logo

التفكير الناقد


بتاريخ : الاثنين ، 3 محرّم ، 1436 الموافق 27 أكتوبر 2014
بقلم : أحمد الكردي
التفكير الناقد

يشعر إنسان اليوم بأنه يعيش حياة مضطربة، فهناك المشكلات المتراكمة التي يواجهها، سواء في مجتمعه أو على سطح هذا الكوكب المحدود في موارده، والذي يهدده بالخطر، فبات عليه أن يقف في وجه هذا التحدي، والبحث عن العقول الناقدة والمبتكرة؛ لتأتي بحلول جديدة ومثالية، قد تهدئ من اضطرابه وتخفق من حدة الصراع الذي يعانيه، وتساعده على تطوير مجتمعه وتقدمه، وبذلك أصبحت دراسة التفكير الناقد والإبداعي بمكوناتهما المختلفة من بين الأمور التي تتحدى الباحثين بشكل عام، والمربين بشكل خاص.

لقد أكد توينبي عام 1962م على أهمية تنمية قدرات التفكير الناقد والإبداعي بالنسبة لأي مجتمع بقوله: »إن إعطاء الفرص المناسبة لنمو الطاقات المفكرة هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لأي مجتمع من المجتمعات«.

إن التفكير الناقد ليس موجودًا بالفطرة عند الإنسان، فمهارته متعلمة، وتحتاج إلى مران وتدريب، والتفكير الناقد لا يرتبط بمرحلة عمرية معينة، فكل فرد قادر على القيام به وفق مستوى قدراته العقلية والحسية والتصورية والمجردة، فالتفكير الناقد يتأتى باستخدام مهارات التفكير الأخرى؛ كالمنطق الاستدلالي والاستقرائي والتحليلي، ومن الصعب انشغال الذهن بعملية التفكير الناقد دون دعم عمليات تفكير أخرى.

ويعد التفكير الناقد المفتاح لحل المشكلات اليومية التي تواجهنا كمعلمين، فإذا لم نستخدم التفكير الناقد نصبح جزءًا من المشكلة، وعادة ما يتعرض المعلمون لمواقف يضطرون فيها لصنع القرارات الحاسمة، والتكيف مع هذه المواقف الجديدة وتحديث المعلومات بشكل مستمر هو المبرر للتفكير الناقد.

وفي ظل هذه الاهتمامات بالتفكير الناقد، كسمة عقلية ضرورية للإنسان، كان اهتمام هذه الدراسة في تناول هذا النوع من التفكير الإنساني، وللبحث عن تنمية هذه السمة في الغرفة الصفية.

التربية النقدية:

تهدف التربية النقدية إلى تكوين العقل بما يمكنه من إصدار الحكم على الأفكار والتصورات والأحكام الأخرى؛ لمعرفة مدى انسجامها واتساقها عقليًا قبل اعتمادها، فالعقلية النقدية لا تقبل الأمور والحوادث كما تروى لها، ولا تسرع إلى تصديقها؛ بل تعرضها على ميزان العقل ومحك التجربة؛ لتتحقق من مدى صحتها أو خطئها؛ لذا، ألح ديكارت في قاعدته المشهورة "البداهة" على ألا يسلم المرء بأمر أنه حق ما لم يتأكد بالبداهة أنه كذلك.

والتربية النقدية عكس التلقينية، فالأخيرة تحيل الإنسان إلى وعاء متلق، وتغتال فيه كل تفاعل خلاق، ويصبح السبيل الوحيد للاندماج في الجماعة هو التسليم الكلي للتصورات، والخضوع للأحكام التي تفرضها القبيلة أو العائلة أو الصحبة، مع فقدان القدرة على مراجعة الأفكار المسبقة أو إنتاج أفكار جديدة.

ولكي تعمل التربية على تنمية ملكة النقد ينبغي لها استبعاد التلقين ما أمكن ذلك، باعتباره معيقًا رئيسًا ومثبطًا لكل انفعال نفسي وعقلي، وباعتباره الربيب الأول للامتثال والخضوع.

ويمكن للمعلم أن يشجع طلابه دومًا على القراءة الفاحصة، وينمي قدرتهم على الملاحظة الدقيقة للرسومات والمعطيات، وألا يتسرع هو في إصدار الأحكام الصائبة والأحكام الخاطئة التي تصدر كاستجابات من جانب الطلبة، ليشرك الآخرين ويشجعهم على إعمال العقل، ويحتفظ المعلم في النهاية بإيجاز الموقف وإغلاقه بصورة مقنعة، وليظهر أن هذا القرار الصحيح هو نتاج للتفكير والمشاركة الجمعية، بما فيها المحاولات الخطأ.

مفهوم التفكير الناقد:

من خلال استعراض التعريفات المختلفة المنشورة في أدبيات التفكير الناقد، يلاحظ أن الباحثين يختلفون في تحديد مفهوم التفكير الناقد، وقد يرجع ذلك إلى اختلاف مناحي الباحثين واهتماماتهم العلمية من جهة، وإلى تعدد جوانب هذه الظاهرة وتعقدها من جهة أخرى.

في اللغة: ورد الفعل "نَقَد" في لسان العرب بمعنى مَيَّز الدراهم وأَخْرَج الزيف منها،
فنقد الدراهم أي ميز الذهبية منها، بمعنى أكتشف الزائفة، كما ورد تعبير "نقد الشعر" في المعجم الوسيط بمعنى أظهر ما فيه من عيب أو حسن، ويفهم من ذلك إظهار المحاسن والعيوب، وتنقية وعزل ما حاد عن الصواب.

ومن الناحية الفلسفية: نجد أن النقد ينحى إلى شروط العقل ومقاييسه التي تضمن تصورات صحيحة، وتعطي قيمة صائبة للأفكار والأحكام ذاتها.

في الأدب التربوي هناك عدد من التعريفات التي وردت للتفكير الناقد:

يرجع مفهوم التفكير الناقد في أصوله إلى أيام سقراط، التي عرفت معنى غرس التفكير العقلاني بهدف توجيه السلوك، وفي العصر الحديث بدأت حركة التفكير الناقد مع أعمال جون ديوي، عندما استخدم فكرة التفكير المنعكس والاستقصاء، وفي الثمانينات من القرن العشرين بدأ فلاسفة الجامعات بالشعور أن الفلسفة يجب أن تعمل شيئًا للمساهمة في حركة إصلاح المدارس والتربية، ومن ثَم بدأ علماء النفس المعرفيون والتربويون في بناء وجهات النظر الفلسفية المتعلقة بالتفكير الناقد، ووضعها في أطر معرفية وتربوية لاستغلال القدرات العقلية والإنسانية.

على الرغم من تعدد التعريفات للتفكير الناقد، ولكن يمكن أن تنتظمها صيغتان:

الأولى: توصف بالشخصية والذاتية: وهي تركز على الهدف الشخصي من وراء التفكير الناقد، كما جاء في تعريف إنيس (ENNIS)؛ حيث هو "تفكير تأملي معقول، يركز على اتخاذ القرار فيما يفكر فيه الفرد أو يؤديه، من أجل تطوير تفكيره والسيطرة عليه"، إنه تفكير الفرد في الطريقة التي يفكر فيها، حتى يجعل تفكيره أكثر صحة ووضوحًا ومدافعًا عنه.

والثانية: تركز على الجانب الاجتماعي من وراء التفكير الناقد، إذًا هو "عملية ذهنية يؤديها الفرد عندما يطلب إليه الحكم على قضية أو مناقشة موضوع أو إجراء تقويم". إنه الحكم على صحة رأي أو اعتقاد وفعاليته، عن طريق تحليل المعلومات وفرزها واختبارها بهدف التمييز بين الأفكار الإيجابية والسلبية.

وقد ركز إنيس (ENNIS) على افتراضين في تعريفه:

أن التفكير الناقد نشاط ذهني عملي.

يتضمن التفكير الناقد تفكيرًا إبداعيًا، يتضمن بدوره صياغة الفرضيات والأسئلة والاختبارات والتخطيط للتجارب.

كما حدد إنيس (ENNIS) الصفات العملية الإجرائية للتفكير الناقد على النحو التالي:

1. تقويم المناقشات.

2. التفسير.

3. معرفة الافتراضات.

4. التقويم.

5. الاستنباط.

ووضع إنيس (ENNIS) غايات المناهج التي تنمي التفكير الناقد؛ إذ قسمها إلى نوعين: القابليات، والقدرات.

تعريف واطسون جلاسر: بأنه فحص المعتقدات والمقترحات في ضوء الشواهد التي تؤيدها، والحقائق المتصلة بها، بدلًا من القفز إلى النتائج.

ويفترض واطسون جلاسر أن التفكير يتضمن ثلاثة جوانب، وهي:

1. الحاجة إلى أدلة وشواهد تدعم الآراء والنتائج قبل الحكم على موثوقيتها.

2. تحديد أساليب البحث المنطقي التي تسهم في تحديد قيم، ووزن الأنواع المختلفة من الأدلة، وأيها يسهم في التوصل إلى نتائج مقبولة.

3. مهارات استخدام كل الاتجاهات والمهارات السابقة.

ولقد استعرض "نيدلر" (12) مهارة من مهارات التفكير الناقد في مقالته؛ إذ افترض أن معرفة هذه المهارات يمكن أن تغير في بناء المناهج التي تنمي أساليب التفكير الناقد، وهي:

1. القدرة على تحديد المشكلات والمسائل المركزية، وهذا يسهم في تحديد الأجزاء الرئيسية للبرهان أو الدليل.

2. تمييز أوجه الشبه وأوجه الاختلاف، وهذا يسهم في القدرة على تحديد الخصائص المميزة، ووضع المعلومات في تصنيفات للأغراض المختلفة.

3. تحديد المعلومات المتعلقة بالموضوع أو التحقق منها، وتمييز المعلومات الأساسية عن المعلومات الهامشية الأقل ارتباطًا.

4. صياغة الأسئلة التي تسهم في فهم أعمق للمشكلة.

5. القدرة على تقديم معيار للحكم على نوعية الملاحظات والاستنتاجات.

6. القدرة على تحديد ما إذا كانت العبارات أو الرموز الموجودة مرتبطة معًا ومع السياق العام.

7. القدرة على تحديد القضايا البديهة، والأفكار التي لم تظهر بصراحة في البرهان والدليل.

8. تمييز الصيغ المتكررة.

9. القدرة على تحديد موثوقية المصادر.

10. تمييز الاتجاهات والتصورات المختلفة لوضع معين.

11. تحديد قدرة البيانات وكفايتها ونوعيتها في معالجة الموضوع.

12. التنبؤ بالنتائج الممكنة أو المحتملة، من حدث أو مجموعة من الأحداث.

ويرى "بول" أنه يجب على الطلبة أن يعرفوا أن هناك ميلًا طبيعيًا لدى الناس لأخذ نظرتنا المتكونة عن الآخرين بعين الاعتبار، وينبغي علينا أن نفاضل باستمرار للتغلب على الميل، ويميز بين المعنى الضعيف والمعنى القوي للتفكير الناقد؛ إذ إن الأفراد الذين يستخدمون مهارتهم في التحليل والمحاورة، ويدفعون من ذلك مهاجمة وتقليل أهمية آراء أولئك الذين لا يتفقون معهم، إنما يمارسون المعنى الضعيف من التفكير الناقد.

أما التفكير الناقد، ذو المعنى القوي، فهو الذي يحرر الفرد من حالة العجز عن إدراك وجهات نظر الآخرين، ويدرك ضرورة وضع افتراضاته وأفكاره موضع اختبار وفحص قوي للآراء المعارضة لآرائه وأفكاره.

ويعرف التفكير الإبداعي مقابل ذلك بأنه: "القدرة على صياغة الأفكار في مجموعات جديدة لتحقيق هدف ما"، أما "مور" فيرى أن التفكير الإبداعي يمكن أن يعرف بأنه "الصياغة الممكنة للمشكلة، أو توضيح الظاهرة"، بينما يعرف التفكير الناقد بأنه "فحص وتقييم هذه الحلول أو التوضيحات" ويشبه التفكير الناقد العملية الذهنية التي يؤديها الفرد عندما يطلب إليه الحكم على قضية أو مناقشة موضوع أو إجراء تقييم، ويمكن تحديد الخطوات التي يؤديها الفرد عندما يطلب إليه الحكم على قضية أو مناقشة موضوع أو إجراء تقييم.

ــــــــــــــ

المصدر: موقع كنانة أونلاين.