هل ترغب في تنمية قدرتك على حل المشاكل؟
مواجهة المشاكل والتصدي لحلها يتطلب المقدرة على التفكير والتماسك النفسي، وهذا قد يتيسّر لكثير من الناس، بغض النظر عن معتقداتهم، لكن المسلم يتميز في هذه الناحية من حيث أن الإيمان يمده بطاقة عالية من الناحية النفسية والفكرية، تجعله مؤهلًا لمواجهة أعتى المواقف والمصاعب، وربما يكون للهدف المرسوم أثر بالغ في ذلك من حيث أن المسلم يحتسب أمره كله لله، فإذا صبر وكابد فهو لله، وهو يطمح لنيل رضوانه وجنّته، أي أن عنده هدفًا أسمى وغاية قصوى، حتى ولو لم تتحقق الأهداف الدنيوية.
ما هي المشكلة، وما هي أنواعها؟
يمكن تعريف المشكلة بأنها: الشعور أو الإحساس بوجود صعوبة لا بد من تخطيها، أو عقبة لا بد من تجاوزها؛ لتحقيق هدف.
أو يمكن القول: إنها الاصطدام بواقع لا نريده، فكأننا نريد شيئًا ثم نجد خلافه.
تقسّم المشاكل إلى نوعين:
1- المغلقة (المسائل أو التمارين).
2- المفتوحة.
أما المسائل المغلقة فهي التي تشتمل على كل ما يلزم للحل، ويكون لها جواب محدد ومعلوم؛ أي أن المعلومات المطلوبة موجودة، وما عليك إلا أن تطبق ما يلزم للوصول إلى الحل من قوانين ومعادلات وغير ذلك، ومثالها: المسائل التي تواجه الطلاب والدارسين في المعاهد التعليمية والمدارس، وقد يدخل فيها تشخيص الأعطال المحددة والأمراض العادية من أعراضها الظاهرة؛ كالالتهاب مثلًا.
هذا النوع من المسائل يمكن حله بالتعرف على المطلوب من المسألة أولًا؛ أي تحديد الهدف، ثم العودة إلى المسألة لاستكشاف المعلومات المتعلقة بذلك أو المطلوبة للحل، ثم تطبيق الأدوات والأساليب ذات العلاقة من أجل حل المسألة.
وهناك نهج آخر يتمثل في استعراض المسألة من الأصل، ومعرفة ما فيها، ثم الانطلاق إلى حل المسألة.
أما المشاكل المفتوحة فهي التي لا يعرف لها حل أو جواب محدد بالضبط، وتنقصها المعطيات والمعلومات.
مثالها: معظم ما يواجهنا في حياتنا من مشاكل، وكذلك مشاكل التصميم المختلفة، ومشاكل التشغيل والأعطال الصناعية.
وتتلخص طريقة حل هذا النوع من المشاكل في وضع استراتيجية لبدء الحل، ثم تحديد الوجهة والطريقة، ومراقبة سير العمل والتقدم فيه، ثم اختيار الحل الأمثل الذي يحقق الأهداف المنشودة.
مثل هذا النوع من المسائل يمكن أن تتنوع حلولها وتفي بالغرض، أي أن أيّ واحد من هذه الحلول يمكن أن يحل المشكلة؛ بل ويمكن أحيانًا أن تصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، أو أن يكون الحل هو تقبّل الوضع القائم والتعايش معه؛ أي الاقتناع به والصبر عليه.
كيف يتغلبون على المشاكل في الصناعة؟
مشاكل الصناعة كثيرة ومتنوعة في واقعها وأسبابها، منها البسيط والمعقد؛ بل والمدمر أحيانًا، لكنها تنجم في الغالب عن الأفراد والأجهزة والعمليات والبيئة المحيطة.
يفترض في العاملين على مختلف مستوياتهم، لا سيما في التشغيل، أن يكونوا على دراية وكفاءة في أداء مهامهم، وعلى علم بطرق التشغيل والتوقف وظروفها، وكذلك بإمكانيات الأجهزة التي يتعاملون معها.
يمكن تلخيص طريقة التعامل مع المشاكل في الصناعة كالتالي:
- الانتباه إلى وجود المشكلة.
- استجلاء الموقف عن طريق جمع المعلومات وإجراء الاتصالات المناسبة.
- إيجاد الأسباب وطرق العلاج.
- تطبيق الحل المناسب، ثم التأكد من عودة الأمور إلى نصابها.
طريقتنا المقترحة لحل المشاكل:
لقد قمت بتطوير برنامج يتعلم من خلاله طلاب الهندسة كيف يواجهون المشاكل التي تعترض سبيلهم في الدراسة والعمل، وأعددت طريقة من خطوات يمكن اتباعها لمواجهة المشاكل، وذلك بعد التمرن عليها والتمرس فيها، وهي وان كانت متعلقة بالمشاكل التقنية إلا إنها تحمل في طياتها بذور تطبيقها على أرض واقع الحياة العملية؛ بل إنني دومًا أحث الطلاب، وباستمرار، على نقل ذلك إلى واقع حياتهم، ولهذا أحببت أن أنقل هذه الخبرة للناس، مبينًا كيفية الاستفادة منها في واقع حياتهم العادية والعملية.
مواجهة المشاكل وحلها يحتاج إلى التفكير واستخدام مهارات التفكير، وهي المتعلقة بالإدراك الحسي، والمعلومات، والخبرة، والمعالجة، وتجنب المعوقات والأخطاء.
من أجل نجاح هذه الطريقة لا بد من التهيئة النفسية الصحيحة، والاستعداد الذهني الجيد أثناء مواجهة المشكلة والتعرض لحلها، كما نؤكد على ضرورة التفكر اللاحق بالحلول، والنتائج المترتبة عليها، والاستفادة من الأخطاء، وأن يتوفر الإلمام والوعي بأساليب وأدوات التفكير النقدي والإبداعي على حد سواء.
أما طريقتنا التي نتبعها في حل المشاكل عامة فهي كالتالي:
(1) تحديد المشكلة (الانتباه إلى وجود المشكلة، ومعرفة أسبابها عن طريق استكشاف الواقع المتعلق بها والمعلومات ذات العلاقة):
- الإحساس بوجود عقبة أو صعوبة تدلّل على وجود المشكلة.
- جمع المعلومات (بيانات، أعراض، تعريفات، أسس نظرية).
- استكشاف هذه المعلومات والمعارف للوصول إلى أنماط مميزة فيها، ومعرفة الناقص منها والزائد.
- البحث عن المعلومة الناقصة.
- استشارة الآخرين والتحدث إليهم عن المشكلة.
- إجراء المزيد من الاستفسارات عن ظروف وملابسات المشكلة (ماذا حصل، وكيف، ومتى، وما الفرق بينه وبين الوضع الطبيعي السابق؟).
- تحسّس أهمية الزمن، ودرجة خطورة الوضع، والمرونة المسموح بها.
- ثم التفكير في الأسباب المحتملة باستخدام أدوات التفكير المناسبة، وأساليب السبر والحصر وغيرها.
(2) وضع الأهداف والأساليب للبحث عن البدائل:
- استحضار أو تعلّم المبادئ والنظريات ذات العلاقة.
- تقرير ما إذا كان بالإمكان حل المشكلة أو التعايش معها كما هي.
- هل هناك حلول مشابهة يمكن تطبيقها؟.
- استخدام أدوات وأساليب التفكير: التحليل، التركيب، استكشاف الأنماط، القياس والتمثيل، العصف الذهني.
- خرق الأساليب المعتادة والتعريفات والفرضيات السائدة أو الشائعة.
- عزل الشيء واستخدام بديل له.
- ثم إعادة صياغة المشكلة بطرق مختلفة لعلك تكتشف شيئًا ما فيها.
(3) مراقبة الحالة النفسية والتربوية:
- الحفاظ على الإرادة القوية، والثقة والإيمان بقدرتك على حل المشكلة أيًا كانت.
- تهيئة النفس لتقبل التغيير في الأهداف والخطط.
- ترك المشكلة لفترة حتى تختمر، حسب ما تسمح به الظروف والزمن.
- المقدرة على التغلب على الموانع من معوقات التفكير وأخطائه، ولا بد من الحفاظ على رباطة الجأش هذه قبل، وفي أثناء، وبعد الانتهاء من حل المشكلة.
(4) اختيار وتطبيق أفضل الحلول:
- تقرير أفضل الحلول على أسس معينة؛ تقنية أو اقتصادية أو غير ذلك.
- تطبيق الحل بشكل تدريجي، وإعطاء الوقت الكافي للأمور لتأخذ مجراها.
- جمع البيانات ومقارنتها مع المواصفات.
(5) تقييم الوضع:
هل عادت الأمور إلى طبيعتها؟ هل حلّت المشكلة أم يا ترى أن الأعراض هي فقط التي عولجت، وأن المشكلة ما زالت قابعة؟ هل تحققت الأهداف التي وضعتها نصب عينيك؟ هل طرأت بالمقابل مشاكل جانبية جديدة؟
(6) التفكر في المشكلة، وطريقة حلها، والإجراءات التي اتبعتها:
كيف ابتدأت التفكير في الحل؟ ما هي أدوات وأساليب التفكير التي اتبعتها؟ هل كان الحل سريعًا أم بطيئًا؟ ما هي العوامل التي كان لها الحسم والتأثير؟ كيف تصنف هذه المشكلة؟ ما الذي استفدته منها، وكيف تعتبر منه في غيرها؟
إن وضوح الهدف وتوفر الحوافز والدوافع، وكذلك القدرة على التغلب على الموانع، هي أمور في غاية الأهمية بالنسبة لمواجهة المشاكل والتغلب عليها، ولا بد من التأكيد على دور الممارسة والتمرين والصبر والمثابرة على حل المشاكل.
على أن حل المشاكل يمكن استخدامه كوسيلة للتعلم، وذلك عن طريق استكشاف المعلومات السابقة، وتعلم أشياء جديدة بالممارسة، واكتساب المهارات الضرورية، واستخدام التفكير لتطوير هذه المهارات والمعلومات، كما لا بد من التركيز على ضرورة التفاعل المتبادل ما بين الطالب والمشرف، أو ما بين الذي يحل المشكلة ومن يرعاه؛ كالوالدين مثلًا، فيكونان حافزًا ودافعًا له، لا عامل هدم وتثبيط، وهذا في حد ذاته يستلزم المتابعة والتقييم المستمرين للقدرات، والتفكر المتواصل بما توصل إليه الدارس والاستفادة منه لغيره.
على أنه لا بد من التنبيه على أن الخطوات المقترحة لا يقصد بها التمسك الحرفي بتسلسلها، فقد يحصل أحيانًا أن تحل المشكلة بمجرد تغيير نظرتك إلى الأمور؛ كأن يتهمك أحد الناس بأنك أنت الذي أخذت هذا الشيء فترد عليه بسرعة: ولماذا لا تكون أنت الذي أخذته؟ أو يعاتبك بعضهم أنك لا تتصل به، فترد ولماذا لم تبادر أنت؟ أو تعلمه أنك اتصلت فعلًا ولكنه لم يكن موجودًا، وهكذا، مثل هذه الأساليب تسمى بأساليب التفكير الجانبي.
ولا بد من الإشارة هنا أن ما اقترحناه من طرق لحل المشاكل ينطبق على كل من الرجل والمرأة، فهما سواء من حيث التفكير، أي تتوافر لدى كل منهما نفس القدرات، ولكن الاختلاف يكمن في الدوافع والموانع، أو معوقات التفكير.
المصدر: موقع طريق الإسلام