وقفات هامة للنجاح في الطريق إلى الله
حتى تكون صاحب شخصية ناجحة عليك أن تسعى وتجتهد في الطريق إلى النجاح مع الله ومع الناس ومع النفس فإن قصرت في أي من الطرق فلن تتذوق حلاوة النجاح , فإن نجحت في علاقتك مع الناس وأصبحت إنسانا ناجحا في حياتك العملية وشهد لك كل من حولك بذلك ولكنك مقصر في علاقتك مع ربك بصورة واضحة حيث جعل اهتمامك بالنجاح الدنيوي أن تهمل نجاحك الإيماني مع الله فعليك السعي والاجتهاد في طريق الحق طريق الإيمان طريق النجاح مع الله حتى تنول شرف النجاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)} [البقرة: 200 - 202].
لذا فعليك أن تسعى أولًا ودائمًا بأن تنجح في علاقتك مع ربك فهو المعين والمستعان وخير من أعان، فلا يرد سبحانه من طرق بابه واحتاج إليه وسعى إلى طلب الرضوان، فأسمى درجات النجاح أن تنجح في الوصول إلى رضا الحق سبحانه وتعالى، وأن تعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، وأن تعمل لأخرتك كأنك تموت غدًا، واعلم علم اليقين أن الملك لله ويعز من يشاء ويذل من يشاء وبيده الخير والملك وهو على كل شيء قدير قدر النجاح لكل مجتهد.
واعلم أن لكل ملك في الدنيا علامات فإذا علا مات، ومهما وصلت في الدنيا إلى أعلى المناصب وحققت أعظم وأعلى درجات النجاح بدون رضا من الله فإنك لم تتحرك ساكنًا وما زلت في الدنو ولن ترنوا إلى العلو إلا بالنجاح الإيماني مع الله سبحانه وتعالى وعلى سنة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وحتى تنجح مع الله عليك عدم إغفال وإهمال نجاحك مع نفسك أو نجاحك مع الناس فهي حلقة متكاملة تصب في بوتقة النجاح المثالي وإلى قمة النجاح في الدنيا والأخرة «فإن لنفسك عليك حق ولربك عليك حق ولزوجك عليك حق ولزورك عليك حق فاعط لكل ذي حق حقه».
ويمكنك أن تحول نجاحك في الدنيا إلى عبادة تثاب عليها وتنفعك في الأخرة من خلال توجيه النية من العمل والنجاح لله سبحانه وتعالى وأن يكون هذا النجاح في خدمة الإسلام والمسلمين فالأمة الإسلامية بحاجة إلى كل فرد ناجح في المجتمع، نحن بحاجة إلى طبيب مسلم ناجح من أحفاد ابن سينا وفيلسوف إسلامي كأمثال ابن رشد وغيرهم من عظماء الإسلام الذين رسموا بنجاحهم أروع أمثلة لفخر الإسلام وعزة المسلمين على مر العصور والسنين.
اربط قلبك بالله:
عليك أن تجتهد في نجاحك الدنيوي ولكن لا يشغل قلبك إلا النجاح الإيماني في حب الله، واجعل نجاحك في الدنيا في خدمة الدين ولا تجعل نجاحك دينيا في خدمة الدنيا، فالقلب مثل الإسفنجة إن وضعت الإسفنجة في لبن ثم أخرجتها وضغطت عليها فلن تجد إلا لبنا أبيضًا خالصًا وعلى العكس إن وضعت الإسفنجة في شيء أسود ستجدها تتلون بالسواد وعندما تضغط عليها فلن تجد إلا السواد.
فكذلك القلب إن ملئته بحب الله وطاعته ورضوانه أضاء وأنار فإن ضغطت عليه الدنيا بضيق في العيش وابتلي بأي كرب لن تجد من هذا القلب إلا الرضا والقناعة والصبر على الابتلاء والاجتهاد في الطاعة، وزادته المحنه منحه بما عند الله فهو يعلم أن الجنة حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
أما القلب الذي أمتلئ بحب الدنيا فقط عندما يقع في أي محنه ينقلب على عقبه خسر الدنيا والأخرة فذلك هو الخسران المبين، يدعو من دون الله لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير.
وهناك العديد من الوسائل التي تملء قلبك بالإيمان وحب الرحمن، حيث أن للقلب مصبات تتصل به وتعمل على تغذيته الروحانية وهذه المصبات هي العين والأذن واللسان.
- فالعين للمشاهدة والنظر حيث ترى بها عظمة خلق الله وإبداعه في الكون فإذا أردت أن تتعرف على عظمة الخالق فانظر إلى عظمة المخلوق والحق سبحانه وتعالى قال: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].
وانظر أيضًا إلى عظمة خلق الإنسان فالمولى سبحانه وتعالى خلقه في أحسن تقويم وقال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} وقال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.
أنظر إلى أهمية العين في تحقيق النجاح الإيماني وتحصيل اليقين ومعرفة لا إله إلا الله بالحقيقة أي لا مبدع ولا خالق ولا قادر إلا الله، وهي أيضا من أعظم إبداعات الله في خلق الإنسان وهي أجمل شيء فيه لأن جمال الإنسان مرتبط بالوجه وأجمل ما في الوجه العينين , والعين مرتبط بها إعجاز الرؤية بأمر الله لأن هناك من لديه نفس العينين ولكن لا يرى شيئًا، فاحمد الله على نعمة البصر واطلب منه نعمة البصيرة، وهو أن يرى قلبك بنور الله حقائق الأمور وتتعامل معها بما يرضي الله، فاربط قلبك بربك من خلال عينك بأن ترى ما أحل الله وتغضها عن كل ما حرم الله .
- كما أن الأذن من المصبات الهامة التي تغذي القلب وذلك من خلال أن تسمع عن الله من قرآن يتلى وذكر يردد فالقارئ كالساقي والمستمع كالشارب، اسمع أيضًا الخطب والمحاضرات الدينية فهي تغذي قلبك بنور الإيمان وحب الواحد الديان.
- ثم اللسان الذي يمكن أن يجعلك أن ترتقي إلى أعلى الجنات أو أن يخسف بك في المهالك والزلات وهو متصل بالقلب أيضًا، قال صلى الله عليه وسلم جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم»، وفي صحيح مسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب»، فاعمل جاهدا أن يكون لسانك رطبًا بذكر الله وتلاوة كتاب الله «فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
تركيبة النجاح الأخلاقي:
فيا أيها الباحث عن النجاح مع الله إليك هذه الوصفة الإيمانية السحرية التي تجعلك ترتقي مع الله إلى منزلة يرضاها الله وتطيب بها نفسك، قال رجل لسفيان الثوري: انى أشكو من مرض البعد عن الله فما العلاج؟ فقال له سفيان: يا هذا عليك بعروق الاخلاص وورق الصبر وعصير التواضع، ضع هذا كله في اناء التقوى وصب عليه ماء الخشية وأوقد عليه بنار الحزن وصفه بمصفاة المراقبة، وتناوله بكف الصدق وأشربه من كأس الاستغفار وتمضمض بالورع وابعد عن الحرص والطمع، تشفَ من مرضك بإذن الله.
إنه بستان الأخلاق فنحن من أمة خير البشر الذي قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وزكاه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، إنها الأخلاق الإسلامية التي يجب أن نربي أنفسنا عليها وأبنائنا على مبادئها السمحة حتى يكونوا فخرا للإسلام والمسلمين ويعلو بهم راية الحق في كل مكان وزمان.
كفى بنفسك عليك حسيبًا
في الوقت الذي قررت فيه الالتحاق بقطار النجاح والانطلاق نحو تحديد أهدافك وأحلامك، أنت من اليوم الرقيب على نفسك {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 14- 15]، حاسب نفسك على ما تم إنجازه وهل سار على الطريق المخطط له سابقًا أم كان هناك انحراف في الأداء عن المسار المحدد وهناك أخطاء يجب تصحيحها؟ وهل هذه الأخطاء ترجع إلى سوء في عملية التخطيط أي أن الخطة الموضوعة ليست عملية وغير ممكنة التطبيق أو غير متوافقة مع القدرات الشخصية؟ أم المشكلة ترجع لسوء في عملية التنفيذ أو كان هناك تهاون وتقصير في تنفيذ ما هو مخطط؟.
ويجب أن يكون هذا التقييم بصفة دورية حسب البرنامج العملي الموضوع للخطة، فهذا الأمر إن كان علمي بحت فهو سهل التطبيق في العديد من مجالات الحياة مثل الدراسة والتحصيل العلمي وكذلك كبرنامج عملي في حفظ القرآن الكريم، كما يمكن تطبيق تقييم الأداء في إدارة المشروعات كأحد أهم مبادئ نجاح المشروعات الاستثمارية والرقابة عليها.
حاسب نفسك قبل أن تحاسب
عليك أن تحاسب نفسك أولًا في النجاح الإيماني ومدى نجاحك في علاقتك بربك وأبسط صورة هو ورد المحاسبة اليومي يمكن أن تضعه بنفسك لنفسك يبدأ على سبيل المثال من الاستيقاظ لصلاة ركعتي قيام الليل ثم صلاة الفجر وبعدها أذكار الصباح وقراءة الورد القرآني اليومي وحفظ ما تيسر من آيات الله والمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة , وتجديد النية في كل عادة يومية من أكل وشرب وعمل دنيوي والترويح عن النفس وغيرها من الأعمال اليومية العادية لو تم تجديد النية في هذه الأعمال أنك تقوم بها لتقويك وتعينك على طاعة الله سبحانه وتعالى أجرت بهذه النية وتحولت العادة إلى عبادة , وبهذا تكون حياتك كلها طاعة لله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162- 163].
اعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلت فداوم على فعل الخير ولو أبسط البسيط وبعدها يمكن أن ترتقي تدريجيًا في طاعتك لربك، ولا تثقل على نفسك فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، واجعل لسانك رطبًا دائمًا بالاستغفار ليس فقط من صغائر المعصية، ولكن أيضًا للتقصير في الطاعة، واشغل نفسك بالذكر وقراءة القرآن في أوقات الانتظار في السفر والانتقال.
عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَيّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمنّى عَلَى الله».
ابحث عن الحب الحقيقي
اعلم أن نجاحك الاجتماعي مع الناس وحبهم لك وثقتهم فيك مرتبط ارتباطًا وثيقًا بنجاحك الإيماني مع الله وحبك لله وحب الله سبحانه وتعالى لك فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» رواه البخاري.
فحب الله للعبد هو أعظم مكافأة في الوجود لأن هذا العبد سيكون في معية الرحمن ففي الحديث القدسي، عن أبي هريرة أنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» رواه البخاري.
فاسعَ أعزك الله إلى طلب النجاح والترقي مع الله وفي حب الله وتقرب إلى الله وفر إليه، فمن خاف من شيء فر منه ومن خاف من الله فر إليه.
اغتنم فرصة الحياة
اعلم أن أهم فرصة لك هي أنك حي ترزق فإن قصرت في شيء فسارع بتصحيح المسار نحو قطار النجاح الصحيح، وذلك ينطبق في علاقتك بربك فبادر بالتوبة والاستغفار على ما اقترفت من معصية وعلى ما قصرت من طاعة، وأيضًا ينطبق في علاقتك بنفسك إذا كنت مقصرًا في حق نفسك فارتقي بنفسك حتى تكون نفسًا مطمئنه والتي يحبها المولى سبحانه وتعالى ويرضى عنها، وأيضًا ينطبق في علاقتك بغيرك فالدين المعاملة فاطلب العفو والسماح ممن ظلمتهم أو اغتبتهم وضيعت حقهم قبل أن يأتي يوم عليك لا تسطيع فيه تحريك ساكن ولا رمشة عين عندما يقضى أجلك فاغتنم هذا الأجل المحدود في طاعة رب الوجود، وهو ما أشار إليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «حياتك قبل موتك» فالله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياه ليختبر الناس أيهم أحسن عملًا في الدنيا ليجزيه عليه خيرًا عظيمًا وفضلًا منه وكرمًا في الآخرة، حيث قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]، وبين لهم طريق الحق وطريق الضلال طريق النجاح وطريق الفشل فقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]، وأرسل سبحانه الرسل لتوجيه البشر إلى الطريق الصحيح الذي يصل بهم إلى جنات ورضوان الواحد الديان.
لا تخف من فوات الرزق
لا تصبح وهملك وشغلك الشاغل أنك كيف تحصل على رزقك واعلم أن رزقك مقدر لك في اللوح المحفوظ قبل أن تأتي إلى الدنيا فمن أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، وقيل للحسن البصري: ما سر زهدك في هذه الدنيا؟ فقال: علمت بأن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي له، وعلمت بأن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به، وعلمت أن الله مطلع عليَّ فاستحيت أن أقابله على معصية، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله.
إذا أدركت معنى لا إله إلا الله بالحقيقة فاعلم أنه لا رازق إلا الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، فالله سبحانه قادر على أن يرزق بالأسباب وبدون الأسباب وبضد الأسباب، فرزقه بالأسباب عندما تخرج من بيتك قاصدًا طلب الرزق وتعمل وتجتهد فالله سبحانه وتعالى كفيل على أن يرزقك فلكل مجتهد نصيب فتوكل واجتهد في طلب الرزق فعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» .
والله سبحانه وتعالى قادر على أن يرزق بدون أسباب كما رزق مريم في محرابها بدون أي أسباب ولا حساب، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
وهو أيضًا عز وجل قادر على أن يرزق بضد الأسباب في أماكن لا يتخيل العقل البشري أن يجد فيه رزقًا، فقد رزق سبحانه وتعالى سيدنا نوح وهو في بطن النار التي ألقاه بها النمرود وأعداء الله، وعندما حدثت المعجزة الإلهية بأن كانت النار بردًا وسلامًا عليه سئل الخليل عن أفضل أيام عاشها في حياته فقال هي الأيام التي قضاها في النار فهل يمكن أن يتخيل أحد ذلك إنها قدرة الله، وكذلك أيضا من الأمثلة على ذلك رزقه لسيدنا يونس في بطن الحوت رزقه الله كل ما يؤهله للحياة ثم أنبت له شجرة اليقطين.
هذا كله ليعلمك الحق سبحانه وتعالى أنك لم تأتي الحياة الدنيا فقط للسعي وراء الرزق والبحث عن الطعام والشراب وملاذ الدنيا فقط ولكن لغرض عظيم هو عبادته سبحانه وتعالى، فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58]، ومع هذا أمرنا سبحانه وتعالى أن نأخذ بالأسباب في طريق طلب الرزق ويبين لنا درسا عظيما فكما هو كان يرزق مريم البتول وهي في محرابها أمرها أن تهز النخلة عندما جاءها المخاض لتلد سيدنا عيسى وهي في قمة الضعف والوهن طلب منها الأخذ بالسبب وهو سبحانها وتعالى قادر على أن يأمر النخلة بأن تساقط عليها رطبًا جنيًا طيبًا .
فالأخذ بالسبب سنة كونية أمرنا الحق سبحانه وتعالى بها فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، لذلك فعدم الأخذ بالأسباب والتكاسل والتراخي معصية لعدم الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضه، أما الاعتماد على الأسباب بأن فيها النفع والضر كفر بالله فمن قال لولا وجود الكلب لدخل اللص فقد أشرك بالله ولكن الصحيح لولا أن الله سخر الكلب لدخل اللص والكلب ليس فقط إلا سبب، أيضًا الدواء لا يمكنه العلاج والشفاء بدون إرادة الرحمن ولعلك تجد شخصين قد أخذًا نفس العلاج وأحدهما يبرأ من مرضه ويكتب له الشفاء والأخر لا.
المصدر: موقع كنانة أونلاين