logo

خير البرية


قسم : تنمية بشرية
بتاريخ : السبت ، 10 ذو القعدة ، 1440 الموافق 13 يوليو 2019
بقلم : خير البرية
خير البرية

حاجة البشرية إلى خير البرية:

لقد اجتاحت أزمة القيم كل مناحي الحياة في المجتمعات المعاصرة، رغم تقدمها المادي؛ فبدلًا من قيم الحق والخير والعدل والشجاعة والجمال؛ حلت قيم الظلم والأنانية والنفاق والنفعية، وانفلات الأخلاق داخل الأسر وخارجها، وغياب الضمير، وبعدت التربية عن القيم الدينية؛ بل والإنسانية، وحتى الثقافة واللغة والسياسة لم تسلم من الأزمة.

لهذا كله فإن البشرية اليوم في حاجة إلى خير البرية، لتتحرر من أغلال قيم شر البرية، وتتزود بقيم جديدة أصيلة، وفق عقيدةٍ ومنهجٍ يؤمن بعبادة الله وحده، والتلقي منه وحده، والخضوع له وحده.

من هم خير البرية؟:

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة].

تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين: الأول: أن هؤلاء الضالين خالدون في النار، والثاني: أنهم شر المخلوقات التي خلقها الله تعالى.

ثم بين سبحانه بعد ذلك حسن عاقبة المؤمنين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}؛ أي: وعملوا الأعمال الصالحات، {أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} أي: أولئك هم خير المخلوقات التي خلقها الله تعالى [التفسير الوسيط:15/473].

فعمل الصالحات يكون ببذل النفس في سبيل الجهاد للحق، وبذل المال في أعمال البر، مع القيام بفرائض العبادات، والإخلاص في سائر ضروب المعاملات، وبهذا يكونون خير البرية وأفضل الخليقة؛ لأنهم بمتابعة الحق عند معرفته بالدليل القائم عليه؛ قد حققوا لأنفسهم معنى الإنسانية التي شرفهم الله بها؛ وبالعمل الصالح؛ قد حفظوا نظام الفضيلة الذي جعله الله قوام الوجود الإنسانيّ، وهدوا غيرهم بحسن الأسوة إلى مثل ما هدوا إليه من الخير والسعادة، فمن يكون أفضل منهم؟ [انظر: محاسن التأويل:9/524].

بماذا استحقوا التفضيل؟:

قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس؛ وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك، وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم؛ فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس [تفسير السعدي 143].

وإنما ذكر الإيمان بالله في عداد الأحوال التي استحقوا بها التفضيل على الأمم؛ لأن لكل من تلك الأحوال الموجبة للأفضلية أثرًا في التفضيل على بعض الفرق، فالإيمان قصد به التفضيل على المشركين الذين كانوا يفتخرون بأنهم أهل حرم الله وسدنة بيته، وقد رد الله ذلك صريحًا في قوله: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله} [التوبة: 19]، وذِكْرُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قصد به التفضيل على أهل الكتاب، الذين أضاعوا ذلك بينهم، وقد قال تعالى فيهم: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} [المائدة: 79] [التحرير والتنوير:4/50-51].

قال ابن كثير: والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة؛ كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم [تفسير ابن كثير:2/94].

فالآية تنوه بشأن الأمة الإسلامية وتعلى من قدرها، فهل تعي الأمة الإسلامية هذا التنويه من شأنها، وذلك الإعلاء من قدرها؛ فتقوم بدورها الذي اختاره الله لها؛ وهو نشر كلمة التوحيد في الأرض، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، شكرًا الله تعالى على جعله إياها خير أمة أخرجت للناس؟

إن واقع المسلمين المليء بالضعف والهوان، والفسوق والعصيان؛ يدمى قلوب المؤمنين الصادقين، ويحملهم على أن يبلغوا رسالات الله دون أن يخشوا أحدًا سواه، حتى تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى [التفسير الوسيط:2/213-214].

خير البرية شهداء على الناس:

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].

{وسطًا} أي عدولًا خيارًا.

وضمير المخاطبين هنا مراد به جميع المسلمين ... فلا يختص الضمير بالموجودين يوم نزول الآية[التحرير والتنوير:2/18].

وهذه الشهادة دنيوية وأخروية؛ فأما الدنيوية فهي حكم هاته الأمة على الأمم الماضين والحاضرين، بتبرير المؤمنين منهم بالرسل المبعوثين في كل زمان، وبتضليل الكافرين منهم برسلهم، والمكابرين في العكوف على مللهم، بعد مجيء ناسخها وظهور الحق ...

والشهادة الأخروية هي ما رواه البخاري والترمذي عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجاء بنوح يوم القيامة؛ فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب؛ فتُسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير؛ فيقول الله: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته؛ فيجاء بكم، فتشهدون، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا}، قال: عدلًا، {لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدًا} [التحرير والتنوير:2/20].

والظاهر من التعليل هو الشهادة الدنيوية؛ والشهادة الأخروية متفرعة عنها تجيء على طبقها؛ لما عرفناه من أن أحوال الآخرة تكون على وفق أحوال الدنيا.

ومن مكملات معنى الشهادة على الناس في الدنيا؛ وجوب دعوتنا الأمم للإسلام؛ ليقوم ذلك مقام دعوة الرسول إياهم، حتى تتم الشهادة للمؤمنين منهم على المعرضين [التحرير والتنوير 2/21].