logo

لا بد لك من خطة


بتاريخ : الخميس ، 26 ذو القعدة ، 1436 الموافق 10 سبتمبر 2015
لا بد لك من خطة

خلق الله تعالى الخلق لغاية عظيمة، ألا وهي غاية العبادة، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56].

هذه الغاية العظيمة (العبودية) أمرنا الله تعالى بتحقيقها في جانبين:

الجانب الأول: في الذات.

الجانب الثاني: مع الآخرين، قال ربعي بن عامر رضي الله عنه: «إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد».

وفي سبيل تحقيق هاتين الركيزتين من غاية الوجود سخر الله تعالى الكون بما فيه من آيات لييسّر للخلق كل ما يعينهم على تحقيق ذلك.

وفي سبيل الاستفادة من هذه المسخرات أمر الله تعالى عباده بالضرب في الأرض، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].

لكن ليس كل من ضرب في الأرض ومشى فيها فإنه يستفيد من هذا المشي وهذا الضرب، قال صلى الله عليه وسلم مبينًا هذا التباين في نجاح الخلق للوصول لأهدافه: «كل الناس يغدو، فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها» [رواه مسلم (223)].

وحين يكون المرء عالمًا عاقلًا فإنه لن يضيع عمره هملًا؛ يضرب ويمشي في الأرض بلا هدف أو قصد، ومن هنا كان التخطيط مهارة لا يجيدها إلا الجادون، الذين آمنوا أن الحياة الدنيا حرث وغرس، والآخرة مآل وحصاد.

ممن أنت ؟ 80% أم 20%:

هناك إحصائية تقول: إن 80 % مما نقوم به من العمل المثمر إنما ينتج حقيقة من 20% من الوقت المصروف، بمعنى أننا إذا أردنا أن ننجز عملًا يستغرق 10 دقائق نصرف في إنجازه ساعة كاملة! وذلك نتيجة لسوء التخطيط أو عدمه.

أين؟ ومتى؟ وكيف؟

ثلاثة أسئلة قبل الانطلاق تحدد لك محاور التخطيط السليم:

- الهدف، وهو يجيب على السؤال: أين؟

- الإطار الزمني لتحقيق الهدف، وهو يجيب على السؤال: متى؟

- الوسائل، ويجيب على التساؤل: كيف؟

حين تجيب على هذه الأسئلة الثلاث إجابة صحيحة واضحة واقعية فإنك بذلك تكون قد وضعت قدميك على عتبات الطريق السليم.

وحتى يكون تخطيطنا سليمًا أسطر لك بعض اللمحات نحو تخطيط جاد.

عندما تخطط:

لا تباشر التخطيط وأنت مكدود الذهن؛ بل تأنَّ في التخطيط، وأعمل فكرك في حال رويّة من أمرك، وتذكّر أن بضع دقائق من التفكير، في هدوء، يوفر عليك بضع ساعات من العمل الشاق.

والسر في ذلك أن الإنسان فيه غريزة حب الإنجاز ورؤية الثمار والنتائج والتعجّل في ذلك، والعمل يُشبع هذه الغريزة، بخلاف التخطيط والتفكير فنتائجه ليست مباشرة، ولا تظهر إلا بعد فترة من الزمن، ومن يعمل بدون تخطيط تقنعه أقل النتائج الحاصلة، بخلاف من يخطط فإنه لا يرضى إلَّا بأكبر قدر ممكن من النتائج!

من التخطيط الجيد توفير المعلومات الكافية:

توفّر المعلومات عن العمل الذي تسعى لإقامته، أو إيجاده، من حيث الأهداف والوسائل، ومدى فائدة العمل، ومدى الحاجة إليه، والزمن الذي يستغرقه ومن سيقوم به، واللوازم المادية أو البشرية اللازمة لإنجازه.

إن السعي وراء إقامة أعمال بلا أهداف ضياع وهُراء، والسعي إلى تحقيق أهداف بدون وسائل ممكنة لتحقيق تلك الأهداف حُمقٌ وغباء، والسعي إلى تكرار أعمال تغص الساحة بمثلها إهدار للطاقات والجهد والأوقات.

لذلك كان من الضروري في التخطيط أن تتوفر المعلومات الكافية عن العمل المزمع إقامته، سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أو على مستوى العمل الجماعي، وهناك ثمانية أسئلة مهمة في ذلك لا بد من الإجابة عليها بواقعية؛ حتى ينطلق الإنسان أو الجماعة في التنفيذ:

س1: ما هدف مهمة التخطيط؟

س2: لماذا كان هذا الهدف ذا قيمة؟

س3: من سيقوم بالتنفيذ، ومن الذين تستهدفهم الخطة؟

س4: كيف سيتم تحقيق هذا الهدف وتقويم النتائج؟

س5: متى يكون التنفيذ أكثر فعالية؟

س6: أين يكون الحدث أكثر نشاطًا وفعالية؟

س7: ما هي التكاليف البشرية والزمنية والمالية اللازمة لإنجاح الخطة؟

س8: ما الفائدة التي تهدف الخطة إلى تحقيقها بشكل عام؟

حدد أولويات العمل:

إن تحديد أولويات العمل والتفريق بين العمل المهم والأهم، والعمل العاجل المهم، والمهم وليس بعاجل أمر يعين على إنجاح الخطة وسلامتها.

تحديد الأولويات معناه: إعطاء كل عمل قيمته من الأهمية ليتميز من الأعمال المهم والأهم من غير المهم.

وهناك معايير خاطئة في تحديد الأولويات:

أ- تقديم العمل المحبوب على العمل غير المحبوب.

ب- تقديم العمل السهل على الصعب.

ج- تقديم الأعمال ذات الوقت القصير على ذات الوقت الطويل.

د- تقديم الأعمال العاجلة على غير العاجلة وإن كانت مهمة.

غالبًا ما تكون الطموحات الجادة والأهداف النبيلة فيها مشقة على النفس، وتحتاج إلى همة عالية، وحين ترضى النفس بالقليل والدعة فهي لا تحقق إلا ما لا يجاوز أرنبة الأنف.

والله تعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة:216].

فليس دائمًا أن العمل المحبوب أو السهل هو أهم في الإنجاز من العمل غير المحبوب.

وتأمل في وصية الصديق حين أوصى المحدث الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: «... واعلم أن لله عملًا في الليل لا يقبله في النهار، وأن لله عملًا في النهار لا يقبله في الليل».

أوجد البدائل:

قد تخطط لهدف ما، وترسم له خطته ومساره، ثم تسلك الدرب في سبيل تحقيق الهدف، وفي الطريق قد يعوقك معوق، أو يصادفك أمرٌ مذهل.

عندئذ لا بد من إيجاد البدائل في حالة عدم التمكن من القيام بالعمل على الصورة المرسومة له، فمثلًا:

عندما يتخلف الطرف الآخر عن الموعد يُفترض أن تستفيد من وقتك وتستثمره في شيء آخر.

عندما يعتذر أحد الحضور في مجمع تربوي عن تحضير الدرس المكلّف به فيُفترض أن يكون البديل جاهزًا، وهكذا.

يُذكر عن النملة أنها حين تحاول الصعود على جدار أو مرتفع ثم تسقط قبل أن تصل إلى منتهاه فإنها تحاول مرة أخرى، لكنها لا تسلك نفس الطريق الأول! فهل نستفيد من النملة درسًا؟

عليك بالاستشارة والاستخارة:

ثبت في الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، والله تعالى يقول: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159].

الاستخارة والمشاورة من علامات نجاح التخطيط وسلامته.

الاستخارة خطوة نحو تحقيق الهدف.

وفي الاستخارة رضا ويقين.

والاستشارة أمارة نضج ونباهة، والاستبداد والانطوائية أمارة خسّة ودناءة، قيل في الأمثال: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.

والمستشير في الحقيقة هو ذاك العاقل الفطن الذي يضم إلى عقله عقول الآخرين من أهل الرأي والتجربة والدراية، يقول الحافظ ابن عبد البر في مدح الاستشارة وذم الاستبداد بالرأي: «الاستبداد مذموم عند جماعة الحكماء، والمشورة محمودة عند عامة العلماء، ولا أعلم أحدًا رضي الاستبداد وحمده إلا رجل مفتون، مخادع لمن يطلب عنده لذته فيرقب غرته، أو رجل فاتك يحاول حين الغفلة ويترصّد الفرصة، وكلا الرجلين فاسق مائق».

قال علي رضي الله عنه: «الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمّنك من الندم».

وأخيرًا تذكر:

عندما تكون لديك خطة توقع الآتي:

ستصبح أهدافك النهائية واضحة لك.

ستصبح لديك ثقة بأن عملك اليومي هادف.

ستصبح قادرًا على التحليل بموضوعية.

ستصبح منهجيًا في تفكيرك.

ستصبح قادرًا على الاستفادة من نقاط القوة لديك.

ستقلل من نقاط الضعف.

ستنجز الأمور إن شاء الله تعالى.

______________

المراجع:

- التخطيط مهارة الجادين، موقع: صيد الفوائد.

- التخطيط الاستراتيجي، د. طارق سويدان.

المصدر: مفكرة الإسلام.