أيها الدعاة، خذوا حذركم
قال المغيرة بن شعبة: «ما رأيت أحدًا أحزم من عمر، كان له، والله، فضلٌ يمنعه أن يَخدع، وعقل يمنعه أن يُخدَع»، وكذا قال رضي الله عنه: «لست بخب، ولا الخب يخدعني»(1).
قال عمرو بن العاص: «ما رأيت أحدًا كلّم عمر رضي الله عنه إلا رحمته؛ لأنه كان لا يخدع أحدًا لفضله، ولا يخدعه أحد لفطنته»(2).
فإذا ما تستر الباطل في ستور مختلفة، وإذا ما جاء الأعداء في لبوس الأصدقاء لم يخدعه ذلك؛ بل كان عنده الوعي والمعرفة والإدراك الذي يميز به بين الحق والباطل، ويدرك به ما وراء السطور، ويعرف ما يحاك للأمة الإسلامية، وما يمكر به الماكرون، وما يدبره المنافقون، فإن الأمة اليوم مستهدفة من أعدائها، ومغزوة من داخلها ببعض أبنائها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث عنهم: «من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا».
ولا يليق بالعاقل أن يقبل بأن يحتال عليه النصابون ويتلاعبوا بعقله وماله، فكيف بالدعاة أصحاب الهمم العظيمة والمهام الجليلة، لا ينخدعوا لقول طاغية أو مرجف أو بطال؛ لأنهم حينئذ لا يتقدمون خطوة ولا ينجزون مهمة؛ بل يحدث تراجع في العمل، وأفول في الحركة، إن لم تكن انتكاسة وانحراف.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصّغرى: لا، يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى»، قال: قال أبو هريرة: «والله، إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المدية»(3).
إن الكثير من الدعاة انجرف إلى فتن أهل الأهواء، ورضي بواقع مزيف تحت حجج وبراهين واهية، وصور التلبيس والتضليل من المنافقين كثيرة جدًا؛ والمقصود الحذر من فتنتها والسقوط في شباكها، والتفطن إلى أن المنافقين يستخدمون الإسلام دائمًا، ويتترسون به في تمرير ما يُريدون من أغراضهم الخبيثة؛ فهذا شأنهم دائمًا؛ التحريف، والتلبيس، وإثارة الشبهات، مستخدمين وسائل الإعلام الرهيبة في خداع الناس وتضليلهم، وهذا لا ينافي سلامة القلب، والأخذ بالظاهر، ولكنه يعني الحيطة والحذر.
ومع أن المسلم يحسن الظن بإخوانه، ولا يجوز أن يكون مخادعًا أو غادرًا، فعليه أن يأخذ حذره ولا يقبل خداع المخادعين، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا} [النساء:71]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:60] .
إن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين، ولأعداء الجماعة المسلمة في كل حين، إن الإسلام بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم، فهو من القوة ومن المتانة بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مفسد، إنه حرب بذاته وبما فيه من حق أبلج، ومن منهج قويم، ومن نظام سليم، إنه بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد، ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون.
ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفارًا في صورة من صور الكفر الكثيرة، ذلك أنهم لا يأمنون على باطلهم وبغيهم وفسادهم، وفي الأرض جماعة مسلمة تؤمن بهذا الدين، وتتبع هذا المنهج، وتعيش بهذا النظام.
وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتًا، أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا، وكلما انكسر في يدهم سلاح انتضوا سلاحًا غيره، وكلما كلت في أيديهم أداة شحذوا أداة غيرها، والخبر الصادق من العليم الخبير قائم يحذر الجماعة المسلمة من الاستسلام، وينبهها إلى الخطر ويدعوها إلى الصبر على الكيد، والصبر على الحرب، وإلا فهي خسارة الدنيا والآخرة والعذاب الذي لا يدفعه عذر ولا مبرر: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء:71]، وهذا التحذير من الله قائم إلى آخر الزمان، ليس لمسلم عذر في أن يخنع للعذاب والفتنة فيترك دينه ويقينه، ويرتد عن إيمانه وإسلامه، ويرجع عن الحق الذي ذاقه وعرفه، وهناك المجاهدة والمجالدة والصبر والثبات حتى يأذن الله، والله لا يترك عباده الذين يؤمنون به، ويصبرون على الأذى في سبيله، فهو معوضهم خيرًا؛ إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة(4).
خذوا حذركم من عدوكم جميعًا، وبخاصة المندسين في الصفوف من المبطئين، الذين سيرد ذكرهم في الآية: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}، والمقصود لا تخرجوا للجهاد فرادى، ولكن اخرجوا مجموعات صغيرة، أو الجيش كله؛ حسب طبيعة المعركة، ذلك أن الآحاد قد يتصيدهم الأعداء، المبثوثون في كل مكان، وبخاصة إذا كان هؤلاء الأعداء منبثين في قلب المعسكر الإسلامي، وهم كانوا كذلك، ممثلين في المنافقين، وفي اليهود، في قلب المدينة.
وخذوا حذركم، لا من العدو الخارجي وحده، ولكن كذلك من المعوقين المبطئين المخذلين، سواء كانوا يبطئون أنفسهم، أي يقعدون متثاقلين، أو يبطئون غيرهم معهم، وهو الذي يقع عادة من المخذّلين المثبطين! ولفظة «لَيُبَطِّئَنَّ» مختارة هنا بكل ما فيها من ثقل وتعثر، وإن اللسان ليتعثر في حروفها وجرسها، حتى يأتي على آخرها، وهو يشدها شدًا، وإنها لتصور الحركة النفسية المصاحبة لها تصويرًا كاملًا، بهذا التعثر والتثاقل في جرسها، وذلك من بدائع التصوير الفني في القرآن، الذي يرسم حالة كاملة بلفظة واحدة.
وهذا هو الأفق الذي أراد الله أن يرفع المسلمين إليه وهو يرسم لهم هذه الصورة المنفرة لذلك الفريق (منهم)، وهو يكشف لهم عن المندسين في الصف من المعوقين، ليأخذوا منهم حذرهم كما يأخذون حذرهم من أعدائهم! ومن وراء التحذير والاستنهاض للجماعة المسلمة في ذلك الزمان، يرتسم نموذج إنساني متكرر في بني الإنسان، في كل زمان ومكان، في هذه الكلمات المعدودة من كلمات القرآن! ثم تبقى هذه الحقيقة تتملاها الجماعة المسلمة أبدًا، وهي أن الصف قد يوجد فيه أمثال هؤلاء، فلا ييأس من نفسه، ولكن يأخذ حذره ويمضي، ويحاول، بالتربية والتوجيه والجهد، أن يكمل النقص، ويعالج الضعف، وينسق الخطا والمشاعر والحركات! ثم يمضي السياق يحاول أن يرفع ويطلق هؤلاء المبطئين المثقلين بالطين! وأن يوقظ في حسهم التطلع إلى ما هو خير وأبقى؛ الآخرة، وأن يدفعهم إلى بيع الدنيا وشراء الآخرة، ويعدهم على ذلك فضل الله في الحالتين، وإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة(5).
قال القرطبي: «أي كونوا متيقظين، وضعتم السلاح أو لم تضعوه، وهذا يدل على تأكيد التأهب والحذر من العدو في كل الأحوال وترك الاستسلام، فإن الجيش ما جاءه مصاب قط إلا من تفريط في حذر، وقال الضحاك في قوله تعالى: {وَخُذُوْا حِذْرَكُم}؛ يعني: تقلدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة»(6).
يقول السعدي: «يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين، وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب، التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم وقوتهم، من استعمال الحصون والخنادق، وتعلم الرمي والركوب، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك، وما به يعرف مداخلهم، ومخارجهم، ومكرهم، والنفير في سبيل الله.
ولهذا قال: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ}؛ أي: متفرقين، بأن تنفر سرية أو جيش، ويقيم غيرهم، {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية، والراحة للمسلمين في دينهم، وهذه الآية نظير قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}»(7).
الحذر والحذر: الاحتراز والاستعداد لاتقاء شر العدو، وذلك بأن نعرف حال العدو، ومبلغ استعداده وقوته، وإذا كان الأعداء متعددين فلا بد من أخذ الحذر من معرفة ما بينهم من الوفاق والخلاف، وأن تعرف الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا، وأن يعمل بتلك الوسائل.
فهذه ثلاثة لا بد منها، وذلك أن العدو إذا أنس غرة منا هاجمنا، وإذا لم يهاجمنا بالفعل كنا دائمًا مهددين منه، فإن لم نهدد في نفس ديارنا كنا مهددين في أطرافها، فإذا أقمنا ديننا أو دعونا إليه عند حدود العدو فإنه لا بد أن يعارضنا في ذلك، وإذا احتجنا إلى السفر إلى أرضه كنا على خطر، وكل هذا يدخل في قوله: {خُذُوْا حِذْرَكُم}، كما قال في آية أخرى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال:60]، إلخ، وعلى النفوس المستعدة للفهم أن تبحث في كل ما يتوقف عليه امتثال الأمر من علم وعمل.
ويدخل في ذلك معرفة حال العدو، ومعرفة أرضه وبلاده، طرقها ومضايقها وجبالها وأنهارها، فإننا إذا اضطررنا في تأديبه إلى دخول بلاده فدخلناها ونحن جاهلون لها كنا على خطر، وفي أمثال العرب: قتلت أرض جاهلها، وتجب معرفة مثل ذلك من أرضنا بالأولى حتى إذا هاجمنا فيها لا يكون أعلم بها منا.
ويدخل في الاستعداد والحذر معرفة الأسلحة واتخاذها واستعمالها، فإذا كان ذلك يتوقف على معرفة الهندسة والكيمياء والطبيعة وجر الأثقال فيجب تحصيل كل ذلك، كما هو الشأن في هذه الأيام، ذلك أنه أطلق الحذر؛ أي: ولا يتحقق الامتثال إلا بما تتحقق به الوقاية والاحتراز في كل زمن بحسبه، يريد رحمه الله تعالى أنه يجب على المسلمين في هذا الزمان اتخاذ أهبة الحرب المستعملة فيه، من المدافع بأنواعها والبنادق والبوارج المدرعة، وغير ذلك من أنواع السلاح وآلات الهدم والبناء، وكذلك المناطيد الهوائية والطيارات، وأنه يجب تحصيل العلم بصنع هذه الأسلحة والآلات وغيرها وما يلزم لها، والعلم بسائر الفنون والأعمال الحربية، وهي تتوقف على ما أشار إليه من العلوم الأخر؛ كتقويم البلدان وخرت الأرض.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم عارفين بأرض عدوهم، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم عيون وجواسيس في مكة يأتونه بالأخبار، ولما أخبروه بنقض قريش العهد استعد لفتح مكة، ولما جاء أبو سفيان لتجديد العهد لظنه أنهم لم يعلموا بنكثهم لم يفلح، وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة له واحدًا.
وقال أبو بكر لخالد يوم حرب اليمامة: حاربهم بمثل ما يحاربونك به؛ السيف بالسيف، والرمح بالرمح، وهذه كلمة جليلة، فقول وعمل النبي وأصحابه كل ذلك دال على أن الاستعداد يختلف باختلاف حال العدو وقوته(8).
إن الإسلام منهج واقعي للحياة، لا يقوم على مثاليات خيالية جامدة في قوالب نظرية، إنه يواجه الحياة البشرية، كما هي، بعوائقها وجواذبها وملابساتها الواقعية، يواجهها ليقودها قيادة واقعية إلى السير وإلى الارتقاء في آن واحد، يواجهها بحلول عملية تكافئ واقعياتها، ولا ترفرف في خيال حالم، ورؤى مجنحة، لا تجدي على واقع الحياة شيئًا، هؤلاء قوم طغاة بغاة معتدون، لا يقيمون للمقدسات وزنًا، ولا يتحرجون أمام الحرمات، ويدوسون كل ما تواضع المجتمع على احترامه، من خلق ودين وعقيدة، يقفون دون الحق فيصدون الناس عنه، ويفتنون المؤمنين ويؤذونهم أشد الإيذاء، ويخرجونهم من البلد الحرام الذي يأمن فيه كل حي حتى الهوام!، ثم بعد ذلك كله يتسترون وراء الشهر الحرام، ويقيمون الدنيا ويقعدونها باسم الحرمات والمقدسات، ويرفعون أصواتهم: انظروا، ها هو ذا محمد ومن معه ينتهكون حرمة الشهر الحرام! فكيف يواجههم الإسلام؟ يواجههم بحلول مثالية نظرية طائرة؟ إنه إن يفعل يجرد المسلمين الأخيار من السلاح، بينما خصومهم البغاة الأشرار يستخدمون كل سلاح، ولا يتورعون عن سلاح، كلا إن الإسلام لا يصنع هذا؛ لأنه يريد مواجهة الواقع لدفعه ورفعه، يريد أن يزيل البغي والشر، وأن يقلم أظافر الباطل والضلال، ويريد أن يسلم الأرض للقوة الخيرة، ويسلم القيادة للجماعة الطيبة، ومن ثم لا يجعل الحرمات متاريس يقف خلفها المفسدون البغاة الطغاة ليرموا الطيبين الصالحين البناة، وهم في مأمن من رد الهجمات ومن نبل الرماة!
إن الإسلام يرعى حرمات من يرعون الحرمات، ويشدد في هذا المبدأ ويصونه، ولكنه لا يسمح بأن تتخذ الحرمات متاريس لمن ينتهكون الحرمات، ويؤذون الطيبين، ويقتلون الصالحين، ويفتنون المؤمنين، ويرتكبون كل منكر وهم في منجاة من القصاص تحت ستار الحرمات التي يجب أن تصان! وهو يمضي في هذا المبدأ على اطراد.
إنه يحرم الغيبة، ولكن لا غيبة لفاسق، فالفاسق الذي يشتهر بفسقه لا حرمة له يعف عنها الذين يكتوون بفسقه.
وهو يحرم الجهر بالسوء من القول، ولكنه يستثني {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} فله أن يجهر في حق ظالمه بالسوء من القول؛ لأنه حق، ولأن السكوت عن الجهر به يطمع الظالم في الاحتماء بالمبدأ الكريم الذي لا يستحقه، ومع هذا يبقى الإسلام في مستواه الرفيع لا يتدنى إلى مستوى الأشرار البغاة، ولا إلى أسلحتهم الخبيثة ووسائلهم الخسيسة، إنه فقط يدفع الجماعة المسلمة إلى الضرب على أيديهم، وإلى قتالهم وقتلهم، وإلى تطهير جو الحياة منهم، هكذا جهرة وفي وضح النهار.
وحين تكون القيادة في الأيدي النظيفة الطيبة المؤمنة المستقيمة، وحين يتطهر وجه الأرض ممن ينتهكون الحرمات ويدوسون المقدسات، حينئذ تصان للمقدسات حرمتها كاملة كما أرادها الله.
هذا هو الإسلام، صريحًا واضحًا قويًا دامغًا، لا يلف ولا يدور، ولا يدع الفرصة كذلك لمن يريد أن يلف من حوله وأن يدور.
وهذا هو القرآن يقف المسلمين على أرض صلبة، لا تتأرجح فيها أقدامهم، وهم يمضون في سبيل الله لتطهير الأرض من الشر والفساد، ولا يدع ضمائرهم قلقة متحرجة تأكلها الهواجس وتؤذيها الوساوس، هذا شر وفساد وبغي وباطل، فلا حرمة له إذن، ولا يجوز أن يتترس بالحرمات، ليضرب من ورائها الحرمات، وعلى المسلمين أن يمضوا في طريقهم في يقين وثقة في سلام مع ضمائرهم، وفي سلام من الله(9).
قال المراغي: «قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}؛ أي: احترسوا واستعدوا لاتقاء شر العدو، بأن تعرفوا حاله ومبلغ استعداده وقوته، وإذا كان لكم أعداء كثيرون فاعرفوا ما بينهم من وفاق وخلاف، واعرفوا الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا، واعملوا بتلك الوسائل، ويدخل في ذلك معرفة حال العدو ومعرفة أرضه وبلاده وأسلحته واستعمالها، وما يتوقف على ذلك من معرفة الهندسة والكيمياء وجر الأثقال، وعلى الجملة اتخاذ أهبة الحرب المستعملة فيها، من طيارات وقنابل ودبابات وبوارج مدرّعة ومدافع مضادة للطائرات، إلى نحو ذلك؛ حتى لا يهاجمكم على غرّة أو يهددكم في دياركم، وحتى لا يعارضكم في إقامة دينكم أو دعوتكم إليه»(10).
فينبغي على العاملين في الدعوة الإسلامية أن يكون لهم وعي سياسي بواقعهم، وخبرة بالأساليب الحركية والتنظيمية, ومهارة في التخطيط المنظم المتزن؛ حتى نستطيع أن نواجه العدوان الشرس المُوجَّه لأمتنا الإسلامية، ونتصدى له بأسلوب كله حكمة وحنكة.
ومن هنا يتوجب على الأخ الداعية أن تكون عنده قدرة على الفهم والتجارب والسرعة في التنفيذ، وأن يتسلح بالمعرفة التامَّة، وأن يفهم دعوته حق الفهم؛ كي يستطيع أن يُبلِّغَها حق التبليغ.
***
_____________