logo

نوع مختلف من الذكاء.


بتاريخ : الأحد ، 3 شعبان ، 1435 الموافق 01 يونيو 2014
بقلم : أم عبد الرحمن محمد يوسف.
نوع مختلف من الذكاء.

زوجة دائمة العطاء:

 

بعد زواج ابنتي تغير دوري في حياتها وأصبحت مصدرًا للدعم، فإذا مرضت لا تطمئن إلا بوجودي بجانبها، وبعد الحمل كنت أساعدها إذا طلبت مساعدتي، وبعد ولادتها كان وجودي مؤثرًا وفعالًا، فكنت أدربها على التعامل مع المولود الجديد، وفى الوقت نفسه أوصيها بزوجها، حتى لا تنساه في هذه المرحلة الجديدة في حياتهما، وبعد رجوعها إلى منزلها اتصل بها للاطمئنان عليها وعلى الحفيد الغالي الجديد، وأشجعها على القيام بواجباتها الزوجية والأسرية.

 

الحماة الذكية:

 

إن المرأة الذكية هي التي تحب ابنتها وزوج ابنتها، وتبني علاقة عاطفية واجتماعية جيدة، وتربطهم بها وتجمع ولا تفرق، فهي "إن رأت من ابنتها تقصيرًا نصحتها وساعدتها لتلافي هذا التقصير، بحيث لا تترك لصهرها على ابنتها مأخذًا يهون من شأنها أو يصغرها في عينه.

 

ولا تنسى أن تنوه بين الحين والحين بمزايا وإيجابيات صهرها، ترددها على مسامع ابنتها لتزيدها ارتباطًا به وحبًا له ورضا بما قسمه الله لها، وبذلك تكون خير معين لابنتها على تماسك حياتها الزوجية واستمرارها وإشاعة السعادة في أجوائها"(1).

 

إن هذه العلاقة الدافئة بين الأم وابنتها وزوج ابنتها لاشك ستضفي ظلالها وتنعكس على باقي أفراد الأسرة وعلى الأحفاد الصغيرة؛ وتكون النتيجة السعادة فعندما "تكون علاقتك بالآخرين طيبة، وعندما تكون على علاقة يسودها الحب مع من حولك، وتشعر فعلًا أنهم يهتمون بك، ويحتاجون إليك، ستكون أكثر سعادة"(2).

 

فائدة حب الناس:

 

إذا أحبك الناس فسيشعرون "بالراحة والتلقائية عند تواجدهم معك، وبالتالي سيعطونك كل اهتمامهم ويرحبون بك في عالمهم الخاص.

 

إن كسب حب الناس يعتمد في بعض الأحيان على المظهر العام؛ ولكنه يتوقف في النهاية على المشاعر التي تثيرها في الشخص الذي تتعامل معه"(3).

 

إن توجهات الأم هذه تجاه ابنتها وزوجها تنم عن ذكاء، ولكنه من نوع مختلف، إنه الذكاء العاطفي.

الذكاء العاطفي:

 

الذكاء العاطفي هو القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي تجاه الآخرين؛ لتحفيز أنفسنا ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين.

 

جذور الذكاء العاطفي:

 

يمكننا القول بأن الذكاء العاطفي ليس مفهومًا جديدًا تمامًا، فإن له جذور في مفهوم "الذكاء الاجتماعي"، الذي حدده لأول مرة "اي ال ثورندايك" في عام 1920 م.

 

والذكاء الاجتماعي هو في الأساس القدرة على فهم الآخرين، ما الذي يحفزهم؟، وكيف يعملون؟، وكيف يمكن العمل بشكل تعاوني معهم؟، والتصرف بحكمة في العلاقات الإنسانية.

 

والوعي الذاتي والتوحد وإدارة العلاقات الشخصية التي تشكل جوهر الذكاء العاطفي، هي في الأساس أبعاد الذكاء الاجتماعي، وأبعاد الذكاء العاطفي وثيقة الصلة أيضًا بعدد آخر من المفاهيم، مثل النضج النفسي، والوعي العاطفي، وحسن الإصغاء والحسم.

 

أهمية الذكاء العاطفى

 

لا يمكن أن ننكر أن حاصل الذكاء يعد عاملًا جوهريًا في التنبؤ بالتحصيل الأكاديمي والوضع الوظيفي؛ لكن علماء النفس يجمعون حاليًا على أن حاصل الذكاء يكون مسئولًا عن نسبة 20% فقط من نجاحنا الشخصي، وأن الذكاء العاطفي ربما يكون مؤشرًا أفضل للتنبؤ بالنجاح في الحياة، أوضحت مجلة "تايم": أن العواطف وليس حاصل الذكاء يمكن أن تكون المقياس الحقيقي لذكاء المرء.

 

وآخر ما توصلت إليه الأبحاث يشير إلى أن حاصل الذكاء، يأخذ المركز الثاني بعد الذكاء العاطفي في تحقيق الأداء الوظيفي المتميز، وأعلى تقدير لمدى إسهام حاصل الذكاء في النجاح بموقع العمل حوالي 25%، وهناك رقم أكثر دقة قد لا يتجاوز 10% أو ربما 4% فقط.

 

ويلخص "دانيال جولمان" أهمية الذكاء العاطفي بقوله: "من أجل تحقيق أعلى درجة من التميز في الأداء في جميع الوظائف وفي كافة المجالات، تعادل أهمية الكفاءة العاطفية أهمية القدرات، ومن صور الكفاءة العاطفية: الثقة بالنفس، والتحفيز الذاتي، والمثابرة، والقدرة على التكيف وتفهم الآخرين، والمبادرة".

 

وفي موقع العمل هناك أدلة متزايدة على أن حاصل الذكاء له علاقة كبيرة بتعيين الناس في الوظائف؛ لكن الذكاء العاطفي له علاقة كبيرة بترقيتهم كثيرًا.

 

كم من الوظائف دمرت بسبب العلاقات الشخصية السيئة، وليس بسبب قلة الخبرات الفنية، والذكاء العاطفي يؤثر بشكل مباشر على العمل الجماعي والإنتاجية.

 

وتشير الأبحاث إلى أن الحياة المهنية لكثير من المديرين خرجت عن مسارها الصحيح بسبب سوء علاقاتهم بغيرهم؛ وفشلهم في بناء وقيادة الفرق، وعجزهم عن التغيير والتكيف أثناء المراحل الانتقالية، لقد كانوا بوجه عام سيئي التواصل وتعسفيين واستغلاليين وانتقاديين بشكل مبالغ فيه، ولا يجيدون العمل الجماعي.

 

الذكاء العاطفي من عوامل النجاح في الحياة:

 

ما العوامل المؤثرة التي تجعل من يتمتع بمعامل ذكاء مرتفع على سبيل المثال، يتعثر في الحياة بينما يحقق آخرون من ذوي الذكاء المتواضع نجاحًا مدهشًا؟.

 

إنني أذهب في هذا الصدد إلى أن هذا الاختلاف يكمن في حالات كثيرة، في تلك القدرات، نسميها هنا "الذكاء العاطفي"، والذي يشمل ضبط النفس، والحماس، والمثابرة، والقدرة على تحفيز النفس.

 

وهذا المهارات يمكن تعليمها لأطفالنا لنوفر لهم فرصًا أفضل، أيا كانت ملكاتهم الذهنية.

 

سنكون قد وصلنا إلى نهاية الرحلة، إذا فهمنا معنى وكيفية ربط الذكاء بالعاطفة(4).

 

مجالات الذكاء العاطفي:

 

يشمل الذكاء العاطفي، أو ما يعرف أيضًا بالذكاء الشخصي، خمس مجالات أساسية:

 

المجال الأول:

أن يعرف كل إنسان عواطفه: فالوعي بالنفس، والتعرف على شعور ما وقت حدوثه، هو الحجر الأساس في الذكاء العاطفي؛ لأن عدم القدرة على ملاحظة مشاعرنا الحقيقية تجعلنا نقع تحت رحمتها.

 

المجال الثاني:

 

إدارة العواطف: وهي القدرة على تهدئة النفس، والتخلص من القلق الجامح، والتهجم، وسرعة الاستثارة، ونتائج الفشل.

 

إن من يفتقرون إلى هذه المقدرة، يظل كل منهم في حالة عراك مستمر مع الشعور بالكآبة، أما من يتمتعون بها فهم ينهضون من كبوات الحياة وتقلباتها بسرعة أكبر.

 

المجال الثالث:

 

تحفيز النفس: أي توجيه العواطف في خدمة هدف ما، يعمل على تحفيز النفس وانتباهها، وعلى التفوق والإبداع أيضًا، لأن التحكم في الانفعالات، بمعنى تأجيل الإشباع ووقف الدوافع المكبوتة التي لا تقاوم، أساس مهم لكل إنجاز، وكذلك القدرة على الانغماس في تدفق العواطف حين يستلزم ذلك التوصل إلى أعلى أداء.

 

المجال الرابع:

 

التعرف على عواطف الآخرين: أو التقمص الوجداني يدفع الإنسان إلى الإيثار مثلًا أو الغيرية.

 

فالأشخاص الذين يتمتعون بملكة التقمص الوجداني يكونون أكثر قدرة على التقاط الإشارات الاجتماعية، التي تدل على أن هناك من يحتاج إليهم.

 

المجال الخامس:

 

توجيه العلاقات الإنسانية: وهو في معظمه مهارة في تطويع عواطف الآخرين.

 

إن تعلم هذه المهارات ممكن، لأن المخ طيع بصورة ملحوظة، وهو دائم التعلم(5).

 

الرجال ذوو الذكاء العاطفي المرتفع:

 

إن ميزة الرجال ذوو الذكاء العاطفي المرتفع، متوازنون اجتماعيًا، صرحاء ومرحون، ولا يميلون إلى الاستغراق في القلق، يتمتعون بقدرة ملحوظة على الالتزام بالقضايا، وبعلاقاتهم بالآخرين وتحمل المسئولية، وهم ذوو خلق وتتسم حياتهم العاطفية بالثراء، فهي حياة مناسبة، وهم راضون فيها عن أنفسهم وعن الآخرين، وعن المجتمع الذي يعيشون فيه.

 

النساء الذكيات عاطفيًا:

 

أما النساء الذكيات عاطفيًا، يتصفن بالحسم والتعبير عن مشاعرهن بصورة مباشرة، ويثقن في مشاعرهن، الحياة بالنسبة لهن معنى، هن أيضًا مثل الرجال، اجتماعيات غير متحفظات، بل أكثر من ذلك فقد يندمن بعد ثوراتهن الانفعالية على صراحتهن، كما أنهن يستطعن التكيف مع الضغوط النفسية، ومن السهل توازنهن الاجتماعي وتكوين علاقات جديدة، وعندما يمزحن ويهرجن يشعرن بالراحة، ومتفتحات على الخبرة الحسية، وعلى خلاف النساء ذوات معامل الذكاء المرتفع، من النادر أن يشعرن بالذنب أو القلق.

 

حجر الزاوية في الذكاء العاطفي:

 

إن حجر الزاوية في الذكاء العاطفي هو: وعي الإنسان بمشاعره وقت حدوثها.

 

ماذا بعد:

 

-  عاملي ابنتك وزوجها بذكاء من نوع مختلف وهو الذكاء العاطفي.

-   حافظي على العلاقة مع زوج الابنة؛ لأنها تؤثر على سعادة واستقرار ابنتك.

-   عززي صورة ابنتك في عين زوجها؛ بمساعدتك لها وسد أوجه القصور عندها.

-ساعدي ابنتك على حسن تبعلها لزوجها، تجدي أثر ذلك حب واهتمام من ابنتك وزوجها لك، فإن البر لا يبلى.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  1. شخصية المرأة المسلمة، د. محمد علي الهاشمي (234).
  2. قوة التحكم في الذات، د. إبراهيم الفقي (79).
  3. كيف تجعل الناس تحبك، نيكولاس بوثمان (9).
  4. الذكاء العاطفي، دانييل جولمان (11).
  5. الذكاء العاطفي، دانييل جولمان (69).

المصدر: موقع «مفكرة الإسلام».