logo

أخذ العوض عن المتلفات


بتاريخ : الخميس ، 10 ربيع الأول ، 1441 الموافق 07 نوفمبر 2019
أخذ العوض عن المتلفات

تمهيد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه، وبعد:

 فإنَّ الحفاظ على الحقوق واجب ديني، والتعدِّي عليها أو الإهمال في الحفاظ عليها يُوجب العقوبة من الله  عز وجل، إن كان عن عمد وقصد، وتُرْفَع هذه العقوبة إن كان عن خطأ كما في الحديث: " رُفِعَ عن أمتي الخطأ وما استُكْرِهوا عليه"(1)

ولكن مع ذلك لا بد من إزالة الضرر الذي وقع، ومن تعويض التلف الذي حدث، وهذا أمر مُقَرَّر في جميع الأديان، وأقرَّه الإسلام تحقيقًا لمبدأ العدل والإنصاف.

ويتحقق الضرر بإتلاف العين أو المنفعة أو النفس أو ما دونها.

والتعويض ليس ملازما للإتلاف، بحيث كلما وجد الإتلاف وجد التعويض. وذلك لأن الإتلاف ينقسم إلى: إتلاف مشروع، وإلى إتلاف غير مشروع.

أما الإتلاف غير المشروع فيترتب عليه التعويض بلا خلاف، سواء أكان حقا لله، كالصيد حالة الإحرام أو في الحرم، أم حقا للعبد كإتلاف أمواله بغير حق.

وأما الإتلاف المشروع فيترتب عليه التعويض، إن ترتب عليه حق للغير في بعض الصور، وإلا فلا(2).

وهذا التعويض قد يكون بالمثل وقد يكون بالقيمة ، وهو حق ثابت لمن وقع عليه الضرر، إن شاء استوفاه وإن شاء تنازل عنه، ومع ذلك فقد رغب الإسلام في العفو عنه ، إذا كان يترتب على العفو خير وإصلاح.

وقد بلغ حفظ الإسلام للحقوق لدرجة أنه لم يعف الفاعل من الضمان لكونه غير بالغ؛ لأن عدم البلوغ يُعفي الإنسان من حقوق الله، ولا يعفيه من حقوق الناس؛ فمن حُكم له بتعويض عما أصابه من ضرر جاز له أن يأخذ العوض الذي حكم به القاضي، لكن إن رأى أن القاضي قد حكم له بأكثر مما يستحق لم يكن له أن يأخذ إلا مقدار ما لحق به من ضرر.

وما يقوله العوامُّ من أن كل عِوض حرام؛ ليس بصحيح على إطلاقه، بل النصوص الصحيحة الصريحة على خلافه.

وهذا ما نبينه – بمشيئة الله - في هذا البحث، الذي نعرض له في المحاور التالية:

محاور البحث:

•تعريف العوض، وذكر الألفاظ ذات الصلة.

•معرفة أسباب الضمان في الفقه الإسلامي

•حكم أخذ العوض، والأدلة على مشروعيته

•شروط وجوب الضمان

•كيفية الضمان

•مشروعية العفو عمن أتلف ووقع الضرر بسببه، ومتى يندب العفو؟

•فتاوى هامة معاصرة في أخذ العوض

•خاتمة

تعريف العوض (التعويض):

أولا: في اللغة:

أصل العوض : البدل ، يقال : عاضه وعاوضه ، والاسم معاوضة.

وعوضته : أعطيته بدل ما ذهب منه ، واعتاض : أخذ العوض ، واستعاضه وتعوضه : سأله العوض(3).

ثانيا: في الاصطلاح:

التعويض هو: دفع ما وجب من بدل مالي بسبب إلحاق ضرر بالغير(4).

 الألفاظ ذات الصلة(5):

ثمة ألفاظ تقترب معنىً من التعويض، مثل: الأرش، والتخمين ، والضمان، والغرامة، نتحدث عنها بإيجاز.

فالأرش: هو: قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن.

والتخمين: أن تجعل للشيء ثمناً بالحَدْس والتخمين، ولا يكون إلا في المعاوضات المالية(6).

والضمان: التزام حق ثابت في ذمة الغير، أو إحضار من هو عليه. وهو أعم من التعويض؛ إذ التعويض يكون في الأموال، وهذا يكون في الأموال والأشخاص.

والغرامة: ما يلزم أداؤه، والغُرْم : الدين، ورجل غارم: عليه دين، والغريم: الذي له الدين والذي عليه الدين جميعاً(7). وموجب الغرامة : التعدي، وهو الظلم ومجاوزة الحد المشروع في الأفعال والتصرفات ، ويقع على الأموال والأنفس والفروج(8).

هذا، ولم يرد " العوض " ومشتقاته في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة المشرفة، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسنده عن سلامة بنت معقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقومها: " اعتقوها فإذا سمعتم برقيق قدم عليّ فائتوني أعوضكم منها، قالت فأعتقوني، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق فعوضهم مني غلاماً "، أي أعطاهم بدلها غلاماً(9).

 وروى البخاري بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى قال: " إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة"، أي أعطيته بدلهما الجنة، قال الحافظ: " وهذا أعظم العوض.. "(10).

 وروى أيضاً عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاوض زوجها منها لقوله تعالى: ((وآتوهم ما أنفقوا)) قال: "لا، إنما كان ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل العهد " والمعنى: هل يعطي بدلها عن النفقات لزوجها؟(11).

أسباب الضمان:

قال القرافي: «قاعدة: أسباب الضمان ثلاثة: الإتلاف؛ نحو: قتل الحيوان، أو التسبب للإتلاف؛ نحو: حفر بئر ليقع فيه إنسان، أو وضع اليد غير المؤمنة بقبض المشتري للمبيع بيعًا فاسدًا والغاصب»(12).

وزاد بعض العلماء سببًا رابعًا هو: العقد، قال ابن رجب: «القاعدة التاسعة والثمانون: أسباب الضمان ثلاثة: عقد، ويد، وإتلاف»(13)، ويقصد بالعقد: عقود الضمان، مثل: البيع والإجارة والعارية والرهن...

وقد زاد بعض الفقهاء سببًا خامسًا، وهو: الحيلولة، وقد أشار إليه الفقهاء خلال كلامهم، فمثَّل الكرابيسي له قائلًا: «كما لو حبس رجلًا حتى ضاع ماله»(14).

وفي المحلى لابن حزم: «من استسقى قومًا فلم يسقوه حتى مات:... عن الحسن أن رجلًا استسقى على باب قوم فأبوا أن يسقوه، فأدركه العطش فمات، فضمنهم عمر بن الخطاب عن ديته»(15).

وفي المدونة: «أرأيت لو أن قومًا مسافرين وردوا ماءً، فمنعهم أهل الماء من الشرب...، قال ابن القاسم: ولو منعوهم الماء حتى مات المسافرون عطشًا، ولم يكن للمسافرين قوة على مدافعتهم، كان على عاقلة أهل الماء دياتهم، والكفارة على كل نفس منهم على كل رجل من أهل الماء، والأدب الموجع من الإمام في ذلك لهم»(16).

وفي المبسوط: «ولو أعتق الأُمَّ أحد الشريكين لم يضمن لشريكه شيئًا عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما يضمن إن كان موسرًا، ويسعى له إن كان معسرًا»( 17).

وفي المغني: «وإن سقط طائر في داره، لم يلزمه حفظه، ولا إعلام صاحبه؛ لأنه محفوظ بنفسه، وإن دخل برجه، فأغلق عليه الباب، ناويًا إمساكه لنفسه، ضمنه؛ لأنه أمسك مال غيره لنفسه، فهو كالغاصب»( 18).

وفيه أيضًا: «ومن أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية، أو مكان لا يقدر فيه على طعام وشراب، فهلك بذلك، أو هلكت بهيمته، فعليه ضمان ما تلف به؛ لأنه سبب هلاكه.

وإن اضطر إلى طعام وشراب لغيره، فطلبه منه، فمنعه إياه مع غناه عنه في تلك الحال، فمات بذلك، ضمنه المطلوب منه»(19).

هذا، وكلامنا هنا يختص بسبب واحد من هذه الأسباب وهو: ضمان الإتلاف.

حكم أخذ العوض، والأدلة على مشروعيته:

 شاع بين الناس وعم أن أخذ العوض عن المتلفات حرام، فتجدهم يتورعون عن أخذه، وإذا أراد أحد أن يأخذ عوضًا أمامهم سألوه مستنكرين منكرين عليه: أتأخذ عوضًا؟! هل تقبل العوض؟! ما لك وما للعوض؟! حتى قارب كثيرون أن يعتقدوا أنه لا خلاف بين الفقهاء في حرمته!

والحقيقة أن الأمر على خلاف ذلك تماما؛ فقد اتفق الفقهاء من أئمة المذاهب الأربعة، وغيرهم على مشروعية أخذ العوض، وهذا ما نبينه الآن بالدليل من أقوالهم.

فأما الحنفية:

فقال الكاساني: «فلا شك أن الإتلاف سبب لوجوب الضمان عند استجماع شرائط الوجوب؛ لأن إتلاف الشيء إخراجه من أن يكون منتفعًا به منفعة مطلوبة منه عادة، وهذا اعتداء وإضرار، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا إضرار في الإسلام»(20)، وقد تعذر نفي الضرر من حيث الصورة، فيجب نفيه من حيث المعنى بالضمان؛ ليقوم الضمان مقام المتلف، فينتفي الضرر بالقدر الممكن، ولهذا وجب الضمان بالغصب، فبالإتلاف أولى؛ لأنه في كونه اعتداءً وإضرارًا فوق الغصب، فلما وجب بالغصب فَلَأن يجب بالإتلاف أولى»(21).

وقال في موضع آخر: «من أتلف على آخر حنطة يلزمه حنطة، ومن أتلف عليه عَرْضًا تلزمه القيمة»(22).

وقال أيضًا: «لو أتلف مالًا مملوكًا متقومًا بغير إذن مالكه فيضمن مثله أو قيمته»(23).

وفي المبسوط: «والمعنى في المسألة أنه أتلف شيئًا مضمونًا فيتقدر ضمانه بالمثل ما أمكن؛ كإتلاف المال، وتفويت حقوق الله تعالى من الصوم، والصلاة، والزكاة يكون الواجب فيها لمثل إذا أمكن.

وهذا لأن ضمان المتلفات مقدر بالمثل بالنص، قال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]»( 24).

وأما المالكية:

فقالوا: «ومن أتلف مالًا لغيره ظلمًا لزمه بدل ما أتلف»(25).

وقالوا: «ومن أتلف مالًا مقومًا فعليه قيمته، بالغة ما بلغت، اتفاقًا»(26).

وقالوا: «وكل من استهلك عرضًا... فعليه غرم قيمته لربه، ولو استهلكه خطأً، ولو غير بالغ، ولو مكرهًا؛ لأن الضمان من باب خطاب الوضع»( 27).

بل لقد قالوا: «إذا غصب خمر الذمي فأتلفها فعليه قيمتها، يقومها مَن يعرف القيمة من المسلمين»( 28).

وأما الشافعية:

فقالوا: «من أتلف شيئًا ضمن»(29).

وفي الأم: «وإذا غصب رجل من رجل طعامًا، حبًا أو تمرًا أو أدمًا، فاستهلكه فعليه مثله إن كان يوجد له مثل بحال من الحال، وإن لم يوجد له مثل فعليه قيمته أكثر ما كان قيمة قط»(30 )، وما يجري على الغصب يجري على الإتلاف من باب الأولى.

وأما الحنابلة:

فقالوا: «كل من أتلف على غيره مالًا محترمًا ضمنه»( 31).

وقالوا: «كل من أتلف إنسانًا بمباشرة أو سبب... لزمته ديته»( 32).

ويقول ابن تيمية: «جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة، حتى الحيوان»(33 ).

وعلق ابن تيمية على حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء»( 34)، قائلًا: «وهذا موافق لأصول الشريعة؛ فإن القصاص بين غير المكلفين ثابت في الأموال باتفاق المسلمين، فمن أتلف منهم مالًا أو غصب مالًا أخذ من ماله مثله، سواء في ذلك الصبي والمجنون، والناسي والمخطئ، وكذلك في النفوس»(35).

وقال ابن القيم: «لا ريب أن من أتلف مضمونًا كان ضمانه عليه»(36).

وقال: «وكل من أتلف مال غيره بمباشرة أو سبب فإنه يضمنه ولا بد»(37).

أدلة جواز أخذ العوض عن المتلفات

الدليل الأول:

قول الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء:92].

وجه الاستدلال:

حيث أوجب الله على من أتلف نفسًا مؤمنة خطًا أن يدفع عوضًا ماليًا، هو: الدية، عن دمه إلى ورثته، وأعظم ما يحق أخذ العوض عنه من المتلفات، هو إتلاف النفس.

وإن أباح الله تعالى لأولياء الدم أخذ عوض مالي عن دم وليهم، الذي لا يملكون دمه؛ بل لا يملك الأنفس إلا الله، فإن جواز أخذ العوض عَمَّا أتلف الغير من مقتنياتهم وأمتعتهم، التي يملكونها، أولى وأحق.

قال ابن كثير: «هذان واجبان في قتل الخطأ، أحدهما: الكفارة...، وقوله: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92]، هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل، عوضًا لهم عما فاتهم من قريبهم»(38).

وقال الشوكاني: «الدية: ما تُعطَى عوضًا عن دم المقتول إلى ورثته»(39).

ثم جاءت السنة فقررت مثل ذلك في القتل شبه العمد، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قتيل الخطأ شبه العمد، قتيل السوط والعصا، مائة من الإبل، أربعون منها خَلِفَةً، في بطونها أولادها»(40).

قال ابن المنذر: «قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطًَا} إلى قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}، فحكم الله جل ثناؤه في المؤمن يقتل خطأ بالدية، وثبتت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأجمع أهل العلم على القول به»(41).

الدليل الثاني:

قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].

وجه الاستدلال:

واضح، حيث أباح الله تعالى لمن اعتدي عليه في شيء من نفسه أو ماله أو متاعه أن يأخذ جزاء ذلك ويستعيض عنه، قال الرازي: «فالمراد منه: الأمر بما يقابل الاعتداء من الجزاء، والتقدير: فمن اعتدى عليكم فقابلوه»(42).

لكن، لِمَ سَمَّى الجزاء اعتداءً؟ أجاب القرطبي قائلًا: «وكانت العرب إذا وضعوا لفظًا بإزاء لفظ جوابًا له وجزاءً، ذكروه بمثل لفظه وإن كان مخالفًا له في معناه، وعلى ذلك جاء القرآن والسنة؛ وقال الله عز وجل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]. وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، والجزاء لا يكون سيئة، والقصاص لا يكون اعتداءً، لأنه حق وجب»(43).

الدليل الثالث:

قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126].

وجه الاستدلال:

قال القرطبي: «فمعنى: {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} أي: من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، فسمى جزاء العقوبة عقوبة؛ لاستواء الفعلين في الصورة»(44).

عن ابن سيرين: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} يقول: إن أخذ منك رجل شيئًا، فخذ منه مثله( 45).

الدليل الرابع:

قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40].

وجه الاستدلال:

حيث قرر الله في جلاءٍ أن جزاء كل إساءة بقدرها، وذلك يشمل التعدي على الممتلكات، فتضمن أيضًا بمثلها.

قال الخازن: «سمي الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة، وقيل: لأن الجزاء يسوء مَن ينزل به...»( 46).

الدليل الخامس:

قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:78-79].

وجه الاستدلال:

عن ابن مسعود في قوله: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}، قال: كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته، قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! قال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها( 47).

ففي هذا دلالة واضحة على جواز أخذ العوض عن المتلفات، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد دليل على نسخه، نقول: بل وردت الأدلة المتواترة بتأييده.

قال الشوكاني: «فإن قلت: فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية، والملة الإسلامية؟

قلت: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث البراء( 48) أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عينًا أو قيمة.

وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعًا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء، وأدخلوا فسادها في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «العَجْمَاء جَرْحُهَا جُبَار»(49) قياسًا لجميع أفعالها على جرحها.

ويجاب عنه:

بأن هذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه في مقابلة النص.

ومما يدل على أن هذين الحكمين من داود وسليمان كانا بوحي من الله سبحانه لا باجتهاد قوله: {وَكُلًا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}»(50).

الدليل السادس:

عن حرام بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائطًا فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها(51).

وجه الاستدلال:

الحديث صريح في تضمين أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل، فهو دليل ظاهر على جواز أخذ العوض عن المتلفات.

و(ضامن) هنا اسم فاعل بمعنى اسم المفعول؛ قال الزرقاني: «قال الباجي: أي: مضمون (على أهلها)، زاد الرافعي: كقولهم سر كاتم؛ أي: مكتوم، وعيشة راضية؛ أي: مرضية. اهـ.

فيضمنون قيمة ما أفسدته ليلًا، وإن كان أكثر من قيمة الماشية، وبه قال مالك والشافعي...

قال أبو عمر: الحديث موافق لقوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء:78]، وأمر الله نبيه بالاقتداء بهما فيمن أمره بالاقتداء بهم في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]، ولا خلاف بين علماء التأويل واللغة أن النفش لا يكون إلا ليلًا، والهمل بالنهار»(52).

الدليل السابع:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها غُرَّة، عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على عاقلتها (53).

وجه الاستدلال:

حيث أوجب النبي صلى الله عليه وسلم عوضًا ماليًا لإتلاف الجنين والنفس.

الدليل الثامن:

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: «كلوا»، وحبس الرسولَ والقصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة(54).

وفي رواية الإمام أحمد: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، أظنها عائشة، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام، قال: فضربت الأخرى بيد الخادم، فَكُسِرَتِ القصعة بنصفين، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «غارت أمكم»، قال: وأخذ الْكَسْرَيْنِ فضم إحداهما إلى الآخر، فجعل فيها الطعام، ثم قال: «كلوا»، فأكلوا، وحبس الرسولَ والقصعةَ حتى فرغوا، فدفع إلى الرسول قصعة أخرى، وترك المكسورة مكانها(55).

وجه الاستدلال:

حيث أرسل النبي صلى الله عليه وسلم قصعة عائشة السليمة، كما ورد في رواية الإمام أحمد، عوضًا عن القصعة التي كسرتها عائشة رضي الله عنها.

وقد جاء في بعض الروايات: «فصارت قضية؛ مَن كسر شيئًا فهو له، وعليه مثله»(56)؛ أي: قاعدة عامة.

وفي سبل السلام: «والحديث دليل على أن مَن استهلك على غيره شيئًا كان مضمونًا بمثله، وهو متفق عليه في المثلي من الحبوب وغيرها، وأما في القيمي ففيه ثلاثة أقوال...

فصارت قضية؛ أي من النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: حكمًا عامًا لكل من وقع له مثل ذلك، فاندفع قول من قال: إنها قضية عين لا عموم فيها»(57).

الدليل التاسع:

عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار»( 58).

وجه الاستدلال:

فهذا الحديث ينفي الضرر قبل وقوعه، وينفي كل ما من شأنه أن يؤدي إليه من كل فعل غير مشروع، كما أن هذا الحديث ينفي الضرر بعد وقوعه، وذلك بتضمين من تسبب في إحداث الضرر جبرًا لما خوله للمضرور من حق(59).

ومن القواعد المقررة: (الضرر يزال)، وإزالة الضرر الواقع من الغير بإتلاف الممتلكات، يكون بتضمينه بدفع عوض ما أتلف.

الدليل العاشر:

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن»(60).

وجه الاستدلال:

فالحديث صريح في وجوب الضمان على من تسبب في تلف أو ضرر إنسان، بادعائه الطب زورًا.

شروط وجوب الضمان(61):

ذكر الفقهاء للضمان شروطا، نوجزها فيما يلي:

الأول: أن يكون المتلف مالًا:

فلا يجب الضمان بإتلاف الميتة والدم وجلد الميتة وغير ذلك مما ليس بمال.

الثاني: أن يكون المال متقومًا:

وهذا الشرط خاص بالحنفية؛ حيث إنهم يفرقون بين المالية والتقوم، فالمال عندهم ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، فلا يعتبرون إباحة الانتفاع من عناصر المالية، فأداهم ذلك إلى تقسيم المال إلى: متقوم، وغير متقوم.

فالمتقوم: هو المال الذي يباح الانتفاع به.

وغير المتقوم: المال الذي لا يباح الانتفاع به.

أما جمهور الفقهاء فإنهم جعلوا من عناصر المالية إباحة الانتفاع، فالحنفية يقولون إن من شروط الضمان في محل الضرر أن يكون مالًا، وأن يكون متقومًا، وهما شرطان ذكرهما الجمهور، إلا أنهم أدرجوهما في شرط المالية(62).

وعليه: فلا يجب الضمان بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم، سواء كان المتلِف مسلمًا، أو ذميًا؛ لسقوط تقوم الخمر والخنزير في حق المسلم.

ولو أتلف مسلم أو ذمي على ذمي خمرًا أو خنزيرًا يضمن عند الحنفية والمالكية، خلافًا للشافعية.

الثالث: أن يكون المال محترمًا(63):

فلا ضمان بإتلاف ما ليس بمحترم؛ كآلة اللهو، والأصنام، والصلبان.

ففي نهاية المحتاج: «والأصنام، والصلبان، وآلات الملاهي كطنبور، ومثلها الأواني المحرمة لا يجب في إبطالها شيء؛ لأن منفعتها محرمة، والمحرم لا يقابل بشيء»(64).

وفي المبدع شرح المقنع: «ومن أتلف مزمارًا، ويقال: مزمور...، أو صليبًا لم يضمنه في قول الجماهير، ولو مع صبي، نص عليه؛ لأنه لا يحل بيعه، فلم يضمن؛ كالميتة، وللخبر: «إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام»(65)»(66).

الرابع: أن يكون مملوكًا للغير:

فلا يجب الضمان بإتلاف المباحات التي لا يملكها أحد، كما أنه لا ضمان إذا أتلف الإنسان مال نفسه؛ لأنه لا يجب عليه ضمان ما هو له.

الخامس: أن يكون المتلِف من أهل وجوب الضمان عليه (عند الحنفية):

وهو الآدمي، حتى لو أتلفت مالَ إنسان بهيمةٌ لا ضمان على مالكها؛ لأن فعل العجماء جبار، فكان هدرًا، ولا إتلاف من مالكها، فلا يجب الضمان عليه.

خلافًا للجمهور فإنهم يرون سقوط الضمان إذا كان ذلك نهارًا، بخلاف إن كان ليلًا، مستدلين بحديث حرام بن محيصة: أن ناقة للبراء دخلت حائطًا فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها(67).

السادس: أن يكون المال معصومًا:

أي غير مهدر، فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربي ولا على الحربي بإتلاف مال المسلم في دار الحرب، وكذا لا ضمان على العادل إذا أتلف مال الباغي، ولا على الباغي إذا أتلف مال العادل؛ لأنه لا فائدة في الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية.

فـ«الضمان إنما يجب بأخذ مال معصوم ثبتت عصمته حقًا للمالك»(68).

السابع: أن يكون الإتلاف بغير حق:

فلا ضمان على مقتص، فإن «الإتلاف إنما يوجب الضمان إذا حصل بغير حق»(69).      

كيفية الضمان:

قال في البدائع: «وأما بيان ماهية الضمان الواجب بإتلاف ما سوى بني آدم: فالواجب به ما هو الواجب بالغصب؛ وهو ضمان المثل إن كان المتلَف مثليًا، وضمان القيمة إن كان مما لا مثل له؛ لأن ضمان الإتلاف ضمان اعتداء، والاعتداء لم يشرع إلا بالمثل، فعند الإمكان يجب العمل بالمثل المطلق وهو المثل صورة ومعنى، وعند التعذر يجب المثل معنى وهو القيمة، كما في الغصب»(70).

فالقاعدة العامة في تضمين الماليات هي: مراعاة المثلية التامة بين الضرر وبين العوض كلما أمكن، قال السرخسي: «وضمان العدوان مقدر بالمثل بالنص»(71)، وقال: «المماثلة في ضمان العدوان منصوص عليها فيجب اعتبارها في كل ما يتأتى»(72).

ودليل المثلية قول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة:45].

والمثل، وإن كان به يتحقق العدل، لكن الأصل أن يرد الشيء المالي المعتدى فيه نفسه كلما أمكن، ما دام قائمًا موجودًا، لم يدخله عيب ينقص من منفعته.

فإذا تعذر رد الشيء بعينه لهلاكه أو استهلاكه أو فقده، وجب حينئذ رد مثله، إن كان مثليًا، أو قيمته إن كان قيميًا.

والمثلي هو: ما له مثل في الأسواق، أو نظير بغير تفاوت يعتد به، كالمكيلات والموزونات والمزروعات والعدديات المتقاربة.

والقيمي هو: ما ليس له مثل في الأسواق، أو هو ما تتفاوت أفراده، كالكتب المخطوطة، والثياب المفصلة المخيطة لأشخاص بأعيانهم.

والمثل أعدل في دفع الضرر، لما فيه من اجتماع الجنس والمالية، والقيمة تقوم مقام المثل، في المعنى والاعتبار المالي»(73).

مراعاة مكان الإتلاف، والنظر في وقت الضمان:

ويجب عند تقدير القيمة مراعاة مكان الإتلاف؛ فالعين المتلفة قد تختلف قيمتها من مكان لآخر(74).

وكذلك يجب النظر في وقت الضمان، وللفقهاء في وقت الضمان مذاهب:

ذهب الحنفية في تقدير قيمة التعويض ووقت وجوب ضمان المثلي إذا انقطع من السوق وتعذر الحصول عليه ثلاثة أقوال:

الأول: وجوب القيمة يوم الغصب، وهو يوم انعقاد السبب عند أبي يوسف.

الثاني: يوم الانقطاع، وهو قول محمد.

الثالث: يوم الخصومة وهو يوم حكم الحاكم، وهذا قول أبي حنيفة.

 وأما القيمي فتجب قيمته يوم غصبه بالاتفاق بين الحنفية(75).

وذهب المالكية إلى أنه تقدر قيمة المغصوب يوم الغصب؛ لأن الضمان يجب بالغصب، فتقدر قيمة المغصوب يوم الغصب، فلا يتغير التقدير بتغير الأسعار؛ لأن سبب الضمان لم يتغير، كما لم يتغير محل الضمان.

لكن فرق المالكية بين ضمان الذات وضمان الغلة، فتضمن الأولى يوم الاستيلاء عليها، وتضمن الغلة من يوم استغلالها، وأما المتعدي وهو غاصب المنفعة، فيضمن المنفعة بمجرد فواتها على صاحبها وإن لم يستعملها(76).

وذهب الشافعية في الأصح إلى أن المعتبر في الضمان هو أقصى قيمة للمغصوب من وقت الغصب في بلد الغصب إلى وقت تعذر وجود المثل، وإذا كان المثل مفقودا عند التلف فالأصح وجوب الأكثر قيمة من الغصب إلى التلف، سواء أكان ذلك بتغير الأسعار، أم بتغير المغصوب في نفسه.

وأما المال القيمي: فيضمن بأقصى قيمة له من يوم الغصب إلى يوم التلف(77).

وذهب الحنابلة: إلى أنه إذا كان المغصوب من المثليات، وفقد المثل، وجبت قيمته يوم انقطاع المثل؛ لأن القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل، فقدرت القيمة حينئذ كتلف المتقوم، وإن كان المغصوب من القيميات وتلف، فالواجب القيمة أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين الرد، إذا كان التغير في المغصوب نفسه من كبر وصغر، وسمن وهزال ونحوها من المعاني التي تزيد بها القيمة وتنقص؛ لأن هذه المعاني مغصوبة في الحال التي زادت فيها، والزيادة لمالكها مضمونة على الغاصب. وإن كانت زيادة القيمة بتغير الأسعار لم تضمن الزيادة؛ لأن نقصان القيمة لهذا السبب لا يضمن إذا ردت العين المغصوبة بذاتها، فلا يضمن عند تلفها(78).

 

مشروعية العفو عمن أتلف ووقع الضرر بسببه، ومتى يندب العفو؟:

فبعد أن قررنا أن أخذ العوض عن المتلفات جائز لا حرج فيه، وأنه واجب على المتعدي ضمان تعديه، فينبغي الآن أن نوضح أنه ليس بواجب على صاحب الحق أن يأخذ العوض؛ بل هو حق له إن شاء استوفاه، وإن شاء عفا عنه.

ولقد حثت شريعتنا على العفو والصفح، فيما استقرأت، عند كل ذكر لوجوب العوض، فلما قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} قال بعدها: {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء:92].

ولما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} قال بعدها: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178].

ولما قال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} قال بعدها بآية: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43].

ولما قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}، قال بعدها: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126].

ولما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} قال بعدها: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40].

متى يندب (يستحب) العفو؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

وهل له أن يعفو مجاناً؟ الجواب: نعم؛ له ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى ندب إلى العفو فقال: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة: 237] ، وقال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14] ، وقال في وصف أهل الجنة: {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} [آل عمران: 134] ؛ لكن العفو المندوب إليه ما كان فيه إصلاح؛ لقوله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] ؛ فإذا كان في العفو إصلاح، مثل أن يكون القاتل معروفاً بالصلاح؛ ولكن بدرت منه هذه البادرة النادرة؛ ونعلم، أو يغلب على ظننا أنا إذا عفونا عنه استقام، وصلحت حاله، فالعفو أفضل لا سيما إن كان له ذرية ضعفاء، ونحو ذلك؛ وإذا علمنا أن القاتل معروف بالشر، والفساد، وإن عفونا عنه لا يزيده إلا فساداً، وإفساداً فترك العفو عنه أولى؛ بل قد يجب ترك العفو عنه(79).

وقال في موضع آخر:

ومنها: الحث على المغفرة لمن أساء إليك؛ لكن هذا الحث مقيد بما إذا كانت المغفرة إصلاحاً؛ لقوله تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] ؛ أما إذا لم تكن المغفرة إصلاحاً، مثل أن أغفر لهذا الجاني، ثم يذهب، ويسيء إلى الآخرين، أو يكرر الإساءة إليَّ، فإن الغفر هنا غير مطلوب(80).

فتاوى هامة معاصرة في أخذ العوض:

 حكم أخذ العوض عن الشيء الضائع

السؤال: العوض هل هو حلال أم حرام حيث إن أحد زملائي أضاع لي حاجة بمبلغ كبير، وفي اليوم لثاني أحضر لي بدلاً منها وأخذتها لكن زملائي قالوا لي حرام وأنا لم أقتنع لأنه صعب علي أن يكون هو ضيعها وأذهب لأشتري بدلاً منها، ولكن أريد أن أعلم هل هو حرام فعلا والدليل علي ذلك، وإذا كان كذلك سوف أعيدها له فوراً؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه يجوز لك أخذ العوض عن الشيء الذي أضاعه صاحبك إن كان أحضر لك العوض طواعية منه، ولكن هل يلزمه إعطاء العوض أم لا؟ فإن كان أخذ هذا الشيء بإذنك على سبيل الاستعارة وضاع من غير تعمد منه فهو ضامن عند الحنابلة والشافعية، ولا يضمن عند الحنفية والمالكية، والراجح هو القول الأول، وأما إن كان أخذه بغير إذنك فهو ضامن، لما في الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد(81).

لا حرج في أخذ العوض ممن تسبب في الضرر

السؤال: حدث لي حادث تصادم مع سيارة أخرى، وعرض علي صاحب السيارة مبلغا من المال تعويضا عن الأضرار التي حدثت لسيارتي، فهل هذا المبلغ حلال؟ مع العلم أنني أنوي أن أخرج هذا المبلغ في سبيل الله في حالة أخذه من المتسبب في الحادث.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دام صاحب السيارة الثانية هو المتسبب في الحادث وهو مقر بذلك، وقد عرض عليك مالا لتصلح به ما أصاب سيارتك من ضرر فلا حرج عليك في قبوله والانتفاع به في الصدقة أو إصلاح الضرر أو الانتفاع به في غير ذلك، فالتعويض عن الضرر مشروع ومستحق لصاحبه وفي القاعدة الفقهية الضرر يزال، والحديث: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد.

حكم التعويض عن قلع الشجرة

السؤال: ما حكم من يخلع شجرة الزيتون لآخر، وما الحكم إذا كان الفاعل دون البلوغ، وما حكم التعويض عن الشجرة؟

الجواب : من قلع شجراً لغيره وجب عليه أن يضمن الضرر الذي لحق بصاحب الشجر، ويحتاج تقدير الضرر إلى خبراء؛ لأن الثمر يتفاوت بحسب نوع الشجر وعمره في الأرض... إلخ.

ولا يُعفَى الفاعل من الضمان لكونه غير بالغ؛ لأن عدم البلوغ يُعفي الإنسان من حقوق الله، ولا يعفيه من حقوق الناس, ومن حُكم له بتعويض عما أصابه من ضرر بسبب قلع شجرة أو غير ذلك من إتلاف المال جاز له أن يأخذ العوض الذي حكم به القاضي، لكن إن رأى أن القاضي قد حكم له بأكثر مما يستحق لم يكن له أن يأخذ إلا مقدار ما لحق به من ضرر.

وما يقوله العوامُّ من أن كل عِوض حرام؛ ليس بصحيح على إطلاقه إلا في صورة واحدة، وهي إذا أتلف الإنسان مالاً في قرية من شجر أو غيره ولم يُعرف الفاعل ففرضت غرامة على كل أفراد القرية، فليس له أن يأخذ هذا العوض؛ لأن معظم من دفع في هذه الغرامة لم يتسبب في الضرر قطعاً؛ إذ الفاعل بعض أفراد الغارمين وقد لا يكون أحد منهم، فقد يتسبب في الإتلاف إنسان من قرية أخرى؛ فكيف يأكل مالَ منْ لم يُتلف ماله؟(82).

حكم التعويض عن الإصابة التي تصيب العامل أثناء عمله

السؤال: تعرضت لحادث شغل فقدت على إثره أصبعين ليدي اليسرى، ومنذ ذلك الحين أتقاضى مبلغ ٤٠٠ في الشهر كتعويض من شركة التأمين التي تؤمن الشركة المشغل، علما بأني ما زلت أمارس عملي، هل هذا المقابل حرام أم حلال؟

الإجابــة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الإصابة التي تصيب العامل أثناء عمله في مصنع أو شركة ونحوها ينظر فيها.. فإن كانت ناتجة عن تقصير أو إهمال من الشركة فإنها ضامنة لأنها المتسببة في هذا الضرر الذي لحق بالعامل.

أما إذا كانت الشركة قد اتخذت كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة ولم يحدث منها تقصير أو إهمال فإنها لا تضمن، لأن الأصل في فعل (إصابات) الجمادات (الآلات) أنها جُبَار.

وفي الصورة الثانية: وهي عدم ضمان الشركة.. لا حق للعامل في التعويض؛ إلا إذا جادت به نفس صاحب العمل، فيكون هذا من باب التبرع والهبة، فإذا وهبه أو تبرع له بشيء وأحاله على شركة تأمين فلا مانع من استيفاء هذه الهبة من شركة التأمين إذا كان التأمين تعاونياً، أما إذا كان تجارياً -وهو الغالب- فلا يجوز أن يأخذ من شركة التأمين إلا في حدود الأقساط التي دفعتها الشركة، وذلك لأن التأمين التجاري محرم لقيامه على المقامرة.

أما إذا كان العامل لا يستحق هذا التعويض لعدم تعدي الشركة ولم تتبرع له الشركة به وإنما لزمها بحكم القانون الوضعي فليس له أخذ هذا التعويض. والله أعلم(83).

تعويض التلف في الشيء المستعار

السؤال: اسْتَعَارَ مِني بعض الناس دَرَّاجة لقضاء مصلحة فأصابها حادثٌ وعرض عليَّ مبلغًا من المال لإصلاح ما تلف منها، فقال لي بعض الناس: لا يجوز أخذ العِوض عن التلف، فهل هذا صحيح؟

الجواب: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 فإنه لا مانع شرعا من أخذ تعويض ما تلف ممن أتلفه، أو جعله يقوم بإصلاح ما أفسده، وما يقوله الناس من عدم جواز أخذ العوض لا أساس له من الصحة.

يقول الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:

يقول الله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم ) (البقرة : 19) ويقول ( وإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِه وَلئِنْ صَبَرْتُمْ لَهوَ خَيْرٌ للصَّابِرين) ( النحل : 126 ) ويقول ( والَّذِين إذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُون وَجَزَاءُ سَيِّئةٍ سَيِّئةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وأَصْلَحَ فَأَجْرُه عَلَى الله إنَّه لا يُحِبُّ الظَّالِمِين ) ( الشورى : 39 ـ 41 )، ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الحسن ” لا ضَرَرَ ولا ضِرار ” .

وفي حُكْمِ داودَ وسليمانَ في الحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيه غَنَمُ الْقَوْمِ ـ تقرير لمبدأ التعويض عن التلف حتى لو كان بطريق غير مباشر، فكيف لو وقع التلف بطريق مباشر من الإنسان نفسه؟

إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طَبَّق هذا المبدأ في حياته، وطَبَّقه المسلمون من بعده، فعندما غرس شخصٌ نخلاً في أرض شخصٍ آخر وتخاصما إلى الرسول قضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر بصاحب النَّخل أن يُخرج نَخْلَه، إزالة للضرر الواقع على صاحب الأرض، كما رواه أبو داود والدارقُطني ...

والمُهم أن التلف يعوَّض، وفي حديث لابن أبي حاتم” من كسر شيئًا فهو له وعليه مثله” وصاحب الشيء التالف حُرٌّ في أن يتمسك بحقه أو يعفو عنه، والعفو مُحَبَّبٌ إليه، كما تقدَّم في النصوص.

وقد يكون من الخير في بعض الأحيان التمسُّك بالعوض إذا عُرِفَ أن المُتْلِف للشيء مُقَصِّر أو مُعْتَاد الإهمال، وجاء فيه الحُكْم بتضمين القصَّارين والصبَّاغين والخيَّاطين والصُّنَّاع عامة . فتح الباري لابن حجر ” ج 5 ص 148 ” . والله أعلم(84).

حكم أخذ التعويض من شركة التأمين

السؤال: ما حكم تعويض التأمين لشخص تعرض لحادث مرور وهو يسير على الأقدام وتضرر جسمانيا ومعنويا؟

الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان هذا التعويض المالي ناتجا عن تعاقد الشخص المذكور مع شركة تأمين فإن التعويض غير جائز شرعا، ذلك أن عقد التأمين على الحياة عقد محرم لما فيه من الغرر والجهالة والميسر, وبالتالي لا يجوز لمن تعاقد بهذا العقد أن يأخذ في حال تعرض لضرر أكثر من الأقساط التي دفعها لشركة التأمين لأن تلك الأقساط حقه فقط , أما ما زاد عليها فلا يستحقها.

أما إن كان التعويض المذكور استحقه الشخص المصاب عن طريق شخص أو شركة تسببت في لحوق الضرر به واستحق عليها تعويضا ما؛ كدية نفس أو أعضاء فأحالت هذه الشركة أو الشخص على شركة تأمين فلا مانع من أخذ التعويض لأنه في هذه الحالة إنما أحيل لاستيفاء حقه، لا أنه أخذ ما ليس حقا له. والله أعلم(85).

حصول من أصيب في حادث سيارة على تعويض من شركات التأمين التجاري

السؤال: من أصيب في حادث سيارة ولحقت به إصابات وكسور، وسيحصل على تعويض مالي من إحدى شركات التأمين التجاري، ما الحكم الشرعي في هذا التعويض؟

الإجابة:

لا بد أن أبين أولاً أن ما يتناقله بعض الناس من أن أخذ العوض حرام؛ كلامٌ باطلٌ شرعاً، فمبدأ التعويض عن الضرر مشروع في الفقه الإسلامي، وقد فصل العلماء الأسباب الشرعية الموجبة للتعويض المالي، ولا يتسع المقام لتفصيلها، وقد قامت على أخذ التعويض المالي أدلةٌ كثيرةٌ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووردت آثارٌ عن الصحابة والتابعين وعمل بهذا المبدأ فقهاء الأمة، ...

وأما ثانياً فإن عقد التأمين التجاري بكافة أشكاله عقدٌ باطلٌ شرعاً، لاشتماله على الغرر المفسد للعقد ولاشتماله على الربا وعلى المقامرة، ولاشتماله على شروط باطلة، والبديل عن التأمين التجاري هو التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي، وهذا ما اتفق عليه علماء العصر وأقرته الهيئات العلمية المعتبرة والمجامع الفقهية، ومن ذلك قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1406هـ وفق 1985م وجاء فيه ما يلي:

"أولاً: إن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقدٌ فيه غررٌ كبيرٌ مفسدٌ للعقد، ولذا فهو حرامٌ شرعاً.

ثانياً: إن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون، وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني.

ثالثاً: دعوة الدول الإسلامية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين، حتى يتحرر الاقتصاد الإسلامي من الاستغلال، ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة". مجلة المجمع عدد2، ج2/731.

وأما ثالثاً: فمع قولنا ببطلان عقد التأمين التجاري، فإنه يجوز التعامل به إعمالاً للقاعدة الشرعية التي تقول: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامةً كانت أو خاصةً".

وهذا التعامل يجوز في حالة عدم وجود البديل الشرعي، وهو التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي، فإذا وجد البديل الشرعي فحينئذٍ يحرم شرعاً التعامل مع التأمين التجاري، والذي يبرر الأخذ بهذه القاعدة في التأمين التجاري أنه مفروض بحكم القوانين والأنظمة المطبقة في بلادنا، فمن المعلوم أن التأمين التجاري أصبح أمراً لا مفر منه في جوانب عديدة في حياتنا، ولكني أنصح كل من أمكنه أن يتعامل مع البديل الشرعي وهو التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي، فعليه أن يفعل ذلك وجوباً وليس ندباً أو اختياراً.

... إذا تقرر هذا فإنه يجوز أخذ التعويضات التي تدفعها شركات التأمين التجاري عن حوادث السيارات وغيرها من الحوادث، لأن مَنْ تعرض للضرر يجوز له أخذ التعويض المالي سواء دفعه من ألحق به الضرر مباشرة، أو عاقلته، أو دفعته شركة التأمين. ولأن المتضرر غيرُ مسؤولٍ شرعاً عن حل المال المدفوع له في هذه الحال، وهل جاء هذا المال من معاملة صحيحة أو غير صحيحة من الناحية الشرعية، ولأن كونه تأميناً تجارياً محرماً فحرمة التعامل به لا تعني حرمة أخذ التعويضات منه ما دامت شركة التأمين قد التزمت بدفع التعويض عن الشخص الذي أوقع الضرر وأحال عليها بما لزمه بسببه.

قال الشيخ محمد المنجد: "حرمة الاشتراك في التأمين لا تعني حرمة أخذ الحق من شركة التأمين إن التزمت بدفع الحق عمن وقع منه الحادث. وعليه: فلا مانع من أخذ دية المقتول خطأً أو المصاب في الحادث من أي جهةٍ أُحيل عليها مستحقوها من قِبَل القاتل أو من القضاء، سواء كانت شركة تأمين أو غيرها؛ لأن مستحقي الدية أصحاب حق، وهم غير مسؤولين عن حلِّ معاملة الطرف الآخر مع شركة تأمينه. وقد سألنا فضيلة الشيخ ابن جبرين عن أخذ التعويض من شركة التأمين، فأجاب: "يجوز ذلك، لأن هذه الشركات التزمت أنها تتحمل ما يحدث من هذا الإنسان الذي أمَّن عندها، ولا يتورع عن ذلك مادام أنهم ملتزمون بدفع التعويض"(86).

ومع قولنا بأن عقد التأمين التجاري عقدٌ باطلٌ شرعاً، إلا أنه أصبح الطريق الوحيد للحصول على التعويضات في الحوادث ومنها الديات، وهذا بحكم الأنظمة والقوانين المفروضة على الناس.

وخلاصة الأمر: أن أخذ التعويض عن الضرر مشروع في الفقه الإسلامي، وقامت الأدلة على ذلك، وأن عقد التأمين التجاري بكافة أشكاله عقد باطل شرعاً، لاشتماله على الغرر المفسد للعقد ولاشتماله على الربا وعلى المقامرة ولاشتماله على شروط باطلة، والبديل عن التأمين التجاري هو التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي، وإذا وجد البديل الشرعي فحينئذٍ يحرم شرعاً التعامل مع التأمين التجاري، وأنصح كل من أمكنه أن يتعامل مع البديل الشرعي وهو التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي، فعليه أن يفعل ذلك وجوباً وليس ندباً أو اختياراً. وحرمة الاشتراك في التأمين التجاري لا تعني حرمة أخذ التعويضات من شركات التأمين التجاري ما دام أنها قد التزمت بدفع الحق عمن وقع منه الحادث أو تسبب فيه. انتهى(87).

خاتمة:

وفي الختام، نستطيع أن نجمل ما توصلنا إليه في هذا البحث من نتائج في النقاط التالية:

(1) الحفاظ على الحقوق واجب ديني، والتعدِّي عليها أو الإهمال في الحفاظ عليها يُوجب العقوبة من الله عز وجل، إن كان عن عمد وقصد، وتُرْفَع هذه العقوبة إن كان عن خطأـ

(2) لا بد في كلا الحالين من إزالة الضرر الذي وقع، ومن تعويض التلف الذي حدث.

(3) بلغ حفظ الإسلام للحقوق لدرجة أنه لم يعف الفاعل من الضمان لكونه غير بالغ.

(4) يتحقق الضرر بإتلاف العين أو المنفعة أو النفس أو ما دونها.

(5) الإتلاف ينقسم إلى: إتلاف مشروع، وإلى إتلاف غير مشروع، فالإتلاف غير المشروع يترتب عليه التعويض بلا خلاف، سواء أكان حقا لله، كالصيد حالة الإحرام أو في الحرم، أم حقا للعبد كإتلاف أمواله بغير حق، وأما الإتلاف المشروع فيترتب عليه التعويض، إن ترتب عليه حق للغير في بعض الصور، وإلا فلا .

(6) التعويض قد يكون بالمثل وقد يكون بالقيمة، وهو حق ثابت لمن وقع عليه الضرر، إن شاء استوفاه وإن شاء تنازل عنه.

(7) يجب مراعاة مكان الإتلاف، والنظر في وقت الضمان، عند تقدير العوض.

(8)  ما يقوله العوامُّ من أن كل عِوض حرام؛ ليس بصحيح على إطلاقه، بل النصوص الصحيحة الصريحة على خلافه.

(9) اتفق الفقهاء من أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم على مشروعية أخذ العوض، إذا قام سبب ذلك من إتلاف ونحوه.

(10) رغب الإسلام في العفو عن المخطئ، إذا كان يترتب على العفو خير وإصلاح.

مراجع البحث:

القرآن الكريم.

كتب التفسير:

الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ/1964م.

تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ/1999م.

جامع البيان في تأويل القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420هـ/2000م.

فتح القدير، الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، أبو علي بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ.

لباب التأويل في معاني التنزيل، لأبي الحسن علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي، المعروف بالخازن، المحقق: محمد علي شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ.

مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1420هـ.

كتب السنة:

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، إشراف: زهيرالشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1405هـ/1985م.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية، بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة الأولى، 1422هـ.

المجتبى من السنن أو السنن الصغرى للنسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية، 1406هـ/1986م.

المسند، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، المحقق: شعيب الأرناءوط، عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421هـ/2001م.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.

المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، المحقق: طارق بن عوض الله بن محمد , عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر: دار الحرمين، القاهرة.

سلسلة الأحاديث الصحيحة، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، عام النشر: ج1-4: 1415 هـ/1995م، ج6: 1416هـ/1996م، ج7: 1422هـ/2002م.

سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجِسْتاني، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.

سنن ابن ماجه، ابن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي.

سنن الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي الدارقطني، حققه وضبط نصه وعلق عليه: شعيب الأرناءوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1424هـ/2004م.

صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، محمد ناصر الدين الألباني، مصدر الكتاب: برنامج منظومة التحقيقات الحديثية، من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية.

مسند أبي يعلى، أبو يعلى أحمد بن علي التميمي الموصلي، المحقق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى، 1404هـ/1984م.

موطأ الإمام مالك، أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، عام النشر: 1406هـ/1985م.

 شروح الحديث:

 سبل السلام، أبو إبراهيم عز الدين محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، المعروف كأسلافه بالأمير، الناشر: دار الحديث.

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1424هـ/2003م.

الفقه:

أولًا: الفقه الحنفي:

المبسوط، شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، الناشر: دار المعرفة بيروت، تاريخ النشر: 1414هـ/1993م.

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1406هـ/1986م.

ثانيًا: الفقه المالكي:

 التلقين في الفقه المالكي، أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، المحقق: أبو أويس محمد بو خبزة الحسني التطواني، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1425هـ/2004م.

 الذخيرة، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي، المحقق: ج1،8،13: محمد حجي، ج2،6: سعيد أعراب، ج3-5،7،9-12: محمد بو خبزة، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م.

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي، الناشر: دار الفكر، تاريخ النشر: 1415هـ/1995م.

المدونة، أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ/1994م.

منح الجليل شرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد عليش المالكي، الناشر: دار الفكر، بيروت، تاريخ النشر: 1409هـ/1989م.

ثالثًا: الفقه الشافعي:

الأم، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، الناشر: دار المعرفة بيروت، سنة النشر: 1410هـ/1990م.

الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، وهو شرح مختصر المزني، لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، المحقق: الشيخ علي محمد معوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419هـ/1999م.

مختصر المزني، أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، الناشر: دار المعرفة، بيروت، سنة النشر: 1410هـ/1990م.

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة: ط أخيرة، 1404هـ/1984م.

رابعًا: الفقه الحنبلي:

الروض المربع شرح زاد المستقنع، منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتي الحنبلي، ومعه: حاشية الشيخ العثيمين وتعليقات الشيخ السعدي، خرج أحاديثه: عبد القدوس محمد نذير، الناشر: دار المؤيد، مؤسسة الرسالة.

المبدع في شرح المقنع، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن مفلح، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ/1997م.

المغني شرح مختصر الخرقي، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الناشر: مكتبة القاهرة، تاريخ النشر: 1388هـ/1968م.

الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، المحقق: عبد اللطيف هميم، ماهر ياسين الفحل، الناشر: مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1425هـ/2004م.

فقه عام:

المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، الناشر: دار الفكر، بيروت.

الفتاوى:

مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ/1995م.

جامع المسائل، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، تحقيق: محمد عزير شمس، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1422هـ.

أصول الفقه والقواعد الفقهية:

القواعد، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن السَلامي البغدادي، ثم الدمشقي الحنبلي، الناشر: دار الكتب العلمية.

الفروق، أبو المظفر جمال الإسلام أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي، المحقق: د. محمد طموم، راجعه: د. عبد الستار أبو غدة، الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الأولى، 1402هـ/1982م.

أخرى:

إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ/1991م.

مواقع الشبكة العنكبوتية:

موقع: الإستبرق للعلوم الشرعية.

موقع: جامعة أم القرى.

موقع: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
___________________________________

(1) رواه أصحاب السنن، ورجاله ثقات.

(2) على تفصيل وخلاف، انظر: الموسوعة الفقهية: مصطلح (إتلاف).

(3) لسان العرب 7/192 ، مادة  عوض.

(4) الموسوعة الفقهية الكويتية 13/35.

(5) انظر: د/ نايف بن جمعان الجريدان- مصطلح الأرش. موقع: الملتقى الفقهي.

(6) المصباح المنير 48، ولسان العرب 13/81، مادة ثمن.

(7) انظر: لسان العرب 12/436، مادة غرم.

(8) انظر: الموسوعة الفقهية 31/147 - 148، مادة غرامات.

(9) رواه أبو داود في سننه [3953]، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (ص: 2): ضعيف الإسناد.

(10) صحيح البخاري (5653).

(11) صحيح البخاري (7/ 49)، باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي.

(12) الذخيرة، للقرافي (5/43).

(13) القواعد، لابن رجب (1/204).

( 14) الفروق، للكرابيسي (2/7).

(15) المحلى بالآثار، لابن حزم (11/185).

(16) المدونة، لمالك بن أنس (4/468-469).

(17) المبسوط، للسرخسي (17/128).

(18) المغني، لابن قدامة (5/228).

(19) المصدر السابق (8/433).

(20) سبق تخريجه، وحسنه الألباني بهذا اللفظ في (تحقيق صفة الفتوى)، ص54.

(21) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني (7/164-165).

(22) المصدر السابق (2/199).

(23) المصدر السابق (7/163).

(24) المبسوط، للسرخسي (26/63).

(25) التلقين في الفقه المالكي، للثعلبي) 2/172).

(26) منح الجليل شرح مختصر خليل، للشيخ عليش (9/97).

(27) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لشهاب الدين النفراوي (2/175).

(28) الذخيرة، للقرافي (8/277).

(29) انظر: الحاوي الكبير، للماوردي (7/121)، ومختصر المزني (8/215).

(30) الأم، للشافعي (3/259).

(31) الهداية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لأبي الخطاب الكلوذاني (1/319).

(32) الروض المربع شرح زاد المستقنع، للبهوتي (1/646).

(33) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (20/563)، وانظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (2/20).

(34) رواه مسلم (كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم).

(35) جامع المسائل، لابن تيمية (3/237).

(36) إعلام الموقعين، لابن القيم (2/13).

(37) المصدر السابق (3/247).

(38) تفسير ابن كثير (2/375).

(39) فتح القدير، للشوكاني (1/575).

(40) رواه ابن ماجه (كتاب: الديات، باب: دية شبه العمد مغلظة)، وأحمد (مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2627).

(41) تفسير القرطبي (5/314).

(42) تفسير الرازي (5/293).

(43) تفسير القرطبي (1/208).

(44) تفسير القرطبي (12/90).

(45) تفسير الطبري (17/324).

(46) تفسير الخازن (4/102).

(47) تفسير ابن كثير (5/355).

(48) يقصد حديث دليلنا القادم.

(49) رواه البخاري (كتاب: الديات، باب: العجماء جبار)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: الحدود، باب: جرح العجماء، والمعدن، والبئر جبار).

(50) فتح القدير، للشوكاني (3/494). ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يضمن رب الماشية ما أفسدته، من غير فرق بين الليل والنهار. ويجاب عنه: بحديث البراء الآتي ذكره، والمشار إليه آنفا.

(51) رواه أحمد (أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث محيصة بن مسعود)، وموطأ مالك (كتاب: الأقضية، القضاء في الضواري والحريسة)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1527).

(52) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك) 4/74-75).

(53) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الديات، باب: جنين المرأة)، ومسلم (كتاب: الأيمان، باب: دية الجنين).

(54 ) رواه البخاري (كتاب: المظالم والغصب، باب: إذا كسر قصعة أو شيئًا لغيره).

(55 ) رواه الإمام أحمد (مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه).

(56) رواه الدارقطني (كتاب: الوصايا)، ومسند أبي يعلى (مسند أنس بن مالك، ثابت البناني عن أنس).

(57) سبل السلام، للصنعاني (2/102).

(58) رواه الدارقطني (كتاب: في الأقضية، في المرأة تقتل إذا ارتدت)، والطبراني في الأوسط (باب الألف، من اسمه أحمد)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2340).

(59) من بحث بعنوان: (التعويض عن الأضرار البدنية الناشئة عن الأخطاء الطبية)، نقلًا عن موقع: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

(60) السنن الصغرى للنسائي، واللفظ له (كتاب: القسامة، صفة شبه العمد)، وأبو داود (كتاب: الديات، باب: فيمن تطبب بغير علم فأعنت)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (635).

(61) انظر: بدائع الصنائع، للكاساني (7/167 وما بعدها).

(62) انظر: موقع جامعة أم القرى (قسم الشريعة، أعضاء هيئة التدريس، أفنان محمد عبد المجيد تلمساني، الرسائل العلمية، الفصل الأول من الباب التمهيدي: التعريف بالضمان).

(63) المصدر السابق.

(64) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للرملي (5/168-169).

(65) رواه البخاري (كتاب: البيوع، باب: بيع الميتة والأصنام)، ومسلم (المساقاة، باب: تحريم بيع الخمر والميتة).

(66) المبدع في شرح المقنع، لابن مفلح (5/58).

(67) رواه أحمد (أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث محيصة بن مسعود)، وموطأ مالك (كتاب: الأقضية، القضاء في الضواري والحريسة)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1527).

( 68) بدائع الصنائع، للكاساني (7/85).

69) المبسوط، للسرخسي (11/136).

(70) بدائع الصنائع، للكاساني (7/168).

(71) المبسوط، للسرخسي (11/79).

( 72) المصدر السابق (26/135).

(73) نقلًا عن موقع: الإستبرق للعلوم الشرعية، بتصرف.

( 74) الموسوعة الفقهية الكويتية (31/ 244).

(75) انظر: البدائع 7 / 151، والدر المختار 5 / 128، والمبسوط 11 / 50، وتكملة الفتح 7 / 363، وتبيين الحقائق 5 / 223، واللباب شرح الكتاب 2 / 188.

(76) الشرح الكبير مع الدسوقي 3 / 443، 448، الشرح الصغير 3 / 588 وما بعدها، بداية المجتهد 2 / 312، والقوانين الفقهية ص330.

(77) مغني المحتاج 2 / 283، والمهذب 1 / 368، البجيرمي على الخطيب 3 / 136، نهاية المحتاج 4 / 119 - 121.

(78) المغني 5 / 257 وما بعدها، المغني والشرح الكبير 5 / 421 وما بعدها، كشاف القناع 4 / 117.

(79) تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (2/ 301).

(80 ) تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (3/ 317).

(81 ) فتاوى الشبكة الإسلامية (12/ 10821).

(82 ) "فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى المعاملات/ فتوى رقم/13).

(83) فتاوى الشبكة الإسلامية (12/ 10812).

(84) اسلام اون لاين.

(85) فتاوى الشبكة الإسلامية (12/ 10843).

(86) موقع الإسلام سؤال وجواب (5/ 6297).

(87) حكم تعويضات شركات التأمين التجاري عن حوادث السير- حسام الدين عفانة – موقع طريق الإسلام.

 وبالنسبة لحوادث لسيارات، فالمخطئ يتحمل خطأه ويعيد الشيء لأصله على حسابه؛ فلو أن اثنين خبط بعضهما بعضا وكل واحد غلطان بنسبة، فعلى كل واحد يدفع نفس نسبة خطأه في إصلاح السيارة الأخرى، أو بمعنى آخر: كل واحد يصلح ما أفسده حسب ما حكم عليه من نسبة الخطأ. فالمخطئ بنسبة 100% فرض عليه أن يصلح نتيجة خطؤه بالكامل حتى لو سيارته تدمرت تماما وسيارة المجني عليه فيها خدش عليه يصلح الخدش ولا شأن لنا بسيارته المدمرة لأنه هو المخطئ. والمخطئ بنسبة أقل كأن يكون خطؤه بنسبة 50% والآخر خطؤه بنسبة 50%، في هذه الحالة يدفع كل واحد نسبة خطؤه من تكاليف إصلاح السيارة الأخرى. فمثلا: لو كانت السيارة الأخرى تكلفت 10000 جنيه إذن يتحمل ويدفع لصاحبها 5000 جنيه، وإذا كانت سيارته تكلفت 5000 جنيه إصلاح يأخذ من الطرف الآخر 2500 جنيه، وبنفس الطريقة لو كان أحدهما مخطئ بنسبة 75%، والآخر مخطئ بنسبة 25% وهكذا.

ومن أراد أن يعفو فلا مانع وله الأجر العظيم كما أشرنا سابقاً بشرط ألا يترتب على عفوه مفسدة.

وننبه هنا إلى أمر هام، وهو أن الذي يحكم بين الناس في حوادث السيارات لابد أن يكون ملما إلماما جيداً بقواعد المرور ولديه احتكاك بها مثل ضباط المرور الأكفاء والمتميزين وكذلك عساكر وأمناء الشرطة العاملين في المرور من أصحاب الخبرة والمهارة والأمانة.

وكذلك أي شخص عادي أمين ولديه دراية تامة بقواعد وآداب المرور، فإذا لم يكن لديه الأمانة والخبرة الكافية بقواعد المرور فلا قيمة لحكمه ولا لمركزه، حتى لو كان الحكم قاضيا أو مستشارا. وينبغي الابتعاد قدر الإمكان عن الشبهات.