قوة التغيير بين العلم والقرآن
من منا لا يحلم بتغيير حياته نحو الأفضل؟ ولكن لماذا معظم الناس يفشلون بالتغيير، لنكتشف بعض الأسرار.
هل فكرت يومًا بأن تغير حياتك؟
لماذا نحلم جميعًا بالتغيير ولكن دون فائدة؟ ولماذا يبقى الوضع كما هو عليه؟ جميع الباحثين يؤكدون وجود قوة خفية للتغيير في داخلنا ولكن معظمنا يجهلها، فمنذ سنوات طويلة وأنا أحلم بأن أغير أشياء كثيرة في حياتي، ولكن المحاولات كانت تبوء بالفشل، فأجد أن الأوضاع تبقى على حالها، وذلك حتى حدث شيء مهم قلب الأمور رأسًا على عقب، إنه القرآن الكريم.
فقبل عشرين عامًا بدأتُ أتعلّق بهذا الكتاب العظيم، كتاب الله، وبدأتُ أكتشف أشياء مذهلة لم أكن أعلمها من قبل، وربما يكون الشيء الأهم الذي أحدَثَه القرآن هو إيقاظ قوة التغيير بداخلي، هذه القوة التي بقيت مختفية ونائمة حتى جاءت كلمات القرآن لتوقظها فتبدأ بممارسة نشاطها.
إنها قوة عملاقة تكمن في داخل كل منا، يمكن أن أسميها لك أخي القارئ (قوة التغيير)، هذه القوة هي التي تجعل الإنسان غنيًا، وتجعل إنسانًا آخر مبدعًا، وتجعل بعض الناس قادة أو فنانين أو علماء، وسوف أحاول أن آخذكم معي في رحلة إلى الأعماق حيث تسكن هذه القوة فلا نراها، ولكن يمكننا أن نتسلل إليها ونستثمرها بالشكل الأمثل.
قوة التغيير في داخلك!
في البداية أود أن أخبركم بأن هذه القوة موجودة في كل واحد منا، وهي تنتظرك حتى توقظها من رقادها، لتستمتع بالحياة، وتعيش وكأنك ولدتَ من جديد، ولكن هنالك بعض الحواجز التي تغلف هذه القوة، وتمنعك من الوصول إليها، فما هو الحل؟
أولًا يجب أن تعلم بوجود قوة التغيير في أعماقك، وأن تثق ثقة مطلقة بأنك ستصل إلى هذه القوة، وتكون بذلك قد قطعت نصف الطريق نحو التغيير، ويمكنك الحصول على هذه الثقة بأن تقنع نفسك بأنك ستتغير؛ لأن الله يطلب منك ذلك، وأسرتك تطلب منك ذلك، والحياة تطلب منك ذلك!
فالله تعالى يقول: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، إذن هناك تغيير يجب أن يبدأ من داخل النفس، وسوف يؤدي ذلك إلى تغيير في الظروف المحيطة بك، وهذا الكلام كلام الله تعالى يجب أن نثق به.
لو تأملتَ كل شيء من حولك تجد أنه في حالة تغير دائم، الماء الذي تشربه، الطعام الذي تأكله، اللباس الذي تلبسه، حتى الناس من حولك يتغيرون، فلماذا تبقى على حالك، لا بد من اتخاذ إجراء يضمن لك السعادة في الدنيا والآخرة.
أخي .. أختي، في اللحظة التي تنوي فيها التغيير سوف تجد أن الله معك، فهو القائل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، تأمل معي هذه الآية كم تعطيك من قوة لتغير نفسك باتجاه الأفضل، وبالاتجاه الذي يُرضي الله تعالى عنك؛ لأن الجهاد المقصود في الآية هو جهاد النفس، وجهاد العلم، وجهاد الدعوة إلى الله، وجهاد الصبر على أذى الآخرين...؛ لأن هذه الآية نزلت في مكة ولم يكن الجهاد بالسيف قد فُرض؛ ولذلك هي تتحدث عن تغيير ينبغي عليك أن تقوم به في نفسك أولًا، ثم في غيرك.
تقنيات التغيير الناجح:
إن السبب الرئيس في أن كثيرًا من الناس لا يتغيرون هو أنهم لم يدركوا شيئًا عن قوة التغيير في أعماقهم، ولذلك تجدهم يبقون على ما هم عليه، ويمكنني أن أخبرك سرًا، أخي القارئ، وهو أن معظم الإبداعات التي حققتها في حياتي كانت بعد قراءة أسرار هذا التغيير وتطبيق تقنياته.
إذن هنالك تقنيات لا بد من تعلمها؛ بل وممارستها، لتحصل على أعلى النتائج، فأهم شيء هو أن تعيد برمجة نفسك من جديد، فكل واحد منا تعود في حياته على برنامج محدد، وغالبًا ما كان هذا البرنامج يتحكم في ماضينا وحاضرنا، ولكن هل يمكن أن نقوم بإعداد برنامج جديد نتحكم نحن من خلاله بمستقبلنا؟
أهم تقنية في التغيير هي أن تدرك أن هذا التغيير لن يحدث إلا بأمر من الله تعالى! وتأمل معي هذه الكلمات الإلهية الرائعة: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} [يونس:100]، فاطلب الإذن من الله تعالى في أن يهديك إلى أقصر طرق التغيير، فهو الذي خلقك وهو أعلم بما يصلحك، وهو أعلم بمستقبلك منك، عندما تفعل ذلك ستحسّ بقوة عظيمة تتولد في نفسك؛ لأن الذي تلجأ إليه هو أعظم شيء على الإطلاق، فأنت تستمد قوتك منه سبحانه وتعالى، فممن تخاف بعد ذلك؟
الشيء الثاني يجب عليك أن تستفيد من تجارب غيرك وأخطائهم، ويمكنك أن تمارس هذه التقنية بمراقبة تصرفات الآخرين ومدى فشل أو نجاح هذه التصرفات، أي أن تكسب خبرة من تجارب غيرك، وهذا هو الإنسان الذكي الذي يشبه التاجر الناجح لا يخسر شيئًا؛ بل تجده في حالة ربح دائم، فعليك أن تراقب جيدًا، وتحلل وتستخلص العبر.
حاول أن تتخذ القرار الصحيح بالتوكل على الله، فهو القائل: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]، فمع هذا التوكل صدقني لن تتخذ قرارًا واحدًا خطأً؛ بل ستجد جميع قراراتك صحيحة، وتحقق لك النجاح؛ لأن الله تعالى هو من أرشدك إليها، فالذي يعتمد على الله ويتوكل عليه يكفيه الله ويلهمه القرار الصحيح، فهو القائل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]؛ أي هو يكفيه ولا حاجة أن تعتمد على غيره!
إن اتخاذك للقرارات الصحيحة سيقوي ثقتك في نفسك أكثر، وستشعر بالنجاح والقوة بعد كل قرار صحيح، ثم تحسّ بأنك بدأت تسيطر على حياتك شيئًا فشيئًا، وستشعر أنك بدأتَ تسيطر على عملية التغيير، وأنه بإمكانك أن تطور نفسك نحو الأفضل.
تقنيَّة التفكير والمقارنة:
هنالك تقنية هامة جدًا، وهي أن تفكر طويلًا، وتقارن بين ما سيكون وضعك عليه إذا ظللتَ على حالك، وكيف سيكون وضعك فيما لو تغيرت أو قررت التغيير! تقارن مثلًا بين الحياة التعيسة التي تعيشها وبين الحياة السعيدة التي سيمنحها لك التغيير!
إن هذه المقارنة ضرورية جدًا لتعطيك دافعًا مهمًا في التغيير، ونتذكر بأن القرآن مليء بالمقارنات؛ مثلًا يقول تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9].
إن أسلوب المقارنة يثير في النفس البشرية حب التغيير نحو الأفضل، ولكن لا تستعجل التغيير فأهم تقنية في التغيير هي الصبر، واستمع معي إلى هذه الكلمات التي قالها موسى لقومه في أصعب الظروف التي مرت بهم: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128].
إذن التغيير قادم، ولكن عليكم أن تلجئوا إلى الله، وتستعينوا به وتتوكلوا عليه وتصبروا، فإن الله سيعطيكم كل شيء ترغبون به.
وأخيرًا، إخوتي وأخواتي، هل أنتم معي في أن هذه الطريقة مفيدة للتغيير نحو الأفضل؟ إذًا لنبدأ منذ هذه اللحظة بالتوكل على الله، وننوي تغيير أنفسنا باتجاه الأفضل، والله سيهيئ لنا أسباب النجاح.
موقع: مهارات النجاح للتنمية البشرية