logo

أشبال الدعوة


بتاريخ : السبت ، 16 شوّال ، 1436 الموافق 01 أغسطس 2015
بقلم : تيار الاصلاح
أشبال الدعوة

تواجه الأمة الإسلامية حقبة من أصعب حقبات تاريخها، فقد تداعى عليها الأعداء والخصوم من كل حدب وصوب كما تداعى الأكلة على قصعتها، فلما أن أرادت المواجهة كانت الكارثة! وهي عدم وجود رصيد لديها من النشء القادر على المواجهة، بانتمائه لدينه وجديته ومسئوليته .

بل لقد وجدت الأمة نشأها وقد أحاطتهم الانهزامية والتخلف إحاطة السوار بالمعصم، فإذا هم قد تربوا تربية رخوة لا تحقق الغاية المأمولة.

فكان على الدعاة أن يضعوا أيديهم على الجرح النازف في جسد الأمة الإسلامية، وينظروا إلى مواضع الخلل في المجتمع ليقوموه، وإلى مواطن الضعف ليدعموه؛ حتى لا نكون كمن أصلح القالب وأهمل القلب .

إن الجيل المسلم الناشئ اليوم هو أكبر شريحة مستهدفة من الأعداء، فباتت عقيدتهم في خطر عظيم، وأخلاقهم في ضياع شديد.

وإن الناظر لواقع النشء المسلم يجده مرًا أليمًا، ليس فيه العناية الكافية بتنشئة الطفل المسلم تنشئة إسلامية، فالصورة خالية من عوامل الجدية، وبعيدة عن السلوك القويم إلا من رحم الله تعالى؛ فالشوارع ملأى بالمشردين، وأما النوادي فتجمع بين جنباتها الأطفال العابثين اللاهين من أبناء طبقة المترفين، أصناف شتى فرقتهم الأماكن والمشارب، ولم يجمعهم إلا كونهم أبعد ما يكون عن هدي الإسلام العظيم.

لقد كان من تعاليم القرآن لنا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)} [الفرقان:74]؛ أي: والذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له، وصادق الإيمان إذا رأى أهله قد شاركوه في الطاعة قرت بهم عينه، وسر قلبه، وتوقّع نفعهم له في الدنيا حيًا وميتًا، وكانوا من اللاحقين به في الآخرة، ويسألون أيضًا أن يجعلهم أئمة يقتدى بهم في إقامة مراسم الدين بما يفيض عليهم من واسع العلم، وبما يوفقهم إليه من صالح العمل(1).

وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق، شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى الله، وفي أولهم الذرية والأزواج، فهم أقرب الناس تبعة، وهم أول أمانة يُسأل عنها الرجال، والرغبة كذلك في أن يحس المؤمن أنه قدوة للخير، يأتم به الراغبون في الله، وليس في هذا من أثرة ولا استعلاء، فالركب كله في الطريق إلى الله(2).

وهذه امرأة عمران: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)} [آل عمران:35-36].

وقصة النذر تكشف لنا عن قلب (امرأة عمران)، أم مريم، وما يعمره من إيمان، ومن توجه إلى ربها بأعز ما تملك، وهو الجنين الذي تحمله في بطنها، خالصًا لربها، محررًا من كل قيد، ومن كل شرك، ومن كل حق لأحد غير الله سبحانه، والتعبير عن الخلوص المطلق بأنه تحرر تعبير مُوح، فما يتحرر حقًا إلا من يخلص لله كله، ويفر إلى الله بجملته، وينجو من العبودية لكل أحد ولكل شيء ولكل قيمة، فلا تكون عبوديته إلا لله وحده، فهذا هو التحرر إذن، وما عداه عبودية وإن تراءت في صورة الحرية! ومن هنا يبدو التوحيد هو الصورة المثلى للتحرر، فما يتحرر إنسان وهو يدين لأحد غير الله بشيء ما في ذات نفسه، أو في ماجريات حياته، أو في الأوضاع والقيم والقوانين والشرائع التي تصرف هذه الحياة(3).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار»(4).

وعن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسف، وأقعدني على حجره، ومسح على رأسي(5).

لقد كان التعامل النبوي الكريم مع الأشبال الصغار مما يعين على وضوح المنهج الأمثل في تنشئة جيل عظيم يحمل الفكرة، ويهتم بالقضية، ويناضل من أجل دينه.

فعن أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رقيقًا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم»(6).

وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يروي حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أفٍّ قط، وما قال لشيء صنعتُه، لِمَ صنعته؟! ولا لشيء تركته: لمَ تركته؟! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلقًا، ولا مسست خزًّا قط ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكًا قط ولا عطرًا كان أطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم(7).

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده(8).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار»(9).

وقد اعتبر صلى الله عليه وسلم تأديب الطفل حقًا من حقوقه على والده، فقال فيما رواه عنه أبي سعيد وابن عباس رضي الله عنهما: «من وُلِد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثمًا فإنما إثمه على أبيه»(10).

وكان عليه الصلاة والسلام يهتم بالأطفال، ويعتني بهم، ويعلمهم الأدب، حتى طريقة الأكل والشرب وغير ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة عندما رآه يأكل وتطيش يده في الصحفة: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»(11).

وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»(12).

وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأخي أنس، حين قال له صلى الله عليه وسلم وهو يداعبه ويسليه: «يا أبا عمير، ما فعل النغير»(13).

قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو(14)، وقوله رضي الله عنه: عقلت: أي حفظت، ومجة: المج هو إرسال الماء من الفم، ولا يسمى مجًا إلا إذا كان عن بعد، وفعل ذلك صلى الله عليه وسلم إما مداعبة أو ليبارك عليه؛ كما كان ذلك شأنه مع أولاد الصحابة، قال شيخنا ابن باز رحمه الله: وهذا من باب المداعبة وحسن الخلق.

وعن شداد رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليصلي بهم إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته»(15).

وعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سنه سنه»، قال عبد الله الراوي: وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعها»، ثم قال: «أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي»، قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر، والمعنى فبقيت حتى ذكر الراوي من بقائها أمدًا طويلًا، وقيل: لم تعش امرأة مثلما عاشت أم خالد(16).

أولًا: شروط في المتصدر لدعوة الأشبال :

1-الإخلاص وحسن العلاقة مع الله، خاصة فيما بينه وبين ربه؛ من صيام وقيام ودعاء.

2-التواضع: وأعني به ألا يتكبر، أو يجد في نفسه شيئًا؛ إن كان الذي استجاب لدعوته ابن حارس العمارة مثلًا، أو ابن جامع القمامة، فالداعية الصادق المتواضع بغيته نشر دين الله جل وعلا في ربوع الأرض، وتعبيد الناس لله عز وجل، هذا وجه، والوجه الأخر من التواضع هو أن يعرف الداعية أن كثرة عدد الأشبال المقيم على دعوتهم وتعلقهم به، وزيادتهم في النواحي العلمية والإيمانية، هذا كله ليس دليلًا على نجاح دعوته، فإنما نجاح دعوته يكون بقبول الله جل وعلا لها، فالله عز وجل يُمَكِّن لهذا الدين بالفاجر والكافر، فيكون الداعية حريصًا كل الحرص على أن يظل متذللًا لله جل وعلا في سره، داعيًا الله جل وعلا أن يتقبل منه هذا العمل المتواضع، ولا يدع للكبر مجالًا في قلبه؛ لأن بغيته من الدعوة التقرب من الله، فإن لم يقبلها الله فذلك هو الخسران المبين.

3-أن يكون الداعية منظمًا في وقته.

4- أن يحرص الداعية على اتباع السنة، خاصة في الهدي الظاهر؛ أولًا: لنفسه؛ لأنهم كما قالوا: كل إناء بما فيه ينضح، ثانيًا: لأنه القدوة الذي يستقي منه الأشبال كل شيء، ويأخذون من سمته كما يأخذون من علمه.

5- أن يكون لدى الداعية لياقة بدنية جيدة؛ حيث إن الأشبال في حاجة أن يكون الداعية معهم في كل وقت، حتى في أوقات هزلهم كما كان معهم في أوقات جدهم.

6- أن يكون الداعية طالبًا للعلم الشرعي، أو على الأقل محصلًا لفرض العين في العلم.

7- أن يهتم الداعية بكتب التربية؛ وبخاصة الكتب التي تتحدث عن النواحي العملية في التربية، والكتب التي تتحدث عن المشاكل النفسية وحلولها(17).

أهداف هامة في تربية الناشئ:

إن علينا أن نولي اهتمامًا خاصًا بالناشئة والأطفال، بهدف إعداد قيادات واعية ونشيطة وفعالة، وبذلك نضمن للأمة الإسلامية عودًا حميدًا إلى سالف مجدها بإذن الله تعالى.

1- أهمية إعداد القدوة الصالحة لتكون مرجعًا للناشئ الصغير في أي مشكلة يمر بها، قد تكون هذه القدوة في محيط الأسرة، أو في المسجد، أو في المدرسة، أو حتى في محيط عائلة هذا الناشئة الصغير .

2- إعداد ن