوليتك عزيزي المربي تجاه أبنائك تعني مسئوليتك تجاه المجتمع.

4- القدوة الحسنة: وهي عُمدة الصفات كلِّها؛ بل تَنبني عليها جميعُ صِفات المُربِّي، فيكون قدوةً في سُلوكه، قدوةً في مَلْبَسِه، قدوة في حديثه، قدوة في عبادته، قدوة في أخلاقه وآدابه، قدوة في حياته كلها.

وقالوا قديمًا: إن فعل رجل في ألف رجل أقوى من قول ألف رجل لرجل، وحديثًا قالوا: صورة تغني عن مائة مقال.

ولقد أتى عمرو بن عتبة بمعلم لابنه وقبل أن يعلم ابنه قال له: ليكن أول اصلاحك لولدي اصلاحك لنفسك، فإن عينه معقودة بعينك، فالحسن عنده ما صنعت والقبيح عنده ما تركت، وهو يعلم أن أبنائه سوف يتخذون معلمهم قدوة (8).

إن القدوة إذا كانت حسنة فإن الأمل يكون كبيرًا في إصلاح الطفل، وإذا كانت القدوة سيئة فإن الاحتمال الأرجح هو فساد الطفل، وقدرة الطفل على المحاكاة الواعية وغير الواعية كبيرة جدًا، فهو يلتقط بوعي وبغير وعي كل ما يراه حوله أو يسمعه، فالطفل الذي يرى أباه أو أمه تكذب لا يمكن أن يتعلم الصدق، والطفل الذي يرى أمه تغش أباه أو أخاه أو تغشه هو نفسه لا يمكن أن يتعلم الأمانة، والبنت التي ترى أمها مستهترة لا يمكن أن تتعلم الفضيلة، والطفل الذي يقسو عليه أبواه لا يمكن أن يتعلم الرحمة.

وحين توجد القدوة الحسنة متمثلة في الأب المسلم، والأم ذات الدين، والمعلم الفاضل، فإن كثيرًا من الجهد المطلوب لتنشئة الطفل على الإسلام يكون ميسورًا وقريب الثمرة في ذات الوقت؛ لأن الطفل سيتشرب القيم الإسلامية من الجو المحيط به بطريقة تلقائية، وليس معنى هذا أن الطفل لن يحتاج إلى جهد على الإطلاق في عملية التربية، أو أنها ستتم تلقائيًا عن طريق القدوة وحدها، ولكن الذي يمكن قوله هنا، إن القدوة الطيبة هي دائمًا قيمة موجبة، يحدث بإزائها قدر مساو من الجهد الذي يجب بذله (9).

ولذا وجب على المربي أن يكون قدوة صالحة لابنه في الصدق والأمانة والعدل وفعل الخير والعطاء والرحمة والصبر... الخ.

5- القدرة على العطاء: من صفات المربي الناجح أن يتسم بالقدرة على العطاء، العطاء المادي (مطعم ومشرب وملبس ومركب ... إلخ) والعطاء المعنوي (ثواب معنوي وحب وحوار وقضاء بعض الأوقات مع الأبناء.... الخ) وتصل درجة العطاء لدى المربي الجيد أن يؤثر أبناءه على نفسه، وهناك من الآباء من يحبون أبناءهم ولكن ليس لديهم قدرة على العطاء حيث يكون متمركزًا حول ذاته، أو يمنعه كسله من العطاء، وهناك بعض المربين يبخلون على أبنائهم بالكلام معهم واللعب معهم وحكي بعض القصص لهم.

واعلم أيها المربي أن أفضل استثمار هو الاستثمار في الأبناء، استثمار يعود ربحه وفائدته في الدنيا والآخرة، فاجعل تربية أبنائك رصيدك في بنك الحياة، ورصيدك في القبر.. ورصيدك في الآخرة..... وذلك هو الرصيد الحقيقي.

واعلم عزيزي المربي إن أفضل الأوقات وقت تنفقه على ابنك ذلك الوقت الذي إن أجدت استثماره بشكل كيفي وليس كميًا فقط، في تربية أبنائك في الطفولة سوف يوفر عليك أوقاتًا عديدة في المراهقة وما بعدها.

واعلم أن ساعة من التخطيط لتربية أبنائك بتعلمك فنون التربية توفر عليك ساعات في التنفيذ، وكم من آباء حرموا أبنائهم من ساعة للتربية، ظنًا منهم أن التربية في توفير الطعام والملبس وغير ذلك من الأمور المادية؛ فدفعوا الثمن غاليًا، حيث دفعوه أيامًا وسنين في تعديل سلوك أبنائهم؛ بل وأنفقوا الأموال الطائلة وأكثر من ذلك، ذلكم الصراع المستمر مع الأبناء.

6- التواصل الجيد: من صفات المربي الناجح أنه يجيد مهارة التواصل الايجابي مع أبنائه على المستوى الفكري بالحوار، وعلى المستوى العاطفي بالحب، وعلى المستوى السلوكي باللعب والقصة، فالمربي يجيد مهارة الانصات الجيد لأبنائه وكيفية إدارة الحوار معهم لحل مشكلاتهم واشباع حاجاتهم، ومن صفات المربي الناجح أن يألف ويؤلف، يألف الصغار ولا يأنف الجلوس معهم، ويعاملهم بقدر عقولهم، والمربي الناجح هو من يعرف حاجات أبنائه ويشبعها بشكل متزن، والمربي الناجح يعرف كيف يوصل أفكاره ومشاعره لأبنائه، ويجيد استقبال أفكارهم وفهمها والتفاعل معها تفاعلًا جيدًا

7- الاتزان النفسي: من صفات المربي الناجح الاتزان النفسي، أي إنه يستطيع التحكم في انفعالاته، ويكون قادرًا على ضبط نفسه، واثقًا من نفسه، مؤكدًا لذاته داخل الأسرة، مبتعدًا عن العصبية الزائدة والعنف والعدوانية والغضب والسلوكيات السيئة؛ كالتدخين والمخدرات.... الخ، وأن يكون شخصية هادئة وليس شخصية عصبية أو قلقة، وأن يكون شخصية اجتماعية لا انطوائية، وأن يكون شخصية ايجابية لا سلبية، وأن يتسم بالحب لا العدوان.

8- ماهر في التربية: من صفات المربي الناجح أن يجيد فنون التربية بالثواب والعقاب وفنون التربية بالحوار والحب، وفنون التربية باللعب، وفنون التربية بالقصة وبالحوار، وأن يجيد أساليب التنشئة الاجتماعية والنفسية السليمة للأبناء، حتى لا يقع في أخطاء تربوية ينتج عنها مشكلات نفسية وسلوكية لهم، ويعرف كيف يكون وسيطًا في معاملة الأبناء ما بين الشدة واللين، لا قسوة زائدة ولا تدليل زائد ولا إفراط ولا تفريط، ولا تحكم زائد ولا اهمال.

كما يعرف متى يعاقب وكيف يعاقب، ويعرف متى يثيب (يكافئ) وكيف يثيب، ويعرف الخصائص الجسمية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والخلقية والدينية لكل مرحلة من مراحل النمو المختلفة، ويكون دائم الاطلاع على أحدث فنون التربية، ومبدعًا لفنون تربوية جديدة، كما يعرف كيف يكتشف ذلك العملاق القابع داخل ابنه، ويعرف كيف يكتشف عبقرية ابنه، وكذلك يعرف كيف يجعل ابنه سعيدًا ومتميزًا (10).

9- القوامة: أمر شامل فهي تفوّق جسدي وعقلي وأخلاقي، وكثير من الآباء يتيسر لهم تربية أولادهم في السنوات الأولى؛ لأن شخصياتهم أكبر من شخصيات أولادهم (11)، ولكن قليل أولئك الآباء الذين يظلون أكبر وأقوى من أبنائهم ولو كبروا.

وهذه الصفة مطلوبة في الوالدين ومن يقوم مقامهما، ولكن لا بد أن تكون للأب وهي جزء من القوامة، ولكن ثمة خوارقٌ تكسر قوامة الرجل وتضعف مكانته في الأسرة، منها:

- أن تكون المرأة نشأت في بيت تقوده المرأة، والرجل فيه ضعيف منقاد، فتغضب هذه المرأة القوامة من الرجل بالإغراء، أو التسلط وسوء الخُلق، واللسان الحاد (12).

- أن تعلن المرأة أمام أولادها التذمر أو العصيان، أو تتهم الوالد بالتشدد والتعقيد، فيرسخ في أذهان الأولاد ضعف الأب واحتقار عقليته (13).

- أن تَعرض المرأة على زوجها أمرًا فإذا أبى الزوج خالفته خفية مع أولادها، فيتعود الأولاد مخالفة الوالد والكذب عليه.

ولا بد أن تسلم المرأة قيادة الأسرة للرجل، أبًا كان أو أخًا كبيرًا أو خالًا أو عمًا، وعليها أن تنقاد لأمره ليتربى الأولاد على الطاعة، وإن مَنَعَ شيئًا فعليها أن تطيع (14)، وإن خالفه بعض أولادها فيجب أن تخبر الأب ولا تتستر عليه لأن كثيرًا من الانحرافات تحدث بسبب تستُّر الأم.

وفي بعض الأحوال تصبح الأم في حيرة، كأن يطلب الأولاد شيئًا لا يمنعه الشرع ولا الواقع، ولكن الأب يمانع لرأي يراه قد يفصح عنه وقد يكتمه، فيحاول الأولاد إقناع الأب فلا يقتنع، ففي هذه الحال لا بد أن تطيع المرأة، وتطيّب نفس أولادها وتبين لهم فضل والدهم ورجاحة عقله، وتعزيهم بما في الحياة من أحداث تشهد أن للوالدين إحساسًا لا يخيب، وهذا الإحساس يجعل الوالد أحيانًا يرفض سفر ولده مثلًا، ثم يسافر الأصدقاء فيصابون بأذى فيكون رفض الوالد خيرًا وذلك بسبب إحساسه.

10- العدل: وقد كان السلف خير أسوة في العدل بين أولادهم، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل (15).

والعدل مطلوب في المعاملة والعقوبة والنفقة والهِبَة والملاعبة والقُبَل، ولا يجوز تمييز أحد الأولاد بعطاء لحديث النعَمان المشهور حيث أراد أبوه أن يهبه دون أخوته، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى وسلم: «فلا تشهدني إذًا، فإني لا أشهد على جور» (16)، إلا أن هناك أسبابًا تبيح تمييز بعض الأولاد كاستخدام الحرمان من النفقة عقابًا، وإثابة المحسن بزيادة نفقته، أو أن يكون بعضهم محتاجًا لقلة ماله وكثرة عياله (17).

ولا يعني العدل تطابق أساليب المعاملة، بل يتميز الصغير والطفل العاجز أو المريض (18)، وذلك لحاجتهما إلى العناية، وكذلك الولد الذي يغيب عن الوالدين بعض أيام الأسبوع للدراسة أو العمل أو العلاج، ولا بد أن يبيّن الوالدان لبقية الأولاد سبب تمييز المعاملة بلطف وإشفاق، وهذا التميز ليس بدرجة الكبيرة ولكن فرق يسير بين معاملة هؤلاء ومعاملة البقية، وهذا الفرق اليسير يتسامح الإخوة به ويتجاوزون عنه.

ومما يزرع الكراهية في نفوس الإخوة تلك المقارنات التي تُعقد بينهم، فيُمدح هذا ويُذم هذا، وقد يقال ذلك عند الأصدقاء والأقارب فيحزن الولد المذموم ويكره أخاه.

والعدل ليس في الظاهر فقط، فإن بعض الناس يعطي هذا خفية عن إخوته وهذا الاستخفاء يعلِّمُ الطفل الأنانية والتآمر (19).

11- الحرص: وهو مفهوم تربوي غائبٌ في حياة كثير من الأسر، فيظنون أن الحرص هو الدلال أو الخوف الزائد عن حده والملاحقة الدائمة، ومباشرة جميع حاجات الطفل دون الاعتماد عليه، وتلبية جميع رغائبه.

والأم التي تمنع ولدها من اللعب خوفًا عليه، وتطعمه بيدها مع قدرته على الاعتماد على نفسه، والأب الذي لا يكلف ولده بأي عمل بحجة أنه صغير كلاهما يفسده ويجعله اتّكاليًا ضعيف الإرادة، عديم التفكير، والدليل المشاهَد هو: الفرق الشاسع بين أبناء القرى والبوادي وبين أبناء المدينة (20).

والحرص الحقيقي المثمر: إحساسٌ متوقدٌ يحمل المربي على تربية ولده وإن تكبَّد المشاق أو تألم لذلك الطفل. وله مظاهر منها:

(أ) الدعاء: إذ دعوة الوالد لولده مجابة لأن الرحمة متمكنة من قلبه فيكون أقوى عاطفة وأشد إلحاحًا (21)، ولذا حذر الرسول صلى الله عليه وعلى وسلم الوالدين من الدعاء على أولادهم فقد توافق ساعة إجابة.

(ب) المتابعة والملازمة: لأن العملية التربوية مستمرة طويلة الأمد، لا يكفي فيها التوجيه العابر مهما كان خالصًا صحيحًا (22)، وقد أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وعلى وسلم حيث قال: «الزمُوا أولادكم.. وأحسنوا آدابهم» (23).

والملازمة وعدم الغياب الطويل عن البيت شرط للتربية الناجحة، وإذا كانت ظروف العمل أو طلب العلم أو الدعوة تقتضي ذلك الغياب فإن مسؤولية الأم تصبح ثقيلة، ومن كان هذا حاله عليه أن يختار زوجة صالحة قوية قادرة على القيام بدور أكبر من دورها المطلوب.

12- الحزم: وبه قوام التربية، والحازم هو الذي يضع الأمور في مواضعها، فلا يتساهل في حال تستوجب الشدة ولا يتشدد في حال تستوجب اللين والرفق (24).

وضابط الحزم: أن يُلزم ولده بما يحفظ دينه وعقله وبدنه وماله، وأن يحول بينه وبين ما يضره في دينه ودنياه، وأن يلزمه التقاليد الاجتماعية المَرعيَّة في بلده ما لم تعارض الشرع، قال ابن الجوزي رحمه الله: فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه، ولم يمكنك تأديبه، فيبلغْ جاهلًا فقيرًا (25).

وإذا كان المربي غير حازم فإنه يقع أسير حبه للولد، فيدلّله، وينفذ جميع رغائبه، ويترك معاقبته عند الخطأ، فينشأ ضعيف الإرادة منقادًا للهوى، غير مكترث بالحقوق المفروضة عليه (26).

وليس حازمًا من كان يرقب كل حركة وهمسة وكلمة، ويعاقب عند كل هفوة أو زلّة، ولكن ينبغي أن يتسامح أحيانًا (27).

ومن مظاهر الجزم كذلك عدم تلبية طلبات الولد؛ فإن بعضها ترف مفسد، كما أنه لا ينبغي أن ينقاد المربي للطفل إذا بكى أو غضب ليدرك الطفل أن الغضب والصياح لا يساعده على تحقيق رغباته (28) وليتعلمَ أن الطلب أقرب إلى الإجابة إذا كان بهدوء وأدب واحترام.

ومن أهم ما يجب أن يحزم فيه الوالدان النظام المنزلي، فيحافظ على أوقات النوم والأكل والخروج، وبهذا يسهل ضبط أخلاقيات الأطفال، وبعض الأولاد يأكل متى شاء وينام متى شاء ويتسبب في السهر ومضيعة الوقت وإدخال الطعام على الطعام، وهذه الفوضوية تتسبب في تفكك الروابط واستهلاك الجهود والأوقاتـ وتنمي عدم الانضباط في النفوس.. وعلى رب الأسرة الحزم في ضبط المواعيد الرجوع إلى المنزل والاستئذان عند الخروج للصغار – صغار السن أو صغار العقل (29).

13- الصدق: وهو التزام الحقيقة قولًا وعملًا، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات، والفسق في المعاملات، وإخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات (30).

وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى وسلم المرأة المسلمة التي نادت ولدها لتعطيه، فسألها: ماذا أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال: لو لم تعطيه شيئًا كُتبت عليكِ كذبة (31).

ومن مظاهر الصدق ألا يكذب المربي على ولده مهما كان السبب، لأن المربي إذا كان صادقًا اقتدى به أولاده، وإن كان كاذبًا ولو مرة واحدة أصبح عمله ونصحه هباء، وعليه الوفاء بالوعد الذي وعده للطفل، فإن لم يستطع فليعتذر إليه (32).

وبعض الأطفال يتعلم الرياء بسبب المربي الذي يتظاهر أمام الناس بحال من الصلاح أو الخلق أو الغنى أو غيرها ثم يكون حاله خلاف ذلك بين أسرته (33).

14- الحكمة: وهي وضع كل شيء في موضعه، أو بمعنى آخر: تحكيم العقل وضبط الانفعال، ولا يكفي أن يكون قادرًا على ضبط الانفعال واتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب، بل لا بد من استقرار المنهج التربوي المتبع بين أفراد البيت من أم وأب وجد وجدة وإخوان وبين البيت والمدرسة والشارع والمسجد وغيرها من الأماكن التي يرتادها؛ لأن التناقض سيعرض الطفل لمشكلات نفسية (34).

 

وعلى هذا ينبغي تعاون الوالدين واتفاقهما على الأسلوب التربوي المناسب، وإذا حدث أن أمر الأب بأمر لا تراه الأم فعليها ألا تعترض أو تسفِّه الرجل، بل تطيع وتنقاد ويتم الحوار بينهما سرًا لتصحيح خطأ أحد الوالدين دون أن يشعر الطفل بذلك (35).

15- نفس عظيمة وهِمَّة عالية: المُربي لا بد أن يكون عظيمَ النَّفس، هِمَّتُه عالية، وإرادته قوية، ونَفَسُه طويل، لا يطلب سفاسفَ الأُمُورِ، يعلم أن تربية الأولاد في الإسلام فنٌّ له عقبات؛ كما له حلاوة، وأجر عظيم. لذلك يسعى جاهدًا أن يجعلها لِلَّه، ويُضَحّي من أجلها بِراحَتِه وبماله، وبكل شيء عنده، ويصل طموحه به إلى أن يتمنَّى أن يكون ابنه؛ كمُحَمَّد الفاتح، الَّذي علَّمه شيخُه وهو صغير أنَّ القسطنطينية سيفْتَحُها اللَّه على يد أمير مسلم، يرجو أن يكون هو، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَلَنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيش» (36)، ومن نماذج المربين وأصحاب الهمم والطموحات الكثير والكثير (27).

---------------

(1) في ظلال القرآن (6/ 3619).

(2) البحر المديد (3/ 297).

(3) تفسير الطبري (23/ 104).

(4) أخرجه البخاري (893).

(5) أخرجه ابن حبان (4493).

(6) أخرجه البخاري (7150).

(7) أخرجه البخاري (5090).

(8) تذكره الآباء وتسليه الأبناء (ص: 56).

(9) مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها (ص: 236- 237).

(10) فن تربية الأبناء (ص: 35-40).

(11) منهج التربية الإسلامية (ص: 280).

(12) منهج التربية الإسلامية (ص: 68- 69).

(13) كيف نربي أطفالنا (ص: 70).

(14) تربية البنات (ص: 69).

(15) المغني، لابن قدامة (5/ 666).

(16) أخرجه مسلم (1623).

(17) المغني (5/ 604).

(18) كيف نربي أطفالنا (ص: 76).

(19) تربية الأبناء، لأحمد القطان.

(20) كيف نربي أطفالنا (ص: 62- 63).

(21) منهج التربية النبوية (ص: 322).

(22) منهج التربية الإسلامية (ص: 285).

(23) أخرجه ابن ماجه (3671).

(24) أصول التربية الإسلامية (ص: 174).

(25) صيد الخاطر (ص: 540).

(26) كيف نربي أطفالنا (ص: 63).

(27) أصول التربية الإسلامية (ص: 175).

(28) كيف نربي أطفالنا (ص: 144).

(29) أربعون نصيحة لإصلاح البيوت (ص: 44).

(30) أخلاق المسلم (ص: 61).

(31) أخرجه أبو داود (4991).

(32) أخلاق المسلم (ص 72).

(33) أصول التربية الإسلامية (ص: 173).

(34) المشكلات النفسية عند الأطفال (ص: 14).

(35) كيف تربي ولدك (ص: 9- 19).

(36) أخرجه الحاكم (8300).

(37) المربي الناجح/ ملتقى الخطباء.