كيف تجذب الآخرين .. أسرار الشخصية الكاريزمية
هل التقيت في حياتك شخصًا يخطف أنظار الجميع لحظة دخوله إلى مكان معين؟
هل وجدت نفسك تراقبه بتمعن؟
هل شعرت وكأنك تعرفه من قبل، وأنك متفق معه في كل ما يقول؟
ترى ما هو سر (الكاريزما) التي يتمتع بها هذا الشخص؟
وأنت؟
- هل نادرًا ما تلتفت إليك الأنظار أثناء الاجتماعات؟
- هل يتجاهل الآخرون رأيك أو النكات التي يتصادف أن تلقيها بينهم؟
- هل تشعر أن بعض زملائك يبخلون عليك بودهم، ويتجنبون الحديث معك، ويشكونك لرئيسك عند أدنى سوء تفاهم بينك وبينهم؟
- هل يمر مستقبلك المهني بحالة من الردود، فلا يكلفك رؤساؤك بمهام جديدة، ولا يرشحونك لنيل ترقيات مرتقبة؟
فما هي الكاريزما، وما مدى تأثيرها في ذات الفرد والآخرين؟ وكيف تجذب الآخرين من حولك، وتكتسب الكاريزما التي تجعل الجميع يستمتع بالحديث معك؟
الكاريزما (Charisma) أو الجاذبية الشخصية:
هي الروح التي تبعث الطاقة العاطفية المؤثرة في الناس، على المستوى الفكري أو الحسي أو الانفعالي، بواسطة (التواصل البصري، نبرة الصوت ودرجته، المهارة الخطابية الملامسة لحاجة الناس، الهيئة ولغة الجسد والحالة التي تسود الجو العام).
أو هي الوصف الذي يطلق على الجاذبية الكبيرة والحضور الطاغي الذي يتمتع به بعض الأشخاص، والقدرة على التأثير على الآخرين إيجابيًا بالارتباط بهم جسديًا وعاطفيًا وثقافيًا، سلطة فوق العادة، وسحر شخصي يثير الولاء والحماس.
وهي ترجع لأصل يوناني (إغريقي)، وتعني: الهدية أو التفضيل الإلهي، والشخصية الكاريزمية هي التي لها قدرات غير طبيعية في القيادة والإقناع وأسر الآخرين، كما أنها تمتاز بالقدرة على إلهام الآخرين عند الاتصال بهم، وجذب انتباههم بشكل أكثر من المعتاد.
فالشخص الذي يتمتع بالكاريزما هو ساحر ولكن من نوع خاص، يسحر الشعوب فتحبه وتعشقه، فتغمض عيونها وتتبعه، حتى وإن ألقاها في هاوية ودمرها، أو قد يوصلها لبر الأمان ويسعدها.
ومن الصفات الموجودة في الشخصية الكاريزمية أنه إنسان اجتماعي جدًا، نشيط، حماسي، سريع البديهة، محبوب، مثقف، طموح، يعشق التحدي والتغيير، لا يقف أمامه شيء، ويعرف أين يقف، أفكاره عميقة، صاحب موقف وفكر معين، واثق من نفسه جدًا، صفات تنبع من داخل الفرد وليس من خارجه؛ مما يضفي عليه جاذبية خاصة وروعة منفردة.
إذا أردت أن تعرف ما إذا كانت شخصيتك كاريزمية، اسأل نفسك الأسئلة الآتية:
- هل لديك القدرة على التعبير عما تريد بلغة العيون دون أن تتكلم؟
- هل تمتلك مهارات الاستماع الجيد؟
- هل لديك القدرة على صياغة كلامك بأسلوب جيد مؤثر فيمن أمامك، على اختلاف فئات الناس؟
- هل لديك القدرة على الإقناع والتأثير فيمن حولك؟
- هل لديك القدرة على التكيف مع الآخرين وإيجاد الحلول العملية الذكية؟
- هل لديك القدرة على استغلال الوقت بفاعلية نحو الإنجاز؟
- هل تستطيع قراءة مشاعرك بذكاء، ومعرفة ما الذي تريده بالضبط، وماهية أهدافك؟ هل تستطيع استشعار مشاعر الآخرين، ومعرفة ما يحتاجونه؟
- هل لديك القدرة على التحكم بانفعالاتك وإظهارها بأسلوب إيجابي مؤثر في الناس نحو التغيير؟
هل تتمتع بالحاسة السادسة أو ما يعرف بالحدس أو البديهة؟
هل أنت واحد منهم!!
فعندما نتكلم عن سحر الشخصية فإننا نقصد أصحاب الإطلالة الآسرة، ممن يفرضون وجودهم بصمت فيه الكثير من المرونة والذكاء والمعرفة بخفايا القلوب، هذه الفئة من الناس تكتسب عمومًا شعبية وشهرة تحسد عليها، وقد تتخطى، من حيث الموقع الذي تحتله في القلوب، الكثير من أصحاب المواهب والاختصاص لأسباب يحتار البعض في تفسيرها، بينما يعزوها آخرون إلى عوامل فطرية وإدراكية.
وعلى سبيل المثال: من لا يعرف من هو الدكتور إبراهيم الفقي (تغمده الله بواسع رحمته)، ويشهد بإنجازاته، وحضر له ما لا يقل عن عشر محاضرات؟ ومن لم يشتر له كتابًا على الأقل؟ فهو من أبرز الشخصيات التي حققت وجودها، وساعدت الكثير في تحقيق ذاتهم وإثبات وجودهم، فجذب الملايين والملايين من البشر، ومن مختلف أقطار العالم، بسحر أفكاره، وعلمه الواسع، ومثابرته الجادة في الحياة.
ولإلقاء الضوء على هذه الناحية الإنسانية نتطرق إلى أهم مواصفات الجاذبية الشخصية، وكيفية اكتسابها بالطرق المباشرة وغير المباشرة.
1- الجاذبية الفردية:
على الرغم من صعوبة وصف تداخل الخطوط المؤدية إلى بروز الجاذبية الفردية، إلا أن الباحثين النفسيين، الذين تابعوا حياة معظم البارزين خلال العقود الماضية، قد كونوا فكرة واضحة عن نشوء الشخصية القيادية، وعن دور كل من الطباع والجهود الفردية والعقل التربوي، فهنالك تأكيد قاطع على جذورها الوراثية، والتي تظهر للعيان منذ أشهر الطفولة الأولى، علمًا أنها تتغذى أو تخمد حسب الظروف العائلية والاجتماعية، وهنا تلعب التربية دورًا رئيسيًا.
فالطفل المتميز بالنشاط والانفتاح والمقدرة على التفاعل المباشر مع محيطه الاجتماعي؛ هو طفل يملك، بالفطرة، حوافز لبناء شخصية مستقبلية قوية وقادرة على فرض وجودها في المجتمع، واللافت، كما يؤكد الباحثون، أن عامل الحيوية يميز الأكثرية الساحقة من الأطفال، باعتباره مرتبطًا بالبقاء.
إلا أن المقيمين على التربية يحولون، في معظم الأحيان، دون تنمية هذا الاتجاه الاجتماعي؛ لأسباب تندرج في إطار التقاليد، وذلك من منطلق أن الانفتاح والحيوية قد يتحولان إلى وقاحة، وهذا يدفع ببعض الأطفال إلى الانطواء خجلًا، أو الاعتياد على سلوك الحذر؛ ما يؤدي لاحقًا إلى كبت الشخصية، وخمود الحوافز النظرية الفطرية.
2- حب المغامرة والحياة:
من المعروف أن المغامرين هم أشخاص يتخطون الخوف والحواجز الاجتماعية والشخصية، وسواها من المقومات؛ لتحقيق أهدافهم، وهذا يعود إلى جملة عوامل بيولوجية، وظروف اجتماعية وتربوية، تساعد على اكتساب الاندفاع المطلوب لاقتحام المجهول، ولفت الأنظار، وصولًا إلى الشهرة.
حسب تأكيد الباحثين فإن بالإمكان اكتساب الميل إلى الاندفاع والمغامرة البناءة، عن طريق الدعم والتصميم الفردي، مع ذلك فهم يؤكدون على وجود أنواع من المغامرين الذين تختلف توجهاتهم بحسب طباعهم وشخصياتهم البناءة وغير البناءة.
فأصحاب الشخصيات القوية المنفتحة، مثلًا، يسيرون نحو المغامرة البناءة بخطى واثقة، وفي خط متوازن، يجمع بين الصلابة والإنتاج، بينما نرى أن الخجولين أو القلقين يستجمعون الشجاعة للقيام بالمغامرة (الحلم)، عن طريق تقمص شخصيات استفزازية وعدوانية، أما الأذكياء من الواثقين بأنفسهم، فيستفيدون من قدراتهم الكامنة لكسر القيود والعقد وصولًا إلى ما يريدون، وتساعد الظروف الصعبة أحيانًا على تخطي المعوقات والاتسام بالشجاعة، انطلاقًا من الشعور بالخطر، وهذا يؤكد النظرية القائلة أن الإنسان عندما يكون مهددًا فلا شيء يمنعه من المغامرة.
إن الشعور بالسعادة وحب الحياة يمنح الشخصية سحرًا لا يقاوم، والأشخاص المرحون ينقلون أحاسيسهم إلى أجواء عائلاتهم وأعمالهم، ما يمنح وجودهم، بحد ذاته، متعةً لا تقاوم، وحسب تأكيد الاختصاصيين فإن شعورهم هذا يتغذى من عوامل فطرية واجتماعية، في مقدمتها حب المرح، والإيمان وما يتخلله من فضائل أخلاقية وسلوكية.
3- الشخصية المتزنة:
الإيمان يمنح الشخصية هدوءًا وتوازنًا محببًا ووجودًا طاغيًا، وهذا يعود إلى شعور الراحة الذي يلف المؤمن وينشر في داخله الاطمئنان، والأخلاق الحميدة تساعد على تخطي الإساءة والابتعاد عن الأحقاد، فالأنفس ثلاثة: النفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء، والنفس المطمئنة.
فكل منها شرحت بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والنفس الأخيرة (النفس المطمئنة) هي من حثنا عليها المولى عز وجل، ورغب وحبب بأن يتحلى بها عبده المؤمن؛ مما يحقق له اتزانًا انفعاليًا وعقليًا وتميزه بالحكمة.
وإذا ما اقترنت هذه الفضائل بالحكمة والتروي فهي تضفي مزيجًا فريدًا على المتسمين بها، لمسات من الجاذبية والسحر تجعله محط الأنظار.
وهذه المواصفات لا تبدأ بالظهور عمومًا إلا في نهاية حقبة العشرينات؛ أي بعد مرور المعنيين بالتجارب والخبرات، والمعاناة من تقلبات الظروف.
ولا ينسى الباحثون أهمية الاطلاع على العلوم والنظريات الروحانية والنفسية، لما لها من تأثير مباشر على التفكير والسلوك، وهم يعطون كذلك أهمية بالغة لبيئة العائلة والعمل.
وللشخصية المتزنة دور بالغ الأهمية في تنمية شعور السعادة وحب الحياة؛ وبالتالي إحاطة أصحابها بالجاذبية والسحر.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشخصية المتزنة هي القادرة على تقبل تقلبات الظروف، بما فيها السقوط والفشل بطيبة خاطر، وكذلك النظر إلى الأمور عن طريق العقل والمنطق وسرعة العودة للحياة، والمثابرة من جديد، والابتعاد عن الانفعال والتسرع في الأحكام السلبية المحطمة للذات، وقد تصل إلى تحطيم الآخرين.
4- اكتساب شخصية قوية:
إن مواصفات الشخصية القوية والساحرة هي مزيج متكامل من المقومات الفطرية والإدراكية والصقل الاجتماعي، وهذا يعني أنها من ضمن إمكانيات عمل الدماغ البشري السوي، كما بالإمكان اكتسابها عن طريق تنمية بعض الاتجاهات، نذكر أهمها:
- التدرب تدريجًا، والأفضل الاستعانة باختصاصيين للتحكم بالانفعالات الفطرية، بمعنى الاستفادة من الطباع الإيجابية، وكبح السلبية منها.
- تعلم التحلي بروح المسئولية والثقة بالنفس، عن طريق اكتساب المعارف والمهارات وإتقانها، وكذلك المثابرة على مساعدة الآخرين.
- التدرب على تقنية الإصغاء إلى الغير، ومشاركتهم همومهم، والتفاعل الطبيعي مع ظروفهم الحياتية.
- الابتعاد قدر الإمكان عن الوعظ والاعتداد بالنفس.
- التدرب تدريجًا على التفكير الإيجابي، والتحلي بروح المرح والفكاهة، وصولًا إلى الإعتاق من الكبت الطفولي، والأفضل الاستعانة بإرشاد اختصاصيين بالتدريب السلوكي المعرفي.
- الانفتاح قدر الإمكان على العلوم المستحدثة والتطورات العصرية؛ لاكتساب الحضور الاجتماعي، كما يوصَى بالإلمام بالثقافة الاجتماعية والنفسية؛ للتعرف إلى ما يريده الآخرون.
- الانفتاح على الإيمان، وممارسة الرياضات الروحية لاكتساب نقاء النفس والفكر.
- الاستفادة قدر الإمكان من الأخطاء، والتحرر تدريجيًا من عقد الخوف من المجهول، وصولًا إلى اكتفاء ذاتي يجعل من وجودنا ركيزة اطمئنان وملاذ حماية.
______________