logo

كيف تدير مواقف الغضب؟


بتاريخ : الخميس ، 15 جمادى الأول ، 1439 الموافق 01 فبراير 2018
كيف تدير مواقف الغضب؟

أعزائي القراء

بقدر ما تكون بيئة العمل ممتعة؛ لأنها محل الإنجاز والتقدم، بقدر ما تحتوي، ولا بد، على حزمة من الضغوط، قد تتسبب في خَلْق مواقف غاضبة ينفجر فيها الفرد غاضبًا، وأحيانًا تخرج تلك الانفعالات عن السيطرة، فينتج عنها ما لا تحمد عقباه، فكيف يكون التصرف الصحيح حيال تلك المواقف؟

ماذا يحدث عندما نغضب؟

ورد عن الحسن البصري رحمه الله: «إن الغضب جمرة توقد في قلب ابن آدم، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه، وإلى احمرار عينيه، فإذا وجد أحدكم ذلك فإن كان قائمًا فليقعد، وإن كان قاعدًا فليتكئ».

عندما يغضب الإنسان يثور انفعال لا إرادي، يهيج الأعصاب، ويحرك العواطف، ويعطل التفكير، ويفقد الاتزان، ويزيد في عمل القلب، ويرفع ضغط الدم، ويزداد تدفقه على الدماغ، وتضطرب الأعضاء، ويظهر ذلك بجلاء على ملامح الإنسان، فيتغير لونه، وترتعد فرائصه، وترتجف أطرافه، ويخرج عن اعتداله، وتقبح صورته، ويخرج عن طوقه، فإن لم يكبح جماح نفسه تفلت لسانه؛ فنطق بما يشين من الشتم والفحش، وامتدت يده لتسبقه إلى الضرب والعنف.

وأثناء انفعال الغضب يزداد عدد ضربات القلب في الدقيقة الواحدة؛ فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب، أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل نبضة؛ مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وزيادة إفراز الأدرينالين. [محمد سعيد مرسي، كيف تكون أحسن مُرَبٍّ في العالم؟، ص312].

إذًا فالغضب سلوك إنساني طبيعي، ما دام محصورًا ضمن إطاره الطبيعي، لكن، في كثير من الأوقات والظروف، قد يفقد الإنسان السيطرة على انفعالاته وتصرفاته؛ الأمر الذي يؤدي إلى أن يتصرف باندفاع وبطريقة عدوانية، بصورة لفظية أم بدنية؛ مما يتسبب في الضرر لنفسه أو لمن حوله.

ليس كل غضب مذموم:

إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بعدم الغضب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أوصني»، قال: «لا تغضب»، فردد مرارًا قال: «لا تغضب» [رواه البخاري]، وفي الوقت ذاته مدح من يغضب لمحارم تنتهك، فعن عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط، ولا امرأةً، ولا ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّر بين أمرين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما، حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه، حتى تنتهك حرمات الله عز وجل».

وما ذاك النهي إلا تحذيرًا من الانفعالات السلبية للغضب، وينهانا عن الغضب السلبي، ومن الممكن أن يتحول الغضب والانفعال لدى الإنسان إلى صورته الإيجابية لو أحسن إدارته والتحكم فيه، وليس إلغاؤه بالكلية، فمشاعر الغضب هي مصدر القوة والتفاعل، ودليل اهتمام الإنسان بدينه وقيمه، فهذه المشاعر الطبيعة تؤدي إلى المحافظة على النفس، والمحافظة على الدين، والمحافظة على العرض والمال.

فما الاستراتيجيات المثلى لإدارة الغضب؟

عزيزي القارئ، إن أفضل وسيلة للتعامل مع الغضب هي مواجهته عن طريق (إدارة الغضب)، بمعنى التحكم الإيجابي في موقف الغضب، وتقدم إدارة الغضب عددًا من الاستراتيجيات الواجب اتباعها؛ بهدف إحكام السيطرة على الغضب والتحكم فيه، ومن أهم تلك الاستراتيجيات:

- دائمًا كرر لنفسك أن انفلات الغضب من سمات الضعفاء، بينما كظم الغيظ، والتحكم في الغضب، والتصرف بإنصاف مع الآخرين أثناء ذلك يمثل القمة في التحلي بالقوة والإيجابية، وفضيلة يتميز بها عباد الله الصالحون، روى ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله» [سنن ابن ماجه (4189)].

- الاسترخاء: أدوات الاسترخاء بسيطة وغير مكلفة؛ تنفس عميق، وابحث عن الهدوء، وفكر في صور محببة إلى النفس، مع تكرار عبارات معارضة للغضب، ومن الأفضل أن تقرأ عن أسس الاسترخاء السليم؛ لجني فائدة أكبر.

- إعادة البناء المعرفي: الهدف من هذه الخطوة هو إعادة بناء طريقة التفكير، وذلك بالتخلي عن سلبيات؛ كاستخدام ألفاظ حادة تعكس أفكار الشخص وتصوراته، وذلك بإيجاد صيغ بديلة أكثر تفاؤلًا ولطفًا، كذلك الابتعاد عن كلمات من نوعية (أبدًا) و(دائمًا) عند التحدث عن نفسك أو عن الآخرين، والابتعاد عن لغة التعميم.

- مواجهة المشكلة: قد تتسبب الصعوبات والمشاكل في استثارة أحدنا وإدخاله في مصيدة الغضب، وللتغلب على هذا الموقف ليس على الإنسان أن يجد حلًا للمشكلة في كل مرة، فأحيانًا قد يغيب الحل أو يتأخر، وهو ما يسبب الإحباط والتوتر؛ لذا على الشخص، في مثل تلك الحالات، العمل على المشكلة ككل من خلال خطة، وعدم البحث عن حل فوري غير متوافر، كما يجب دراسة تقدم الخطة كل فترة، وذلك لمواجهة المشكلة بطريقة عملية، وعدم الاستسلام للغضب الناتج عن غياب الحل.

- التواصل السليم: بعض الغاضبين يقفزون على النتائج، متجاوزين العديد من المراحل في التواصل مع الآخرين وإدراك أبعاد الموقف، وهنا يجب ممارسة فن الإنصات للآخرين، والبحث في خلفية أقوالهم من أجل تواصل سليم، وإيجاد مساحة مشتركة من الحوار.

- حس الفكاهة: الهدف من هذه الخطوة هو التخفيف من وطأة الموقف، وليس التهوين أو الاستهزاء، فحالة الغضب تسيطر عليها الجدية؛ لذا يأتي حس الفكاهة، وتشبيه الموقف المسبب للغضب بتشبيهات ساخرة؛ ليخفف من التوتر والإحساس بالتهديد، ويعيد الشخص إلى ساحة التفكير.

- تغيير الوضع والمكان: أحيانًا ما يكون تغيير المكان، وأخذ قسط من الراحة، وتبديل الوجوه مفيد في تنمية القدرة على إدارة الغضب، وذلك عقب الابتعاد عن مصادر المشاكل أو الإحباط، كما أنه يعطي فرصة لتجديد النشاط الذهني، كما أنه لا بد من فترات راحة أثناء اليوم؛ لممارسة الاسترخاء أو زيارة أماكن جديدة؛ وذلك بهدف الخروج من سيطرة الغضب.

- ابق هادئًا: عليك أن تلتزم الهدوء في التعامل مع الشخص الغاضب؛ لأن شخصين غاضبين لا يمكنهما التعامل بصورة طبيعية على الإطلاق، فالنقاش، لا محالة، سيكون عقيمًا ولا معنى له، وسينتهي إلى زيادة في الغضب والقتال، فهو كمن يصب النار على الزيت، فالأفضل أن تبقى هادئًا قدر الإمكان؛ لكي تحتوي الموقف.

وأخيرًا، تذكر:

- الإدارة الناجحة للانفعال والغضب تعني القوة، كما تعلمنا من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب».

- عند أي موقف غضب هدئ من نفسك تدريجيًا، وافزع إلى ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف الغضب؛ مثل الوضوء، أو الصلاة، أو تغيير وضعك من الوقوف إلى الجلوس.

- تعلم كيف تتحاور مع الناس، وليكن حوارك بطريقة بناءة.

- حاول أن تحلل المشكلة التي أدت إلى الغضب؛ لتكتشف السبب الحقيقي وراء هذا الغضب.

- لا تأخذ قرارًا في أثناء الانفعال.

- اجعل قراراتك تحل المشكلة من جذورها.

- حاول أن تراجع نفسك في مواقف الغضب.

- إذا لم تكن أنت السبب، أو لا مبرر لغضب الطرف الآخر منك، فلا تُطِل النقاش وانسحب في أقرب فرصة.

- أخيرًا حاول التماس العذر للناس، فربما يكون الطرف الآخر الذي أغضبك يعيش ظرفًا صعبًا.

موقع: مفكرة الإسلام