ماذا تفعل أمريكا فيما سمي بالشرق الأوسط؟
من يظن أن ما تفعله أمريكا فيما يحدث في منطقتنا من مآس وفوضى أمر طارئ وليد الأحداث فهو واهم؛ إذ الحقيقة أن ما يجري الآن هو تنفيذ لمخطط صيغ وأعلن لتفتيت العالم الإسلامي.
إن المنطقة الآن تزلزل ليعاد تشكيلها من جديد، الأمر الذي يجعل أمريكا تجمد جهودها السياسية، وتوقف مبادراتها، إلى حين نضجها تمامًا، ووصولها لدرجة من الليونة، بعد أن يأخذ العنف مداه؛ تسمح بإعادة تشكيلها من جديد.
هذه هي «الفوضى الخلاقة» التي هي خلاقة بالنسبة لمصالح أمريكا والغرب، وغير خلاقة؛ بل مدمرة بالنسبة للأوطان والشعوب.
إن صعود المحافظين الجدد (وهو تيار أيديولوجي متطرف، يمتلك توجهات ضد العرب والمسلمين)؛ قد سوق داخل أروقة صنع القرار الأمريكي نظرية «الفوضى الخلاقة»؛ لتكون محورًا للسياسة الأمريكية تجاه منطقتنا.
إن مفهوم «الفوضى الخلاقة»، أقرب إلى مفهوم «الإدارة بالأزمات» في المجال الاستراتيجي، مع اختلاف الوسائل.
والإدارة بالأزمات هي: علم وفن صناعة الازمة وافتعالها، وإدارتها بنجاح، لغرض مصالح محددة، ويترتب على هذا النوع من الأزمات تفكيك المنظومة المستهدفة، مما يسهل الوصول إلى مكوناتها الأساسية؛ الأمر الذى يؤدي الى انهيار النظام، وإعادة تشكيله بطريقة تحقق تلك المصالح.
وتقوم تلك السياسة على: إطلاق الصراع العرقي والطائفي، وتقسيم الدول بحجة حقوق الأقليات، ومواصلة تقديم الدعم المادي والمعنوي للطرف الضعيف، بحيث يبقى الصراع مشتعلًا لأطول فترة ممكنة، وإطلاق صراع العصبيات القبلية، واستبدال مؤسسات الدولة بولاءات عشائرية وحزبية، وضرب الاستقرار الأمني وإطالة أمد اختلاله، وعدم حل الأزمات المشتعلة وتوريط الأطراف فيها، (بحيث يتم إضعافها وتبقى حاجة الجميع للولايات المتحدة قائمة، للحفاظ على أمنه واستقراره)، وزعزعة الوضع الاقتصادي، والتعبئة الإعلامية لتحقيق أهدافها، ومحاولة فرض مفاهيم جديدة، في ظل العولمة، وما يسمى بالحرب على الإرهاب، والترويج لمبادئ الإصلاح الديمقراطي بهدف تغيير أنظمة الحكم بفوضى.
إن العقلية الأمريكية مؤمنة بأن القوي يستطيع أن يخلق النظام من رحم الفوضى.
تريد أمريكا أن يستمر التقاتل بين الأطراف العربية والإسلامية بشكل مباشر وبأيد محلية، ويحدث التدمير، وتسيل أنهار الدماء؛ لكي تتعمق العداوات بين مختلف الأطراف، ولكي يتعب الجميع في النهاية.
بينما تقوم بلفت الأنظار العربية بعيدًا عن الصراع (العربي – الإسرائيلي)، بعد أن تم استبداله بالصراع (السني – الشيعي)، وذلك من خلال إحداث صراعات مثلما هو الحال في سوريا واليمن؛ بحيث يتم التركيز على التهديد الإيراني للمنطقة، وبذلك يأخذ الصراع (العربي – الإسرائيلي) مرتبة ثانية في اهتمامات الأنظمة العربية، وبذلك يكون المستفيد الأكبر من الصراعات، التي تشهدها المنطقة، أمريكا والكيان الصهيوني.
إن نظرية «الفوضى الخلاقة»، لا تستهدف فقط حفظ المصالح الأمريكية في المنطقة والتي يسوق لها إعلاميًا، والمتمثلة في تدفق إمدادات النفط، والموارد الطبيعية الأخرى، وكذلك حماية إسرائيل؛ بل تتعداها إلى تغيير سلوكيات ومعتقدات شعوب هذه المنطقة، واستبدال ثقافاتها بثقافات تراها ضرورية للنظام العالمي الجديد.
والهدف في النهاية من هذه الفوضى هو: إيجاد رأي عام قوي يصرح بأن الدين هو سبب الاضطراب والتقاتل والفوضى؛ فلذلك لا بد من تحييده، والتوصل إلى ما توصل له الغرب سابقًا، وهو إبعاد الدين عن مجال الحياة، وحصره بين جدران المسجد، وفصل الدين عن الدولة.
إن عدم الوعي بخطورة الدور الأمريكي في إشعال فتيل تلك الصراعات، من شأنه أن يقود إلى معارك ضارية تستنزف الجميع دون تحقيق انتصار حاسم؛ ويمهد الطريق لنجاح أمريكا في تمرير مشروعها، الذي يستهدف تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة متناحرة، بحيث يبقى الكيان الصهيوني الأكبر والأقوى في المنطقة.