logo

فن التعامل الدعوي الناجح


بتاريخ : الأحد ، 13 شوّال ، 1440 الموافق 16 يونيو 2019
فن التعامل الدعوي الناجح

الدعوة إلى الله عز وجل من أجَلِّ الأعمال وأفضلها، وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة، ومنها تستمد هذه الأمة خيريتها، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران:110]، وقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه عندما قرأ هذه الآية: «من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها»، قالوا: «وما شرط الله فيها؟»، قال: «تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»(1).

كما أن الصفة الفارقة بين المنافقين والمؤمنين هي صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67]، وبعدها قال عن المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [التوبة:71].

 قال القرطبي معلقًا على هاتين الآيتين: «فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقًا بين المؤمنين والمنافقين؛ فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»(2).

كما أن الدعوة تضمن لصاحبها النجاة من عذاب الله، كما قال تعالى في نهاية قصة أصحاب السبت: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:165].

والدعوة بحاجة إلى داعية رحالة، يحمل دعوته ورسالته فوق ظهره؛ يتحرك بها في أرجاء الكرة الأرضية، شعاره {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص:20]؛ فهو ساع إلى الخير دائمًا في حركة دائبة وترحال لا يتوقف، وهو فارس لا يترجل، يجوب الأقطار والأمصار شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه.

والدعوة إلى الله بحاجة إلى رجل له من ميراث يحيى عليه السلام نصيب؛ فقد أمره الله بقوله: {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]، فأخذه بهمة وعزيمة، وقام يبلغ قومه وينذرهم، وجعل من نفسه وقفًا لدعوته، حتى قُطِعت رقبته فداءً لدين الله، وهكذا يجب أن يكون الداعية في أخذه دعوة الله بقوة، وقيامه بها، ووقف حياته لها.

قال صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعم»(3).

والداعية الناجح لا ينسى أن الدعوة بالقدوة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة بالأمل من وسائله الدعوية الأساسية للوصول إلى الجماهير.

متى يملك الدعاة التأثير في الناس؟

إن تغيير حال الأمة لن يتم إلا إذا غير أبناؤها ما بأنفسهم {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].

والواقع يخبرنا أن هذا الأمر غاية في الصعوبة، فموجة المادية في علو، وانجذاب المسلمين نحو طين الأرض في ازدياد، ولكي يتم الأخذ بأيديهم إلى تغيير ما بأنفسهم، وتقوية الإيمان في قلوبهم، وتصحيح الأفكار والمعتقدات في عقولهم، والتأثير الإيجابي الدائم فيهم؛ لا بد من وجود رجال صادقين متوهجين، يؤثرون فيمن حولهم بحالهم ومقالهم.

فالبداية الصحيحة للتغيير هو وجود الشخص المتوهج، صاحب الروح اليقظة، والإيمان الحي...

إن كل كلام يصدر عن القلب، كما يقول محمد إقبال، يترك أثره في القلوب، والأفكار الصادقة لا أجنحة لها، لكنها تسبق الطيور، وكل كلام قدسي المنبع فهو أبدًا يتجه إلى العلا(4).

وفي هذا المعني يقول محمد أمين المصري: «إن العامل الأساس في نجاح الداعية ليس كثرة علمه، ولا قوة بيانه وسحره، ولكن هنالك عاملًا قبل كل هذه الأمور: هو الإيمان بالدعوة التي يدعو إليها، والخوف الشديد مما يعتريها، والشعور بالأخطار التي تقع بسبب إهمال الدعوة، إن مثل هذا الإنسان يصيح بالناس، ويترك فيهم أقوى الآثار ولو كان أبكم»(5).

ويؤكد أبو الحسن الندوي رحمه الله على هذه القاعدة فيقول: «لقد ضل من زعم أن العلماء يتفاضلون بقوة العلم، وكثرة المعلومات، وزيادة الذكاء، وأن الشعراء يتفاضلون بقوة الشاعرية، وحسن اختيار اللفظ، ودقة المعاني، وأن المؤلفين يتفاضلون بسعة الدراسة والمطالعة، وكثرة التأليف والإنتاج، وأن المعلمين يتفاضلون بحسن الإلقاء والمحاضرة، واستحضار المادة الدراسية، وكثرة المراجع، وأن المصلحين والزعماء يتفاضلون بالبراعة في الخطابة، وأساليب السياسة والحكمة واللباقة، إنما يتفاضل الجميع بقوة الحب، والإخلاص لغايتهم.

إذا فاق أحدهم غيره فإنما يفوقه لأن الغاية أو الموضوع حل في قرارة نفسه، وسرى منه مسرى الروح، وملك عليه قلبه وفكره، وقهر شهواته، واضمحلت فيه شخصيته، فإذا تكلم تكلم عن لسانه، وإذا كتب كتب بقلمه، وإذا فكر فكر بعقله، وإذا أحب أو أبغض فبقلبه»(6).

عوامل النجاح الدعوي:

أولًا: القدرة على نقل المبادئ والعلوم بإتقان:

ويتطلب ذلك قدرة فائقة على ضبط المعلومات وفهمها فهمًا صحيحًا، ثم ترتيبها حسب الأولى، ثم نقلها إلى الناس بدقة واتزان، وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها، فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»(7).

 قال إبراهيم بن محمد: «كفى من حظ البلاغة ألا يؤتى السمع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع»(8).

ثانيًا: معرفة أحوال المخاطبين:

إن معرفة اتجاهات الناس الفكرية، والنظم الاجتماعية السائدة بينهم، تعين في التزام الأسلوب العلمي المناسب في التواصل البناء معهم؛ ولهذا لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن قال له: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم...» الحديث(9).

فعرفه أولًا بالبيئة التي أرسله إليها، ثم بين له سبيل التواصل معهم، فالاتصال بالناس يتطلب مخاطبتهم على قدر عقولهم وفهومهم؛ ليكون ذلك أبلغ في التأثير عليهم، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟»(10).

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»(11).

ثالثًا: القدرة على الإقناع:

وهذه مهمة صعبة، لا يتقنها كل أحد؛ فكم من متحدث متقن للعلوم التي يتحدث عنها، لكنه يخفق في إقناع الناس بما عنده؟! وربما تجد شخصًا أقل بضاعة وأضعف فهمًا لكنه ألحن حجة وأحسن بيانًا، وهذا المعنى أحد فوائد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من البيان لسحرًا»(12).

وإذا أردت أن تقف على أمثل درجات الإقناع وأعلاها منزلة فاقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهي عامرة بالشواهد والأمثلة، ومن ذلك أنه لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم الفيء في المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئًا، فكأنهم حزنوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألَّفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟»، كلما قال شيئًا، قالوا: «الله ورسوله أمن»، قال: «ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، قالوا: «الله ورسوله أمن»، قال: «لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أَثَرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»(13).

فانظر إلى عظيم حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه ربى الأنصار رضي الله عنهم أحسن تربية، ونقلهم من التطلع إلى فيء الدنيا وزخرفها الزائل إلى عظيم أجر الله تعالى لهم ونعيمه الدائم، ولهذا جاء في بعض روايات الحديث أن الأنصار بكوا بعد سماع كلامه صلى الله عليه وسلم، وقالوا: «رضينا برسول الله قسمًا وحظًا»(14).

ولأهمية الإقناع في إيصال المبادئ والأفكار إلى السامعين أضحت وسائله علمًا يدرس، ووضعت له قواعد وأصول، فإذا كان التلقين المجرد عن البرهان قد يستسلم له طائفة من الناس، فإن طوائف أخرى كثيرة لن تقبل إلا ما تؤمن به وتطمئن إليه، وأحسب أن الدعاة إلى الله أولى الناس بدراسة هذا العلم، ومعرفة فنونه وطرائقه؛ فهم حملة رسالة عظيمة، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، وسلامة المنهج الذي يحملونه ليس كافيًا وحده في إقناع الناس؛ بل لا بد من سلامة العرض وقوة الإقناع.

رابعًا: الجاذبية الشخصية:

وهي عامل رئيس في مخاطبة الناس والتأثير عليهم، فإذا لم يحب الناس من يدعوهم إلى الخير ويألفوه فإنهم لن يسمعوا منه أو يلتفتوا إليه.

ومن أهم مقومات الجاذبية الشخصية:

1- إظهار المحبة والشفقة على الناس، حتى على المقصرين منهم؛ فالداعية الصادق همه أن يهتدي الناس إلى الحق، ولا يظهر الشماتة أو التشفي أو الرغبة في الانتصار.

2- حسن الخلق في تواصله مع الناس: فذلك يجعل الداعية يألف ويؤلف، والكلمة الطيبة مفتاح القلوب، وعنوان النجاح، ورب كلمة لطيفة يسديها الداعية إلى بعض الناس لا يلقي لها بالًا تفعل فعلها في نفوسهم، وتثمر خيرًا كثيرًا، وما ظنك بذلك الأعرابي الذي بال في المسجد فثار عليه الناس ليقعوا به، لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنَّفه وشدد عليه فهل كان من الممكن أن يبقى على دين الإسلام؟! ولكن تأمل موقف النبي صلى الله عليه وسلم لما غلب جانب الهداية على جانب الطهارة، حتى يُعَلِّم الأعرابي ويفقهه في الدين، ثم انظر أثر ذلك في قلب الأعرابي عندما قال: «اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا»(15).

3- الحلم وسعة الصدر: فالإنسان المتشنج الغضوب سريع الانفعال، لن يجد من المدعوين إلا النفرة والإعراض، أما الحليم الذي يصبر على جهل الجهول وأذاه فهو الذي يفلح في تبليغ رسالته البلاغ المبين، وينجح في استمالة الناس إليه، ومن الدلائل اللطيفة على ذلك ما رواه معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: «بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: (يرحمك الله)، فرماني القوم بأبصارهم! فقلت: (واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟!)، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله، ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: (الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)»، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(16).

خامسًا: القدرة على التفاعل الإيجابي مع المدعوين:

أحسب أن كثيرًا من الناس يأسرهم ويشدهم إلى قلب المتحدث تفاعله الحي معهم، وكثير من الإخفاق الدعوي الذي يعرض لبعض الدعاة من أسبابه الرئيسة قصورهم في التجاوب مع آراء الناس ومشكلاتهم، وقصورهم في إدراك ردود الأفعال بحجمها الصحيح؛ فهو لا يعرف ما إذا كان السامعون فهموا مراده، وآمنوا برسالته، أم أنه يتحدث في واد والناس في واد آخر.

لقد رأينا دعاة يعتقدون أنهم أدوا الواجب وأبرءوا الذمة بمجرد وقوفهم أمام الناس متحدثين، وهَذِّهم ما عندهم هذًا، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر في نتائج ذلك العمل، ومقدار احتفاء الناس به وتفاعلهم معه.

لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على كسب قلوب الناس، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام؛ كراهة السآمة علينا»(17).

ووصفت عائشة رضي الله عنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم بقولها: «كان يتكلم بكلام بَيِّن فَصْل، يحفظه من جلس إليه»(18).

إن ثمة حقيقة ناصعة الوضوح، يجب على الدعاة أن يستصحبوها في جميع مناشطهم الدعوية، وهي أن الساحة الحالية ساحة منافسة وسباق مع شتى التيارات الفكرية، والأقدر على تحسين أدوات الاتصال بالناس هو الذي سوف يحظى بلا شك بقلوبهم(19).

سادسًا: الفقه في الدين:

وقاية الداعية من العثرات والزلات يكون بالتفقه في الدين، فلا يتخبط في دين الله بالتقول على الله ورسوله بغير علم، أو بالغلو في الدين والتشدد فيه، بما يخالف شرع الله، ولا يخذل أي دعوة لها وجهة شرعية مقبولة، وإن كانت لا تروق له، وبينت حاجة الأمة إلى تكامل الجهود الدعوية، بحيث يكمل كل داعية جهود أخيه، ولا يكون حجر عثرة في طريق دعوته بسبب تنافس أو تحزب أو تحاسد أو تباغض؛ لأن ذلك يسبب تساقط الجهود الدعوية، وإضعاف أثرها في الأمة، والدعاة العاملون في الساحة لم يستوعبوا بعد حجم الأمة الهائل بالنسبة لقلة أعدادهم، فليس من الحكمة ولا من مصلحة الدعوة أن يزيد الداعية الدعوة ضعفًا وخورًا بإبطال دعوة الآخرين، والتي لها وجهة شرعية مقبولة.

ولقد كان المرجع في عهد النبوة هو الوحي، فما كان يحصل من أمر ذي بال إلا ويأتي ببيانه الوحي، إما قرآنًا يتلى، أو سنة تقتفى عنه صلى الله عليه وسلم.

ولهذا كان زمن النبوة هو أفضل الأزمان، ونَاسُه خيرُ الناس؛ لأن الوحي كان حاضرًا بينهم.

واليوم، وبعد انقطاع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم، لم تنقطع هذه المرجعية؛ بل مات صلى الله عليه وسلم وقد ترك فينا شيئين هما المرجعية الأولى لكل مؤمن ومؤمنة؛ الكتاب والسنة، قال صلى الله عليه وسلم: «قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا؛ كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم»(20).

إنه صلى الله عليه وسلم لما دل الأمة على المرجعية في العمل بالكتاب والسنة، دلهم على منهجية التعامل مع هذه المرجعية، وأن التعامل يكون معها بفهم السلف الصالح لها وتطبيقاتهم لهذه المرجعية، وهذا المعنى الذي أكده القرآن في قول الله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].

سابعًا: الاجتماع وعدم الافتراق:

والأصل في ذلك قول الله جل وعز: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ} [آل عمران:103].

ولازم هذا الاجتماع أن يكون اجتماعًا على الحق، والحق هو الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ}، وحبل الله هو كتابه جل وتعالى الموصل إليه.

ومقتضى هذا الاجتماع:

- التناصح لا التفاضح.

- التعاون: قال الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وهو الأمر الذي عناه موسى عليه السلام فيما أخبر الله تعالى به في قوله: {هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)} [طه:30-34].

فتأمل كيف كان التعاون سبيلًا لشد الأزر والمداومة على التسبيح والذكر.

- الصبر: فإن الله خلق الخلق أزواجًا في أصنافهم وفئاتهم وأفهامهم وعقولهم وتصوراتهم، فمقتضى الاجتماع أن يصبر أهل الاجتماع بعضهم على بعض.

فإنه قد لا تتفق أفهامهم على موقف أو معنى، لكن من أجل الاجتماع ينبغي أن يكون الصبر حتى لا تقع الفرقة والاختلاف.

قال الله تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].

 وعلى هذا المعنى يكون الاجتماع من تمام إيمان العبد، يقول ابن سعدي رحمه الله: «ولا يتم الإيمان إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويترتب على ذلك أيضًا محبة الاجتماع».

ثامنًا: فقه المصالح والمفاسد:

فإن الله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فقاعدة: «جلب المصلحة ودفع المفسدة» إذن هي مدار الشريعة كلها، فمن لم يفقه هذه القاعدة فلا علم له بالشريعة؛ لأن الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح للناس، ولدفع المفاسد عنهم، فما أمرت بشيء أو أباحته إلا وفيه مصلحة محققة، ولا نهت عن شيء ومنعته إلا وفيه مفسدة محققة، وقد يكون في الشيء مصالح ومفاسد، ولكنها تمنعه لرجحان المفسدة، أو تبيحه لرجحان المصلحة.

- موقفه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وموافقته على الصلح، الذي كان في ظاهره هزيمة وضعفًا، والله تعالى سماه فتحًا فقال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح:1].

- عن قبيصة بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم، وهي عليهم، فصلّوا معهم ما صلّوا إلى القبلة»(21).

وفي سبيل وضوح هذا الفقه ينبغي أن تراعى الأمور التالية:

- مراعاة أن تكون المصلحة مصلحة شرعية لا تعارض النص.

- الجمع بين المصالح كلها، فإن لم يكن فتقديم أعلى المصلحتين، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

- ارتكاب أهون المفسدتين.

- دفع الضرر العام بالضرر الخاص.

- ارتكاب المفسدة في سبيل تحقيق مصلحة عامة.

- ينبغي التفريق بين القضايا الثابتة والمتغيرة بتغير الأحوال والزمان.

إلى غير ذلك من الأمور التي تعين، بعد تقوى الله ولزوم أمره ومعرفة مقاصد الشريعة، على فقه الواقع والتطبيق.

تاسعًا: حسم الأعمال الحاضرة والاهتمام بها في وقتها:

وهو الأمر الذي نقرأه في وصية أبي بكر رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: «واعلم أن لله عملًا في الليل لا يقبله في النهار، وأن لله عملًا في النهار لا يقبله في الليل»(22).

قال الله تعالى: {فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ (21)} [محمد:20-21]؛ أي: فأولى لهم أن يمتثلوا الأمر الحاضر المحتم عليهم، ويجمعوا عليه هممهم، وبذل الجهد في امتثاله.

عاشرًا: حسن الجمع بين المثابرة والصبر والثبات وعدم اليأس:

فالمثابرة على الأعمال والصبر عليها والثبات وعدم اليأس أسباب لحصول نتائج الأعمال وثمراتها؛ ولذلك كان سرًا من أسرار تكرار سؤال العبد للهداية في كل ركعة من صلاته بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]، هداية توفيق وإرشاد، وهداية ثبات ومثابرة عليها، وعلى هذا كانت التربية النبوية: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل»(23)، فالعبرة بالثبات والدوام لا بالكثرة المنقطعة.

ليكن في حسبان الداعية أن طريقه محفوف بالمخاطر، مفروش بالأشواك، ففي كل لحظة وساعة يتوقع وقوع الخطر، وليكن أسوته الخليل إبراهيم عليه السلام في ذلك، لا يثنيه تخويف المرجفين، ولا يرده بطش الجبارين.

إن من أسباب نجاح الداعية عدم المبالاة بتعاظم الأخطار؛ كحال الخليل عليه السلام؛ فإنه لم ينزعج ولم يضطرب مع أنه يعاين بعينيه ما ينظم له من الخطر، وما ينصب له من النكال.

روي أن الأسود بن قيس ذا الحمار تنبأ في اليمن، فبعث إلى أبي مسلم الخولاني، فلما جاء قال: «أتشهد أني رسول الله؟»، قال: «ما أسمع»، قال: «أتشهد أن محمدًا رسول الله؟»، قال: «نعم»، فردد ذلك مرارًا، فأمر بنار عظيمة فأججت ثم ألقي فيها فلم تضره، فأمره بالرحيل فأتى المدينة، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه لأبي بكر: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم»(24).

الحادي عشر: معرفة طبائع الناس:

هذه المعرفة من أعظم ما يدل على نجاح العمل، وظهور أثره في الآخرين.

كان صلى الله عليه وسلم يعامل الأعراب غير معاملة الأصحاب، وفي الأصحاب يعامل أبا بكر وعمر على غير ما يعامل به عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعًا.

يجلس مرة هو وأبو بكر على بئر وهو كاشف عن فخذه، فاستأذن عليه عمر فأذن له، فاستأذن عليه عثمان فأرخى صلى الله عليه وسلم ثوبه على فخذيه وأذن لعثمان وقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»(25)، ويأتيه رجل فيسأله عن أحب الأعمال فيقول له: «الصلاة على وقتها»، وآخر يدله على الذِّكر، وآخر على الجهاد، وآخر يلفت نظره إلى البر بوالديه، وآخر إلى ترك الغضب، وغير ذلك من المواقف العملية التي تشهد بنجاح دعوته صلى الله عليه وسلم، التي كان يميزها أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع الناس بالشيء الذي يجده أنفع وأقرب لأفهامهم.

إن نجاح الداعية مرتبط بقدرته على الإيغال في نفوس المدعوين، ومعرفة الوسيلة الأمثل لسوقهم إلى تطبيق شرع الله في حياتهم، وأن هذا يحتاج إلى علم راسخ ومهارة شخصية وخبرة وتجربة، وأن القدرة على الاستيعاب تختلف من داعية إلى آخر، إلا أن كل داعية لا بد أن يتمتع بحد أدنى من القدرة على استيعاب المدعوين، وإلا كان منفرًا عن دين الله، فمهما كان حال المدعو من قوة أو سلطان أو ضعف، أو فقر أو غنى، أو صحة أو مرض، أو كفر أو معصية أو إيمان، يستطيع الداعية بفقهه ومهارته أن يستوعبه في دعوته، وأن يصل إلى أعماق نفسه(26).

فتذكير الناس بما هو أقرب إلى عقولهم وأنسب إلى أحوالهم أولى من التذكير بطرق أخرى، وإن كانت حقًا لكن الحق يتفاوت، والمذكر الفطن هو الذي يصل إلى الناس من الطريق الذي يعقلونه ويفهمونه، وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله في آخر قصة عاد: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ}؛ أي نوعناها بكل فن ونوع، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأحقاف:27]؛ أي ليكون أقرب لحصول الفائدة.

وتلك هي سياسة القرآن في التعامل مع الآخرين، قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199](27).

قال ابن القيم رحمه الله: «تدبر لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حق الله فيهم، والسلامة من شرهم، فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم.

فإن العفو ما عفى من أخلاقهم، وسمحت به طبائعهم، ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم، فهذا ما منهم إليه، وأما ما يكون منه إليهم فأمرهم بالمعروف، وأما ما يتقي به أذى جاهلهم فالإعراض عنه، وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها، فأي كمال للعبد وراء هذا؟ وأي معاشرة وسياسة لهذا العالم أحسن من هذه المعاشرة والسياسة»(28).

ثاني عشر: التواصل مع الناس:

إذا استطعت أن تحسن التواصل مع نفسك من خلال ما ذكرنا فإنك لا شك سوف تحسن التواصل مع الناس، وسنذكر لك هنا بعض الفنون والمهارات التي تكسب بها قلوب الناس، وتحقق تواصلًا دعويًّا ناجحًا، ومنها:

1- الابتسامة: هذه المهارة لها فعل السحر مع من تتعامل معه، وهي سنة عن أنبياء الله تعالى، قال تعالى عن نبيه سليمان: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل:19]، وقد جاء في المثل الصيني: «من لا يستطيع أن يبتسم لا يستطيع أن يفتح متجرًا».

2- الاستماع الجيد للآخرين:

حتى وإن خالفوك الرأي، فالاستماع إلى ما يقوله الآخر يجعله يشعر بارتياح شديد؛ لأنه أتى بما يريد أن يقول، وبعد أن تستمع جيدًا له ابدأ أنت في توصيل ما تريده، فهو لا شك سيسمعك، وقد جاء في كتب السيرة موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن أبي ربيعة، عندما جاءه عتبة يعرض عليه عدة أمور على أن يترك دين الإسلام والدعوة إليه، تصور ما يعرضه عتبة على المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ إنه يعرض عليه ترك الدين، ومع ذلك استمع إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقاطعه، حتى انتهى من كلامه.

3- نداء الآخر بأحب الأسماء إليه:

وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع عتبة في الموقف السابق، عندما انتهى من كلامه قال له: «أفرغت يا أبا الوليد؟»، فقد كناه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر اسمه مجردًا، على الرغم من أن عتبة كافر، وقد جاء يتكلم في قضية خاسرة ومرفوضة مسبقًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي استمع إليه، ثم ناداه بأحب الأسماء إليه.

4- عدم جرح مشاعر الناس عند الخطأ:

أخي الداعية، لا ترق ماء وجه أخيك، واحفظ له حرمته حتى وإن أخطأ، وانظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، أو الأعرابي الذي بال في المسجد، أو الرجل الذي تكلم في الصلاة.

5- إنزال الناس منازلهم، وتطييب الخواطر الإنسانية:

لا شك أن إنزال الناس منازلهم يجعلهم يقدرون الداعية ويستمعون إليه، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للأنصار: «قوموا لسيدكم»، كما أن تطييب الخواطر مطلوب، فبعد غزوة حنين، عندما وزع الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائم، لم يعط الأنصار شيئًا، وجدوا على أنفسهم، فجمعهم، وقال لهم مطيبًا خواطرهم: «أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبها»، ودعا لهم بالرحمة، ولأبنائهم وأبناء أبنائهم(29).

ثالث عشر: الانطلاقة المزدوجة:

فالداعية لا يحقق الانتشار لدعوته إلا من خلال اتصاله المتعدد والمزدوج؛ فهو يبلغ دعوته للعامة من الناس والملأ في آن واحد، ويتوجه بدعوته إلى الغني والفقير، والحاكم والمحكوم، والمؤيد والمعارض، كما أنه يسير بدعوته على محورين اثنين: الدعوة الجماهيرية العامة، والدعوة الفردية الخاصة؛ فهي انطلاقة مزدوجة، تحقق له، كما قال الأستاذ محمد أحمد الراشد، انسيابية المجتمع، والبحث عن الرواحل، واصطفاء الأخيار، كما أنه يتوجه بدعوته للصغير والكبير، وللرجال والنساء جميعًا؛ لا يترك أحدًا من خلق الله إلا وبلغه دعوته(30).

أهم عوامل نجاح رسالة الداعية الإعلامية:

1- التناغم أو التشابه والمشاركة في الخبرات والصور لدى كل من المُرسِل (الداعية) والمستقبل (الجمهور)، بما يكفل فهم الرموز ومعرفتها والاستجابة لها.

2- استثارة انتباه المستقبل، واستعمال رموز مفهومة.

3- ربط الرسالة الإعلامية بحاجات المستقبل، مع اقتراح حلول مشبعة لها، بشرط ألا تتنافى مع العادات والتقاليد والقيم والمعايير الاجتماعية.

4- مراعاة الحالة النفسية للمستقبل، ومراعاة الدقة في اختيار الوقت المناسب والمكان الملائم والوسيلة المجدية، حسب نوع وقدرة المستقبل.

5- الاهتمام باستعمال الألفاظ وتقديم الصور التي يستطيع المستقبل فهمها والاستجابة لها، حسب إطاره المرجعي وخلفيته الاجتماعية والاقتصادية.

6- التخلص من عوامل التشويش، التي تقف في سبيل التفاهم بين المرسل والمستقبل، ومن أمثلة ذلك صعوبة فهم رسالة الداعية الإعلامية، أو سرعة تقديمها، أو انعدام وسيلة نقلها... إلخ(31).

وممارسة الدعوة إلى الله تعالى من خلال التقنيات الحديثة والإنترنت خاصةً لا تحتاج لشهادات أو دورات معقدة؛ فلقد تعلم الكثيرون من الدعاة أصحاب الشهادات الشرعية الكثير من وسائل وأساليب استغلال هذه الشبكة في الدعوة إلى الله في أيام قليلة، واهتدى على أيديهم خلق كثير، لا يعلمهم إلا الله، فخصوصية التعامل مع الشبكة في أناس متخصصين قد اضمحلت؛ لما تتمتع به هذه الشبكة من المرونة في التعامل معها لدى جميع شرائح المثقفين.

فالإنترنت مثلًا، في أحيان كثيرة، ليس وسيلة احتكاك مباشر بالناس، وهذا الأمر يعطي قدرًا كبيرًا من المرونة للدعاة؛ فإن الناس سيستفيدون من موقعك الدعوي والمعلومات المتوفرة فيه، وهذا أمر يختلف عن الشيخ الذي يجلس في المسجد ويعلم الناس؛ فإنه في حال سفره أو مرضه تنقطع الاستفادة من علمه، ثم أيضًا لو سألك إنسان بطريقة مباشرة عن حكم من أحكام الإسلام ولا تعرفه فتجيبه بعدم المعرفة، أما عبر الإنترنت والاحتكاك غير المباشر فإنه ينفع في إعطائك وقتًا كافيًا للبحث، أو سؤال العلماء، ثم الرجوع إلى السائل بالإجابة، وهكذا(32).

هناك بعض الحقائق المهمة التي ينبغي مراعاتها:

1- إن المتأمل للواقع الحالي يجد صراعًا حضاريًا وثقافيًا وإعلاميًا يدور على الساحة لم يسبق له مثيل، وهذا الصراع لا يقل خطورةً عن الصراع الاقتصادي والعسكري والسياسي إن لم يزد عليه.

2- إن الدعوة الإسلامية تحتاج بشكل مُلِح إلى داعية متميز ومتعدد الوسائل والأساليب، وبرغم أهمية الوسائل التقليدية؛ كالمسجد والدعوة الفردية، في التأثير إلا أن وسائل الاتصال الحديثة؛ كالإنترنت والأقمار الصناعية والفضائيات، أصبحت ضرورةً مهمةً من أجل خدمة أهداف وغايات الدعوة الإسلامية؛ وبالتالي فإنه لا غنى عن الوسيلتين معًا، التقليدية والحديثة.

3- إن رسالة الإسلام عامة إلى كل الخلائق، وهذا يفرض على الداعية الشمول التام في فهم رسالة الإسلام أولًا، ثم فهم الوسيلة المستخدمة والمناسبة، ثم فهم من توجه إليهم هذه الرسالة.

4- إن الإسلام دين متحرك سيال، لا يعرف الجمود في مكان ولا زمان، لكن المشكلة في الأساس تكمن في المسلمين لا في الإسلام.

5- إن الإسلام أعظم رسالةً، ولا بد أن تستخدم من أجله أعظم الوسائل وأشدها تأثيرًا.  

خطوات ومقترحات لا بد منها:

1- فهم الواقع الذي يعيش به الداعية، وطبيعة الناس الذين يدعوهم؛ حتى يكون خطابه ملائمًا لهم.

3- أن يتوفر لدى الداعية ثقافة جيدة واطلاع على ما يحدث في هذا العالم.

4- تدريب الداعية على المهارات والوسائل الدعوية، خاصةً الحديثة منها، وكذلك استخدام مختلف التقنيات لتحقيق هدفه(33).

***

______________

(1) التفسير المنير، للزحيلي (4/ 41).

(2) تفسير القرطبي (4/ 47).

(3) أخرجه البخاري (2847).

(4) حديث الروح، للصاوي شعلان، ص63.

(5) المسئولية، ص31.

(6) روائع إقبال، للندوي، ص26.

(7) أخرجه أبو داود (3660).

(8) مقدمة ابن خلدون، ص35.

(9) أخرجه البخاري (1458).

(10) أخرجه البخاري (124).

(11) أخرجه مسلم في المقدمة (1/ 11).

(12) أخرجه البخاري (5146).

(13) أخرجه البخاري (3985)، ومسلم (1758).

(14) سيرة ابن هشام (3/ 77).

(15) أخرجه البخاري (5551).

(16) أخرجه مسلم (537).

(17) أخرجه البخاري (68).

(18) أخرجه الترمذي (3639).

(19) حسن الاتصال بالناس، مجلة البيان، (العدد:162).

(20) أخرجه الحاكم (318).

(21) أخرجه أبو داود (434).

(22) الزهد، لأبي داود، ص53.

(23) أخرجه مسلم (2818).

(24) تهذيب التهذيب، لابن حجر (12/ 236).

(25) أخرجه مسلم (2401).

(26) نتائج البحوث وخواتيم الكتب (1/ 380، بترقيم الشاملة آليًا).

(27) معالم النجاح في العمل الدعوي، موقع: صيد الفوائد.

(28) الرسالة التبوكية (زاد المهاجر إلى ربه)، ص75.

(29) التواصل الدعوي الناجح.. فنون ومهارات، موقع: بصائر.

(30) معالم أساسية لانطلاقة الداعية، موقع: همسات تربوية.

(31) أهمية توظيف المهارات في الدعوة إلى الله، موقع: معرفة الله.

(32) الدعوة واستخدام التقنيات الحديثة، موقع: مقالات الشبكة الإسلامية.

(33) أهمية توظيف المهارات في الدعوة إلى الله.