logo

أبو بصير مسعر حَرْب


بتاريخ : الأربعاء ، 8 ربيع الأول ، 1446 الموافق 11 سبتمبر 2024
أبو بصير مسعر حَرْب

 

بعد صلح الحديبية رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير عتبة بن أسيد، رجل من قريش وهو مسلم، وكان ممن حبس بمكة، فكتب فيه أزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثا في طلبه رجلًا من بني عامر بن لؤي، وقالا: العهد الذي جعلت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا»، ثم دفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك هذا جيدا فاستله الآخر من غمده، فقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت به، فقال أبو بصير: وأرني أنظر إليه، فأخذه وعلا به فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرًا»، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ويلك مالك»، قال: قتل الله صاحبي وإني لمقتول.  

فو الله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحًا السيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويل أمه مسعر حرب، لو كان معه أحد»، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير: «ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد»، فخرج عصابة منهم إليه، وانفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير حتى اجتمع إليه قريب من سبعين رجلًا، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقدموا عليه بالمدينة (1). 

وحادثة أبي بصير سابقة يمكن للفقهاء والدعاة أن يستنبطوا منها، وأن يفرعوا على ذلك ما شاء الله أن يستنبطوا ويفرعوا، ونستنتج من هذا: 

أن المقتول من المشركين كان رسولًا والرسل لا تقتل كما هو ثابت معلوم، ومع ذلك لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بصير قتله ولا أمر فيه بقود ولا دية، وصدق أبا بصير في قوله في الرواية الأخرى: يا رسول الله، ليس بيني وبينهم عهد ولا عقد، فكان ذلك إقرارًا لـه منه على ما فعل، وأن له ذمة مستقلة عن ذمة المسلمين، وإذا أهدر دم الرسول فغيره أولى (2).

أن النبي صلى الله عليه وسلم حرض المسلمين على اللحاق بأبي بصير بقوله: «ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد» (3)، فزاد على إقراره تحريض غيره للحاق به. 

يقول ابن القيم رحمه الله في الفوائد الفقهية لصلح الحديبية: ومنها: أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءً دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا.

والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهدًا بين أبي بصير وأصحابه وبينهم.

وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد؛ جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -قدس الله روحه، في نصارى ملطية وسبيهم مستدلًا بقصة أبي بصير مع المشركين (4). 

وانفلت ابو جندل بن سهيل الذي رده عليه السلام إلى المشركين بالحديبية فخرج هو وسبعون راكبًا ممن أسلموا فلحقوا بأبي بصير، فلما قدم أبو جندل على أبى بصير سلم له الأمر لكونه قرشيًا، وكان أبو جندل يؤمهم، واجتمع إلى أبى جندل حين سمع بقدومه ناس من بنى غفار وأسلم وجهينة، وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل كما عند البيهقي، عن ابن شهاب، لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا من فيها، وضيقوا على قريش فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، فأرسل قريش أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إلى أبي بصير ومن معه، وقالوا: من خرج منا إليك فامسكه فهو لك حلال من غير حرج أنت فيه، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير وأبي جندل يأمرهما أن يقدما عليه ويأمر من معهما فمن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، فلا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش وعيراتها، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بصير وهو يموت، فجعل يقرأه ومات وهو في يده، فدفنه أبو جندل في مكانه.

فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام القضية وحلق رأسه قال: هذا الذي وعدتكم، فلما كان يوم الفتح أخذ المفتاح فقال: ادعوا لي عمر بن الخطاب، فقال: هذا الذي قلت لكم، فلما كان في حجة الوداع بعرفة فقال: أي عمر، هذا الذي قلت لكم! قال: أي رسول الله، ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية! وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية، ولكن الناس يومئذ قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله تبارك وتعالى لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد الله.  

لقد نظرت إلى سهيل بن عمرو في حجه قائمًا عند المنحر يقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده، ودعا الحلاق فحلق رأسه، وأنظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، وأذكر إباءه أن يقر يوم الحديبية بأن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، ويأبى أن يكتب أن محمدًا رسول الله، فحمدت الله الذي هداه للإسلام (5).

وقصة أبي بصير وأبي جندل وإخوانهما لها دلالة مثيرة، فهي قصة العقيدة المكافحة في لؤم من الأعداء، ووحشة من الأصحاب، وهي توضّح أنّ الإيمان بالله أخذ طريقه إلى قلوب أولئك النفر مجرّدًا من كل شيء إلا سلامة جوهره. 

إن قصة أبي جندل وأبي بصير رضي الله عنهما وما احتملاه في سبيل العقيدة، وما أبدياه من العزيمة، نموذج يُقتدى به في الصبر والثبات وبذل الجهد في نصرة هذا الدين.. 

والمتأمل في أحداثها يرى تأييد الله ورعايته لهما.. ولا شك أن هناك أسبابًا بذلوها فأهَّلتهم لهذا التأييد من الله، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وقال: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. 

فهذه الصفات -من تقوى الله والإحسان ونصرة دين الله- قد توافرت في أبي جندل وأبي بصير والصحابة رضوان الله عليهم، فنالوا الرعاية والعناية، والثبات والنصر من الله، ومتى توافرت هذه المؤهلات والصفات في شخص أو أمة -في أي زمان ومكان- فإن هداية الله وتأييده ونصره سوف ينزل عليهم، لأن الله قد وعد بذلك ووعده حق، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

ومن ثم لم تمر أقل من سنة حتى أصبح أبو جندل وأبو بصير رضي الله عنهما مع إخوانهما من المسلمين المستضعفين قوة كبيرة، وصار كفار مكة يخشونها، بعد أن سيطروا على طرق قوافلهم القادمة من الشام. 

وفي قصة أبي جندل وأبي بصير ظهر المثال العملي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب الوفاء بالعهود، وحرمة الغدر والخيانة حتى مع الأعداء.. فحينما جاء أبو جندل في الأغلال، وقد فرَّ من مشركي مكة، ومن بعده أتى أبو بصير هاربًا من قريش، ردهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأبي جندل: «إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهدًا، وإنَّا لا نغدر بهم» (6)، وذلك امتثالًا لأمر الله تعالى بالوفاء بالعهود: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91]، وبهذا يكون الوفاء بالعهد عند المسلمين قاعدة من قواعد الدين التي يجب على كل مسلم أن يلتزم بها. 

إنّهم قد فقدوا الأمداد الروحية التي تجيئهم من مخالطة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإصغاء إليه، وهو يتلو وينصح، بيد أنهم عوّضوا عنها من الاتصال بكتابه والاقتباس من آدابه، فكانوا- في اهتدائهم للحق، وإبائهم للضيم، وإيثارهم للمغامرة- مثلًا حسنى للإسلام المكافح العزيز. 

وقد أبرزت كذلك قصة أبي جندل وأبي بصير رضي الله عنهما بشرى عظيمة للمظلومين والمستضعفين في كل زمان ومكان، وهي: أن الله سيجعل لهم فرجًا ومخرجًا. 

فقد طمأن النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل وبشَّره بقرب الفرج له ولمن على شاكلته من المسلمين بصبرهم وثباتهم واحتسابهم الأجر عند الله، فقال له: «يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا» (7)، وقال لأبي بصير: «يا أبا بصير، انطلق فإن الله سيجعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا» (8).

الشاهد من هذه القصة المثيرة، هو سلوك أبي بصير رضي الله عنه، فحين وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله سيجعل له ولمن معه من المسلمين المستضعفين فرجًا ومخرجًا، لم يجلس ينتظر الفرج، بل فكر ودبر، وسعى وبادر وتحرك، يفعل ذلك وهو أسير مقيد، على عنقه السيف، فكان من أثر تلك الروح الإيجابية، والنفس الشجاعة الوثابة، أن كان هو الفرج والمخرج، وفي رواية أن عمر بن الخطاب سار معه حين دفعه رسول الله للعامري، وقال له: أنت رجل، ومعك السيف، ورب رجل يكون خيرًا من ألف، فافعل وافعل، يقول ذلك لأبي بصير وهو مقيد. 

ولم يكن اختيار أبي بصير لمنطقة سيف البحر عبثًا أو ضربة حظ، بل كان مقصودًا مخططًا، فهو يعلم أنه طريق قوافل قريش إلى الشام، فأراد أبو بصير أن يضرب المصالح الاقتصادية لقريش ويقطع عنها شريان الحياة، -يسير في ذلك على خطى رسول الله في بدر- وهو ما كان، حتى استغاثت قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم وتضرعت إليه أن يضم إليه أولئك الأفراد القلائل الذين خنقوها، وقطعوا عنها أسباب الحياة.

ولم يعد أبو بصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك أن الإذن بالمقام معه جاء وهو يحتضر، وروى موسى بن عقبة أنّ رجال أبي بصير صادروا قافلة كان فيها أبو العاص بن الربيع صهر النبي صلى الله عليه وسلم- وهو لما يدخل الإسلام بعد- وأسروا من فيها ما عدا أبا العاص- لمكانته- فذهب أبو العاص إلى زينب امرأته، وشكا لها ما وقع لأصحابه، وما ضاع لهم من أموال، وحدّثت زينب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب النّاس قائلًا: «إنّا صاهرنا أناسًا، وصاهرنا أبا العاص، فنعم الصّهر وجدناه، وإنّه أقبل من الشام في أصحاب له من قريش، فأخذهم أبو جندل وأبو بصير، وأخذوا ما كان معهم؛ وإنّ زينب بنت رسول الله سألتني أن أجيرهم، فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه؟» فقال الناس: نعم (9).

وبلغ هذا الحوار أبا جندل، فأفرجوا عن الأسرى، وردّوا عليهم كلّ شيء أخذ منهم حتى العقال. 

ثم جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير ليترك مكانه، ويرجع حيث يحبّ، وكان أبو بصير يجود بأنفاسه الأخيرة، فمات والكتاب على صدره، ودفنه أبو جندل.  

أمّا أبو العاص بن الربيع فارتحل ببضائع قريش حتى قدم مكة، فأدى إلى الناس أموالهم حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش! هل بقي لأحد منكم عندي مال لم أردّه عليه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرًا، قد وجدناك وفيًا كريمًا. 

قال: والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا أن تظنّوا أنّي أسلمت لأذهب بأموالكم، فإنّي أشهد ألا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله.

وعاد إلى المدينة، فردّ عليه رسول الله امرأته زينب، وكان اختلاف الدين قد فرّق بينهما، ولم ينشئ في ذلك عقدًا جديدًا. 

وقد أبى المسلمون عقيب صلح الحديبية أن يردّوا النسوة المهاجرات بدينهنّ إلى أوليائهنّ، إما لأنّهم فهموا أن المعاهدة خاصة بالرجال فحسب، أو لأنهم خشوا على النساء اللاتي أسلمن أن يضعفن أمام التعذيب والإهانة، وهنّ لا يستطعن مضطربًا في الأرض وردًّا للكيد، كما فعل أبو جندل وأبو بصير وأضرابهما. 

وأيّا ما كان الأمر؛ فإنّ احتجاز من أسلم من النساء تمّ بتعليم القرآن، وكلف المسلمون أن يدفعوا لأزواجهنّ المشركين عوضًا يستعينون به على زواج آخر إذا لم يشاؤوا الدخول في الإسلام، والعودة إلى أزواجهم الأوليات. 

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ} [الممتحنة: 10].

والآية تشير- بجانب ما فيها من أحكام- إلى ما كانت تستمتع به المرأة من استقلال فكريّ، وكيان أدبي محترم (10). 

وألف هؤلاء المعذبون في الأرض الناقمون على المشركين المستقتلون في سبيل عقيدتهم الذين لا ملجأ لهم إلا سيوفهم، وقد فروا من أهلهم وأموالهم بعقيدتهم وإيمانهم، ألف هؤلاء قوة مغاوير لا تمر قافلة لقريش إلا اغتنموها، ولا يرون رجلًا من قريش إلا قتلوه.

وإذا بقريش تبعث الى الرسول صلى الله عليه وسلم تسترحمه وتناشده الرّحم أن يؤوي إليه هؤلاء المسلمين الذين ضيّقوا عليها الخناق، فلا حاجة لها بهم.

وبذلك نزلت قريش طائعة عن الشرط الذي اعتبرته نصرًا لها واعتبره المسلمون شرطًا لا يناسب كرامتهم على أقل تقدير. 

وهكذا حافظ المسلمون على عهودهم كلها، وانصرفوا إلى نشر دعوتهم، بينما استمر مشردو المسلمين في التعرض على قريش، وهكذا بقي المسلمون محايدين، وبقي الفارون بدينهم من قريش والقبائل الموالية لها مقاتلين؛ وبذلك تمّ الحياد المسلّح في أقوى مظاهره للإسلام (11). 

إن قصة أبي جندل وأبي بصير وما احتملاه في سبيل العقيدة، وما أبدياه من الثبات والإخلاص والعزيمة والجهاد حتى مرغوا رؤوس المشركين بالتراب، وجعلوهم يتوسلون بالمسلمين لترك ما اشترطوه عليهم في الحديبية، هذه القصة نموذج يقتدى به في الثبات على العقيدة وبذل الجهد في نصرتها، وفيها ما يشير إلى مبدأ «قد يسع الفرد ما لا يسع الجماعة»، فقد ألحق أبو بصير وجماعته الضرر بالمشركين في وقت كانت فيه دولة الإسلام لا تستطيع ذلك وفاء بالصلح، لكن أبا بصير وأصحابه خارج سلطة الدولة، ولو في ظاهر الحال، ولم يكن ما قام به أبو بصير والمستضعفون بمكة مجرد اجتهاد فردي لم يحظ بإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر أبا بصير بالكف عن قوافل المشركين ابتداء أو بالعودة إلى مكة، لكن ذلك لم يحدث، فكان إقرارًا له، إذ كان موقف أبي بصير وأصحابه في غاية الحكمة حيث لم يستكينوا لطغاة مكة يفتنونهم عن دينهم ويمنعونهم من اللحاق بالمدينة، فاختاروا موقفًا فيه خلاصهم وإسناد دولتهم بأعمال تضعف اقتصاد مكة وتزعزع إحساسهم بالأمن في وقت الصلح، بل يمكن القول بأن اتخاذ هذا الموقف كان بإشارة وتشجيع من النبي صلى الله عليه وسلم حين وصف أبا بصير بأنه: «مسعر حرب لو كان معه أحد» (12).

إن أمور الحياة لا تقف عند خيار واحد؛ فالحياة مُغامَرة جريئة، يَكفي أن تدير وجهك صوب الشمس فلا ترى الظلام، فقرار أبو بصير في تغيير مسار حياته وتغيير الواقع بأسلوب يُناسب الموقف والبيئة، والتزامه بقواعد السلوك المباح حينها، صنَع مُستقبلًا وفوزًا مؤزَّرًا من الله، فكم من المشكلات الشائكات في حياتنا تستحق التغيير الفوري المقنَّن، وكم تصرُّف حكيم نحتاج للعيش بسلام مع أنفسنا ومجتمعنا، والأمور العظام تَسهُل بالدقة في الاختيار والجرأة والشجاعة. 

إن أبا بصير رضي الله عنه لم يتخرَّج في أكاديمية علمية، ولم يتدرب على مهارات التفكير ومبادئ حل المشكلات، هو خريج مدرسة النبوة، ورائد الفطرة السوية، وقائد لم يتعلم فنون القيادة على يد خبير، ذو عزيمة، رفَض الواقع السلبي وأنشأ له ولغيره حاضرًا ومُستقبلًا يعجز عنه الكثيرون.

ونرى حاكمًا يوالي دولة قوية وإن كانت معادية للإسلام؛ لأنه يرى أن هذا أصلح لحياة الناس، ولا يرى الخير في حكم الشرع، وهذه القضايا نراها كثيرًا جدًا في حياتنا، لكن الخطير جدًا في حياتنا أننا نفعل ذلك طلبًا للدنيا، وليس طلبًا للآخرة، أما خطأ الصحابة في قضية صلح الحديبية فلم يكن طلبًا للدنيا أبدًا، إنما فعلوه طلبًا للآخرة، ليس لدى الصحابة مصالح دنيوية يرجونها يوم الحديبية رضي الله عنهم أجمعين، وإنما كانوا يريدون أن يدخلوا مكة لأداء عبادة العمرة، لم يأتوا لتجارة ولا لحرب ولا لأي مصلحة دنيوية، بل جاءوا لأداء عبادة العمرة ثم يعودون بعد ذلك إلى المدينة المنورة، وإن منعوا قاتلوا، والقتال كان خطيرًا جدًا؛ لأنهم لا يملكون سلاح المقاتل، وكانوا معرضين للقتل، ومع ذلك يقبلون بذلك، أي: أنهم عندما عرضوا رأيًا مخالفًا لحكم الشرع، ما عرضوا ذلك إلا طلبًا للآخرة، وليس طلبًا للدنيا، ولو كانوا طلاب دنيا لآثروا الرجوع حفاظًا على حياتهم.

إذًا: نستفيد من صلح الحديبية بعد رؤية الخير العميم الذي نتج عنه: أن نرضى بشرع الله عز وجل، ولا أقول: نقبل بشرع الله عز وجل، ولكن نرضى بشرع الله عز وجل بحب واقتناع؛ لأنه وإن كانت عيوننا لا ترى الخير فإننا على يقين أن الخير موجود، سنراه اليوم أو غدًا أو بعد سنة أو سنتين أو أكثر، أو ربما نموت قبل أن نراه، لكن من المؤكد أن فيه خيرًا، قال الله عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]، وقال سبحانه وتعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].  

ومن الفوائد العظيمة من قصة أبي جندل رضي الله عنه: وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره، وإن خالف ذلك العقل أو كرهته النفوس.  

نحن نريد أن نصل إلى درجة التسليم الكامل لرب العالمين سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل في كتابه: {فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، ودرجة التسليم معناها: الرضا الكامل بحكم الله عز وجل، وأن نوقن يقينًا جازمًا أن الخير فيما اختاره لنا الله عز وجل، والصحابة رضوان الله عليهم تعلموا من درس الحديبية حين رأوا الخير الذي حصل بعد صلح الحديبية، مع أنهم في وقت الصلح لم يكونوا يرون هذا الخير، وخاصة وقت موقف أبي جندل ما كانوا يشاهدون إلا الشر، من أجل هذا عرف عمر بن الخطاب أنه كان مخطئًا وحاول قدر المستطاع بعد ذلك أن يكفر عن الخطأ الذي حدث منه في يوم الحديبية، يقول: فعملت لذلك أعمالًا، يعني: عمل أعمال خير كثيرة جدًا؛ للتكفير عن هذا الأمر، ويقول: فما زلت أتصدق وأصلي وأصوم وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيرًا (13).

فما عرف أنه مخطئ فقط، بل استفاد من الدرس بعد ذلك في كل حياته، فكان يقول معلمًا للمسلمين رضي الله عنه وأرضاه: أيها الناس! اتهموا الرأي على الدين، يعني: قد يكون لك رأي في قضية من القضايا وتشعر أنه أفضل من الحكم الشرعي في هذه القضية، وهذا يأتي على أذهان الكثير، فاتهم رأيك مهما كان في تصورك مقنعًا وقدم حكم الشرع، يقول: اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي، فوالله ما آلو على الحق (14)، يعني: أنا كنت فعلًا أبحث عن الحق، ومع ذلك كان الخطأ في رأيي والصواب في حكم الشرع.

ويقول نفس الكلام سهل بن حنيف رضي الله عنه وأرضاه، فقد كان حاضرًا ذلك الموقف، يقول للمسلمين: اتهموا رأيكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته، يعني: أنا لو كنت أستطيع أن أمنع الرسول عليه الصلاة والسلام من فعل هذا الصلح لفعلت، لكن لم أستطع، ومع ذلك هو ينصح المسلمين بعدم فعل ذلك بعد أن رأى الخير في صلح الحديبية. 

الثقة في القيادة وإعذارها:

أحيانًا تتخذ القيادة قرارات لا يدرك الجنود كامل أبعادها، فكثيرًا ما تكون الرؤية عند القيادة أشمل وأكبر، ويكون تحليل الأمور بصورة أعمق؛ لأن القيادة تطلع على أمور لا يراها الجنود، وتفكر في مصالح لا ينظر إليها الجندي، وتحاول تجنب مفاسد لا يدركها الجندي. 

والقيادة الحكيمة هي التي تجمع بين الأحلام المطلوبة والواقعية في الأداء، وتقارن بين وسائل تغيير المنطق، وتعرف معنى التدرج في التغيير، وتقدر حجم المكاسب والخسائر، كل هذه أبعاد قد لا يراها الجندي المتحمس أو المسلم المتلهف لأن يرى الإسلام ممكنًا له في الأرض ما بين يوم وليلة، فالقيادة هي التي تدرك كل هذه الأمور وقد تأخذ قرارات يراها الجنود أحيانًا مخيبة للآمال أو يرونها محبطة للنفسيات أو خاطئة سياسيًا، وأحيانًا قد يرى الجندي أن هذه مخالفة شرعية، مع أن كل هذا قد يكون وهمًا لا حقيقة له. 

فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل برد المسلم الذي يأتيه من مكة إلى المدينة مع خطورة ذلك عليه، نعم هذه خطورة حقيقية، لكن لماذا قبل بذلك؟ لأنه ينظر إلى المصالح مجتمعة، وينظر إلى المفاسد مجتمعة، فوجد أن المصالح أعلى بكثير من المفاسد، مع الإقرار التام أن أمر إعادة المسلم إلى مكة أمر فيه مفسدة، لكن المصالح أعلى، وهو لا يستطيع أن يمنع المفسدة الآن، فقبل بها، وعليه أن يختار المصالح الكثيرة التي معها بعض المفاسد، ولا يختار دفع بعض المفاسد ويضيع المصالح الكثيرة، وهذا الأمر يحتاج إلى حكمة وإلى ورع وإلى علم، والموفق من وفقه الله عز وجل.

وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قَبِلَ قَبْلَ ذلك بأمور لا يحبها، بل يمقتها كل المقت، ولكن الواقع فرضها عليه، ولم يقبلها قبل ذلك المتحمسون من الشباب، ثم تبين أن الخير كان في قراره صلى الله عليه وسلم، فمثلًا: الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بعدم الرد على من آذى المسلمين وعذبهم -بل وقتلهم- في العهد المكي، وهذا كان حكمًا شرعيًا قبل به الرسول عليه الصلاة والسلام وعموم الصحابة في ذلك الوقت، لكن بعض المتحمسين من الصحابة لم يقبلوا بهذا الأمر، وقالوا: لم نعطي الدنية في ديننا؟ ولم لا نرد على المشركين؟ ولم كذا وكذا؟ ثم ظهر لهم بعد ذلك الخير في قرار الشرع.

فهذا ما نسميه: بفقه المرحلة، أو فقه الموازنات. 

كذلك تطاول اليهود على المسلمين في أوائل عهد المسلمين بالمدينة، وقاموا بأمور كان من الممكن أن تفسر على أنها نقض للمعاهدة، ومع ذلك التزم الرسول عليه الصلاة والسلام بسياسة ضبط النفس قدر المستطاع، ليس هذا لضعف ولا لتفريط، ولكن فقه المرحلة وفقه الموازنات يقتضي ذلك.

وهكذا كان الوضع في صلح الحديبية، وهكذا كان الوضع أيضًا في مواضع كثيرة جدًا في السيرة النبوية، بل لعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا: إنه يكاد يكون مستحيلًا أن تجد قرارًا يخلو من أي سلبية، وإنما القضية قضية موازنات، دائمًا توجد مشكلة، ومع ذلك الموازنة بين المصالح والمفاسد هي التي تختار قرارًا دون قرار.

وهذه كلمة جميلة جدًا لـعمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه وهو مشهور بالحكمة، قال: ليست الحكمة أن تدرك الفرق بين الخير والشر، أو الفرق بين الحلال والحرام، ولكن الحكمة أن تدرك أي المنفعتين أعلى وأي الضررين أكبر، هذه هي الحكمة. 

المهم في هذا المقام أن تدرك أنه لكي تقوم وتسود وتمكن لا بد من أخذ قرارات تبدو في ظاهرها مؤلمة للمسلمين، وقد يبدو فيها للناظر مخالفات شرعية، لكن المدقق والمحلل والعالم ببواطن الأمور سيجد أنها أخف الضررين، وليس معنى هذا أنها ليست ضررًا، لا، بل هي ضرر، ولكن في هذا الموطن هي أخف الضررين، فتقبل شرعًا ولا تعد مخالفة.

ولا بد لكل جندي أن يدرك كل هذه الأبعاد، ومن ثم يعذر القيادة، ويقدم لها النصح والإرشاد بأدب، ويقبل منها الأمر والتوجيه، وكل ذلك لا يمكن أبدًا أن يكون إلا بثقة تامة في القيادة، وإدراك كامل للعبء الثقيل الملقى على أكتاف القادة، وبغير هذه العلاقة الوثيقة بين القيادة وجنودها لا يمكن لجماعة أو لأمة أن تقوم.

إذًا: هذه النقطة الثانية مهمة جدًا، أنه يجب أن تتوافر الثقة في القيادة، وأن يدرك الجنود أن القائد قد يختار من الأمور ما قد يحزن الجنود، ولماذا اختار هذا؟ لأنه أخف الضررين، ولم يختر هذا الأمر لأنه يرغب في الضرر ذاته أو لأنه متنازل أو مفرط، أبداً، إذاً: لابد أن نفهم هذه القاعدة جيدًا. 

النقطة الأخيرة في التعليق على هذا الحدث: أنه إذا كنا قد طلبنا من الجنود أن يعذروا القيادة في قراراتها، وأن تتصف ردود أفعال الجنود بالثقة في اختيار القائد، فإننا في نفس الوقت نطلب من القيادة أن تعذر جنودها عند ظهور بعض علامات الغضب، أو عدم الرضا من بعض القرارات غير المفهومة لعموم الناس، وأن يتسع صدر القيادة لتستوعب الجنود وهم في حالة نفسية سيئة، وأن تقبل منهم بعض الأخطاء، وأحيانًا تكون هذه الأخطاء كبيرة جدًا، ليس هناك مانع، لكن ننظر إلى ملابسات هذا الخطأ وفي أي ظرف حصل وممن حصل، وخير مثال على هذا الأمر في صلح الحديبية: ما رأيناه من رسولنا صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الصحابة، وخاصة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أصر على المجادلة مع الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من مرة، ومع ذلك لم يعنته رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثرة اعتراضاته، ما قال له: هذا الكلام وهذا الحوار بهذه الطريقة لا يصلح أن يكون معي وأنا رسول صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم عذره؛ لأنه يقدر موقفه ويعلم تاريخه ويعلم واقعه، وهذا الخطأ الذي حدث منه -وإن كان عظيمًا- فقد قاسه على سيرته الجميلة رضي الله عنه وأرضاه، فسيرة عمر كلها تضحيات وكلها طاعة وجهاد في سبيل الله، وكلها بذل وعطاء، حتى إننا وجدناه صلى الله عليه وسلم يرسل لـعمر خاصة بعد نزول سورة الفتح ليطمئن قلبه، فقرأ عليه سورة الفتح بكاملها من أجل أن يقول له: إن قرار الصلح هو القرار الأصوب، ولما سأله سيدنا عمر بن الخطاب: أفتح هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم».

اكتفى بذلك ولم يذكره بخطئه السابق، وما قال له: ما كان ينبغي أن تقول كذا وكذا، وحتى بعدما ظهرت خيرات صلح الحديبية بعد ذلك لم نسمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام استدعى عمر بن الخطاب وقال له: ألم أقل لك إن ذلك خير؟ أرأيت كذا وكذا؟ ما قال له هذه الكلمات، بل إنه عليه الصلاة والسلام قبل منه الخطأ بسعة صدر؛ لأنه يقدر الظروف التي حدث فيها ذلك الخطأ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا بـعمر وبسائر أصحابه صلى الله عليه وسلم تمام الرحمة، وكان مقدرًا حبهم للإسلام تمام التقدير، هذه هي القيادة الرشيدة.

خلاصة الأمر: أن الأمة الناجحة حقًا هي الأمة التي يشعر فيها الجندي أنه قريب جدًا من القائد، يحبه ويقدره ويطيعه ويثق به تمامًا، ويشعر القائد كذلك أنه قريب جدًا من جنوده، يحبهم ويقدرهم ويثق بهم، وهذه الثقة والتسامح والمحبة المتبادلة بين القائد وجنوده من أقوى الأسباب التي تقوم عليها الأمم (15).

إن هذه الروح الإيجابية المبادرة كانت شائعة بين أفراد الجيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين حملوا الدين، وأسسوا الدولة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغرس الله بهم لدينه ما كان سببًا لانتشار الإسلام في ربوع الدنيا، ظهرت هذه الروح عند أبي بصير وحركته، وظهرت في الحباب بن المنذر وهو يشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير موقع معسكر المسلمين في غزوتي بدر وخيبر، وهذه الروح هي التي دفعت سعد بن معاذ ليشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء عريش خاص به في بدر، ثم حملت سلمان الفارسي ليقترح على المسلمين حفر الخندق في الأحزاب، رأيناها في البراء بن مالك وهو يفتح حديقة الموت للصحابة في حرب مسيلمة الكذاب، ورأينا أثرها في الزبير وهو يعتلي أسوار حصن بابليون في فتح مصر.

-----------

(1) تفسير البغوي (4/241- 242).

(2) فتح الباري (5/ 412).

(3) أخرجه البخاري (2731).

(4) زاد المعاد (3/ 309).

(5) مغازي الواقدي (2/609- 610).

(6) سيرة ابن هشام (2/ 318).

(7) نفس المصدر.

(8) عيون الأثر (2/ 169).

(9) دلائل النبوة للبيهقي (4/ 174).

(10) فقه السيرة للغزالي (ص: 340).

(11) الرسول القائد (ص: 286).

(12) السيرة النبوية الصحيحة (2/ 452).

(13) السيرة النبوية راغب السرجاني (32/ 11)، بترقيم الشاملة آليًا.

(14) سبل الهدى والرشاد (5/ 53).

(15) سلسلة السيرة النبوية ما بعد الحديبية/ إسلام ويب.