logo

حد الردة، والرد على الشبهات المثارة حوله


بتاريخ : الأحد ، 1 شعبان ، 1442 الموافق 14 مارس 2021
حد الردة، والرد على الشبهات المثارة حوله

تمهيد:

 

            الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن أعداء الإسلام يحرصون كل الحرص على تبديل المفاهيم الشرعية، وقلب الحقائق اليقينية عند المسلمين، ويعملون على خلط الأمور الواضحة عندهم، وتشويه الاحكام الفقهية المسلَمة لديهم، ومن ذلك ما صرنا نسمع به في هذا الزمان مما اشتهر على بعض الألسنة إذ يقول قائلهم: إن حد الردة في الإسلام ليس على سبيل التشريع كبقية الحدود, وإنما كان سياسة من النبي صلى الله عليه وسلم، ضاربين بالأدلة الواضحة القطعية في تلك القضية عرض الحائط، ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺪ ﻭﻳﺒﺪﻝ ﺩﻳﻨﻪ، ونحو هذه الترهات، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻛﻔﺮ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ؛ ﻷﻥ ﻓﻴﻪ ﺗﺤﻠﻴﻼً ﻟﻤﺎ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﺇﺫ ﺍﻟﺮﺩﺓ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺋﺮ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ.

وحيث إن هذا الكلام ونحوه مما قاله هؤلاء المتفيهقون يخالف ما يتبادر إلى الذهن مما هو ظاهر من النصوص النبوية، ويناقض ما اتفق عليه مذاهب الفقهاء الأربعة وغيرهم، ويضاد أهم مقاصد الشريعة من حفظ الدين والذب عنه.

 وحيث إنه يصدر من أناس معاصرين ينتسبون إلى العلم الشرعي؛ مما سبب بلبلة وحيرة في عقول الشباب، وأحدث هزة وزلزلة في معتقدهم؛ لذا لزم منا بيان الحق في ذلك، والتعرض لهذه القضية الهامة التي تتعلق بأصل من الأصول، ألا هو أصل الإيمان، وبعقيدة من العقائد، ألا هي عقيدة الولاء والبراء.

وسنتناول في الصفحات التالية، إن شاء الله، نقاطًا معينة ترتبط بتلك القضية، وذلك على النحو التالي:

* تعريف الردة، وذكر أهم صورها قديما وحديثا

* إجماع العلماء على حكم قتل المرتد.

* الشبهات المثارة حول قتل المرتد.

* هل المرأة كالرجل في هذا الحكم؟

* كيف يثبت حد الردة شرعاً؟

* استتابة المرتد قبل قتله.

* متى لا يقام حد الردة؟

* أحكام هامة تتعلق بالمرتد

* الخاتمة: أهم أسباب الردة، وكيف تلافيها

***

تعريف الردة:

أولًا: في اللغة:

الردة لغةً: الرجوع عن الشيء، ومنه الردة عن الإسلام(1)، والارتداد: الرجوع، ومنه المرتد(2)، ويقال: ارتد، وارتد عنه: تحول، وفي التنزيل: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [المائدة:54]، والاسم: الردة، ومنه الردة عن الإسلام، أي: الرجوع عنه، واسترد الشيء وارتده: طلب رده عليه(3)

ورد عليه الشيء: إذا لم يقبله، وكذلك إذا خَطَّأَه، وتقول: ردَّه إلى منزله، ورد إليه جوابًا، أي: رجع، والردة، بالكسر: مصدر قولك: رده يرده ردًا وردة، والردة: الاسم من الارتداد، وفي حديث القيامة والحوض: "فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم"(4)، أي: متخلفين عن بعض الواجبات...، ولم يرد ردة الكفر، ولهذا قيده بأعقابهم؛ لأنه لم يرتد أحد من الصحابة بعده، إنما ارتد قوم من جفاة الأعراب(5).

ثانيًا: في الاصطلاح:

اختلفت ألفاظ الفقهاء في تعريفها وإن اتفقت في معناها.

أما عند الحنفية: فقد قال الكاساني: "أما ركنها فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان؛ إذ الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان، فالرجوع عن الإيمان يسمى ردة في عرف الشرع"(6)

وأما المالكية: فعرفها القرافي قائلًا: "حقيقة الردة: عبارة عن قطع الإسلام من مكلف"(7)

وقال ابن عرفة: "الردة: كفر بعد إسلام تقرر بالنطق بالشهادتين مع التزام أحكامهما"(8)

وعند الشافعية: عرفها النووي بأنها: "قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح"(9)

وعند الحنابلة: يقول البهوتي عن المرتد إنه: "الذي يكفر بعد إسلامه طوعًا، ولو مميزًا، أو هازلًا بنطق، أو اعتقاد، أو شك، أو فعل"(10)

ومما استدل به العلماء على حصول الردة بالشك: قوله تعالى: (وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا)، ثم قال: (أكفرت بالذي خلقك) الآية.

ويتبين من هذه العبارات للفقهاء أن الردة هي: الكفر بعد الإسلام طوعًا، بنطق، أو اعتقاد، أو شك، أو فعل(11). لكن ما هي صور الردة؟ هذا ما سنعرفه الآن.

صور الردة القديمة والمعاصرة:

للردة صور كثيرة، لا تكاد صور تنحصر، وقد ذكر الفقهاء في باب الردة وحكم المرتد شيئا من هذه الصور، فمن ذلك:

ما ذكره النووي بقوله: "والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح: كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها"(12)

وما ذكره البجيرميّ الشافعي، في شرحه على متن الخطيب الشربينيّ:

" فصلٌ: في الرِّدَّة … وهي أفحشُ أنواع الكبائر… قوله: (أو كذب رسولاً) بخلاف من كذب عليه فلا يكون كفراً بل كبيرةً فقط … قوله : ( أو سبَّه ) أو قصدَ تحقيَره ولو بتصغير اسمه أو سبَّ الملائكة أو ضلَّل الأمَّة . قوله: (أو استخَفَّ) أي تهاون به أو باسمه كأن ألقاه في قاذورةٍ أو صغَّره، بأنْ قال محيمد … قوله: (وسجودٌ لمخلوقٍ كصنمٍ) إلاَّ لضرورةٍ بأَنْ كان في بلادهم مثلاً وأمروه بذلك وخاف على نفسه".

ومنها: ما ذكره الهيتميّ في "الزواجر عن اقتراف الكبائر"، حيث قال: "نقل إمام الحرمين عن الأصوليّين أَنَّ من نطق بكلمة الرِّدَّة، وزعم أَنَّه أضمر توريةً كَفَرَ ظاهراً وباطناً، وأقرَّهم على ذلك(13).

ومنها: ما جاء في تبصرة الحكام لابن فرحون:

(قال ابن الحاجب: وتكون بصريح وبلفظ يقتضيه وبفعل يتضمنه. قال ابن راشد: فالصريح واضح كقوله: أشرك بالله أو أكفر بمحمد، واللفظ الذي يقتضيه مثل أن ينسب التأثير للنجوم، ومثل الخطيب يرى كافرا يريد أن ينطق بكلمة الإسلام، فيقول له: اصبر حتى أفرغ من خطبتي، فإنه يحكم بكفر الخطيب لأن ذلك يقتضي أنه أراد بقاء الكفر، قال: وهذا سمعته من شيخنا شهاب الدين القرافي - رحمه الله - ولم أر من نص عليه.

قال ابن راشد وأما الفعل الذي يتضمن الكفر فمثل التردد إلى الكنائس والتزام الزنار في الأعياد)(14)

ومجمل القول أن الردة قديما تمثلت في عدة صور أبرزها: ادعاء الألوهية أو النبوة أو اعتناق اليهودية أو النصرانية، أو غيرهما من الأديان، أو جحود فرض من الفرائض الإسلامية، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو استحلال المحرمات القطعية المتفق عليها، أو السب أو الطعن أو الاستهزاء في الدين أو في الله أو في رسول من رسله(15).

وأما الصور المعاصرة، فنقتصر على ذكر بعضها وهو أخطرها وأشهرها:

فمن ذلك: سب الدين (الإسلامي)، وقد انعقد الإجماع على أنه ردة، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مسألة العذر بالجهل هل تدخل فيها مسألة سب الدين وسب الرب؟

فأجاب بقوله: هل أحد يجهل أن الرب يجب تعظيمه؟ لا أحد يجهل أن الرب له من التعظيم والإجلال ما لا يمكن أن يسبه أحد، وكذلك الشرع، فهذه مسألة فرضية في الذهن لا وجود لها في الواقع(16). اهـ.

ومنها: الطواف بأصحاب القبور تقربا، والسجود لصاحب القبر، والاستغاثة بهم، ودعاؤهم أو سؤالهم قضاء الحاجات، والنذر لهم, والذبح لهم, والتوكل عليهم, أو اعتقاد أنهم يعلمون الغيب وأنهم يتصرفون في الكون.

يقول ابن باز رحمه الله:

لا يجوز الطواف بقبور الناس لا بقبور أبي الحسن الشاذلي, ولا بقبر البدوي, ولا بقبر الحسين, ولا الست زينت, ولا الست نفيسة ولا غيره, الطواف يكون بالكعبة خاصة, لا يجوز الطواف بغير الكعبة أبداً، فإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو مقامه يتقرب إليه بالطواف صار شركاً أكبر، ... هكذا دعاؤه, والاستغاثة بأبي الحسن الشاذلي, أو النذر له, أو الذبح له كله كفر أكبر نعوذ بالله منه, وهكذا الحلف بأبي الحسن أو بغيره, الحلف بالنبي, أو بالحسن, أو بالحسين, أو بفاطمة, أو بالكعبة, أو بالأمانة, أو بحياة فلان، أو شرف فلان كل هذا لا يجوز .., فالحلف يكون بالله وحده؛ لأنه تعظيم لا يليق إلا بالله وحده فالحلف بغير الله من الشرك الأصغر, وقد يكون أكبر إذا حصل في قلبه من التعظيم للمخلوق ما هو جنس تعظيم الله يكون كفرٌ أكبر.

 فالدعاء, والاستغاثة بالأموات, والنذر لهم, والذبح لهم, والتوكل عليهم, أو اعتقاد أنهم يعلمون الغيب وأنهم يتصرفون في الكون, أو يعلمون ما في نفوس أصحابهم والداعين لهم, والطائفين بقبورهم كل هذا شرك أكبر نعوذ بالله, ... وكذلك إذا عكف على القبر يطلب فضل صاحب القبر يطلب أنه يثيبه, أو أنه يدخله الجنة بجلوسه عند قبره, أو بقراءته عند قبره, أو باستغاثته به، أو نذره له، أو صلاته عنده أو نحو ذلك هذا كفر أكبر(17)".

ومنها: استبدال شرع غير الله بشرع الله، وتفضيل شرع غير الله في الحكم وإلزام الناس به، وحملهم عليه، ومحاربتهم وسجنهم لمن يعمل على تحكيم شرع الله، أو يطالب بذلك.

 ومنها: موالاة الكفار من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم وتقريبهم ونصرتهم على حساب المسلمين، والفرح لظهور الكفار وهزيمة المسلمين.

ومنها: استحلال دماء المسلمين، وقتلهم، لتمسكهم بدينهم ورفضهم لظلم الحاكم، ولسياسته الناس بغير حكم الله.

 ومنها: إعلان الحرب على الدين الإسلامي بدعوى أنه يحض على الإرهاب، والعمل على تجفيف منابع تعليمه ونشره بين الناس، واتهامه بلسان الحال أو المقال بأنه دين رجعي لا يناسب العصر، ولا يواكب التقدم الحضاري، وأن غيره من سبل أفضل منه، ونحو هذا الهذيان بالكفر والباطل من القول.

ومنها: ما يصدُر من الظَلَمة والسجانين وضباط الشرطة عند ضربهم للمستضعفين، فيستغيث المضروبُ بالله فيقول خلِّ ربك يخلِّصك، ونحو ذلك، على سبيل الاستهزاء.

ومنها: ما جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية:

  • من الفعل الذي يصير به المسلم مرتدا السعي إلى كنائس المسيحيين أو معابد اليهود ودخولها وتأدية طقوسهم. اهـ.
  • المسلمة التي غيرت اسمها وديانتها إلى المسيحية بطلبها وإرادتها تعتبر به مرتدة عن الإسلام(18).

ومنها: ما ذكره الشيخ محمد صالح المنجد؛ إذ يقول:

 ومن آخر ما حصل: ردة هذه المدعوة بنوال قاتلها الله وأنالها الخزي في الدنيا والآخرة، التي قالت في آخر تصريحاتها: إن الحج إلى مكة من بقايا الجاهلية، ودعت إلى إبطال قوانين التوريث في الشريعة الإسلامية؛ لأنها تعطي الأنثى نصف حق الذكر، ومعنى هذا: أنه اتهام لله بالظلم، وأن الله ظلم المرأة، هذا معنى كلامهم، وكثير يقولون اليوم بلسان الحال أو بلسان المقال تصريحاً أو تلميحاً: إن الله قد ظلم المرأة؛ لأن الله هو الذي شرع الإسلام، فإذا قالوا: الإسلام ظلم المرأة، أو قالوا: علماء الإسلام يظلمون المرأة، وعلماء الإسلام أخذوا من الإسلام، فيعود الطعن على الإسلام ثم على الله عز وجل.

 ومنهم من صرح بأن القرآن فيه خرافات كعصا موسى وقصة أصحاب الكهف.

ومنهم من غنى آيات من القرآن.

 ما هو حكم الغناء بآيات من القرآن؟ أليس وضع الكتاب العزيز على العود، والكمنجة، والقيثارة، والمزمار، والأرج، والبيانو، والطبل، أليس استهزاء؟ أليس تنقصاً؟ وضع السور على الطبول، وعلى العود، وعلى المعازف ما هو؟ هل هو تبجيل للقرآن؟ هل هو احترام للقرآن؟ هل هو شيء عادي، كوضع القرآن على الرف، أم أن فيه استهزاء وتنقص؟ وكيف نجمع بين هذا وبين قول الله: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ؟. (سورة الطارق 13-14).

حكم قتل المرتد:

قتل المرتد مما أجمع عليه العلماء في الجملة.

قال الكاساني، وهو يعدِّد أحكام المرتد، فقال: "إباحة دمه إذا كان رجلاً حرّاً كان أو عبداً لسقوط عصمته بالردة...، وكذا العرب لما ارتدت بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه و سلم- أجمعت الصحابة -رضي الله عنهم- على قتلهم»(19).

ونقل ابن رشد الاتفاق على قتل الرجل المرتد(20).

وقال الشافعي: "ومن ارتد عن الإسلام إلى أي كفر كان مولودا على الإسلام أو أسلم ثم ارتد قتل"(21).

وقال أيضاً: "والقتل على الردة حدٌّ ليس للإمام أن يعطِّله"(22).

وقال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر, وعمر, وعثمان, وعلى, ومعاذ, وأبي موسى, وابن عباس, وخالد, وغيرهم، ولم ينكر ذلك فكان إجماعًا(23) .. اهـ.

وقال ابن فرحون في تبصرة الحكام: قال المتيطي: وأجمع أهل العلم فيما علمت أن المسلم إذا ارتد أنه يستتاب ثلاثًا، فإن تاب وإلا قتل، حاشا عبد العزيز بن أبي سلمة فإنه كان يقول: يقتل المرتد ولا يستتاب(24)اهـ.

وكذلك نقل ابن الأمير الصنعاني إجماع الفقهاء على قتل المرتد(25).

وقال شيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في فتوى له عن البهائية, وحكم زواج البهائي من المسلمة: أجمع أهل العلم بفقه الإسلام على وجوب قتل المرتد إذا أصر على ردته عن الإسلام؛ للحديث الشريف الذى رواه البخاري وأبو داود: "(من بدل دينه فاقتلوه" ..)(26) اهـ.

ونقل هذا الإجماع أيضا الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته(27).

ومع هذه النقولات عن هؤلاء العلماء الثقات والمفتين الأعلام، فإنه لا يبقى لقائل أن يدعي خلاف ذلك، ومن شذ فقد شذ في النار.

والعجب كل العجب ممن يخالف هذا الإجماع، من بعض المعاصرين، لكن ربما يزول هذا العجب إذا عرفنا أن أكثرهم ما بين دعي على العلم لا يلتفت إليه، ولا قيمة لقوله بجانب أقوال العلماء المختصين، والفقهاء المبرزين.

وبين مغرض منتم لمدرسة عقلانية مشبوهة، أو على الأقل متأثر بشيوخ هذه المدرسة.

 وبين منهزم بفكره وعقيدته، ظانا أنه يدافع عن الإسلام، ويحسَن صورته أمام الغرب الكافر، ومن يقف معهم من أصحاب الأهواء.

وإن وجد منهم واحدا أو اثنين من العلماء المعتبرين، فإن اجتهاده بقوله بعدم قتل المرتد مردود عليه؛ إذ إنه به قد خالف الإجماع المنعقد، فصارر قوله شاذا غير معتبر.

ولم يكتف هؤلاء بمخالفة الإجماع، بل أخذوا يتأولون الأدلة تأويلا سمجا، ويلوون أعناقها ليا، يشبه فعل الأحبار والرهبان من اليهود والنصارى.

كما راحوا يبحثون عن الشبهات ليثيروها ويدلسوا بها على الضعاف من المسلمين، الذين لا باع لهم في العلم الشرعي، لعلهم يكونون لهم عونا على باطلهم.

وقبل الرد على باطل هؤلاء، ودحض شبهاتهم، نذكر الأدلة الدامغة، والنصوص القطعية الصريحة الدالة على قتل المرتد عن الإسلام، وذلك بعد أن ذكرنا أن الإجماع قد انعقد على هذا الحكم، وكفى به حجة وبرهانا؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة.

 

الأدلة على قتل المرتد عن الإسلام، وما نوقشت به، والرد على ما استشكل:

الدليل الأول: عن عكرمة قال: أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"(28).

وجه الاستدلال: هذا نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرتد مأمور بقتله، وفي هذه الرواية تطبيق أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لهذا الحكم بمحضر من الصحابة التابعين، وإقرار من ابن عباس لقتلهم لكن بغير التحريق(29).

نوقش: الحديث عام، يشمل من انتقل من الكفر إلى الإسلام، ومن انتقل من اليهودية إلى النصرانية أو المجوسية أو العكس، فيبطل الاحتجاج به.

أُجيب بعدة وجوه:

الأول: العموم ليس هو المراد من الحديث؛ لأن "الكفر ملة واحدة، فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر، وكذا لو تهود الوثني، فوضح أن المراد من بدل دين الإسلام بدين غيره؛ لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]، وما عداه فهو بزعم المدعي"(30)، فلا فرق بين الظلمة والعَتَمة!

الثاني: هناك قرائن كثيرة تدل على أن المراد الانتقال من الإسلام إلى الكفر؛ منها أن المتكلم به هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ويخاطب به سادة المسلمين؛ الصحابة رضي الله عنهم.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم، عند الطبراني وعبد الرزاق في مصنفه: "من ارتد عن دينه فاقتلوه"(31).

الدليل الثاني: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"(32).

وجه الاستدلال: واضح؛ حيث جعل صلى الله عليه وسلم ترك الدين، وهو الردة، سببًا مبيحًا لدم فاعله.

نوقش: بقول ابن تيمية: "قوله: "التارك لدينه المفارق للجماعة" قد يفسر بالمحارِب قاطع الطريق؛ كذلك رواه أبو داود في سننه مفسرًا عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارًبا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يَقتُل نفسًا فيُقتَل بها" فهذا المستثنى هنا هو المذكور في قوله: "التارك لدينه المفارق للجماعة" ولهذا وصفه بفراق الجماعة، وإنما يكون هذا بالمحاربة"(33).

 ومن هنا فإن الاستدلال بهذا الحديث على أن القتل هو حد للمرتدين لمجرد الردة غير مُسَلَّم.

يجاب: بقول ابن تيمية نفسه، بعد النقل السابق بسطور قليلة: "فإن مجرد الخروج من الدين يوجب القتل، وإن لم يفارق جماعة الناس"(34)، فابن تيمية أصلًا من الغالبية الكاسحة للعلماء القائلين بوجوب حد الردة على المرتد، ومن ذلك أيضًا قوله: "وقتل المرتد أوجب من قتل الكافر الأصلي"(35).

ويقول أيضا – رحمه الله -:

(المحاربة نوعان : محاربة باليد ، ومحاربة باللسان ، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد ، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان ، وكذلك الإفساد قد يكون باليد ، وقد يكون باللسان ، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد ، فثبت أن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أشد ، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد)(36).

الدليل الثالث: عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث: أن يزني بعدما أحصن، أو يَقتُل إنسانًا فيُقتَل، أو يكفر بعد إسلامه فيُقتل"(37).

وجه الاستدلال: هذا من أجلى الأدلة على وجوب قتل المرتد؛ ففي وضوحٍ يقرر النبي صلى الله عليه وسلم أن من الأسباب المبيحة للدم أن: "يكفر بعد إسلامه"، فجعل الكفر بعد الإسلام سببًا مباشرًا للقتل.

الدليل الرابع: عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة"(38).

وجه الاستدلال: حيث أمر صلى الله عليه وسلم بقتل من مرقوا عن الدين، أي ارتدوا عنه.

نوقش: سياق الحديث يوحي بأن هؤلاء سيقاتلون المسلمين؛ لقرينة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل قتلهم لجميع المسلمين حين قال: "فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة"، ولا يقيم الحدود إلا الإمام أو نائبه، يؤيد هذا ما جاء في رواية البخاري: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان".

الدليل الخامس: عن أنس بن مالك أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فاجتووها(39)، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة، فتشربوا من ألبانها وأبوالها"، ففعلوا، فصحوا، ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في أثرهم فأُتِيَ بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا(40).

وجه الاستدلال: حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم لردتهم، وغلظ عليهم العقوبة لارتكابهم جرائم عدة.

نوقش: العقوبة هنا ليست على الردة وحدها؛ بل على مجموع الجرائم التي فعلوها، كما أشار أبو قلابة في إحدى روايات البخاري: "قتلوا، وسرقوا، وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسعوا في الأرض فسادًا".

أُجيب: قد صح في غير هذا الحديث ترتب القتل على الردة وحدها كما سبق.

الدليل السادس: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جحد آية من القرآن فقد حل ضرب عنقه"(41).

وجه الاستدلال: جحد المسلم لآية من القرآن ردة وكفر، وقد أحل النبي صلى الله عليه وسلم به ضرب عنقه.

نوقش: الحديث ضعيف، فقد روي من طريق حفص بن عمر بن ميمون العدني: حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عدي: "والحكم بن أبان، وإن كان فيه لين، فإن حفصًا هذا ألين منه بكثير، والبلاء منه لا من الحكم، وعامة حديثه غير محفوظ".

وفي التقريب: "الحكم بن أبان صدوق عابد، وله أوهام، وحفص بن عمر العدني ضعيف".

وذكر له الذهبي في الميزان هذا الحديث من منكراته(42).

أُجيب: نسلم بضعف هذا الحديث، لكن يغني عنه ما ذكرنا من أحاديث صحيحة صريحة كثيرة.

الدليل السابع: أن المرتد بمنزلة مشركي العرب أو أغلظ منهم جناية؛ فإنهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرآن نزل بلغتهم، ولم يراعوا حق ذلك حين أشركوا، وهذا المرتد كان من أهل دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عرف محاسن شريعته ثم لم يراع ذلك حين ارتد، فكما لا يقبل من مشركي العرب إلا السيف أو الإسلام فكذلك من المرتدين(43).

الدليل الثامن: قياسًا على قتل الأسير، فيقتل المرتد؛ "لأن أمره أغلظ من كفر الأسير الحربي، فإذا قتل هذا فلا(44) استتابة، فالمرتد أولى"(45).

الدليل التاسع: فعل الصحابة رضي الله عنهم وإجماعهم:

(أ) عن أبي موسى قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل فقال: "يا أبا موسى، أو: يا عبد الله بن قيس قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني انظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: "لن، أو: لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى، أو يا عبد الله بن قيس، إلى اليمن" ثم اتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات، فأمر به فقتل(46).

(ب) عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله، ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق(47).

وجه الاستدلال: فقد أجمع الصحابة على استحقاق المرتدين عن بعض شرائع الإسلام، كالزكاة، للقتال، فكيف بمن رفض الدين كله، وجحد جميع شرائعه؟!

(ج) عن أبي عمرو الشيباني قال: أُتِيَ عليٌ بشيخ كان نصرانيًا ثم أسلم، ثم ارتد عن الإسلام، فقال له علي: "لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الإسلام"، قال: لا، قال: "فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن ينكحوكها فأردت أن تزوجها ثم ترجع إلى الإسلام"، قال: لا، قال: "فارجع إلى الإسلام"، قال: أما حتى ألقى المسيح فلا، فأمر به علي فضُرِبت عنقه، ودفع ميراثه إلى ولده المسلمين(48).

(د) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن مسعود أخذ بالكوفة رجالًا ينعشون حديث مسيلمة الكذاب، يدعون إليه، فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكتب عثمان أن: "اعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فمن قبلها وبرئ من مسيلمة فلا تقتله، ومن لزم دين مسيلمة فاقتله"، فقبلها رجال منهم فتركوا، ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا(49).

وفي مصنف عبد الرزاق: أخذ ابن مسعود قومًا ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق، فكتب فيهم إلى عمر، فكتب إليه أن: "اعرض عليهم دين الحق, وشهادة أن لا إله إلا الله, فإن قبلوها فخل عنهم, وإن لم يقبلوها فاقتلهم", فقبلها بعضهم فتركه, ولم يقبلها بعضهم فقتله(50).

وقد نقل ابن قدامة إجماع الصحابة قائلًا: "وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك فكان إجماعًا"(51).

العاشر: اتفاق المذاهب الفقهية الأربعة:

أشرنا آنفا إلى أن الإجماع قد انعقد على وجوب قتل المرتد، ونزيد الأمر بيانا هنا بنقل اتفاق كلمة أرباب المذاهب الأربعة على قتل المرتد حدًا، ونذكر نصوصهم فيما يلي:

أولًا: المذهب الحنفي:

في المبسوط للسرخسي: "وإذا ارتد المسلم عُرِض عليه الإسلام، فإن أسلم وإلا قُتِل مكانه، إلا أن يطلب أن يُؤَجَّل، فإذا طلب ذلك أُجِّل ثلاثة أيام، والأصل في وجوب قتل المرتدين قوله تعالى: {أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح:16]، قيل: الآية في المرتدين"(52).

وفي بدائع الصنائع: "وأما حكم الردة فنقول، وبالله تعالى التوفيق: إن للردة أحكامًا كثيرة...، منها إباحة دمه إذا كان رجلًا، حرًا كان أو عبدًا؛ لسقوط عصمته بالردة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه".

وكذا العرب لما ارتدت، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم.

ومنها أنه يستحب أن يستتاب ويعرض عليه الإسلام؛ لاحتمال أن يسلم، لكن لا يَجِب؛ لأن الدعوة قد بلغته، فإن أسلم فمرحبًا وأهلًا بالإسلام، وإن أبى نظر الإمام في ذلك، فإن طمع في توبته، أو سأل هو التأجيل أجله ثلاثة أيام، وإن لم يطمع في توبته، ولم يسأل هو التأجيل، قتله من ساعته"(53).

ثانيًا: المذهب المالكي:

في مختصر خليل، بعد أن عَرَّف الردة، قال عن المرتد: "واستتيب ثلاثة أيام، بلا جوع وعطش ومعاقبة وإن لم يتب، فإن تاب وإلا قتل"(54).

وفي الكافي في فقه أهل المدينة: "كل من أعلن الانتقال عن الإسلام إلى غيره، من سائر الأديان كلها، طوعًا من غير إكراه، وجب قتله بضرب عنقه، واستحب أكثر العلماء من الصحابة ومن بعدهم أن يستتيبوه ثلاثة أيام لا غير، يُوعظ فيها ويخوف لعله أن يراجع دينه ويتوب"(55).

ثالثًا: المذهب الشافعي:

في كتاب الأم قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ومن انتقل عن الشرك إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك، من بالغي الرجال والنساء، استُتيب، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل"(56).

رابعًا: المذهب الحنبلي:

يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سمعت أبي يقول في المرتد: يستتاب ثلاث، فإن تاب وإلا قتل"(57).

والخلاصة: أنه قد اتفقت كلمة المسلمين قديما وحديثا، وأجمعت المذاهب الفقهية الأربعة على وجوب قتل المرتد، وعلى جواز استتابته ثلاثًا أو أكثر.

 وعليه فيصير مخالفة أحد كائنا من كان لإجماع من هذين شذوذ وضلال مبين.

ويتبقى لنا الرد على شبهات المنهزمين، أصحاب النظرة الملوثة بالاتجاه العقلاني، والتيار العلماني، وأرباب الفكر الموصوف زورا بالوسطي المستنير، وهو أحق وصفا بالفكر الشاذ المظلم، المدلس المهين(58).

 ومن هذه الشبهات ما يلي:

الشبهة الأولى: قول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256].

وجه الاستدلال: في إيجاب قتله بردته إكراه وإرغام له في أن يظل مسلمًا، وقد قررت الآية أنه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

وقريب من ذلك استدلالهم بقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99].

وبقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، وبقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون:1-6].

وجه الاستدلال من الآيات السابقة: الأولى تستنكر أن يُكرَه أحدٌ على الإيمان بدين لا يرغبه، أما الآية الثانية فتكفل حرية الاعتقاد، وإيجاب الحد على المرتد ينافي ذلك، وأما آيات سورة الكافرون فدلالتها واضحة على حرية الاعتقاد، فهذه الآيات تؤكد وتقرر الحرية الدينية، وأن الإنسان حر في أمر اعتقاده وإيمانه.

والجواب على ذلك:

أن معنى الآية الأولى من سورة البقرة: لا إكراه على الدخول في الإسلام واعتناقه؛ فغير المسلم له مطلق الحرية والاختيار في أن يسلم أو يظل كافرًا، لا أحد يُكرِهه، ولا أحد يُرغِمه، ويدل على ذلك قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]، ولم يقل الله تعالى: حتى يظلوا مؤمنين؛ بل قال: {يَكُونُوا}، أي: يدخلوا في الإسلام.

أما إذا أسلم طوعًا بلا إكراه ولا إرغام، فإنه ليس حرًا في الكفر بعد الإيمان؛ لما يُحدِثه من مفاسد عظيمة بردته بعد إسلامه، كاتخاذ الدين ألعوبة، وتشكيك ضعاف الإيمان في دينهم، وصد من يريد الدخول في الإسلام عن دخوله.

وأما الآيات التالية، من سورة يونس، ومن سورة الكهف، ومن سورة الكافرون، فلا تعارض بين حد الردة وهذه الآيات التي تتحدث عن الحرية الدينية؛ لأن الحرية في اختيار الدين إنما تكون قبل قبوله، أما إذا ارتضاه المرء بكامل حريته فعليه أن يلتزمه؛ لأن الأمر في الدين جد لا عبث فيه، وذلك حفاظًا على وحدة الأمة(59).

أيضًا فإن الحدود في الإسلام قد جاءت مقيدة للحرية الحرام؛ فالزاني والزانية يتمتعان بالمتعة الحرام، والرجم قيد لحريتهما من العبث بمحارم الله.

والسارق عندما امتدت يده إلى مال غيره، فحريته في سرقة مال غيره تجعل الإسلام يقطع يده نكالًا، ولا أحد يقول: أن حرية السارق مسلوبة.

وحب المرء للمال يقيده الإسلام أيضًا، وليس أدل على ذلك من أن يحارب الصديق مانعي الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام.

والآن: أفيترك الإسلام من يهدم ركنه الأول؛ وهو شهادة التوحيد بلا قصاص(60) بدعوى الحرية؟!!

الشبهة الثانية: قول الله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:86-91].

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء:137].

 وجه الاستدلال: حيث ذكر الله عز وجل الردة مرات، وذكر عقوبات أخروية لها، ولم يذكر لها عقوبة دنيوية، ففي هذا قرينة على عدم وجود حد شرعي دنيوي للردة، وأن الردة عفو في الدنيا.

والجواب على ذلك:

أولًا: نعم، لم تتعرض هذه الآيات للعقوبة الدنيوية للردة، واقتصرت على بيان العقوبة الأخروية لها، لكن تعرضت لها آيات أخرى، كقوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح:16]، وغيرها، كما سيأتي بيانه في أدلة الفريق الثاني، إن شاء الله.

ثانيًا: على فرض عدم ورود حد الردة في القرآن، فقد تكفلت السنة ببيانه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"، وغيره، كما سيأتي بيانه أيضًا في موضعه. 

الشبهة الثالثة: قول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ..} [البقرة:217].

وجه الاستدلال: حيث تحدث القرآن عن المرتد، وقرر أنه يموت، حين يموت، كافرًا، فدل أنه يُترَك ليموت، فلم يقل: يُقتل كافرًا؛ بل لم يتعرض لأي عقوبة دنيوية له.

والجواب على ذلك:

أولًا: ليس كل مرتد يُقْدَر عليه فيُقتل؛ بل من يرتد وهو يعلم أنه سيُقتل فإنه يخطط للهرب قبل إعلان ردته، وكذا يفعل المرتدون في زماننا؛ فيلجئون إلى بلد غربي أو شرقي؛ هروبًا من القتل، وكذا كانوا يفعلون فيما مضى، فمن هؤلاء جبلة بن الأيهم، ملك غسان.

قال عنه الواقدي: "شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب، ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمر، فاتفق أنه وطئ رداءَ رجل من مزينة بدمشق، فلطمه ذلك المزني، فدفعه أصحاب جبلة إلى أبي عبيدة فقالوا: هذا لطم جبلة، قال أبو عبيدة: فيلطمه جبلة، فقالوا: أو ما يقتل؟ قال: لا، قالوا: فما تقطع يده؟ قال: لا، إنما أَمَرَ الله بالقَوَد، فقال جبلة: أترون أني جاعل وجهي بدلًا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا، ثم ارتد نصرانيًا، وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه"(61).

ثانيًا: سياق الآيات كلها يخاطب المرتد نفسه خطابًا وجدانيًا مباشرًا حينًا، وحينًا غير مباشر؛ لذا وجدنا الآيات تتحدث عن العقاب الأخروي، ولم تتعرض لعقابه الدنيوي؛ بل تركته للسنة تقرره؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوهوغيره من الأدلة التي سنوردها إن شاء الله.

ثالثًا: لفظ الموت أعم من لفظ القتل؛ فكل قتيل ميت، وليس كل ميت قتيل؛ لذا فقد يطلق لفظ الموت ويراد به القتل، فمثلًا: حديث البخاري ومسلم: "من قُتِل دون ماله فهو شهيد"(62)، فقد جاء عند غيرهما بلفظ: "من مات دون ماله فهو شهيد"(63).

وكذلك حديث مسلم: "... ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية"(64)، فقد رواه غيره بلفظ: "ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب للعصبية، ويدعو للعصبية فمات، مات ميتة جاهلية"(65).

رابعًا: قد بينت السنة عقوبة المرتد الدنيوية بأنه يقتل ردة، ومن ذلك الحديث السابق: "من بدل دينه فاقتلوه".

الشبهة الرابعة: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أعرابيًا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصابه وعك، فقال: أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى، فخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها"(66).

وجه الاستدلال: حيث كانت من الأعرابي ردة واضحة عن الإسلام، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ردة، قال ابن حجر العسقلاني: "قوله "على الإسلام" ظاهر في أن طلبه الإقالة كان فيما يتعلق بنفس الإسلام"(67).

والجواب على ذلك:

ليس في الحديث دليل على ما ادعيتم؛ فإن الأعرابي لم يرتد ولم يكفر، ولم يأت بأي فعل أو قول يخرجه عن الملة، وقوله: "أقلني بيعتي" معناه: ائذن لي بترك بعض لوازم بيعتي على الإسلام، وهي الهجرة، فأبى أن يقيله؛ لأن الهجرة كانت فرضًا وتركها معصية، فلا يعين عليها صلى الله عليه وسلم(68).

وأما كلام ابن حجر الذي نقلتموه، فقد قال بعده مباشرة: "ويحتمل أن يكون في شيء من عوارضه: كالهجرة، وكانت في ذلك الوقت واجبة، ووقع الوعيد على من رَجَع أعرابيًا بعد هجرته"(69).

فكل ما هنالك أن الأعرابي لما أسلم وهاجر إلى المدينة، وأصابته فيها الحمى، كره المقام فيها، وأراد فراقها إلى غيرها، ولما كان ذلك لا يباح رفَضَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها"، فلم يشر صلى الله عليه وسلم من قريب أو من بعيد إلى ردة أو إلى كفر، وإنما تحدث عن المدينة وكراهة هجرانها.

قال ابن التين: "إنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من إقالته؛ لأنه لا يعين على معصية؛ لأن البيعة في أول الأمر كانت على ألا يخرج من المدينة إلا بإذن، فخروجه عصيان.

قال: وكانت الهجرة إلى المدينة فرضًا قبل فتح مكة على كل من أسلم، ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال:72]، فلما فتحت مكة قال صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح"(70)، ففي هذا إشعار بأن مبايعة الأعرابي المذكور كانت قبل الفتح"(71).

والقول أن الأعرابي إنما أراد الإذن في ترك المدينة، لا الإسلام، هو الصحيح، قال النووي: "قالوا: وهذا الأعرابي كان ممن هاجر، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على المقام معه، قال القاضي: ويحتمل أن بيعة هذا الأعرابي كانت بعد فتح مكة، وسقوط الهجرة إليه صلى الله عليه وسلم، وإنما بايع على الإسلام، وطلب الإقالة منه فلم يقله، والصحيح الأول"(72).

ولو فرضنا أن الأعرابي طلب الإقالة من الإسلام، كما جزم به القاضي عياض، فيجب حمله على أنه كان من المنافقين الذين كف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلهم، وعاشرهم كما  عاشر عامة المسلمين، وبخاصة أن الرجل لم يعلن تركه الإسلام، وإنما اكتفى بخروجه بدون إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"(73)(74).

أو أن الأعرابي عندما طلب الإقالة من الإسلام فإنه كان يطلب ذلك تبعًا لا أصلًا؛ قال ابن عبد البر: "وكان على الناس في ذلك الوقت فرضًا إذا أسلموا أن ينتقلوا إلى المدينة؛ إذ لم يكن للإسلام في ذلك الوقت دار غيرها، ويقيم معهم؛ لصرفهم فيما يحتاج إليه من غزو الكفار، وحفظ المدينة ممن أرادها منهم، ولإرسال من احتاج إلى إرساله في الدعاء إلى الإسلام، وغير ذلك مما هو معلوم من سيرته صلى الله عليه وسلم، حتى فتح الله عز وجل عليه مكة.

وكان بقاء من بقي في دار الكفر مسلمًا حرامًا عليه إذا قدر على الهجرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم مقيم في دار الشرك"(75)(76).

فعلى ذلك يكون الأعرابي قد طلب الإقالة من الإسلام لا كرهًا فيه، ولا رغبة عنه؛ بل لأنه قد تعين طريقًا وحيدًا للخروج من المدينة التي لم يلائمه هواؤها، وأصابه فيها المرض.

الشبهة الخامسة: قصة ابن أبي سرح: قال الحاكم في مستدركه: "فأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فإن الأخبار الصحيحة ناطقة بأنه كان كاتبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فظهرت خياناته في الكتابة، فعزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد عن الإسلام، ولحق بأهل مكة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح دمه يوم الفتح، فلم يُقتَل حتى جاء به عثمان، وقد راجع الإسلام فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقن دمه"(77).

وعند النسائي: عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة"؛ عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح.

فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارًا، وكان أشب الرجلين، فقتله.

وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه.

وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك علي عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا صلى الله عليه وسلم، حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوًا كريمًا، فجاء فأسلم.

وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به، حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، بَايِعْ عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: "ما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ قالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك؟ قال: "إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين"(78).

وعند الطبراني: ونذر رجل من الأنصار أن يقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح إذا رآه، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، فأتى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يستشفع به.

وجه الاستدلال: لو كان حد الردة واجبًا لما جاز لعثمان رضي الله عنه أن يشفع فيه، ولنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نهى أسامة رضي الله عنه عندما شفع في المخزومية التي سرقت، قائلًا: "أتشفع في حد من حدود الله!"(79).

والجواب على ذلك: أن حد الردة يختلف عن بقية الحدود في أنه يسقط بالتوبة، حتى بعد أن يرفع إلى الإمام، وذلك أن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب خلالها سقط عنه الحد، فلذا دعا عثمان رضي الله عنه ابن أبي سرح رضي الله عنه أولًا إلى التوبة، فتاب وأسلم، فعصم دمه بذلك، وبعد التوبة فأي عقوبة يقررها الحاكم عليه فإنها تكون تعزيرية، تجوز الشفاعة لإسقاطها(80).

يقول ابن تيمية: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" فنقول بموجبه، فإنما يكون مُبَدِّلًا إذا دام على ذلك واستمر عليه، فأما إذا رجع إلى الدين الحق فليس بمبدل، وكذلك إذا رجع إلى المسلمين فليس بتارك لدينه مفارق للجماعة؛ بل هو متمسك بدينه ملازم للجماعة.

وهذا بخلاف القتل والزنى؛ فإنه فعلٌ صدر عنه، لا يمكن دوامه عليه بحيث إذا تركه يقال إنه ليس بزان ولا قاتل، فمتى وُجِد منه ترتب حده عليه، وإن عزم على أن لا يعود إليه؛ لأن العزم على ترك العود لا يقطع مفسدة ما مضى من الفعل"(81).

الشبهة السادسة: ﻳﺘﻌﻠ ﺍﻟﺒﻌ ﺑﺄﻥ ﺣﻜ ﺍﻟﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﺩ ﻓﻴﻪ ﻧﻳﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺁﻥ ﺍﻟﻜ، ﻭﺃﻥ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳ ﺍﻟﺍﺭﺩﺓ ﻓﻲ ﻫﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺃﺣﺎﺩﻳ ﺁﺣﺎﺩ؟

والجواب على ذلك من وجوه:

الأول: لا نسلم أن حد الردة لم يرد في القرآن؛ بل لقد أشار الله تعالى إليه في عدة مواضع؛ منها قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح:16].

فهذه الآية نزلت في بني حنيفة، قوم مسيلمة الكذاب، وقد ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو قول جويبر...، وروي مثله عن سعيد وعكرمة(82).

وقال الزهري ومقاتل: بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة.

وقال رافع بن خديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}، فلا نعلم من هم، حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم(83).

كذلك قول الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217].

حيث سمى الله عز وجل المرتد كافرًا، وجعله من أصحاب النار، الذين هم أهلها المخلدون فيها، والكافر حلال الدم.

كذلك فحبوط العمل في الدنيا إشارة إلى قتله حدًا، يقول المراغي عند تفسيره لقوله تعالى: {فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}: "ويخسر الدنيا والآخرة، أما خسارة الدنيا فلما يفوته من فوائد الإسلام العاجلة؛ إذ يقتل عند الظفر به.."(84).

وكذلك قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران:85-86].

فقوله تعالى: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}، أي في الدنيا، أي: لا يترك وردته؛ بل يقتل حدًا، وقد نقل ابن حجر العسقلاني قول بعض الشافعية: "يؤخذ منه(85) أنه لا يقر على ذلك"(86)، أي على ردته.

وقد نزلت هذه الآية فيمن ارتد عن دينه، بدليل سبب نزولها: قال مجاهد والسدي: "نزلت هذه الآية في الحارث بن سويد، أخو الجلاس بن سويد رضي الله عنه، وكان من الأنصار، ارتد عن الإسلام هو واثنا عشر معه، ولحقوا بمكة كفارًا، فنزلت هذه الآية، ثم أرسل إلى أخيه يطلب التوبة"(87).

كذلك استدل الشافعي على حد الردة بقول الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217](88).

الثاني: على فرض التسليم بأن حد الردة لم يرد في القرآن فقد ورد في السنة، والسنة هي المصدر الثاني للتشريع، وقد أمر القرآن نفسه باتباع السنة مرارًا فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وقال عز من قائل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التفريق بين القرآن والسنة، فعن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه"(89).

ولفظ الترمذي: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه! وإن ما حرَّم رسول الله كما حرم اللهوقد ورد الأمر بقتل المرتد في السنة مرارًا كما سيأتي.

ولا يخفى أن السنة تستقل بالتشريع؛ فأين في القرآن عدد ركعات الصلوات، وكيفيتها، وما يقال فيها؟! وأين في القرآن نصاب الزكاة، ومقدار ما يخرج؟! وأين في القرآن مناسك الحج والعمرة؟!.. فقد استقلت السنة بتشريع كل هذا، وغيره كثير(90)

الثالث: ليس من مذهب أهل السنة التفريق في الاستدلال بين أحاديث الآحاد وغيرها، بل كل ما صح من حديث عن رسول الله فهو حجة ويعمل به، سواء في العقائد أو في الأحكام، وهذا مذهب السلف قاطبة، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما خالفهم الأشاعرة، وبعض القرق الضالة.

وقد نص على ذلك الأئمة الأربعة والعلماء من أهل السنة والجماعة، فلينظر ذلك في كتبهم ومدوناتهم.

الشبهة السابعة:

قولهم: إن حد الردة في الإسلام ليس على سبيل التشريع كبقية الحدود، وإنما كان سياسة من النبي صلى الله عليه وسلم, وحيث إن هذا الكلام يخالف ما يتبادر إلى الذهن مما هو مفهوم من النصوص النبوية ومذاهب الفقهاء الأربعة وغيرهم.

الرد:

 أنه لا يخفى على طويلب علم فضلا عن عالم أو راسخ في العلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، لا يمكن حمله على إلا على التشريع. والحديث متفق على صحته، وكذلك على معناه عند العلماء.

 وقوله: "المُفَارِقُ للجَمَاعَةِ" هذا عطف بيان، يعني أن التارك لدينه مفارق للجماعة خارج عنها، أو المفارق لجماعة المسلمين بترك دينه، فهي صفة موضحة ومؤكدة؛ لأن من ترك دين الإسلام، لم يعد يتقيد بشيء مما عليه جماعة المسلمين.

ثم إننا نقول لهؤلاء المخالفين: كيف توصلتم لهذا الفهم السقيم؟ وما منهجكم في الاستدلال؟ وما تاريخكم في الدعوة؟ وكيف تتجرؤون على لي النصوص النبوية وتحريفها؟ وكيف تخالفون إجماع صحابة رسول؟

ثم هل من قائل بقولكم هذا بين علماء المسلمين؟ وهل غاب عن كافة أهل العلم قاطبة ما لم يغب عنكم؟ هل فهمتم من النصوص مالم يفهمه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من الأعلام، من السلف والخلف على مر العصور؟

الشبهة الثامنة: اقتران الردة، التي عقوبتها القتل، بالانضمام إلى العدو ومحاربة المسلمين، فليس القتل على مجرد الردة، بل على المرتد المحارب للإسلام والمسلمين.

فعن ابن عباس قال: "أُسرِيَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره، وبعلامة بيت المقدس، وبِعيرهم، فقال ناس: نحن لا نصدق محمدًا، فارتدوا كفارًا، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل"(91)؛ أي أنهم لما ارتدوا حاربوا ضد المسلمين في بدر فقُتلوا.

وهذا لما ارتد لحق بالمشركين، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل نصرانيًا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيًا، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه(92).

وجه الاستدلال: أن عقوبة القتل للمرتد إنما كانت على الردة وما كان ينضم إليها، في ذلك العصر، من لحوق بالعدو وقتال للمسلمين، وليس على الردة وحدها.

أما فكرة الارتداد كنوع من ممارسة حرية العقيدة فلم تكن واردة وقتها، فيجب الاقتصار في إنزال العقوبة على المرتد المحارب أو الخائن لبلاده(93).

والجواب على ذلك:

الأول: الحكم بالقتل إنما هو على الردة وحدها لا على مجموع عدة أمور؛ لأن الوعيد والأمر بالقتل جاء على مجرد الردة؛ من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث: أن يزني بعدما أحصن، أو يَقتل إنسانًا فيُقتل، أو يكفر بعد إسلامه فيقتل"(94).

قال ابن تيمية: "فإن مجرد الخروج من الدين يوجب القتل؛ وإن لم يفارق جماعة الناس"(95).

وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعضًا من المرتدين يوم فتح مكة وبعده، كابن خطل، مع أنهم كانوا مستضعفين لا ضرر منهم.

الثاني: أنه من لوازم الارتداد عن الدين الإتيان بما يصادمه، ونصرة الدين الجديد الذي تحول إليه على حساب الدين القديم الذي تركه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73]، وقال تعالى: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الجاثية:19].

الثالث: أن هذا لازم أيضًا في عصرنا، وإن اختلفت صورته؛ فنرى من ارتدوا في زماننا وقد مجَّدوهم، وأخرجوهم على الفضائيات، يشرحون أسباب ارتدادهم عن الإسلام، وما وجدوا فيه من نقائص!.. وحتى إن لم يحدث هذا، فكفى إشاعة أن فلانًا قد ارتد عن الإسلام لتكون فتنة بين المؤمنين، فيمكننا القول بأن مجرد الردة هي عدوان على الإسلام وأهله.

الشبهة التاسعة: قتل المرتد لمجرد ردته يتعارض، تعارضًا بينًا، مع المقرر في الشريعة من أن العقوبات في الإسلام، سواء كانت حدودًا أو تعزيرات، مكفرات للذنوب؛ لأن قتل المرتد لا يُكفِّر كفره، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48].

والدليل على كون العقوبات مكفرات للذنوب حديث عبادة بن الصامت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه"، فبايعناه على ذلك(96).

والجواب على ذلك:

أنه بردته قد صار كافرًا، وإنما كون الحدود كفارة للذنوب خاص بالمسلم دون الكافر، بدليل الآية التي احتججتم بها، فهي دليل عليكم، فمقتضاها أن العقوبات تكفر الذنوب إلا الإشراك بالله، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها"(97).

ولا تكفير لكافر؛ لذا خص الله المسلمين بتكفير الذنوب، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"(98).

ولفظ مسلم: "ما يصيب المؤمنفإنما التكفير للمسلم المؤمن لا سواه.

ثم إنه يستتاب قبل قتله، ويبين له ما اشتبه عليه، ويمهل مدة ليراجع نفسه، فإذا قُتِل فقد قتل على بصيرة من أمره؛ أنه يموت كافرًا، وأن قتله ليس بكفارة له.

الشبهة العاشرة: عن أنس بن مالك قال: ارتد ستة نفر من بكر بن وائل يوم تستر، فقدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسألني، فقال: ما فعل النفر؟ فأخذت في حديث غيره، ثم قال: ما فعل النفر؟ قلت: قُتِلوا, قال: لأن أكون أدركتهم كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس, قال: قلت له: وما سبيلهم إلا القتل؟ قال: كنت أعرض عليهم الدخول من الباب الذي خرجوا منه، فإن فعلوا وإلا استودعتهم السجن(99).

والجواب على ذلك:

الأول: أن ذلك قد حدث في حالة حرب وسفر، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم إقامة الحدود في الحرب والسفر، فعن جنادة بن أبي أمية قال: كنا مع بسر بن أرطاة في البحر، فأتي بسارق يقال له: مصدر، قد سرق بختية، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقطع الأيدي في السفر"، ولولا ذلك لقطعته(100).

وعند الترمذي: "لا تقطع الأيدي في الغزو"(101).

الثاني: هذا معارض بما روي عن عمر أيضًا أنه قال باستتابتهم ثلاثًا، فعن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قِبَل أبي موسى، فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال: هلا حبستموه ثلاثًا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني(102).

الثالث: إنما فيه مجرد وضعهم في السجن مدة أطول، قد رآها عمر طمعًا في إسلامهم، وليس فيه دليل على عدم قتلهم بعدها.

الشبهة الحادية عشرة: ويذكرها من يفرق بين المرتد الذي لا يخشى منه خطر، وبين المرتد الذي يخشى خطره:

 فيقولون: إن مَن تحول مِن الإسلام إلى غيره ولم يتعد ذلك فهذا الذي ينطبق عليه مبدأ حرية العقيدة في أن يؤمن أو يكفر، أما من تعدى ذلك إلى تشكيك المسلمين في دينهم، وتفكيك تماسك المجتمع الإسلامي، وصار يدعو إلى الردة ونبذ الإسلام، حتى أصبح داءً ينخر في عظام المجتمع، وخطرًا يهدد استقراره، ويدعو إلى محاربة ثوابته، وزعزعة أصوله، فقد خرج عن دائرة حرية العقيدة إلى دائرة البغي والإفساد في الأرض، ومحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة:33].

والجواب على ذلك: لا وجه للتفرقة التي ذكرتم؛ فجريمة الردة، وإن لم تقترن بغيرها، تعتبر عدوانًا على المجتمع، وزلزلة لاستقراره، وزعزعة لكيانه، ودعوة، ولو صامتة، إلى ترك الإسلام إلى الكفر.

ومن تعدى وبغى وظلم وتجاوز وأفسد في الأرض، وحارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فله حد آخر هو حد الحرابة، ودليله الآية التي ذكرتم، ويطبق عليه وإن لم يرتد؛ فلا علاقة له بالردة من عدمها.

ومن ارتد، ولو لم يفسد في الأرض، فله حد مغاير هو حد الردة، فهما حدان مختلفان من حدود الله عز وجل، لكل منهما مجاله وضوابطه، وكل منهما يترتب على جريمة مغايرة للجريمة التي يترتب عليها الآخر.

الشبهة الثانية عشرة:

قالوا: الدنيا ليست دار الجزاء على الكفر، وإنما الجزاء على الكفر في الآخرة، وإنما يقاتَل من يقاتِل فقط لدفع أذاه.

والجواب على ذلك:

بل قدَّر الله عز وجل عقوبات متعددة لجرائم متعددة، فجعل للزنا عقوبة، وللقتل عقوبة، وللسرقة عقوبة.. كما جعل عز وجل للردة عقوبة هي القتل حدًا، كما بيناها في أدلتنا.

وكيف يكون لذنوب: كالزنى، والقتل، والسرقة عقوبات دنيوية، ثم لا يكون للذنب الأعظم عقوبة دنيوية؟!

وهل تنزل العقوبات العامة في الدنيا إلا بسبب الكفر؛ قال تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:16-17].

الشبهة الثالثة عشرة:

قالوا: ربما كانت ردة المرتد لشبهة وردت عليه، فتُوَضح له وينتظر به حتى يرجع ولا يقتل؛ لأنه لا يُدرَى متى يرجع، وقد قال الله تعالى عن الكافر الأصلي: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة:6].

والجواب على ذلك:

قياسكم على الكافر قياس مع الفارق؛ فالمرتد عاش زمانًا في الإسلام(A1) ، وعرف أحكامه بعد أن دخله مختارًا، أما الكافر الأصلي فلعله لا يعلم عنه شيئًا، بدليل ذيل الآية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}.

أما تقدير مدة استتابته فقد اختلف فيها، والأمر فيها واسع؛ فيُنتظر به مدة كافية لزوال شبهته، لكن لا يكون ذلك طوال عمره؛ لأن ذلك معناه عدم قتله أبدًا، وتعطيل حد الردة بالكلية! وهذا عندنا لا يجوز؛ لأن قتله واجب.

قال ابن قدامة: "وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك، فكان إجماعًا"(103).

الشبهة الرابعة عشرة:

قالوا: لم يرد في الشريعة ما يحدد مدة الاستتابة، فوجب أن يستتاب حتى يموت.

والجواب على ذلك:

بلى، قد ورد في الشرع ما يوجب قتل المرتد، وقولكم باستتابته حتى موته إلغاء لهذه العقوبة المقدرة في الشرع.

ثم إنه قد ثبت عن عمر وعلي، وغيرهما من الصحابة ومَن بعدهم، تحديد ذلك بثلاثة أيام، قال ابن قدامة: "لا يقتل حتى يستتاب ثلاثًا، هذا قول أكثر أهل العلم؛ منهم عمر، وعلي، وعطاء، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وهو أحد قولي الشافعي"(104).

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ"(105)، وهذان اثنان من الخلفاء الراشدين يقولان بذلك.

الشبهة الخامسة عشرة:

قالوا: إن كان دينكم هو الحق، ومن عرفه لا يسعه إلا اتباعه، ولا إكراه فيه؛ بل ويكفل حرية الاعتقاد، وربكم غني عن إسلام هذا أو ذاك، فلم تقتلون من تركه إلى غيره؟!!

الجواب على ذلك:

أولًا: إننا عبيد نطيع أمر ربنا سبحانه وتعالى، وأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقد أُمرنا بقتل المرتد، فما لنا من خيار في تنفيذ أمر الخالق الجبار: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].

ثانيًا: نعم، ربنا غني عن العالمين: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:268]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].

ومن أسلم وآمن واهتدي فلنفسه هو: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الزمر:41]، {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6].

ولكننا أُمِرنا ألا نوقع مسلمًا في فتنة؛ بأن يدخل من هو كافر القلب فيتظاهر بالإيمان، ثم ينكص على عقبيه، فتكون فتنة قد يقع فيها ضعفاء من المسلمين، فأُمرنا برفع تلك الفتنة عنهم.

ثالثًا: هل ترضون أنتم بخروج خارج على أنظمتكم، وخيانة قوانينكم ومواثيقكم؟ إجابة غير المجادلين منكم هي: لا.

نقول: فكيف تريدوننا نحن أن نرضى بمن يخون ديننا، وهو أشرف وأسمى مما به تتمسكون؟!!

رابعًا: حد الردة لا ينافي حرية الاعتقاد؛ فلا إكراه في الدين ابتداءً عند الدخول فيه، ولكن إذا دخل مختارًا بلا إكراه فليس له الخروج منه.

ردة المرأة: هل المرأة والرجل في أمر الردة سواء؟

اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:

الرأي الأول: لا تقتل المرتدة؛ بل تستتاب، فإن لم تتب حُبست أو أجبرت على الإسلام، فإن ضَرَبها الإمام وضيق عليها الحبس فحسن، فإما أن تعود إلى الإسلام أو تموت، ولا تقتل على حال، لكن إذا لحقت بدار الحرب سبيت واسترقت(106).

وهو قول الحنفية(107)، والثوري، وابن شبرمة، والحسن(108)، وروي هذا القول عن ابن عباس(109)، وعن علي رضي الله عنهما(110).

واستدلوا بما يلي:

1- أن بني حنيفة لما ارتدوا استرق أبو بكر رضي الله عنه نساءهم، ولم يقتلهن، وأصاب علي رضي الله عنه جارية من ذلك السبي، فولدت له محمد بن الحنفية رحمهما الله تعالى.

نوقش: لم يثبت أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا، ولا ثبت لهم حكم الردة(111).

2- ما جاء عن ابن عباس قال: "لا تقتل النساء إذا ارتددن عن الإسلام، ولكن يحبسن، ويدعين إلى الإسلام، ويجبرن عليه"(112).

وعن الحسن قال: "لا تقتل النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام، ولكن يدعين إلى الإسلام، فإن هن أبين سبين وجعلن إماء للمسلمين ولا يقتلن"(113)، كذلك فهو قول علي بن أبي طالب.

نوقش: أما "حديث ابن عباس فإنما رواه أبو حنيفة عن عاصم، وقد قال أحمد بن حنبل: لم يروه الثقات من أصحاب عاصم؛ كشعبة وابن عيينة وحماد بن زيد، وإنما رواه الثوري عن أبي حنيفة، وقد قال أبو بكر بن عياش: قلت لأبي حنيفة: هذا الذي قاله ابن عباس إنما قاله فيمن أتى بهيمة أنه لا قتل عليه، لا في المرتدة، فتشكك فيه وتلون.. فدل أنه خطأ"(114).

ولو صح لكان لقول ابن عباس معارض؛ لأن أبا بكر الصديق مخالف له.

وأما ما روي أنه قول علي فهو ضعيف، قال ابن قدامة: "فإن قيل: فقد روي عن عليٍّ أن المرتدة تسبى، قلنا: هذا الحديث ضعيف، ضعفه أحمد"(115).

وأما قول الحسن، فقد اختلف النقل عنه؛ فقد نقل عنه الماوردي في الحاوي الكبير، وغيره، أنه قال بقتل المرتدة(116).

3- الأحاديث الناهية عن قتل النساء في الحرب؛ فعن رباح بن الربيع، أخي حنظلة الكاتب، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها، وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة، مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، ويتعجبون من خلقها، حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم: "الْحَقْ خالدًا فقل له: لا تقتلوا ذريةً، ولا عسيفًا"(117).

وعن نافع أن عبد الله رضي الله عنه أخبره: أن امرأة وُجِدَت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان(118).

نوقش: قياس المرتدة على الحربية قياس مع الفارق؛ "فالفرق بينهما أن الحربية إنما لم تُقتل إذ لم تقاتل؛ لأن الغنيمة تتوفر بترك قتلها؛ لأنها تُسبى وتُسترق، والمرتدة لا تسبى ولا تسترق، فليس فى استبقائها غُنْم"(119).

قال ابن قدامة: "وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة، فالمراد به الأصلية؛ فإنه قال ذلك حين رأى امرأة مقتولة، وكانت كافرة أصلية، ولذلك نهى الذين بعثهم إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء، ولم يكن فيهم مرتد.

ويخالف الكفر الأصلي الطارئ؛ بدليل أن الرجل يقر عليه، ولا يقتل أهل الصوامع والشيوخ والمكافيف، ولا تجبر المرأة على تركه بضرب ولا حبس، والكفر الطارئ بخلافه"(120).

4ـ واستدلوا من المعقول، على عدم قتل المرأة إذا ارتدت، أن القتل إنما شرع وسيلة إلى الإسلام بالدعوة إليه بأعلى الطريقين، عند وقوع اليأس عن إجابتها بأدناهما، وهو دعوة اللسان بالاستتابة، بإظهار محاسن الإسلام، والنساء أتباع الرجال في إجابة هذه الدعوة في العادة، فإنهن في العادات الجارية يسلمن بإسلام أزواجهن، على ما روي أن رجلًا أسلم وكانت تحته خمس نسوة فأسلمن معه، وإذا كان كذلك فلا يقع شرع القتل في حقها وسيلة إلى الإسلام، فلا يفيد؛ ولهذا لم تقتل الحربية، بخلاف الرجل؛ فإن الرجل لا يتبع رأي غيره، خصوصًا في أمر الدين؛ بل يتبع رأي نفسه، فكان رجاء الإسلام منه ثابتًا، فكان شرع القتل مفيدًا، فهو الفرق"(121).

الرأي الثاني: تقتل المرأة المرتدة كما يقتل الرجل، وهو قول الجمهور.

فأما المالكية(122): فيقول ابن رشد القرطبي: "والصحيح أنها تقتل إن لم تسلم؛ لأن قول النبي  عليه السلام: "من غيَّر دينه فاقتلوه"، عام يتناول الرجال والنساء، وقد روي عنه عليه السلام الاستتابة في امرأة ارتدت"(123).

وقال ابن القاسم: "إن قتل المرتد أو المرتدة لم ينفذ بيعهما في زمن الردة ولا شراؤهما؛ لأن نفوذ التصرف إنما هو لتحصيل مصالح الحياة، والمرتد مراق الدم، ويوقف مالهما ويطعمان منه"(124)، وقال أيضًا: "يسترضع لولد المرتدة من بيت المال وتقتل".(125)

وقال القرافي: "وافقنا الشافعي وأحمد على قتل المرتدة"(126).

وأما الشافعية: فقال الإمام الشافعي في المرتدين: "فإن لم يتب قُتل، امرأة كانت أو رجلًا، عبدًا كان أو حرًا"(127).

وعلق الماوردي قائلًا: "وهذا كما قال؛ يستوي في القتل بالردة الحر والعبد، والرجل والمرأة، وتقتل المرتدة كما يقتل المرتد".

وبه قال من الصحابة: أبو بكر، وعلي، ومن التابعين: الحسن، والزهري، ومن الفقهاء: مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق(128).

وأما الحنابلة: فقال أحمد: "المرتد يستتاب ثلاثًا، والمرأة المرتدة تستتاب ثلاثًا، والزنديق لا يستتاب"(129).

وقال ابن قدامة: "وتقتل المرتدة للخبر، ولأنها بدلت دين الحق بالباطل، فتقتل كالرجل"(130).

أدلتهم:

1- عموم الأدلة القاضية بقتل من ارتد، وعدم تفريقها بين رجل وامرأة، فقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"، عام؛ فلفظ (مَن) يصلح للذكر والأنثى، فهو عموم يدخل فيه الرجال والنساء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخص امرأة من رجل.

قال ابن المنذر: "وإذا كان الكفر من أعظم الذنوب، وأجل جُرم اجترمه المسلمون من الرجال والنساء، ولله أحكام فى كتابه، وحدود دون الكفر ألزمها عباده، منها: الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وحد القذف، والقصاص، وكانت الأحكام والحدود التي هي دون الارتداد لازمة للرجال والنساء مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه فكيف يجوز أن يفرق أحد بين أعظم الذنوب فيطرحه عن النساء ويلزمهن ما دون ذلك؟! هذا غلط بَيِّن"(131).

نوقش: ابن عباس هو من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بدل دينه فاقتلوه"، ثم إن ابن عباس لم يقتل المرتدة، ومن روى حديثًا كان أعلم بتأويله(132).

أجيب: الحجة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم المنقول، لا في فعل الراوي الناقل وفهمه، فالعبرة بما نقله لا بما فهمه، وقد وردت أحاديث عديدة عامة في إيجاب حد الردة غير هذا الحديث.

2- عن جابر أن امرأة يقال لها: أم مروان، ارتدت عن الإسلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام، فإن رجعت وإلا قتلت(133).

نوقش: أن الحديث ضعيف؛ ففي سنده: معمر بن بكار السعدي، أورده ابن أبى حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا, وذكره العقيلي في "الضعفاء", وقال: "فى حديثه وهم, ولا يتابع على أكثره"(134).

3- أنه ليس من روح الشريعة التفريق بين الرجل والمرأة في العقوبات؛ فكلاهما تقطع يده إذا سرق، ويرجم أو يجلد إذا زنى، ويقتص منه إذا قتل...

4- لا دليل على التفريق بينهما في حد الردة، فلا يزال على الأصل في عدم التفريق إلا لدليل، ولا دليل.

5- أنه يحدث بردة المرأة من المفاسد ما يحصل بردة الرجل؛ بل ربما أشد.

وحكى ابن بطال الخلاف قائلًا: "واختلفوا في استتابة المرتدة، فرُوي عن علي بن أبي طالب أنها لا تستتاب وتسترق، وبه قال عطاء وقتادة.

وروى الثوري عن بعض أصحابه، عن عاصم بن بهدلة، عن أبى رزين، عن ابن عباس قال: "لا تقتل النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام، ولكن يحبسن ويجبرن عليه".

ولم يقل بهذا جمهور العلماء، وقالوا: لا فرق بين استتابة المرتد والمرتدة، وروي عن أبى بكر الصديق مثله.

وشذ أبو حنيفة وأصحابه؛ فقالوا بما روي عن ابن عباس فى ذلك"(135).

ورجح القرطبي قائلًا: "واحتج الأولون بقوله عليه السلام: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان.."(136)، فعمَّ كل من كفر بعد إيمانه، وهو أصح"(137).

وهذا هو القول الراجح؛ لعموم أدلة قتل مَن ارتد، بلا تفريق بين رجل وامرأة، والقاعدة أن ما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة، إلا إذا دل دليل على المخالفة بينهما فيه، ولم يرد ما يفيد ذلك؛ بل ورد الدليل على العكس؛ فكما سوى الله تعالى بين الرجل والمرأة في ثواب الإيمان والعمل الصالح وثمرته؛ {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء:124]، فكذلك يسوي عز وجل بينهما في عقوبة ترك الإيمان بالردة. 

كذلك فإن أدلة من قال بعدم قتل المرتدة لا تستقيم ولا تسلم لهم، وقد نوقشت بما يخليها من الدلالة على ما ادعوه.

وهذا الإمام الشافعي قد ناقش ما ذهب إليه الحنفية، من عدم قتل المرتدة، بطريق السؤال والجواب، فقال في كتابه الأم: "استدل من ذهب إلى عدم قتل المرأة المرتدة بالقياس على السنة؛ لِمَا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء من أهل دار الحرب، كان النساء ممن ثبتت لهن حرمة الإسلام أولى، عندي، ألا يقتلن.

وقلتُ له: أو جعلتهن قياسًا على أهل دار الحرب لأن الشرك جمعهن؟ قال: لا، قلتُ: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما زعمت، عن قتل الشيخ الفاني والأجير، مع نهيه عن قتل النساء؟ فإن قلتَ: نعم، قلتُ: أفرأيت شيخًا فانيًا وأجيرًا ارتدا، أتقتلهما أم تدعهما لعِلَّتك بالقياس على أهل دار الحرب؟ فقال: بل أقتلهما، قلتُ: فرجل ارتد فترهَّب، قال: فأقتله، قلتُ: وأنت لا تقتل الرهبان من أهل دار الحرب...، أرأيت إذا كان حكم المرتدة عندك أن لا تقتل، كيف حبستها وأنت لا تحبس الحربية، إنما تسبيها وتأخذ مالها؟...، وقلت له: هل تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" تكون مبدلة دينها فتقتل؟ أَوْ يكون هذا على الرجل دونها، فمن أمرك بحبسها؟ وهل أمرك بحبسها؟ وهل رأيت حبسًا قط هكذا؟ إنما الحبس ليبين لك الحد فقد بان لك كفرها، فإن كان عليها قتل قتلتها، وإن لم يكن فالحبس لها ظلم"(138).

كيف يثبت حد الردة شرعاً؟

يثبت حد الردة بالإقرار أو بالشهادة، فإذا أقر المرتد أنه قال أو فعل أو اعتقد ما يوجب الردة، واعترف به فإنه يكون مرتداً.

 والطريق الثاني لإثبات الردة: الشهادة: أن يشهد شاهدان مسلمان ثقتان عدلان قد زكاهما المزكون ولم يعرفا بأي فسق ظاهر أن هذا الإنسان قد قال كلمة الكفر، أو فعل ما يوجبه، فعند ذلك تثبت الردة عليه.

 وإذا ثبتت الردة بالإقرار أو بالشهادة، يؤتى بهذا المرتد ويستتاب، فإن أنكر المرتد ما شهد به عليه فإنه لا ينفعه إنكاره إذا كانت الشهادة من ثقتين مسلمين عدلين، فإذا أراد أن ينقذ نفسه فلا بد أن يأتي بما يصير به الكافر مسلماً عند جمهور العلماء، من النطق بالشهادتين والرجوع عما كان سببا في ردته، فيقول مثلا: إنني أقر بأن الطلب أن أكون مسيحياً نصرانياً أنه كفر، وأنني أبرأ إلى الله من النكتة التي قيلت عني، وأعتقد أن قول النكت التي فيها استهزاء بالدين أو بالله أو برسوله أنها كفر، وإنني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فعند ذلك ينفعه قوله في حماية دمه ونفسه من السيف(139).

هذا، وليكن معلوما أن كفر المرتد لا يتوقف على إصدار حكم من القضاء الشرعي، ولم يقل أحد من أهل العلم بهذا، فمن ارتد بسبب من الأسباب، أو ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، عالما مختارا غير متأوِّلٍ، فإنه يُفتى بكفره وردته عن الإسلام وإن لم يصدر حكم عليه من القضاء الشرعي بذلك، وإنما يختص القضاء الشرعي باستتابته، وإقامة الحد عليه.

فإن قتله أحد، قبل إقامة الحد عليه، فدمه هدر، لأنه قد حل دمه بحكم الشارع، وإنما يعزر لافتياته على ولي الأمر، إن كان مقيما لحدود الله، وسواء كان قاتله عالما بردته أو غير عالم، قتله لردته أو لغير ذلك.

  استتابة المرتد قبل قتله:

إذا ثبت يقينا أن المرتد يقتل حدًا، فهل يستتاب قبل قتله؟ وإن استتيب فما مدة ذلك؟ وهل ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟

لخص ابن كثير الأمر فقال: "مذهب سفيان الثوري، ومن وافقه، أن المرتد يستتاب وينظر ما رُجِيت توبته، وهو معنى قول إبراهيم النخعي.

وذهب طاوس وعبيد بن عمير إلى أنه يقتل ولا يستتاب؛ لقوله عليه السلام: "من بدل دينه فاقتلوه"، ولأن أمره أغلظ من كفر الأسير الحربي، فإذا قتل هذا بلا استتابة فالمرتد أولى.

وقال الحنفية: الاستتابة مستحبة، لكنه إن لم يتب فى الحال قتل، إلا أن يسأل الانتظار فينتظر ثلاثة أيام، وهذا قول للإمام الشافعي؛ أن الاستتابة مستحبة، وعنه قول آخر أنها واجبة، لكنه يقتل فى الحال إن لم يتب، فى قول، وهو اختيار المزني وابن المنذر، والقول الآخر: تجب الاستتابة، ويؤجل ثلاثة أيام، وهو مذهب مالك وأحمد.

وقال الزهري وابن القاسم: يستتاب ثلاث مرات، فهذه كافة أقوال الأئمة فى المرتد"(140).

وأستدل ابن حزم لكل رأي مما سبق قائلًا: "وأما من قال: يستتاب ثلاث مرات؛ فلما روينا من طريق عبد الرزاق... عن عثمان بن عفان: أنه كفر إنسان بعد إيمانه، فدعاه إلى الإسلام ثلاثًا، فأبى، فقتله.

وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني حيان عن ابن شهاب أنه قال: إذا أشرك المسلم دُعِي إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبى ضربت عنقه.

وأما من قال: يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل: فهو قول مالك وأصحابه، وأحد قولي الشافعي.

وأما من قال: يستتاب مرة، فإن تاب وإلا قتل: فهو قول الحسن بن حي.

وأما من قال: يستتاب شهرًا: فكما روينا من طريق عبد الرزاق... أن عليًا استتاب رجلًا كفر بعد إسلامه شهرًا؟ فأبى، فقتله، وقد روي هذا عن مالك، وعن بعض أهل مذهبه.

وأما من قال: يستتاب شهرين: فكما روينا من طريق عبد الرزاق... عن أبي بردة قال: "قدم على أبي موسى الأشعري معاذ بن جبل من اليمن، وإذا برجل عنده، فقال: ما هذا؟ فقال رجل كان يهوديًا فأسلم، ثم تهود ونحن نريده على الإسلام، منذ، أحسبه قال، شهرين، قال معاذ: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه، فضربت عنقه، ثم قال معاذ: "قضاء الله ورسوله".

وأما من قال: يستتاب أبدًا دون قتل: فلِمَا أخبرنا عبد الله بن ربيع.. عن أنس بن مالك: أن أبا موسى الأشعري قتل جُحَيْنَةَ الكذاب وأصحابه، قال أنس: فقدمت على عمر ابن الخطاب فقال: ما فعل جحينة وأصحابه؟ قال: فتغافلت عنه ثلاث مرات، فقلت: يا أمير المؤمنين، وهل كان سبيل إلا القتل؟ فقال عمر: لو أتيت بهم لعرضتُ عليهم الإسلام، فإن تابوا وإلا استودعتُهم السجن.

وروينا من طريق عبد الرزاق...، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد القاري عن أبيه قال: قدم مجزأة بن ثور، أو شقيق بن ثور، على عمر يبشره بفتح تستر، فقال له عمر: هل كانت مُغْرِبَةٌ يخبرنا بها؟ قال: لا، إلا أن رجلًا من العرب ارتد فضربنا عنقه، قال عمر: ويحكم، فهلا طينتم عليه بابًا، وفتحتم له كوة فأطعمتموه كل يوم منها رغيفًا، وسقيتموه كوزًا من ماء ثلاثة أيام، ثم عرضتم عليه الإسلام في الثالثة، فلعله أن يرجع، اللهم لم أحضر، ولم آمر، ولم أعلم.

وأما من قال: أربعين يومًا، فلما روينا... عن قتادة أن رجلًا يهوديًا أسلم ثم ارتد عن الإسلام، فحبسه أبو موسى الأشعري أربعين يومًا يدعوه إلى الإسلام، فأتاه معاذ بن جبل فرآه عنده فقال: لا أنزل حتى تضرب عنقه؟ فلم ينزل حتى ضربت عنقه"(141).

والحاصل: أن العلماء قد انقسموا إلى فريقين:

الفريق الأول: يرى عدم استتابة المرتد؛ بل يقتل دون استتابة، ومما استدلوا به:

1ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"، فلم يقل صلى الله عليه وسلم: "استتيبوه، فإن لم يتب فاقتلوه"؛ بل أمر بقتله مباشرة.

2ـ قياسًا على الأسير الحربي؛ فإنه يقتل بلا استتابة، فالمرتد أولى؛ لأن كفره أغلظ، و"الردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي لثلاثة معان:

أحدها: أنه لا يُقَر على ردته، وإن أُقِر الكافر على كفره.

والثاني: أنه بتقدم إسلامه قد أقر ببطلان الدين الذي ارتد إليه، ولم يكن من الكافر إقرار ببطلانه.

والثالث: أنه يفسد قلوب ضعفاء المسلمين، ويقوي نفوس المشركين"(142).

3ـ أن "النبي صلى الله عليه وسلم أهدر، يوم الفتح بمكة، دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ودم مقيس بن حبابة، ودم عبد الله بن خطل، وكانوا مرتدين ولم يستتبهم؛ بل قتل ذانك الرجلان(143)، وتوقف صلى الله عليه وسلم عن مبايعة ابن أبي سرح لعل بعض المسلمين يقتله، فعلم أن قتل المرتد جائز ما لم يسلم، وأنه لا يستتاب.

4ـ وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم عاقب العرنيين، الذين كانوا في اللقاح ثم ارتدوا عن الإسلام، بما أوجب موتهم، ولم يستتبهم.

5ـ ولأنه فعل شيئًا من الأسباب المبيحة للدم، فقتل قبل استتابته؛ كالكافر الأصلي، وكالزاني، وكقاطع الطريق، ونحوهم، فإن كل هؤلاء، من قبلت توبته ومن لم تقبل، يقتل قبل الاستتابة.

6ـ ولأن المرتد لو امتنع؛ بأن يلحق بدار الحرب، أو بأن يكون المرتدون ذوي شوكة يمتنعون بها عن حكم الإسلام، فإنه يقتل قبل الاستتابة"(145).

الفريق الثاني: يرى استتابة المرتد، وإن اختلفوا في مدة تلك الاستتابة على أقوال عديدة، ومن أدلتهم(A2) :

1ـ أنه فعل الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم:

(أ) فعن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه، فضربنا عنقه، فقال: هلا حبستموه ثلاثًا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه, لعله يتوب، أو يراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني(145).

(ب) عن قتادة أن رجلًا يهوديًا أسلم ثم ارتد عن الإسلام، فحبسه أبو موسى الأشعري أربعين يومًا يدعوه إلى الإسلام(146).

(ج) عن علي رضي الله عنه قال: يستتاب المرتد ثلاثًا، ثم قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء:137](147).

(د) عن عبد الكريم عمن سمع ابن عمر يقول: "يستتاب المرتد ثلاثًا، فإن تاب تُرك، وإن أبى قتل"(148).

(هـ) عن سليمان بن موسى عن عثمان قال: "يستتاب المرتد ثلاثًا".

(و) عن ابن جريج أن عمر بن عبد العزيز قال: "يستتاب المرتد ثلاثًا، فإن رجع وإلا قتل"(149).

2ـ قول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة:6].

وجه الاستدلال: أنه قد شرع مع الكافر الأصلي إجارته وتأمينه حتى تبلغه الحجة، ويتمكن من فهم البيان، فكذا يفعل مع المرتد.

نوقش: قياسكم على الكافر قياس مع الفارق؛ فالمرتد قد لامس بعض جمالات الإسلام، وقد دخله مختارًا، أما الكافر الأصلي فلعله لا يعلم عنه شيئًا بدليل ذيل الآية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}.

أجيب: ارتداده عن الإسلام بعد دخوله فيه، راغبًا راضيًا مختارًا، قرينة قوية أنه في حاجة إلى مزيد تعريف بالدين ومحاسنه وأحكامه، فلو عرفه ما تركه.

3ـ قول الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11].

وجه الاستدلال: حيث وجَّه الله تعالى إلى قبول توبة المشرك من شركه إذا هو تاب، فكذا تقبل توبة المرتد إذا تاب.

وقد نوقش هذا الدليل بما نوقش به الدليل السابق، وأجيب بما أجيب.

4ـ أن ارتداده غالبًا ما يكون لشبهة ملكت عليه قلبه، أو لشهوة غلبت عليه وأغرته بتحصيلها...، وهذا وذاك يحتاج إلى مهلة تفند فيها الشبهات، وتنقطع فيها الشهوات.

والذي يترجح عندنا: في هذه المسألة أن المرتد يستتاب قبل قتله - وجوبا أو استحبابا - فإن تاب تُرك، وإلا قُتل، وذلك لإجماع الصحابة على ذلك، إجماعًا سكوتيًا؛ "لأن عمر كتب في أمر المرتد: "هلا حبستموه ثلاثة أيام، وأطعمتموه في كل يوم رغيفًا لعله يتوب، فيتوب الله عليه".. ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة، كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه أي: إن لم يرجع"(150).

 أما بالنسبة لمدة الاستتابة؛ فإن للقاضي حرية تقدير المدة التي يظن أنها كافية لكل حالة من حالات الردة على حدة؛ فمن كانت ردته لشبهة طرأت عليه فربما لا تكفيه أيامًا ثلاثة ليقتنع ببطلانها، بعد أن انطلت عليه حتى جعلته يرتد.

وأما إن كانت ردته لا لشبهة، وغلب على ظن القاضي أنه لا منفعة من إمهاله طويلًا فله ذلك، بشرط أن يمهله ثلاثًا كما فعل عمر رضي الله عنه.

قال ابن قدامة عن المرتد: "لا يقتل حتى يستتاب ثلاثًا، هذا قول أكثر أهل العلم؛ منهم عمر، وعلي، وعطاء، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وهو أحد قولي الشافعي"(151).

هذا، وقد نقل الطحاوي في ذلك تفصيلًا جيدًا قائلًا: "إنما تجب الاستتابة لمن خرج عن الإسلام، لا عن بصيرة منه به، فأما من خرج منه إلى غيره على بصيرة، فإنه يقتل ولا يستتاب.

وهذا قول قال به أبو يوسف في كتاب الإملاء قال: "أقتله ولا أستتيبه, إلا أنه إن بدرني بالتوبة خليت سبيله، ووكلت أمره إلى الله"(152).

ومع ذلك، فلا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره ، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما ، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته ، بل يقتل ولو تاب ، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

قال رحمه الله:

الردة على قسمين : ردة مجردة ، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها ، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول – أي : الردة المجردة - ، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد ، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه ، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه ، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي ، فانقطع الإلحاق ، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين ....)(153).

والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة، قال القاضي عياض:

(وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهيــة والقول بالحلول ، وقوله : " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته)(154).

اختلاف النقل عن النخعي:

روى عنه البيهقي قائلًا: قال سفيان: وقال عمرو بن قيس: عن رجل عن إبراهيم أنه قال: "المرتد يستتاب أبدًا كلما رجع"(155).

ولكن روى ابن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في المرتد "يستتاب، فإن تاب تُرك، وإن أبى قُتل"(156).

وقد جزم ابن حجر رحمه الله أن الرواية المثبتة عنه، لقتل المرتد والمرتدة، أقوى من الرواية النافية عنه؛ بل ضعف الرواية النافية عنه.

قال رحمه الله: "وأخرج سعيد بن منصور عن هشيم عن عبيدة بن مغيث عن إبراهيم قال: إذا ارتد الرجل أو المرأة عن الإسلام استُتيبا، فإن تابا تُرِكا، وإن أبيا قُتِلا، وأخرج بن أبي شيبة عن حفص عن عبيدة عن إبراهيم: لا يقتل، والأول أقوى؛ فإن عبيدة ضعيف، وقد اختلف نقله عن إبراهيم"(157).

ولهذا يجب حمل ما روي عنه، من أن المرتد يستتاب أبدًا، أنه إذا تكررت منه الردة يستتاب في كل مرة، وليس المراد الاستمرار في استتابته من ردة واحدة طول حياته؛ لأن قوله: "يستتاب أبدًا" مجمل، والرواية السابقة التي رجحها ابن حجر مُبَيِّنة، ومعروف أن المجمل يحمل على المبين(158).

ويؤيد هذا المعنى ما رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن قيس، عمن سمع إبراهيم يقول: "يستتاب المرتد كلما ارتد"(159).

ونقد ابن قدامة رأي النخعي الأول، عند البيهقي، قائلًا: "وهذا يفضي إلى أن لا يُقتل أبدًا، وهو مخالف للسنة والإجماع"(160).

متي لا يطبق حد الردة؟

إذا ثبتت جريمة الارتداد عن الإسلام على رجل أو امرأة مكتملة الأركان، واضحة المعالم، ظاهرة بينة، وكشفنا له بطلان كل شبهة قد تكون اعترته، وأمهلناه مدة يراجع فيها رشده فلم يفعل، فإنه لا يبقى عندها إلا إقامة الحد عليه.

لكن، مع هذا، هناك حالات لا يقام فيها حد الردة، أو اختلف في إقامة الحد فيها، والأكثر من الفقهاء على عدم إقامته، وهو الأرجح من أقوالهم، ومن هذه الحالات:

1ـ الحرب والسفر: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "لا تقام الحدود في دار الحرب؛ مخافة أن يلحق أهلها بالعدو"(161).

وقد تقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطع الأيدي في السفر"(162)، وعند الترمذي: "لا تقطع الأيدي في الغزو"(163).

وبه قال الحنفية: "ومن زنى في دار الحرب أو في دار البغي ثم خرج إلينا لا يقام عليه الحد، وعند الشافعي رحمه الله يحد؛ لأنه التزم بإسلامه أحكامه أينما كان مقامه، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "لا تقام الحدود في دار الحرب"(164).

ولأن المقصود هو الانزجار، وولاية الإمام منقطعة فيهما، فيعرى الوجوب عن الفائدة، ولا تقام بعد ما خرج؛ لأنها لم تنعقد موجبة فلا تنقلب موجبة"(165).

2- من ثبت له حكم الإسلام بالدار أو بأحد أبويه ثم ارتد(166): وذلك عند الحنفية والشافعية.

لأن الردة إنما هي كفر المسلم الذي نطق بالشهادتين مختارًا بعد البلوغ.

قال الكرابيسي الحنفي: "الصبي إذا أسلم ثم ارتد لم يقتل، وكذلك من ثبت له حكم الإسلام بالدار أو بأحد أبويه ثم ارتد لم يقتل، وحبس حتى يعود إلى الإسلام، ومن كان بالغًا فأسلم بنفسه ثم ارتد قتل.

وجه الفرق: أن من صار مسلمًا بإسلام أبويه أو بالدار لم يلتزم حكم الإسلام بنفسه، فلم يكن بالردة مناقضًا ما أوجبه بعقده، فجاز ألا تتوجه العقوبة عليه، وكذلك الصبي إذا أسلم فقد التزم حكم الإسلام، إلا أن ضمانه لا يصح، فلو قتلناه لوجهنا العقوبة عليه بعقده، وضمان العقود لا يلزمه، فلا يقتل.

وأما البالغ فقد التزم حكم الإسلام، وبردته صار مناقضًا ما أوجبه بعقده، فجاز أن يعاقب عليه بالقتل.

ولأن إسلام هؤلاء إسلام ضعيف، ألا ترى أنهم لا يثابون على ذلك، وكذلك إسلام الصبي بنفسه إسلام ضعيف؛ لأنه مختلف في جوازه وصحته، فصار ضعف إسلامهم شبهة، والقتل يسقط بالشبهة، وأما البالغ فإسلامه بنفسه قوي، بدليل أنه يستحق الثواب بذلك، والردة توجب القتل، ولم توجد شبهة تسقط عنه القتل، فوجب أن يقتل"(167).

وقال الكاساني الحنفي: "صبي أبواه مسلمان، حتى حكم بإسلامه تبعًا لأبويه، فبلغ كافرًا، ولم يُسمَع منه إقرارٌ باللسان بعد البلوغ، لا يقتل؛ لانعدام الردة منه؛ إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق، ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ أصلًا؛ لانعدام دليله، وهو الإقرار...، ولكنه يحبس؛ لأنه كان له حكم الإسلام قبل البلوغ، ألا ترى أنه حُكِم بإسلامه بطريق التبعية"(168).

ثم قال في موضع آخر: "وكذلك الكافر إذا أسلم، وله أولاد صغار حتى حكم بإسلامهم تبعًا لأبيهم، فبلغوا كفارًا، يجبرون على الإسلام ولا يقتلون؛ لأنه لم يوجد منهم الإسلام حقيقة، فلم يتحقق الرجوع عنه"(169).

ـ وقال الشافعي في الأم: "فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلًا، ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده، ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل؛ لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ، ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل إن لم يفعله"(170).

ـ أما المالكية فيفرقون بين الصغير والمجنون، حين إسلام أبيه، وبين المراهق، فيحكمون بإسلام الأولين، وبالتالي بقتلهما إذا أبيا الإسلام بعد البلوغ والإفاقة.

قال خليل: "وحكم بإسلام من لم يميز لصغر أو جنون بإسلام أبيه فقط: كأن ميز"([171]).

قال ابن عرفة شارحًا: "فيحكم بإسلامه تبعًا لإسلام أبيه...، وفائدة الحكم بإسلام من ذكر أنه إن بلغ وامتنع من الإسلام، جُبِر عليه بالقتل؛ كمرتد بعد البلوغ، إلا المميز المراهق حين إسلام أبيه، وإلا غير المراهق المتروك لها؛ أي: للمراهقة، بأن غفل عنه قبل المراهقة، فلم يحكم بإسلامه لإسلام أبيه حتى راهق؛ أي: قارب البلوغ، كابن ثلاثة عشر سنة، فلا يحكم حينئذ بإسلامه، وإذا لم يحكم به فلا يجبر على الإسلام بقتل إن امتنع منه؛ بل بالتهديد والضرب"([172]).

ـ وللحنابلة قولان في المسألة، قال في المغني: "وجملته أن الصبي إذا أسلم، وحكمنا بصحة إسلامه لمعرفتنا بعقله بأدلته، فرجع، وقال: لم أدر ما قلت، لم يقبل قوله، ولم يبطل إسلامه الأول.

وروي عن أحمد، أنه يقبل منه، ولا يجبر على الإسلام"([173]).

ونرى أن رأي الحنفية والشافعية هو الأولى بالقبول؛ لأنه ما يوافق القواعد العامة في الشريعة الإسلامية؛ من كون المرء لا يحاسب إلا على ما فعله مختارًا.

3- من أكره على الإسلام ثم ارتد:

ـ قال الكاساني: "ولو أكره على الإسلام فأسلم ثم رجع يجبر على الإسلام ولا يقتل؛ بل يحبس ولكن لا يقتل، والقياس أن يقتل؛ لوجود الردة منه، وهي الرجوع عن الإسلام.

وجه الاستحسان: أنا إنما قبلنا كلمة الإسلام منه ظاهرًا طمعًا للحقيقة، ليخالط المسلمين فيرى محاسن الإسلام، فينجع التصديق في قلبه على ما مر، فإذا رجع تبين أنه لا مطمع لحقيقة الإسلام فيه، وأنه على اعتقاده الأول، فلم يكن هذا رجوعًا عن الإسلام؛ بل إظهارًا لما كان في قلبه من التكذيب فلا يقتل"(174).

وقال المرغيناني: "ولو أكره على الإسلام، حتى حكم بإسلامه، ثم رجع لم يقتل؛ لتمكن الشبهة، وهي دارئة للقتل"(175).

وقال الموصلي:

"ولو أكره الذمي على الإسلام صح إسلامه، كما لو قوتل الحربي على الإسلام فأسلم، فإنه يصح بالإجماع. قال الله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} [آل عمران: 83] سمى المكره على الإسلام مسلما، فإن رجع الذمي لا يقتل لكن يحبس حتى يسلم لأنه وقع الشك في اعتقاده، فاحتمل أنه صحيح فيقتل بالردة، ويحتمل أنه غير معتقد فيكون ذميا فلا يقبل، إلا أنا رجحنا جانب الوجود حالة الإسلام تصحيحا لإسلامه"(176).

ـ وقال الشيخ عليش المالكي: "واختلفوا فيمن أسلم كرهًا؛ بأن أكره على الإسلام، أو اضطره إليه جزية، أو ضيق، أو ظلم، أو جور، أو شبه ذلك، فقال ابن حبيب عن ابن القاسم وابن وهب: لا يقتل، ويؤمر بالإسلام، ويحبس ويضرب.

قال(177) ابن حبيب: هذا غلط؛ إذ أكثر من أسلم من الأعراب وغيرهم كان إسلامهم كرهًا"(178).

وفي الذخيرة: "إن أسلم ثم ارتد عن قرب وقال: أسلمت عن ضيق، إن عرف أنه عن ضيق ناله أو خوف ونحوه: عذر، وقاله ابن القاسم، وقال أشهب: لا يعذر ويقتل، وإن عُلِم أنه عن ضيق"(179).

ـ وقال الماوردي الشافعي: "وإذا أكره الكافر على الإسلام، فتلفظ بالشهادتين مكرهًا، فهذا على ضربين: أحدهما: أن يكون على الإسلام لغير استحقاق، وذلك فيمن يجوز إقراره على كفره من أهل الذمة وأصحاب العهد، فلا يصير بالإكراه مسلمًا؛ لما تضمنه من التعدي به"(180).

ـ وقال ابن قدامة: "وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه، كالذمي والمستأمن، فأسلم، لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعًا، مثل أن يثبت على الإسلام بعد زوال الإكراه عنه، فإن مات قبل ذلك فحكمه حكم الكفار، وإن رجع إلى دين الكفر لم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام"(181).

 

. أحكام هامة تتعلق بالمرتد(182):

  1. حرمة الاسترقاق:

لا يجوز استرقاق المرتد؛ لأن استرقاقه فيه إقرارٌ له على ردته، وكذلك لا يقع استرقاقه وسيلة إلى الإسلام؛ لأنه رجع عن الإسلام بعد ما ذاق طعمه وعرف محاسنه، فلا يرجى فلاحه بهذا الاسترقاق.

وبناء عليه: فلم يشرع للمرتد إلا العودة إلى الإسلام، أو القتل.

قال الكاساني: "المرتد لا يسترق وإن لحق بدار الحرب؛ لأنه لم يشرع فيه إلا الإسلام أو السيف".

  1. حرمة أخذ الجزية

لا يجوز أخذ الجزية من المرتد، وذلك لما تقدَّم ذكره في الاسترقاق.

  1. الفرقة بين الزوجين

وقد دلَّ على الفرقة بين الزوجين إن كان أحدهما كافراً، قوله تعالى: ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: 10].

  1. لا يجوز إنكاحه المسلمة، ولا تجوز ولا يته على غيره في النكاح

لا يجوز للمرتد أن ينكح المسلمة؛ لأنه مشرك، وكذلك ليس له أن يزوِّج غيره؛ لأنه لا ولاية له.

  1. حرمة ذبيحته

لا يجوز الأكل من ذبيحة المرتد. قال الشافعي: "لا تؤكل ذبيحة المرتد إلى أي دينٍ ما ارتد؛ لأنه إنما رخّص في ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم".

  1. أنه لا يرث من أحد:

قال الكاساني: "لا يرث(المرتد) من أحدٍ، لانعدام الملِّة والولاية".

  1. أن أعماله تحبط إن مات على الردة.

قال تعالى: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217]. والمشهور في المذهب المالكي، أن الردة بمجردها تبطل العمل، كما قاله الحطاب الرعيني، لكن قال الشوكاني: والتقييد بقوله: ﴿فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ﴾ يفيد أن عمل من ارتد، إنما يبطل إذا مات على الكفر.

  1. ميراث المرتد:

نص جماهير الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وغيرهم على أن ميراثه يكون لبيت مال المسلمين.

قال مالك: "وإن مات على ارتداده كان ذلك لجميع المسلمين ولا يكون لورثته".

وقال المزني الشافعي: "وميراث المرتد لبيت مال المسلمين ولا يرث المسلم الكافر".

وقال الشافعي بطريق السؤال والجواب: "أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال: بل كافر. قلنا: فحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يرث مسلم كافرا ولا يرث كافر مسلما".

  1.  ديون المرتد:

أولا: الدَّين الذي لزم المرتد:

 يقضى من ماله؛ لأنا إن قلنا ببقاء ملكه أو أنَّ ملكه موقوف فلا إشكال في أنه يقضى منه، وإن قلنا بزوال ملكه، فهذا لا يمنع من قضاء دينه إن مات، لأنّ الدين يقدم على حق الورثة.

ومن نصوص الفقهاء في ديون المرتد، ما يلي:

- جاء في اللباب للحنفية: "وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام وما لزمه من الديون في حال ردته يقضى مما اكتسبه في حال ردته".

- وجاء في الأم للشافعية: "وإذا كان على المرتد دين ببيّنة قبل الردة ثم ارتد قضى عنه دينه إن كان حالاًّ، وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله إلا أن يموت فيحِلُّ بموته".

- وجاء في الشرح الكبير للحنابلة: "ذا مات أو قتل (أي المرتد)فإنه يبدأ بقضاء ديونه وأرش جنايته ونفقة زوجته وأقاربه الذين تلزمه مؤنتهم؛ لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها".

ثانيا: الدَّين الذي يكون للمرتد:

 لا يخلو من أن يكون حالًّا، أو مؤجلاً، فإن كان حالًّا: أخذ ممن هو عليه ويوقَفُ في ماله، وإن كان إلى أجلٍ فهو إلى أجله، فإذا حلَّ وُقِف كذلك، فإن مات المرتد قبل ذلك أو قتل على ردته، فيكون الدين إلى أجله، فإذا قبض كان فيئاً.

     (10)  ولد المرتد:

لا يخلو ولد المرتد، من أن يكون مولودا في الإسلام أو في الردة، فإن كان مولودا في الإسلام بأن ولد للزوجين ولد وهما مسلمان، ثم ارتدا، فلا يحكم بردته ما دام في دار الإسلام؛ لأنه لما ولد وأبواه مسلمان فقد حكم بإسلامه تبعا لأبويه، فلا يزول بردتهما لتحول التبعية إلى الدار، إذ الدار وإن كانت لا تصلح لإثبات التبعية ابتداء عند استتباع الأبوين تصلح للإبقاء؛ لأنه أسهل من الابتداء فما دام في دار الإسلام يبقى على حكم الإسلام تبعا للدار، وإن كان مولودا في الرِّدة بأن ارتد الزوجان ولا ولد لهما ثم حملت المرأة من زوجها بعد ردتها وهما مرتدان على حالهما، فقيل: هذا الولد بمنزلة أبويه له حكم الردة.

وقال صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل: "أما ولد المرتد فلا يلحق به في الردة، إذا كان صغيرا إذ تبعية الولد لأبيه، إنما تكون في دين يُقَرَّ عليه"، الدين الذي يقر عليه هو الإسلام.

وقد نص الشربيني كذلك على أن الولد إن كان مولودا في الإسلام، فهو مسلم، وإن كان مولودا في الردة، فقيل: هو مسلم لبقاء علقة الإسلام في والديه، وقيل: هو مرتد تبعاً لهما، قال وهو الأظهر.

وقد بيَّن ابن قدامة، أنه إذا ارتد أحد الوالدين، وبقي الآخر، فإنه يحكم للولد بالإسلام، ويتبع المسلم منهما، فقال: "الولد يتبع أبويه في الدين، فإذا اختلفا وجب أن يتبع المسلم منهما كولد المسلم من الكتابية؛ ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى، ويترجح بأشياء، منها: أنه دين الله الذي رضيه لعباده وبعث به رسله ودعا خلقه إليه، ومنها: أنه تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة ويتخلص به في الدنيا من القتل والاسترقاق وأداء الجزية وفي الآخرة من سخط الله وعذابه، ومنها: أن الدار دار الإسلام يحكم بإسلام لقيطها ومن لا تعرف حاله فيها".

فالحكم للولد بالإسلام أولى من اللقيط، وممن لا تعرف حاله.

(11)  تصرفات المرتد:

لا يخلو المرتد من أن يكون قد لحق بدار الحرب، أم لم يلحق به، فإن كان قد لحق بدار الحرب، فتصرفاته -من بيعٍ، وشراءٍ، وعتقٍ، ورهنٍ، وغير ذلك- باطلة، وإن كان لم يلحق بدار الحرب، فتصرفاته موقوفة، فإن أسلم صحت عقوده.

وقد نصَّ المرغياني الحنفي: على أن تصرفات المرتد على أقسام:

1. نافذ بالاتفاق: كالاستيلاد والطلاق؛ لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية.

2. باطل بالاتفاق: كالنكاح والذبيحة؛ لأنه لا ولاية ولا ملة له.

3. موقوف بالاتفاق: كالبيع والشراء والرهن والإجارة والهبة والإعتاق والتدبير.

(12) جناية المرتد على غيره:

إن كانت عمداً، ويجري فيه القصاص، فصاحبه بالخيار بين القصاص منه، أو الأخذ من ماله بقدر الجناية، وإن كانت خطأ، فهي من ماله.

قال الشافعي: "وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمدا في مثلها قصاص فالمجني عليه بالخيار: في أن يقتص منه أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة و ما اكتسب بعدها... وإن كانت الجناية خطأ فهي في ماله".

(13) ما يتلفه المرتد على غيره:

هو مضمون عليه. قال ابن قدامة: "وما يتلفه المرتد مضمون عليه لأنه التزم حكم الإسلام بإسلامه واعترافه به فلا يسقط عنه بجحده كمن جحد الدين بعد إقراره به".

وقال الحجاوي: "ويضمن ما أتلفه لغيره ولو في دار حرب، وسواء كان المتلف واحدا أو جماعة صار لهم منعة أو لا".

(14) عبادات المرتد قبل الردة، وهل تقضى بعد عودته للإسلام؟

ويتضمن ذلك مسألتين:

 أولا: تأثير الردة على الصلاة والصوم والزكاة:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أنه يجب على المرتد قضاء الصلاة والزكاة والصيام التي تركها أثناء ردته.

وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الَّتِي تَرَكَهَا أَثْنَاءَ رِدَّتِهِ؛ لأِنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَإِيمَانُهُ يَجُبُّهَا.

وكذلك ذهب الحنابلة إلى أنه لا يلزم المرتد إعادة الصلاة والزكاة والصيام التي تركها أثناء ردته.

 وهذا القول أرجح.

قال البهوتي: (وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَتُهُ أَيْ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ بِهَا أَيْ: بِرِدَّتِهِ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ)(183).

 ويقول الكلوذاني: (إذا صلى المسلم في أول وقت الصلاة ثم ارتد ثم عاد فأسلم قبل أن يخرج الوقت لم يلزمه إعادة الصلاة)(184).

وإذا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي تَابَ صَلاَةٌ فَائِتَةٌ، قَبْل رِدَّتِهِ أَوْ صَوْمٌ أَوْ زَكَاةٌ فَهَل يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لأِنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ. وهذا هو الصحيح.

 ثانيا: تأثير الردة على الحج:

عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ: يَجِبُ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ وَتَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ.

 وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ.

وكذلك الْحَنَابِلَةُ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، بَل يُجْزِئُ الْحَجُّ الَّذِي فَعَلَهُ قَبْل رِدَّتِهِ.

وهذا هو القول الراجح.

(15) بالنسبة للزنديق، والساحر، والرافضي، وتارك الصلاة، ومستحل المحرمات، والحاكم والمحكوم بغير شرع الله راضين، هل يلحقون بالمرتدين؟

أما الزنديق، فهو المارق عن الدين كله، وقيل هو المنافق، ولعل الزنديق أشد من المنافق؛ لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين(185).

وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِالزَّنَادِقَةِ الْبَاطِنِيَّةَ بِمُخْتَلَفِ فِرَقِهِمْ، كَمَا أَلْحَقَ بِهِمِ الْحَنَابِلَةُ الْحُلُولِيَّةَ وَالإْبَاحِيَّةَ وَسَائِرَ الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ..

وقد اختلف الفقهاء في هؤلاء وأمثالهم ممن عظم شرهم وكيدهم، وظهر نفاقهم وكفرهم؛ هل تقبل توبتهم أم لا على قولين:

القول الأول: للْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ الآْيَةَ.

 وَالزِّنْدِيقُ لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلاَفُ مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الإْسْلاَمَ مُسِرًّا بِالْكُفْرِ؛ وَلأِنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ. لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ صَرَّحُوا بِقَبُول التَّوْبَةِ مِنَ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَهَا قَبْل الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ.

 القول الثاني: وَهو رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الزِّنْدِيقَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38](186).

وأما السحر، فقد قال العلماء: السحر في اللغة: "عبارة عن كل ما لطف وخفي سببه"، بحيث يكون له تأثير خفي لا يطلع عليه الناس، وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم، والكهانة، بل إنه يشمل التأثير بالبيان والفصاحة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن من البيان لسحراً"، فكل شيء له أثر بطريق خفي فهو من السحر.

وأما في الاصطلاح فعرفه بعضهم بأنه: "عزائم ورقى وعُقَدٌ تؤثر في القلوب والعقول والأبدان فتسلب العقل، وتوجد الحب والبغض وتفرق بين المرء وزوجه وتمرض البدن وتسلب تفكيره".

قالوا(187): "وتعلم السحر محرم، بل هو كفر إذا كانت وسيلته الإشراك بالشياطين قال الله تبارك وتعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}.

فتعلم هذا النوع من السحر وهو الذي يكون بواسطة الإشراك بالشياطين كفر، واستعماله أيضاً كفر وظلم وعدوان على الخلق، ولهذا يقتل الساحر إما ردة وإما حداً فإن كان سحره على وجه يكفر به فإنه يقتل ردة وكفراً، وإن كان سحره لا يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حداً دفعاً لشره وأذاه عن المسلمين".

وإنما اختلفوا في قبول توبة الساحر، على قولين للعلماء، همم روايتان عن الإمام أحمد:

قال ابن قدامة: (هَلْ يُسْتَتَابُ السَّاحِرُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا:

لَا يُسْتَتَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَتَابَ سَاحِرًا، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، هَلْ لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ. وَلِأَنَّ السِّحْرَ مَعْنًى فِي قَلْبِهِ، لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، فَيُشْبِهُ مَنْ لَمْ يَتُبْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْ الشِّرْكِ، وَالْمُشْرِكُ يُسْتَتَابُ، وَمَعْرِفَتُهُ السِّحْرَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ تَوْبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ وَجَعَلَهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي سَاعَةٍ، وَلِأَنَّ السَّاحِرَ لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ وَتَوْبَتُهُ، فَإِذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا صَحَّتْ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَالْكُفْرِ(188).

وأما الروافض، أو الشيعة، هل هم مرتدون؟

الجواب: هم فرقٌ شتى، كما ذكر السفاريني في شرح عقيدته أنهم اثنتان وعشرون فرقة، وعلى هذا يختلف الحكم فيهم بحسب بعدهم من السنة، فكل من كان عن السنة أبعد كان إلى الضلال أقرب.

ومن أتى ما يستوجب الكفر فهو مرتد، بشرط عدم وجود المانع من الحكم بالتكفير، من حصول جهل يعذر به، أو وجود إكراه ونحوه.

ومما يوجب الكفر والردة: سب جميع الصحابة، أو إلا نفرا قليلا، بما يقدح في دينهم أو عدالتهم أو عرضهم، وكذلك سب أو قذف أمهات المؤمنين، عائشة وغيرها، بما يطعن في شرفهن. كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أئمة المسلمين وعلمائهم.

ولا شك أن هذا كله، بل وأكثر منه، موجود ومتحقق في الشيعة الإمامية الاثنا عشرية التي جمعت في عقيدتها، كل شرٍ وانحراف موجود في باقي الفرق والنحل، ولهذا حكم جمهور العلماء بكفرهم وزندقتهم، بل لم ير البعض استتابتهم.

وسئل الشيخ العلامة ابن جبرين رحمه الله: حكم دفع زكاة أموال أهل السنة لفقراء الرافضة- الشيعة- وهل تبرأ ذمة المسلم الموكل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا؟

 فأجاب: " لقد ذكر العلماء في مؤلفاتهم في باب: [ أهل الزكاة] أنها:" لا تدفع لكافر، ولا مبتدع"، فالرافضة بلا شك كفار لأربعة أدلة:

الأول: طعنهم في القرآن، وادعاؤهم أنه حذف منه أكثر من ثلثيه ، كما في كتابهم الذي ألفه النوري وسماه:" فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" وكما في كتاب "الكافي" وغيره من كتبهم، ومن طعن في القرآن؛ فهو كافر، مكذب؛ لقوله تعالى: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة الحجر] .

الثاني: طعنهم في السنة وأحاديث الصحيحين، فلا يعملون بها؛ لأنها من رواية الصحابة الذين هم كفار في اعتقادهم، حيث يعتقدون أن الصحابة كفروا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا علي وذريته، وسلمان وعمار، ونفر قليل، أما الخلفاء الثلاثة، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم فقد ارتدوا، فهم كفار، فلا يقبلون أحاديثهم، كما في كتاب "الكافي" وغيره من كتبهم .

الثالث: تكفيرهم لأهل السنة، فهم لا يصلون معكم، ومن صلى خلف السني أعاد صلاته، بل يعتقدون نجاسة الواحد منا، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا، ومن كفّر المسلمين، فهو أولى بالكفر، فنحن نكفرهم كما كفرونا وأولى.

الرابع: شركهم الصريح بالغلو في علي وذريته، ودعاؤهم مع الله، وذلك صريح في كتبهم، وهكذا غلوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا برب العالمين، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم.

ثم إنهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنة، ولا يتصدقون على فقراء أهل السنة، ولو فعلوا؛ فمع البغض الدفين، يفعلون ذلك من باب التقية.

فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة فليخرج بدلها، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر، وحرب السنة، ومن وُكِّل في تفريق الزكاة؛ حرم عليه أن يعطي منها رافضياً، فإن فعل لم تبرأ ذمته، وعليه أن يغرم بدلها، حيث لم يؤد الأمانة إلى أهلها، ومن شك في ذلك؛ فليقرأ كتب الرد عليهم، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم، وكتاب "الخطوط العريضة" للخطيب وكتاب إحسان إلهي ظهير وغيرها"(189).

وأما تارك الصلاة، ومستحل المحرمات القطعية هل يدخلان في المرتد؟

فالراجح من قولي العلماء أن من ترك الصلاة بالكلية فهو كافر مرتد حلال الدم، وهذا هو المعروف عن السلف، وبين ابن القيم رجحان هذا القول من وجوه عديدة، وبرهن عليه بأدلة كثيرة قطعية واضحة، من الكتاب والسنة، وكلام الصحابة ومن بعدهم(190). وهذا اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله.

وقال الشيخ ابن جبرين في شرح المراد من قوله صلى الله عليه وسلم:( لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ... والتارك لدينه المفارق للجماعة):

 "فهذا يباح قتله، ويسمى مرتداً، أو مبتدعاً بدعة مكفرة تلحقه بالردة، فهذا يقتل ولو أقر بالشهادة؛ لأنه أتى بما يبطلها، فمن ترك دينه بعبادة القبور حل قتله، وكذلك من ترك الصلاة وأصر على تركها قتل، وكذلك من منع الزكاة، وكذلك من استحل شيئاً من الحرام، من استحل الزنا وجعله مباحاً، أو استحل الربا، أو استحل الخمر، أو نحو ذلك؛ أُبيح قتله؛ لأنه أتى بمبرر وهو ترك دينه.

وكذا إذا فارق جماعة المسلمين وإمامهم وسوادهم الأعظم، فارقهم وأصبح شاذاً، فإنه يقاتل إلى أن يرجع إلى معتقد المسلمين، وجماعة المسلمين هم الذين على عقيدة السلف ولو كانوا أقل من غيرهم"(191).

هذا، ومن أبرز ما استحل من المحرمات القطعية في هذا الزمان: الحكم بغير شرع الله، واستبدال غيره به، والقول بعدم جواز تكفير اليهود والنصارى، وأنهم كالمسلمين، منهم المؤمنون ومنهم الكافرون، والقول بجواز نكاح النصراني للمرأة المسلمة، والقول بجواز ارتداد المسلم عن دينه، والقول بحرية سب الله أو الطعن في الدين، بدعوى حرية الاعتقاد، وحرية الفكر، ونحو ذلك من الباطل الذي لا باطل بعده.

 

وأما الحاكم بغير ما أنزل الله، فله حالات:

أ- فمن لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أو احتقاراً له، أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه.

ب- ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم عليه، أو انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.

ج- ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله، ولا احتقاراً، ولا اعتقاداً أن غيره أصلح، وأنفع للخلق، وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق، وليس بكافر، وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.

وأما بالنسبة للمحكوم:

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله: إنهم على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ويعتقدون تحليل ما حرم، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً.

الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال - كذا العبارة المنقولة عنه- ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصٍ فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب(192).

ومن الأهمية بمكان في هذا المقام التحذير مما يشبه الردة الجماعية لبعض المسلمين حين يختارون بجهالة النظام الديمقراطي في الحكم بديلا عن شريعة الله: القرآن والسنة.

وقد جاء في موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة:

"ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة، في الطاعة والانقياد، أو في التشريع، حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى، وحقه في التشريع المطلق، وتجعلها من حقوق المخلوقين، والله تعالى يقول: ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/ 40، ويقول تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) الأنعام/ 57"(193).

 

 الخاتمة: في أهم أسباب وقوع الردة، وكيف تفاديها؟

وأما أسباب الوقوع في الردة فثمة أسباب متعددة لذلك منها:

ـ الجهل بدين الله تعـالـى، وضعف التمسك بالمعتقد الصحيح عند الكثير من المسلمين، مما أوقفهم ـ بسبب جهلهم وضعف تمسكهم ـ في جملة من المكفرات.

وعلى ذلك، فعلى الدعاة والعلمـاء أن يجتهـدوا في إظهار العلم الشـرعي وتبليغ دين الله ـ تعالى ـ، عبر برامج مرتبة، فيرغب أهل الإسلام بالمعتقد الصحـيــح علماً وعملاً، ويحذرون من الردة وأنواعها، عن طرق حِلَقِ التعليم، والخطب، والمؤلفات، والأشرطة، ونحوها، فيعنى بالتوحيد تقريراً والتزاماً، كما يعنى بالتحذير من مظاهر الــــــردة في الزمن المعاصر.

 ومن ذلك أن تُدرّس رسالة (نواقض الإسلام) للشيخ (محمد بن عبد الــوهـــــاب) ـ رحمه الله ـ فهي رسالة مع كونها في غاية الإيجاز إلا أنها بينت أهم النواقض وأشملها، وأكثرها وقوعاً وانتشاراً.

وأن يبيّن للناس الأحكام الشرعية المترتـبــــة على المرتد من: القتل، وعدم الصلاة عليه، وحل ماله، وأن تذكر أخبار المرتدين وأحوالهم وما نالوه في الدنيا من العقوبات والمثلات، وما أعدّ لهم من العذاب المقيم في الدار الآخرة.

ـ ومن أسباب الوقوع في الردة: ظهور الإرجاء في هذه الأوقات..

فالإرجاء في مسألة الإيمان يقرر عبر مؤسسات تعليمية شرعية منتشرة في بلاد المسلمين، حيث تتبنى هذه المؤسسات المذهب الأشعري والماتريدي ذي النزعة الإرجائية الغالية، كـمــا ســـاعـد على ظهور الإرجاء بعض المنهزمين إزاء واقعنا الحاضر المليء بالانحرافات التي تناقض العقـيـــــدة السلفية، فقاموا (يبررون)، و (يسوغون) ذلك الانحراف بأنواع من التأويلات المتكلفة.

كـمـــا أن الغلو في التكفير والنزعة الخارجية في هذا العصر كان سبباً مساعداً في ظهور الإرجاء كنتيجة عكسية، فجاء ذلك الإرجاء رد فعل لهذا الغلو.

فإذا كـــــان الإيمان عند طوائف من المرجئة هو التصديق فحسب، ففي المقابل سيكون الكفر أو الردة هو التكذيب فقط عند قوم آخرين، فلا يكون الشخص مرتداً عن دين الله تعالى، إلا إذا كــان مكذباً جاحداً! فلا يكون الشخص عند هؤلاء المرجئة مرتداً بمجرد استهزائه بالله تعالى أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو دينه، كما لا يكون الشخص عندهم مرتداً بمجرد سجوده للصنم أو إهانة المصحف!

فالردة عندهم مجرد اعتقاد، فلا تقع الردة بقول أو عمل!

وسبب ثالث وهو تنحية شرع الله عز وجل في كثير من بلاد المسلمين..

فلا يخفى أن وجود الولاية الشرعـيــة سبب في حفظ الدين، فحيث تقام الحدود ومنها حد الردة فلن يتطاول زنديق مارق على ديـــن الله ـ تعالى ـ، لكن (من أمن العقوبة أساء الأدب)، والله حسبنا ونعم الوكيل، ورحم الله ابن العربي عندما وصف كفر غلاة الشيعة بأنه (كفر بارد لا تسخنه إلا حرارة السيف)(194).

ـوأما السبب الرابع في ظهور الردة، فإن الفوضى الفـكــــرية التي يعيشها العالم المعاصر، والاضطراب الهائل في المفاهيم، والتناقض المكشوف في المعـتـقــــدات والمبادئ كان سبباً في الإخلال بالثوابت والتمرد على الدين والأخلاق.

لـقـــــد وجـد الانسلاخ من الدين في العالم الغربي، والخروج عما استقر في الفطر السليمة والعـقــــول الصحيحة، وأجلب أعداء الله ـ تعالى ـ بخيلهم ورجلهم، وسعوا إلى بث هذا الانحراف فـي بـلاد المسلمين، وجاء أقوام من هذه الأمة يتتبعون مسلك أولئك المنتكسين حذو القذة بالقذة.

فلا عجب أن تظـهــر الحداثة ـ مثلاً ـ في بلاد المسلمين، بعد أن ظهرت في العالم الغربي، والتي تنادي برفض ما هو قديم وثابت، بما في ذلك المعتقدات والأخلاق ـ وتغيير المسلّمات والحقائق الثابتة، وضرورة التحول والتطور من الأفكار القديمة إلى مواقف مستنيرة.

ثم (تؤصل) هذه الردة، وتقصّد، وتنشر في الآفاق عبر ملاحق أدبية، ومجلات متخصصة، ومن خلال محاضرات وندوات ومهرجانات.

وأخيراً: فإن تقصير بعض عـلـمــــاء أهل السنة ودعاتهم تجاه هذا الانحراف الخطير ـ الردة ـ كان سبباً مساعداً في ظهوره واستفحاله، فلو أن علماء أهل السنة ودعاتهم قاموا بواجب التبليغ لدين الله ـ تعالى ـ، وإظهار عقيدة التوحيد، والتحذير من الردة وأنواعها ووسائلها لما كان لمظاهر الكفر أن تنتشر كما هي عليه الآن.

إن الناظر إلى إخواننا من أهــــل السنة يرى تواكلاً وكسلاً، وتحميلاً للتبعات والمسؤوليات على الآخرين، وتلاوماً فيما بيـنـهـم، ألا فليجتهد الجميع في الحرص على ما ينفع، وأن نسعى في تبليغ ديننا والتحذير ممـا يـضـاده ويناقضه (ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين)(195).

وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

 

 

 


([1]) جمهرة اللغة، لأبي بكر الأزدي (1/110)، المحقق: رمزي منير بعلبكي، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة: الأولى، 1987م.

([2]) الصحاح، لأبي نصر الجوهري (2/473)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة: الرابعة، 1407هـ/1987م.

([3]) المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (9/267)، المحقق: عبد الحميد هنداوي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1421هـ/2000م.

([4]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم:16])، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا).

([5]) لسان العرب، لابن منظور (3/173)، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1414هـ.

([6]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني (7/134)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية، 1406هـ/1986م.

([7]) شرح مختصر خليل، للخرشي (8/62)، الناشر: دار الفكر للطباعة، بيروت.

([8]) المصدر السابق.

([9]) روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (10/64)، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، عمان، الطبعة: الثالثة، 1412هـ/1991م.

([10]) الروض المربع شرح زاد المستقنع، للبهوتي (1/681)، ومعه: حاشية الشيخ العثيمين، وتعليقات الشيخ السعدي، خرَّج أحاديثه: عبد القدوس محمد نذير، الناشر: دار المؤيد، مؤسسة الرسالة.

([11]) الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، مجموعة من المؤلفين، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (1/383).

([12]) روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (10/64)، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، عمان، الطبعة: الثالثة، 1412هـ/1991م.

([13]) الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/52).

([14]) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (2/ 277).

([15]) انظر: نواقض الإيمان القولية والعملية، لعبد العزيز العبد اللطيف.

([16]) موقع الإمام ابن باز.

([17]) الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.

([18]) انظر: فتاوى دار الإفتاء المصرية (6/ 41).

([19]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 134).

(20) انظر: أحكام الرِّدة، على موقع: جامعة الإيمان، بإشراف الشيخ عبد المجيد الزنداني.

(21) الحاوي الكبير (13/ 149).

(22) الأم للشافعي (6/ 178).

 (23)المغني لابن قدامة (9/ 3).

 (24)تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (2/ 278).

([25]) سبل السلام (2/ 383).

([26]) وبهذا جاءت فتوى دار الإفتاء المصرية بثبوت حد الردة، وهذا مفتي مصر السابق، د. نصر فريد واصل، يطالب بإقامة حد الردة على جماعة البهائية.

([27]) نقلا عن موقع الشبكة الإسلامية، من فتوى بعنوان: جواب شبهة حول حد الردة، رقـم الفتوى: (192053).

([28]) رواه البخاري (كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم).

([29]) من مقال بعنوان: (حد الردة بين أئمة المسلمين وشبهات المحدَثين)، لعبد الرحمن بن صالح السديس، نقلًا عن موقع: صيد الفوائد.

([30]) فتح الباري لابن حجر (كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، قوله باب حكم المرتد والمرتدة).

([31]) رواه الطبراني في المعجم الكبير (باب العين، عصمة بن مالك الخطمي)، وعبد الرزاق في مصنفه (كتاب العقول، باب من قتل دون ماله فهو شهيد)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (6009).

([32]) رواه البخاري (كتاب الديات، باب قول الله تعالى: "أن النفس بالنفس والعين بالعين")، ومسلم (كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم).

([33]) الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية (1/319).

([34]) المصدر السابق (1/320).

([35]) المصدر السابق (1/166).

([36]) " الصارم المسلول " ( 3 / 735 ) .

([37]) رواه النسائي (كتاب تحريم الدم، الحكم في المرتد)، والترمذي (أبواب الفتن، باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)، وفي لفظٍ لابن ماجه "أو رجل ارتد بعد إسلامه"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7641).

([38]) رواه البخاري (كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم)، ومسلم (كتاب الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج).

([39]) أي: لم توافقهم، وكرهوها لسقم أصابهم، انظر: شرح النووي على مسلم (11/154).

([40]) رواه البخاري (كتاب الحدود، باب المحاربين من أهل الكفر والردة)، ومسلم، واللفظ له (كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب حكم المحاربين والمرتدين).

([41]) رواه ابن ماجه (كتاب الحدود، باب إقامة الحدود)، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1416).

([42]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، للألباني (1416).

([43]) المبسوط، للسرخسي (10/ 98).

([44]) كذا بالأصل، ولعل الصواب: بلا.

([45]) مسند الفاروق، لابن كثير (كتاب الجنايات).

([46]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم)، ومسلم (كتاب الإمارة، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها).

([47]) رواه البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومسلم (كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله).

([48]) رواه عبد الرزاق في مصنفه (كتاب أهل الكتاب، ميراث المرتد).

([49]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب المرتد، باب ما يحرم به الدم من الإسلام)، والجامع، لابن وهب (الحج).

([50]) رواه عبد الرزاق في مصنفه (كتاب اللقطة، باب في الكفر بعد الإيمان).

([51]) المغني، لابن قدامة (9/3).

([52]) المبسوط، للسرخسي (10/98).

([53]) بدائع الصنائع (7/134).

([54]) مختصر خليل، للشيخ العلامة ضياء الدين خليل بن إسحاق المالكي، ص238.

([55]) الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (2/1090).

([56]) الأم، للشافعي (1/294).

([57]) مسائل أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله (1/430).

([58][58]) ومن هؤلاء: محمد سعيد رمضان البوطي، وسعد الدين الهلالي، والحبيب علي الجفري، ويوسف القرضاوي، وسليم العوا، وجمال البنا، وللأسف، فأقوال هؤلاء لاقت قبولا في أوساط العلمانيين والليبراليين وعوام المسلمين، مع أنها في غالبها آراء شاذة، ترجع أصولها لبناء العلم على الثقافة العامة والمنهج العقلي، وليس على العلم الشرعي القائم على التسليم والقبول للنصوص، مع الاجتهاد في فهمها.

([59]) من مقال بعنوان: الطعن في أحاديث حد الردة، نقلًا عن موقع: بيان الإسلام.

([60]) انظر: مقال: (الرد على منكري السنة النبوية من المعاصرين، حد الردة فى شريعة الإسلام) د. محمود المراكبي، نقلًا عن موقع: منتدى أنصار السنة.

([61]) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لابن الجوزي (5/256)، المحقق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ/1992م، والبداية والنهاية، لابن كثير (8/70)، المحقق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى، 1408هـ/1988م.

([62]) رواه البخاري (كتاب المظالم والغصب، باب من قاتل دون ماله)، ومسلم (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق، كان القاصد مهدر الدم في حقه).

([63]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (باب الميم، من بقية مَن أول اسمه ميم، مَن اسمه موسى).

([64]) رواه مسلم (كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن).

([65]) مسند إسحاق بن راهويه (ما يروى عن خلاس بن عمرو، وعمار بن أبي عمار، وأبي المهزم، ومشايخ البصرة، عن أبي هريرة عن النبي صلى

الله عليه وسلم)، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (983).

([66]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب الأحكام، باب بيعة الأعراب)، ومسلم (كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها).

([67]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني الشافعي (13/200)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، رقّم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

([68]) تعليق مصطفى البغا بهامش صحيح البخاري (كتاب الأحكام، باب بيعة الأعراب).

([69]) فتح الباري (13/200).

([70]) رواه البخاري (كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير)، ومسلم (كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام).

([71]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/200)، وانظر شرح صحيح البخاري، لابن بطال (8/278-279)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، دار النشر: مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، الطبعة: الثانية، 1423هـ/2003م.

([72]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (9/156)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الثانية، 1392هـ.

([73]) رواه البخاري (كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [المنافقون:6])، ومسلم (كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا).

([74]) انظر: قتل المرتد إذا لم يتب، للدكتور عبد الله قادري الأهدل.

([75]) وقفت عليه بلفظ: (...يقيم بين أظهر المشركين)، رواه الترمذي (أبواب السير، باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين)، وأبو داود (كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1207).

([76]) الاستذكار، لابن عبد البر (8/224)، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1421هـ/2000م.

([77]) مستدرك الحاكم (كتاب معرفة الصحابة، ذكر مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان).

([78]) رواه النسائي في السنن الكبرى (كتاب المحاربة، الحكم في المرتد)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب المرتد، باب من قال في المرتد: يستتاب مكانه، فإن تاب وإلا قتل)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1723).

([79]) رواه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار)، ومسلم (الحدود، باب قطع السارق الشريف).

([80]) موقع ملتقى أهل الحديث، تحت عنوان: (ما حكم المرتد في الإسلام؟).

([81]) الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية (1/319).

([82]) تفسير ابن كثير (الفتح:16)، وانظر: المبسوط، للسرخسي (10/98).

([83]) تفسير القرطبي (الفتح:16).

([84]) تفسير المراغي (البقرة:217)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى، 1365 هـ/1946 م.

([85]) أي: من قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.

([86]) فتح الباري (12/272).

([87]) تفسير القرطبي (آل عمران:85).

([88]) انظر: الأم، للشافعي (1/294).

([89]) رواه أبو داود، واللفظ له، (كتاب السنة، باب في لزوم السنة)، والترمذي (أبواب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم)، وصححه الألباني في المشكاة (163).

([90])  ومما أجاب به ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺩ.ﻋﺒ ﺍﻟﺤﻲ يوسف في حوار معه حول ﻗﻀﻴﺔ ﻔﺘﺎﺓ ﻤﺓ: "ﺒﺪﺍﻳﺔ ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎﺻﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺑﻞ ﺗﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻌﺘﺒﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻹﺟﻤﺎﻉ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﺱ، ﻭﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﻓﻔﻴﻪ ﺧﻼﻑ ﻛﻘﻮﻝ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﻭﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ﻭﺷﺮﻉ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻭﺍﻻﺳﺘﺼﺤﺎﺏ ﻭﻋﻤﻞ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺳﺪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ، ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺭﻏﻢ ﻋﺪﻡ ﻭﺭﻭﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ؛ ﻓﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﻳﺠﺘﻨﺐ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻜﻼﺏ ﻭﺍﻟﻘﻄﻂ ﻣﺜﻼً؛ ﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳـﻠﻢ "ﻛﻞ ﺫﻱ ﻧﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﺣﺮﺍﻡ" ﻭﻛﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﻳﺠﺘﻨﺐ ﺍﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﺃﻭ ﻟﺒﺲ ﺍﻟﺤﺮﻳﺮ ﻣﻊ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﻳﻤﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻞ ﻋﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﻗﺪ ﺗﻨﺒﺄ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳـﻠﻢ ﺑﺄﻗﻮﺍﻡ ﺳﻴﻄﺮﺣﻮﻥ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﻳﻨﺒﺬﻭﻧﻬﺎ ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻨﻜﻢ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻼﻝ ﺣﻠﻠﻨﺎﻩ، ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﺮﺍﻡ ﺣﺮﻣﻨﺎﻩ ‼ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ " ﺃﻻ ﻭﺇﻧﻲ ﺃﻭﺗﻴﺖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣﺜﻠﻪ ﻣﻌﻪ، ﺃﻻ ﻭﺇﻥ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳـﻠﻢ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ" ﻫﺬﺍ ﻭﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺣﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﺪ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﺑﺔ } ﺇﻧﻤﺎ ﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎﺭﺑﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﻳﺴﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩﺍً ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻠﻮﺍ ﺃﻭ ﻳﺼﻠﺒﻮﺍ .. ﺍﻵﻳﺔ".اهـ. (انظر: موقع: شبكة المشكاة الإسلامية).

([91]) رواه النسائي في السنن الكبرى (كتاب التفسير، سورة الإسراء)، وأحمد (من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس)، وحسنه الألباني، انظر: موسوعة الألباني في العقيدة (1352).

([92]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام)، ومسلم (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم).

([93]) انظر: الردة رؤية إسلامية تأصيلية جديدة، يحيي رضا جاد.

http://www.turess.com/alhiwar/17111

([94]) رواه النسائي (كتاب تحريم الدم، الحكم في المرتد)، والترمذي (أبواب الفتن، باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)، وفي لفظ لابن ماجه "أو رجل ارتد بعد إسلامه"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7641).

([95]) الصارم المسلول على شاتم الرسول، لابن تيمية (1/320).

([96]) رواه البخاري (كتاب الأحكام، باب بيعة النساء)، ومسلم (كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها).

([97]) رواه مسلم (كتاب صفة القيامة، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة، وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا).

([98]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض)، ومسلم (كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن).

([99]) سنن سعيد بن منصور، واللفظ له (2/267)، الدار السلفية، الهند، الطبعة: الأولى، 1403هـ/1982م، والبيهقي في السنن الكبرى (8/359)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الثالثة، 1424 هـ/2003م.

([100]) رواه النسائي (كتاب قطع السارق، القطع في السفر)، وأبو داود، واللفظ له (كتاب الحدود، باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (7397).

([101]) رواه الترمذي (أبواب الحدود، باب ما جاء أن لا تقطع الأيدي في الغزو).

([102]) موطأ الإمام مالك، رواية أبي مصعب الزهري (2/503)، مؤسسة الرسالة، سنة النشر: 1412هـ.

([103]) المغني، لابن قدامة (9/3).

([104]) المصدر السابق (9/4).

([105]) رواه ابن ماجه، واللفظ له (افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين)، وأبو داود (كتاب السنة، باب في لزوم السنة)، وصححه الألباني (الصحيحة 937).

([106]) المبسوط (10/111-112)، والاختيار لتعليل المختار، لابن مودود (4/149)، مطبعة الحلبي، القاهرة، وصورتها دار الكتب العلمية، بيروت، والنتف في الفتاوى، لأبي الحسن السُّغْدي (2/690)، دار الفرقان، مؤسسة الرسالة، عمان الأردن، بيروت لبنان، الطبعة: الثانية، 1404هـ/1984م، المحقق: المحامي الدكتور صلاح الدين الناهي.

([107]) المبسوط (10/111-112)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي، مع حاشية الشِّلْبي (3/284)، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1313هـ، والاختيار لتعليل المختار (4/149)، والنتف في الفتاوى (2/690).

([108]) انظر: تفسير القرطبي (البقرة:217-218).

([109]) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب السير، ما قالوا في المرتدة عن الإسلام)، وسنن الدارقطني (كتاب الحدود والديات وغيره).

([110]) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (8/573-574).

([111]) المغني (9/16).

([112]) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب السير، ما قالوا في المرتدة عن الإسلام)، وسنن الدارقطني مختصرًا (كتاب الحدود والديات وغيره).

([113]) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب السير، ما قالوا في المرتدة عن الإسلام).

([114]) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (8/574).

([115]) المغني (9/16).

([116]) الحاوي الكبير (13/155).

([117]) رواه أحمد (مسند المكيين، حديث رباح بن الربيع)، والبيهقي في السنن الصغير (كتاب السير، باب ما يفعل بالرجال البالغين من أهل الحرب بعد الأسر وقبله)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (701).

([118]) رواه البخاري (كتاب الجهاد والسير، باب قتل الصبيان في الحرب)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب).

([119]) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (8/574).

([120]) المغني، لابن قدامة (9/4).

([121]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/135).

([122]) وانظر: المدونة، لمالك بن أنس الأصبحي (2/55)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415هـ/1994م، والبيان والتحصيل، لابن رشد القرطبي (16/392)، حققه: د محمد حجي وآخرون، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية، 1408 هـ/1988م.

([123]) البيان والتحصيل، لابن رشد القرطبي (16/392).

([124]) الذخيرة، للقرافي (8/254).

([125]) المصدر السابق (12/42).

([126]) المصدر السابق (12/40).

([127]) مختصر المزني، لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني (8/367)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، سنة النشر: 1410هـ/1990م

([128]) الحاوي الكبير (13/155).

([129]) مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، للكوسج (7/3723-3724)، الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1425هـ/2002م، وانظر: كشاف القناع، للبهوتي (6/176)، الناشر: دار الكتب العلمية.

([130]) الكافي في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة (4/60)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1414هـ/1994م.

([131]) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (8/573-574).

([132]) تفسير القرطبي (البقرة:217-218).

([133]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب المرتد، باب قتل من ارتد عن الإسلام إذا ثبت عليه، رجلًا كان أو امرأة)، وسنن الدارقطني (كتاب الحدود)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (2472).

([134]) انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، لناصر الدين الألباني (2472)، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثانية، 1405 هـ/1985م

([135]) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (8/573-574).

([136]) رواه أحمد (مسند أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه)، والدارمي في سننه، واللفظ له (كتاب الحدود، باب ما يحل به دم المسلم)، وحسنه محققو المسند.

([137]) تفسير القرطبي (البقرة: 217-218).

([138]) نقلًا عن موقع: جامعة الإيمان، مبحث بعنوان: أحكام الردة، وانظر: الأم، للشافعي (6/181).

([139]) من محاضرة للمنجد، بعنوان: المرتدون المعاصرون – على موقع الشيخ.

([140]) مسند الفاروق، لابن كثير (كتاب الجنايات).

([141]) المحلى بالآثار، لابن حزم (كتاب الحدود، مسألة المرتد تعريفه وحكمه).

([142]) الحاوي الكبير (13/443).

([143]) المشهور (قَتَل ذينك الرجلين)، والمذكور (ذانك الرجلان) لغة صحيحة، وهي لغة بني الحارث بن كعب؛ حيث يُلزمون المثنى الألف في الرفع والنصب والجر.

([144]) الصارم المسلول على شاتم الرسول (1/322).

([145]) موطأ الإمام مالك، رواية أبي مصعب الزهري (2/503).

([146]) المحلى بالآثار، لابن حزم (12/113)، الناشر: دار الفكر، بيروت.

([147]) البيهقي في السنن الكبرى (كتاب المرتد، باب من قال: يستتاب ثلاث مرات، فإن عاد قتل)، ومصنف ابن أبي شيبة، واللفظ له (كتاب الحدود، في المرتد عن الإسلام ما عليه؟).

([148]) مصنف ابن أبي شيبة واللفظ له (كتاب الحدود، في المرتد عن الإسلام ما عليه؟)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب المرتد، باب من قال: يستتاب ثلاث مرات، فإن عاد قتل).

([149]) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب السير، ما قالوا في المرتد كم يستتاب؟).

([150]) فتح الباري (12/269).

([151]) المغني (9/4).

([152]) شرح معاني الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري المصري، المعروف بالطحاوي (3/209)، الناشر: عالم الكتب، الطبعة: الأولى، 1414هـ/1994م.

([153]) الصارم المسلول ( 3 / 696 ) .

([154])  الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 1091 ).

([155]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب المرتد، باب ما يحرم به الدم من الإسلام، زنديقًا كان أو غيره)، ومصنف عبد الرزاق (كتاب اللقطة، باب في الكفر بعد الإيمان).

([156]) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب السير، ما قالوا في الرجل يسلم ثم يرتد ما يصنع به).

([157]) فتح الباري (12/268).

([158]) قتل المرتد إذا لم يتب، د. عبد الله قادري الأهدل.

([159]) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب السير، ما قالوا في الرجل يسلم ثم يرتد ما يصنع به).

([160]) المغني (9/6).

([161]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/178).

([162]) رواه النسائي (كتاب قطع السارق، القطع في السفر)، وأبو داود، واللفظ له (كتاب الحدود، باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (7397).

([163]) رواه الترمذي (أبواب الحدود، باب ما جاء أن لا تقطع الأيدي في الغزو).

([164]) البيهقي في السنن الكبرى (جماع أبواب السير، باب من زعم لا تقام الحدود في أرض الحرب حتى يرجع)، وقال ابن حجر العسقلاني: "لم

أجده، وروى الشافعي في اختلاف العراقيين عن زيد بن ثابت بهذا موقوف"، انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر (2/104)، وقال عنه الزيلعي: "غريب" انظر: نصب الراية، للزيلعي (3/343).

([165]) الهداية في شرح بداية المبتدي، للمرغيناني (2/347) الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

([166]) استفدت هنا من فتوى بعنوان: (المرتد الذي يطبق عليه حد الردة)، رقم الفتوى:50846، نقلًا عن موقع: الشبكة الإسلامية.

([167]) الفروق، للكرابيسي (1/336)، الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة: الأولى، 1402هـ/1982م.

([168]) بدائع الصنائع (7/135).

([169]) المصدر السابق (7/178).

([170]) الأم (6/172).

([171]) مختصر خليل (1/238).

([172]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/308)، الناشر: دار الفكر.

([173]) المغني (6/15).

([174]) بدائع الصنائع (7/178).

([175]) الهداية في شرح بداية المبتدي (3/276).

([176]) الاختيار لتعليل المختار (2/ 107).

([177]) كلمة: (قال) بين القوسين من إدراجي.

([178]) منح الجليل شرح مختصر خليل، للشيخ عليش (9/227)، الناشر: دار الفكر، بيروت، تاريخ النشر: 1409هـ/1989م.

([179]) الذخيرة، للقرافي (12/13).

([180]) الحاوي الكبير (13/449).

([181]) المغني (9/23).

([182]) مستفاد من بحث ليونس عبد الرب فاضل الطلول، بعنوان: أحكام الرِّدة، على موقع: جامعة الإيمان، بإشراف الشيخ عبد المجيد الزنداني – بتصرف.

([183]) كشاف القناع عن متن الإقناع (1 / 223).

([184]) الانتصار (2/ 334).

([185]) شرح العقيدة السفارينية (1 / 384).

([186]) كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية ص127.

([187]) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني - باب السحر.

([188]) المغني لابن قدامة (9 / 31). وللشافعية تفصيل طيب، ذكره الإمام السبكي، فقال: (وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّاحِرَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يُقْتَلُ كُفْرًا وَحَالٌ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَحَالٌ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا بَلْ يُعَزَّرُ.

 أَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا كُفْرًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنْ يَعْمَلَ بِسِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الْكُفْرَ. وَشَرَحَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ:

(أَحَدُهَا) أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ هُوَ كُفْرٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ وَمَتَى تَابَ مِنْهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ.

 (الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْتَقِدَ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ بِأَنْفُسِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْقَتْلُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ.

 (الْمِثَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ أَيْضًا إلَّا بِالْإِقْرَارِ وَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ.

 وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا قِصَاصًا فَإِذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إنْسَانًا فَكَمَا قَالَهُ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِهِ وَإِنَّ سِحْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهَاهُنَا يُقْتَلُ قِصَاصًا وَلَا يُثْبِتُ هَذِهِ الْحَالَةَ إلَّا الْإِقْرَارُ وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالتَّوْبَةِ.

 وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي لَا يُقْتَلُ فِيهَا أَصْلًا وَلَكِنْ يُعَزَّرُ فَهِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَا اعْتَرَفَ بِإِتْلَافِهِ بِهِ كَمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ رُوَالَهُ لَا بِقَتْلِ عَيْنٍ فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ). فتاوى السبكي (2 / 324).

([189]) اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ ابن جبرين ص39 – نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب.

([190]) انظر: الصلاة وأحكام تاركها (ص: 44)، وما بعدها.

([191]) شرح عمدة الأحكام لابن جبرين (66/ 2).

([192]) انظر: مجموع الفتاوى (7/ 70).

([193]) " موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " ( 2 / 1066، 1067 ). وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "هل يجوز التصويت في الانتخابات والترشيح لها؟ مع العلم أن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله؟ فأجابوا: "لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة إلا إذا كان من رشح نفسه من المسلمين ومن ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم، على ألا يعمل من رشح نفسه بعد تمام الدخول إلا في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية". انتهى .

([194]) العواصم من القواصم ط الأوقاف السعودية (ص: 247).

([195]) مستفاد من مقال، د. عبد العزيز العبد اللطيف، بعنوان: أمواج الردة وصخرة الإيمان: الردة مفهومها وأسبابها في العقيدة والشريعة    - على موقع: صيد الفوائد – بتصرف يسير.

 

 [A1] هل من ذاق حلاوة الإيمان يعود للكفر، روى البخاري ومسلم: " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".

 

 [A2] الدليلان (أ)، و(ب) سبق ذكرهما في كلام ابن حزم.